الكتاب: دين الإنسان بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني فراس السواح


فئة :  قراءات في كتب

الكتاب: دين الإنسان بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني فراس السواح

الكتاب: دين الإنسان

بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني

فراس السواح

يقول المؤلف: "الدين هو الحالة المثلى للتوازن مع الكون" فراس السواح

كتاب دين الإنسان، بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني، فراس السواح، الطبعة الرابعة 2002 دار علاء الدين للنشر والتوزيع.

فكرة الكتاب

تطرق هذا الكتاب لموضوع الدين بشكل عام في علاقة هذا الأخير بالإنسان؛ إذ من البديهي القول إن الإنسان والدين يشكلان ثنائية لا يمكن أن تفترق؛ فلا الإنسان في لحظة ما من تاريخ البشرية استغنى عن الدين وعاش دونه؛ إذ أينما حل الإنسان إلا ورافقه شيء يسمى بالمعتقد، ولا الدين بتجلياته ارتبط بمخلوق آخر غير الإنسان، ولهذا فالدين والإنسان يشكلان جدلا لا غنى لأحدهما عن الآخر. وعليه، فلا غرابة في القول إن الإنسان كائن ديني بامتياز. إن هذا الكتاب قد تجاوز النظرة الأيديولوجية التي ترى في الدين شيئا عارضا أو كونه أفيون الشعوب، إلى النظرة العلمية التي ترى أن الدين بلا منازع قد شكل جزءا كبيرا من التفكير البشري ولا زال، ولفهم الإنسان في القديم والحاضر بالضرورة دراسة هذا الجانب الذي يعد مكونا أساسيا في ماهية الإنسان.

لقد سافر بنا هذا الكتاب إلى أعماق التاريخ القديم؛ أي العصر الحجري الذي قسمه العلماء إلى ثلاثة مستويات، المستوى الأدنى والمستوى الأوسط والمستوى الأعلى. وقد بين المؤلف الأبعاد الدينية الحاضرة من خلال الرسومات التي تركها الإنسان القديم على جدران الكهوف وغيرها، وكذلك الآثار المتعلقة بالمقابر في دفن الموتى، والتي تدل على الطقوس الدينية عند الإنسان القديم، كما أن المؤلف تطرق للعديد من النظريات التي بحثت في موضوع نشأة الدين، كالمدرسة الأرواحية التي لخصت موضوع نشأة الدين بأن الإنسان القديم كان يعتقد في الأرواح بأنها لها سلطة عن العالم الذي كان عاجزا على فهم ظواهره، وقد عرض المؤلف بنوع من التفصيل لبعض الديانات مثل الهندوسية وبعض الديانات في الصين واليابان... مميزا بين أشكال الدين وأنواعه؛ إذ كان الدين في أصله معطى فرديا وتحول إلى معطى جماعي، وقد تشكلت بعد ذلك الديانات الشمولية التي تستحوذ على كل أشكال الإيمان لصالح الإيمان الذي تدعو إليه مثل الديانة المسيحية الإسلامية، هذا فضلا عن كون المؤلف تطرق إلى مكونات الدين التي حصرها في المعتقد والطقوس والأسطورة مشيرا في ذلك إلى طبيعة المؤسسة الدينية التي ظهرت في لحظة ما من التاريخ، وجعلت من الدين موضوعا أخلاقيا الأمر المغيب قبل تشكل المؤسسة الدينية.

"الدين لا يقوم على أساس وهمي ولا على عدد من الأفكار الخاطئة التي تم تكوينها في طفولة الإنسانية، بل إنه يقوم على أكثر الأسس صلابة في وجود الإنسان. إنه الوعي الباطني بالحقيقة. وأن كل اعتقاد ديني، إنما يقوم على اختبار نفسي للوحدة الكلية للوجود في وعي بالغيب [...] إن الدين هو الحالة المثلى للتوازن مع الكون، والعبادة كيفما كانت صيغتها، وإلى من أو ماذا يكون توجهها، هي معبر إلى البقاء في الحقيقة، وحالة وجود في الواحد، حالة الوجود الحق"[1]

إن طبيعة تصور العالم يكون لها تأثير كبير على طبيعة الدين والتحولات التي تحصل في التعاطي معه؛ فبفضل التطور العلمي اليوم سار الإنسان يدرك العالم بمنطق ووعي مختلف جذريا عن الوعي القديم، وهذا لا يعني أنه أعرض عن الدين، بل سار يتعاطى مع موضوع الدين بمنطق مختلف، ويمضي بنا المؤلف ليعرض بشكل مفصل التحولات التي حصلت في عالم الفيزياء خاصة ما عرف بالفيزياء الكوانتية التي أتبتت بأن المادة ليس لها أصل مادي؛ أي ليس هناك أصل أولي للأشياء وهذا بدوره له انعكاس على فهمنا للكون الذي بينت الفيزياء الكوانتية أن النفس البشرية متداخلة معه.

الدين والبحث التاريخي

سبق لأرسطو قوله "الإنسان حيوان ناطق" لكن فراس السواح يرى أن الإنسان بدرجة أولى "كائن متدين"[2] فما يميز الإنسان عن الحيوان ليس النطق، واللغة والعقل والتمييز، قد نجد مختلف الكائنات تصدر أصوات، بالرغم من أنها لا تمتلك لغة للتواصل عن طريق الكلام والنطق، وقد نجد كائنات أخرى لها قدر معين من إدراك الخطر الذي يحيط بها، وهذا ناتج عن قدرتها على التمييز، الأمر الذي تفرد به الإنسان عن باقي الكائنات هو الدين. وما دام الإنسان كائنا متدينا؛ فمجال الدين لا ينفصل عن مجال الفكر لديه منذ القدم، فالفكر الديني ليس بالضرورة مرحلة منقضية من الفكر الإنساني، بل هو سمة متأصلة في فكر الإنسان، فالدين كان هو المصدر الأساسي في الثقافة الإنسانية، ومازالت كل المؤشرات اليوم تدل اليوم على أن الدين لازال حيا ومؤثرا في فكر الإنسان والأكثر من ذلك لا يمكن تجاهله.[3]

الدين في أصله معتقد بسيط تتركز حوله مجموعة من الطقوس والأساطير الخاصة بجماعة من الناس، لكن الدين الذي يؤمن به شعب معين بأكمله أو شعوب متعددة يعد ظاهرة جديدة في تاريخ الدين والحضارة. وهذا ما يمكن أن نطلق عليه الدين الشمولي، لكونه يسعى جاهدا إلى توحيد الحياة الدينية في المجتمع الذي استولى على إيمانه بتحويل كل أشكال الإيمان لتتماشى مع إيمانه، وهذا ما حصل مع المسيحية اليهودية والإسلام بقدر معين.[4]

توقف المؤلف عند عرض وتحليل أقدم الديانات منذ العصر الحجري، الذي تشكلت حقيقته على ما يزيد 99 في المائة من تاريخ الإنسان القديم، ويؤلف معظم هذه الحقيقة، العصر الحجري الذي ندعوه بالقديم أو البايليوليتي، ويقسم العصر الحجري القدم إلى ثلاث مراحل: الأدنى والأوسط والأعلى. ويمتد العصر الحجري الأدنى من البدايات الأولى لظهور الهيئة البشرية إلى ما قبل مائة ألف عام من يومنا هذا. ففي هذه المرحلة أخذت ما نسميه بأشباه الإنسان شكلها وملامحها الذي ميزت جنسنا اليوم.[5]

ففن الكهوف ما هو إلا تعبير عن نزعة دينية لدى الإنسان القديم، فطريقة توزيع الرسوم في هذه الكهوف وأروقتها يمتد إلى أعماق موغلة في الأرض، تصل إلى الميل أحيانا، والأمكان التي تم اختيارها للرسم تكون بعيدة عن المدخل، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر ممرات طويلة مظلمة ومتعرجة، فهذه الرسوم ترتبط بالعصر الحجري في مرحلته الأعلى.[6]

فالمعلومات المستمدة من علم الآثار المتعلق بما قبل التاريخ، يبين أن عبادة الأسلاف لم تنشأ عند جذور الدين كما قال سبينسر وأتباع المدرسة الروحانية، بل بعد مائة أو مائتي ألف عام من ظهور الشواهد على حياة دينية منظمة لدى الإنسان الأول؛ ذلك أن عقيدة الجماجم هي المؤثر الأول في تاريخ الدين على عبادة الموتى؛ إذ لم تنشأ عبادة الموتى إلا بناء على معتقدات سابقة أهمها ما كان عليه العصر الحجري الأعلى.

توقف المؤلف عند عرض نماذج من معتقدات الشعوب البدائية من بينها، مثلا معتقد "الطوطم"، يقوم التنظيم الاجتماعي للقبائل الأسترالية على وحدة مكونة أساسية، وهي العشيرة؛ إذ يعد أفراد العشيرة نفسهم أعضاء في عائلة واحدة تجمعهم قرابة من نوع خاص، تنشأ عن حملهم جميعا لاسم واحد اختاروه لأنفسهم، وهو في الوقت نفسه اسم لفصيلة من الحيوان أو لفصيلة من النبات، ويكون هذا الاسم وقف عليهم لوحدهم دون غيرهم، ويكون هذا بمثابة طوطم العائلة. إن مفهوم الطوطم تم أخذه من إحدى لغات الهنود الحمر، وقد جرى تعميمه واستعماله في كل من أمريكا وأستراليا على حد سواء.[7]

كما أن الكتاب عرض مجموعة من الديانات من بينها الديانة الهندوسية، فالهندوسية وطوائفها (في نظر الكاتب) يلتقون في عدد أساسي من الأفكار التي لا يصح دين الهندوسي إلا بها بغض النظر عن الإله الواحد أو المتعدد، ومن المعتقدات الأساسية في الهندوسية الإيمان بتناسخ الأرواح وبعده الاعتقاد بالكارما؛ أي الحالة الجديدة التي تصير إليها الروح بعد موت الجسد، والكارما تعني في الأصل الفعل، ومن هنا يأتي مضمونها الفلسفي الديني؛ ذلك أن حياة الإنسان هي سلسلة من الأفعال التي تؤدي إلى نتائج وهذه النتائج تؤدي إلى أفعال أخرى في سلسلة متتابعة.[8]

توقف الكاتب عند علم الفيزياء وعلاقته بتصورنا للمكون؛ فعلم الفيزياء أعطانا تصورا عن العالم والكون الذي نحن فيه، وقد أدى تطور علم الفيزياء إلى تغيير نظرتنا التقليدية عن الكثير من الأمور والقضايا، فالفيزياء مع نيوتن برهنت على أن الكون يشبه الآلة ويتحرك وفقا لقوانين تحكمه؛ فالإحاطة بهذه القوانين تساعدنا على التنبؤ بمقتضيات الكون، هذا فضلا على أن الفيزياء القديمة قد اشتغلت على الأجسام الكبيرة بدل الولوج إلى عالم الذرة، هذا الأخير الذي أتبتت الدراسات بأنه تحكمه قوانين مغايرة.

ومن أهم ما أخذتنا الفيزياء إليه أنه ليس هناك لبنات أساسية أو مكونات أساسية للمادة، فالمادة من دون أصل مادي، وبتعبير أدق فالجسم الأولي لا وجود له. وهذا ترتب عنه فهم مغاير لطبيعة العالم.

[1] فراس السواح، دين الإنسان، بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني، الطبعة الرابعة 2002 دار علاء الدين للنشر والتوزيع.ص.391

[2] نفسه، ص. 19

[3] نفسه، ص. 22

[4] نفسه، ص.87 و92

[5] نفسه، ص.123

[6] نفسه، ص.140

[7] نفسه، ص.181

[8] نفسه، ص.254