ويلارد كواين: في ما هنالك


فئة :  ترجمات

ويلارد كواين: في ما هنالك

ويلارد كواين: في ما هنالك[1]

ويلارد كواين

ترجمة وتقديم وتعليق: محمد الشقيف

مقدمة المترجم:

لا يُفهم نسق دلالي ولا نسق منطقي إلا بفهم النظرية الأنطولوجية لصاحبهما، فهما يُنشآن عليها، وينطلقان مما آلت إليه آخذين نتائجها مبادئ لهما. والحق أن التصريح بهذه الدعوى يكاد يكون من نافلة القول، مثلما أن استدعاء شواهدها من تاريخ الفلسفة أمر لا يعسر على أحد. فلقد حكم الارتباط بين تلك العتبات الثلاث بنى الأنساق الفلسفية منذ نشأة هذا النمط من التفكير، فحدِّث بما تشاء منها. وإن آخر أوضح شاهد على ما نقول هو ما صار يعرف بـ"المنعطف اللغوي Linguistic Turn" في الفكر المعاصر وما تلته من نظريات خاصة في فلسفتي اللغة والمنطق ما كان لها أن تنشأ لولا تفاعل أصحابها مع ما استقرت عليه أجوبة الفلاسفة المعاصرين عن المشكلة الأنطولوجية.

لقد كانت ثورة فلسفة الذرية المنطقية على الميتافيزيقا (في المستويين الدلالي والمنطقي، فيما اتصل بـ"المعنى" وفيما تعلق بـ"الصدق والكذب وقوانينهما") بناء على مفهومها الأنطولوجي الخاص للعالم والحدود التي رسمتها له، فأقام لودفيج فتجنشتين Ludwig Wittgenstein (1889-1951) مثلث "العالم ∼ المنطق ∼ اللغة" تبعا لمسلّمة أن الخروج عن حدود هذا الثالوث يعني الارتماء في نطاق اللامعنى وانتهاك قوانين المنطق وتعطيلها. فحدود اللغة هي حدود العالم، وإن المنطق يملأ هذا الأخير. ولكن العالم هو "ما هنالك"، و"ما هنالك" فقط، فهو يتكون من مجموع الوقائع، وقوام هذه ما يوجد من "الأشياء وخصائصها والعلاقات بينها" فحسب.

ولئن كانت هذه الصورة الذرية المنطقية المتقدمة لموقف الفلسفة التحليلية من المشكلة الأنطولوجية قد نشأت بالأساس تفاعلا مع النظريات الميتافيزيقية التقليدية التي لم تزل تشكل حجر الرحى في الأنساق الفلسفية الكبرى، من أفلاطون إلى هيدغر، فإنها كانت أيضا استجابة لبعض النظريات الأنطولوجية الناشئة معاصرا، والتي انتشر صيتها بين المشتغلين بفلسفة اللغة والمنطق خاصة، وتعدّ نظرية الفيلسوف النمساوي أليكسيوس مينونغ Alexius Meinong (1853-1920) من أشهر هذه النظريات. ولئن حق لنظرية مينونغ المنطقية والدلالية أن توصف بـ"الثورية"، فإنها تدين في ذلك لنظريته الأنطولوجية؛ ففي سنة 1904، نشر مقاله الأشهر المعنون بـ"نظرية الموضوعات The theory of Objects"، وكانت دعوته الأساسية فيه هي العمل على إنشاء علم جديد يكون موضوعه هو الموضوعات بما هي موضوعات. وربما كان بإمكاننا تركيز هذه النظرية في دعويين اثنتين لكل منهما مبدؤها الذي تستند إليه: أما الأولى فـأنطولوجية، وتقضي أن هناك موضوعات لا توجد، وأما الثانية فـدلالية، وتفيد أن هذه الموضوعات قابلة مبدئيا لأن يقع عليها حمل صادق. تستند الأولى إلى مبدأ أعم هو أن المجموع الكلي للموضوعات يمتد إلى أبعد بكثير من حدود ما هو عيني أو فعلي، بينما ترتكن الثانية إلى مبدأ أن أحوال الموضوعات وخصائصها وصفاتها مستقلة عن كينونتها. لذلك جمع الفيلسوف نظريته في قول ظاهرُه مفارقة، وهو: "هناك موضوعات يصدق عليها القول إنها لا توجد".[2]

على ضوء هذه النظرية يجب أن نفهم مقال كواين هذا، وسيجد القارئ أن الفيلسوف الأمريكي اختلق لصاحبها ومَن طوّروها من بعده اسمين مستعارين يوجه حجاج إليهما وهما "وايمان" و"McX" (الذي أعوضه في نص الترجمة بـ"تيرينس"، وهو الاسم الشخصي لأشهر مطوّر نظرية مينونغ، وهو الفيلسوف الأمريكي تيرينس بارسونز Terence Parsons). فلننظر في مضمون هذا الحجاج.

للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا

[1]- عنوان النص الأصلي:

Willard V. Quine, “On What There Is”, The Review of Metaphysics, Vol. 2, No. 5 (Sep., 1948), 21-38.

[2]- Alexius Meinong, “The Theory of Objects”, translated by Isaac Levi, D. B. Terrell, and Roderick M. Chisholm, in: Realism and The Background of Phenomenology, ed. Roderick M. Chisholm, The Free Press of Glencoe, Illinois, 1960, 76-117, p. 83. (المترجم)