السكان والاقتصاد وفلسطين والمشروع الصهيوني: قراءة في كتاب بلاد الشام في مطلع القرن العشرين لوجيه كوثراني


فئة :  قراءات في كتب

السكان والاقتصاد وفلسطين والمشروع الصهيوني: قراءة في كتاب بلاد الشام في مطلع القرن العشرين لوجيه كوثراني

وجيه كوثراني: بلاد الشام في مطلع القرن العشرين: السكان والاقتصاد وفلسطين والمشروع الصهيوني: قراءة في وثائق الدبلوماسيَّة الفرنسيَّة، (الدوحة: المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات، الطبعة الثالثة، مايو 2013)، (443 ص).

تشهد سورية منذ عام 2011 حرباً أهليَّة طاحنة، لم تخمد حممها حتى كتابة هذه السطور، تحمل في طياتها الكثير من التداعيات السياسيَّة الداخليَّة والعربيَّة والإقليميَّة، ولا تنحصر آثارها عند حدود الدولة السوريَّة، بل ضربت بقوة حتى هزَّت بنيان النظام العربي، الذي تكاثرت عليه الأزمات السياسيَّة فأثقلت كاهله وأوهنت تماسكه، لذلك لا يمكننا أن نحصر القضيَّة السوريَّة في حدودها الضيقة، لأنَّ تداعياتها بلاشك تمتدُّ لتشمل دول الجوار الإقليمي العربيَّة وغير العربيَّة، بل تتجاوز المنطقة إلى حدود أوروبا، وتعتبر دولة فلسطين من أكثر الدول العربيَّة تأثراً بالأزمة السوريَّة، وقد يكون الموقف الدولي المتخاذل تجاه حلِّ القضيَّة السوريَّة وغيرها، عن قصد أو عن غير قصد، قد صرف اهتمام المجتمع الدولي والمجتمع العربي إلى الأزمة السوريَّة على حساب القضيَّة الفلسطينيَّة.

ومن هنا تكمن أهميَّة هذا الكتاب، الذي تتوزع محاوره على مقدّمة وأربعة أقسام وخاتمة، حوالي 443 صفحة، جاء الجزء الأول تحت عنوان: "معطيات ديموجرافيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة"، والثاني تحت عنوان: "فرنسا والاقتصاد السوري"، والثالث تحت عنوان: "مشاريع فرنسا في السيطرة والتجزئة: طوائف وإثنيات ومشاريع"، والرابع تحت عنوان: "خلاصة وتعليق حول التجزئة والعمل السياسي القومي في الاعوام الأولى من الاحتلال الفرنسي".

يتمحور هذا الكتاب إذاً حول التوثيق التاريخي لتأثير العامل الطائفي في الأزمة السياسيَّة في سورية، وبحث هذا التأثير في تطور البنى الاجتماعيَّة والسياسيَّة في المجتمع السوري، ويكشف عبر دراسة وثائقيَّة في وثائق الخارجيَّة الفرنسيَّة تعامل السلطات الاستعماريَّة مع التكوين الديني والطائفي والإثني للمجتمع السوري، وما تقدّمه الدراسة من نتائج ومعطيات وحقائق تاريخيَّة حول الثابت والمتغير الذي يفسّر التحولات الراهنة في سورية، ومن ثمَّ فقد استعان المؤلف فى تحليله بالمنهج الوصفي الوثائقي، سارداً أفكاره التي تتدفق بسلاسة وترتيب منطقي وبرؤية سياسيَّة علميَّة ناقدة.

وقد أوضح المؤلف في مقدّمة الكتاب الهدف من إجراء هذه الدراسة، وهو أنَّه وجد بعد مضي حوالى ثلاثة وثلاثين عاماً على الإصدار الأول (1980)، ضرورة التأصيل المعرفي لبنية السلطة والعمل السياسي في المجتمعات العربيَّة، من خلال القراءة في الوثائق الدبلوماسيَّة الفرنسيَّة، وهو يؤمن بمقولة المؤرخ الفرنسي الذي يقول عن الوثائق إنَّها لا تعبّر بحدّ ذاتها عن حقائق أو وقائع، وإنَّما هي منبثقة بمعطيات عبر القراءة، والقراءة تصدر عن خيارات وفرضيات، فالأسئلة التي تطرحها الدراسة هي أسئلة يطرحها الحاضر على الماضي. ويقول هكذا كانت قراءتي لوثائق بلاد الشام قاصداً الإجابة عن أسئلة الحاضر لنستفيد من هذه القراءة اليوم من جديد، ويعترف بأنَّ أسئلة الثلاثين عاماً الماضية قد طرحت على وقائع أخرى ترتبط بالتسارع الحداثي[1].

والسؤال المحوري الذي يهتمُّ هذا الكتاب بالإجابة عنه هو: كيف تعامل الاستعمار الفرنسي مع أحوال بلاد الشام؟ وكيف تعامل مع التكوين الطائفي للمجتمع؟ ثمَّ أثار المؤلف مجموعة من التساؤلات الفرعيَّة:

1- هل يمكن التأصيل المعرفي لبنية السلطة والعمل السياسي من خلال المعلومات التي تنبىء بها تلك الوثائق؟

2- هل يختلف حديث الفوضى في الماضي، وبالتحديد في الخطاب الفرنسي الكولونيالي إبَّان عشرينيات القرن العشرين، عن حديث الفوضى والحرب الأهليَّة في سورية، في خطاب دول العولمة لدى جميع المتدخلين الدوليين في الشأن السوري، وفي طليعتهم روسيا والولايات المتحدة؟

وقد اهتمَّ المؤلف بإبراز الفكرة الأساسيَّة للكتاب، وهي المقارنة التاريخيَّة بين ما تعيشه سورية اليوم وما عاشته فى بداية القرن العشرين في ظلّ الاستعمار الفرنسي، ودراسة تأثير العوامل الداخليَّة (التكوين الديني والطائفي) والخارجيَّة (تعامل القوى الخارجيَّة) مع ظروف المجتمع وخصوصياته الطائفيَّة، وتفسير الأوضاع الراهنة في الأراضي السوريَّة من منظور تاريخي.

وقد انتقل المؤلف عبر أجزاء هذا الكتاب يطوف بالقارىء حول كثير من الحقائق التاريخيَّة التي تنبىء بها الوثائق الفرنسيَّة حول مشاريع الهيمنة الفرنسيَّة على سورية، وهي عبارة عن مشاريع تتراوح بين الحفاظ على وحدة سورية من زاوية جيو- اقتصاديَّة، أي وحدتها على امتداد المصالح الفرنسيَّة من كيليلية حتى مرافىء فلسطين، وبين الحفاظ من وجهة أخرى على قدرة فرنسا في التحكم والضبط والسيطرة على المجتمع من زاوية سياسيَّة وثقافيَّة وأمنيَّة، والشق الأخير هو ضبط المجتمع عبر التجزئة الجيوسياسيَّة القائمة على خصوصيات الطوائف[2].

وقد وجد أنَّ مفهوم الأمَّة في الخطاب الفرنسي يعني كيانات إثنيَّة وطائفيَّة، أي مجموعات مستقلة مرسخة لإقامة دويلات أو كانتونات عليها، كما ورد في مراسلات غورو ـ ميلران السريَّة في عام 1920م، بل الأهم ما تنبىء به الوثائق عن الفوضى التي يتصف بها واقع وتاريخ بلاد الشام، حيث لا دولة ولا أمَّة عاشتها شعوب المنطقة. ويدلل على ذلك برأي أحد المستشارين الفرنسيين آنذاك في وزارة الخارجيَّة الفرنسيَّة، الذي يقول: "في البلاد التي كانت سابقاً جزءاً من الإمبراطوريَّة العثمانيَّة أدى التعارض التاريخي المزمن بين مفهوم الدولة والأمَّة إلى نمو العقليَّة الفوضويَّة، حيث كُتب على السكَّان أن يتشكلوا في تجمعات صغيرة أو قوميَّة أو إقليميَّة. وهذا الواقع مناسب لنا لأنَّه يجعل من تعميم المعارضة أمراً صعباً في البلاد، لكن من جهة أخرى إنَّ تفتيتاً أكبر يمكن أن يضعنا فى وضع يتساوى في الإرباك، ولذلك من المناسب لنا أن ندفع بجديَّة لدراسة التجمُّعات الإثنيَّة المهيَّأة لتشكيل الاستقلالات الإقليميَّة الأولى".

ويصل إلى نتيجة هامَّة في هذا الصدد، وهي أنَّ الحديث عن الفوضى والعقليَّة الفوضويَّة أو الفراغ مبرر دائماً لتنظيم أو إعادة تنظيم أو ترتيب لتسوية تطال الماضي والحاضر والمستقبل في بلاد العرب. وهذا يجعله يتساءل: هل يختلف حديث الفوضى في الماضي وبالتحديد في الخطاب الفرنسي الكولونيالي إبَّان عشرينيات القرن العشرين عن حديث الفوضى والحرب الأهليَّة في سورية، في خطاب دول العولمة لدى جميع المتدخلين الدوليين في الشأن السوري، وفي طليعتهم روسيا والولايات المتحدة؟

ويجيب قائلاً: ثمَّة اختلاف ظرفي دون شك، لكن يظلُّ توصيف واقع بالفوضى وأوصاف الحرب الأهليَّة وظيفة في الاستراتيجيات الدوليَّة، فتوصيف صراع الأطراف المحليَّة بالفراغ الأهلي هو المفصل الذي تلتقي عنده القوى الدوليَّة، ولذلك فقراءة الصراع البريطاني ـ الفرنسي على المشرق العربي في الوثائق الفرنسيَّة هي قراءة قد تكون ذات فائدة معرفيَّة، لأنَّ أهمَّ ما في تلك الوثائق هو دراسة التركيبة الطائفيَّة والتعامل مع خصوصياتها، والتي بدأت تعتمد على المشروع البريطاني المرتكز على توحيد الطوائف إسلامياً في إطار دولة عربيَّة[3].

وقد أبرز المؤلف الاهتمام الفرنسي بخصوصيات بعض الطوائف (الشيعة، الدروز، العلويين)، وخاصة خصوصياتها الدينيَّة وتنظيمها الاجتماعي وزعاماتها، واهتمام فرنسا في البحث عن أشكال تحالفات تلتقي فيها مصالح الطرفين، فرنسا من جهة، والزعامات المحليَّة من جهة ثانية، إذ تكشف التقارير الفرنسيَّة عن الطوائف والقبائل (مثل دراسة عن الشيعة الإماميَّة وزعيمها كامل بك الأسعد، دراسة عن الدروز) أنَّ الاستعانة بخصوصيات الطوائف لتنظيم سورية تطرح تنظيماً يسمح بضبط الوضع ويمنع بروز أيّ تحرك قومي معادٍ لفرنسا وموحد لمختلف الطوائف، لذلك قام المشروع السياسي الفرنسي على استقطاب الأعيان والوجهاء سواء بالنسبة إلى الطوائف الدينيَّة الجبليَّة (الدروز، العلويين، الموارنة، أو بالنسبة إلى المدن (أعيان مدن دمشق وحلب وحماه .....)[4].

ثمَّ يستعرض المؤلف ما تنبىء به الوثائق حول تبرير تقسيم سورية من وجهة نظر المدافعين، حيث يقول أوزو (O'Zoux): "إنَّ الاستفتاءات التي أجريت بين أهل البلاد أسفرت عن مطالب متضاربة، وصحيح أنَّ هذه التجارب مكلفة بالنسبة إلى أهل البلاد وهيبة فرنسا لكنَّها كانت ضروريَّة ..........".

لكن يرى المؤلف أنَّ الموضوعيَّة تحتم عليه القول إنَّه لم يكن منتظراً قيام سلطة عربيَّة موحدة، ولم يتوافر حسن التلاحم السياسي، إذ كانت الولاءات المحليَّة والإقليميَّة أقوى كثيراً من العروبة، ومن ثمَّ فإنَّ اتهام أوروبا بدورها في هذه التجزئة يكتسب قيمته بوصفه سلاحاً في نزاع سياسي، فهو يشمل الكثير من اللَّاواقعيَّة العاطفيَّة المفضلة لدى جميع الدعاة العرب، ومن ناحية أخرى لا يمكن الزعم أنَّ مصالح الدول الأوروبيَّة لم تؤدِ دوراً في التجزئة. والصحيح أنَّ الاستعمار لجأ إلى التجزئة ليمنع حركة التوحيد القومي من التبلور والامتداد.

ويعرض المؤلف كراساً كتبه أدمون رباط في عام 1925م بعنوان الدول المتحدة في سورية، وهو عبارة عن محاولة للبرهنة على عناصر الأمَّة السوريَّة، ويبرز رباط العائق أمام الانصهار القومي، وهو تعدُّد الانتماءات الدينيَّة في سورية، وظاهرة الانغلاق الاقتصادي بين الطوائف، وظاهرة الاختصاصات الجماعيَّة في النشاط الاقتصادي، فيرى أنَّ المنافسة الحرَّة لا وجود لها في سورية بين أفراد التجمعات الطائفيَّة، وعلى صعيد كلّ بلد، وتوزيع العمل لا يتمُّ بصفة فرديَّة، وإنَّما يتمُّ على أساس طائفي. فالزراعة تحصن المسلمين، والتجارة في كثير منها تحصن المسيحيين، وأحياناً، وبحسب المناطق، لا نرى في مهن معيَّنة إلا المسلمين، وفي مهن أخرى إلا المسيحيين أو اليهود، وهنالك مطالب أعيان حلب في أن تكون حلب مستقلة عن دمشق تحت شعار حلب للحلبيين، وكأنَّ دمشق وبعض مناطق سورية هي بلاد غريبة. ويخلص من ذلك إلى أنَّ السياسة الفرنسيَّة (فرّقْ تَسُدْ) ليست فقط هي التي ساعدت على التجزئة، ولكن أيضاً معطيات التاريخ[5].

ثمَّ يصل المؤلف إلى نتيجة هامَّة، وهي استخدام السياسات الاستعماريَّة للطوائف علناً لبناء إدارات ودويلات تابعة وملحقة، وهو نفس استخدام الأنظمة الاستبداديَّة لها كذراع سياسيَّة وتوظيفها واستثمارها لبناء قاعدة دعم سياسي له، واستخدامها جسراً لبناء دولة ريعيَّة تسلطيَّة، توزع الريع وفقاً لزبونيَّة سياسيَّة، وهذا من شأنه تقسيم المجتمع وتفكيكه طائفياً وإثنياً ومناطقياً على حساب الاندماج الوطني. وقد ساهمت تلك السياسة في النهاية في انفجار المجتمع السوري وتحوُّل ثورته من طابعها السلمي المدني إلى العنف المسلح بفعل البطش الهادف والمقصود الذي مارسه النظام على المحتجين والمتظاهرين ليستدرج ردَّات الفعل العنيفة، وهذا إنَّما يكشف عن معطيات مختزلة في المجتمع السوري كانت بفعل الإرهاب الأمني الرسمي والتمويه الإيديولوجي والسياسة الزبونيَّة المحجوبة إلا للعارف والدارس والمحلل[6].

خلاصة وتقييم:

إنَّ أيَّ تقييم أو تحليل موضوعي لهذا الكتاب، من حيث الإشكاليَّة والمنهج العلمي والنتائج التي توصَّل إليها، سوف يخلص إلى الكثير من الملاحظات الإيجابيَّة حول سلامة الصياغة واللغة والتحليل العلمي والموضوعي السليم من خلال منظور تاريخي مقارن للواقع المعاصر. وثمَّة جهد كبير بذله المؤلف في جمع الوثائق وتحليلها وقراءة دلالتها التاريخيَّة.

ونحسب أنَّنا أمام عمل بحثي من الطراز الأول، تأتي أفكاره المهمَّة هذه الأيام بصفتها وثيقة الصلة وضروريَّة في هذه المرحلة العامَّة من تاريخنا العربي، ما يجعله مرجعاً تاريخياً هامَّاً للباحثين والدارسين وصانعي السياسات ومتخذي القرار. ويمثل إضافة للمكتبة العربيَّة بتوفير دراسة تاريخيَّة هامَّة عن الأزمة السوريَّة في سياقها التاريخي في توقيت مناسب، وقد يكون من المفيد للدارسين والباحثين السياسيين وأصحاب القرار الاضطلاع عليها.

ويتمتَّع مؤلفه بخبرة سياسيَّة واسعة، فهو حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ (1974م) من جامعة السوربون بفرنسا عن أطروحة بعنوان: "الحركات الاجتماعيَّة والسياسيَّة في جبل لبنان"، كما حصل على الدكتوراه الثانية في الآداب (1985م) من جامعة القدّيس يوسف في لبنان عن أطروحته الثانية، وهي بعنوان: "من الولاية العثمانيَّة إلى الدولة المنتدبة 1985م"، وقد عمل أستاذاً جامعياً فى إحدى الجامعات اللبنانيَّة، وباحثاً في التاريخ والفكر السياسي بالمركز العربي لدراسات السياسات بقطر، ومديراً للدراسات في مركز دراسات الوحدة العربيَّة في بيروت، ومديراً لتحرير مجلة منبر الحوار في بيروت، وهو يركِّز على دراسة الثابت والمتغير في البنى الاجتماعيَّة والثقافيَّة العربيَّة من خلال دراسة السياق التاريخي والعوامل المحيطة، وقد قدَّم للمكتبة العربيَّة العديد من الدراسات الهامَّة، ومثال ذلك وثائق المؤتمر الأول، المسألة الثقافيَّة في لبنان، السلطة والمجتمع والعمل السياسي، مشروع النهوض العربي الاتجاهات السياسيَّة والاجتماعيَّة في جبل لبنان والمشرق العربي، الدولة والخلافة في الخطاب الديني إبَّان الثورة الكماليَّة في تركيا، تاريخ التأريخ، وجميعها تكشف عن قدرة عميقة على التحليل التاريخي للظواهر السياسيَّة في السياقات التاريخيَّة العربيَّة المعاصرة.

وكنا نودُّ من المؤلف أن يقدّم رؤية استشرافيَّة حول مستقبل الأزمة في سورية، والدور الخارجي في الأزمة والحل، في ظلّ تردُّد القوى الدوليَّة في اتخاذ موقف حاسم تجاه انتهاكات النظام لحقوق الشعب السوري وحقه في العيش بحياة كريمة، بينما تأثرت هذه القوى بصراعاتها ومصالحها. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الخصوصيَّة الاجتماعيَّة والتاريخيَّة للمسألة السوريَّة في تكوينها الطائفي عامل رئيس في الأزمة الحاليَّة، وفي أيَّة تسوية قادمة يتوقع أن ترسم معالم وملامح مستقبل أفضل، ولا غرو إذاً أنَّ سياسة النظام السوري في تعامله مع مطالب الشعب السوري هي سياسة خاطئة تضرب بجذورها في العمق التاريخي لسورية، التي تراكمت تاريخياً منذ أن تعاملت فرنسا مع الدولة السوريَّة على أنَّها ليست أمَّة بل طوائف متصارعة.

وكنَّا نودُّ أيضاً من المؤلف أن يلقي نظرة على حاضر الصراع العربي الإسرائيلي، وكيف أثرت هذه الأزمة في الموقف العربي تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة، وكيف امتدَّت الأزمة إلى اليمن، وزادت من الانتهاكات الإسرائيليَّة في الأراضي المحتلة، في فلسطين وسورية ولبنان، وكيف نجحت بعض القوى الدوليَّة في العمل على إطالة أمد الصراع، ومن ثمَّ صرف أنظار العالم العربي وجامعته العربيَّة عن الاهتمام بإيجاد حلٍّ سلمي للمشاكل السياسيَّة العربيَّة المعاصرة، سواء في سورية أو اليمن، والقوى الإقليميَّة التي تدعمها على حساب القضيَّة الفلسطينيَّة.

وعلى أيَّة حال، فإنَّ المؤلف قدَّم للمكتبة العربيَّة دراسة هامَّة يمكن للباحثين والدارسين أن يهتدوا بها في دراسة الواقع السياسي المعاصر في العالم العربي، لتقديم رؤية استراتيجيَّة وسياسيَّة عربيَّة تضمن التعاون العربي السياسي والاقتصادي والعسكري لمواجهة التحديات السياسيَّة العربيَّة المعاصرة، بشكل لا يؤثر على القضيَّة الفلسطينيَّة، وقد كانت وما تزال محور السياسة الخارجيَّة العربيَّة في الماضي والحاضر والمستقبل.


[1] وجيه كوثراني: بلاد الشام في مطلع القرن العشرين: السكان والاقتصاد وفلسطين والمشروع الصهيوني: قراءة في وثائق الدبلوماسيَّة الفرنسيَّة (الدوحة: المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات، الطبعة الثالثة، مايو 2013)، ص ص 15-19

 [2]المرجع السابق، ص 20

[3] المرجع السابق، ص 21

[4] المرجع السابق، ص 93

[5] المرجع السابق، ص ص 133- 201

[6] المرجع السابق، ص ص 201-223