الإنتاج المعرفي والعلمي العربي بين تراث تقليدي موجود وعقل علمي مفقود


فئة :  مقالات

الإنتاج المعرفي والعلمي العربي بين تراث تقليدي موجود وعقل علمي مفقود

الإنتاج المعرفي والعلمي العربي بين تراث تقليدي موجود وعقل علمي مفقود


تقدم لنا كثير من مراكز الأبحاث والدراسات العربية والدولية - في إحصائياتها وبياناتها السنوية والنصف سنوية([1]) - أرقاماً ومعدلات منخفضة مخيفة حول ضعف الإنتاج المعرفي العربي، بما فيه انخفاض نسبة مساهمة العرب في ساحة الإنتاج العلمي والمعرفي العالمي([2])، بما يؤشر على وجود تناقص كارثي رهيب في هذا المجال المهم لتطور الدول والمجتمعات.

بالطبع، هذا التناقص - في هذا الموضوع الحيوي والخطي - ليس ابن اللحظة الراهنة، بل هو وليد أزمان سابقة، ومحصلة لتراكم سنوات وعقود طويلة من حالة اللا أبالية الرسمية تجاه كل مواقع مجتمعاتنا العربية وشؤونها، بما فيها العلم والمعرفة والإنتاج.

هذه الحالة الفوضوية طبعت سياسات عمل حكومات ونظم العالم العربي واستراتيجياتها منذ عهود الاستقلال الشكلي، حيث اهتمت مؤسسات الحكم العربي الرسمية -التي أعقبت ذلك العهد- بتثبيت أوليات حكمها وملكها العضوض، القائم على الفردية والتسلطية والطغيان، على حساب إضعاف بنية مجتمعاتها الطبيعية وقوتها المحركة من موارد وإمكانات وطاقات بشرية وطبيعية، واستثمرت بصورة واسعة وكبيرة في هذا المجال، حتى أنّها جيّرت كل شيء في سبيل خدمة مواقع الحكم والكرسي.

ويمكننا أن نعتبر هنا أنّ ارتفاع معدلات الفساد، والتهرب الضريبي وتهريب الأموال إلى الخارج([3])، وانتشار النهب العاري لثروات النفط والغاز وباقي المواد الخام الهائلة التي يتميز بها وطننا العربي، كان من أكبر أسباب بقاء العرب على حالتهم الرثة علمياً ومعرفياً وتقنياً، حيث أنّه وبدلاً من استثمار الأموال الناتجة عن بيع تلك الثروات (المفترض أن تكون نعمة لا نقمة علينا) في أعمال البحث العلمي وتطوير بنية المعرفة العلمية والتقنية والصناعية، يقوم العرب باستثمارها رساميل طفيلية في السياحة والعقارات وشراء المدن والقرى والفنادق والمولات العالمية هنا وهناك.. بما يعطينا فكرة واضحة عن ضحالة التفكير العقلي العربي، وتغييب واحد من أهم أبعاده وأوجهه وهو البعد العلمي البحثي([4]) القائم على العلم والمعرفة والتأهيل والخبرة وتراكم التجربة.

وبالمحصلة، ماذا يعني ذلك؟..

يعني أنّنا إذا بقينا على هذه الحال فسنستبعد كلياً من مواقع الإنتاج المعرفي العلمي والتكنولوجي العالمي وساحاته قريباً جداً، لأنّ العالم يسير بسرعة مطردة علماً ومعرفة وإنتاجاً علمياً ومعرفياً ومعلوماتياً، ونحن نكاد لا نلحق به، ولا نتحرك إلا مراوحة في المكان، فنحسب أنّنا نتحرك معه.

من هنا، ومن موقعنا محللين ومسؤولين غير تنفيذيين، وحتى مواطنين، نحن ندق ناقوس الخطر الداهم.. ونتساءل ونسأل ونستفهم ونحاسب أيضاً: ماذا فعلت نظم الحكم العربي؟!!.

وماذا قدمت حكوماتنا العربية مجتمعة أو منفردة؟! وأين صرفت تلك الأموال الهائلة القادمة من بيع موارد بلداننا وثرواتها؟!!.. وبماذا كانت المؤسسات الرسمية التنفيذية -ما شاء الله عليها- منشغلة ومشغولة (أو مشغّلة حالها) عن بناء بلدانها ومجتمعاتها واستنهاضها وتمدينها وتحديثها، وتربية أجيالها وتنشئتها على المعرفة والبحث والتنشئة العلمية الصحيحة، وعلى زرع روح العلم وأوليات البحث العلمي الحقيقي وقيمها وبثها فيها، وليس البحث العلمي المفقر والبائس الذي سبق وأن رأيناه وشاهدناه وكتبنا عنه في مؤسساتنا وجامعاتنا المترهلة التي استغرق القائمون (والقيمون والمؤتمنون) عليها بالحزبية والتسييس والتآمر على بعضهم البعض، ونسوا وظيفتهم العلمية الرئيسية (التي أنفقت الدولة مليارات عليهم من أجلها) في إقامة مجتمع التقدم والتطور، وتحقيق النهضة العلمية التي لا نزال ننعتها ونصفها بالـ"المنشودة!!!"؟!! نعم لا تزال منشودة، وإلى متى ستبقى منشودة.... الله أعلم!.

فهل من إجابات واضحة وصريحة وحقيقية وشفافة حتى لو كانت جارحة، يمكن أن تقدم في هذا المجال؟ باعتبار أنّ الحقيقة تجرح، وكثيرون منا لا يرغبون بتاتاً في سماعها؟!!!..

وليعلم الجميع أنّ الشفافية والوضوح والمكاشفة والنقد والمساءلة والمحاسبة أساس تطور الشعوب والأمم والحضارات..

طبعاً يحاول كثيرون دائماً إلقاء اللوم على الظروف والتحديات الكبيرة والأخطار الداهمة التي تحدق بنا من كل حدب وصوب، ويقولون بأنّ من أهم أسباب تأخر الإنتاج العلمي العربي هو حيلولة إسرائيل والغرب عموماً دون تطور العقل العربي.. يعني عدنا مرة أخرى لنغمة "المؤامرة" وعقليتها، واسطوانة "الدسائس" المشروخة ذاتها لتبرير فشلنا وتقاعسنا وحالة الشلل والعجز التي نعيش ونقبع في داخلها..

ونحن حقيقة لا ننفي وجود شيء اسمه "مؤامرة"، بل نعتقد أنّ الأمم والحضارات والدول ليست جمعيات خيرية توزع الهدايا على الناس والأمم الأخرى مجاناً.. لكن استمرارية إلقاء التهم على الآخر شماعةً نعلق عليها أخطاءنا، ولتبرير واقع عجزنا عن البناء والإنتاج والتطوير العلمي والمعرفي هو أمر بات مكشوفاً ومفضوحاً للغاية.. ولو بقيت الدول والأمم تشتكي من تآمر بعضها على بعض لما تقدمت قيد أنملة على كل المستويات والأصعدة..

من هنا، أهمية الحديث عن المؤامرة حالياً (التي يعمل الكثيرون على تعميم نظريتها) لا تنبع من وجودها هكذا فجأة بلا مقدمات وعوامل جذب ذاتية داخلية محلية... فهي قائمة وموجودة منذ زمن والكل يعرف ذلك خاصة المنظرون لها، وهذا ليس اكتشافاً للبارود بطبيعة الحال (خاصةً وأنّ الكل جهّز عدة مجتمعه وبلده منذ زمن على قاعدة مواجهة المؤامرات والدسائس والمخططات الخارجية كماً ونوعاً ومالاً وعدة وعدداً)..

لهذا تنبع الأهمية هنا من كيفية التعاطي مع فكرة نظرية المؤامرة وواقعيتها، والتعامل السلبي أو الايجابي مع مفرداتها وتصوراتها ومعطياتها ومواقعها وشخوصها ورموزها.. ومواجهة نتائجها وتداعياتها بالوعي والمعرفة والخبرة وبما يؤدي إلى التقليل والحد من أخطارها وآثارها السلبية، وعدم الانخراط - بوعي أو بلا وعي - فيها، وعدم الاستجابة لها بطريقة توحي وكأنّ المعنيين بمواجهتها قد باتوا من عناصر جذبها وانتشارها وتعميمها.. بدلا من دفعها وإسقاطها، أو الابتعاد عن الوقوع في فخاخها سياسياً وعلمياً وعملياً.

وعلى الجميع أن يدرك أنّ دوام الحديث عن وجود المؤامرات في مجتمعاتنا وأنّها سبب لتأخرنا العلمي والحضاري، هو بحد ذاته أكبر مؤامرة على العقل العربي، وهو نوع من الهروب والاستقالة من واجب (ومهمة) العمل والبناء..

لقد بات عقلنا العربي للأسف مستغرقاً في نظرية المؤامرة حتى أنّه بات عقلاً مؤامراتياً اتهامياً بامتياز، يلقي بالمسؤولية عن فشله على كاهل الآخر المتآمر دوماً.. وقد نسي أو تناسى أو أنسي –هذا العقل- مشاكله الذاتية وتعقيداته التاريخية وأزماته الهائلة الداخلية، وتلهى فقط (لدرجة أنّه استلذ واستطاب) بنظرية المؤامرة وحكايات المؤامراتيين والمخططات والدسائس التي يحيكها الآخرون لنا.. مع أنّ هؤلاء الآخرين، نجحوا (ولا يزالون ينجحون) في كل شيء، علماً وعملاً، ونحن فشلنا (ولا نزال) في كل شيء.. وكان ما كان من قصة الفشل التنموي والحضاري المقيم، وضعف الإنتاج المادي والعلمي، وهزالة المعرفة العلمية، وكان ما كان من التحديث القشري والحداثة الكسيحة المغدورة المعروفة للجميع التي هي نتاج نظم سياسية بائسة مفلسة لم تحدث مجتمعاتها جوهرياً، بل رسخت فيها أفكار الجمود الفكري والتشدد العقائدي وسياساتهما، وعملت على إبقائها مقتنعة بشكليات الدين وتجلياته دون مضمونه الحقيقي القائم على الحرية والعدل والمساواة.

ولنعلم جميعاً، أنّ الداخل أساس الخارج، ولا نجاح خارجي حقيقي بلا تنمية داخلية وبناء مواطن سليم معافى قادر على المواجهة والثبات.. أعطوا الإنسان حقوقه الأساسية وواجهوا (وتحدوا) به الأمم كلها..

إنّ شرط تفعيل قدرات الأمّة وزجها في معترك الصراع الحضاري البشري يكمن في العمل على تمكين الفرد المسلم من الحضور المؤثر والمنتج في ساحة العمل وهذا التمكين لن يحدث طالما أنّ هناك تجاهلاً (بمستويات متعددة) لفكره وقناعاته ومعتقداته الذاتية التراثية التي يعتقد ويؤمن بها وبقوتها وفاعليتها، ويواليها نصًّا وسلوكًا مقدسًا. تحدد له أنماطه السلوكية والعملية، وتشتغل كموجه وبوصلة لشؤونه وتصرفاته الحياتية..

وتبعاً لمنطق الاحترام والقداسة هذا، وللنتاجات الفقهية والفكرية الإسلامية التي أنتجها العقل الإسلامي (مشايخ الإسلام، ومفكروه، ونخبه) أضحت الشريعة الإسلامية من أثقل الشرائع (على عكس باقي الأديان البشرية كالبوذية والمسيحية مثلاً) بحيث أنّها تجعل المسلم يصرف وقتاً وجهداً ومالاً في غير طرق العلم والتنمية والبحث العلمي الحقيقي ومواردها.. واهتمام المسلم يصبح على الدوام متمحوراً ومتركزاً في قضية واحدة وهي عمله الحثيث وسعيه وقيامه الدائم بواجب تنفيذ (وتطبيق) تعاليم تلك الشريعة وحيثياتها وضوابطها ومعاييرها المنتجة تاريخياً في عصور مضت من قبل العقول الفقهية الوعظية المسجدية العتيقة.. مع أنّ كثيراً جداً من تلك التعاليم والتشريعات والأحكام و"الإلزامات" الدينية التي تناقلتها - ولا تزال تتناقلها ألسنة الفقهاء ونصوص كتب الأحكام الشرعية - ليست مقدسة (لا شكلاً ولا مضموناً، سوى كعرف وتقليد) بل هي موروثة عبر التراكم التاريخي، ومستنبطة من العادة والعرف.. كالعرف العربي القبلي الجاهلي.. أو حتى العرف الواقعي الراهن.. أمّا أحكام العقل، ومختلف عملياته، فلا تزال بعيدة التحقق والمنال.. مع أنّ المفاهيم الحكمية الشرعية، هي أحكام معلولة للحالة الإنسانية، وحاجات الإنسان في حياته متغيرة، فلهذا يجب أن تدور تلك الأحكام (المعبرة عن تلك الحاجات) بحسب الظروف والأحوال، وذلك بالنظر لتغير الثقافة والزمان والمكان، مما يفرض تغيراً في كثير من المبادئ والأحكام.

والحاجة تقتضي دوماً تجديد كثير من الأحكام نظراً لتغير عللها وظروفها المكانية والزمانية.

إنّ تنمية الإنتاج المعرفي العربي هي إحدى مظاهر التنمية الشاملة التي هي عملية تراكمية تهدف إلى إجراء تغيير شامل في مجتمعاتنا العربي من خلال إحداث نقلة نوعية في مختلف قطاعاتها، ومن ثم فهي عملية تهدف إلى تحريك المجتمع وتفعيله ودفع أفراده لينفتحوا على التغيير ويتقبلوه ويتحملوا مسؤولياتهم في بنائه وتطويره.. وبذلك فهي أيضاً خطاب ثقافي شامل يتم توجيهه إلى المجتمع لإقناعه وتحويل تلك القناعات إلى مفاهيم وإدراكات، ومن ثم إلى سلوكيات وأنشطة واقعية.. والحال هكذا فلا بد أن يكون هذا الخطاب في ذاته مستبطناً للشفرة أو الكود الثقافي للمجتمع حتى يستطيع المجتمع التعاطي معه بالفهم والتقدير ثم بالاقتناع والتفاعل والتطبيق، أي تحويل ذلك الخطاب التنموي من خطاب نظري مجرد إلى حقيقة واقعية يجسدها فعل إنساني، أو بعبارة أخرى أن يستطيع هذا الخطاب التنموي المرور بسهولة وفعالية من خلال الوسيط الإنساني من خلال وعي المدركات الاجتماعية ليتحول بعد ذلك إلى سلوكيات ثم إلى ظواهر اجتماعية، وفي هذه الحالة يمكن إحداث أو القيام بعملية تنموية حقيقية قادرة على الاستمرار والتطور، لها خطابها ونتاجها المعرفي النظري المتماسك المتين، وفي الوقت نفسه يمكنها أن تحافظ على عوامل الدفع والتدافع داخل المجتمع من خلال تفعيل طاقاته وإطلاق سراح مكنون خبرته وذخائر ثروته الإنسانية([5]).

هذا كله يتطلب تجديداً في أبنية هذا الدين التراثية، الفقهية والتشريعية والكلامية، أي في مجمل النتاج النظري المعرفي الموروث.

وما لم نمتلك الجرأة الفكرية والمعرفية والمسؤولية الأخلاقية العالية، على التحرك في طريق ذات الشوكة هذا، سنبقى نلف وندور في حلقات مفرغة، وسيبقى التناقض بين النظري والواقعي قائماً وواسعاً، وبالنتيجة لن يحدث أي تطور، ولن تدور عجلة التنمية المنشودة إطلاقاً في مجتمعاتنا العربية على الصورة الأنجع والأنفع.. وسيبقى –قبل ذلك كله- الإنتاج المعرفي العربي ضعيفاً وضحلاً وسطحياً، في أجواء ومناخات عربية تعاني فيها مجتمعاتنا العربية - وعلى الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية- من تناقضات وانشطارات ثنائية حادة بين أبنية ومؤسسات وأنماط إنتاج، وعلاقات اجتماعية وثقافية أحدها يمثل امتداداً للمجتمع يعبر بصورة أو بأخرى عن مصالحه، والآخر هو امتداد للخارج المتبوع بثقافته ونظمه الاجتماعية وأنماط معيشته بل ونظمه الاقتصادية([6]). وهذه الثنائية الصراعية - إذا صح التعبير - أحدثت ولا تزال تحدث العديد من الآثار السلبية في عملية التنمية المستقلة..


[1] راجع كتاب: "العرب وتحديات العلم والتقانة"، تأليف: أنطوان زحلان؛ مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، مارس/1999م.. كما يمكن بهذا الخصوص مراجعة كثير من تقارير التنمية الإنسانية العربية السنوية في إصداراتها المتعددة التي بدأت بالصدور منذ العام 1990م، وذلك من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). راجع:

 (http://www.un.org/ar/esa/ahdr/).

[2] تفاصيل الأرقام على الرابط التالي:

http://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr02/ch5.pdf، وهو رابط الفصل الخامس من تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002م، والذي يكشف من خلال الأرقام والبيانات والجداول والإحصائيات العلمية الحقيقية المقدمة تفصيلياً عن واقع العلم والتعليم والمعرفة في الوطن العربي، عن ضعف وهزالة هذا الواقع، واقع البحث العلمي والمعرفة والإنتاج العلمي في عالمنا العربي..

[3] تقول الأرقام بأنّ الاقتصادات العربية المنهكة بالبطالة والديون والفقر تحتاج إلى 500 مليار دولار حتى تتعافي تدريجياً.. وتشير التقارير الدولية إلى أنّ الأثرياء والمستثمرين العرب والمسلمين لديهم في البنوك الغربية ما يصل مجموعه إلى حوالي أربعة ترليونات (4000 مليار) دولار أميركي.. وهو رقم يعادل ثمانية أضعاف ما تحتاجه الأمة الإسلامية لبناء نهضة اقتصادية غير مسبوقة. (راجع: http://www.al-madina.com/node/538189?risala رابط لتحقيق صحفي تحت عنوان: "مستثمرون يهربون بـ 4000 مليار دولار للخارج واقتصاديات العرب والمسلمين تنهار!!").

[4] ولنقرأ بالأرقام، بحسب ما أشار إليه تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام2002 في فصله السادس صفحة 81 (راجع:

http://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr02/ch6.pdf) طبيعة العقل التنموي العربي الرسمي الذي قادنا إلى حالة الحطام العلمي والتقني والبحثي العربي.. حيث يشير التقرير السابق إلى أنّ الناتج المحلي الإجمالي لكل البلدان العربية بلغ عام 1999م ما مقداره 531,2 مليار دولار أمريكي.. أي ما يشكل أقل من دخل دولة أوروبية واحدة كإسبانيا التي بلغ ناتجها الإجمالي للعام نفسه 595,5 مليار دولار أمريكي.. وكان الناتج العربي قد ارتفع منذ عام 1975م من 276 مليار دولار إلى 447 مليار دولار عام 1998م، بما يعني أّن متوسط معدل النمو بلغ حوالي 3,3 بالمائة.. وهي نسبة نمو جيدة ظاهرياً، لكنها –عملياً- لم تكن ذات معنى، لأنّها لم تؤثر في رفاهية الفرد، كباقي الدول... لماذا؟ بسبب طبيعة السوق النفطية، وعدم كفاءة رأس المال المادي (أي أنّ الرأسمال العربي اشتغل في الاستثمارات البذخية الادخارية الطفيلية كما ذكرنا)، وتذبذب (وتدني) الإنتاج الزراعي.. أي العقل والإدارة.

[5] راجع: "التنمية المستقلة من منظور المشروع الحضاري"، القسم الثاني للباحث: نصر محمد عارف، ص: 589.. وهو فصل من كتاب: "نحو مشروع حضاري نهضوي عربي"، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، كانون أول 2001م. والكتاب صادر عن المركز نفسه.

[6]راجع:Tony smith, "the dependency approach" .. نقلاً عن كتاب: نحو مشروع حضاري نهضوي عربي، م.س، ص: 592