تدافع الدين والعلم في فلسفة برتراند راسل أو من التفلسف بدافع ديني إلى التفلسف بدافع علمي


فئة :  أبحاث محكمة

تدافع الدين والعلم في فلسفة برتراند راسل أو من التفلسف بدافع ديني إلى التفلسف بدافع علمي

تدافع الدين والعلم في فلسفة برتراند راسل

أو من التفلسف بدافع ديني إلى التفلسف بدافع علمي

ملخص:

لم تزل جدلية الدين والعلم تثير أسئلتها في الفكر الفلسفي المعاصر، خاصة مع ما يعرفه عصرنا من تطورات تقنية متتالية في المجال العلمي وما توحي به من آمال في تطوير الوجود الإنساني من جهة، وما تحييه من مخاوف بصدد مستقبل الإنسان في ظل هذه التطورات من جهة ثانية، وما تجده في كثير من الأحيان من مواجهة من قبل رجال الدين واللاهوتيين من جهة ثالثة. وبالرغم من أن التدافع بين الدين والعلم قديم قدم العلاقة بينهما، فإنه يتلون في كل مرحلة تاريخية بعناصر جديدة، اجتماعية وسياسية وأخلاقية وغيرها، ومن ثم كان علاقة متطورة في الزمان.

يرمي هذا البحث إلى النظر في وجوه هذه العلاقة مثلما ارتسمت في فلسفة الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، في تطورها وانعطافاتها المتعاقبة، منذ اللحظة التي اختار فيها الرجل ممارسة التفكير الفلسفي بدافع وجداني ديني خالص، إلى الوقت الذي ارتد فيه عن دين المسيحية مقررا القطع مع كل دافع ديني إلى التفلسف وانخرط في مذهب الذرية المنطقية مناديا بضرورة أن تغدو الفلسفة "علمية". وإذ أهدف بهذا البحث، عموما، المساهمة النقاشات المتجددة حول العلاقة الثلاثية بين كل من الفلسفة والدين والعلم، فإني أبتغي به، بشكل خاص، تصحيح تصور عامي منتشر حتى بين الكثير من المشتغلين بالفلسفة بخصوص موقف راسل من الدين عامة، ومن علاقته بالعلم والفلسفة خاصة؛ فليس راسل ملحدا مثلما ينسب إليه في العادة، ولم يكن كذلك يوما، وليس يقول بالصراع المطلق بين العلم والدين، بل هو صاحب موقف لا أدري في العقيدة، وقائل بإمكانية التعايش بين الدين والعلم، وإن كان بمفهوم خاص للدين، هو "الدين الكوني" أو "دين الإنسان الحر"، لا "دين العقيدة" أو "الدين الكنسي".

مقدمة

منذ العقد الأول من القرن العشرين، وعقب امتداد الأفكار المنطقية للفيلسوف الألماني غوتلوب فريجه Gottlob Frege (1848- 1925م) إلى الحقل الفلسفي الأنجلوساكسوني، نصّبت الفلسفة التحليلية Analytic philosophy نفسها هنالك الفلسفةَ الوحيدة الممكنة، وبالوظيفة الوحيدة الممكنة (وظيفة التوضيح)، وبالمنهج الوحيد الضروري (منهج التحليل المنطقي)، بينما ألقت بكل الأنساق الفلسفية التقليدية بجل خطاباتها ونظرياتها ومختلف مفاهيمها (الميتافيزيقية والأخلاقية والجمالية واللاهوتية خاصة) في خانة اللامعنى؛ فلم تلفِ في ما انتهت إليه قضايا حقيقية، بل محض أشباه قضايا، ولم تجد في ما اشتغلت به من أسئلة مشكلات حقيقية، بل مجرد أسئلة زائفة تنحل إلى مشكلات لغوية ناتجة عن افتتان باللغة أفضى إليه سوء فهم منطقها، وقد آن للتحليل المنطقي –آنئذ- مباشرة معركته ضد ذلك الافتتان. مثَّل هذه الفلسفة بادئ الأمر كل من الفيلسوف البريطاني برتراند راسل Bertrand Russell (1872 - 1970م) وتلميذه النمساوي لودفيج فتجنشتين Ludwig Wittgenstein (1889 - 1950م)، وقد اخترتُ في هذه البحث الوقوف عند صورتها لدى الأول، وغرضي الخاص هو بيان العلاقة التي ارتسمت فيها بين الفلسفة والدين عنده، على أن يكون موجِّهي في تناولها هو السؤال المركّب الآتي: ما وجوه العلاقة بين الفلسفة والدين في فلسفة راسل؟ وكيف تطورت بتطور تلك الفلسفة؟

وإنه مما يشد الناظر في جدلية الفلسفي والديني عند هذا الفيلسوف ثلاثة أمور، أرى أن نقارب سؤالنا بحدودها: أولها أن هذه الجدلية لا ترتسم في صورة واحدة ثابتة، بل تطورت بتطور فكره، وتتالي انعطافاته، فيما خص الوجود والمعرفة والقيم على حد سواء؛ فقد بدأت رحلته فيها متدينا، ولكنه آل آخر الأمر إلى اللاأدرية، والثاني أن تلك الجدلية لا تكتمل إلا بحضور منتسب ثالث إليها وهو العلم؛ فالفلسفة شيء يتوسط العلم والدين مهما اختلفت سياقات التفاعل بين هذه العناصر الثلاثة، والثالث أن فهم العلاقة بين الفلسفة والدين في فكر راسل لا يتم إلا باستحضار معنيَي "الفلسفة الجديدة" من جهة (الفلسفة العلمية)، والدين الجديد من جهة ثانية (دين الإنسان الحر)، مثلما رسم ملامحهما وحدّد أسسهما.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا