النساء في سطور القانون والشرائع


فئة :  مقالات

النساء في سطور القانون والشرائع

إنّ طبيعة الإنسان الاجتماعية والتحيز بطباعه لمصالحه، دفعه لإيجاد صيغة تُنظم علاقاته مع الآخر، وعلى اختلاف الحضارات كانت هذه النظم تخضع لتغيرات تَستحدثها حاجة المجتمع، ولتطور يعكسه تطور هذه الحضارات، وهذا يؤكد أنّ دراسة تاريخ القانون (دراسة الحالة الأولى التي نشأت وتطورت فيها الشرائع القديمة) ستقودنا في النهاية إلى القانون الوضعي (القانون المدني).

فالشريعة كاللغة كائنٌ حيّ، هكذا وصفها أحمد سعد زايد[1] في محاضرة عن تاريخ وتطور الشرائع والقوانين، وأكد أنّه لا يمكن أنْ يكون هناك اجتماع إنساني دون منظومة أخلاقية أو مجموعة من القواعد.

وفي التطرق لتاريخ نشأة القوانين، أظهرت الدراسات والاكتشافات الأركيولوجية عن قوانين العالم القديم في حضارات وادي الرافدين؛ وذلك في الألفية الثالثة قبل الميلاد، فكانت الأقدمية التاريخية حتى الآن لإصلاحات أوركاجينا، وتلتها شريعة أورنمو، قانون لبت عشتار، قانون اشنونا، ليأتي أشهرها شريعة حمورابي.

شُرّعت معظم هذه القوانين على أنّها ذاتُ مصدرٍ إلهي، لكنْ لم تقتصر هذه الفكرة على شرائع الحضارات القديمة، بل سنجدها في شرائعٍ لاحقة أيضاً، وفي هذا الصدد، بعد أنْ تم حسم مسألة الأقدمية التاريخية للقوانين، جاء التساؤل التالي: هل أصل التشريع إنساني أم إلهي؟، وبذات المحاضرة، يجيب أحمد سعد زايد على هذا التساؤل: (كل التشاريع ذات مصدرٍ إنساني، على الرغم من أنّ معظمها قُدّمت على أنّها من عند الإله، لكنْ وحده المؤمن بدينٍ معين، يمنح المصداقية الإلهية لشريعة دينه، ويكذّب باقي الشرائع، أو يتهمها بالتّحريف)، وعقّب على فكرة (المصدر الإلهي) قائلاً: ربما هي حيلة المشرع، أوجدها لضعف الرقابة العامة، ولخلق رقابة ذاتية تعمل على ضمان الالتزام بتنفيذ القوانين من خلال فكرة الوجع النفسي لمخالفة الأمر الإلهي.

يُذكر أنّ لنشأة القوانين أربعة عناصر:

1- القوة؛

2- الثقافة الدينية؛

3- العرف الاجتماعي وفلسفة الأخلاق؛

4- التدوين والالتزام من قبل سلطة.

لأثر هذه العناصر انعكاسٌ واضح على المرأة، وخاصةً قوانين الأحوال الشخصية وقوانين العقوبات، إذ إنّ ظهور القوانين كان في ظلّ هيمنةٍ ذكورية قوةً وديناً وعرفاً وسلطة. تشير ميادة كيالي[2] في كتابها "هندسة الهيمنة على النساء"[3] أنّ القوانين، التي بدأت بشائرها منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد مع الإصلاحات في الحضارة السومرية، شهدت أوضاعاً عاشتها الأسرة بقيادة المرأة، وعاشها المجتمع، بالتوازي مع سيطرة الإلهة الأم على المعتقدات، وشهدت تغيّرات الظروف الاقتصادية وظهور الملكية الفردية. في غمرة ذلك، باتت الحاجة ملحّة إلى مدوّنة قوانين تقود الصيرورة نحو أسرة بقيادة الأب المطلقة، ومجتمعات بسلطة الملك المطلقة، ومعتقدات دينية بسلطة الإله المتفرد، فاستطاعت أن تفرض تغيراً واضحاً في مكانة المرأة اجتماعياً واقتصادياً ودينياً، وأحكمت هيمنة الرجل على المرأة، كما استحكم في وسائل الإنتاج واستأثر بالسلطة، بصورة استمر حضورها في تشريعات الأديان التي نشأت واكتملت وتفاعلت داخل مجتمعات النظام الأبوي الأول، ولا ريب في أنه صبغها بالأبوية، ولوى عنقها لتحابي ما أصبح محسوماً لصالح الذكورة من تفوق وتمايز اعتُقد أنه بالخلق. (كيالي: 2018: 17)

نرى جلياً التحولات التي طرأت إثرَ الانتقال من مرحلة لأخرى، فبدا بارزاً صعود مراكز قوى ذكورية، معتقدات دينية بعيدة عن سابقتها، سلطة الملك ممثل الإله، والتي أدّت جميعها لخلق أعراف تناسب مجتمعات وادي الرافدين. وهذا ما أكدته ميادة كيالي، أنّ الانقلاب الذكوري ظهرت ملامحه واضحة وجلية في حضارات وادي الرافدين، التي انبثقت فيها أول القوانين في تاريخ البشرية. (كيالي: 2018: 14).

من هذه النقطة، ما بعد الانقلاب الذي طغى أثره على مجتمعات العالم القديم ولا يزال واضحاً ليومنا هذا، سأحاول إظهار التشابه بين قوانين العالم القديم، وشرائع الأديان التوحيدية وخاصة الإسلامية منها، التي هي المصدر التشريعي الأول بالنسبة إلى أغلب بلادنا العربية، وسأختار منها القانون السوري؛ وذلك لإظهار تشابه المعاملات التي تخضع لها المرأة من منظور الرجل المشرّع.

سيكون كتاب الدكتورة ميادة كيالي، "هندسة الهيمنة على النساء"، وهو البحث الذي نالت بفضله شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم، المرجع الأساسي لهذا النص، والمصدر الملهم الذي منحني هذه الفكرة.

تجدر الإشارة إلى أنّ ما ذكرتُه في المقدمة من تطور القوانين وخاصة الأحوال الشخصية، الذي لا ينطبق جوهرياً على قوانين بلادنا العربية التي تتخذ الشريعة الإسلامية وتأويلاتها مصدراً لها، والتي حتماً تضع قيدا لا يمكن تجاوزه بهذه العقلية التي نحن عليها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمرأة، سنجد حينها توافقاً بجميع الآراء والمراجع المكوّنة لهذه الشريعة بالعموم، ويبقى الاختلاف بالتفاصيل التي تمتد بين التشدّد والأكثر تشدّداً.

استناداً لكتاب "هندسة الهيمنة على النساء" نبدأ بقوانين (أور نمو)، وعقوبة الاغتصاب، المادة السادسة يعالج فيها اعتداء رجل على امرأة رجلٍ آخر، والعقوبة هي قتل هذا الرجل:

"إذا انتهك رجل حقّ (رجل آخر) بأن انتزع عذرية زوجته يُقتل هذا الرجل" (كيالي: 2018: 127)

تمثّل المادة (130) من شريعة حمورابي حالة اغتصاب عقوبتها الموت للجاني وإخلاء سبيل المرأة:

"إذا باغت رجلٌ زوجة رجل آخر (وكم فمها؟) ولم تعرف رجلاً من قبل (أي لا تزال بكراً) ولم تزل تعيش في بيت أبيها، وضاجعها وقبض عليه، فإنّ هذا الرجل يُقتل، ويُخلى سبيل تلك المرأة". (كيالي: 2018: 135)

أما بالنسبة إلى قانون العقوبات السوري، نصت المادة 489، والتي تم تعديلها في عام 2013، على عقوبة الاغتصاب:

"من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة"، مبيناً أنّ "العقوبة تكون الإعدام إذا لم يتم المعتدى عليه الخامسة عشرة من العمر، وإذا وقع الجرم تحت تهديد السلاح".

تختلف المادة الأخيرة عن المادتين الأولى والثانية، بوضع شرط لعقوبة الإعدام، علماً أنّه لم تكن عقوبة الإعدام مذكورة قبل التعديل، بل اقتصرت على عقوبة السجن من خمس عشرة سنة إلى إحدى وعشرين سنة، وذلك تبعاً لاختلاف عمر الضحية.

جاءت المادة (55) من القوانين الآشورية، بعقوبات مختلفة عن سابقاتها من قوانين العالم القديم، ولكن لن تختلف كثيراً عن قوانين حالية في بعض بلادنا العربية، بعد أنْ أُلغيتْ حديثاً من قوانين بلادٍ أخرى.

"إذا اغتصب رجلٌ ابنة رجل آخر بتولاً لم تزل تعيش في بيت أبيها، أهانها ولم تكن مخطوبة (ولم يفض غشاء بكارتها)، وطالما أنّها لم تكن قد تزوجت (بعد)، ولم يكن هناك دين على بيت والدها. إذا وقع ذلك في داخل المدينة أو في الريف، أو أثناء الليل في الشارع أو في مخزن الحبوب، أو أثناء مهرجان المدينة؛ يعطي والد الفتاة البتول (في هذه الحالة) ابنته للمغتصب كزوجة، ولا يحق له أن يطلقها، ويأخذ زوجها المغتصب ليزني بها، فإن لم يكن لديه زوجة فيدفع لوالدها ثلث ثمن الفتاة البكر. أما إذا لم يرغب والد الفتاة (في ذلك)، فيمكنه أن يأخذ الثلث ويعطي ابنته لمن يريد."

نلاحظ أنّ هذه المادة تعاملت مع المرأة بشكل واضح على أنّها ملكٌ لرجل، يُمكن تعويضه، واستخدامها كعقوبة للمجرم في بند اغتصاب زوجته بالمثل، وحتى تزويجها للمجرم، والذي هو قرار يتخذه الأب دون أي اعتبارٍ لها.

في عام 2011، تم تعديل المادة (508) من قانون العقوبات السوري، والتي ترتبط بالمادة (489).

"إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجنايات الواردة في هذا الفصل، وبين المعتدى عليها يستفيد مرتكب الفعل من العذر المخفف وفق أحكام المادة /241/[4] على أنْ لا تقل العقوبة عن الحبس سنتين. ويعاد إلى محاكمة الفاعل، إذا انتهى الزواج، إما بطلاق المرأة دون سبب مشروع، أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى عليها قبل انقضاء خمس سنوات على الزواج، وتحتسب المدة التي نفذها من العقوبة."

تشير المادة السابعة من قانون أور نمو إلى أنّ عقوبة المرأة التي تغوي رجلاً، وتتقرب إليه، وتقيم علاقة جسدية معه، ستكون الموت، بينما هذا الرجل يطلق سراحه، ولا يُلام طالما أنّها هي من راوده، ومن ثم ليست القضية قضيةً أخلاقية يجرّم فيها الشريكان، لارتكابهما فعلاً منافياً للقانون، بل هي محظورات على المرأة المتزوجة وحدها، وكأنّ المشرع يطلب منها هي وحدها التزام العفة. أمّا الرجل، فحتى لو كان متزوجاً لا جنحة عليه، فيستطيع أن يقيم علاقات مع محظيات وبغايا وإماء، لكن ليس له أن يبادر بعلاقة مع متزوجة؛ فالمتزوجة مرتبطة برجل آخر وعلى اسم رجل آخر، وإقامته علاقة معها هي انتهاك حقّ رجل آخر فيها. (كيالي: 2018: 127):

المادة السابعة (أور نمو)

"إذا قامت زوجة (رجل) من نفسها بالتقرب من رجل (آخر)، وشرعت بإقامة علاقة جنسية معه، تقتل تلك المرأة. أمّا الرجل (الذي أغوته)، فيُطلق سراحه" (كيالي: 2018: 128)

ما يزال مفهوم الإغواء في مجتمعاتنا مرتبطا بالمرأة، فجسدها مذنب حتى وإنْ كانت ضحية، تُبرّر جريمة المعتدي بإغواء المرأة له، بقصدٍ أو دون قصد، فهي مذنبة حتماً. ففي المملكة العربية السعودية، العقوبة التي تفرضها المحكمة على المغتصب قد تتراوح من الجلد إلى الإعدام، إضافة إلى عقوبات تصل إلى السجن 5 سنوات وغرامة تصل إلى 80 ألف دولار أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل متهم صدر منه قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تجاه أي شخص آخر تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأية وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة[5]ولكنْ، أشار القانون السعودي لمسألة الإغواء، ليُدْخل المرأة ضمن العقوبة التي سبق ذكرها، علماً أنّها ضحية لفعل الاغتصاب، فنوّه، ومع ذلك إذا كانت ضحية الاغتصاب في خلوة غير شرعيّة مع المغتصب (أي في مكان تواجد المغتصب، وهي منتهكة اللباس الشرعي)، فستعاقب هي أيضًا بمقتضيات القانون الجاري العمل به.[6]

أمّا المادة الثامنة (أور نمو) تشير لحالة اغتصاب الأمة، والتي كانت فيها العقوبة عبارة عن تعويض مالي، بينما كانت العقوبة بحال لو كانت الضحية زوجة هي الإعدام، هذا الفارق بمستوى العقوبة يكشف عن الطبقية، واستعباد المرأة.

المادة الثامنة (أور نمو)

"إذا انتهك رجل حق (رجل آخر) بأن انتزع عذرية أمة ذاك الرجل، يدفع للرجل خمسة شيكلات من الفضة" (كيالي: 2018: 128)

إنَّ هذا التمييز بالعقوبة الذي يعكس الطبقية، نجده في عقوبة الاغتصاب في الشريعة الإسلامية، والتي عوملت قياساً بحد الزنا والحرابة؛ وذلك حسب الطريقة التي أُكرهت بها المرأة، وأضافت الشريعة الإسلامية على تلك العقوبة، التعويض المالي، قال مالك بن أنس: "الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيبًا: أنها إن كانت حرة: فعليه صداق مثلها، وإن كانت أمَة: فعليه ما نقص من ثمنها[7]، والعقوبة في ذلك على المغتصب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله".[8]

أما القوانين التي خصت عقوبة الزنا، فقد شرّع حمورابي قتل الرجل والمرأة المتزوجة في حال ضُبطا بالزنا.

المادة (129) حمورابي

"إذا ضُبطت زوجة رجل مضطجعة مع رجل آخر، فعليهم أن يربطوهما معاً ويرموهما في الماء. فإذا رغب الزوج في الإبقاء على حياة زوجته، فالملك يبقي على حياة خادمه كذلك (أي الرجل الآخر)". ويتضح من هذه المادة، أيضاً، أنّ الزوج شريك الملك في القضاء، فله الحق في إرسال زوجته وشريكها إلى الموت، أو الإبقاء عليها، حينها سيعفو الملك عن الشريك. (كيالي: 2018: 134)

وفي القوانين الآشورية، وفي المادة الخامسة عشرة تحديداً، تتجلى سلطة الزوج باعتبارها من سلطة الملك، فله أنْ يقتل أو يجدع أو يخصي أو يعفو، في إشارة واضحة إلى التمايز الحقوقي ما بين الرجل والمرأة، وهو، من المؤكد، الوصف الواضح للمجتمع الذكوري والنظام الأبوي.(كيالي: 2018: 137):

المادة (15) الآشورية

"إذا اكتشف رجل رجلاً (آخر) مع زوجته، واتّهمه وثبت اتهامه، فالاثنان يقتلان، وليس هناك مسؤولية عليه، وإذا جلب (الزوج) (الرجل المتهم) أمام الملك والقضاة، واتّهمه وثبت اتّهامه، فإذا قتل الزوج زوجته يمكنه أن يقتل الرجل (كذلك) (أما) إذا قطع (الزوج) أنف زوجته، فعليه أن يخصي الرجل (المتهم) ويشوّه وجهه. أما اذا عفا الزوج عن زوجته، فعليه أن يعفو عن الرجل (كذلك)" (كيالي: 2108: 138)

والقتل كان أيضاً عقوبة من ارتكب الزنا في شريعة موسى "وإذا زنى رجل مع امرأة، فإذا زنى مع امرأةِ قريبه، فإنّه يقتل الزاني والزانية" (اللاويين: سفر: 20 آية 10)

ميزت الشريعة الإسلامية عقوبة الزنا للمتزوج وغير المتزوج، فإنّ حد الزنا لغير المتزوج يكون بالجلد مئة جلدة.

"الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحدٍ منهما مئة جلدة" (سورة النور: آية 2).

أما المتزوج، فكان الحد هو رجمه حتى الموت، علما أنه لم يتم ذكره في القرآن، ولكن تم الاعتماد في ذلك على حديثٍ منسوب للرسول.

ونرى أنّ القانون السوري قام بمنح الزوج الحق ذاته الذي منحه إياه حمورابي والقانون الآشوري، إذ ترك المشرّع السوري حق طلب تحريك دعوى الحق العام للزوج والولي، فجاء في المادة 475 من قانون العقوبات:

"1- لا يجوز ملاحقة فعل الزنا إلا بشكوى الزوج واتخاذه صفة المدعى الشخصي، وعند عدم قيام الزوجية، فتتوقف الملاحقة على شكوى الولي على عمود النسب، واتخاذه صفة المدعي الشخصي."

أما العقوبة، فقد نصت المادة(473) من قانون العقوبات السوري على:

"1ـ تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين.

2ـ ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية، إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر إلى سنة."

ووضعت المادة(474) شرطاً يعامل فيه الرجل كمرتكب للجريمة، وليس فقط شريكا، وهي ارتكاب الرجل الزنا في بيت الزوجية.

"1ـ يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة، إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي أو اتخذ له خليلة جهاراً في أي مكان كان.

2 ـ وتنزل العقوبة نفسها بالمرأة الشريك."

وعن عقوبة القذف، لم يغب هذا الجرم عن قوانين العالم القديم، فتذكر المواد (13) و(14) أور نمو، عقوبة القذف بحق الرجل والمرأة، إذ يترك أمر تبرئتهم لنهر المحنة الإلهي.

المادة الثالثة عشرة (أور نمو)

"إذا اتهم رجل رجلاً آخر… وتسبب في جلبه إلى النهر الإلهي، ولكن النهر الإلهي (نهر العقيدة) برّأه، فإنّ الشخص الذي جلبه (أي المتهم) (...) يدفع ثلاثة شيكلات من الفضة"

المادة الرابعة عشرة (أور نمو)

"إذا اتهم رجل زوجة شاب بالزنا، ولكن نهر العقيدة برّأها، فإنّ الرجل الذي اتهمها عليه أن يدفع لها عشرين شيكلاً من الفضة"

إنّ التهمة التي توجه إلى الرجل بالزنا تعويض ضررها عليه، إن كانت باطلة، يكون بمبلغ أقل بكثير من اتهام زوجة رجل بالزنا، وهذا يقودنا إلى فكرة أنّ زنا المرأة لا يمسها فقط، بل يمس شرف الرجل الذي تزوجها، وهذا ما نجد له صدى في حاضرنا في جرائم الشرف، حيث يعد قتل الرجل لزوجته، في حال الخيانة، دفاعاً عن الشرف، ولا يجرّم عليه، والعكس غير صحيح.(كيالي: 2018: 129-130)

في شريعة حمورابي، تم التمييز بين حالتين في حالة القذف، اتهام رجل لزوجة رجلٍ آخر، واتهام رجل لزوجته، وسنلاحظ أنّ لا عقوبة تطال الزوج في الحالة الثانية.

المادة (127) حمورابي

"إذا تسبب رجل في أنْ يشار بالإصبع على كاهنة أنتوم، أو على زوجة رجل، ولكنه لم يثبت اتهامه، فعليهم أنْ يجلدوا هذا الرجل أمام القضاة، ويحلقوا نصف رأسه" (كيالي: 2018: 134)

المادة (131) حمورابي

"إذا اتهم رجل زوجته، ولكنها لم تضبط، وهي تضاجع رجلاً ثانياً، فعليها أنْ تؤدي القسم بحياة الإله وترجع إلى بيتها" (كيالي: 2108: 135)

نلاحظ أنّه يحق للرجل اتهام زوجته دون دليل، ولا يوجد حساب له في هذه الحالة.

وفي القانون الآشوري، نعرض مادتين تعالج أيضاً حالة القذف.

المادة (17) الآشورية

"إذا قال رجل لرجل آخر: إن زوجتك تتصرف كزانية عادية، ولم يكن لديه شهود على ذلك، فإن عليهما أن يتفقا ويذهبا إلى النهر للحكم الإلهي" (كيالي: 2018: 138)

المادة(18) الآشورية

"إذا قال رجل لصاحبه سرّاً، أو في حالة نزاع: لقد تصرفت زوجتك كزانية، وهدد بأنه سيحضر إثباتاً على ذلك، فإذا لم يستطع أن يقدم تهمة (ثابتة) ضدها، ولم يستطع إدانتها، فسيضرب ذلك الرجل أربعين ضربة بالعصا، وعليه أن يخدم الملك لمدة شهر بأكمله، ويعزل (عن المجتمع)، وعليه أن يدفع تالنت واحد من الرصاص" (كيالي: 2018: 138)

لم تقف الأمور، إذن، في عقوبة الزنا، عند حدّ القتل في حال ثبوت الواقعة، لأنّه حتى لو تمت الإشارة فقط، ولو لفظياً، إلى أنها زنت، فستجد نفسها أمام اختبار إلهي قد يقضي على حياتها، لأنّها، لتثبت براءتها أمام الملك، ستضع نفسها في محنة متمثلة في أن ترمي بنفسها في النهر، حيث ينقذها الإله إنْ كانت صادقة، وإن كانت كاذبة فستموت، ولنا أن نتخيّل كيف سيكون شعورها حين تُعرض على محك اختبار الصدق، فإن أفزعها الاختبار فستكون عقوبتها الموت، أو ستلقي بنفسها وتضحّي بحياتها ثمناً لصدقها. (كيالي: 2018: 139)

وتم ذكر القذف في القرآن الكريم، فجاءت في الآية 4 من سورة النور "والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون". لم يتم ذكر حالة اتهام الرجل بالزنا إلا في شريعة أورنمو. أما باقي التشريعات، فربطت عقوبة القذف بما يخص اتهام المرأة فقط، ولم تذكر أية عقوبة في حال كان الرجل هو المتهَم، وكان الضرر باتهام المرأة لا يلحق بها شخصياً، بل كان يمس شرف أقاربها الرجال، لذلك حرصت الشرائع على تشديد العقوبة تجاه من حاول المساس بسمعة هؤلاء الرجال، والتي اختزلت في أفعال نسائهم وبناتهم. أما أفعالهم، فلا أثر لها مهما وصلت حد السوء.

في الختام، تشير الدكتورة ميادة في نهاية بحثها، الذي وضع يده على الجرح (كما تصف)، من خلال معاينة نصوص القوانين(العالم القديم)، حيث استأثر المشرّع بالحكم، واستفرد بالسلطة، وفصّلها على مقاسه، فسمح للرجل بالتعددية في الزواج وفي المحظيات، وعفا عنه في الزنا، واعترف بأبنائه من الزنا، بينما أرسل المرأة إلى حتفها حتى لو بسبب وشاية. اليوم، ما برح شبح الماضي البعيد يزور أرض الحاضر، مهدداً المرأة بالموت والعزل والاحتقار، إن هي مضت خلف رغباتها، وغامرت من أجل متعتها، بينما الرجل لا يزال صاحب الحظ الأوفر من القانون ومن التشريع الديني، ولا يزال المتحكم في مصير العائلة ومصير الدول.(كيالي: 2018: 254)

نعم، ما تزال المرأة مظلومة في العرف الديني والاجتماعي وفي القوانين، والتي هي في النهاية مستمدة من تلك الأعراف الذكورية التي هيمنت على مجتمعاتنا، لن يرفع الظلم عن المرأة إلا بعملية عكسية، تبدأ من تغيير القوانين لتصبح عادلة، ومتساوية بالحقوق بين المرأة والرجل، لا أحد يتفوق بها على أحد، ليصبح تنفيذ القانون هو السلطة، والقوة التي ستغير مفاهيم هذه المجتمعات.

[1] أحمد سعد زايد: مفكر وباحث مصري.

[2] ميادة كيالي: باحثة وكاتبة سورية، حاصلة على الدكتوراه في التاريخ القديم.

[3] - ميادة كيالي، هندسة الهيمنة على النساء؛ الزواج في حضارات العراق ومصر القديمة، المركز الثقافي للكتاب، 2018

[4] نصت المادة 241 من قانون العقوبات السوري "إذا كان الفعل جناية توجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد، حولت العقوبة إلى الحبس سنة على الأقل. وإذا كان الفعل يؤلف أحد الجنايات الأخرى كان الحبس من ستة أشهر إلى سنتين...".

[5] عقوبة الاغتصاب في السعودية https://ar.wikipedia.org/

[6] ذات المصدر السابق.

[7] أي على الغاصب الواطئ (ما نقص) بالوطء (من ثمنها) "أوجز المسالك الى موطأ مالك-2: 14"

[8]حكم الاغتصاب في الإسلام https://ar.wikipedia.org/