امتدادات الحركة الصوفيَّة المغربيَّة ببلدان الغرب الإسلامي: الطريقة العيساويَّة نموذجاً


فئة :  أبحاث محكمة

امتدادات الحركة الصوفيَّة المغربيَّة ببلدان الغرب الإسلامي:  الطريقة العيساويَّة نموذجاً

ملخّص:

يعتبر هذا البحث بمثابة عودة إلى تناول الحركة الصوفيّة في الغرب الإسلامي، وعلى وجه التحديد بالمغرب، التي أدت كما هو معلوم أدواراً اجتماعيّة وروحيّة وسياسيّة، شهد بها العديد من مصادر التاريخ، على اختلاف مكوناتها، وحسب درجة تميز البعض منها في هذا المجال أو ذاك، إلى درجة أضحت تشكّل قوّة حيويّة أطّرت المغاربة، ودعّمتهم في محنهم وأزماتهم.

كما يهدف البحث إلى إعادة تبيان مختلف التيارات التي احتوتها الحركة الصوفيّة، بدءاً من مرحلة التفكير والسلوك الشخصي إلى مرحلة التنظيم الاجتماعي في هيئات أطلق عليها الطرق، والرباطات، والطوائف، والزوايا، لما لذلك من أهميّة قصوى في معرفة مسار تشكّل الحركة الصوفيّة ببلادنا، التي توزّعت في بعض فتراتها التاريخيّة بين تصوّف فلسفي شهدت المصادر أنّه لم يجد موطئ قدم يذكر ببلادنا، وتصوّف سنّي حقق قصب السبق في الهيمنة والانتشار على يد الطريقة الشاذليّة الجزوليّة. وغنيّ عن البيان أنّ هذه الطريقة كانت بمثابة منعطف كبير في تشكّل حركة الولاية والتصوّف بأرض المغرب، بالنظر لاحتوائها مجمل البنيات الصوفيّة القائمة في ذلك العصر، وانسجامها مع البنية الذهنيّة للمغاربة الميّالة بطبعها لقبول أيّ توجّه صوفي جديد. وهو ما أشارت إليه الكتب التاريخيّة، حيث ذهبت إلى القول إنّه عندما تعتقد فئة مجتمعيّة ما في شيخ أو زاوية أو توجّه صوفي، فإنّها تتشبث به ولا تحيد عن تعاليمه.

وتعتبر التجربة الصوفيّة العيساويّة أحد أهم امتدادات الطريقة الشاذليّة الجزوليّة سنداً ومنهجاً، علا كعبها في الولاية والتصوّف منذ أواسط القرن السادس عشر الميلادي، بما أرسته من دعائم روحيّة واجتماعيّة وفكريّة أهّلتها كي تتبوّأ موقعاً متقدّماً في المشهد الصوفي بِرُمّته، مصارعة عوادي الزمن وإكراهاته، ومتصدّية لمناكفات باقي مكوّنات الحركة الصوفيّة بالبلاد، وباحثة عن سبل التأقلم مع مقتضيات السياسات الدينيّة التي نهجتها مختلف الدول التي تعاقبت على حكم البلاد تجاه شيوخ الولاية والتصوّف التي، وإن حاول بعض السلاطين قصّ أجنحة ما سمّاه البعض بـ "التصوّف الشعبي الخارج عن قواعد الشرع"، إلّا أنّ هذا الأخير كان قد تجذّر في تربة المجتمع، ولم يعد بإمكان القائمين على الشأن الديني اقتلاعه أو تهميشه أو إزاحته نهائيّاً.

ويكفي أن نقدّم مؤشراً واحداً على القوّة الروحيّة لهذه الزاوية وشيوخها، ويتعلق الأمر بالامتداد الجغرافي الواسع الذي تجاوز حدود الموطن الأصلي ـمكناسة الزيتون- ليصل إلى طرابلس الغرب، وهو أحد المواضيع الرئيسة التي تتناولها هذه المساهمة.

ولئن حاول البحث إماطة اللثام عن إشعاع زاوية "عيساوة" بالغرب الإسلامي والفروع التي أسّستها في بلدان الجزائر وتونس وليبيا، فإنّنا نقرّ بأنّه ما زال هناك الكثير من الفراغات، تسائل بالدرجة الأولى قدرة أيّ زاوية على نشر إشعاعها ونفوذها خارج موطنها الأصلي، والإمكانات التي توفرت لها القمينة بتحقيق هذا الهدف؛ وهل لذلك علاقة برأس المال الرمزي الذي يحوزه شيخها المؤسّس؟ وما من شكّ أنّ هذا العنصر استثمر بشكل جيّد من طرف أتباعه في تحقيق هدف التمدّد التنظيمي؛ أم لكون "التصوّف الشعبي" كان مقبولاً لذاته وبساطته وقربه من ذهنيّة عامّة الناس، التي تشكّل الشريحة الأوسع في التركيبة البشريَّة لهذه الزاوية، المعروفة تاريخيّاً كونها كانت تتهيّب من التعقيد المصاحب لبعض التيّارات الصوفيّة المفتقدة لسند مجتمعي في التربة المجتمعيّة المغربيّة.

أعي جيّداً أنّ البحث في هذه الإشكاليّة، خلال حقبة أربعة قرون من عمر الزاوية العيساويّة، يُعدّ بحقّ مغامرة يصعب التكهّن بنتائجها. فاستنكاف الباحثين عن خوض غمار البحث في تاريخ "آل الشيخ الكامل"، والنصوص القليلة المتناثرة بين مظانّ مختلفة، لا تسمح بتكوين تصوّر عام عن انتقال زاوية من مجال جغرافي وفّر لها كلّ مقومات الصمود والاستمراريّة، إلى مجال آخر بعيد عنه بمسافات طويلة، بمعايير العصور السالفة، فبالأحرى الإجابة القاطعة عن الأسئلة المطروحة.

إنّ هذا البحث المتواضع يسعى ـضمن ما يسعى إليه- إلى رتق بعض الثغرات التي يعاني منها تاريخ العيساويين، حسبما سمحت به الدراسات المتوفرة، وهو في الآن ذاته كفيل بالتقليل من أوجه النقص المرتبطة بالتناول التاريخي لهذه الطريقة الصوفيّة، الابنة الأصيلة للحركة الصوفيّة المغربيّة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا