فلسفة التفكيك بين منطق الغموض واللامنطق


فئة :  مقالات

فلسفة التفكيك بين منطق الغموض واللامنطق

فلسفة التفكيك بين منطق الغموض واللامنطق

مقدمة

لا ينازع منازع في أن كل نظرية فلسفية ترتكن إلى نظام منطقي مخصوص، سواء صُرِّح بذلك أم لم يصرح، وسواء كان بوعي أم بدونه، فإن كل بناء فلسفي لا تستقر أركانه إلا ومستندة إلى عماد منطقي تلتحم من خلاله أوصاله وترتد إليه وحدته، فهو القوام الذي يلتئم به البحث الأنطولوجي والإبستيمولوجي فالأكسيولوجي في النظرية الفلسفية الواحدة. وقد يختار هذا النظام الفلسفي المنطقَ الكلاسيكي يقيم عليه بنيانه، ينحت مفاهيمه على مفاهيمه، وينشئ مبادئه على مبادئه، ويصوغ قوانينه (إن صاغها) على قوانينه. بينما يختار نظام فلسفي آخر نظاما منطقيا آخر موسِّعا للسابق أو منحرفا عنه، إن بدا لصاحبه قصوره أو ظهرت له بعض علاَّته. ولكن الثابت أنه لا يستغني نظام فلسفي عن أساس منطقي يستند إليه. حتى إن بعض المفاهيم والمبادئ الفلسفية هي محض صور لمفاهيم ومبادئ منطقية. يبرز ذلك خلال البناء النظري كما يتجلى آناء المحاجة الجدلية. وإن أكثر ما يشنّع على النظرية الفلسفية أن يوجد بها تناقض، بين مفهومين أو مبدأين أو دعويين أو في مقام منها غير هذه المقامات. وقد تُغفر للفيلسوف زلة هشاشة تعريفه لمفهوم دون أن يُقرأ له عذر في حدِّ هذا المفهوم بحدَّين متناقضين أو بحدٍّ يُناقض حدَّه لمفهوم آخر تتقوم به بنية النظرية ذاتها. وقد يختلف الفيلسوفان في تحديد ما به تكون للشيء هويته وتعيين ما تحمل عليه هذه الهوية من موضوعات، ولكنهما يلينان معا للأخذ بقانون الهوية المنطقي بلا منازعة. وقد ينفي الفيلسوف ما يشاء من أفكار غيره مفنّدا إياها بما يشاء من الأدلة، وكذلك يفعل خصمه، ولكنهما لا يفعلان ذلك بغير قانون النفي المنطقي. وقد يبكّت الواحد منهما ما يشاء من حجج غيره وكذلك يفعل خصمه، ولكنهما لا يفعلان ذلك بغير قوانين وقواعد منطقية من قبيل الثالث المرفوع وإثبات التالي وغيرهما، وكأنها مبادئ حدسية يمتثل لها كل مفكر ويذعن إليها كل متكلم أو مجادل، وإلا فإن لم تسلِّم بالقانون ∼(بʌ∼ب) أو بالقانون (بᴠ∼ب)، سواء في صورتيهما الكلاسيكية الضيقة أو في صورهما المتطورة الموسّعة، فلن تجد تحت قدميك أرضا صلبة تمشي على يابستها ولا أمامك شيئا تلتقي فيه مع من يخالفك الرأي في مسألة. فإن (بʌ∼ب) يسمح بكل شيء بحيث يقبل أن تشتق منه الدعوى ونقيضها، وهذا عبث، كما أن ∼(بᴠ∼ب) لا يسمح بشيء؛ إذ تكذب به الدعوى ونقيضها؛ وهذا عبث أيضا.

ولكن الحديث عن البنى المنطقية للأنساق الفلسفية لا تحصر نطاق الإحالة في الإشارة إلى منطق واحد، وإن صح الزعم بأن جل الأنساق الفلسفية الكلاسيكية، قديمها وحديثها، إنما أخذت مفاهيم وقوانين المنطق الأرسطي مبادئ لها؛ وذلك أمر طبيعي، طالما كان يُنظر إلى المنطق على أنه ولد كاملا مع أرسطو، فهو المنطق بألف ولام التعريف. إن الإحالة ها هنا على المنطق بصيغة الجمع، ولئن حافظنا على تعريف المعلم الأول له بأنه آلة العلم (وذلك ما يشقّ على المرء مغالبته فيه)، فإننا نلفيه آلات عدة لا واحدة، وما الآلة التقليدية إلا واحدة من هذا الكثير.

ولأن البحث الفلسفي لم يكن يوما يتم في جزيرة معزولة عن تلك التي يمارس فيها البحث المنطقي، فقد كان من تحصيل الحاصل أن استفاد العديد من الفلسفات المعاصرة من التطورات التي جرت معاصرا في الدراسات المنطقية، والتي توّجت بنشوء أنساق منطقية متعددة، منها ما اكتفى بتوسيع حدود النسق الكلاسيكي، ومنها ما تجاوزها منحرفا عن أسس هذا النسق بالكامل. وإني أبتغي بهذا المقال تقديم شاهد واحد على الحالة الثانية، ببيان البنية المنطقية التي قامت عليها إحدى أشهر الفلسفات المعاصرة وأكثرها انتشارا بين المشتغلين بهذا النمط من التفكير، ألا وهي فلسفة التفكيك، أو الفلسفة التفكيكية مثلما يسميها البعض Deconstructionism، عند منشئها الأول الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا Jacques Derrida. وغرضي أن أبين كيف استفادت هذه الفلسفة من التطورات الكبيرة التي حصلت في المنطق المعاصر، مناقشا في ذلك دعويين اثنتين، تقضي إحداهما أن هذه الفلسفة قامت على منطق يدعى اليوم "منطق الغموض Logic of Vagueness"، بينما تقضي الثانية أنها لا تقوم على منطق، بل وأنشئت على محاولة تفكيك مفهوم "الأساس المنطقي للقول الفلسفي". لذلك ستكون إشكاليتي الأساسية هي الآتية: أي منطق يختفي خلف منهج فلسفة التفكيك وترتد إليه دعاواها ومفاهيمها ومبادئها؟ أم أنها فلسفة بلا منطق في الأساس؟

أروم بتناول هذه الإشكالية أن تكون مساهمة في البحث في المنطق الفلسفي Philosophical Logic بمعنى ثالث غير المعنيين اللذين أشار إليهما جون ماكفارلين John MacFarlane في تعريفه له بالقول إنه يضم على السواء "النظر الفلسفي في المفاهيم الأساسية للمنطق من جهة، والاعتداد بالمنطق عند النظر في المشكلات الفلسفية من جهة ثانية. بالمعنى الأول، فالمنطق الفلسفي هو فلسفة المنطق؛ يعني البحث في المفاهيم الأساسية للمنطق. أما بالمعنى الثاني، فهو يتمثل عموما في البحث الصوري في بدائل المنطق الكلاسيكي وتوسيعاته".[1] أما المعنى (الثالث) الذي أريده به، فهو النظر في الأسس المنطقية التي تشتغل بها الأنساق الفلسفية، من حيث مفاهيمها ومبادئها وقوانينها، وترتيب نتائجها على المستويين المنطقي والفلسفي؛ وذلك ما أحاول القيام به هاهنا؛ إذ أود النظر في "المنطق" الذي تشتغل به فلسفة التفكيك. قد يظهر ذلك بادئ الأمر أمرا غير معقول، طالما أن مُنشئ هذه الفلسفة لم يمَلّ يوما من تذكيرنا بأن فلسفته ليست نسقا وأن بنيانها غير قائم على منطق، فلم يعِد يوما أن يكون فيلسوفا أرثوذوكسيا، ولكنه يضيف على الدوام «إن كان المقصود بكلمة "منطق" ذلك النظام المعياري الذي شكل تاريخيا أساس بنيان "الميتافيزيقا الغربية"». ومهما يكن، فإني سأنظر في هذه المسألة من خلال نقط ثلاث: أولها هي في تعريف التفكيك (أو في استحالة ذلك)، والثانية هي في مفهوم المفهوم في فلسفة التفكيك (أو في تفكيك منطق "كل شيء أو لا شيء")، والثالثة هي في مفهوم المعنى في هذه الفلسفة (أو في تعذر البت فيه).

أ- في منطق التفكيكية: التفكيك كلُّ شيء وهو ليس شيئا!

في وجه من وجوهها، قامت فلسفة التفكيك بادئ الأمر على محاولة تقويض أسس المنطق الكلاسيكي ثنائي القيم، باعتباره نواة ما لم تزل تسمّيه "ميتافيزيقا الحضور" أو "الميتافيزيقا الغربية".[2] والحق أن المرء لا يجد لدعاوى هذه الفلسفة معنى ما لم يقدر على رصد بعض حدود ذلك النسق التي ما فتئت تنقّب عنها. وبينما كان لسان حال دريدا يقول إنه يروم إقامة فلسفته على غير منطق، أو على منطقها الخاص، فقد كان يساهم (فلسفيا وعلى نحو غير مباشر) في زيادة الضغط على النسق المنطقي العتيد -الواقع آنئذ تحت وطأة العجز الذي غدا يظهره أمام الكثير من المشكلات- إن لم يكن في تطوير أركان منطق جديد صار بعد حين يعرف بـ"منطق الغموض Logic of vagueness"[3]، أو على الأقل إنه كان يستفيد مما يستجد في هذا المجال ويتفاعل معه تفاعلا إيجابيا. ولئن كان المشتغلون بهذا المنطق يعتبرون فلسفة اللغة العادية الغطاءَ الفلسفي لمختلف نظرياته، وكان جل هذه النظريات مدونا بأسماء أعلام هذه الفلسفة، وهذا أمر مفهوم، فإن المرء قد يذهب إلى أن التفكيكية تقتسم مع هذه الفلسفة نفس عوامل نشأتها وتشاركها منطقها وإن لم تكن ساهمت في تطويره على نحو مباشر. ويمكننا أن نعلل هذا الزعم بأمرين اثنين: أولهما، أن هذه الفلسفة فلسفة في اللغة، نشأت أول الأمر كردة فعل على تطورات المنعطف اللغوي في الفكر الفلسفي المعاصر، عندما كان البارادايم السائد هو أن "كل شيء لغة"، لذلك كنا نراها تارة تماحك النظريات البنيوية في اللغة (تشغيب دريدا على نظرية دي سوسير)، وتارة تجادل أطروحات الوضعيين المناطقة (ملاحظاته على فلسفة رودولف كارناب والفلسفة الوضعية المنطقية عامة)، وتارة أخرى نجدها تناقش نظرية أفعال الكلام أو غيرها من نظريات الفلسفة التحليلية عموما (محاجته الطويلة والشهيرة مع جون سيرل). ومن ثم، لئن عُرفت فلسفة التفكيك بمحاولة نقضها بعض المبادئ التي قام عليها المنعطف اللغوي، فإن ذلك لا يلقي بها خارج نطاق هذا الحدث التاريخي. وأما الأمر الثاني، فهو أن هذه الفلسفة قامت بداية على محاولة "رد الاعتبار" لخاصية من خصائص اللغة العادية لم يزل يُنظر إليها كنقيصة فيها وعيب يمنع امتثالها للمبادئ والمفاهيم والقوانين المنطقية الأساسية، ألا وهي خاصية غموض ألفاظها؛ فقد سعت إلى التدليل على أن الغموض واقع لا يرتفع، سواء عن اللغة أو عن الفكر أو عن العالم، وأن مطالب الدقة والوضوح والتميز التي نادى بها الفلاسفة تاريخيا إنما هي محض أوهام لزم التعجيل بالتخلي عنها. ولقد كانت تلك ذاتها نقطة البداية التي انطلقت منها مختلف الأنساق الدلالية والمنطقية الموسِّعة للمنطق الكلاسيكي أو المنحرفة عنه التي تجتمع اليوم تحت مسمى جامع هو "منطق الغموض".

وتظهر الملامح الكبرى للمنطق الذي تحتكم إليه فلسفة التفكيك بادئ الأمر من جواب صاحبها عن سؤال "ما هو التفكيك؟"، إذ لا يخفي جرأته على المبادئ الأساسية الثلاثة في منطق أرسطو (المعروفة أيضا بـ "قوانين الفكر الثلاثة")، مبادئ الهوية وعدم التناقض والثالث المرفوع، حيث يذهب إلى أنه «لا جدوى مقدَّما من كل جملة صورتُها "التفكيك هو كذا" أو "التفكيك ليس بكذا"، فلنا على الأقل أن نقول إنها كاذبة»[4]؛ ذلك أن المرء إن بحث عن ما يكونه التفكيك "لم يجده شيئا"، وإن نقّب بالمقابل عما ليس تفكيكا وجده "كل شيء". لكل هذه الأسباب، لم تكن كلمة "التفكيك" باللفظ الجيدة ولا كان مفهومها بالجميل في عيني دريدا، لأنها نُحتت في الأصل للدلالة على ما يند عن التعريف وذلك شرط الجمال في عرف الفلاسفة![5]

ولئن سألت أيًّا ممن انخرطوا في تطوير هذه الفلسفة عن تعريف لحركتهم أو تحديد لأهم مبادئها، فإنهم لن يكتفوا بالعجز عن تقديم تعريف محدد، وإنما يضيفون إلى ذلك اعتبارَ سؤالك تجليا لنزعة التمركز العقلي Logocentrisme، وهي أحد أهم أهداف التفكيك. وهم يقصدون بـ"نزعة التمركز العقلي" عموما كل اهتمام بالعقلانية وارتكان إلى المنطق وافتتان بالكلمة وبحث عن الصدق (الحقيقة) وثقة في طريق الاستدلال، التي تشير جميعا إلى عجرفة التقليد الفلسفي الغربي تارة وإلى نفاقه وضيق صدره واجتزائه للأشياء تارة أخرى. وليس التعريف وحده ما ترفضه فلسفة التفكيك، بل هي ترفض كل شيء؛ فلا يحاول المشتغل بها تأسيس شيء أو إثباته أو تأكيده أو تصديقه. وبالمقابل، هو يعتبر كل المفاهيم الفلسفية تجليات لنزعة التمركز العقلي التي يبتغي تفكيكها.

ومع أن كلمة "التفكيك" ليست بالمفردة الجميلة ولا القابلة للتعريف الدقيق، فإن ذلك لم يمنع إعطاءها تحديدا جزئيا يمكن بدوره أن يصبح موضوعا للتفكيك، ولكنه على كل حال يحدد بعض ملامح هذا "الحدث" الفريد. فهو يتوجّه إلى ما شكَّل في تاريخ الفلسفة الغربية جوهرها؛ يقصد السؤال الماهوي الذي ساد ذلك التاريخ من أفلاطون إلى هيدغر، وقد انجلت أولى صوره في نظرية المثل الأفلاطونية، لتجد نضجها التام في نظرية الحد المنطقية الأرسطية، ومنذ ذلك الحين عضّ عليها الفلاسفة بالنواجذ إلى أن دشّن النصف الأخير من القرن التاسع عشر عادةَ مساءلةِ معنى "الماهية" ومشروعية السؤال عنها.

لقد كان أهم مطلب سقراطي في محاورات أفلاطون كلها هو "التعريف بالماهية" (ماهية الحق، والخير، والجمال، والظلم، والشقاء، وغيرها)، ولم يكن يراه يتحقق إلا بتوجّه المعرِّف صوب الشيء المعرَّف في ذاته، لا إلى أمثلته أو حالاته في عالم النسخ، يريد مثلا ماهية الفضيلة، سواء كانت فضيلة امرأة أو رجل أو طفل أو عبد أو حاكم أو غيره، ذلك أن الفضيلة واحدة في كل الأفعال وتحتفظ بطبيعتها الواحدة تلك مهما كان الشكل الذي تكون به في هذا الفعل أو ذاك. ولا يتم تعريف بالماهية مثلما دأب سقراط على طلبه ما لم يكن تعريفا دقيقا يمثِّل معرفة تامة لماهية الشيء. كما أن تعريف ماهية الشيء لا يتم ما لم يقصد المعرِّف إصابة صورة الشيء التي تقتسمها أمثلته الواقعية وموضوعاته التي نلفيها في العالم الواقعي، يعني بذلك ما لم يصوّر التعريف مثال Idée ذلك الشيء.

وقد نضج مطلب التعريف بالماهية الأفلاطوني في نظرية الحد المنطقية عند أرسطو بعد أن أضيف إلى شروط سقراط شرطا الوضوح والبيان؛ إذ اعتبر المعلم الأول أن الحد هو أكمل تعريف (خاصة التام منه)، لأنه يحدِّد من الشيء ذاته وماهيته وجوهره، فهو "يعرِّف ما هو الشيء"[6] أو هو "قول ما هو"[7]، حتى ذهب ابن رشد إلى أن "السبيل التي بها يتهيأ لنا الوقوف على ماهية الشيء هو الحد...إنما يعرِّفنا جوهر الشيء...فهو قول منبئ عن ذات [هذا الشيء]".[8] وقد اعتبر أرسطو في الحد شروطا خمسة حتى يكون حدا صحيحا منبئا عن ماهية الشيء، وهي: أن يكون الحد موجودا للمحدود يصدق على جميعه، وأن يُؤخذ من ذاتيات الشيء، وأن يكون مساويا للمحدود في الحمل خاصا له ودالا على جوهره وماهيته، وأن يُؤتى فيه بماهية الشيء فيصيب في التحديد ويميز الشيء عما سواه، وأن يكون جيدا حسنا لا زيادة فيه ولا نقصان. ثم حذَّر من مجموعة عيوب تصيب الحد وتسبب رداءته وقبحه، وأشدها سوءا غموضُ عبارته وافتقارها للبيان. فلأن التحديد تمييز للأمر عن كل ما سواه فضلا عن تعريفه في ذاته ببيان ماهيته وجوهره، فإن هاتين الغايتين لا تدركان ما لم يكن التحديد واضحا بيِّنا لا غموض فيه ولا لبس ولا اشتراك، كما لا تنالان ما لم يكن دقيقا لا زيادة فيه ولا تكرار ولا عمومية. لذلك "ينبغي للذي يحد شيئا أن يستعمل -ما أمكن- العبارة التي في غاية البيان، لأن الحد إنما يوفَّى ليُعرف به الشيء".[9]

ولم يحِد الفلاسفة اللاحقون على أفلاطون وأرسطو عن "عقيدة التحديد" هذه ولا انحرفوا عن طريق "الحكيمين" الأولين، حتى نادى المحدثون بابتداع آليات صناعية تكفل اقتناص ماهيات الأشياء وصياغة حدودها بكل يسر وإتقان، فدعا ليبنيز G. W. Leibniz (وقبله ديكارت R. Descartes) إلى خلق لغة علمية كونية بالغة الدقة رأى أنها "تعزز قوة العقل بقدر يفوق القدر الذي تساعد به العدسات البصرية عيوننا"[10]، فتُخلص الفكر من عثراته التي سبّبتها له لغتنا الطبيعية المثقلة بعيوب الغموض والاشتراك والعمومية وانعدام الدقة في ألفاظها. وقد وجدت هذه الدعوة صداها في أعمال الرعيل الأول من المناطقة المعاصرين، فاستحدث غوتلوب فريجه الإيديوغرافيا Ideography التي أراد لها أن تكون "نظاما رمزيا يخلو من كل إغماض أو التباس، تساعدنا دقته الصورية في تثبيت كل مضمون من أن ينفلت"[11]، كما استحدث برتراند راسل "اللغة الكاملة منطقيا" التي تضمن تطابقَ حدودِ نظام التمثيل (اللغة أو الفكر) مع حدود النظام الممثَّل (الفكر أو العالم) وفق علاقة واحدية (علاقة واحد- مقابل- واحد). وكل ذلك لأجل أن تقدر اللغة على مسايرة الفكر في سعيه الدائم إلى تصور الأشياء التصور الواضح والاستدلال عليها الاستدلال السليم، وتلك هي غاية المنطقي الذي "لا يعترف بشيء ما لم يكن واضحا محددا".[12]

غير أن "عقيدة التحديد" (سواء كانت ممثّلة في مطلب السؤال الماهوي، أو الحد المنطقي، أو اللغة الكاملة منطقيا) قد بدأت تظهر عيوبها تباعا إلى أن أفل نجمها وارتد عنها المناصرون تباعا، بدءا ممن كانت تُشكّل نواة فلسفاتهم بادئ الأمر، وذلك بعد أن شدّ الغموض (غموض ألفاظ اللغة ومقولاتِ الفكر وأشياءِ العالم) إليه انتباه المناطقة وفلاسفة اللغة في مطلع القرن العشرين بمشكلاته الدلالية ومعضلاته المنطقية التي أوجبت أخذه مأخذ الجد، كجزء من اللغة والفكر بدل الاستمرار في محاولة استئصاله منهما (مثله مثل ظواهر لغوية أخرى لم تزل يُنظر إليها كوقائع شاذة في نظام اللغة تشوِّش على عملها وتمنعها من تمثيل الأفكار في وضوحها وتصوير الوقائع في دقتها، ظواهر من قبيل الاشتراك والإبهام والعمومية والتقريب والمجاز وأفعال الكلام غير المباشرة). فقد انتهى لودفيج فتجنشتين L. Wittgenstein (نقضا لموقفه المتقدم في "الرسالة المنطقية الفلسفية") إلى تعذّر مطلبي التعريف الماهوي والحد المنطقي واستحالة تحويل اللغة إلى حساب منطقي. فنحن لا نقدر على اقتناص ماهيات الأشياء؛ لأن هذه الماهيات غير موجودة، ولا نستطيع تعريفها بحدودها التامة لأننا "لا نعرف الحدود، ولكن ذلك ليس جهلا منا، وإنما لأن الحدود غير موجودة"[13]، ثم نحن نعجز عن تعريف مفاهيمنا الدالة عليها وألفاظنا الممثِّلة لها، "ليس لأننا نجهل تعريفاتها الحقيقية، بل لأن هذه التعريفات لا توجد أصلا".[14]

وفي مقابل كل ذلك، استقر الفيلسوف النمساوي على مذهب مستحدث في المعنى والدلالة سلك به مسلكا جديدا في فلسفة اللغة وطرق به أبوابا مغلقة في فلسفة المنطق متخذا له شعارا صار بعد حين مسلَّمة المسلّمات في هذين المبحثين لدى جل من أتوا من بعده‎، وهو أن "معنى الكلمة هو طريقة استعمالها في اللغة".[15] ورغم ما عرف عن دريدا من تشغيب على المعاصرين له من ممثلي الاتجاهات الفلسفية الكبرى، ورغم ما دأب عليه من رفض لدعاوى الفلاسفة التحليليين خاصة، ما كان له إلا أن يذعن لهذا المبدأ آخذا به كما لو كان شيئا يند عن التفكيك. ولربما أمكننا القول إنه اتخذ منه أحد أسس فلسفة لم تفتأ تجاهر بأنها ترمي إلى هدم كل الأسس، بل وطوّره وعمَّمه حتى ارتسم عنده في صورة أكثر جرأة وارتدى زيّا أشد مغالاة، ذلك الذي يعرف في التفكيكية بمبدأ تعذر البت Principe d’indécidabilité.

نتحدث عن تعذر البت في كلمة أو مفهوم أو مصطلح عندما يرفض الواحد من هذه العناصر تأطيره بتعريف تام يرسم تخومه ويختزل كامل قوته الدلالية في مدلول مخصوص، كما نتكلم عن تعذر البت في قول (أو قضية) عندما يمتنع تحديد قيمته الصدقية بالدقة الكاملة، وبالمقابل يكون قابلا لقراءات ممكنة (لا تُحصى) يأخذ في كل واحدة معنى ويقبل في كل قراءة قيمة صدقية مختلفة، دون الوقوف عند معنى محدد أو الرجوع إلى معنى أصلي أو مقصود، وذلك هو حال اللغة عند الاستعمال وتلك طبيعتها التي ينبغي مراعاتها خلال كل تنظير، وإلا فإن كل مسعى لفرض حد حاد أو افتراض معنى مخصوص أو ادعاء دلالة مقصودة دون سواها إنما يكون تشويها لنظام التمثيل موضوع الكلام لا محض اجتزاء له واختزال لقوى ظواهره. وبمنح التفكيكيةِ الكلِمَ فرصة امتلاك معاني غير محددة ولا محصورة العدد، لا يقف التحدي في هذه الفلسفة منازعا لمبادئ "عقيدة التحديد" اليونانية فحسب، بل ينتصب مقاوما أيضا للطموح العقلاني الديكارتي الحديث، طموح "البداهة" و"الوضوح" و"التميز"، وليس هدفه التدليل على أن غموض اللغة والفكر والعالم واقع لا يرتفع فحسب، بل يرمي أيضا إلى تعطيل كل رغبة في فرض أوهامنا على هذه العناصر، بدءا من تعطيل مقروئية الأقوال لئلا تكون عرضة للبت الأعمى أو التحديد المتجزئ.

ترى المقاربة التفكيكية أن القارئ الفطن للنص هو ذاك الذي يضع النص في مساره الطبيعي، وهو مسار اللامتناهي، حيث يعترف أن كل سطر منه يخفي دلالة معينة، وأن الكلمات لا تصرح بالمعاني، وإنما تخبئها. لذلك عليه أن يسلّم قبل قراءة النص بأن هذا الأخير يمكنه أن يقول كل شيء إلا ما يقصد كاتبه قوله. وأن يكون مستعدا لولوج المتاهة التأويلية (بتعبير أمبرتو إيكو)[16] حيث إنه في الوقت الذي يكشف عن معنى معين، يكشف أنه ليس المعنى الصحيح، وأن الذي سيتولد بعده هو الأصح. وتستمر عملية المفاضلة المتشككة هذه دون توقف. لذلك كان القارئ الخاسر هو الذي يوقف السيرورة عند تأويل معين، معتبرا أنه فهم. فالفهم الممكن الوحيد هو أن نفهم أن المعنى يبقى سرا، وذلك هو مجد النص وقارئه معا. إن القول أثر باق على الدوام وباقية حركته بلا توقف، ولكن "هذا الأثر لا يندفع في أي مسار دائري، ولا هناك وصل بين بداية رحلته ونهايتها. ليس لحركته أي مركز. وإذ يتحرر بنيويا من كل مقصود حي، فقد لا يُقصد به قول شيء على الإطلاق. قد لا يكون له معنى يقبل البت فيه، وقد يلعب بالمعنى على نحو ساخر؛ متنحيا من هنا لينتقل إلى هناك بالتطعيم، ولكن من دون غاية توجهه ولا نهاية يقصدها. يتنقل خارج كل جسد سياقي أو سَنن متناهي؛ وإذ يقبل قراءته كأثر مكتوب، يقبل هذا الأثر المتجدد أن يبقى سرا على الدوام".[17] غير أنه ينبغي التمييز هاهنا بين أمرين اثنين لا يبدو أن جاك دريدا يميز بينهما، وإني لأبتغي ببيان الفجوة بينهما التدليلَ على أن الرجل بينما تسلح بشعار فلسفة اللغة العادية (القاضي أن المعنى لا يظهر إلا خلال الاستعمال) كآلية لتفكيك عناصر عقيدة التحديد، إلا أنه قد استحال عنده مبدأ متطرفا يناقض في مضمونه الأسس التي قامت عليها هذه الفلسفة وإن بدت صورته عنده هي صورته في تلك الفلسفة، ومن ثم فإن مبدأ تعذر البت عنده ليس هو نفسه المبدأ الذي دافعت عنه أنساق منطق الغموض، التي نافحت عن غنى استعمالات اللغة الطبيعية مقابل قصور المنطق الكلاسيكي عن استيعاب هذا الغنى. فعندما نتحدث عن تعذّر البت في دلالة كلمة أو في معنى قول أو في القيمة الصدقية لقضية، نقصد حصول ذلك في أحد مستويين: إما أن تلك الدلالة وذلك المعنى لا يحصلان فلا تكون للقضايا قيما صدقية، وإما أنهما يحصلان ولكن الإمساك بهما يكون ممتنعا، إما لجهل منا وقصور في مداركنا (قد يكون قصورا لا يرتفع بمزيد معرفة) وإما لخاصية في اللغة ذاتها تجعلها على ذلك الحال. ولكننا لا نلفي تبينا لهذا التمييز في فلسفة التفكيك؛ فعندما يتحدث دريدا عن "الإرجاء différance" كتأجيل مستمر للمعنى ينتج عنه تعذر البت فيه، لا نتبين ما إن كان يقصد بذلك أن هذا الإرجاء يعني أن المعنى لا يوجد وأن حصوله مؤجل على الدوام، أم يقصد به أن هذا المعنى يحصل للقول منذ إنشائه النشأة الأولى ولكن الإمساك به هو الذي لا يحصل نتيجة مغايرته المستمرة بالاستعمال وعدم ثباته على حال.

إن التفريق بين المستويين الأنطولوجي والإبستيمولوجي تفريق لا غنى عنه خلال كل التفات إلى المعنى، وهو ما أُغفل في الحديث عن تعذر البت في فلسفة التفكيك، وذلك بخلاف حال هذا المبدأ في الدراسات المنطقية والدلالية المعاصرة (خاصة تلك التي التفتت إلى مسألة الغموض)؛ إذ يسلم المناطقة مقدَّما بأن اللفظ الغامض حائز على معنى وإلا وُضع في خانة اللغو nonsense فلم يُطلب بت فيه أصلا (مثال ذلك ما فُعل بالقضايا الميتافيزيقية). لنأخذ مثلا، عندما يُتحدث عن تعذر البت في معنى المحمول "أصلع" وفي القيمة الصدقية للقضية الداخل في تركيبها "زيد أصلع"، إنما يُقصد بذلك أن المعنى قائم للمحمول ولكننا نعجز عن تبيُّنه ورسم حدوده لعلّة فينا أو لخصيصة في اللفظ تمنعنا من ذلك.

ومع أن تعليل مبدأ تعذر البت في فلسفة التفكيك يختلف في شكله عن شكل تعليله في الدراسات الدلالية التي كانت دواعيها منطقية خالصة، فإن صورة هذا المبدأ تبقى واحدة في المجالين معا، كما أن نتائجه على مفاهيم ومبادئ وقوانين المنطق الكلاسيكي تبقى هي ذاتها أيضا. فإن القول بتعذر البت في معنى المحمول يعني القول باستحالة تحديد القيمة الصدقية للقضية الداخل في تركيبها، فلا يسند لها صدق ولا كذب، لتتعطل ثنائية الصدق والكذب ويتعطل بها قانون الثالث المرفوع ومعه قانون عدم التناقض، وبانتهاك هذين القانونين توضع كل قوانين المنطق الكلاسيكي على كف عفريت. ولقد كانت هذه النتيجة من أهم ما دفع المناطقة المعاصرين إلى إعلان عجز المنطق ثنائي القيم عن استيعاب مختلف استعمالات اللغة ومختلف ظواهرها، خاصة غموض ألفاظها.

حاصل القول، رغم التقاء فلسفة التفكيك مع الدراسات المنطقية والدلالية المعاصرة في تفنيدها للأسس التي قامت عليها عقيدة التحديد في تاريخ الفكر الفلسفي، ورغم اجتماعهما في الدفاع الشديد عن كون الغموض جزءا أصيلا من اللغة لا يمكن استئصاله منها إلا باجتزائها (وترك جزء أساسي منها خارج زاوية النظر خلال الدراسة، بما يعني جزئية النتائج المحصلة)، ورغم استقرارهما على دعوى واحدة هي أن المنطق الكلاسيكي نظام معياري أنشئ ليكون نظاما للغة غير لغتنا، فإن المسافة رغم ذلك تبقى قائمة بينهما يمكننا اختزالها في أمرين اثنين: أولهما أن ما يفهمه دريدا من "الغموض" ليس هو ما يُفهم من المفردة في ما يعرف بـ"منطق الغموض"، والثاني أن نتيجة هذه الظاهرة (تعذر البت) قائمة في المستوى الأنطولوجي لدى الواحد منهما وفي المستوى الإبستيمولوجي والدلالي لدى الآخر. غير أن هذه المسافة لا تمنعنا من القول إن مساهمة دريدا في تطور منطق الغموض ونبش بياضات المنطق الكلاسيكي وتشجيع الانحراف عن أسسه مساهمة لا جدال فيها وإن لم تكن مساهمة مباشرة، كما أن الفيلسوف قد استفاد من هذا المنطق كثيرا (وإن كان عُيِّر ذات مرة بكونه يكاد يكون لا يفقه شيئا مما يُتداول في الدراسات المنطقية والدلالية المعاصرة)، وذلك ما يشهد عليه تناوله للقوانين الأساسية في المنطق الأرسطي.

2- التفكيك و"مبادئ الفكر الثلاثة": أو في منطق "كل شيء أو لا شيء"!

مع أن فلسفة التفكيك لم تقم على مفهوم مركزي ولا يقبل أصحابها بأن يُزعم لها مركز، يحق للناظر القول إن شتات خطابها ينتظم حول مفهوم أساسي هو مفهوم "الاختلاف"، وقد توُسّل به كآلية لنقض أحد أهم مبادئ "ميتافيزيقا الحضور" والأساسِ المنطقي لمطلب السؤال الماهي، ألا وهو مفهوم "الهوية"، سواء كمفهوم فلسفي أو كمبدأ وقانون منطقي. فقد أدرك دريدا أن الفلاسفة ما كان لهم أن يطلبوا ماهيات الأشياء صافية عن أعراض التغير في الزمان والمكان لولا أنهم سلّموا قبلا بأن فهم وجودها في الزمان والمكان يقتضي التسليم بهويتها (فهي مبدأ أنطولوجي)، وما كان لهم السعي إلى اقتناص الحدود المنطقية لتلك الأشياء لولا أنهم أقروا مقدما بأن تصورها في الفكر وتمثيلها في اللغة يقتضيان أن يُفترض لكل واحد منها هوية (فهي مبدأ إبستيمولوجي ودلالي)، ثم ما كان لهم أن يجتهدوا في تحديد منزلة الشيء في نظام القيم لولا أنهم سلموا أن الأشياء تكتسب قيمها بحيازتها هوية تميزها عما سواها (فهي مبدأ أكسيولوجي). ومن ثم فقد ألفت التفكيكية أن نقض مفهوم الهوية ضامن لتصدع عماد أساسي من أعمدة الخطاب الفلسفي التقليدي لا بد أن يرتد صدعه على بقية أركان هذا الخطاب.

يفيد مفهوم الهوية فلسفيا أن الجوهر يحافظ على ذاته ويستبقي ماهيته ما دام حافظا لمكون فيه يجعله على الدوام مطابقا لذاته، وهو يفقدهما على التمام بفقدان هذا المكون، فلا يحرَم بذلك ما به يتميز عما سواه فحسب، وإنما يفقد به وجوده كجوهر (بأن يستحيل شيئا آخر أو أكثر). ومع أن الشيء معرّض لمختلف صور التغير بتغير سياقات وجوده وتعاقب الكيفيات المتباينة عليه، إلا أن ذلك لا يمسّ في شيء نواة هذا الوجود التي تحفظ له هويته عبر الزمان والمكان. ومع أن أساس هذه الهوية الضامن لها يختلف من كيان إلى آخر (فما يضمن هوية الشخص ليس هو ما يضمن هوية الشيء، وما يحفظ هوية هذا الشيء ليس هو ما يحفظ هوية شيء آخر غيره)، فإن صورتها تظل واحدة لا يغيرها تعدد الأشياء أو تكوثر سياقات وجودها أو تباين صور تمثُّلها، وذلك ما يفسر وحدة الصورة المنطقية للهوية ووحدة مبدئها التي تجعلها تحضر بنفس الأثر في نظام الأشياء كما في نظام التمثل أو نظام الحكم، سواء اشتغل بها الفكر أو عملت بها اللغة أو أعملها غيرهما من أنظمة التمثيل. فحق لهذا المبدأ أن يكون أحد مبادئ الفكر الثلاثة التي تُشتق منها كل القوانين المنطقية الأخرى، وصيغته الرمزية هي (ب≡ب).

ولأهميته ومكانته في النظامين الفلسفي والمنطقي الكلاسيكيين، آثر دريدا أن تكون أولى استراتيجيات تفكيك "ميتافيزيقا الحضور" متمثلة في تفتيت هذا المبدأ، فلسفيا ومنطقيا، إذ رأى أن نجاح ذلك يعني ارتجاجَ الأرضية التي استكنت إليها مفاهيم تلك الميتافيزيقا على الدوام وكشفَ الحجاب عن أكبر الأوهام التي استند إليها خطابها تاريخيا، ألا وهو سؤال الماهية. فكان الرهان إذاً هو الآتي: في العتبة الأنطولوجية، كيف لنا أن نكسر حبل الصلة بين الكيان وذاته ونقطع الآصرة التي تلتئم بها أجزاؤه في الزمان والمكان؟ وفي العتبة الدلالية، أي آلية تمكننا من منع ما يرتد به المعنى إلى ذاته وإفشال تطابق اللفظ مع بنيته فنفرض على كل منهما الاعتراف بآخره (نفيه مثلا) كجزء منه؟ وفي العتبة المعرفية، كيف لنا أن نثبت أنه من داخل كل فكرة يوجد أثر غريب عنها، ومن داخل كل اعتقاد يوجد اعتقاد آخر مختلف يسكنه؟ كل ذلك يظهر خلال التكرار في سياقات مختلفة، وكل تلك الغايات يضمنها النظر إلى الأشياء في بحر حركتها. فلقد أنشئت اللغة ليستخدم اللفظ الواحد من ألفاظها في سياقات لا حصر لها، وبتبدُّل سياق استعمال الكلمة تتبدل دلالتها لا محالة، مثلما لا تحفظ العبارة الواحدة معناها عبر السياقات المتباينة، وإن هذا الاختلاف هو شرط وظيفية اللغة من دونه تفقد قدرتها على تمثيل "المعنى في مسار الإرجاء". ولكن هذه التكرارية Itérabilité في السياق المنطبعة في بنية العلامة من علامات اللغة هي ذاتها التي تهبها هويتها؛ وإلا فأنى لهذه الهوية أن تنجلي لو كان كل شيء ثابتا وكانت الكلم لا تستخدم إلا مرة واحدة؟ ينتهي دريدا من ذلك إلى أن "التكرارية هي التي تشكل هوية العلامة ولكن دون أن تسمح لها أبدا بأن تكون وحدة مطابقة لذاتها".[18]

إن التكرار (من منظور فلسفة التفكيك) هو القانون الكوني الذي تخضع له الأشياء كلها، وإن كان يطرأ عليها بصور مختلفة. فمن حيث هو قانون أنطولوجي تخضع له الموجودات، فهو استغراقها في الزمان والمكان واستحالة الحال حالا آخر. ومن حيث هو قانون إبستيمولوجي تخضع له المعقولات (التصورات والمعاني وغيرها)، فهو انتقالها من نظام للتمثل إلى نظامِ آخر ومن بنية للفكرة إلى بنيةِ أخرى غيرها. ومن حيث هو قانون دلالي تخضع له الكلم، فهو انتقالها من سياق استعمال إلى سياق آخر غيره. ولكن الشيء ما أن يتكرر حتى يلازم ذلك أمران يطرآن عليه: فمن جهة، لا بد أنه يحافظ على ذاته باعتبارها الوحدة التي تتكرر فنتعرّفه من خلالها عبر سيرورة التكرار، ولكنه من جهة ثانية لا يحفظ هوية تلك الذات كما كانت قبل التكرار، وإنما تغدو مختلفة بقدر أو بآخر يجعلها تغدو أخرى، ليس في أحوالها وأعراضها فحسب، وإنما في ذاتها أيضا. يبقى هناك حد أدنى من الهوية حين التكرار، قدر من تلك البنية الأصلية، ولكن دون أن يعني ذلك بقاء جوهر ثابت. فهناك ما يبقى ولكنه لا يبقى كما كان، وإنما يصير مختلفا، وذلك ما يسميه دريدا بـ"البقاء غير الحاضر la restance non présente".[19]

وتتمثل الاستراتيجية التفكيكية الثانية في تفتيت الثنائيات وإزاحة النسق القائمة عليه، سواء كان هذا النسق هو النظام القيمي الذي حكم تصور الغرب للأشياء، والذي عبَّر عنه من خلال نظام الثنائيات، وغالبا ما اعتُبر الطرف الأول في الثنائية إيجابيا بينما نظر إلى الثاني نظرة دونية سلبية (من ذلك ثنائيات الصدق والكذب، الحقيقة والظاهر، الوجود والعدم، الكلام والكتابة، الذكر والأنثى)، أو كان هذا النسق هو النظام المنطقي الذي حكم تاريخ "الميتافيزيقا الغربية"، والذي هو نظام منطقي ثنائي القيم. ولكن منهج التفكيك هنا يتم بخطوتين: الأولى هي التسليم بمبدأ أنه "ما لم تكن الثنائية دقيقة فهي ليست ثنائية على الإطلاق، وما لم يكن التمييز بين طرفيها صارما فهو ليس تمييزا بدوره، وما لم يكن المفهوم صافيا فهو ليس مفهوما ولا بحال من الأحوال"، حتى إذا تبينت استحالة تحقق هذا المطلب كان ذلك دليلا على أن كل الثنائيات التي انتظمت حولها أطروحات الفلاسفة الغربيين تاريخيا وكل المفاهيم التي نسجت حولها نظرياتهم إنما تنهار بانهيار المنطق الذي قامت عليه.

تقضي فلسفة التفكيك أن الثنائيات الفلسفية جميعها قائمة على منطق "كل شيء أو لا شيء" All or nothing logic، ويتجلى ذلك على صعيدين متصلين: الأول، أن هذه الثنائيات تقوم على مفاهيم يُفترض فيها الصفاء المثالي والدقة الكاملة، لذلك كان تناول المفهوم الفلسفي في صيغته التقليدية يفرض على المرء معالجته بمنطق ثنائي القيم؛ لأن بنيته تقوم على ذلك. ولا يملك أي مفهوم فلسفي لنفسه أن يستبعدها منه، بما في ذلك مفاهيم مثل "الشك" و"النسبية" و"التقريب". لهذا يعترف دريدا أنه وجد نفسه ملزما باحترام مبادئ هذا المنطق، خصوصا حين محاولاته التفكيكية التي مست الأشياء القابلة للمفهمة. أما الصعيد الثاني، فهو أن نظام التقابل القائمة عليه تلك الثنائيات يفترض حدا صارما بين طرفي كل واحدة، ويطلب الواحد منهما صافيا من الآخر؛ فيطلب الصدق صافيا من الكذب، والمعقول صافيا من المحسوس، والطبيعة خالصة من الثقافة، والأصل خاليا من النسخة، والفكر خالصا من الجسد. ويمكننا أن نقيس على هذه ثنائيات الجوهر والعرض، والمادة والصورة، والقدم والحدوث، وغيرها مما يتقوم به خطاب الميتافيزيقا الغربية كله.

بناء على ما سبق، ترى التفكيكية أن التخلص من منطق "كل شيء أو لا شيء" يعني الحكم على كل النظريات الفلسفية بالانهيار. ذلك أنها "تستحيل صياغة مفهوم فلسفي خارج هذا المنطق".[20] ولكن عندما يجد المرء نفسه ملزما بالتوقف عن هذا النوع من التناول، وهو ما يحدث عند التفكير في أشياء مثل "الإرجاء" و"الأثر" و"الإطار" و"الملحق" و"الباقي غير الحاضر"، عليه آنئذ أن يعلن أن سياق التفكير قد تغير وتغير معه منطق التحليل، بحيث ينتقل إلى منطق جديد يؤمن بالتلويث المتبادل بين المفاهيم المتقابلة، وبعدم وجود حدود واضحة بين أطراف الثنائيات، فيطمح في تفكيك "الحد" ذاته كما "المفهوم" أو "الماهية". بحيث يمكنه آنئذ التفكير في "مفهوم غير مفهومي aconceptual concept" أو "شبه مفهوم quasi-concept" يخلصانه من نظام التقابل الثنائي الصارم، كما يحررانه من عبادة المفهوم المثالي.

غير أن الرغبة في تفكيك "المفهوم بالمعنى الفلسفي" لا تستنفذ طاقتها في محض التدليل على استحالة صياغة مفاهيم فلسفية بالنحو الذي صيغت به تاريخيا، بل هي تخفي خلفها رغبتين مترابطتين أخريين:

أ- تجد الرغبة في تفكيك "المفهوم بالمعنى الفلسفي" في أساسها رغبة في نقض مبدأ الأمثَلة idealization الذي قامت عليه نزعة التحديد عموما ومطلبا السؤال الماهوي والحد المنطقي بنحو خاص؛ ذلك أن كل مفهمة هي في الحقيقة أمثَلة، تتم بأخذ المفهوم في حالة مثالية له تستوفي الشروط الآتية: أن يكون دقيقا واضحا وتكون حدود انطباقه بيِّنة، بما يضمن تمييزه عن كل ما سواه (بدءا من المفاهيم القريبة منه وصولا إلى نقائضه)، وأن تكون دقته ووضوحه كافيين للبت في صدق أو كذب كل فكرة يدخل في تركيبها، وأن تكون حدود انطباقه ثابتة لا تضيق أو تنقص عند كل إحالة. إن المفهوم في التقليد الفلسفي هو نواة كل نسق فلسفي، وإن أمثَلته هي شرط كل بناء نظري يقوم على أساسه.

ب- تجد الرغبة في تفكيك المفهوم بالمعنى الفلسفي أساسها الآخر في الرغبة في نقض كل نزعة تبسيطية تخشى التعقيد وتطرده إلى الخارج مهما كلفها ذلك، وتؤمن بالحدود الصارمة والمفاهيم الصافية والتمييزات الدقيقة، ولا تعترف بالغموض ولا تدع مجالا للشك، وتطلب جلاء الصورة وانجلاء اللبس مهما كان الثمن، غير أن هذه النزعة في نظر دريدا لا تفهم طبيعة العالم ولا اللغة أو الكلام أو الفعل، بل لا تفهم حتى طبيعة المفاهيم التي تتناولها. لذلك كانت نزعة خطيرة وجبت مواجهتها بدءا بتفكيك مفاهيمها والاستعاضة عنها بأخرى، حتى لو كانت هذه المفاهيم لا تخلو من تعقيد.

يحاول دريدا النظر إلى التعقيد من جوانبه الإيجابية، من حيث هو أثر للاختلاف خلاَّق، ومن حيث هو المخاض الذي تنتج عنه أشياء جديدة تخلِّصنا من مَلل الهوية. إن الشيء ما أن يتكرر ويفقد بساطته وهويته ومثاليته وصفاءه وسبيله والنور الذي يهتدي به حتى يصير محلا للتناقض والقلق والتوتر والمفارقات، فتكون تلك المناسبة لنشوء المشكلات المنبئة عن ميلاد مختلِف جديد، يكسر قشرة الشيء التي لم تعد تناسب نمو بذرته. وحتى على مستوى التصور (أي فيما يتصل بالمفهوم)، فليس عيبا ألا يكون المرء قويم المعتقد، غير آخذ بطريق واحد، ولا مستقر على نفس العقيدة، ولا باحث عن الوضوح والنور مهما كانت كلفته. وليس عيبا ألا ينساق وراء شهوة الإيضاح؛ لأن تلك نزعة عقدية مملة، تتحول مع الوقت إلى نزعة ظلامية خطيرة. وبالمقابل لا ينبغي أن يطلب التعقيد ابتغاء متعة التعقيد ذاته، حتى وإن كانت الأشياء واضحة. إن الاعتراف بالتعقيد هو مجرد وسيلة لفسح المجال لفاعلية الاختلاف والتكرار لتتجلى في الأشياء. أما "أولئك الذين يرغبون في التبسيط مهما كان ثمنه، وأولئك الذين يرفعون شعار الوضوح ويتباكون على الظلام...إنما هم دوغمائيون خطيرون وظلاميون مملون ليسوا أقل خطورة من أولئك السياسيين الذين تأخذهم الرغبة في التطهير [العرقي]".[21]

خاتمة

هكذا تقترح فلسفة التفكيك "منطقا" جديدا للنظر إلى الأشياء، ليس مجرد منطق للنسبية أو التقريب أو الاختلاف في الدرجة، وإنما يتجاوز ذلك ليكون "منطقا" للغموض والتعقيد. وبينما تتجلى استفادة دريدا من حركات التوسيع المتتالية لمفاهيم ومبادئ وقوانين المنطق الكلاسيكي أو الانحراف عنها، بدءا من العقد الثالث للقرن العشرين، وما نتج عن ذلك من تعدد في الأنساق المنطقية القائلة بوجوب تجاوز الحدود الضيقة للمنطق ثنائي القيم، يبدو في المقابل أن نزعته الفلسفية التفكيكية المتشككة جعلته ينساق وراء شهوته في إنكار كل أساس منطقي قد يخضع له الفكر أو تمتثل إليه اللغة، غير منطقه الخاص الذي وسمه بـ"منطق التكرارية".

والحق أن الرجل وإن كان يجاهر باتِّباع "منطق للغموض"، فإن غايته لم تكن أبعد من تخليص خطابه الفلسفي من "قيود المنطق الكلاسيكي"، دون نية في تبني نظام منطقي بديل. وبالمقابل فقد عقد العزم على إفقاد المنطق أمَّ سماته، وهي طبيعته المعيارية. إن المنطق آلة ضابطة للفكر والقول، ليست تقوِّمهما وتضمن لهما الصدق والصحة فحسب، وإنما تجعلهما ممكنين في مقام أول. ومن حيث هي كذلك، فليس لها إلا أن تطلب الدقة بقدر الإمكان. أما ما وقع عليه الاصطلاح في التفكيكية باصطلاحات "منطق التكرارية" أو "منطق الإرجاء" أو "منطق الغموض والتعقيد"، فإنه لم يُرد به أن يكون نظاما معياريا يُعِين على تصور الأشياء والاستدلال عليها بالقدر الممكن من الدقة والوضوح، وإنما ابتُغي به أن يزيدها غموضا على غموضها وتعقيدا على تعقيدها فيكون بذلك العقبة التي تمنع كل تصوّر والفجوة التي تبطل كل استدلال، فلا يكون آلة للعلم، بل الأداة التي تعطّله.

يُفترض في كل مسعى لإنشاء منطق للغموض العمل على استيعابه بدل الاستزادة منه، وأن يكون آلة لتصور الأشياء الغامضة والاستدلال عليها عوض أن يكون نظاما يجعلهما مستحيلين. ولئن لم نكن ننازع دريدا في أن الغموض والتعقيد يلازمان أشياء العالم كما يصاحبان بنات العقل وألفاظ اللغة، كما لا نجادله في أن المنطق الكلاسيكي يضيق صدره أمام المشكلات المنطقية والدلالية التي يثيرانها، فإننا نرى ذلك دافعا للبحث عن أنساق منطقية بديلة تستوعب الظاهرتين على النحو الذي نواجههما به في حياتنا اليومية ونجابههما في انشغالاتنا الفكرية بدل أن نزهد في ذلك بذريعة الاعتراف بقوَّتيهما. ولقد أدرك المناطقة المعاصرون الذين تصدوا لتلك المشكلات أن ضيق نطاق قوانين المنطق الكلاسيكي ومفاهيمه ومبادئه لا يسوِّغ بحال من الأحوال محاولة التحرر من معيارية المنطق ذاتها، فسعوا في طلبهم لحل تلك المشكلات أن يزيدوا تلك المعيارية قوة، سواء بتوسيع بعض قوانين المنطق الكلاسيكي أو بصياغة قوانين جديدة وإن كانت تنحرف عن القديمة إلا أن غايتها هي غايتها ووظيفته هي وظيفتها. يعرِّف لطفي زاده المنطق الغائم Fuzzy logic (وهو أحد أنساق منطق الغموض وأكثرها تطورا) بالقول: "مبدئيا، فالمنطق الغائم ليس غائما Fuzzy logic is not fuzzy، بل هو منطق دقيق (واضح ومحكم) يتناول انعدام الدقة والاستدلال التقريبي. وعلى نحو أكثر تحديدا، يمكن النظر إليه كمحاولة لصورنة قدرتين إنسانيتين هائلتين ومكننتهما: أما الأولى، فهي القدرة على التخاطب والاستدلال واتخاذ قرارات عقلانية في بيئة يسودها انعدام الدقة (انعدام الوضوح)، والارتياب، والافتقار للمعلومة، والمعلومات المتضاربة، وجزئية الصدق، وجزئية الإمكان، وباختصار، في بيئة تسودها المعلومة الناقصة. أما الثانية، فهي القدرة على أداء عدد كبير من المهام البدنية والذهنية دون أية مقاييس أو حسابات".[22]

 

قائمة المصادر المعتمدة

بالعربية:

1- ابن رشد، أبو الوليد محمد. تلخيص منطق أرسطو، المجلد الخامس: كتاب البرهان، دراسة وتحقيق جيرار جيهامي، ط 1 (بيروت: دار الفكر اللبناني، 1992).

2- أرسطو. منطق أرسطو، الجزء الثاني: كتاب البرهان، تحقيق وتقديم عبد الرحمان بدوي، ط 1 (بيروت: دار القلم، 1980).

3- أرسطو. منطق أرسطو، الجزء الثالث: كتاب الجدل، تحقيق وتقديم عبد الرحمان بدوي، ط 1 (بيروت: دار القلم، 1980).

4- إيكو، أمبرتو. التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، ط 2 (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2004).

5- فتجنشتين، لودفيج. بحوث فلسفية، ترجمة عزمي إسلام، مراجعة وتقديم عبد الغفار مكاوي (الكويت: مطبوعات امعة الكويت، 1990).

باللغات الأجنبية:

1- Derrida, Jacques. Eperons, les styles de Nietzsche (Chicago and London: The University of Chicago Press,1969).

2- _______. Marges de la philosophie, (Paris : les éditions de Minuit,1972).

3- _______. Psyché, Invention de l’autre (Paris : Edition Galilée, 1987).

4- _______. Limited Inc. (Evanston: Northwestern University Press, 1988).

5- Frege, Gottlob. Ecrits logiques et philosophiques. Traduction et introduction de Claude Imbert. (Paris : Editions du Seuil, 1971).

6- Leibniz, Gottfried W. Philosophical essays, translated by Roger Ariew and Daniel Garber (Indianapolis and Cambridge: Hackett Publishing Company, 1989).

7- MacFarlane, John. Philosophical Logic, A Contemporary Introduction (New York and London: Routledge, 2021).

8- Wittgenstein, Ludwig. The Blue and Brown Books, preliminary studies for the Philosophical Investigations. Malden, 2nd ed. (Oxford: Blackwell Publishing, 1969).

9- Zadeh, Lotfi A. «Is there a need for fuzzy logic?». Information Sciences: 178, 2008

[1]- John MacFarlane. Philosophical Logic, A Contemporary Introduction, Routledge, New York and London, 2021, p. XV

[2]- يحيل دريدا بهذين المفهومين على كل ما أنتجه الغرب منذ فجر الفلسفة اليونانية إلى يومنا هذا، في كل مجالات الفكر بدون استثناء؛ في الفلسفة والعلم والأدب واللاهوت والتاريخ والفن وغيرها.

[3]- وهو مسمى عام تدخل تحته مجموعة من الأنساق المنطقية التي تقتسم جميعا كونَها نشأت استجابةً من المناطقة المعاصرين للمشكلات الدلالية والمنطقية التي يثيرها غموض اللغة والفكر وسعياً منهم لإنشاء منطق يستوعب هذه الظاهرة التي لم تعد قوانين المنطق الكلاسيكي قادرة على استيعابها. ويعد المنطق الغائم Fuzzy logic أشهر أنساق منطق الغموض وأكثرها تطورها، أنشأه الرياضي الأمريكي لطفي زاده Lotfi A. Zadeh كشكل متطور من المنطق متعدد القيم Many-valued logic مثلما أنشأه أول الأمر المنطقي البولندي يان لوكازيوفيتش Jan Lukasiewicz.

[4]- Jacques Derrida. Psyché, Invention de l’autre, Edition Galilée, Paris, 1987, p. 392

[5]- Ibid., p. 392

[6]- أرسطو. منطق أرسطو، الجزء الثاني: كتاب البرهان، تحقيق وتقديم عبد الرحمان بدوي، ط 1، دار القلم، بيروت، 1980، ص 434

[7]- المصدر نفسه، ص 449

[8]- أبو الوليد محمد ابن رشد. تلخيص منطق أرسطو، المجلد الخامس: كتاب البرهان، دراسة وتحقيق جيرار جيهامي، ط 1، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1992، ص 458 و459 و465

[9]- أرسطو. منطق أرسطو. كتاب الجدل، الجزء الثالث، تحقيق وتقديم عبد الرحمان بدوي، ط 1، دار القلم، بيروت، 1980، ص 648

[10]- Gottfried Wilhelm Leibniz. Philosophical essays, translated by Roger Ariew and Daniel Garber, Hackett Publishing Company, Indianapolis and Cambridge, 1989, p. 8

[11]- Gottlob Frege. Ecrits logiques et philosophiques. Traduction et introduction de Claude Imbert, Editions du Seuil, Paris, 1971, p. 65

[12]- Ibid., p. 165

[13]- لودفيج فتجنشتين. بحوث فلسفية، ترجمة عزمي إسلام، مراجعة وتقديم عبد الغفار مكاوي، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت، 1990، الفقرة 69

[14]- Ludwig Wittgenstein. The Blue and Brown Books, preliminary studies for the Philosophical Investigations. Malden, 2nd ed. Blackwell Publishing, Oxford, 1969, p. 25

[15]- لودفيج فتجنشتين، بحوث فلسفية، الفقرة 43

[16]- أمبرتو إيكو. التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، الطبعة الثانية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2004، ص. 33

[17]- Jacques Derrida. Eperons, les styles de Nietzsche, The University of Chicago Press, Chicago and London, 1969, pp. 130-132

[18]- Jacques Derrida. Marges de la philosophie, les éditions de Minuit, Paris, 1972, p. 378

[19]- Jacques Derrida. Limited Inc., Northwestern University Press, Evanston, 1988, p. 83

[20]- Ibid., p. 116-117

[21]- Ibid., p. 119

[22]- Lotfi A. Zadeh, «Is there a need for fuzzy logic? », pp. 2753-2754