الباحث المغربي إدريس لكريني : لا يمكن للتحول الديمقراطي أن يتم إلا إذا كان هناك ما يدعمه داخليا


فئة :  حوارات

الباحث المغربي إدريس لكريني : لا يمكن للتحول الديمقراطي أن يتم إلا إذا كان هناك ما يدعمه داخليا

الباحث المغربي إدريس لكريني[1]لا يمكن للتحول الديمقراطي أن يتم إلا إذا كان هناك ما يدعمه داخليا

حاوره: سعيد بلمبخوت

 

يرى الباحث المغربي المتخصص في العلاقات الدولية، إدريس لكريني، أنه على الرغم من الإشكالات المجسّدة للصراع بين العرب والغرب؛ فهناك الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية والقضايا التي تجسد التعاون والتواصل؛ علاوة على تمركز عدد من العرب والمسلمين في أوروبا؛ ووجود عدد من الإشكالات التي تواجه الجميع من قبيل الإرهاب والتلوث البيئة وقضايا الهجرة واللجوء، التي تفتح آفاقا لتعزيز هذا التعاون وتجاوز حالة الحذر والشك.

ويضيف لكريني أنه لا يمكن للتحول الديمقراطي أن يتم إلا إذا كان هناك ما يدعمه داخليا بالأساس، بينما يظل العامل الخارجي ثانويا؛ فهذا الأخير لا يصنع التحول؛ بقدر ما يسعى إلى توجيه الأحداث خدمة لمصالحه في غالب الأحوال.

ويشير لكريني إلى أن طبيعة الثقافة السائدة في المنطقة العربية؛ ما زالت تدعم الجمود وبقاء الأوضاع على حالها؛ وتنبذ أي تغيير في الأوضاع والأفكار، وهو ما يرى فيه نتاجا طبيعيا للقنوات المعنية بالتنشئة الاجتماعية، التي تعرّضت لتدجين النظم السياسية القائمة بالتهديد تارة، والإغراء تارة أخرى؛ بما جعلها تكرّس الخوف والسطحية واللامبالاة والجهل والجمود؛ وتنجذب إلى الماضي أكثر من المراهنة على الحاضر والمستقبل.

وفي سياق هذا الحوار، نسترجع ما قالته الألمانية زجريد هونكة في مقدمة كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب": "وعلى الرغم من هذا - أقولها بمرارة- فإن الناس عندنا لا يعرفون إلا القليل عن جهودكم الحضارية الخالدة ودورها في نمو حضارة الغرب...". أكيد أن التاريخ يشهد على نجاح وتفوق العرب سابقا، لكن مع الأسف أصبح كل ذلك في خبر كان، بعد تقاعس العرب، أخذ الغرب المشعل.

بين العرب والغرب اختلاف في الثقافات والمذاهب الدينية، لكن ضرورة المصالح كانت تدفع هذا الجانب أو الجانب الآخر- ولو مؤقتا- للبحث عن سبل التقارب، ومن ثم كانت ضرورة قيام العلاقات. بعد أن خرجت الشعوب العربية من الوصاية العثمانية ستسقط مباشرة تحت النير الاستعماري الغربي ولم تستعد استقلالها الوطني إلا بعد عشرات السنين، لكن هذا الاستقلال لم يكن مكتملا، بحكم سطوة الأنظمة الدكتاتورية، ومن ثم حصول الأزمة الحالية، مع تلك الثورات العربية التي أطلق عليها "الربيع العربي". وتلك النهضة العربية لم تكمل وعدها مع التحرير. بين العرب والغرب كان الجوار صعبا ولا زال؛ كثيرة هي الأسباب إذن التي أدت إلى الوضع الراهن.

سعيد بلمبخوت: لماذا تقدر، برأيكم، علاقة العرب والغرب بالجوار الصعب؟

إدريس لكريني: تشير الوقائع التاريخية إلى أن الصراع هو أحد سمات المجتمع الإنساني برمته؛ تترجمه الحروب والنزاعات التي سادت على امتداد التاريخ البشري بين مختلف الشعوب والحضارات أو داخل نطاق حضاري محدد؛ فقد عاشت الإنسانية مآس وحروباً عنيفة خلال القرن المنصرم؛ كادت أن تعصف بالعالم في حروب نووية لن يظل معها منهزم أو منتصر؛ نتيجة لظروف الحرب الباردة؛ وما رافق ذلك من صراعات مختلفة وتنافس على مناطق النفوذ وسباق مهول نحو التسلح، زاد من خطورته عجز الأمم المتحدة وقبلها عصبة الأمم عن تطويق النزاعات وحفظ السلم والأمن الدوليين.

وعموما تأرجح التاريخ الإنساني بين السلم تارة والحروب تارة أخرى؛ فالحدود الدولية ظلت بهذا المنطق مؤقتة تحكم فيها تراجع وتمدد الإمبراطوريات والدول. فعلى الرغم من مظاهر الصراع والحروب التي ميزت العلاقات الدولية تاريخيا؛ فقد كانت هناك دائما فرص للتواصل والتعاون؛ وظلت هنالك أصوات تدعو إلى الحوار والتآلف بين مختلف الشعوب.

حقيقة أن هناك الكثير من العوامل التاريخية التي عززت هذا الصراع؛ في علاقة ذلك بالحروب التي مرّ منها الطرفان، وكذلك ظروف الاستعمار التي فرضها الغرب على الكثير من دول المنطقة العربية..

واليوم، ورغم الإشكالات المجسّدة للصراع بين الجانبين؛ في علاقة ذلك بعدد من الملفات العالقة؛ وتضارب المصالح؛ فإن هناك الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية والقضايا التي تجسد التعاون والتواصل؛ علاوة على تمركز عدد من العرب والمسلمين في أوروبا؛ ووجود عدد من الإشكالات التي تواجه الجميع من قبيل الإرهاب والتلوث البيئة وقضايا الهجرة واللجوء، التي تفتح آفاقا لتعزيز هذا التعاون وتجاوز حالة الحذر والشك.

سعيد بلمبخوت: بعد "الاستقلال" عاشت الشعوب العربية وما زالت ظروفا صعبة، ثم حل "الربيع العربي"، بغض النظر عن الأسباب الداخلية، ألم يكن للجوار دخل بكل ما وقع؟

إدريس لكريني: لا يمكن للتحول الديمقراطي أن يتم إلا إذا كان هناك ما يدعمه داخليا بالأساس، بينما يظل العامل الخارجي ثانويا؛ فهذا الأخير لا يصنع التحول؛ بقدر ما يسعى إلى توجيه الأحداث خدمة لمصالحه في غالب الأحوال.

وحرصاً منها على حماية مصالحها المختلفة؛ ظلّت الكثير من الدول الغربية تحرص على دعم الاستبداد في المنطقة بكل الوسائل الاقتصادية والمالية والتقنية والعسكرية، وهو ما تأكد في عدد من دول الحراك؛ كما هو الشأن بالنسبة إلى الحالة في سوريا.

يمكن للمحدّد الدولي أن يشكل عاملا داعما للتحول؛ كما يمكن أيضا أن يحبط هذا التحول أو يشوش عليه؛ ففي الحالة الأولى؛ لا تخفى آثار الجوار "الديمقراطي" الذي غالبا ما يكون "مستفزّا"؛ ويدفع نحو اعتماد إصلاحات تلقائية واستباقية؛ درءا لأي انفجار مطلبي في الداخل تحت واقع الانبهار بالتجارب الديمقراطية في دول الجوار، أو السعي لإحباط هذا التحول في مهده بالتواطؤ مع النظم الإقليمية المهدّدة؛ عبر دعمها بالمال والسلاح والتحرك الدبلوماسي.

كما يتخذ هذا العامل أشكالا أخرى؛ مرتبطة بتسليح أحد الطرفين أو التدخل العسكري لدعم الحراك؛ كما حدث في ليبيا عندما تدخل حلف الناتو بتنسيق مع الأمم المتحدة لحسم الصراع؛ مما عجّل بإسقاط نظام القذافي. أو عبر دعم هذا التحول من خلال استصدار قرارات من مجلس الأمن الذي تتحكم فيه القوى الدولية الكبرى، والغربية منها على وجه الخصوص.

كان لمواكبة الصحافة الدولية لتطور الأحداث أثر كبير في بلورة رأي عام دولي؛ كان له الأثر الإيجابي في حسم الأوضاع في اتجاه معين في عدد من دول المنطقة في أعقاب الحراك، لكن مسار الأحداث في دول هذا الحراك أثبت بشكل عام ضعف العامل الدولي وعدم فعاليته في دعم التحول بالمنطقة؛ مقارنة بحضوره في تجارب أوروبا الشرقية في بداية التسعينيات من القرن الماضي على سبيل المثال؛ لاعتبارات ذاتية مرتبطة برفض هذا التدخل رسميا وشعبيا في المنطقة؛ وأخرى تتعلق بالتلكؤ الغربي الحاصل في هذا الشأن.

سعيد بلمبخوت: وفرة الثروات، وعدم الاهتمام بالرأسمال المعنوي، وعدم الاهتمام بالبحث العلمي، وتفشي الأمية، والقمع، والدكتاتورية... ألا يمكن اعتبارها عوامل تواطؤ مع الغرب؟

إدريس لكريني: على امتداد خريطة المنطقة العربية ومنذ استقلال أقطارها؛ ساد نوع من الجمود في المشهد السياسي؛ وتراوحت الإصلاحات على قلّتها بين المد تارة والجزر تارة أخرى؛ الأمر الذي عرّض الكثير من هذه البلدان إلى هزّات وأزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية مختلفة.

منذ بداية التسعينيات، وبالموازاة مع التحولات الدولية الكبرى التي أفرزتها نهاية الحرب الباردة؛ شهدت دول المنطقة مبادرات إصلاحية تباينت في أهميتها وحدّتها؛ ولم تخل هذه المرحلة من صعوبات اتخذت قدرا كبيرا من العنف في بعض الأقطار؛ كما هو الشأن بالنسبة إلى الجزائر والسودان واليمن والصومال.

تعاطت الدول العربية مع موضوع التحول الديمقراطي بقدر كبير من البطء والتباين؛ مع تنامي الخطابات التي تؤكد على خصوصية واقع الدول العربية والإسلامية؛ في مواجهة ورفض المشاريع الإصلاحية الخارجية الداعية للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

وفي الوقت الذي استوعبت فيه العديد من الأنظمة في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا دروس المرحلة واستجابت لتطلعات شعوبها؛ وانخرطت بحزم وإرادة قويّتين في اتخاذ خطوات وإجراءات بنّاءة وشجاعة على طريق التنمية الشاملة، وتحقيق التحوّل نحو الديمقراطية؛ قاطعة بذلك كل الصلات مع مظاهر الانقلابات وتوريث الحكم؛ ظلّت الأوضاع السياسية في مجمل الدول العربية؛ على ما كانت عليه في السابق؛ بحكم الطوق المفروض على أي إصلاح أو تغيير. فيما بدت مختلف "الإصلاحات" التي باشرتها بعض هذه الأنظمة؛ بطيئة ومحدودة؛ بل وكأنها إجراءات شكلية معدّة للتسويق الخارجي والتعتيم الداخلي؛ وتبيّن أنها تتوخّى خدمة مصالح النخب الحاكمة بالأساس؛ عبر الحفاظ على الأوضاع القائمة والتحكم في الأوضاع السياسية بأساليب وآليات مختلفة؛ وتعزيز مكانة النخب التقليدية في المشهد السياسي وكبح أي تغيير أو إصلاح حقيقيين منبثقين من عمق المجتمع. الأمر الذي ولّد مجموعة من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية؛ وأسهم في تنامي نشاط الجماعات المسلحة والتيارات المتطرفة في المنطقة؛ وأمام استحالة إعمال إصلاحات حقيقية بمبادرات داخلية؛ ظهرت مجموعة من المشاريع والضغوطات الخارجية في هذا الشأن، وقد ظلّت معظم الأنظمة تردّد رفضها لهذه المشاريع؛ متذرعة في ذلك بأن هذه الأخيرة تخدم مصالح الغرب تارة؛ أو بكونها تتعارض مع خصوصيات المنطقة تارة أخرى.

ويبدو أن طبيعة الثقافة السائدة في المنطقة العربية؛ ما زالت تدعم الجمود وبقاء الأوضاع على حالها؛ وتنبذ أي تغيير في الأوضاع والأفكار. وهذا نتاج طبيعي للقنوات المعنية بالتنشئة الاجتماعية التي تعرّضت لتدجين النظم السياسية القائمة بالتهديد تارة والإغراء تارة أخرى؛ بما جعلها تكرّس الخوف والسطحية واللامبالاة والجهل والجمود؛ وتنجذب إلى الماضي أكثر من المراهنة على الحاضر والمستقبل.

وقد سمح الحراك بطرح موضوع الإصلاح والتغيير من جديد؛ وبمناقشة الكثير من الإشكالات الكبرى: علاقة الدين بالدولة، ومعضلة الفساد، واقتران المال بالسلطة، ودور القوى الأجنبية في المنطقة، كما فتح المجال لقوى ولنخب ونقاشات جديدة، لم تتح لها إمكانية الظهور في السابق.

وكان من حسنات الحراك أيضا، أنه كشف حقيقة مجموعة من القوى الدولية الكبرى الداعمة للاستبداد كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، التي ظلت تتبجح بحماية حقوق الإنسان وتدافع عن الديمقراطية، وتروج لمشاريع (تخدم هذا التوجه)، كما انكشفت أيضاً حقيقة بعض القوى الإقليمية أمام الرأي العالمي، بعد أن تحولت من داعية إلى إرساء السلام بالمنطقة، إلى محرض على الطائفية والفرقة داخل سوريا.

سعيد بلمبخوت: وماذا عن صمت النخب؟

إدريس لكريني: على امتداد التاريخ الإنساني؛ لعبت النخب بمختلف أصنافها دورا رئيسا في قيادة الإصلاح والتغيير داخل مجتمعاتها؛ وتنطوي النخب السياسية على أهمية قصوى في هذا الصدد؛ بالنظر إلى تأثيراتها في القرارات المرتبطة بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

عانت النخب السياسية المعارضة في المنطقة العربية مشاكل مختلفة، زد على ذلك ضيق الهامش الدستوري للتأثير في القرارات؛ والتضييقات المختلفة التي تباشرها الأنظمة القائمة في مواجهتها. وعلاقة بالنخب المثقفة؛ ظلت علاقة صانعي القرار بالمثقف عموما حذرة يشوبها الشك؛ بما فوت فرصا كثيرة على الدولة والمجتمع بالمنطقة؛ حيث سعت الأنظمة المستبدة إلى التضييق على الفكر بسبل مختلفة؛ تراوحت بين تهميش مخرجاته والتضييق على الحرية الأكاديمية وصدّ كل فكر ينحو إلى التغيير والإبداع؛ وتكريس منظومة تعليمية متجاوزة تعتمد على التلقين والشحن بدل التحفيز على التجديد وطرح الأسئلة. وكان من الطبيعي أن يحدث هذا الأمر نتيجة للمناخ السياسي السائد الذي كان يحيل إلى الشمولية والإقصاء لكل فكر تنويري متجدّد.

وتشير التجارب إلى أن الثورات الإنسانية الكبرى في فرنسا، وأمريكا وروسيا كان لها مفكروها وفلاسفتها الذين مهدوا لها ورسموا معالم طريقها، ما أسهم بشكل كبير في إنضاج وإنجاح هذه الثورات.

وتتحمل النخب في المنطقة العربية- بمختلف مشاربها وتوجهاتها السياسية والثقافية والدينية- مسؤولية كبيرة في المرحلة الراهنة؛ من حيث الانخراط في دعم خيارات التحول نحو الديمقراطية، ومن حيث المساهمة في النقاشات التي أفرزها الحراك، ورسم السبل والمداخل اللازمة لترسيخ ممارسة ديمقراطية قادرة على تجاوز الإشكالات التي خلفها الاستبداد بالمنطقة.

بعد الإقصاء والتهميش الذي عانت منه الكثير من الكفاءات على امتداد عقود من الاستبداد، فتح مناخ الحراك فرصة أمام نخب المنطقة لتنفتح أكثر على قضايا مجتمعاتها، وتعبّر عن آرائها وتنخرط بنقاشاتها الفكرية في مواكبة التحولات الجارية في مختلف أبعادها؛ وتسهم- بالتالي- في البناء الديمقراطي وتحديد معالمه المستقبلية.

جاء هذا الحراك تلقائيا، ولم تكن للنخب العربية على اختلافها يد فيه؛ وقد حاولت الكثير من هذه النخب اللحاق به متأخرة، فيما تعرض بعضها للتشهير والتضييق والاعتداء أيضاً في بعض الدول العربية، بفعل مواقف هذه النخب من أنظمة الحكم أو انخراطها في نقاشات فكرية وفلسفية إزاء عدد من القضايا، كما هو الشأن بالنسبة إلى مسألة الحريات وعلاقة الدين والدولة، فيما أطلقت بعض الجماعات المتشددة فتاوى ضد هذه النخب، لم تخل بدورها من تأثيرات في مستوى كبح أداء النخب وصدّ انخراطها في النقاشات العمومية بصدد مختلف القضايا الحيوية داخل المجتمع.

لقد شكل الحراك محكاً وامتحانا للنخب ومصداقيتها في المنطقة، حيث أبرزت الأحداث عدم جاهزية هذه النخب، بل وقف الكثير منها موقفا سلبيا، بوصفها تارة بالمؤامرة، والتخويف والتشكيك في نجاعتها تارة أخرى.

سعيد بلمبخوت: انتخبتم رئيسا لمنظمة العمل المغاربي لمدة أربع سنوات؛ وبالمناسبة نقدم لكم تهانينا بهذا التشريف، أملنا كبير في توحيد المغرب العربي، لكن دكتور هل مازال هناك بالفعل أمل في العمل المغاربي؟

إدريس لكريني: شكراً لكم أستاذ؛ نتمنى أن نكون عند حسن الظن على طريق التحسيس بأهمية هذا البناء الاستراتيجي. وللإشارة تأسست منظمة العمل المغاربي في مدينة مراكش يوم الأحد 19 يونيو 2011؛ وهي تسعى إلى استثمار كل الإمكانيات المتاحة؛ لأجل التعريف بأهمية هذا الاتحاد كتكتل اقتصادي وسياسي وحضاري.

هناك مجموعة من العوامل المحفزة على تفعيل الاتحاد المغاربي والتعجيل بتحقيق التعاون والتنسيق بين أعضائه، في الوقت الراهن، فعلاوة على المقومات البشرية والطبيعية والثقافية والاجتماعية والتاريخية، التي تمثل أرضية صلبة وجديرة بخلق تكتل إقليمي قوي قادر على دعم مشاريع تنموية رائدة في المنطقة، تمتد الدول المغاربية على موقع استراتيجي مهم، كما تواجه دول المغرب الكبير مجموعة من التحديات الاقتصادية والأمنية والبيئية والاجتماعية، والتي لا يمكن التعاطي معها بنجاعة إلاّ في إطار من التعاون والتنسيق المغاربي.

فتزايد مخاطر الإرهاب؛ مع تمدد الجماعات المتطرفة في المنطقة وتنامي الصراعات على امتداد المناطق المجاورة للدول المغاربية، إضافة إلى استغلال هذه الجماعات للارتباكات الأمنية التي تشهدها ليبيا، وتزايد الهجرة السرية نحو أوروبا من وعبر الأقطار المغاربية، كلها عوامل تفرض مزيدا من التنسيق والتعاون بين هذه الدول.

ونعتقد أن بناء الاتحاد المغاربي؛ يظل بحاجة إلى انخراط فعال لمختلف مكونات المجتمعات المغاربية من مجتمع مدني، وأحزاب سياسية، ونخب مثقفة وجامعات وإعلام، تدفع باتجاه تحفيز السلطات السياسية بالمنطقة لاتخاذ قرارات حاسمة في هذا الإطار، علاوة على تقوية أساس هذا البناء بمقترحاتها وأفكارها، لإخراجه من طابعه الفوقي ومن ركوده الحالي، والسير به قدما نحو مصاف التكتلات الإقليمية الواعدة، كما هو الشأن بالنسبة إلى التجربة الرائدة للاتحاد الأوروبي.

إن انخراط مختلف هيئات وفعاليات المجتمع المدني في تحقيق هذا المطلب المغاربي، سيسهم حتما في دمقرطة الاتحاد، بصورة تكفل تجاوز الإكراهات الحالية، وسيخلق مرونة على مستوى اتخاذ القرارات التي تسمح بإيصال آراء وطموحات شعوب المنطقة إلى صانعي القرارات، ويوفر الشروط الموضوعية لإعادة النظر في بعض أجهزته (الاتحاد)، وتطويرها بما يكفل اتخاذ قرارات فعالة وحاسمة على طريق بناء اتحاد مغاربي قوي في مستوى التحديات الداخلية والخارجية المطروحة حاليا.

سعيد بلمبخوت: وبصفتكم مديرا لمجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، ولكم مؤلف بهذا الخصوص تحت عنوان "إدارة الأزمات في عالم متغير: المفهوم والمقومات والوسائل والتحديات"، صادر سنة 2010 بالأردن، فهل من حلول لهذا الجوار الصعب؟

إدريس لكريني: لا شك أن هناك الكثير من القضايا الخلافية المجسدة لصراع المصالح بين الجانبين؛ تجسدها ظروف الاستعمار الغربي لعدد من دول المنطقة؛ والتدخلات الغربية الراهنة في عدد القضايا العربية؛ والتي تتخذ أحيانا طابعا منحرفا وزجريا، فيما لا تتورع الكثير من الفعاليات الغربية في الربط بين الإسلام والعنف؛ والنظر للمنطقة كفضاء لتفريخ الإرهاب والتشدد؛ وهي الصورة النمطية التي كرستها الكثير من الكتابات الاستشراقية وعمقتها التيارات اليمينية المتشددة في أوروبا تحت وقع بعض الأحداث الإرهابية التي تورط فيها عرب ومسلمون، لكن في المقابل؛ هناك مظاهر التعاون لم تنقطع قط بين الجانبين في إطار ثنائي أو من داخل المؤسسات والمنظمات الدولية؛ كما هو الشأن بالنسبة إلى الأمم المتحدة.

يمكن القول إن السعي إلى تشبيك العلاقات والمصالح بين الطرفين سيحول حتما دون حدوث أي صدام مباشر؛ كما أن الانصياع والانضباط للسبل السلمية والودية في تدبير مختلف القضايا والخلافات السياسية والاقتصادية العالقة له أهميته القصوى في هذا الإطار.

وأعتقد أيضا؛ أن هناك مشتركاً إنسانياً ينبغي التركيز عليه في هذه المرحلة التي تمر منها الإنسانية والمثقلة بكثير من المخاطر والتحديات؛ في علاقة ذلك بتنامي التطرّف والإرهاب وتزايد مخاطر الأمراض العابرة للحدود؛ وتلوث البيئة، وهو ما يفترض أن تنخرط بصدده وتدعمه النخب المختلفة والفعاليات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني من الجانبين.

[1]- ذوات العدد 33