الحاجة إلى البيداغوجية الفارقية وآثارها في تحقيق الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص في المدرسة المغربية


فئة :  مقالات

الحاجة إلى البيداغوجية الفارقية وآثارها في تحقيق الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص في المدرسة المغربية

الحاجة إلى البيداغوجية الفارقية وآثارها في تحقيق

الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص في المدرسة المغربية

ذ. جمال لعفو

ذ. عمر ايت سي موح

ملخص:

تعدّ البيداغوجية الفارقية مقاربة تربوية ذات أهمية كبيرة في مجال التعلمات، فلا شك أنها أحدث بيداغوجية، كونها ترتبط ارتباطا وثيقا بالذكاءات المتعددة، وتسعى إلى دمقرطة عملية التعليم لتحقيق مبدإ تكافؤ الفرص بين المتعلمين والمتعلمات وإعادة الاعتبار للمدرسة. تم اكتشاف البيداغوجية الفارقية سنة 1973 على يد العالم التربوي الفرنسي لويس لوغران في إطار العمل البحثي التربوي الذي يسعى من خلاله إلى تجويد الممارسة الصفية والحد من الفشل المدرسي، ولذلك فالبيداغوجية الفارقية تعدّ نهجًا تعليميًا مبتكرًا يعمل على تعزيز التفاعل بين المدرس والمتعلمين لتجاوز العوائق التي تعوق عمليتي التعليم والتعلم. تعتمد هذه البيداغوجية على مبدإ أساسي قوامه أن المتعلمين ليسوا متساوين في قدراتهم وأساليب تعلمهم ومستوى فهمهم، وبالتالي، فإن الاختلافات بين المتعلمين ترجع إلى عوامل عدة يمكن تصنيفها إلى ما هو طبيعي وما هو مكتسب. أما الطبيعي، فيتمثل في الجوانب البيولوجية والفيزيولوجية والغريزية. في حين يتجلى المكتسب فيما يكتسبه عن طريق التنشئة الاجتماعية والتربية الأسرية والثقافة.

ولهذا، يسعى أنصار البيداغوجية الفارقية إلى خلق بيئة تعليمية شاملة تعترف بالتنوع وتُقدِّر الثقافات والخلفيات المختلفة للمتعلمين، لجعل هذا النهج الفارقي يهدف إلى تلبية احتياجات المتعلمين الفردية عن طريق استخدام استراتيجيات تدريس وتعلم متنوعة تناسب توجهاتهم واحتياجاتهم، ويأخذ بعين الاعتبار خلفياتهم الاجتماعية والثقافية.

يعتقد مؤيدو هذه المقاربة أن تعزيز الاختلافات الفردية وتكريس الجهود، لتقديم تجارب تعليمية مختلفة تعزز الاستفادة القصوى من القدرات والمواهب المختلفة للمتعلمين، الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج ذات جودة تيسر تحقيق الارتقاء بجودة العملية التعليمية التعلمية.

وهكذا، فالبيداغوجية الفارقية تُعدّ منهجًا تعليميًا متقدمًا يسعى إلى إنشاء بيئة تعليمية شاملة وعادلة تلبي احتياجات جميع المتعلمين، وتساهم في تحسين نتائجهم التعليمية وترتقي بوضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية.

مقدمة

تتعدد قدرات المتعلمين وتختلف من متعلم إلى آخر، وتنقسم هذه القدرات إلى ماهو طبيعي غريزي وفيزيولوجي يخص الجوانب المادية والفيزيائية في المتعلم، وما هو مكتسب الذي يخص كل ما يكتسبه المتعلم من البيئة والتنشئة الاجتماعية والمحيط الأسري، لكن تنوع هذه القدرات يخلق مشكلة في عملية التعليم والتعلم، ويطرح عوائق في طرائق التدريس والتعليم الملائمة لطبيعة وبنية هذه الفروقات. ولعل البيداغوجية الفارقية هي البديل الذي يمكن أن يحتوي هذه الفروقات في قالب تربوي محدد ومدقق يستند عليه المدرس لتجويد المقاربة التربوية.

كما يسعى هذا البحث إلى التعرف على البيداغوجية الفارقية ومحاولة التمييز بين الفروقات الطبيعية والمكتسبة لدى المتعلمين، والتعرف على العوامل المؤدية إلى بروز الفوارق السيكوسوسيولوجية والسيكومعرفية بين المتعلمين داخل الممارسة الصفية. فضلا عن تبيان أهمية توظيف البيداغوجية الفارقية في تجويد الممارسة الصفية في المدرسة المغربية، ثم الإحاطة بأهم المعيقات التي تحول دون توظيف البيداغوجية الفارقية في العملية التعليمية التعلمية.

- فما البيداغوجيا الفارقية؟

- ما مدى أهميتها في تجويد التعلمات؟

- ما العوامل التي أدت إلى ظهور البيداغوجيا الفارقية؟

- ما الخطوات التي ينبغي اتباعها في توظيف البيداغوجيا الفارقية في العملية التعليمية التعلمية؟

- ما المعيقات التي تحول دون توظيفها في العملية التعليمية التعلمية؟

I. مصطلحات البحث:

1) البيداغوجيا الفارقية: عرفها لوغران بأنها «طريقة تربوية تستخدم مجموعة من الوسائل التعليمية التعلمية قصد مساعدة الأطفال المختلفين في العمر والقدرات والسلوكيات، والمنتمين إلى فصل واحد على الوصول بطرق مختلفة إلى الأهداف نفسها.»[1]، كما أن الباحث التونسي مراد بهلول عرفها بقوله: »تتمثل البيداغوجيا الفارقية في وضع الطرائق والأساليب الملائمة للتفريق بين الأفراد، والكفيلة بتمكين كل فرد من تملك الكفايات المشتركة؛ فهي سعي متواصل لتكييف أساليب التدخل البيداغوجي تبعا للحاجيات الحقيقية للأفراد المتعلمين. هذا هو التفريق الوحيد الكفيل بمنح كل فرد أوفر حظوظ التطور والارتقاء».[2] أما هالينا برزمسكي (PRZESMYKY HALI NA)، فقد عرفتها بأنها «بيداغوجيا المسارات، حيث تعتمد إطارا مرنا، فتكون التعلمات واضحة ومتنوعة بما فيه الكفاية حتى يتعلم المتعلمون وفق مساراتهم في امتلاك المعارف أو معرفة الفعل»[3]

من خلال التعارف السابقة، يمكن القول إن البيداغوجيا الفارقية مقاربة تربوية تهدف إلى تمكين المتعلمين من اكتساب الكفايات نفسها، حيث تكون الأنشطة التعليمية من حيث طرائقها وأساليب التعلم فيها مكيفة ومتنوعة ومبنية على أساس الفروق والاختلافات بين متعلمي الفصل الواحد، وقد تكون هذه الفروق مرتبطة بعوامل طبيعية أو مكتسبة أوبهما معا.

2) الحاجة: منذ أن وجدت المدرسة، وهي في حاجة إلى تغييرات على عدة مستويات قصد الرقي بمتعلميها وتحقيق ما يصبو إليه المجتمع، ولذلك وجب الإحاطة بهذا المفهوم قصد تأطيره في مجال التربية والتعليم. يعرف مان ميشيل[4] الحاجة على أنها «حالة أو حادثة تضع الفرد في موقف صعب، أو محنة تجعله يشعر بالعوز والرغبة الملحة لأمور تعد من الضروريات، وعادةً ما يُستخدم هذا المصطلح في السياسات الاجتماعية للتعبير عن احتياجات الفرد للخدمات الاجتماعية»[5]. أما روبرت باركر[6]، فقد عرفها على أنها مطالب اجتماعية، واقتصادية، ومادية، ونفسية، يحتاجها المرء ليبقى في حالة من الإنجاز والرفاهية.[7]

ومما سبق يمكن القول إن الحاجة هي كل ما تشترك فيه جميع الكائنات الحية من أجل بقائها على قيد الحياة وحماية نفسها وتحقيق استقلالها النفسي، وهو نفس الشيء بالنسبة إلى الإنسان الذي يكدح من أجل تطوير ذاته وحماية نفسه وتَمكُّنِه من فهم كل ما يدور من حوله من ظواهر وحوادث تجعله يشعر بالضعف والحاجة لتحقيق الشروط الأساسية لضمان الأمن والاستقرار في الحياة. ويمكن القول أيضا بأن مفهوم الحاجة عبارة عن احتياجات مهمة وغريزية في الكائن الحي تدفعه إلى تحسين حياته المعنوية والمادية وحفظ بقائه.

3) الانصاف: المراد بالإنصاف هو إعطاء الناس ما يستحقونه كاملا بلا بخس ولا تحيز ولا محاباة وقد يكون ذلك بالأقوال أو الأفعال أو بهما معا في آن واحد ولا شك أن هذا المفهوم يتشابه ويكاد يتطابق مع مفهوم العدل كما قال العلماء: العدل والإنصاف توأمان[8].

ويعني أيضا استفادة كل الشرائح الاجتماعية من نفس الحقوق بغرض منح نفس الفرص للترقي الذاتي والمجتمعي لكل بنات وأبناء الوطن على حد سواء.

4) تكافؤ الفرص: هو مبدأ يؤكد على مدى ضرورة توفير فرص تعليمية متكافئة لتنمية قدرات واستعدادات ومواهب كل فرد، من أجل تمتعه بالحق في التعليم والتعلم والعمل والترقية على أساس خبرته واستحقاقه بعيدا عن كل ما يميزه من اختلافات مرتبطة بعرقه أودينه أولغته أو لونه. وتعرفه منظمة الإسكوا[9] (منظمة العمل الدولية) باعتباره فرصة يمكن الأفراد من فرص النفاذ إلى جميع جوانب المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعدم مواجهة العوائق على أساس الجنس أوالنوع. كما يعني في عالم العمل الحصول على فرص متكافئة للتقدم بطلب وظيفة محددة (...) أو في التأهيل للحصول على بعض الكفاءات واعتبار المرء على أنه جدير بالترقية في المهن أو المناصب كافة.[10]

II. السياق التاريخي لظهور البيداغوجية الفارقية

تعاني المدرسة من مجموعة من الإكراهات التي جعلتها لا تفي بالغرض الذي وجدت من أجله، وهو تعليم الناشئة وإكسابهم الخبرة والمواقف والقيم والكفايات التي سطرها المجتمع؛ الشيء الذي أدى إلى بزوغ عدة أبحاث سعت إلى إيجاد الحلول الكفيلة لجعل المدرسة ذات نفع عام للفرد وللمجتمع، وقد توجت بظهور البيداغوجية الفارقية التي أسهمت في تجويد وتطوير العملية التعليمية التعلمية وذلك بإزالة الفوارق المعرفية المرصودة بين المتعلمين.

وقد شهد القرن العشرين تحولات اجتماعية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، تكنولوجيا وغيرها، مما أثر بشكل كبير على نظام التعليم في العالم بأسره، وهو الشيء الذي زاد معه التركيز على التنوع والتفاوت والفوارق بين المتعلمين بمختلف طبقاتهم وانتماءاتهم ومجتمعاتهم وثقافاتهم، وكذلك الاهتمام بتقديم التعليم المناسب لذوي الاحتياجات الخاصة، ولذلك فقد تم تسليط الضوء على أهمية معالجة الاختلافات الفردية بين المتعلمين بالدرجة الأولى وتلبية احتياجاتهم المختلفة في عملية التعليم والتعلم. فما العوامل التي أسهمت في ظهور البيداغوجية الفارقية؟

1) العوامل السيكومعرفية المساعدة في ظهور البيداغوجية الفارقية

تتعدد العوامل والأسباب السيكومعرفية المساهمة في ظهور البيداغوجية الفارقية، فمنها ما هو منهجي متعلق بالطرق التي يجب أن يستخدمها الأستاذ في تفريق التعلمات، إضافة إلى العوامل النفسية المعرفية التي ترتبط بذهنية المتعلم، فضلا عن العوامل التربوية التي تشكل أساس العملية التعليمية برمتها، وأخيرا العوامل التكنولوجيا التي تفرض نفسها ككفاية جوهرية في الحقل التربوي، كل هذه العوامل أدت بشكل أو آخر إلى ظهور البيداغوجية الفارقية في حقل التربية والتعليم، من أجل تدارك معيقات بيداغوجيات التقليدية.

أ) العوامل المنهجية:

تشتمل العوامل المنهجية الأساليب والتقنيات التي يستخدمها المدرسون لتوجيه التعلم، الشيء الذي يدفع إلى اعتماد بيداغوجية مناسبة تروم تطوير استراتيجيات تعليمية تلبي احتياجات متنوعة للمتعلمين وتعزز من مشاركتهم في العملية التعليمية التعلمية، ويجب على المدرسين التخطيط المتنوع للدروس الذي يتيح للمتعلمين فرصًا متعددة لفهم واستيعاب المحتوى التعلمي، من خلال استخدام وسائل متعددة مثل الصور، النصوص، والأمثلة من الواقع، من أجل تكييف الإيقاع مع الزمن حتى تكون هناك مرونة في إدارة الوقت وتقديم المعلومات بوتيرة تناسب مختلف المتعلمين، الأمر الذي يعطي للجميع الفرصة لفهم واستيعاب المحتوى الدراسي.

وكذلك تعديل المناهج التعليمية حتى تكون مرنة لتُعَدَّلَ وتُكَيَّفَ وفقًا لاحتياجات وقدرات المتعلمين، مما يتيح للمدرس اعتماد مجموعة متنوعة من الطرائق والموارد التعليمية التي تتناسب مع أساليب تعلم المتعلمين المختلفة.

أما من الناحية السيكوسوسيولوجية، فيجب على المدرس تنويع أنماط العمل والتعلم؛ لأن بعض المتعلمين يستفيدون من العمل الجماعي والتفاعل مع زملائهم، بينما يفضل آخرون العمل بشكل فردي. وهذا ما يفرض على المدرس توفير بيئة تعليمية تشجع على المشاركة الفعالة لجميع المتعلمين، سواء عن طريق النقاشات الجماعية أو العروض التقديمية أو المشاريع الشخصية.

وأخيرا يجب على المدرسين تشخيص احتياجات كل متعلم بشكل فردي، سواء من خلال تشخيص مستواهم عن طريق ملاحظة سلوكياتهم وتفاعلهم داخل الفصل الدراسي لتخطيط أنماط متنوعة من التقويمات تأخذ بعين الاعتبار تفاوت مستويات المتعلمين؛ وذلك لدعم احتياجاتهم التعليمية والمهارية والفكرية.

ب) العوامل السيكومعرفية

ترتبط هذه العوامل بكيفية اكتساب المتعلمين للمعرفة وتفاعلهم معها، فهي تعترف بأن المتعلمين لديهم قدرات وأساليب مختلفة للتعلم، وأن هذه الاختلافات يمكن أن تسهم في تحسين تجربتهم التعليمية، وهو الأمر الذي ساعد في ظهور البيداغوجيا الفارقية من خلال عدة جوانب نذكر منها: أولا، تفريد التعلمات من خلال فهم الطرائق المختلفة التي يتعلم بها المتعلمون، حتى يتسنى للمدرسين ضبط منهجية التدريس الفعالة التي تتناسب مع هذه الطرائق التي تعمل على تجويد الممارسة الصفية وتحقيق نتائج إيجابية. ثانيا، تقوية المهارات الذاتية وتعزيز التفكير النقدي من خلال تطوير مهارات التفكير النقدي لدى المتعلمين، بتشجيعهم على المشاركة بوجهات نظرهم الخاصة وتقييم المواد المُدَرَّسة بناءً على تجربتهم واحتياجاتهم، مما يزيد من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على التفوق. ثالثا: توظيف الذكاءات المتعددة وتنويع الأساليب التعليمية؛ ذلك أن المتعلمين يمتلكون أنواعًا مختلفة من الذكاءات، كالذكاء اللغوي والرياضي والبصري وغيرها، وقد دأبت مختلف النظم التربوية على إيلاء الذكاء اللغوي والذكاء الرياضي أهمية بالغة مقارنة مع الذكاءات الأخرى نظرا لحاجة المجتمعات إليها جميعا[11]. وهذا ما ساهم في ظهور البيداغوجية الفارقية التي تأخذ هذا التعدد بعين الاعتبار، ويتجلى ذلك في الدعوة إلى اعتماد أساليب تعليمية متنوعة تناسب مختلف أنواع الذكاءات. رابعا: التعلم الذاتي الذي يسعى من خلال استخدام البيداغوجية الفارقية إلى تشجيع المتعلمين على تطوير مهاراتهم بشكل مستقل، مما يستوجب على البيئة التعليمية تنمية مهارات اكتشاف المعرفة وحل المشكلات لدى المتعلمين.

ج) العوامل التربوية:

أسهمت مجموعة من العوامل التربوية المختلفة في ظهور البيداغوجيا الفارقية منها: السياسات التربوية المبتكرة التي تسعى تطوير سياسات تربوية مبتكرة موجهة نحو تحقيق تعليم أفضل للجميع، وتقديم تدابير تعليمية مُعدة لتلبية احتياجات متنوعة من شأنها تشجيع المدارس والمدرسين على تبني استراتيجيات تفاعلية تتجاوب مع تفوق واحتياجات المتعلمين. إضافة إلى تصميم مناهج متعددة وتنويع المواد التعليمية التي تتيح للمتعلمين فرصة الاختيار وفقًا لاحتياجاتهم كما يجب تنويع مواد التعليم لتتناسب مع مستوى وأسلوب تعلم كل متعلم. فضلا عن ضرورة استخدام استراتيجيات تعليمية متنوعة تعين المدرس على اعتماد استراتيجيات التدريس الفعالة والتقنيات المختلفة لضمان وصول المعلومات بطرائق متعددة ومتنوعة لجميع المتعلمين. أما التواصل الفعال مع المتعلمين، فيعتبر أمرًا حيويًا يخلق بيئة تعليمية تحفزهم على الاستقلالية والتفكير النقدي والتعلم المستمر والتعبير عن احتياجاتهم واهتماماتهم، كما أنه يساعد المدرسين أيضا على تحديد هذه الحاجيات والاهتمامات من أجل وضع خطط تعليمية ناجعة. إن أي مقاربة تعليمية تستند إلى إطار نظري مرجعي تستمد منه الأسس والمبادئ التي تقوم عليها، وهذا هو حال المقاربة بالكفاءات، فهي الأخرى تستمد مرجعيتها النظرية من علوم ونظريات مختلفة نذكر من أهمها علم النفس الفارقي، الذي يهتم بوصف وشرح الفروق الفردية بين الأفراد باستخدام وسائل علمية وموضوعية وتستند في ذلك إلى أن الأفراد لا يتشابهون أبدا، فلكل متعلم خبرته وتجربته واستراتيجيته الخاصة بالتعلم، وهذا كان سببا في صعوبات تطبيق البيداغوجيا الفارقية في التدريس بالمقاربة بالكفاءات ظهور اتجاه بيداغوجي يقوم على تفريد التعلمات تبعا لمتطلبات واستراتيجية كل فرد.[12]

د) العوامل التكنولوجية:

إن ظهور التكنولوجية سهل بشكل كبير تحديد مكمن الخلل في عدم تحكم المتعثرين في التعلمات الأساس الذي يشكل الفوارق الصارخة في الممارسة الصفية بين المتعلمين، ولهذه التكنولوجية عوامل عدة أسهمت في ظهور البيداغوجيا الفارقية، نذكر منها:

- التقدم التكنولوجي الذي يؤدي إلى توسع الوصول إلى المعرفة والتعليم، وهذا ما يدفع إلى تصميم تجارب تعليمية تلبي احتياجات متنوعة في سياق التعلم عن بعد واستخدام التكنولوجيا في التعليم كوسيلة من الوسائل التعليمية الفعالة من خلال منصات تعليمية عبر الإنترنيت تقدم محتوى متنوعا يتناسب مع مختلف الاحتياجات.

- الوسائط التكنولوجيا التعليمية، وتشمل هذه التكنولوجيا الأدوات والتطبيقات التي تدعم المتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة أو الصعوبات التعليمية، مثل برمجيات القراءة الصوتية وأدوات تحويل النصوص إلى كلام ومحتويات تعليمية ثلاثية الأبعاد ومفاهيم مجسمة، من خلال إنشاء مسارات تعليمية مختلفة للمتعلمين بناءً على مستوى أدائهم واحتياجاتهم واهتماماتهم باعتماد الحواسيب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية.

- التعلم الإلكتروني التفاعلي الذي يساعد في إنشاء بيئات تعليمية واقعية تفاعلية تسهم في تحفيز المشاركة وتعزيز تفاعل المتعلمين مع المحتوى في أي وقت وفي أي مكان، وهو الأمر الذي يسمح بتنظيم وقتهم وسرعة تقدمهم وفقًا لإيقاعهم الشخصي، مما يقلص الفوارق الفردية التي تحتاج إلى جهد ووقت اللذين قد لا يتوفران في الممارسة الصفية لإكراهات عدة.

- تحليل البيانات التعليمية التي يتم جمعها من تفاعلات المتعلمين مع التكنولوجيا التعليمية لتحديد نقاط القوة والضعف لديهم قصد تحديد أنماط التعلم واحتياجات كل متعلم على حدة، وهو الشيء الذي يساعد المدرسين من اتخاذ قرارات تعليمية أفضل مستندة على بيانات دقيقة وتقديم ردود فعل فورية.

2) العوامل السوسيوثقافية

إذا كنا قد أشرنا في المبحث الأول عند الحديث عن العوامل التي ساهمت في ظهور البيداغوجيا الفارقية، فإن هناك عوامل سيكوثقافية كان لها الفضل هي الأخرى في نشأة هذه البيداغوجيا وأجرأتها في مجال التعليم، ويمكن حصر هذه العوامل في العوامل السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.

أ) العوامل السياسية: إن ظهور البيداغوجيا الفارقية كان نتاجًا لتفاعل عدة عوامل سياسية، منها: الحاجة إلى العدالة التربوية، حيث تصاعدت الضغوطات في مختلف أنحاء العالم لتحقيق العدالة التربوية وتوفير فرص تعليمية متساوية لجميع المتعلمين بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والثقافية. فضلا عن اجتهادات القوى الحاكمة، والتي تتعلق بالتغيرات والتحولات في السياسات التربوية من طرف القوى الحاكمة في المجتمع. على سبيل المثال: تُحَفِّزُ التوجهات نحو المساواة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية الباحثين والتربويين على التفكير في نهج تعليمي يعالج الاختلافات ويدعم التعلم لجميع المتعلمين بغض النظر عن خلفياتهم. وكذلك توسيع الحقوق والمساواة، حيث دعت مجموعة من الحركات الاجتماعية والمنظمات الدولية لتوفير فرص تعليمية متساوية لجميع الفئات دون تمييز، مما أدى إلى تبني نهج تعليمي يركز على التفاوتات والتحديات التي يواجهها المتعلمون، وهذا ما زاد الاهتمام بضمان حقوق جميع الأفراد في التعليم. فبدأت حركات المدنيين والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة في المطالبة بتقديم فرص تعليمية تتناسب مع احتياجاتهم المتنوعة.

ومن أبرز العوامل السياسية، نجد التنوع والتعدد الثقافي الذي ظهر نتيجة الضغوطات السياسية التي أدت إلى اعتماد منهج تعليمي يأخذ في الاعتبار تلك الاختلافات الثقافية بين المتعلمين، ويعمل على توفير تجارب تعليمية شاملة.

ب) العوامل الاجتماعية: ظهرت البيداغوجية الفارقية نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل الاجتماعية، والتي تشتمل على:

التفكير الاجتماعي والنقدي: لقد أدى ازدياد التفكير الاجتماعي النقدي في القرن العشرين، مما دفع إلى التشكيك في النهج التقليدي للتعليم الذي يعامل جميع المتعلمين بنفس الطريقة دون مراعاة الاختلافات الفردية، الشيء الذي أدى إلى الهدر المدرسي فنتج عنه انتشار الأمية وتخلف المجتمعات عن التقدم. ثانيا: التركيز على تعميم التعليم، إن تزايد الاهتمام بالتعليم المعمم لجميع المتعلمين، بما في ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون إلى توجيه خاص وتقديم دعم إضافي نتيجة لاحتياجاتهم الخاصة من أجل ضمان فرص تعليمية للجميع، الأمر الذي دفع إلى اعتماد منهج تعليمي يرتكز على تقديم مقعد دراسي لكل متعلم كفرصة تعليمية ملائمة ومتساوية للجميع. ثالثا: التحولات الاجتماعية التي أدت إلى الشعور بالحاجة إلى تطوير منهجيات تعليمية جديدة تتناسب مع متطلبات العصر، مثل التعديلات التي طرأت على المناهج والبرامج التي تستجيب لتحولات سوق الشغل.

وأخيرا عدم المساواة التعليمية التي يعاني منها العديد من المتعلمين على مستوى فرص التعليم نتيجة لاختلافات اقتصادية واجتماعية وجغرافية. وتهدف البيداغوجيا الفارقية إلى تقليص هذه الفجوة من خلال توفير تجارب تعليمية تتناسب مع احتياجات كل متعلم على حدة. كما يمكن أن يؤدي عدم المساواة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، كالتمييز على أساس الجنس، العرق، الدين، اللون إلى اختلافات في فرص التعلم، مما جعل البيداغوجيا الفارقية تهدف مكافحة هذا التمييز من خلال تقديم تجارب تعليمية متنوعة تضمن الحد من الفجوات التي تكرس الطبقية داخل الفصل الواحد والمدرسة والمجتمع.

ج) العوامل الثقافية: ترتبط بأسباب ظهور البيداغوجية الفارقية نتيجة التأثيرات التي تنبع من التنوع الثقافي في المجتمع وكيفية تفاعله مع مجال التعليم. هذه العوامل تشمل تأثير القيم والعادات واللغة والتفاعلات الثقافية الأخرى على الممارسة الصفية. وفيما يلي بعض العوامل الثقافية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تنوع الثقافات؛ إذ تُعزز البيداغوجية الفارقية من اعتراف التعليم بتنوع الثقافات المختلفة الموجودة في المجتمع، كما تتعامل مع التحديات والفرص التي يمكن أن يحملها تنوع الثقافات، وتسعى لتضمين تجارب ومعارف المتعلمين من مختلف الخلفيات داخل الممارسات الصفية. إضافة إلى ضرورة احترام الهوية الثقافية، التي تعتبرها البيداغوجية الفارقية أمرًا مهمًا، حيث يتم تعزيز فهم الهويات الثقافية المتنوعة والاعتراف بأهميتها في تكوين تجارب تعليمية مثمرة. وذات جودة. وكذلك التنوع اللغوي الذي يلعب دورًا حاسمًا في العوامل الثقافية للبيداغوجية الفارقية. فهذه الآخرة تُؤمن بأهمية استخدام لغة المتعلم كوسيلة للتعلم والتواصل وكأداة لاكتساب الثقافة ونقلها للآخرين؛ وذلك لتسهيل فهم المفاهيم والمحتوى التعليمي المرتبط بثقافة المحيط السوسيوثقافية، وتعزيز المشاركة الفعالة بين مختلف المتعلمين الحاملين لثقافات مختلفة من أجل تواصل ثقافي متميز.

وأخيرا مجال القيم والمعتقدات؛ إذ تأخذه البيداغوجية الفارقية بعين الاعتبار نظرا لمكانة القيم والمعتقدات المختلفة للمتعلمين وكيفية تأثيرها على نمط التعليم والتعلم والتفاعلات داخل الفصل الدراسي، وهو الشيء الذي يُشجع على إنشاء بيئة تعليمية تحترم وتعكس تلك القيم في سلوكيات المتعلمين.

د) العوامل الاقتصادية:

تسهم عدة عوامل اقتصادية في ظهور وتطور هذا النهج التعليمي وفيما يلي بعض هذه العوامل، أولا: توجهات الاقتصاد المعرفي: على مر العقود، ازداد الاهتمام بدراسة كيفية تأثير العوامل الاقتصادية على تعليم الأفراد. تطورت الاقتصاديات التعليمية كفرع من الاقتصاد المعرفي، مما أسهم في تفسير أهمية معالجة الفوارق في العملية التعليمية التعلمية. ثانيا: إن تطور الاقتصاد المعرفي والانتقال إلى مجتمع معرفي، أدى إلى جعل المعرفة والمهارات أهم الأصول الاقتصادية. فلذلك يتعين على الأنظمة التعليمية تجهيز جميع المتعلمين بالمهارات والمعارف اللازمة للمشاركة في هذا النمط الاقتصادي الجديد. ثالثا: المنافسة العالمية، حيث تحتاج الدول إلى تجهيز جيل من المواطنين يمتلكون المهارات والقدرات اللازمة للتنافس على المستوى العالمي، وتعتبر البيداغوجيا الفارقية وسيلة تضمن أن حصول جميع المتعلمين على التعليم الذي يمكنهم من المنافسة على الصعيدين المحلي والدولي.

وأخيرا: إن تزايد الفوارق الاقتصادية في المجتمعات التي تعاني من فجوات اقتصادية واجتماعية كبيرة، يمكن أن يجعل البيداغوجيا الفارقية وسيلة للحد من هذه الفجوات وذلك من خلال توفير فرص عادلة للجميع للوصول إلى تعليم عالي الجودة.

3) أصناف الفروقات الفردية وطرق تدبيرها داخل الممارسة الصفية.

يختلف المتعلمون في العديد من الفوارق الاجتماعية والثقافية والأسرية والاقتصادية، وهذه الفروقات تلعب دورًا مهما في تشكيل تجاربهم التعليمية وأدائهم في المدرسة، وهو الشيء الذي يخلق في نفس الوقت الهوة بين المتعلمين على مستوى اكتساب التعلمات، فيؤدي إلى فروقات لابد من مراعاتها داخل الفصل الدراسي لتحقيق تكافؤ الفرص. وتنقسم هذه الفروقات إلى ما هو طبيعي وما هو مكتسب كما سبق الإشارة إلى ذلك، وسنتطرق فيما يلي إلى بعضها.

أ) الفروقات الطبيعية:

تعني الفروقات الطبيعية كل الاختلافات والتنوع الطبيعي المعترف به بين الأفراد في أي مجموعة أو مجتمع. وهذه الاختلافات هي جزء طبيعي من التنوع البشري وتشمل مجموعة واسعة من العوامل التي تميز الأفراد عن بعضهم البعض، وتنقسم هذه الفروقات إلى ما هو بيولوجي، فيزيولوجي وبيئي.

الفروقات البيولوجية:

إن الفروقات الفردية قد تنشأ مما هو وراثي نتيجة لاختلافات في الوراثة بين الأفراد. وهذه الفروق تتعلق بالجينات والوراثة البشرية، وقد تؤثر على السمات، مثل اللون البشري والبنية الجسمانية والتفضيلات الوراثية وقوة الذكاء. أو قد تنشأ مما هو جنسي الذي يشمل الفروق بين الذكور والإناث من حيث التنشئة الاجتماعية التي تولي اهتماما بالغا للذكور على حساب الإناث. أو قد تكون عمرية تظهر نتيجة اختلافات عمرية أو تقدم العمر، حيث يمكن أن تؤثر تطورات العمر على السلوك والتفكير والاحتياجات.

الفروقات الفيزيولوجية:

إن الفروقات الفيزيولوجية ترتبط بالقدرات الفردية التي يختلف التلاميذ فيها على مستوى قدراتهم الذهنية والعقلية، مما يؤثر على السرعة والطريقة التي يستوعبون بها المعلومات ويتعلمون منها. وبالفروقات العقلية والجسدية التي تنتج بسبب اضطرابات صحية أو طبية، والتي قد تؤثر على القدرات الجسدية أو العقلية للأفراد.

الفروقات البيئية:

تنجم الفروق البيئية عن الاختلافات في البيئة التي نشأ فيها الأفراد، مثل الثقافة والتربية والتعليم والتجارب الحياتية، وهي عوامل تؤثر على الشخصية والاتجاهات والمعرفة. إضافة إلى الموقع الجغرافي الذي يجعل المتعلمين في المناطق النائية يواجهون تحديات في الوصول إلى تعليم عالي الجودة وفرص تعليم متقدمة مقارنة بالمدن.

ب) الفروقات المكتسبة:

تنتج الفروقات الاجتماعية والثقافية والأسرية والاقتصادية بين المتعلمين من مجموعة متنوعة من العوامل التي تؤثر على تجربتهم التعليمية ونجاحهم فيها، وهذه بعضها:

الفروقات الاجتماعية:

تنشأ الفروقات الاجتماعية نتيجة للظروف الاجتماعية التي يعيشها الأفراد، مثل الطبقة الاجتماعية، والجنس، والعرق، والدين. وهذه الفروق قد تؤثر على وجهة نظر الأفراد وتصرفاتهم مستويات متعددة نذكر منها مايلي:

- الطبقة الاجتماعية: تؤثر الفروق في الدخل والثروة على فرص الوصول إلى التعليم الجيد والموارد التعليمية.

- الجنس والعرق والثقافة: تؤثر الاختلافات في الجنس والعرق والقيم الثقافية على التفاعلات الاجتماعية والتواصل في البيئة المدرسية.

- التواصل الاجتماعي: تؤثر العلاقات والصداقات على مدى التحفيز والدعم التعليمي بين الأسر والمدرسة على مكتسبات المتعلمين.

الفروقات الثقافية:

يمكن للفروق في اللغة أن تؤثر على الفهم والتواصل مع المدرسين والزملاء، كما هو الشأن بالنسبة إلى القيم والعادات التي تؤثر في كيفية استيعاب المعلومات والمشاركة في الفصل.

- التواصل البينثقافي: إن القدرة على التفاعل مع أشخاص من ثقافات مختلفة يمكن أن تؤثر على العلاقات الاجتماعية والفهم المتبادل.

الفروقات الأسرية:

- الدعم الأسري: إن الفرق في مستوى الدعم والتشجيع من الأسرة يؤثر على الالتزام بالتعليم والتحصيل الدراسي، لما للأسرة من أهمية قصوى في توفير بيئة داعمة وتحفيزية.

- الهيكل الأسري: تؤثر اختلافات في الهيكل الأسري (مثل العائلات المنفصلة أو المعايشة مع أجيال متعددة) على الوقت والموارد المتاحة للتعليم.

الفروقات الاقتصادية:

- الوضعية الاقتصادية: إن الوضعية المادية للأسرة تؤثر على القدرة على الوصول إلى الموارد التعليمية كالأدوات والكتب والتكنولوجيا مما يحول دون تحقيق مبدإ تكافؤ الفرص بين المتعلمين من جهة، وخلق طبقات اجتماعية من جهة أخرى.

- الفرص التعليمية: يعاني المتعلمين من فروق في الوصول إلى الدورات التعليمية الإضافية والأنشطة خارج الصف الدراسي بسبب التكاليف المرتبطة بها.

III. توظيف البيداغوجية الفارقية في العملية التعليمية التعلمية

1) الخطوات التي يجب اتباعها لتوظيف البيداغوجية الفارقية في الممارسة الصفية:

أ) تقويم تشخيصي للمكتسبات القبلية: تقويم مستوى المتعلمين واحتياجاتهم من خلال تمرير روائز تقويمية ذات طبيعة تشخيصية، كالملاحظة، أو مقابلات شفهية مع المتعلمين أو مع آباء وأولياء الأمور أو اختبارات ذات بعد كتابي، وهذا ما يساعد في فهم قدرات المتعلمين واحتياجاتهم.

ب) تحديد أهداف متنوعة: تحديد أهداف تعليمية تناسب مختلف مستويات المتعلمين السابقة وتناسب المحتوى المدرس سلفا، قصد بناء روائز تشخيصية لهذه المكتسبات القبلية، ويجب أن تكون هذه الأهداف قابلة للتجزيء وفقًا لاحتياجات المتعلمين الفردية.

ج) تخطيط مواد تعليمية متنوعة: ابتكار موارد تعليمية متعددة تلبي احتياجات المتعلمين المتنوعة، يمكن أن تتضمن هذه الموارد مقاطع فيديو، ورق عمل، نصوص متعددة الصعوبة، تمارين تفاعلية، وأنشطة جماعية.

د) تنويع الوسائل التعليمية: اعتماد عدة أساليب تدريس متناسبة مع احتياجات المتعلمين المختلفة، يمكن استخدام المحاضرات التفاعلية، العروض التقديمية، النقاشات الجماعية، والتعلم القائم على المشروعات.

هـ) تفييئ المتعلمين إلى مجموعات: تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة حسب مستوياتهم، وقدراتهم، واحتياجاتهم. فمن خلال هذه المجموعات يمكن تقديم المواد بشكل أكثر تخصيصًا؛ وذلك باعتماد توزيع للتلاميذ داخل بنيات مختلفة، تمكنهم من العمل حسب مسارات متعددة، ويشتغلون على محتويات متمايزة بغرض استثمار إمكاناتهم، وقيادتهم نحو التفوق والنجاح.[13]

و) تنويع التقويمات: استخدام تقويمات تتنوع بين الاختبارات التقليدية والمشاريع الإبداعية والأداء الفعلي؛ لأن ذلك يساعد على تقدير تقدم المتعلمين بشكل فعّال.

ز) مواكبة المتعثرين وتحفيزهم: مواكبة تقدم المتعلمين باستمرار وملاحظة أي تحسن أو صعوبات تعترضهم وتحديد التحديات التي تواجههم قصد تقديم الدعم والمعالجة الفورية لتجاوز تعثراتهم والاطلاع على مدى تفاعلهم مع الدروس الجديدة، من أجل بناء تعلماتهم على غرار أقرانهم المتحكمين في التعلمات.

ح) تكييف الدروس حسب الفئات التي تم تفييئها: إن البيئات التعليمية دائمًا تتغير وعلى المدرس تكييف استراتيجياته وموارده باستمرار وفقًا لاحتياجات المتعلمين.

ط) تعزيز الاستقلالية والتفكير النقدي: يجب تشجيع المتعلمين على التفكير بشكل نقدي وحل المشكلات بطرائق مبتكرة مع تقديم وضعيات تعلمية تساهم في تنمية وتطوير مهاراتهم الاستقلالية.

2) الخطوات المتبعة لتوظيف البيداغوجية الفارقية في الممارسة الفصلية:

أ) التواصل مع الآباء وأولياء الأمور وإشراكهم في عملية التتبع: يجب إخبار الآباء وأولياء الأمور بمدى تقدم أبنائهم في عملية اكتساب التعلمات، وطلب ملاحظاتهم التي قد تكون مفيدة في المعالجة الدقيقة لتعلماتهم، كما يجب إشراكهم في صنع القرار المتعلق بتعليم أطفالهم وتقديم الدعم العاطفي الإيجابي والتشجيع لمواجهة التحديات التعليمية. فأولياء الأمور يلعبون دورًا حيويًا في توظيف البيداغوجية الفارقية من خلال التواصل الفعّال مع المدرسة، وتوفير الدعم المنزلي، وتشجيع التفاعل والاستقلالية لدى المتعلمين، ومراقبة التقدم والمشاركة في إنجاح التعلمات.

ب) جمع البيانات الشخصية للمتعلمين: إن جمع هذه البيانات من طرف المدرسين في بداية العملية التعليمية يجعل المدرس على اطلاع بوضعية المتعلم والإحاطة بالجوانب النفسية، والاجتماعية، والأسرية، والمادية.

ج) التواصل الفعال مع المدرسة: على آباء وأولياء الأمور التواصل بانتظام مع المدرسين والإدارة التربوية للمدرسة قصد مناقشة احتياجات وتقدم أطفالهم. يمكنهم مشاركة المعلومات عن احتياجات أطفالهم واهتماماتهم وأساليب تعلمهم.

د) تقديم الدعم المنزلي: يجب على آباء وأولياء الأمور دعم تعلم أبنائهم في المنزل من خلال توفير بيئة تعليمية محفزة ومواد تعليمية مناسبة لاحتياجاتهم؛ وذلك من خلال مراجعة المواد المدرسية والواجبات المنزلية مع الطفل وتقديم المساعدة عند الحاجة.

هـ) تشجيع التفاعل والاستقلالية: يمكن لأولياء الأمور تشجيع الطفل على المشاركة في الأنشطة المختلفة وتطوير مهاراته الاجتماعية والعقلية. يجب تشجيع الاستقلالية وتحفيز الفضول والاستكشاف.

3) الخطوات المتبعة لتوظيف البيداغوجية الفارقية في التعليم عن بعد.

التعليم عن بعد نوع من أنواع التعليم المبتكر الجديد المتجدد الذي أصبح يفرض نفسه في عصر التكنولوجية؛ فهو يتيح للمتعلمين الوصول إلى المواد التعليمية والمعلومات عبر الإنترنت أو من خلال وسائل أخرى من دون الحاجة إلى التواجد الجسدي في مكان محدد. يمكن أن يكون للتعليم عن بعد تأثير كبير على توظيف البيداغوجية الفارقية، وهذا يمكن أن يكون إيجابيًا أو سلبيًا اعتمادًا على كيفية تنفيذه واستخدامه، وهذه بعض الطرائق التي قد تساعد في توظيف البيداغوجية الفارقية في التعليم عن بعد:

أ) التنوع والتكيف: يمكن توظيف البيداغوجية الفارقية في التعليم عن بعد الذي يُمَكِّنُ المتعلمين من تنظيم وقتهم وتكييف عملية التعلم وفقًا لاحتياجاتهم الخاصة، مما يشجع على التعلم الذاتي.

ب) تنويع وسائل التواصل: يمكن استخدام مجموعة متنوعة من وسائل التواصل الرقمية في التعليم عن بعد لتفريق التعلمات، مثل المنتديات والمنصات الإلكترونية والدروس عبر تقنية الفيديو والدردشة الحية، مما يسهم في تعزيز تفاعل المتعلمين فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين المحتوى التعلمي من جهة أخرى.

ج) تحليل البيانات: يمكن تحليل البيانات في التعليم عن بعد لفهم تفاعل المتعلمين مع المواد التعليمية وتحديد نقاط القوة والضعف لتقديم المحتويات الرقمية بحسب حاجة ومستوى كل متعلم، مما يساعد في تجويد العملية التعليمية التعلمية.

د) توفير مصادر متعددة: عن طريق التعليم عن بعد يمكن توفير مصادر متنوعة تراعي الفروقات الفردية، كمقاطع الفيديو التعليمية والمقالات والمواد التفاعلية، وهذه المصادر تساعد المتعلمين في تعلم المواد بطرائق متعددة تناسب أساليبهم الشخصية.

هـ) مراقبة الأداء وتقديم المعالجة: يمكن للمدرسين من تتبع أداء المتعلمين بشكل دقيق وبشكل فردي من خلال التعليم عن بعد، وتقديم المعالجة الفورية التي تساعد على تحسين اكتساب المتعلم للتعلمات اللازمة.

و) تدبير الاختلافات عن بعد: في التعليم عن بعد يتعامل المدرسون مع مجموعة متنوعة من المتعلمين، ويمكن أن يكونوا في مناطق جغرافية مختلفة ولديهم تجارب ومستويات معرفية مختلفة، ومن خلال البيداغوجية الفارقية يمكن تصميم المحتوى التعليمي وطرائق التدريس المناسبة لتلبية احتياجات هذه الفئات المتنوعة.

IV. العوائق والصعوبات التي تحول دون تنزيل البيداغوجيا الفارقية

هناك العديد من العوائق البشرية والمادية والسيكومعرفية التي يمكن أن تواجه محاولات توظيف البيداغوجية الفارقية في مجال التعليم، وهذه بعضها:

1) العوائق البشرية

-    تدريب المدرسين: قد يكون من الصعب تدريب المدرسين على استخدام البيداغوجية الفارقية وفهمها بشكل كامل.

-    تحديد احتياجات المتعلمين: التعرف على احتياجات المتعلمين بشكل فردي والوصول إليها يتطلب وقتاً إضافياً وموارد إضافية للمدرسين.

-    مقاومة التغيير: بعض المدرسين والإداريين قد يقاومون التغيير ويفضلون البقاء على الأساليب التقليدية.

-    مشكلات في الفهم الفردي: تحديد احتياجات وقدرات كل متعلم بشكل دقيق يمكن أن يكون تحدّيًا.

-    مشكلة الثقافة والمجتمع: بعض الأوساط والمجتمعات قد تكون متشددة في توجيه المتعلمين نحو مسارات تعليمية معينة أو تقديم نهج تعليمي واحد للجميع، وهو ما يمكن أن يكون عائقًا لتنزيل البيداغوجية الفارقية.

2) العوائق المادية

-    الموارد التعليمية: توفير الموارد التعليمية المتنوعة والمناسبة لاحتياجات المتعلمين يمكن أن يكون تحدياً، خصوصاً في المدارس ذات الميزانيات المحدودة.

-    تكنولوجيا التعليم: في بعض الحالات، قد تكون التكنولوجيا والاتصالات غير متاحة بشكل كافي لتنفيذ استراتيجيات البيداغوجية الفارقية.

-    نقص الموارد: قد تكون هناك نقص في الموارد المادية مثل الكتب المدرسية المخصصة والتكنولوجيا التعليمية.

-    نقص التمويل: تحتاج استراتيجيات التعليم المعتمد على البيداغوجية الفارقية على موارد إضافية متعددة ومتجددة مثل التكنولوجيا التعليمية الحديثة أو المواد التعليمية المخصصة، ولذلك، فإن نقص التمويل يعتبر عائقا لتوفير هذه الموارد. الضرورية.

-    البنية المدرسية: بنية المدرسة نفسها قد تكون عائقًا إذا لم تكن مجهزة بشكل مناسب لتوظيف البيداغوجية الفارقية في الممارسة الصفية.

-    الاختلافات التنظيمية والبنية: تصطدم البيداغوجية الفارقية في بعض الأحيان مع البنية التنظيمية للمؤسسات التعليمية والأنظمة التعليمية القائمة. فقد تكون هناك صعوبة في تنفيذ التغييرات اللازمة لتكييف التعليم وفقًا للفروقات المرصودة بين المتعلمين.

-    التحديات التكنولوجية: في بعض الأماكن، قد تكون التكنولوجيا والاتصالات غير متاحة بشكل كافي، مما يصعب من توفير تجارب تعليمية متطورة تستند إلى التكنولوجية.

3) العوائق السيكومعرفية

-    تقييم الأداء: إن تقدير أداء المتعلمين بشكل فردي ومخصص يشكل تحدّياً، ويتطلب أساليب تقييم متقدمة وموارد إضافية تسهل هذه العملية وتزيد من نجاعتها وفعاليتها.

-    انعدام الوعي: قد يكون هناك انعدام للوعي بأهمية البيداغوجية الفارقية وفوائدها لدى الأهل والمدرسين والمسؤولين عن القرارات التعليمية، مما يؤثر على دعم هذا النهج.

-    اختلاف مستويات التعلم: يمكن أن يكون هناك اختلاف كبير بين مستويات المتعلمين في الفصل، مما يجعل تنفيذ استراتيجيات فارقية فعالة صعب المنال.

-    مشكلات تقييم الأداء: كيفية تقييم تقدم المتعلمين وتحديد مدى فعالية البيداغوجية الفارقية يمكن أن تكون تحديا.

-    التحفيز والاهتمام: تحفيز المتعلمين وجعلهم مهتمين بالتعلم يمكن أن يكون تحديًا خاصًا عند تنفيذ استراتيجيات فارقية.

-    تصميم المناهج: يجب تطوير مناهج التعليم وجعلها متنوعة ومتعددة الأوجه لتلبية احتياجات المتعلمين ذوي التفوق والأنماط المختلفة للتعلم. وهذا ما يتطلب جهداً إضافياً في تصميم وتطوير هذه المناهج لتجاوز كل المعيقات المرتبطة بالمعرفة من حيث تدرجها واكتسابها.

للتغلب على هذه العوائق، يجب أن يتم توجيه الموارد والتدريب نحو تطوير مهارات المدرسين في فهم وتحديد احتياجات المتعلمين وتخصيص التعليم وفقًا لها، وتوفير الموارد والتكنولوجيا المناسبة لدعم هذه الصعوبات المتراكمة، وتشجيع التفكير الإبداعي في تصميم التعليم وتقييمه بطرائق تسمح بتلبية احتياجات جميع المتعلمين بسهولة وبدقة وفعالية.

خاتمة

نافلة القول إنه لتقليص الفروقات بين المتعلمين وتجويد العملية التعليمية التعلمية والحد من الهدر المدرسي يتطلب الأمر تفكيرا إبداعيا والتزاما من قبل المدرسين والإدارات التربوية والمسؤولين والمجتمعات لتعزيز التعليم الفارقي وضمان فرص تعليم متساوية وذات جودة عالية لجميع المتعلمين.

ويعود الفضل للبيداغوجية الفارقية كما أسلفنا الذكر، في تمكين المدرسين من تحفيز المتعلمين وتعزيز تفوقهم وتطوير مهاراتهم الشخصية والأكاديمية وتنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي وتشجيعهم على الاستقلالية والتفاعل الإيجابي فيما بينهم، وتوجيه الجهود نحو تلبية احتياجات المتعلمين بشكل فردي الذي يسهم بشكل كبير في نجاحهم في مساراتهم العلمية والمهنية، علاوة على ذلك فالبيداغوجية الفارقية تعزز التنوع والشمولية في المجتمعات ككل والمؤسسات التعليمية بشكل خاص، وهو ما سيساهم في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا وفهمًا لاختلافات الأفراد. لذلك نجد أن الاهتمام بالبيداغوجية الفارقية يعكس التزامنا بتحقيق تعليم عادل ومتساو للجميع، مما يؤدي إلى تحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة وتعزيز التنمية المستدامة للمجتمعات.

وفي ظل التحديات التعليمية المستمرة والتغيرات في احتياجات المتعلمين، يعتبر الاعتماد على البيداغوجية الفارقية أمرًا حاسمًا لضمان جودة التعليم والتمكين الشامل للجميع. إنها استثمار في مستقبل أفضل ومجتمعات أكثر تقدمًا، حيث يمكن للطلاب تحقيق أهدافهم وتطورهم بصورة مستدامة. في نهاية المطاف، تمثل البيداغوجية الفارقية أحد أهم الأدوات لبناء مستقبل أفضل أكثر تنوعًا وعدالة.

 

لائحة المصادر والمراجع:

  1. شرقي محمد، مقاربات بيداغوجية: من تفكير التعلم إلى تعليم التفكير: دراسة سوسيوبيداغوجية، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2010
  2. أحمد أوزي المعجم الموسوعي لعلوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006
  3. عبد الوهاب جودة الحايس، تقدير الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين كمدخل للتنمية الشاملة، رؤى نظرية وشاملة.
  4. محمد عبد الرؤوف المناوي، التوقيف على مهمات التعارف، تحقيق عبد الحميد حمدان، القاهرة، 1410.
  5. لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية بغرب آسيا وتعرف باسم الإسكوا نسبة للاختصار وهي واحدة من خمس لجان إقليمية أسسها المجلس الاقتصادي والاجتماعي لأمم المتحدة ومقرها الرئيسي في بيروت.
  6. عبد الكريم، غريب. المنهل التربوي، الجزء الثاني، ط.1 منشورات عالم التربية، دار النجاح الجديدة. الدار البيضاء، المغرب، 2006
  7. عبد الكريم، غريب بيداغوجيا الإدماج، ط.1 منشورات عالم التربية، مطبعة دار النجاح الجديدة. الدار البيضاء، المغرب، 2011.
  8. أحمد، الصالح حثروبي. الدليل البيداغوجي لمرحلة التعليم الابتدائي وفق النصوص المرجعية والمناهج الرسمية. دار الهدى. عين مليلة، الجزائر، 2007
  9. PRZESMYKY HALI NA, La pédagogie différenciée, Hachette éducation technique, Paris, 1991
  10. Battut, E., & Bensimon, D, Comment différencier la pédagogie, Paris: Retz, 2006
  11. Louis Legrand. La différenciation de l'enseignement, Association Se former, Lyon, 1973.
  12. Mourad Bahloul, La pédagogie de la différence: l'exemple de l'école tunisienne, M. Ali Editions, 2003
  13. Ph. Meirieu, L’école, mode d’emploi, ESF, 1991
  14. Ph. Meirieu, La pédagogie différenciée, enfermement ou ouverture? Paris.
  15. Przesmycki, H, La pédagogie différenciée, Paris, Hachette éducation, 2004
  16. Vitali Christian, la vie scolaire, Hachette, Nouvelles approches, 1997
  17. Tomlinson, C. A., Differentiation of Instruction in the Elementary Grades. ERIC, 2000

[1] شرقي محمد، مقاربات بيداغوجية: من تفكير التعلم إلى تعلم التفكير: دراسة سوسيوبيداغوجية، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2010، ص 99

[2] أحمد أوزي: المعجم الموسوعي لعلوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006

[3] PRZESMYKY HALI NA, La pédagogie différenciée, Hachette éducation technique, Paris, 1991, p 7

[4] عبد الوهاب جودة الحايس، تقدير الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين كمدخل للتنمية الشاملة، رؤى نظرية وشاملة، ص2

[5] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[6] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[7] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[8] محمد عبد الرؤوف المناوي، التوقيف على مهمات التعارف، تحقيق عبد الحميد حمدان، القاهرة، 1410، ص 64

[9] لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية بغرب آسيا وتعرف باسم الإسكوا نسبة للاختصار وهي واحدة من خمس لجان إقليمية أسسها المجلس الاقتصادي والاجتماعي لأمم المتحدة ومقرها الرئيسي في بيروت.

[10] منظمة الإسكوا

[11] محمد الصالح حثروبي الدليل البيداغوجي: لمرحلة التعليم الابتدائي وفق النصوص المرجعية والمناهج الرسمية. دار الهدى. 2007، عين مليلة، الجزائر، ص 33

[12] محمد الصالح حثروبي، الدليل البيداغوجي: لمرحلة التعليم الابتدائي وفق النصوص المرجعية والمناهج الرسمية. مرجع سابق ص 34

[13] عبد الكريم، غريب2006المنهل التربوي، الجزء الثاني، ط.1 منشورات عالم التربية، دار النجاح الجديدة. الدار البيضاء، المغرب، ص78