الشّباب العربي وبواعث التحوّل نحو الرّاديكالية


فئة :  مقالات

الشّباب العربي وبواعث التحوّل نحو الرّاديكالية

الشّباب العربي وبواعث التحوّل نحو الرّاديكالية([1])

 

منذ الحرب الأفغانية السوفياتية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عايش العالم العربي والإسلامي بروز ظاهرة مجتمعية اتخذت من الدين والعقيدة مرتكزا مرجعيًا، وسلاحًا قويا للاستقطاب والتأثير، كما لعب الفاعل السياسي الرّسمي في حينه وضمن عدد من الدول العربية، دورًا قويا في إشعاعه ضمن ما قدمته من دعم مادي ولوجستيكي سخيّ، فرضته قواعد اللعبة الجيواستراتيجية، بين معسكرين؛ الأول اشتراكي (الاتحاد السوفياتي سابقا) والثاني رأسمالي (الولايات المتحدة الأمريكية)، فكان تشجيع الشباب وغيرهم للالتحاق بمعسكرات "المجاهدين" في أفغانستان، ضرورة وواجبا دينيا، لاقى تبريرًا واسعًا لدى طبقة من الفقهاء والعلماء.

هذا الحدث، لحقته أحداث أخرى في الشيشان وكوسوفو، ثم الحرب الأفغانية الثانية عام 2001، ثم الحرب العراقية والحرب السورية الأهلية، وواجهة من الحروب الأخرى في مواقع متشتتة من حول العالم، بعد ما قدمته التجربة الأولى من إلهام عسكري وديني، ونالت "استحسان الشعوب وأثلجت صدورهم"، بفضل الدعاية المهيبة التي أطرتها، فضلا عن جهود الفقهاء والعلماء في تبريرها، والساسة أيضا، من جهة أخرى في دعمها ومباركتها، وتيسير هجرة الشباب إلى الموت باسم الدفاع عن الدين والعقيدة وإعلاء راية الجهاد.

تحول الشباب نحو التطرف العنيف، تكتنفه عدة بواعث، منها البواعث الفردية الذاتية، والبواعث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية

الحديث عن هذه الواقعة، هو استذكار للتاريخ القريب من عصرنا، وكيف أننا أصبحنا اليوم نواجه ظاهرة، تمتد جذورها التاريخية إلى حدث ساهمت فيه السياسية، ولعبت الأمم دورها في تأجيج بدايته، لكن تطوره إلى المرحلة الحالية، ساهمت فيه دوافع وأسباب مختلفة، منها وقائع الحروب المتتالية التي تم سردها، وأيضا بروز تنظيمات جهادية وزعامات دينية وعسكرية، حولت الصراع السياسي إلى صراع ديني ومذهبي، وأيضا دوافع أخرى ذاتية واجتماعية وثقافية واقتصادية، كانت حاضرة في تطور هذه الظاهرة، وبروزها اليوم بشكلها الحالي.

أصبح موضوع التطرف الديني العنيف يكتسي أهمية دالة اليوم على الصعيد العربي والعالمي، نظرا إلى حالة العنف الشديد التي أصبحت تنخرط فيها أعداد كبيرة من الشباب العربي والمسلم، وذلك ضمن مستويات متعددة، شملت الجانب العنفي المسلكي، فضلا عن مظاهر أخرى تمثلت أساسا في التعصب الفكري والمرجعي. وذلك ضمن بيئة أصبحت تشهد صعودا متناميا للفكر المتطرّف، وبروزا أوضح للجماعات والتنظيمات العنفية، مما أدى إلى حالات من الفوضى والاضطراب في عدد من الدول على اختلاف انتماءاتها الجغرافية والدينية والمرجعية.

وعلى الرغم مما يظهر عليه واقعنا اليوم، من انحصار للتنظيمات الجهادية ضمن بؤر التوتر، إلا أن بواعث صعودها من جديد لازالت قائمة، خاصة مع وجود خطاب ديني وتراث فقهي، يدعم أطروحته، ويعد مرجعا فقهيا وعقديا دالا لأتباعه، يقف على أعتابه دعاة وفقهاء وعلماء، يقاومون أية محاولة لتجديده بما يتوافق ورؤى العصر، ولا يكلّون في توجيه أصابع الاتهام بالزندقة والتكفير والتبديع، كل من اجتهد في محاولة إعادة قراءته وتفكيك مفاهيمه، وفك اللبس عن معانيه ودلالته، ووضعه ضمن سياقه التاريخي والثقافي، الذي تغيرت جلّ ملامحه في عصرنا الحالي.

هذا الانبعاث، لا يساهم فيه التراث الفقهي فقط، وإنما أيضا العنصر البشري، حيث يعد الشباب الشريان الحيوي الداعم للتنظيمات الحاملة لهذا الفكر، والأكثر عرضة للاستقطاب والقتال ضمن صفوفه، حيث خلصت بعض الدراسات أبرزها، دراسة نشرها معهد الدراسات الأمنية في 2016، إلى أن الشباب هم الفئة الأكثر تأثيرا بظاهرة التطرف الديني العنيف، حيث لوحظ ارتفاع لعدد الشباب المستقطبين لهذه الجماعات، واعتماد هذه الأخيرة عليهم في تحقيق أهداف قضايا التطرف.[2]

فإن كان الشباب إذن العنصر الأساسي لهذه التنظيمات، وأحد واجهات التطرف الديني العنيف، فماهي الدوافع التي تشكل هذا الواقع بالنسبة إلى الشباب العربي، وتنتج شروط تحوله نحو الراديكالية؟

واقع الشّباب العربي أمام ظاهرة التطرّف الديني

الحديث عن الشّباب العربي عموما، هو حديث عن فئة غير متجانسة، ومتنوعة من حيث روافدها الثقافية والسياسية والاجتماعية، كما هو الحال في المجتمعات العربية ككل؛ أي أن الشباب هو تمثيلية للمجتمع العربي، يحمل من الخصوصيات والروافد ما يحمله المجتمع ككل؛ إلا أن ما يميزه عن باقي الفئات، هو اندراجه ضمن الفئة الأكثر نشاطا في المجتمع، والتي لها القدرة على الإنتاج والإبداع، باعتبارها العنصر الأساسي للتنمية والريادة، نتيجة الطاقات التي تحملها، إن هي وجهت بالشكل الذي يخدم مصالح الدول ومجتمعاتها.

إلا أن هذه الفئة أيضا، خاضعة لتأثير البيئة المحيطة بها، سواء من أصغر وحدة اجتماعية وهي الأسرة، إلى النظم السياسية وسياسات الفاعلين الرسميين، وهو ما يفيد أن عملية التنشئة الاجتماعية والأدوار المنوطة بمؤسسات هذه الأخيرة مؤثرة في التكوين الذاتي للشباب وصانع أساسي له، إلا أن الواقع السياسي أيضا يلعب دوره من خلال ما توفره مؤسساته من تعليم وفرص لتلقي المهارات والشغل والإحساس بالمواطنة والانتماء الهوياتي الوطني؛ فغياب هذه المؤسسات والفرص، هو فرض لواقع شبابي محبط لا يجد في محيطه فرصة التعبير عن الذات.

هذه البنية الضعيفة هي ما يفتح الباب واسعا أمام الحركات والتيارات المتطرفة، والتي تجد في الشباب الاستعداد النفسي والذاتي للانخراط في مشاريعها المتطرفة، هروبا من واقعها الاجتماعي والاقتصادي الصعب، بحثا عن مخرجات دينية تعلي من قيمة ذواتهم، وتفتح لهم آفاقا جديدة. الأمر الذي يسهم في سهولة استقطابهم، سواء لمشاريع داخلية أو خارجية، من خلال ما عرف بالهجرة الجهادية، والتي جعلت الآلاف من الشباب، يتركون أوطانهم بغية الالتحاق ببؤر التوتر خاصة في الساحتين السورية والعراقية.

هذه الحالة هي نتيجة استقطاب فكري وعقدي حادّ بين المشاريع الفكرانية المتنوعة، والتي تحاول تقديم نماذج متعددة للشباب، إلا أن الارتكاز للخطاب الديني هو الأكثر قوة في دغدغة المشاعر وسهولة الاستقطاب، نظرا لما توفره أدبياته من مفاهيم وتراث عقدي، يتدحرج بين مفهومي الجزاء والعقاب، وهي خلاصة تتأكد في قوة هذه المشاريع في السنوات الأخيرة، والتي استطاعت أن تلعب دورا محوريا في عدد من الدول العربية، لولا الجهود الأمنية والدولية المتسارعة، والتي حدت من توسعها، ومن تم أفولها حاليا.

بواعث التحول نحو الراديكالية

بناء على ما سبق، يتضح أن عملية تحول الشباب نحو التطرف العنيف، تكتنفها عدة بواعث تتجه به نحو هذا المآل، وهي تنقسم بين بواعث فردية ذاتية، نابعة أساسا عن سيكولوجية الشاب في الرغبة نحو التحول وإيجاد الذات وتحقيق خلاصها، ثم أيضا بواعث اجتماعية واقتصادية وسياسية، يساهم فيها المجتمع والدولة وترتبط أساسا بالبيئة المحيطة والثقافة المنتشرة، وأيضا بنية الفرص التي يمكن اعتبارها صمام الأمان، الذي يمكّن الشباب من لعب دور أكبر في مجتمعاتهم عوض الانتماء إلى المشاريع التخريبية.

ü       الباعث الفردي أو البحث عن الذات

تقدم عدد من الدراسات السيكولوجية نظريات مفسرة لمرحلة الانتقال من الطفولة إلى الشباب، باعتبارها فترة دقيقة جدّا في حياة الفرد، لما تتميز به من خصائص نمائية وديناميكية من الناحية السيكولوجية، تتميز بالفاعلية والديناميكية وبظهور كفاءات وأنساق معرفية متميزة. فكما تبين الدراسات في علم النفس المعرفي، فهذه المرحلة أهم ما يميزها ذهنيا ومعرفيا هو اكتساب مجموعة من الكفاءات والقدرات التوقعية، وأهم ما يميزها كذلك هو مرجعية المشروع؛ أي أنها مرحلة انتقالية يميزها المشروع كسمة مميزة لشخصية المراهق.[3]

إن عملية اكتشاف الذات ومميزاتها وخصائصها، ومحاولة تقديمها للآخرين، تتشكل أساسا في هذه المرحلة، والتي تلعب أيضا الثقافة والوضع الاجتماعي المحيط دورها في تكوينها وبنائها، حيث يتحدد ما تمت تسميته بمرجعية المشروع، حيث تبدأ ملامح التوجهات الفكرية والعقدية، والتي تنبني وفق رؤى وخطابات، يحاول معها الشاب في هذه المرحلة اكتشاف ذاته من خلالها، واعتبارها عبارة الوصول إلى مرحلة "الرشد الفكري" و"الاتزان الشخصياتي"، من خلال التمتع بالمواقف من القضايا والأفكار المساعدة له في النقاش والدفاع عن وجهات النظر.

وفي السياق الذي تناقشه الورقة؛ أي التحول نحو راديكالية دينية، فإن ما يسعى إليه الشباب في هذه المرحلة، هو ما يمكن تسميته بـ "الحقيقة الغيبية"، وتسمى هذه المرحلة سيكولوجيا بـ "الأزمة"، وقد تلعب فيها عدة عوامل نفسية/ذاتية، أو اجتماعية، مما تجعل المتحول منطلقا ضمن مسعى يحاول من خلاله البحث عن ذاته ضمن المحيط الذي ينتمي إليه، وهي أزمة تسهم في الانتقال من نمط اجتماعي أو ديني أو فكري أو ثقافي أو نفسي إلى نمط آخر مغاير عنه بشكل راديكالي.

يعيش الشباب عموما عددا من التحديات الدالة في العالم العربي، ولعل أبرزها هو ضعف بنية الفرص التي تمكنهم من تحقيق الذات وبنائها

وإن كانت أسباب هذه الأزمة نفسية، فإن تفاعلاتها اجتماعية بامتياز[4]، مما يعني أن مدخلاتها السيكولوجية، تنحو بها نحو مخرجات سوسيولوجية. ويعد عالم النفس لويس رامبو Lewis R. Rambo من أبرز من تناول مفهوم الأزمة في التحول الديني، حيث اعتبرها أولى عمليات تغيرات الشخصية في حياة المتحول، باعتبارها جزءا من سلسلة انتقالات تشمل على ست مراحل أساسية أخرى من مسار التحول الديني، لكن مفهوم الأزمة هنا حسب رامبو يحضر، باعتباره ممهّدا لهذا المسار.[5]

كما أن هذه المرحلة ليست منفصلة عما يمكن تسميته أيضا بالبحث عن الهوية أو الانتماء، إذ إنها تدخل ضمن مسار متشعب ينخرط ضمنه المنتقل ضمن هذه المرحلة، فهو لا ينحصر في الأسئلة الفكرية والمرجعية بقدر ما هي تدور حول الذات وتمحورها ضمن محيطها الاجتماعي، والبحث عن خلاصها الروحي والديني، وربطها بالحقيقة الغيبية المقدسة، أو بالعقيدة الطاهرة، وهذه العملية التي تنطلق من بواعث ذاتية بالأساس، يمكن اعتبارها أحد الأسباب الأساسية التي تنتقل بالشباب نحو التحول الراديكالي، والانخراط ضمن المشاريع العنفية.

ü       ضعف بنية الفرص

يعيش الشباب عموما عددا من التحديات الدالة في العالم العربي، ولعل أبرزها هو ضعف بنية الفرص التي تمكنهم من تحقيق الذات وبنائها، ولعل الوضع الاقتصادي لأغلب تلك الدول، هو ما يفرض هذا الواقع، خاصة ارتفاع نسب البطالة، والتي لا تشكل تحدّيا شبابيا فقط، وإنما أيضا أحد أبرز التحديات في السياسات العمومية للفاعلين الرسميين، فندرة فرص العمل والإدماج الوظيفي للشباب، يجعل هذه الفئة ضمن خيارات ضيقة وصعبة.

ولعل أحدث المعطيات الدولية المرتبطة بالبطالة، هي التي أصدرها الموقع الرسمي للبنك الدولي[6] في 2016، وإن كانت الأرقام تعود إلى 2014، حيث رسمت وضعا قاتما عن العالم العربي، تصدّرت فيه دول تعيش على وقع التوتر والحروب وعدم الاستقرار السياسي، معدلات مرتفعة من انتشار البطالة وسط شبابها، حيث احتلت ليبيا، والتي تشهد صراعا دمويا داخليا منذ سقوط نظامها بمقتل العقيد معمر القذافي في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، بلغت حوالي 48,9 في المئة، لتحتل موريتانيا المرتبة الثانية بنسبة 46,6 في المئة، تليها تباعا فلسطين ومصر والعراق، ثم تونس وسوريا واليمن، لتصل النسبة إلى 1,3 في المائة في دولة قطر.

هذه الأرقام تؤشر، على أن الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة، يلعب دورا دالا في انخفاض نسبة البطالة، عكس الدول، التي تعيش تحت وقع الصراعات وخلل في التوازنات السياسية والاجتماعية، والتي احتلت الصدارة في هذا المؤشر. كما ذكر نفس المصدر، أن 1 من بين كل 3 شباب بعمر 15 إلى 24 سنة، إما عاطل عن العمل، أو لا يحصل على تعليم أو فرصة تدريب.[7]

إن ضعف بنية الفرص إذن، تتجه بنا وبشكل جدّي للقول، إن هذا باعث محوري نحو فرص أخرى قد يراها الشباب أيسر في التعامل مع تحدياته اليومية، ومنها النزوع نحو التطرف الذي يتغذى من هذه البنيات الاجتماعية، الهشة، خاصة عندما تجد هذه الفئة نفسها تعيش تهميشا اقتصاديا واجتماعيا، يحولهم إلى العيش في فراغ كبير، حيث لا تتاح لهم أية فرص للمساهمة في معالجة مشاكل الخدمات والمرافق العامة المحلية المحيطة بهم.[8]

ü       الخطاب الديني ومنزلقات التطرف العقدي

يعد الخطاب الديني المتطرف اليوم، أحد أكثر التحديات التي تواجه مساعي محاربة التطرف الديني والظاهرة الإرهابية، لما له من تأثير دال على بناء مرجعيات الشباب العربي الدينية وتصوراتهم المعرفية والعقدية والمذهبية، وهو ما ينعكس بشكل كلي على مسلكياتهم نحو الآخر، نتيجة ما يتم غرسه من مفاهيم وقيم وأفكار عقائدية، منافية لعدد من القيم الاجتماعية والإنسانية، كثقافة التسامح، هذه الثقافة التي يتم اكتسابها أحيانا في المجتمعات العربية الإسلامية في المنزل والمدرسة وأجهزة الإعلام والمسجد والشارع تتفاعل مع وجود خطاب ديني "مسيس" ومتطرف يقدمه بعض الوسطاء في المجتمع، ويتبنى رؤية وتفسيرا خاصين للمشاكل الداخلية والخارجية في المجتمعات العربية والإسلامية، ويساعد على تنمية التطرف والعنف والإرهاب بين الشباب.[9]

ولعل الخطاب الديني نفسه يتعدد وفق أشكال مختلفة، خاصة في عالم اليوم، والذي أصبح فيه المجال الرقمي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يلعب دورا تثقيفيا وسيطا، عبر الصفحات والمجموعات المختلفة، والتي تقدم خطابا متنوعا، يتدحرج بين الوسطية/الاعتدال والتطرف، عبر تقديم الفتاوى والتفسيرات الدينية، وهي وسائل، على الرغم من بعض المجهودات الرسمية في محاولة ضبطها ومراقبتها، إلا أنها تبقى أيضا خارج قدرة الحكومات، مادامت في فضاء مفتوح للتعبير، الأمر الذي أصبح ينادى معه إلى منافسة قوية عبر خطاب بديل معتدل، يمتلك من الأدوات والوسائل ما يمتلكه الخطاب الآخر، من خلال المنافسة في فضائه الذي من خلاله يستقطب فئة الشباب.

يعد التطرف تحديا جديا للدول والحكومات، وخطرا قائما على المجتمعات وضربا للمكتسبات الثقافية والاجتماعية

الخطاب البديل، هو ما أصبح يعرف اليوم من خلال كتابات عدد من الباحثين والمتخصصين، بـ "تجديد الخطاب الديني"، محاولين وضع آليات وقواعد واجتهادات، تسعى للضغط على رجال الدين والمؤسسات الدينية الرسمية، إلى طرح خطط بديلة تكون بدايتها، مع تفكيك المفاهيم الدينية التي أصبحت طاغية على المشهد الديني والسياسي، كمفاهيم "الجهاد" و"الولاء والبراء" وغيرها من المفاهيم، مع العلم أن هذه الدعوات تواجه تحديات بارزة، لعل أبرزها ما قدمته الباحثة التونسية سمية بن حسانة، من القدرة على إدراج التجديد داخل التاريخ وتحدي الإقناع بالتجديد، فضلا عن إنتاج فكر متجدد وتحدي وضع برامج تنفيذية للتجديد.[10]

إن جميع البواعث الذي تم ذكرها، تحتاج من مختلف الفاعلين الرسميين وغير الرسميين، تكثيف جهودهم من خلال محاولة البحث عن مخارج تساعد على الحد من استقطاب الشباب العربي نحو التطرف الديني، سواء على مستوى الخطاب والممارسة، ولعل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بالإضافة إلى الفاعل الديني الرسمي، وأيضا ما توفره الحكومات من بنية صلبة للفرص، هو أحد المخارج الأساسية التي ستسهم في الحد من هذه الظاهرة، واستثمار الشباب في البناء الداخلي للأوطان عوض المساهمة في تخريبها وتدميرها، وتقسيم فئات المجتمع على أساس الانتماء الديني والمذهبي.

[1] نشر هذا المقال في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 51

[2] أويو ساليفو وايرين ندونغو، ديناميكيات التحول الراديكالي عند الشباب في أفريقيا، معهد الدراسات الأمنية، ورقة بحثية 269، أغسطس(آب) 2016، الرابط: https://issafrica.s3.amazonaws.com/site/uploads/Paper296-Arabic.pdf

[3] عبد الرحيم عمران، سيكولوجية المراهقة والشباب، موقع علم النفس المغرب، تاريخ الولوج 24/09/2018، الرابط: http://www.marocpsychologie.com/2015/02/blog-post_68.html

[4] Naomi Kok, RELIGIOUS CONVERSION COMPARED, MA Theology and Religious Studies, 1247204, p: 10

[5] انظر كتاب السيكولوجي الأمريكي رامبو:

Rambo,L. (1993) Understanding religious conversion. New Haven & London: Yale University Press.

[6] الموقع الرسمي للبنك الدولي http://www.worldbank.org

[7] طارق خوخار، أين يقع الشباب العاطلون عن العمل في العالم؟، مدونة البيانات، البنك الدولي، الرابط: http://blogs.worldbank.org/opendata/ar/chart-where-are-worlds-youth-unemployed

[8] أنس محمد الطراونة، ظاهرة التطرف والإرهاب ما بين “الفكر والفعل”، المركز الديمقراطي العربي، دجنبر 2015، الرابط: https://democraticac.de/?p=24980

[9] المرجع نفسه.

[10] انظر سمية بن حسانة، الخطاب الديني: إشكاليّاته وتحدّيات التجديد: قراءة تحليلية لمفردات الموضوع، موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود، يونيو (حزيران) 2014، الرابط: https://goo.gl/Df8zjU