برادايم الترجمة بين فنّ التأويل وحقّ الضيافة اللغويَّة


فئة :  مقالات

برادايم الترجمة بين فنّ التأويل وحقّ الضيافة اللغويَّة

برادايم الترجمة بين فنّ التأويل وحقّ الضيافة اللغويَّة[1]

من خلال فلسفة بول ريكور

زهير الخويلدي

أكاديمي من تونس

استهلال:

«هناك أصعدة غير قابلة للترجمة مزروعة في النص، تجعل من الترجمة مأساة حقيقيَّة ومن تمنّي إنجاز ترجمة جيّدة رهاناً يجب كسبه»[2].

تظلُّ الترجمة، بالنسبة إلى الفيلسوف، التمرين الأعسر الذي يسمح له بطرق أبواب الحكمة بصورة بدئيَّة وأساسيَّة، ولذلك نراه يكدُّ ويجدُّ وراء البحث عن الروابط التي تجمع بين الألفاظ، ويحيك المعاني في نسيج دلالي متماسك، ويطارد الجمل والفقرات ضمن النصوص والمؤلفات عبر شروحها التفسيريَّة وتطبيقاتها العمليَّة وتحوُّلاتها التاريخيَّة، جاعلاً من اللغة سابقة على التعبير، ومن الكتابة متقدّمة على الخطاب الشفوي.

من المعلوم أنَّ القرن العشرين قد تمَّ اعتباره «قرن الترجمة» باقتدار[3]؛ وذلك ليس لكثرة الكتب المترجَمة من لغات إلى أخرى، وإنَّما لما تميزت به شبكة العلاقات في هذا القرن من حاجة ماسَّة إلى التواصل بين المجتمعات والشعوب والثقافات، على الرغم من الحدود اللغويَّة. أضف إلى ذلك أنَّ الترجمة أصبحت وسيطاً ضرورياً، ليس لتسهيل المعاملات التجاريَّة وتقوية معدلات الاستهلاك وتطوير اقتصاد السوق وترويج الفنون والتعريف بالأعمال السينمائيَّة عن طريق الدبلجة والاقتباس فحسب، وإنَّما بالقياس إلى ما وجدته الحضارة فيها من قدرات مناسبة للتكلم عن العالم، ولكي تعبّر عن نسقها الرمزي وحاضرها الكوكبي وتشهر نفسها.

اللافت للنظر أنَّ الترجمة لا تعيد كتابة النص كما كُتب في المرَّة الأولى بلغة أخرى، وإنَّما تتخذ مسافة، وتعيد إنتاجه ضمن سياق ثقافي جديد، بما يعبّر عن روحه ومعانيه التي اكتنزتها لغته الأصليَّة. كما تحاول الترجمة أن تستخرج المضامين، التي يدَّخرها النص الأصلي في مساحته الدلاليَّة، وتعبّر عنها وفق أسلوب حركي، وتعطيها مباني ومقاصد في تربة مختلفة. لا تقتصر الترجمة على نقل البناء الدلالي والحبكة السيميائيَّة في إحالتها إلى العالم الخارجي، وإنَّما تحمل القضايا البدهيَّة والمواد الخام إلى اللغة المضيافة، وتثري آدابها وعلومها وثقافتها بأفكار متطوّرة ومغايرة ونظريات مستحدثة ومقاربات غير معهودة.

تسمح الرؤية المتاحة للغة الترجمة بأن تبلور علاقة نزاعيَّة بين اللغة الأصليَّة، التي تبدو متمنعة وعصيَّة، وتقاوم كلَّ انتزاع منهجي واستحواذ دلالي وكلَّ عنف تأويلي، وبين اللغة القابلة التي تتميز بالانفتاح والاستيعاب والمرونة، وتضع على ذمَّة المترجم كلَّ ذخيرتها في اللفظ والمعنى، وكلَّ استراتيجياتها في فنون التسمية والإعراب والتصريف والتدلال، من أجل الاشتغال على الكلام حركة وتجاوزاً بالكتابة والرسم والتدوين.

في هذا السياق، رأى بول ريكور أن الترجمة أهمّ نقاط القوَّة في تاريخ الأنساق الفلسفيَّة، وذلك لحاجة الأفكار والنظريات إلى الهجرة والترحال من لغة إلى أخرى، وتثبيتاً لمبدأ التثاقف التوليدي بين التراث والتقاليد الحيَّة. وقد شكَّلت مقالاته عن هذا المبحث تعبيراً صريحاً عمَّا اصطلح على تسميته ببرادايم الترجمة، وتدشيناً للحقبة التي يصبح فيها المترجم منتجاً للفكر وباحثاً في السؤال التالي: هل فعل الترجمة هو تجربة ممكنة؟

لقد تمَّ جمع المباحث الثلاثة التي ألفها بول ريكور حول الترجمة بين (1997) و(1999)، وهي: «تحدي وسعادة الترجمة» و«برادايم الترجمة» و«الممر: ترجمة ما لا يترجم»، في كُتيّب عنوانه: (في الترجمة) ونشره سنة (2004). لكن ما وجه المفارقة والإشكال الذي يثيره تعريف الترجمة عند ريكور؟ لماذا توجد كلمات لا تقبل الترجمة إلى لغات أخرى؟ الترجمة مستحيلة أم ممكنة؟ ما التحدّي الذي تمثله الترجمة؟ الترجمة تقنية تعليق أم تأويل نقدي؟ ما المقصود بالفصل المترجم؟ كيف يصير المترجم مؤولاً؟ لماذا يقوم الأدب المطلق خلال تذكّر الماضي بشغل الحداد؟ هل يجب أن يتحلى المترجم دائماً بحقّ الضيافة؟ ما رهاناته النظريَّة والعمليَّة من وراء ذلك؟ إلى أيّ حدٍّ يقتدر على الوفاء لرسم الألفاظ والإخلاص لحقل المعاني وتحقيق التواصل الإيتيقي بين المؤلف والقارئ وبين الذات والغير؟

حمل هذا المبحث عنوان برادايم الترجمة بين فنّ التأويل وحقّ الضيافة اللغويَّة من خلال فلسفة بول ريكور، ويعالج مشكلة صعوبة الترجمة والحاجة إلى ممارسة التأويل ضمن رؤية إيتيقيَّة منفتحة على مكاسب العلوم الإنسانيَّة والبحث الفلسفي المتواصل للحدّ من ذاتيَّة المترجم، وإيجاد طرق علميَّة ومقاييس فنيَّة، بقصد تجويد فعل الترجمة، وترتكز عليه من أجل تحقيق التفاهم وإيجاد التثاقف التوليدي.

وينقسم الموضوع إلى مقدّمة وثلاثة أجزاء؛ يهتمُّ الجزء الأول بمفارقات التعريف الذي اصطلح على وضعه للترجمة في اللغة العربيَّة واللغات الأعجميَّة وبالتحديد اللغة الفرنسيَّة، ويكشف عن محنة الغريب بين الصعوبات الكبرى والانتصارات الصغرى وبين المعاناة الدائمة والامتحان المستمر لدافعيَّة الترجمة، ويخوض الجزء الثاني في مخاطر الترجمة والإحراجات التي تقع فيها، ويتقصَّى الاستتباعات من جهة النظر ومن ناحية العمل، ويتوقف عند ترجمة ما لا يُتَرجَم. أمَّا الجزء الثالث فهو مخصَّص لمعالجة مبدأ حقّ الضيافة اللغويَّة الذي يؤمنه فعل الترجمة؛ وذلك بقدرة المترجم على الدخول والخروج من لغة إلى أخرى مع ملاقاة الترحيب والاحترام، مع الالتزام بآداب النزول والمكوث أثناء الترحال نحو الأدب المطلق، وممارسة شغل الحداد أمام غرابة النص الأصلي. في حين تتناول الخاتمة عنف التجربة اللغويَّة التأسيسيَّة، والحاجة إلى السفر بين اللغات والإبحار في محيطاتها، وحسم الجدل مع الحنين البدائي إلى اللغة الأولى.

الذي في مدار النظر وميزان العمل هو إخراج فعل الترجمة من دائرة عمل الذاكرة، وما يتطلبه ذلك من استعادة واسترجاع وإنقاذ ما تمَّت خسارته، والتركيز على عمليَّة التلقي والقراءة والتأويل ضمن أفق جديد.

1. مفارقات الترجمة:

«لهذه المحنة شكل المفارقة. أن نترجم هو أن نخدم سيّدين: الغريب داخل عمله، والقارئ ورغبته في التملك»[4]. إذا كان بول ريكور قد اعتمد على قاموس روبير في تحديد مفهوم الترجمة، فإنَّه قد وقع في وضعيَّة عجيبة ولافتة للنظر، وخاصَّة إذا كان لزاماً عليه أن يراعي في التعبير في اللغة الثانية ما قصدته اللغة الأولى، وأن يرنو إلى تكافؤ في المعنى وتعادل في القيمة بين العبارتين. تظهر الصعوبة حينما يكون المترجم أمام جماعة تتكلم عدداً كبيراً ومتنوعاً من اللغات، ويطلب منه ترجمة الرسائل بين أفرادها لكي تتفاهم وتتواصل.

تظهر المفارقة في وجود تناقض بين كونيَّة الكلام، من حيث إنَّ جميع الناس يتكلمون من جهة، وخصوصيَّة الأساليب، التي يتمُّ بها هذا الكلام؛ لأنَّ الجميع يتكلمون لغات مختلفة وبطرق مختلفة من جهة ثانيَّة.

يفتح التفكير في الطابع المعضلي للّغة على لعب نظري يدور حول شروط إمكانيات التأسيس، ويعترف في مقام أوَّل باستحالة إنجاز فعل الترجمة لما يتَّصف به التنوُّع بين اللّغات من لا تجانس جذري، ولكنَّه يفترض في مقام ثانٍ وجود عمق مشترك بين كلّ اللغات يسمح بالمرور من واحدة إلى أخرى. غير أنَّ الإشكاليَّة التي تطرح في هذا السياق هي افتراض، في مرحلة أولى، وجود لغة أصليَّة أكاديميَّة تتفرع عنها كلُّ اللغات، ومن ثَمَّ تتيح عمليَّة الترجمة ونعثر فيها على آثارها ويمكن إعادة بنائها، وفي مرحلة ثانية نصطدم بالتحليل البنيوي لنحو اللغات المتداولة، ونعثر على لغة كونيَّة تمثل شرطاً قبليَّاً لاشتغالها.

بعد ذلك يكتشف ريكور مفارقة تجربة الترجمة داخل كلّ لغة، وذلك بالاعتماد على تعريف جورج ستنير، الذي يرى أنَّ كلَّ فعل ترجمة هو فعل تأويل، ومن ثَمَّ الناس الذين يتكلمون اللغة نفسها يتجاوزون خلافاتهم، ويصلون في الغالب إلى اتفاق وتفاهم؛ لأنَّهم فهموا بعضهم بعضاً، وترجموا كلامهم المشترك عن طرق التأويل. من المعلوم أنَّ التدرُّب على الكلام عند الإنسان في مرحلة الطفولة يسمح بالتدرُّب على الفهم والتأويل، ومن ثَمَّ يرتبط بالتدرُّب على الترجمة؛ وذلك بنقل المعنى المفهوم من المدرك إلى المعبَّر عنه.

هكذا تضعنا الترجمة أمام فرق جوهري يبلور كارثة ألسنيَّة لا يمكن تفاديها، حكم علينا أن نعيش داخل لغة الولادة نصنع بها لحاف بيتنا، ونشكل من خلالها مقام وجودنا، وأداة تواصلنا مع غيرنا، وأن نعوّل عليها إذا ما أردنا أن ننفتح على اللغات الأخرى نقلاً للمعلومات والمعارف والتجارب. لكن ألا يقع المرء دائماً في تراجيديا ترجمة ما لا يُتَرجَم؟ كيف يتغلب المترجم على التناقض القائم بين رغبة الوفاء وشكوك الخيانة؟

والحق أنَّ «ممارسة الترجمة تبقى عمليَّة ذات مخاطر في البحث عن نظريتها دائماً»[5]، لهذا السبب يطرح مشكل الترجمة ضمن المراوحة بين ما يقبل الترجمة، وما يتعذَّر نقله من لغة إلى أخرى؛ بسبب التنافر الجذري بين اللغات، ووجود عبارات وألفاظ وصيغ ومناطق صمت وفوارق دقيقة يستحيل ترجمتها. هذه الخاصيَّة المستعصية على الترجمة توجد أيضاً في أجسامنا، وخاصَّة في الالتجاء إلى الحركات والصرخات والإيماءة والإشارة إذا ما عجزت العبارات والألفاظ المنطوقة في التعبير عن الفكرة. لقد ترتّب على ذلك تزايد مشقة المترجمين، وتحوُّل عمل الترجمة إلى دراما حقيقيَّة تتصف باندلاع معركة لغويَّة على المستوى الدلالي مع الحواجز والحدود التي تمنع التبادل والتحويل وتسدُّ الممرات بين الثقافات.

إنَّ المأزق الذي يجد فيه المترجم نفسه، بحسب بول ريكور، هو تحوُّله إلى شخص شيزوفريني يندرج، في الوقت ذاته، ضمن ثقافتين متباعدتين، وينتمي إلى مزدوجي اللغة، ويشترط أن يكون وفيَّاً للنَّص الأصلي، وأن يحترم قواعد التعبير، حتى يتمكَّن من إتمام شغل النقل والعبور والتأويل من لسان إلى آخر. ألا يجب على المترجم أن يتخذ مسافة نقديَّة من المادَّة التي يقوم بترجمتها، ويجعل من الانفصال أداة للوصل؟

«إنَّ هذه الحيرة للترجمة من لغة إلى أخرى تجد أصلاً لها من خلال تفكّر اللغة حول ذاتها»[6].

الأطروحة الأخرى ترى، على خلاف الأطروحة السابقة، أنَّ الترجمة موجودة على الرغم من التحفظات والعراقيل، وأنَّ المترجمين قد انتقلوا منذ زمان من مستوى التنظير والتأطير إلى مستوى العمل والإنجاز.

كما يمكن أن يكون العمل المترجم غر مفهوم من الناحية النظريَّة، ولكن يمكن أن نتعلم منه من الناحية التطبيقيَّة، ويمكن أن نفهمه بالمعنى العام، والاقتصار على التكلم باللغة ذاتها دون معرفتنا اللغة الوافدة.

في هذا السياق، يدافع بول ريكور عن ممارسة الترجمة من خلال الاعتقاد بوجود آثار لغة أصليَّة في جميع اللغات الفرعيَّة، ويدعو إلى إعادة صناعة الشفرات القبليَّة، التي تسمح بتلاقي اللغات، والتجوُّل داخل مناخها الدلالي، على الرغم من الفروق في الألفاظ والتسميات والنظام التركيبي والنحوي لكلّ لغة خاصَّة.

غير أنَّ ريكور يعترف بالجهل المعمَّم، الذي وقع فيه الكثير من المؤرخين، ويكشف عن عدم عثورهم على فنولوجيا كونيَّة تمثل بنية قبليَّة تتعالى على الفوارق النحويَّة، ولذلك يعيد قراءة تاريخ بابل محاولاً فهم الاختلاف بين اللغات باعتباره كارثة ألسنيَّة تسبَّبت فيها غيرة الآلهة ومعاقبتها للبشر غير المعصومين. خارج إطار الاتهام الإلهي، والعقاب بالطرد من الجنَّة، وقتل هابيل، وتسليط أشكال من العذاب عليه، يحاول ريكور تعرية تاريخ بابل، ونفض الغبار عن طبقات التراث التي حجبت حقيقة المبدأ التطبيقي الغريب، ويقرُّ بأنَّ التنوُّع الألسني وما يفضي إليه من عدم الفهم يرجع بالنظر إلى الفصل والضياع والنثر والتشتت الجغرافي. فنحن ننفصل لأنَّنا لم نعد نفهم بعضنا بعضاً، ومن ثَمَّ يؤدي عدم الاتفاق إلى الانفصال. لقد ترتَّب على ذلك أنَّ وضعيَّة الانفصال لا تدلُّ على وجود وحدة وتقارب وفهم أصلي وسابق ولغة مشتركة ضائعة؛ بل تدلُّ على استحالة العودة القهقرى والمهمَّة التي يجب القيام بها في المستقبل بعد الإقرار بواقع التعدُّد والتنوُّع والاختلاف. يجب على المرء أن يترجم بالانطلاق من الانفصال بوصفه هذه الحقيقة الحيَّة التي لا يستطيع إنكارها أو تداركها. إنَّ وضعيَّة الانفصال تمثل إحالة إلى الشغل العسير للترجمة، حينما تتوقف اللغة عن مواجهة لغة أخرى كانت منفصلة عنها دائماً وبطريقة أصليَّة.

هكذا يتعوَّد الناس على التخاصم؛ لأنَّهم يتكلمون لغات مختلفة، ومن ثَمَّ لا يفهمون بعضهم بعضاً، ولا يتفقون على حلّ نزاعاتهم، ومن ثَمَّ لا يوجد فهم أصلي واتفاق بدئي، ويجب استدعاء فعل الترجمة لكي يتدارك هذا النقص والتغلب على ما لا يقبل الترجمة، وبذل الجهد من أجل بلوغ مرحلة الفهم والتواصل.

ينبغي خوض الحرب مع النص الذي ينفصل عنَّا، وتوجد مسافة زمنيّة وجغرافيَّة وثقافيَّة تفصلنا عنه، والعمل على ردم هذه المسافة، ووصل ما كان منفصلاً دون إذابة ومحو هذا الانفصال والفوارق معه. فإلى أيّ مدى يقتدر المترجم على بلوغ الترجمة التامَّة ضمن إطار المكتبة الشاملة التي تعبّر عن اللغة الكونيَّة؟

2. القول المطلق وشغل الحداد:

«إذا أخذت الترجمة من حيث هي واقعة فإنَّها ستفسّر بذخيرة مشتركة تجعل الترجمة ممكنة»[7].

منذ أن تمَّ هجر بابل يعيش البشر في حالة خلط ونزاع ولا مخرج لهم إلا فعل الترجمة، ومن ثَمَّ تصبح الترجمة ليس واجباً أخلاقياً من أجل استعادة ما فُقِدَ عند الهجر فحسب؛ بل مهمَّة أساسيَّة في مواجهة ما لا يعود، وتعامل جدّي مع الاختلاف الألسني، بوصفه ظاهرة إثراء وخصوبة، وليس مصدر ضعف وعقم.

لقد كشف بول ريكور عن الرغبة في الترجمة بوصفها مهمَّة أكثر منها إلزاماً ونفعيَّة، وجعل منها تدريباً على توسيع الأفق الخاص باللغة الأصليَّة، وذلك بأن تفتح نوافذها على الحمولة الدلاليَّة للُّغات الأخرى. كما أشار إلى علاقة القربى بين مهمَّة الترجمة وشغل الحداد الموروث عند سيغموند فرويد؛ لأنَّها تهتم بالماضي والموتى، وتتسلح بالمقاومة، وتعمل على توسيع لغة الهوَّة الشخصيَّة دون الانتصار على الاختلاف الذاتي.

تساعد مهمَّة الترجمة اللغة الأصليَّة على التحرُّر من الرقابة الذاتيَّة، التي يمارسها عليها نظام الخطاب وسلطة الإعراب والتقعيد والتعبير، وتحدث فجوة بين الكلمات والأشياء وبين الدوال والمدلولات تمرّر من خلالها نسائم الحريَّة في التلفظ والتفكير والنحت بالكلام وتمارس شهوة التسمية والتدلال.

يتمثل شغل الحداد في تخطي الفرق بين اللغة الأصليَّة، التي كتب بها النص، ولغة الاستقبال التي ينقل إليها، والتقليل من كراهية الغرب وعدم إدراكه بوصفه خطراً، والنجاح في ذلك يكون بعدم ترك المسافة الفاصلة معه وعدم النظر إليه باعتباره عدواً افتراضياً، والاشتغال على التحرُّر من موضوع الرغبة وسلطة المحبَّة. اقتصاد الحداد يفيد في الإقرار بالعزوف عن طلب الترجمة الكاملة وإلغاء فكرة النص النموذج، والتحكُّم في الزمن والطاقة وإمساك النفس عن الكراهية المفرطة للعدو والمحبَّة المفرطة للصديق أو لمن تجمعهما قرابة.

يتخيَّل ريكور هذه المقاومة في شكل كتاب كبير أو مكتبة ضخمة يسمّيه الأدب المطلق، ويتميز باختفاء المفردات التي لا يمكن ترجمتها، وهو أشبه بمكتبة بابل التي تضم كلَّ التركيبات الرمزيَّة الممكنة، وتكون قادرة على التعبير عن كلّ الأصوات والحركات وتسمية كلّ الأشياء والتكلم بلسان كلّ الكائنات العاقلة.

لقد حدث انتقال تنظيري من الاعتراف بوجود دراما ما لا يقبل الترجمة إلى الحلم بسرديَّة كبرى يرويها كتاب يتضمن جميع الكتب، وتبيح مهمَّة الترجمة من كلّ اللغات، وتأمر بأن يمارس كلّ مبدع الترجمة ولو مرَّة واحدة في حياته من أجل تحقيق اللقاء بالآخر، وإثراء لغته الأصليَّة، والسفر في عالم الغرابة والدهشة.

هكذا يطرد الحداد الحزن، ويصنع الفرح، ويقاوم الكراهية للأجنبي، ويزرع المحبَّة للغير والاحتفال بالمختلف، وتحصل اللغة على كلّ الإمكانيات المتاحة في سبيل أن تتمَّ ترجمتها إلى غيرها، والتعبير عنها بطرق شتى، ويعتقد في وجود الإنسان الكتابي والمترجم الأمين الذي يمتلك العلم الموسوعي، ويفهم كلَّ طبقات الكلام.

غير أنَّ المشكل الذي يثيره ريكور في هذا الإطار يتعلق بإعادة الترجمة عندما ترتكب المحاولة الأولى عدَّة أخطاء، وتتعثر في عمليَّة النقل للرسالة اللسانيَّة من حقل سيميائي إلى آخر، وتسقط من حسابها تجربة التأويل، ومن ثَمَّ استنتج أنَّ كلَّ عمل للترجمة يقتضي إعادة الترجمة، وقد نعثر على فوارق واختلافات بينهما، وذلك نتيجة الاختلاف الألسني من حيث المصدر وتنوُّع الأساليب التعبيريَّة وتعدُّد الصيغ التركيبيَّة.

تبعاً لذلك تكون النتيجة عدم خيانة المترجم للنص الأصلي، بالنظر الى أنَّ عمل الترجمة هو تأويل لهذا النص، وبما أنَّ كلَّ تأويل يفترض تأويلاً آخر له، ومن ثَمَّ يتحوَّل مقصد الترجمة إلى ممّر عبور وكيان للنقل، ويتصف عمل المترجم بالطابع التقريبي والاحتمالي، ويقوم بإلغاء كلّ المطلقات والبديهيات الألسنيَّة، ويحرص على بناء تكافؤ دون تطابق بين حالة النص الأصلي في لغة المصدر، وحالة النص المترجم في لغة الاستقبال، ويشترك بلوغ الحد الأوسط في العناصر المكوّنة للمسافة الفاصلة بين الانطلاق والوصول.

بناء على ذلك، يسعى المترجم إلى الوقوف عند المعادل بين عمل الذاكرة وعمل الحداد، وذلك بالكفّ عن تقديس اللغة الأم، والرغبة في التملك والاستحواذ على الغرابة، وتبيان هشاشة الانتماء إلى الهويَّة التطابقيَّة.

ألا تستحق فكرة حقّ الضيافة اللغويَّة، حينئذٍ، العناية الضروريَّة والانتباه اللازم من قبل المترجم الحاذق؟

3. المترجم وحقّ الضيافة:

«يعوض حقّ الضيافة اللغويَّة، إذاً، بما هي لذة التوطين في لغة الآخر، باستقبال كلمة الأجنبي في بيته وفي منزله الخاص»[8].

يردُّ بول ريكور ببراعة على مقاومة عمل الترجمة نتيجة الاستسلام إلى عمل الذاكرة ومعاناة الغريب ضمن مخاطر الهيمنة اللغويَّة للمركزيَّة الثقافيَّة، وذلك بحدسه المبدئي بقابليَّة الترجمة وإمكانيَّة الالتقاء بالآخريَّة.

ثمَّة قرابة حقيقيَّة بين فعل الاستقبال وعمل الترجمة، ولكنَّ الاستقبال ليس المكوّن الأساسي للتمرين على حقّ الضيافة؛ بل حاضر بشكل رسمي في عمليَّة الترجمة، ويتمثل في استقبال النص الأصلي في لغة أخرى أجنبيَّة وثقافة مغايرة تبدو غريبة عن لغته الأصليَّة، ومختلفة عن الثقافة الحاضنة التي كتب فيها لأوَّل مرَّة.

ينبغي ضمان إمكانيَّة الاستقبال بتوفير فضاء مريح للزائر، وتمكينه من رابط أساسي بالهويَّة التي يمثلها والأرض التي كان يقف عليها والجماعة التاريخيَّة والسياسيَّة التي نشط ضمنها والوطن الذي انتسب إليه.

تتنزَّل الترجمة، بوصفها حسن ضيافة لغويَّة[9]، ضمن دائرة حسن الضيافة الأدبيَّة، وتشير إلى تضمُّن النص الأصلي لقابليَّة الترجمة إلى لغات أخرى، وذلك بالانطلاق من عناصر مترحلة من لغة إلى أخرى وممرات للنفاذ بين الثقافات، وتضمن الهويَّات عدَّة معابر وشرفات يمرُّ من خلالها التحاور والتبادل والتخاطب.

تحتل المؤلفات الأدبيَّة والروايات والقصص مكانة مميزة في كلّ لغات العالم، وذلك لما تختزنه من صور مضيافيَّة وحقول استقبال وأمكنة ترحيب، يتمُّ فيها استدعاء المغاير والمختلف والمهاجر والأجنبي والغريب، ولما تتضمنه من مخزون كبير من الآداب والشيم والمواعظ الأخلاقيَّة وأشكال من الكياسة والاحترام.

يفرّق ريكور بين ثلاث طرائق في التعامل مع الأجنبي: تتمثل الأولى في امتلاك الزائر (visiteur) أو السائح (touriste) حقَّ الزيارة، وتتمُّ معاملته بوصفه ضيفاً بشكل كوني، والثانية: التعامل مع الأجنبي باعتباره مهاجراً (immigrant) وطالب شغل، ويتمُّ تصنيفه بين المهاجر بشكل شرعي والمهاجر بطريقة سريَّة وغير شرعيَّة، والثالثة: النظر إلى الأجنبي بوصفه اللاجئ (réfugié) السياسي والمنبوذ الاجتماعي والمعارض السياسي والمضطهد الديني وضحيَّة التمييز، الذي يطلب حقَّ الحماية والحياة والضمير[10].

بناء على ذلك، يكون المضياف سيَّدَ نفسه ومدبّر أمره، ويجود بما يملك من خيرات وفضائل على زائريه وضيوفه، ويتحلى بالطيبة والشكر ورحابة الصدر والتفهُّم، ويعامل الغير بطريقة حسنة، ويجد فيه سعادته، ويسعى إلى تجنُّب العنف ويرفق بالأجانب والغرباء، ويعمل على إدماجهم إيتيقياً في مدار الهويَّة الإنسانيَّة.

يتمثل حقُّ الضيافة اللغويَّة في تمكُّن المترجم من تمتين اللحمة بين المؤلف والمتلقي ضمن المشاركة في نحت جماليَّة أفق الانتظار ومدّ جسور تلاقي القارئ بالكاتب من جهة الاحتذاء وربط الكاتب بالقارئ من جهة التخيل. بهذا المعنى يقلل المترجم من ادعاء الكاتب الاقتدار على الاكتفاء والاستقلاليَّة والإحالة إلى المرجع الذاتي، ويكشف عن وهم الترجمة الكاملة، ويقرُّ بواقع إنتاج ترجمة رديئة تقبل التصويب والتجويد.

إذا كانت ترجمة الشعر والأدب من الأمور العسيرة، وإذا كانت ترجمة العلوم والفلسفة من الأمور المرهقة، فإنَّ التنافر المركَّب واستحالة التوافق دون تطابق هما اللذان يكشفان عن مقاومتهما النقل والترجمة.

هذا الاعتراف بانعدام ترجمة مثاليَّة يدعم دافعيَّة المترجم نحو شرعيَّة إعادة الترجمة للنصوص الأصليَّة، ويجعل الترجمات الموجودة غير وافية بمقصود الكاتب الأصلي، ويُجيز تعدُّد الاتجاهات وتنوُّع القراءات.

غاية المراد أنَّ مهمَّة المترجم الأساسيَّة تكمن في تقريب المؤلف من المتلقي وتقريب المتلقي من المؤلف قدر الإمكان، وإتاحة الفرصة لكي يتعايش الطرفان في لغة مشتركة، ولكي يتحاورا في عالم بيثقافي جديد.

على هذا الأساس، يجب استبدال مفاهيم الإخلاص أو الوفاء والخيانة، أو الارتياب والتعويض والاسترجاع بمفاهيم الأمل والاستقبال والتواصل والتقارب والملاءمة، وتجديد العهد مع إنتاج المعنى والفيض الدلالي.

بهذا الأسلوب يصعد ريكور بشغل المترجم من المستوى النفسي الذاتي (المقاومة) إلى المستوى المعرفي العلمي (المهارة)، ويرتقي باستراتيجيَّة الترجمة من البُعد الأنطولوجي (الأصل) إلى البعد الإيتيقي (التقبل)، ويتخلَّى عن حلم تشييد مكتبة كونيَّة تعبّر عن اللغة الواحدة التي ترمز إلى العقلانيَّة الخالصة، ويفكّك تمركز اللغة الأم على ذاتها، ويدعو إلى الوعي بذاتها والتفكير في العالم بوصفها مثل بقيَّة اللغات الأخرى، ويعطيها إمكانيَّة الانطلاق نحو إعادة بناء النصوص ضمن أفق حواريَّة تأويليَّة تسمح بالتواصل البيلغوي، وتحفظ ذاكرة الغريب والأجنبي والغير، وتمنعه من البحث عن اللجوء، وتجعله يتراجع عن النزوح والتيه والتشرد، وتدفعه إلى الاستقرار والقبول بالاختلاف وتحمُّل الغربة وحسن التعايش مع المباين وتقبُّل المعاند.

«إنَّ هذا الحداد المتعلق بالترجمة المطلقة هو الذي يحدث سعادة فعل الترجمة، وسعادة الترجمة هي ربح، خاصَّة إذا ارتبط بخسارة المطلق اللغوي، فيقبل الانزياح بين التطابق والمعادلة والمعادلة دون تطابق»[11].

اللافت للنظر أنَّ ريكور يتجنَّب إجراءات التقليص والاختزال والتعميم، ويبتعد عن استعمال لغة التطابق والمطلق والمثاليَّة والكليَّة، ويقف على أرضيَّة خصوصيَّة، ويثمّن الضيافة اللغويَّة وتمرين إعادة الترجمة.

«يمكن أن نلاحظ من خلال إعادة الترجمة بطريقة جيدة دافعيَّة الترجمة التي يدعمها عدم الرضا تجاه الترجمات الموجودة»[12]. فأنَّى للترجمة الفلسفيَّة، التي تستند على حق الضيافة اللغويَّة، التي ينادي بها بول ريكور، أن تنزع عن النص الأصلي ملامح الغرابة التي تسمه، وتفتح له أبواب الاستقبال والترحيب على مصراعيها في اللغة الناقلة؟ وما الفوارق المعلنة والمضمرة بين علم الترجمة وفلسفة الترجمة؟

خاتمة:

«تكمن مهمَّة المترجم في ألَّا يمحو من النص لونه الغريب»[13].

صفوة القول أنَّ الترجمة الكاملة تبدو من الناحية النظريَّة صعبة ومستحيلة، ولكنَّها من الناحية العمليةَّ سهلة ومتاحة للجميع، كما أنَّها تعبّر عن المعنى، وتمنح حسن الضيافة، من جهة كونه أحد أنماط الاستحقاق التي تفيض بالاختلاف الألسني، وتبقي على غيريَّة النصوص، وتشيّد ظروف استقبال لائقة في لغات الوصول.

كما تسمح الترجمة بإدخال البُعد الإيتيقي إلى التبادل الدلالي بين اللغات، وضخ جملة الرموز الكونيَّة داخل الثقافات الخصوصيَّة، وتنعش الآمال في التراسل والتعارف بدل الانغلاق على الذات والتعصُّب، وتطرح مشاكل التأسيس والانتماء والهويَّة والامتلاك والاحتفاظ والتذكّر والتسمية والسكن في الوجود.

على هذا النحو تكون الترجمة شكلاً من أشكال الضيافة، وتنجح إلى حدٍّ معيَّن في تحقيق التعادل دون تطابق بين لغة الانطلاق ولغة الوصول، وفي تذكير الذات بأنَّها نفسها كانت غريبة في العيون القارئة للآخرين. إنَّ هجران بابل وضياع اللغة الأولى كشف عن عنف التجربة التأسيسيَّة، والحاجة إلى التنوُّع اللغوي، والغربة عن الهويَّة من أجل ممارسة الإبداع وابتكار اللغة، وإعادة تملك الذات، والسكن على الأرض بشكل مختلف.

غير أنَّ الملكيَّة الخاصيَّة وحيازة مكان من الأرض، أو احتلال موقع بالقوَّة، ومنع الآخرين من دخوله، هي الأفعال الأولى التي ساهمت في تشُّكل النزعة الفردانيَّة في المجتمع، وحلول الكذب مكان حسن الضيافة. ومن ثَمَّ لا مخرج من الوجود المملوك والمرتهن للفرد الجشع، ولا يمكن إزالة الحدود والحواجز إلا بعمل الترجمة، والقيام بترجمة أنفسنا إلى الآخرين وترجمة الآخرين إلينا، وبلورة تجربة الميلاد والفعل الآن وهنا.

إذا كان موضوع علم الترجمة يتكوَّن من عمليَّة التوصيف، وذلك من خلال الدراسة بالملاحظة والتحليل للقواعد والشروط والضوابط المرافقة لعمليَّة الانتقال بالنص من لغة الأصل إلى لغة الترجمة، فإنَّ فلسفة الترجمة تركّز على المقارنة على مستوى الدلالة والمعنى من جهة الزيادة والنقصان، وتزرع التعدُّد والاختلاف في رحم التأويل والفهم، وتحرص على مقاومة محنة الغريب بمنحه أعلى درجات الضيافة.

غنيٌّ عن البيان أنَّ التنظير في هذا المجال يقترن بالتطبيق، وأنَّ فعل «الترجمة ليس مجرَّد أداة تقنيَّة للتعرُّف إلى ثقافة المغاير؛ بل هي بالتحديد صناعة أو برادايم واستراتيجيَّة تتبعها الهويَّة للاطلاع على الغيريَّة تجسيداً لمبدأ حسن الضيافة اللغويَّة الذي ينبغي أن يقوم بين اللغات والثقافات والشعوب»[14].

إذا كان تنوُّع اللغات بين البشر حدثاً ثقافياً قضى بضربة واحدة على حلم الاكتفاء بلغة واحدة من جهة استعادتها وترميمها، وإذا كانت ظاهرة اختلاف الألسن ظاهرة ملغزة أدَّت إلى تكلم البشر بلغات مختلفة، وميلاد الترجمة من لغة إلى أخرى بقصد تذليل علاقة المحلي بالأجنبي، فإنَّ الاعتبار من هذه التعدُّديَّة والتنوُّع هو التعامل مع الترجمة كتأويل، والنظر إلى الفهم كترجمة من أجل تحقيق التكيُّف والدمج والتبادل.

الجدير بالملاحظة أنَّ حسن ضيافة الترجمة يصطدم بهشاشة الهويَّة وعدم ثباتها، ومجهوليَّة الانتماء بالنسبة إلى المرء، ولذلك لا يلبّي جواب الضيافة عطش سؤال: تُرَى من يكون الغريب والمختلف والأجنبي؟ أو بالأحرى تكشف الترجمة عن غربتها الدائمة وضياعها بين الفوارق اللغويَّة والتضاريس الوعرة للأرض، وغياب تام للرقابة على الجذور الحميميَّة لوجودنا الخاص والاحتكاك بالغيريَّة الجذريَّة والغرابة الحائرة. في نهاية المطاف يؤدي استكمال مسار الترجمة للاهتداء إلى أنَّ الضيف المختلف الذي تروم الذات استقباله والترحيب به في لغتها الأصليَّة ليس سوى الكائن القريب الذي يشبهنا دون أن يكون مطابقاً لنا[15].

لقد تحدَّث ريكور عن ترجمة ما لا يمكن ترجمته بلغة الشذرات والمقاطع والأجزاء المتناثرة، معبّراً عن استحالة الترجمة التامَّة والمطلقة، وتعذُّر الوفاء للنص الأصلي، وتحقيق مطالب التطابق والإخلاص والدقَّة، ولكنَّه، في المقابل، بحث بصورة مطوَّلة عن إيجاد نسق للمترجم، وحاول الظفر بمنطق للترجمة المحضة.

إذا كان «كلُّ تفكير حول الترجمة يصطدم على نحو مباشر بتساؤل مزدوج: ما طبيعة هذه الممارسة؟ وأين يمكن تنزيلها ضمن مجموع الفعاليَّات التي تشكل الثقافة»[16]؟ فهل يبحث المرء بوساطة الترجمة عن صيرورته غيراً بأن يقول بلغته الأم ما يريد قوله بلغات أخرى؟ أليس فعل الترجمة هو الخروج من اللغة الأم بقصد السكن في لغة أخرى، واستذكار زمن التيه والترحال في تخوم الوجود بالتزوُّد بمؤونة العدم؟

 

المصادر والمراجع:

- Ricœur, Paul:

- Sur la traduction, édition Bayard, Paris, 2004

- la condition d’étranger, Esprit, mars-avril, 2006, pp.264-275

- «Etranger soi-même», revue Réseaux des parvis, 1999, n°46, point 3.98, pp. 1-7

- L’Herne Ricœur, édition de l’Herne, Paris, 2004

- Francisco Diez Fischer, l’hospitalité langagière, Paul Ricœur et la question de la traduction, pp. 87-98, in Esprit, n°402, Février 2014.

ـ ريكور، بول، عن الترجمة، تعريب حسين خمري، منشورات الاختلاف، الجزائر، الدار العربيَّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2008.

ـ الخويلدي، زهير، لزوميَّة العود على بدء أو استراتيجيات فلسفيَّة، الفصل 5: الترجمة والغيريَّة، أو في حسن الضيافة اللغويَّة، تونس، ط1، 2007

[1] - مجلة يتفكرون العدد11

[2]  ـ ريكور، بول، عن الترجمة، تعريب حسين خمري، منشورات الاختلاف، الجزائر، الدار العربيَّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2008، ص18

[3] . Francisco Diez Fischer, l’hospitalité langagière, Paul Ricœur et la question de la traduction, pp87 - 98, in Esprit, n°402, Février 2014

[4] . Ricœur, Paul, Sur la traduction, op. cit, p. 9

[5] . Ricœur, Paul, Sur la traduction, op. cit, p. 56

[6] . Ricœur, Paul, Sur la traduction, op. cit, pp. 49- 50

[7] . Ricœur, Paul, Sur la traduction, op. cit, p. 25

[8] . Ricœur, Paul, Sur la traduction, op.cit, p. 20

[9] . Hospitalité langagière.

[10] . Ricœur, Paul, la condition d’étranger, Esprit, mars-avril, 2006, pp.264 - 275

[11] ـ ريكور، بول، عن الترجمة، مصدر سابق، ص23

[12] . Ricœur, Paul, Sur la traduction, édition Bayard, Paris, 2004, p. 15

[13] . Francisco Diez Fischer, l’hospitalité langagière, Paul Ricœur et la question de la traduction, op. cit, p. 97

[14] ـ الخويلدي، زهير، لزوميَّة العود على بدء، أو استراتيجيات فلسفيَّة، الفصل 5: الترجمة والغيريَّة، أو في حسن الضيافة اللغوية، تونس، ط1، 2007، ص87

[15] . Ricœur, Paul, «Etranger soi-même», les réseaux des parvis, 1999, n°46, point 3

[16] . Marc de Launay, Réflexions sur la traduction, in L’Herne Ricoeur, édition de l’Herne, Paris, 2004, p. 85