المعتزلة وحرية الإرادة الإنسانية


فئة :  مقالات

المعتزلة وحرية الإرادة الإنسانية

انطلقت فكرة الحرية عند المعتزلة من مفهوم العدل الذي تشير كل المقدمات فيه إلى القول بحرية الإنسان في أفعاله، ودليلهم في تأكيدهم الحاسم والمطلق على حرية الإنسان، أنه لو كانت الأفعال الإنسانية من صنع الله، لأصبح التكليف الإلهي والرسالات والأنبياء ضربًا من العبث.

وفي هذا الاحتجاج العقلي - في سبيل تأكيد الحرية -يرى المعتزلة أن التسليم بالجبر الإلهي، سوف تترتب عليه نتائج منها عدم جدوى وشرعية دعوة النبي الكفار إلى العدول عن الكفر إلى الإيمان، لأن الله ـ وفقا للموقف الجبري- هو خالق الكفر فيهم، وهو الذي منعهم من الإيمان؛ فلا مناص من القول بحرية الإنسان، تلك الحرية التي تدعم العقل ومعطيات الواقع، مع إقصاء كل التصورات الجبرية إزاء هذه القضية، وتنزيهاً للذات الإلهية عن الظلم، وفي سبيل تأكيدهم على حرية الإنسان ذهب المعتزلة إلى القول بأن الإرادة سابقة على الفعل المراد، حيث يريد الإنسان في الوقت الأول، ويفعل في الوقت الثاني، والإرادة عند المعتزلة لا تكون مصاحبة للفعل المراد إلا في الأفعال الاضطرارية التي تنتفي معها الحرية، وفيما عدا ذلك، فإن الإرادة في كل الأفعال الإرادية تسبق الفعل، حيث تكون هناك (وقفة) للاختيار فيكون أمام الإنسان سبيلان، فإما أن يفعل أو لا يفعل.(1)

لو كانت الأفعال الإنسانية من صنع الله، لأصبح التكليف الإلهي والرسالات والأنبياء ضربًا من العبث

وعلى هذا، مضى المعتزلة يفندون حجج الجبرية بأدلة فلسفية، أشهرها دليلهم السيكولوجي القائم على شعور الإنسان بالحرية والقدرة على الاختيار، فيقولون:"إننا نشعر بحريتنا شعورًا مباشرًا بدليل أننا نشعر بالفارق بين حركاتنا الاختيارية وحركاتنا الاضطرارية، كما يظهر بوضوح من كوننا لا نخلط بين حركاتنا حين نريد أن نحرك يدنا وحركتنا حين نرتعش؛ فالحركة الاختيارية مرادة من الإنسان مقدورة له، بخلاف الحركة الاضطرارية التي لا دخل له فيها"، كما استند المعتزلة إلى دليل ميتافيزيقي في إثبات الحرية، مؤكدين أن الأمور في نفسها ممكنة لا واجبة، على العكس من الجبرية الذين ذهبوا إلى القول بأن سائر الأمور ضرورية.(2)

وارتكز القدرية - وعلى رأسهم المعتزلة - على مبدإ "أنه معلوم أن الله يحب الإيمان، ولا يرضى الفساد، ولا الكفر لعباده، وعلى ذلك يكون كل ما في الوجود من معاص واقعاً بدون مشيئته وإرادته وخلاف أمره، فلا يكون الله عندهم مريداً لغير ما أمر به".(3) وكان هذا الرأي من المآخذ التي أخذت عليهم، حيث عاب البعض عليهم إرجاعهم لمسألة الحرية إلىتنزيه الله من أن يكون الفاعل المباشر لما يأتيه الناس من شرور، وليس لتأكيد حرية الإنسان،(4) هذا النقد ناتج عن محاولة البعض إخراج الفكر المعتزلي من دائرته الفكرية والتاريخية التي نشأ فيها، وهذا لا أراه ينتقص من نظرة المعتزلة لإرادة الإنسان التي تبدو عندهم إرادة لا متناهية ومطلقة.

لقد أنكر المعتزلة المشيئة والخلق، ومن الخلق خلق أفعال العباد، فقالوا إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه وليس الله، كما أجمعت المعتزلــة على أن الله لم يخلق الكفر ولا المعاصي ولا شيئاً من أفعال البشر،(5) مؤكدين أن الله لا يمكن أن يريد هذه الأشياء ولا يخلقها لأنها قبيحة، فنتج عن ذلك أن أوَّلوا جميع الآيات والأحاديث المعارضة لمذهبهم(6)، كما ذهب المعتزلة إلى أن الله وعد المطيعين بالثواب، وتوعد العاصين بالعقاب، فيجب عليه إنفاذ وعده ووعيده، وأن المطيع يحصل على الثواب عن طريق الاستحقاق لا على سبيل التفضل من الله،(7) وكأنما هو عقد وجودي من مرحلتين دنيا /آخرة، ولا يجوز لأي من الطرفين الله /الإنسان الإخلال ببنوده.

لقد حاول المعتزلة التأكيد على أن الموجود البشري حر في أفعاله، ومختار بشكل مطلق، منحه الله القدرة على الفعل، وتركه يخلقه بإرادته الحرة، وينسب المعتزلة المتولدات عن فعل الإنسان إلى تلك القدرة التي أحدثها الله فيه، وهو ما يعني أن القدرة الإنسانية على الفعل والتأثير هي فطرة بحكم قوانين الخلق، وهو ما جاء صراحة لدى الجاحظ، كما يقول "ثمامة بن الأشرس": "بألا فعل للعباد إلا الإرادة، وأن سائر الأفعال تنسب إلى العباد على معنى أنها وقعت منهم طباعا".

وبناء عليه، توصل المعتزلة إلى وجود قانون دائم متصل يعبر عن القدرة الإلهية، مما دفعهم إلى عدم القول بالخلق المستمر المنفصل من قبل الله لكل فعل من أفعال الإنسان.(8)

في سبيل تأكيدهم على حرية الإنسان ذهب المعتزلة إلى القول بأن الإرادة سابقة على الفعل المراد

ومن المآخذ التي عابها البعض على فكر المعتزلة في مسألة الحرية هو عدم وضوح فكرة السببية عندهم، وقد اختلف المعتزلة فيما بينهم حول ذلك، فذهب "بشر بن المعتمر" إلى القول بأن الإنسان فعال لتولدات فعله على الحقيقة، وذهب "أبو الهذيل العلاف" (ت 235 هـ)إلى أنه فاعل لما يعلم كيفيته فقط، وذهب "ثمامة بن الأشرس" إلى أن المتولدات لا فاعل لها، بينما قال "النظام" (ت 221هـ) إنها كلها من فعل الله.(9)

وعلى كل، فالمعتزلة فيما يتعلق بمبدإ السببية فريقان: فريق يثبت المبدأ صراحة في صيغته الفلسفية المعروفة غير متأثر بالرؤية الحرفية التي ترى في إثبات الخصائص الذاتية للأشياء افتئاتا على الاقتدار المطلق للمشيئة الإلهية، وفريق ينكره صراحة، وهو ما تطور عند المعتزلة المتأخرين لاسيما القاضي عبد الجبار، وعلى كل فالقبول بصيغة وسط للسببية من خلال القول بالتولد، لا يمكنها أن تحمل إنكارًا للأسباب، ولا ترجع مسبباتها إلى فعل إلهي مباشر.(10)

كانت النزعة الإنسانية حاضرة بشكل فعال ومؤثر في منظومة الفكر المعتزلي من حيث الاعتماد على العقل كأداة منهاجية، بدءا من أبي الهذيل العلاف وتلميذه "النظام"، وكان المبدأ الاعتزالي المشهور "العقل قبل ورود السمع" تكريسًا لفكر إنساني حر، بينما كان يقف على الضفة الأخرى، ذلك الفكر الدوغمائي الذي عبر عنه الحنابلة في مبدئهم "السمع دون قضية العقل"،(11) ويبدو الخلاف بين الرؤيتين جذريا، ويعكس مكانة العقل والمنطق عند كل فريق.

أنكر المعتزلة المشيئة والخلق، ومن الخلق خلق أفعال العباد، فقالوا إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه وليس الله

لقد استند المعتزلة إلى أن وجود صفة العدل تتطلب ألا يحاسب الله أحدًا إلا على أفعاله، ولا مجال لحساب أو تكليف في ظل الجبر، استنادًا لقوله تعالى: "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت"، وقوله : "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"، وهذا يستدعي الاعتقاد بأن الله لم يُقدر شيئا على عباده منذ الأزل، بل إن العباد مختارون لأفعالهم وأحرار في إرادتهم دون تدخل إلهي؛ فالإنسان حر في الاختيار بين الإيمان والكفر: "إنا هديناه السبيل إما شاكرا، وإما كفورا".(12)

لقد تجاوز المعتزلة محنة العقل السلفي النقلي المتوجس والرافض للتطور والرابض عند مبدإ الحرفية وسكونية التراث لا يكاد يفارقهما، وكأنه يستمد من ذلك بقاءه ووجوده، وكان استخدام القياس يلزم المعتزلة التسوية بين قدرة الفعل الإلهي في الطبيعة، وبين قدرة الفعل الإنساني في خلق الأفعال من حيث إن كليهما قدرة فاعلة، وحيث يفسر الفعل الإلهي في أحداث الطبيعة بالأسباب الضرورية، كما فسرت القدرة الإنسانية في خلق الأفعال بالأسباب الضرورية، وهو ما قرره بالفعل القاضي "عبد الجبار"، حيث أكد أن التسوية تجب لا محالة؛ أي إن "فعل الله في الطبيعة يجب أن يقاس على فعل الإنسان، ولما كان فعل الإنسان المقيس عليه يحدث الأحداث عن سبب، فقد وجب أن يكون الفعل الإلهي في الطبيعة يحدث الأحداث عن سبب، فالتسوية واجبة بين الفاعلين".(13)

العباد مختارون لأفعالهم وأحرار في إرادتهم دون تدخل إلهي؛ فالإنسان حر في الاختيار بين الإيمان والكفر

وهكذا كان الفكر الاعتزالي يقدم تصورًا إسلاميًّا مختلفا للإنسان، يقوم على الاعتراف الصريح بقدرة الموجود البشري على خلق أفعاله جميعا بخيرها وشرها، وهو يمتلك معطيات ذلك من حيث الإرادة الحرة التي توجهه إلى اختيار الفعل، والقدرة المؤثرة التي تمكنه من إحداثه، ثم إنه بحكم التكوين يمتلك الأدوات لذلك كله، وعلى رأسها يأتي العقل القادر في ذاته على إدراك الأشياء والحقائق، والتمييز بين معرفة الخير والشر، وبذلك خرج الفكر الاعتزالي من حيز الدلالة الضيق Meening الذي تفرضه الرؤية اللغوية إلى الآفاق الواسعة للاستدلال Raisonnement التي توفرها منهجية العقل الكلية، وهي منهجية كانت حاضرة داخل الفكر الاعتزالي منذ لحظة ميلاده التي كانت سابقة عن اتصال المعتزلة بمنطق أرسطو والفلسفة اليونانية بوجه عام، حيث كان الفكر الاعتزالي منذ اللحظة الأولى يمارس الاستدلال.(14)

لقد قدَّم المعتزلة طروحاتٍ غير مسبوقة من خلال قراءة معاصرة للنص، وفي ضوء تحرر كامل من الوصاية السلفية الجامدة، وهي قراءة تجاوزت كذلك ما تفرضه الأيديولوجيا والصراعات السوسيولوجية والسياسية، انطلاقا من تراكم إبستمولوجي تم استيعابه وفق مبادئ العقل الكلي، ولم يتم التعويل على شيء غير الحدس العقلي النابع من نزعة إنسانية، ترفض كل ما هو جامد ومهترئ ومؤدلج.

لقد حلق الفكر المعتزلي بحرية خارج حدود العقلية السلفية الضيقة والمهيمنة على العقل المسلم، ومارس من خلال إعمال العقل داخل الدائرة النصية ما لم يحتمله التيار العام أو يستوعبه، حيث كانت تلك الثورة الفكرية خارج كل توقعاته، وكان ذلك سبب عزل المعتزلة واعتزالهم، "حيث يحمل مصطلح المعتزلة مضمونا تمايزيا يشير إلى (غير) يتم التمايز عنه بالاعتزال أو بالعزل؛ فلا سبيل لقراءة المعتزلة إلا بقراءة هذا الغير؛ أي بغير منهج المقارنة بالتيار العام (تيار السنة والجماعة)"، وعليه فإن الإدراك الكلي للعقلانية المتحررة التي مارسها المعتزلة لا يمكن أن يتم بمعزل عن المعطيات التاريخية والاجتماعية، وكذلك لابد من تحليل العقلية الفقهية المهيمنة وإبراز أهم ملامحها، من حيث كونها عقلية متوجسة بطبعها تفزع من العقل وتنفر من الحرية، مع الوضع في الاعتبار أن المعتزلة مارسوا التفلسف داخل دائرة النص الإسلامي ومن منطلقاته الأولية.(15)

خرج الفكر الاعتزالي من حيز الدلالة الضيق Meening الذي تفرضه الرؤية اللغوية إلى الآفاق الواسعة للاستدلال Raisonnement التي توفرها منهجية العقل الكلية

لقد كان ظهور المعتزلة إيذانا بطرح سيل من الأفكار حول كثير من المفاهيم، وسبر أغوار عوالم الأفكار المحظورة، وتحرير المنطلقات الفكرية من سلطة الإله التي وضعها الجبرية قسرا، مع طرح معطيات جديدة في الواقع الجدلي الفلسفي، ليس ذلك فحسب، وإنما كذلك القدرة على توليد معطيات متطورة باستمرار، فكان مبدأهم هو تغليب العقل على النقل، وتحليل إشكاليات الواقع الاجتماعي والسياسي وما يتمثله من حراك يعبر عن حركة الأيديولوجيات المتناحرة التي ذهبت بالعقل إلى ساحات الوغى في معارك خاسرة منذ خروج معاوية في الشام.

كانت الدعوة الشاملة لفكرة الحرية عند المعتزلة تتجاوز سطوة الأيديولوجيات وجمودها، وتصل بالتنظير الفلسفي إلى آفاق أكثر اتساعا في محاولة أراها مبشرة، ليس في تجاوز منطق الأيديولوجيا السياسية وأطرها المذهبية والدينية فقط ، وإنما أيضا في تحرير العقل والانطلاق به نحو تطوير قوانين الجدل خاصة في تعاطيها مع مسألة الحرية، بكل ما يعنيه ذلك من تحرير الوعي الفلسفي والديني من فزاعة الإله المتسلط التي سيطرت على أطروحاتالفكر التقليدي.

وعلى الرغم من أن دعوة المعتزلة تنصب في الأساس على تأكيد التوحيد والعدالة الإلهية، حيث إن الجبر في نظرهم يعني زيف الحياة البشرية وانتفاء التكليف وعبثية الوحي والرسل والأنبياء طالما كل شيء قد قُدر سلفا، فإن أنصار الجبر لم يتركوا لهم الفرصة رغم عقلانية الدعوة، وتصدوا لها من خلال عباءة لاهوتية خانقة اعتمدوا من خلالها على حشد عدد لا بأس به من الأحاديث التي تطعن في القدرية وتخرجهم عن الدين، فروى عن "عبد اللّه بن عمر" : أنّ رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: القدرية مجوس هذه الأُمّة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم. وعن "عبد اللّه بن عباس" : أنّ النبي قال : لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم. وعن عبد اللّه بن عباس قال : قال رسول اللّه : صنفان من أُمّتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية.

كان مبدأهم هو تغليب العقل على النقل، وتحليل إشكاليات الواقع الاجتماعي والسياسي وما يتمثله من حراك يعبر عن حركة الأيديولوجيات المتناحرة

ولا يخفى أنّ متون الأحاديث تعرب عن كونها موضوعة، خصوصاً الحديث الأخير؛ فقد جاء فيه مصطلحا المرجئة والقدرية معاً، حيث إنّ هذين المصطلحين ظهرا في النصف الثاني من القرن الأوّل، عندما اتّهم "معبد الجهني" وتلميذه "غيلان الدمشقي" بالقدر والإرجاء، فكيف يستخدم الرسول مصطلحات بعيدة عن أذهان أصحابه، وغريبة على مخاطبيه! ألا يثير كلّ ذلك الشكّ والريبة أو سوء الظن بوضع هذه الأحاديث ودسّها بين المسلمين.(16)

وينبغي القول، إن المعتزلة كانوا أبناء عصرهم، فاستخدموا أدوات العصر وتصدوا لمعارضيهم بالسلاح نفسه، حيث حاول أنصارهم مجاراة الجبرية فيما يقولون، فخرجت على الجانب الآخر الأحاديث التي تطعن في الجبرية، بل تؤكد أنهم هم القدرية المقصودون فيما رووه من أحاديث، فها هو القاضي عبد الجبار يروي حديثا في هذا السياق، حيث يقول :« لعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبيًّا، قيل له : ومن القدرية يا رسول اللّه؟ قال: «قوم يزعمون أنّ اللّه قدّر عليهم المعاصي وعذبهم عليها، والمرجئة قوم يزعمون أنّ الإيمان بلا عمل». ونقل أيضاً قول الرسول: «لعن اللّه القدرية على لسان سبعين نبياً، قيل: من القدرية يا رسول اللّه؟ قال: «الذين يعصون اللّه تعالى ويقولون كان ذلك بقضاء اللّه وقدره، وهم خصماء الرحمن وشهود الزور وجنود إبليس». وقد رواه بعض المفسرين أيضاً كالزمخشري في كشافه، والرازي في مفاتيحه.(17) وتحول الأمر من مواجهة فلسفية فكرية إلى صراع ديني عقائدي، حاول كل طرف فيه استخدام الأحاديث، وتأويل آيات الذكر الحكيم وتطويعها لما يدعو إليه، وهو ما أراه مرحلة مؤسفة، انساق إليها المعتزلة وخاضوا في مستنقعها.

المعتزلة كانوا أبناء عصرهم، فاستخدموا أدوات العصر وتصدوا لمعارضيهم بالسلاح نفسه، حيث حاول أنصارهم مجاراة الجبرية فيما يقولون، فخرجت على الجانب الآخر الأحاديث التي تطعن في الجبرية

وعلى كل، فقد حرر المعتزلة مفهوم الإله من النظرة الضيقة التي حاول الجبرية وغيرهم من الفقهاء ترسيخها وفق منظور بشري سطحي، وبهذا ارتقت فكرة الإله العادل الذي مارس الحرية بنفسه وعلى نفسه وماخلق؛ فهو حر في إجابة الدعاء، وحر في بسط يديه بالرحمة والمغفرة، وخلقه أحرار كذلك في أعمالهم وأفعالهم.

كما كان قول المعتزلة بخلق القرآن يمثل اتجاهًا مغايرًا لموقف المرجعيات الفقهية الدوغمائية وشتى الطروحات الفقهية، وهو توجه لو قدر له البقاء لكان من شأنه إدخال أدوات جديدة في مجال دراسة الوحي تستخدم فيها معطيات تاريخية وسيمائية وثقافية، كان بمقدورها أن تعطي طروحـات أكثر إنسانية وعقلانية مما طرحه الفقهاء.


(1) محمد أحمد عبد القادر، قضية العدل تنزيه الله في أفعاله، الفكر الإسلامي بين الإبداع والابتداع، الموسوعة الإسلامية، البلاغ، 2000.

(2) زكريا إبراهيم، مشكلة الحرية، مكتبة مصر، القاهرة ، 1957، ص ص 142-143

(3) رسالة الاحتجاج بالقدر لابن تيمية ضمن الفتاوى 8 /840، وانظر أيضًا : محمد باكريم، وسطية أهل السنة، دار الراية، الرياض الأولى 1415، ص 384

(4) عبد الجواد ياسين، السلطة في الإسلام، العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ، ط2، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ص108

(5) هلموت رينز، مقالات الإسلاميين للأشعري،ط3. دار إحياء التراث العربي. بيروت، د.ت ، ص227

(6) سليمان الغصن، موقف المتكلمين. دار العاصمة - الرياض . ط1. 1416 ، 617/2

(7) عبد العزيز الحميدي، براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة، دار ابن عفان، القاهرة ، 1999، ص 470

(8) عبد الجواد ياسين، المرجع المذكور، ص 111

(9) محمد العبدة، طارق عبد الحليم، المعتزلة بين القديم والحديث، دار الأرقم، برمنجهام 198، ص ص 60 -61

(10) عبد الجواد ياسين، المرجع المذكور، ص115

(11) نفسه، ص 108

(12) محمد العبدة، المرجع المذكور، ص ص 56-58

(13) عبد الجواد ياسين، المرجع المذكور، ص 114

(14) المرجع نفسه، ص ص 137-139

(15) المرجع نفسه، ص106

(16) جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، قم ـ إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2، 1415 هـ، ص ص 111-113

(17) المرجع نفسه، ص116