تمرين في الأنطولوجيا التأسيسيّة


فئة :  ترجمات

تمرين في الأنطولوجيا التأسيسيّة

تمرين في الأنطولوجيا التأسيسيّة

مايكل لوكس

ترجمة حاتم الهادي السالمي

I

أمنّي النّفس في هذا الفصل أنْ أشتغل بشيء من الأنطولوجيا المقارنة، ولهذا أروم اختبار نموذج بعيْنه للتّفسير الأنطولوجيّ بغية تحديد ومقارنة مختلف الطرق المروّجَة، أوْ التي يمكن ترويجها، لصالح هذا النموذج، وللاحتجاج له بعدّة وجوه بأنّه أرقى من النّماذج الأخرى، فالنّموذج الذي نحن منه بحديث يُعنى بظاهرة الميزة. ومدار هذا الأمر على كون الجزيئات تمتلك ميزة أوْ (مثلما يمكن أنْ نصوغ ذلك بلغة غير فلسفية أوْ منطقيّة) حقيقةَ أنّ الجزئيات المألوفة لها خاصيّات تندرج تحت أنواع، وتدخل في علاقات يعتقد العديد من الفلاسفة (لكن ليس كلّهم طبعا) أنّ الحقائق الفرديّة التي تشكّل هذه الظاهرة هي أنواع من الحقائق التي تبقى محتاجة إلى تفسير. إنّ الجزئيات المألوفة، كما ينظرون إليها، لها طابع اشتقاقيّ، حيث إنها تستمدّ طابعها من أشياء أخرى؛ أشياء لها أشكال ذاتيّة مميّزة وغير اشتقاقيّة تتعلّق بطبيعتها.

ولكن، لم يتّفق هؤلاء الفلاسفة جميعهم على كيفيّة اشتغال هذا الاشتقاق اشتغالاً ذاتيّاً. وفي حقيقة الأمر، يوجد تصوّران متقابلان في شأن الطريقة التي تستمدّ منها الجزئيات المألوفة خاصيّتها؛ ذلك أنّ بعض الفلاسفة يقدّر أنّ مصادر الخاصيّة غير الاشتقاقيّة هي أشياء موجودة «بعيداً» و«بمعزل عن» الجزئيات/الجسيْمات المألوفة، وأنّ هذه الجزئيات المألوفة بحكم منزلتها الموصولة ببعض حاملي ميزات الخاصيّة لها خصيصتها التي تصنعها. ويخبرنا هؤلاء الفلاسفة، على سبيل المثال، أنّ الجزئيات المألوفة تجسّد الكليّات المتعاقبة، أوْ أنّ هذه الموجودات الرقيقة تساهم في ذلك بأشكال واضحة ومفصولة عن بعضها. وفي مقابل ذلك، يقول فلاسفة آخرون إن العناصر المضمّنة في خاصيّة الجزئيات المألوفة هي عناصر محايثة لتلك الجزئيات؛ فهي محايثة بمعنى أنها أشياء مثل أجزائها أو عناصرها أوْ مكوّناتها. وبناء على هذا الرّأي، فالنّوع المريولوجي يرسم خصيصة الجزيئات المألوفة. لذا، فالجزيئات لها أشكالها المميّزة للخاصيّة بحكم امتلاكها المصادر غير الاشتقاقيّة الملائمة للخاصيّة بوصفها مكوّنات، وهكذا توجد استراتيجيتان مختلفتان بالنّسبة إلى التصوّر ما قبل الفلسفيّ لظاهرة الميزة. ولقد وُسمتا، على التوالي، بالاستراتيجيات العلائقية والمكوّنة[1]. وسوف ألتزم بهذه التصنيفات.

الاستراتيجية العلائقيّة مهمّة على الدّوام، كما أنّها مألوفة تماماً، وهي، بعد هذا كلّه، الاستراتيجية المهيمنة على النقاشات المعاصرة لموضوع الخاصيّة. ولئن بدت المقاربة العلائقيّة ربّما مهيمنة على النّقاشات المعاصرة، على مدار تاريخ الميتافيزيقا، فإنّ المقاربة المكوّنة/التّكوينيّة يمكن القول إنّها الاستراتيجيّة الطاغية؛ لذا هي الاستراتيجيّة التي أريد أنْ آخذها في الاعتبار.

فقد يبدو اهتمامي بالاستراتيجيّة المكوّنة محيّراً بالنسبة إلى المعتادين على المناقشات الأنطولوجية الحديثة. وأمّا بالنّسبة إلى صفوف المدافعين عن المقاربة العلائقيّة، فهم يجمعون على أنّ الاستراتيجية التكوينيّة غير متّسقة من أساسها: وهذا الادعاء المركزيّ يجسّم خطأ المقولة. والوجه في ذلك الزّعم بأنّ العناصر التي لها خاصيّة غير مشتقة هي مكوّنات، أو أجزاء، من الجسيمات المألوفة. ومع ذلك، تلكم العناصر هي كيانات مجرّدة، في حين أنّ الجسيمات المألوفة هي كائنات ملموسة، ومثلما قيل لنا لا يمكن خلق أيّ جسم ملموس من الكيانات المجرّدة.

أعتقد، أكثر من أيّ شيء آخر، أنّ هذا الاعتراض يفسّر لماذا كان الميتافيزيقيّون المعاصرون على أتمّ الاستعداد لتبنّي المقاربة العلائقيّة؛ ذلك أنّهم يؤمنون بأنّ تبنِّي المقاربة التأسيسيّة المقابلة ينجرّ عنه خطأ في المقولة المنصوص عليها للتوّ. وهذا تأييد للفكرة غير المتناسقة القائلة إنّ الكيانات المجرّدة يمكن أنْ تكون أجزاء أو مكوّنات من الجزيئات الملموسة. وإنّ هذا الاعتراض لمهمٌّ يحتاج إلى أنْ نعالجه، إذا أردنا أنْ نأخذ المقاربة التأسيسيّة على محمل الجدّ. وتبعاً لهذا كلّه، لا يوجد كبير فائدة من اتباع استراتيجيّة أنطولوجيّة محكوم عليها بالفشل منذ البداية.

وهل بلغ الحكم عليها بالإخفاق أقصى درجاته؟ أنا لست مقتنعاً بهذا الأمر. فليس من الجليّ أنّ التّفريق بين المجرّد والملموس سيكون مجدياً وذا بال في الاعتراض المذكور. وحتّى يُؤتيَ الاعتراضُ أُكْله نحتاج إلى بعض المسالك المبدئيّة لضبط التمييز، حيث إنّ الأشياء التي يريد الفلاسفة أنْ يسمّوها مجرّدة تتحوّل إلى مجرّدة، وتلك التي يريدون أنْ يطلقوا عليها ملموسة، تتحوّل إلى ملموسة. ولهذا، نحن نحتاج إلى تلكم المعايير التي تفضي إلى نتائج صحيحة؛ ولكن، علاوة على ذلك، يجب أنْ تكون تلك المعايير بمثل هذا التّحديد، بحيث يمكن من خلال التّفكير فيها أن نتبيّن لماذا لا يمكن للكيان الملموس أنْ يمتلك كيانات مجرّدة بوصفها مكوّنات أو عناصر.

لكن ما هي المعايير المعتمَدَة هنا؟ فقد نفترض أنّ كياناً ما هو ملموس إلا إذا ما كان له موقع مكانيّ، وأنّ كياناً ما هو كيان مجرّد إلّا إذا لم يكن ملموسًا[2]. وتتمثل إحدى الصعوبات في أنّ هذه الطريقة في تحديد التمييز، إمّا أنّها تعطي نتائج خاطئة، وإمّا أنّها تفترض مسبقاً ادعاءات فلسفيّة مثيرة للجدل مستقلّة عن المسائل المتناولَة. يقول لنا الاتّجاه التقليدي القائم على الثنائيّات إنّ العقول كائنات غير مكانيّة. ولكن، بعد ذلك، تجبرنا معاييرنا على الاحتفاظ، إمّا بأنّ العقول الفرديّة هي كيانات مجّردة، وإمّا بأنّ هذه الماديّة حقيقةٌ واقعة. فقد يحاول المرء إصلاح الأمور بالقول إنّ الكائن يكون ملموسا إلّا إذا كان له إمّا حيّز مكانيّ أوْ إمّا هو مكوّن من أجزاء زمنيّة، ويكون مجرّداً إلّا إذا كان غير ملموس[3]. إنّ للعقول أجزاءً زمنيّةً، أليس كذلك؟ لكن هل كلّ العقول كذلك؟ سوف ينكر المؤمنون المتشدّدون هذا الأمر بلا ريب. ولكن المعيار المنقَّح، على هذا النّحو، إمّا أنْ يعطي نتيجة خاطئة عبر التمسّك بفكرة أنّ شخصاً واحداً على الأقلّ هو كيان تجريديّ، وإمّا يحملنا على التمسك بطريقة مستقلّة بادّعاء إلحاديّ مثير للجدل. والإلحاد ليس الزعم الوحيد المثير للجدل المرتبط بالمعيار المُراجَع؛ ذلك أنّ هذا التّصور مجدٍ مع مواد عقلية محدودة فحسب، إذا كان لديها حقّاً أجزاء زمنية. ولكن المتمسِّكين بالنظريّة الآنيّة، الفلاسفة الذين يصرون على أنّ ما هو موجود الآن، أو في الوقت الحاضر، هو حقيقي، سينكرون وجود ضرب من الأشياء باعتباره أجزاء زمنيّة؛ لذا لا يستقيم هذا التصوّر إلا إذا كان شكل مّا من أشكال الأبعاد الأربعة صحيحاً.

ولكن تُوجد صعوبة أخرى تنشأ عن كلتا الطريقتين المعتمَدَتيْن في ضبط التّمييز؛ إذْ يمكننا أنْ نفترض أنّ الخصائص هي كيانات مجرّدة. ولكن، للأسف، سوف يصرّ العديد من علماء الأنطولوجيا التكوينيّة على أنّ للخصائص التأسيسيّة للجسيم المألوف حيّزاً مكانيّاً؛ ذلك أنّ تلكم الخصائص توجد حيثما يكون الجسيم موجوداً[4]. وسيستمرّ هؤلاء الأنطولوجيون التأسيسيّون أنفسهم بطريقة نمطيّة في المضيّ قدماً في هذا المضمار، قائلين إنّ خاصيّة واحدة يمكن أنْ تحتلّ احتلالاً كاملاً وشاملاً أكثر من موقع مكانيّ واحد في وقت واحد- وفي الحقيقة تكون العديد من المواقع على قدر الجسيمات المألوفة التي ستشكِّلها. وبطبيعة الحال، فإنّ العلائقيّين، الذين يريدون اتهام المنظرين التّكونيّين باقتراف خطأ مقولة، سينكرون أنّ للخصائص حيّزاً مكانيّاً. ولكن، إذا كانت مسألة التمركز المكاني هي، بشكل عامّ، التي تفرّق بين أتباع الأنطولوجيا العلائقيّة ومعتنقي أنطولوجيا المكوّنات، فإنّ افتراض أنّ الخصائص ليس لها أيّ تمركز مكانيّ يمكن أنْ ينهض بوظيفة عظيمة في بلورة الحجّة المصمَّمة للفصل بين المقاربتين.

وعلى أيّ حال، إن التناقض القائم بين المجرّد والملموس هو موضوع إشكاليّ. وبعض الفلاسفة يردّون على المشكلات باللجوء إلى القوائم، أوْ إلى عمليّات الجرد؛ ذلك أنّ الفكرة تتمثل في كون التّمييز يقع إثباته عبر حقيقة أنّنا نميل إلى الاتّفاق على أيّ العناصر التي تندرج تحت العناوين المعنيّة، حتّى في صورة عدم التمكّن من تحديد معايير لضبطها[5]. فالخصائص والقضايا والعلاقات جميعها أمور مجرّدة، بينما الأشخاص والنباتات والحيوانات والذرات جميعها موجودات ملموسة. فلديّ تعاطف لا يستهان به مع هذه الفكرة، على الرغم من أنني لا أجد معايير تتعلّق بالنّحو المطلوب انتهاجه من أجل ضبط التّمييز؛ فأنا أعتقد أنه يوجد تمييز ها هنا. ومع ذلك، لا أستطيع أنْ أتجاهل أنّ درجة الاتفاق على التّصنيف أقلّ ممّا قد يحاول الفلاسفة المتفائلون جعلنا نعتقده. فعلى سبيل المثال، يختلف منظّرو المجاز حول ما إذا كانت المجازات مجرّدة أو ملموسة، لكن معظم أصحاب النظريّات المجازيّة يريدون إنكار أنّه في نهاية التّحليل لا يوجد شيء آخر إلى جانب الاستعارات[6]. وبطريقة مماثلة، يختلف الميتافيزيقيون حول وضع الأحداث: فبعضهم يظنّ أنّها ملموسة وبعضهم الآخر يعدّونها مجرّدة[7]. ومع ذلك، يوجد أنطولوجيون يصرّون على أنّ الأحداث تشمل جرد ما هو موجود. فنحن جميعاً، مرّة أخرى، على دراية بالادعاء الذي مفاده أنّ الحالات الراهنة، أوْ الوقائع، هي الحقائق النهائيّة. ومع ذلك، هناك اختلاف بشأن ما إذا كانت مثل هذه الأمور مجرّدة أو ملموسة[8]. ذرونا، مع ذلك، نفترض أنّ مثل هذه الخلافات يمكن حلّها، وأنّ هناك تمييزاً حقيقياً جاد به الجرديّون التقليديّون في هذا النطاق. وتظلّ الصعوبة قائمة؛ فبمجرّد أنْ نوافق على هذه الاستراتيجيّة، يتمّ تركنا دون أيّ تفسير يخصّ فحسب ما الذي يجعل الأشياء مجردة أو ملموسة. ونحن أمام غياب هذا الضّرب من التفسير، نفتقر إلى المصادر لكيْ نُظهر لماذا ينبغي أنْ يكون الطرح إشكاليّاً ليتيح لنا التفّكير في أنّ الكيانات الملموسة تتألّف من كيانات مجرّدة، أوْ تتكوّن بواسطتها.

وعند بلوغنا هذه النّقطة، من المرجّح أنْ يختزل المعترُض حججه، ويتّخذ ضرباً واحداً من الكيان الملموس (الجسيْمات الماديّة) بؤرة الاعتراض. وسيذهب الاعتراض المنقّح إلى أنّ أقسام جسيم ماديّ هي إحدى وجوه المادّة وجِماعها. ولكن عند وجود مجازفة بالمقولة الخطأ فقط، يمكننا أنْ نفترض أنّ الأشياء، على غرار الخصائص، هي كيانات ماديّة. ومع ذلك، يريد الأنطولوجيّون التكوينيّون الزّعم بأنّ خصائص جسيْم ماديّ تُؤخذ في الاعتبار بوصفها عناصر أو مكوّنات، وهكذا نستخلص، مرّة أخرى، نتيجة مدارها أنّ الأنطولوجيين التّأسيسيّين يقعون في هذا الضّرب من خطأ التّصنيف المقوليّ.

فليس من الدّقة بمنزلة، على نحو ما سنتبيّن، أنْ نقول إنّ الانطولوجيّين التّأسيسيّين أجمعين يريدون أنْ يجعلوا خصائص جسيم ماديّ معيّن في صلته بمكوّناته، ومع ذلك الكثير منهم يذهب هذا المذهب، ولكن لا أحد من أولئك سيجد أنّ الاعتراض المنقح أفضل أيّما أفضليّة من الأصل. ومكمن الصعوبة أنّهم سيدّعون بأنّ الاعتراض المنقّح يحدّد على وجه الخطأ مكوّنات جسيْم ماديّ معيّن بأجزائه المنطقيّة. ومع ذلك، فالأنطولوجيّون التّأسيسيّون تواقّون إلى التّمييز بين الاثنين. وبينما هم يقرّون بأنّ هذا المعطى الأخير يجب أنْ يكون ماديّاً، فإنهم سيجحدون صحّة المعطى الثاني قياساً على الأوّل. ونحن نلتقي مع هذا التمييز في أعمال أرسطو المبكّرة؛ فهو يميّز «الأجزاء التي تقيس شيئاً وفقاً للكميّة» من «الأجزاء التي تتكوّن منها مادّتها» (Met.vii.10,1034b33-35). فالأولى هي الأجزاء المنطقيّة لشيء مّا، في حين أنّ الثانية هي مكوّناته، أو ما يمكن أنْ نطلق عليه الأجزاء الميتافيزيقيّة. وحينئذٍ، فالأجزاء المكوّنة لكلّ من النّوعين لا تقتصر على الكليّات التي تكوّنها؛ ولكن أرسطو يخبرنا بأنّ هذين النّوعين من الأجزاء قاصران بطرائق مختلفة؛ ذلك أنّ كلّ جزء من الأجزاء المنطقية لشيء ما هو أقلّ من جهة الفضاء من الشيء، حيث إنّ المكان الأوّليّ الذي يحتله كلّ جزء إنّما هو جزء خاصّ من المكان الأوليّ الذي يشغله الكلّ. وبناءً على ذلك، يمكن استخدام الجزء لتوفير مقياس مكانيّ للكلّ، وعلى هذا النّحو يمكننا أنْ نتحدّث عن الكلّ، باعتباره قائماً على طول بضعة أقدام، وباعتبار عمقه يساوي بضعة مكعبات، أوْ بضعة أذرع، ارتفاع. وعلى النقيض من ذلك، إنّ حديث أرسطو عن جوهر شيء ما إنّما هو حديث عن ماهية وجوده كيف هي كائنة، وعن كينونة نوع الشيء الذي هو قائم فيه. ومن هنا، فإنّ الفكرة التي هي محلّ تدبّر في الحديث عن الأجزاء الجوهريّة، أو الميتافيزيقيّة لشيء ما، قوامها أنّ كلّ جزء من مثل هذا النوع ينطوي على شكل من الوجود، أو يحدثه، والذي هو أقل من، أو أحد مكوّنات، الشكل الإجماليّ الذي يعرضه كامل الشيء. في حين أنّ أرسطو يودّ الإقرار بأنّ الأجزاء المنطقية لشيء ما هي واحدة، وجميع المادّة. لذا، فإنه يصرّ على أن الأجزاء الجوهريّة، أوْ الميتافيزيقيّة، يمكن أنْ تحتوي على عنصر يكون غير ماديّ تماماً على وجه الإطلاق.

وعلى خلاف أرسطو (الذي هو لاهوتيّ)، يستخدم ديفيد لويس إطاراً زمنيّاً للأجزاء باعتباره خلفيّةً لتوصيفه بما أسمّيه أنا المقاربة التأسيسيّة، ويتحدّث عن أجزاء غير زمكانيّة[9]؛ وبينما يعتقد أنّ الأجزاء الزّمكانيّة من مادة مّا هي كلّ جزء من قبيل المادّة، ومن نظير الكائن نفسه، فهو يعدّه سمة مميّزة في للمقاربة التكوينيّة التي يمكن أنْ تعدّ الأشياء غير الماديّة مثل الخصائص بمثابة أجزاء غير مكانية، أو ميتافيزيقية، لكائن ماديّ. وبالطبع، لا يحبّذ لويس نفسه المقاربة التكوينيّة للخاصيّة. وبالفعل، فهو ينكر أنّنا نحتاج إلى تقديم تصوّر جوهريّ (سواء من النوع العلائقيّ أو المكوِّن) لهذه الظاهرة[10]؛ ولكنّه يقرّ، منذ البداية المبكّرة للمشروع، بأنّ الأنطولوجيا التكوينيّة لا تنطوي على خطأ من النّوع المقوليّ.

إنّ فكرة وجود تناقض بين الأجزاء الماديّة المنطقية لشيء ما، وبين أجزائه أو مكوّناته الميتافيزيقيّة، هي قاسم مشترك بين كلّ الضالعين في تطبيق الاستراتيجيّة التكوينيّة. وليس من باب الصدفة أنْ يكون الأمر كذلك. واعلمْ أنّ المُؤيّد لهذه الاستراتيجية يجعل من مكوّنات شيء ما مسؤولة عن كامل خاصيّته. لكن هيكله المريولوجيّ المنطقيّ لا يعدو أنْ يكون جانباً واحداً من هذه الخاصيّة. ثمّ إنّ ترتيب الأجزاء المنطقية للشيء ليس نتيجة حتميّة لمكوّنات الشيء. لذا، سيقول الأنطولوجيون التكوينيّون إنّ الطبيعة الداخليّة للأجزاء نفسها تُعزى إلى مكوّنات الكلّ، أو سيقولون إنّ تلك الأجزاء لديها مكوّنات خاصّة بها تُحسب لتحديد طبيعتها. في كلتا الحالتين، فالنتيجة، على حدّ قول الأنطولوجيّ التكوينيّ في القصّة المرويّة عنه، أنّ مكونات أو أجزاء ميتافيزيقيّة تتحوّل إلى كونها ذات أسبقيّة قياساً إلى الأجزاء الماديّة المنطقيّة.

وقد نقرّ بأنّ التّمييز يُسخّر للردّ على الاعتراض المنقَّح، لكننّا سنرغب في معرفة المزيد عن التّكوين. يمكننا بادئ ذي بدء، تحديد خصائصه الأساسيّة. وإذا قمنا بإلزام أنفسنا بما يمكن أنْ نطلق عليه المكوّنات الخاصّة لشيء مّا، فيمكننا أنْ نتّفق على أنّ علاقة المكوّن بالكلّ هي علاقة غير انعكاسيّة، وغير متناظرة، ومتعدّية. فالعلاقة وظيفيّاً هي علاقة تركيب؛ لذلك قد يكون من المغري تحديدها مع علاقات أخرى أكثر ألفة. ولكن يجب مقاومة الإغراء. فليست العلاقة ماثلة في ربط عناصر المجموعة بالمجموعة؛ إذْ الجسيْمات المألوفة ليست مجموعات. وما هي بعلاقة ربط الخصائص بالسمّات التي تكون لاصقة بها. يرفض العديد من الأنطولوجيين التكوينيّين حصر مكوّنات الجسيمات المألوفة في خصائصها، وحتى أولئك الذين يقبلون بالحصر، فإنّهم عادةً ما ينكرون أنّ الجسيمات المألوفة هي في حدّ ذاتها خصائص، سواء كانت جزيئية أو ذريّة[11]. وأكثر الأمور منطقيّة هو الاقتراح القائل إنّ العلاقة بين الجزء والكلّ هي حالة علاقة التركيب، أوْ ما يُسمّى بالضبط المريولوجيا؛ أيْ المنطق الذي ينتظم الأجزاء والكليّات. ولكن، حتّى هذا الاقتراح نفسه له مشاكله. فالعلاقة موضع السؤال (تسمّى الإجمال أوْ الانصهار) هي ببساطة في غاية الاتّساع، وهي تتفّق في هذا المضمار مع كليهما، مجموع التّركيب النظريّ والتّركيب المشارك، في ميزة الاندماج. ففي جميع الحالات الثلاث، إذا كان من الممكن بالنّسبة إلى الكائنات المتعدّدة المعطاة أنْ تقوم بتكوين الكلّ المناسب، فإنّ التعدديّة، من ثمّ تنهض بتكوينه، غير أنّ الأمر يختلف في حالة الكائنات التي تكوّن جسيماً مألوفاً. فمن الممكن أنْ توجد تلك الكائنات دون أن تشكّل الجسيم المعيّن؛ فهي تضطلع بدورها التكوينيّ بمحض الصدفة كما يتّخذ الأنطولوجيون التكوينيّون هذه الحقيقة بشكل رتيب ليؤكّدوا الصدفة الكامنة وراء الجسيم المكوّن.

وسيدّعي، الآن، بعض علماء الأنطولوجيا التأسيسيّة أنّه بوسعنا إضافة مفهوم الانصهار بقيود تضمن أنّ المركّبات الوحيدة هي تلك التي نلتقيها في حالة الكائنات العاديّة الموجودة فعلاً[12].

ولكن، سواء أكانوا يؤيدون تماماً التفسير المريولوجي لعلاقة جزء/كلّ، أم لا، فإنّ الأنطولوجيّين التكوينيّين سيتّفقون على أنّه إذا كانت تعدديّة الكائنات أ... ن (a ... n) تكوّن المفردة/الجسيم، فإنّ المحدّد (x) يفعل ذلك بالصدفة فحسب. ومع ذلك، فإنهم يوافقون أيضاً على أنّ الكلّ الناتج (x) لديه بالضرورة خاصيّة امتلاك كلّ من أ... ن (a ... n)، لكن بوصفها مكوّنات فحسب. ولْنُسمّ هذا الادّعاء بالأساس التّكوينيّ، وهو يحتاج إلى تمييزه ممّا يُسمى بالأساس التكوينيّ المريولوجيّ القائل إنّ الشيء يملك بالضرورة كلّ جزء من أجزائه المنطقيّة. وإنّه لمن المعقول الاعتقاد بأنّ الأنطولوجيّين التكوينيّين أحرار في الاختلاف حول هذا الادّعاء الأخير؛ اذْ هم يدّعون أنّ ما أسميته أنا، بالأساس التكوينيّ؛ هو أمر ما شبيه بالمبدأ الإطار لمقاربتهم، وأنّ الجسيمات المألوفة ليست سوى مركّبات لمكّوناتها. ولكنّهم، بعد ذلك، يحاجّون بأنّه من الصّعب أنْ نفهم كيف يمكن، بقدر ما هو ممكن، أنْ يكون للجسيْم عناصر أخرى غير تلكم التي تكوّنه. وبالنظر إلى مجموعة مختلفة من العناصر المكونة، سيكون لدينا وجود مركّب مختلف، ومن ثمّ جسيْم مألوف مختلف.

ولذلك يعدّه علماء الأنطولوجيا التأسيسيّة حقائق هيكليّة تتعلّق بأسلوبهم المتوخّى في الأنطولوجيا. أوّلاً لأنّ العناصر التي تشكّل جسيماً معيّناً لا تفعل ذلك إلّا بالصدفة، وثانياً لأنّ الجسيم لديه بالضرورة عناصره الخاصّة به. وسيضيفون أنّها تنفرد بهذه المكوّنات، وسيزعمون أنّ ما أسميته الأساس التكوينيّ هو مبدأ إطار لهذا الضّرب من التفسير الميتافيزيقيّ. وبناء على هذه النظرة، فإنّ كلّ ما يمتلكه الجسيم المألوف إنّما هو مكوّناته. ولكن، تبعاً لذلك، من المستحيل بمكان بالنّسبة إلى العديد من الكائنات المختلفة أنْ تكون مصنوعة من مكوّنات متطابقة. وسأطلق على هذا الافتراض مبدأ الهويّة التأسيسيّة، وسأقوم بصياغته بوصفه مطلباً ضروريّاً على النّحو الآتي: بالنّسبة إلى أيّ من الذوات (x وy)، إذا كان (x وy) يملكان كلّ المكوّنات الوحيدة نفسها، فإنّ (x وy) متطابقان بالضرورة.

ومن أجل وصف مفهوم التكّوين المعمول به في النظريّات المحايثة كنت قد قلت إنّ علاقة المكّون بالكلّ هي علاقة تركيبيّة غير انعكاسيّة، وغير متماثلة، ومتعدّية. وعلاوةً على ذلك، لقد كنت أقول إنّه على الرغم من أنّ مكوّنات شيء ما تشكلّه بالصدفة، إلا أنّ ذلك الشيء له مكوّناته الضروريّة والمتفرّدة. ولكن هذا التّوصيف في غاية التّعميم؛ لذا يمكننا تصوّر أيّ عدد من المفاهيم التي تفي بالشروط الاصطلاحيّة والوظائفيّة المحدّدة في هذا التّوصيف. ولكن هذا الأمر على أيّ نحو ينبغي أنْ يكون. وعلى الرّغم من أنّ الأنطولوجيّين التّكوينيّين سيقبلون توصيفنا العامّ للتكوين، فإنّ تقديرهم لتكوين الجسيْمات المألوفة سيختلف عنّا اختلافاً جذريّاً. وفيما كنت منه بسبيل إلى حدّ الآن، بذلت ما في وسعي من جهد للكلام عن الاستراتيجية التكوينيّة بشكل عامّ، وللحصول على مزيد توضيح في شأن هذه الاستراتيجيّة، نحتاج إلى فحص أمثلة مخصوصة منها بغية فهم كيف تتَّفق هذه الأمثلة وتختلف. ولهذا ذرونا نتدبّر الأمثلة.

II

يمكننا أنْ نبدأ استكشافنا للمقاربة التأسيسيّة بالتّركيز على فكرة أنّ ما يُقدم لنا في حالة أيّ جسيم مألوف هو مجرّد أشكال متنوعة للخاصيّة، فنحن نتمثّل بالطبائع المتعدّدة التي تصنع مجتمعةً نوعاً من الوَحدة. وسواء علينا أاختبرْنا الجسيْم بعينه، أمْ فكّرنا فيه مجرّد تفكير، فإنّ تلك الطبائع أو الأشكال للخاصيّة تمثّل كلّ ما يمكن إدراكه، أو فهمه، فيما يتعلّق بالجسيم. وبغضّ النّظر عن تلكم الطبائع والأشكال، نريد أنْ نقول إنّ الجسيم في حدّ ذاته لا يعني أيّ شيء بالنسبة إلينا؛ ذلك أنّ التفكير في هذا الجزء انطلاقاً من تصوّر الفيمونولوجيا يمكن أنْ يقودنا إلى فكرة قوامها أنّ الجسيم لا يعدو أنْ يكون جماعَ تلك الطبائع والأشكال لخاصيّة مرصوصة في شيء ما شبيه بالوَحدة «الصمّاء». في الوقت الراهن، نجد أنّ النظير التقنيّ لمفهوم الخاصيّة المعمول بها في الفيمونولوجيا هو مفهوم الصفة ذات التّرتيب الأوّل، أوْ لِنَقُل بشكل أكثر دقّة هو مفهوم الصفة ذات الترتيب الأوّل التي يقع تحديدها تحديداً كاملاً في مجالها. ووفقاً لذلك، فإنّ التأمّل في تصوّرات الفيمونولوجيا يجد له تعبيره الطبيعيّ في الادعاء الأنطولوجي المميّز لنظريّة الحزمة التقليديّة، وهو الادّعاء الذي مداره أنّ الجسيْم المألوف ليس شيئاً آخر سوى حزمة كاملة لصفات ذات ترتيب أوّل محدّدة تحديداً كاملاً، وهي صفات محدّدة ذات ترتيب أوّل منطقيّ مترابطة مع الجسيْم[13].

إذاً، عندما يرى المنطقيّ نبتة إبرة الرّاعي، وقطّة، أو تفّاحة، فإنّ ما لدينا في الواقع هو مجرّد كتلة، أوْ حزمة من الصفات المحدّدة بالكامل. لذا، فالكتلة هي ضرب من كلّ، والصفات هي شيء ما شبيه بأجزائها. ليست هي بالتأكيد أجزاء مكانيّة أو زمانيّة للكلّ؛ بل هي بالأحرى ما يفيد أنّ كلّاً منها يتضمّن شكلاً من الوجود الذي هو مكوّن في الشكل الكامل للوجود المرتبط بالجسيْم المألوف المناسب. ومن ثمّ فالصفات هي ما سمّيناها مكوّنات. ومع ذلك، فالصفات هي مكوّنات تجتمع في نطاق واحد. ولذلك فالصفات بواسطة اجتماعها المذكور تكوّن وَحْدَةً من الخصائص.

لذا، فالسؤال المطروح من أين تتأتّى هذه الوَحدة؟

إنّ إجابة منظّري الحزمة التقليديّة واضحة، ومفادُها أنّه إذا كان بحوزتنا وَحدة؛ أي كائن منطقيّ واحد، فهي خاضعة لحقيقة أنّ كلّ الخصائص المختلفة التي تحدّدها بشكل كامل هي مجتمعة، وذات حضور مشترك، ومتزامنة في ما بينها.

وعلى هذا النّحو، نحصل على التصوّر الأوّل من الأنطولوجيا التأسيسيّة في الشكل البدائيّ لنظريّة الحزمة التقليديّة. ولذلك ما أريد أنْ أقترحه هو أنّه يمكننا الحصول على الخيارات المركزيّة التي توفّرها الاستراتيجية التأسيسيّة، وهي فكرة ممتازة بشأن كلّ أنواع النظريّات التأسيسيّة الأكثر أهميّة وإثارةً للانتباه، وإذا فكّرنا في أنواع المشاكل التي تنشأ من هذه المحاولة الأوليّة في قيام الأنطولوجيا على أسلوب تكوينيّ؛ لأنّ جميع النظريّات التأسيسيّة هي مجرّد محاولات للتعامل مع المشاكل التي تنشأ عن هذا الضرب من التصوّر. ولتبيّن ذلك، سأسلّط تركيزي على أربع مشاكل مختلفة يفتَرَض أنّها قد تنشأ من نظريّتنا الأوليّة:

(1) أنّ النظريّة تنطوي على حقيقة هويّة يتعذّر تمييزها.

(2) أنّ النظرية تلزمنا بالأصوليّة المفرطة (ما أسمّيه الأصوليّة المتطرّفة).

(3) أنّ النظريّة لا يمكن أنْ تستوعب فكرتنا قبل الفلسفيّة التي مفادها أنّ الأشياء تستمرُّ من خلال التّغيير.

(4) أنّ النظريّة لا يمكن أنْ تفسّر تفرّد الجسيْمات المألوفة أو ماديّتها.

III

لنبدأْ بــ (بالمشكل الأوّل)؛ إذْ إنّ خلفيّته ماثلة في فكرة أنّه من الممكن بالنّسبة إلى الجسيْمات المختلفة عدديّاً تقديم شكل الخاصيّة نفسه، فضلاً عن افتراض أنّ الخاصيّة نفسها، عند الاقتضاء، تشكّل مكوّنات مركبّات مختلفة عدديّاً. وبالنّظر إلى هذه الخلفيّة، تكون صياغة الاعتراض مباشرة[14]، ويعتقد أصحاب نظريّة الحزمة أنّ مكوّنات جسيْم مألوف مستغرَقة من قبل خصائصها، ولكن بوصفهم أنطولوجيّين تأسيسيّين، فإنّهم ملتزمون بمبدأ الهويّة التأسيسيّة (الادّعاء القائل إنّه بالضرورة إذا كان (x وy) شيئين لهما كلّ، وفقط المكونات نفسها، فإنّ (x وy) متطابقان). ولكن، يلتزم إذاً أصحاب نظريّة الحزمة بهويّة عدم قابليّة التّمييز، وهو الادّعاء الذي قوامه أنّه بالضرورة إذا كان (x وy) شيئيْن لهما كل وفقط نفس الصفات، فإنّ (x) إذاً مطابقة لــــ(y)؛ وبما أنّ أصحاب نظريّة الحزمة يسعون إلى اختزال الجسيمات المألوفة، فإنّ الصفات المعمول بها في تصوّر الهويّة غير القابلة للتّمييز، التي بها يلتزمون، أسمّيها أصليّة.

تقريبياً، الصفات الأصليّة هي تلك التي لا يتضمن محتواها بالفعل إطاراً من الجسيمات الموجودة. وبشكل أدقّ لا تكون الصفة أصليّة إلا إذا لم تكن غير خالصة، وتكون الصفة (P) غير أصليّة فقط في حالة يكون الجسيم طارئاً (y) وعلاقة (R) حيث يكون (x) شيئاً ما له الصفة (P) فقط عندما يدخل في علاقة (R) مع (y).

لذا يلتزم منظّرو نظريّة الحزمة بإنكار أنّه من الممكن لعدد من الجسيمات المألوفة المختلفة أنْ يكون لها كلّ، وفقط، الصفات الأصليّة نفسها. ولكن الاعتراض قائم، وهذا أمر ممكن. وهو ما بيّنه كلّ من كانط في القفازات، وبلاك في عالمه التناظر الإشعاعي ودفيد لويس في عالم التكرار النيتشويّ[15]. ولكن على هذا النّحو، كلّ من مبدأ الهويّة التكوينيّة، أوْ الادّعاء المميّز لنظريّة الحزمة، غير صحيح، ومع ذلك فهو مبدأ إطاري للمشروع الأنطولوجي نفسه؛ لذا فالأخير هو الخاطئ.

وغالباً ما اتّخذ هذا المنحى من الحجاج لا لتوفير هذا الاستنتاج السلبيّ فحسب، وإنّما أيضاً لاستخلاص نتيجة إيجابيّة[16]. وتسويغ ذلك عقليّاً يكون على الطّراز الآتي: بما أنّ مبدأ الهويّة التأسيسيّة صحيح، فإنّ الكائنات المختلفة كميّاً لكنّها غير قابلة للإدراك نوعيّاً ينبغي أنْ يحتوي كلّ منها على مكوّن يفوق صفاته الأصليّة النقيّة، ويكون تمييزيّاً لحامله. وبما أنّ كلّ كائن مألوف مثل ذلك من الممكن أنْ يكون لديه توأم، فإنّ كلّ كائن مألوف لديه مثل هذا المكوّن. وقد أطلق على المكوّن اسم الجسيْم المجرّد، علماً أنّ ما يوفّره الجسيم المجرّد تحديداً هو إمكانية التنويع المحتمل لحزمة من الصفات الأصلية؛ ولكن يُقال لنا إنّه يعمل، باعتباره موضوعاً لكلّ الخصائص في الحزمة، أوْ بوصفه حاملاً لها.

ويتمثّل الادّعاء في أنّ الذي يمنحنا وجود كامل الكائن المألوف لا يعدو أنْ يكون الحقيقة القائلة إنّ الجسيْم المجرّد يستنسخ كلّ صفة من الصفات التكوينيّة للموجود الفرد. ويُقال لنا أيضاً توجد حقيقة بنيويّة حول هذا التواصل، أوْ الارتباط، الذي يُعقد بمحض الصدفة. لذلك، حيثما يزعم منظّر الحزمة أنّ مكوّنات كائن مألوف هي كلّها من نوع واحد، وأنّ وَحدة الكائن العادي مستمدّة من حقيقة كون تلك المكوّنات تدخل في علاقة متناظرة، أو ارتباط، أو تواصل، لحضور مشترك يوافق ما يمكننا تسميته جُسيْماً مجرّداً، فإنّ تلك المكونات، مثلما يخبرنا بذلك المنظّر، هي من نوعين مقولييْن مختلفين، وأنّ وحدة الكائن متأتّية من حقيقة أنّ أحد هذه المكوّنات مرتبط بجميع المكوّنات الأخرى عن طريق رباط، أو تواصل، غير متماثل.

لكن الفلاسفة عادةً ما تصدّوا لتحليل الجسيم المجرّد. وقد كان الاعتراض الرئيس الذي عندهم أنّ العناصر التي تُتّخذ على كونها المواضيع الأساسيّة للتنبؤ تتحوّل إلى أشياء ليست بأيّ حال من الأحوال الممكنة كائنات مرجعيّة قابلة للتّحديد؛ لذا تتمثّل الصعوبة، بطبيعة الحال، في طابعها التّجريديّ. ولكن يوجد، هاهنا، ما هو أدهى وأمرّ من الصعوبة في شأن تخصيص على أيّ نحو سوف نذهب في تعريف جسيْم مجرّد، فهذه الصعوبة حقيقيّة. وبقي مثلما أشرت، في موضع آخر، توجد صعوبة خفيّة غائرة البعد، مفادها أنّ الفكرة المتميّزة المتعلّقة بكيان مجرّد دقيق هي ذات اتّساق مشكوك فيه[17]؛ إذْ يكون شيء مّا مجرّداً فقط في حال لم يكن لديه خصائص أساساً. ولكن أليس التجرّد من الصفات في حدّ ذاته خاصيّة أساسية لأي شيء يحملها؟ وماذا نقول حول خاصيّة كينونتها تنوّعاً عدديّاً؟ أليس هذا ضروريّاً للتنوّع؟

ولكن المشكلة، مع ذلك، تتمثّل في أنّه بمجرّد أنْ نسمح لمُنَوِّعينا بأنْ يكون لديهم هذه الأنواع من الخصائص بالأساس، ومن ثمّ لم تعد هذه الخصائص تزوّدنا بالإجابة النهائيّة عن الأسئلة الموصولة بالتّنويع، بالنّسبة إلى جميع الجسيمات المتنوعة التي تمتلك الخصائص الأصليّة نفسها أساساً. لذلك، فالمشكل الذي قُدّم للمعالجة يظهر أمامهم أيضاً.

ولكن إذا فشل تحليل الجسيم المجرّد في تفسير إمكانيّة التنوّع العدديّ، وحتّى في تفسير عدم قابليّة الجسيمات للإدراك تفسيراً نوعيّاً تمييزيّاً، فإنّ نظريّة المجاز ربّما توفّر تصوّراً للمقاربة التكوينيّة التي يمكن أنْ تفلح هنا. وينفي منظّر المجاز أنّه عندما نتحدّث عن موجوديْن لهما شكل الخاصيّة نفسه، فإنّ ما نقوله يتطلّب هويّة للمكوّنات متعدّدة[18]. يقول لنا هؤلاء المنظّرون إنّ الخصائص التي تتوافق مع مفهومنا المشترك للميزة إنّما هي متفرّدة. وإنّ الخصائص مخصوصة خصوصيّة الكليّات التي تشكّلها. فالمجاز هو، بطبيعة الحال، المصطلح التقنيّ المناسب للخاصيّة المدرَكَة من هذا المنحى. وتأسيساً على وجهة النظر هذه، حيثما يمتلك موجودان اثنان مختلفان عدديّاً، على نحو ما صاغته لنا المرحلة ما قبل الفلسفيّة، الشكل نفسه للخاصيّة، فإنّهما يدرجان من بين مكوّناتهما الخاصّة مجازات مماثلة.

إنّ التماثل، الذي هو موضع مساءلة، يجيء على درجات، مع التّنصيص على التماثل الدقيق للحدّ الأقصى. ناهيك أنّ التماثل الدّقيق، مع ذلك، ما هو بالهويّة. ووفْقاً لذلك، إنّ إمكانيّة وجود كائنات غير قابلة للإدراك إدراكاً تامّاً ليست مشكلة في هذه الرؤية. ذلك أنّ كائنات متنوّعة، وحتّى تلك غير القابلة للإدراك، سوف تتألّف من مكوّنات متشابهة تماماً. ولكن ما مِنْ مكوّن من مكوّنات الكائن الواحد المفرد يمكن أنْ يكون مكوّنا لكائن آخر. ولكن بعد ذلك، يمكن لمنظّر المجاز أنْ يوافق على أنّه من الممكن أنْ تكون الكائنات المختلفة عددياً غير قابلة للإدراك نوعيّاً من دون رفض هويّة غير القابل للإدراك. لذلك، فالكائنات المألوفة هي كليّات بفضل المجازات باعتبارها مكوّنات لها. وعلى الرغم من أنّ بعض منظّري المجاز يضيفون ركيزة أساسيّة بوصفها مكوّناً[19]، فإنّ التصوّرات النمطيّة المعياريّة لنظريّة المجاز إنّما هي اعتبارات نظريّة للحزمة.

يطيب للعلماء، في أيّامنا هذه، الحديث بحريّة، وبشكل شبه عرضيّ، عن هذا المجاز أو ذاك، ولكن الحقيقة هي أنّه ليس من الواضح تمام الوضوح ماذا عسى أنْ يكون المجاز.

الصعوبة، هاهنا، هي إحدى صعوبات مفهوم التفرّد، لنأخذْ مثال لون سطح المكتب الذي أكتب فوقه الآن، لا ريبَ في كونه مجازاً واحداً. ولكن ماذا يحدث عندما أقوم بقصّ سطح المكتب إلى قسمين اثنين؟ هل يمكنني بذلك جلب لونيْن من المجاز إلى الوجود؟ إذا قمت بذلك، فإنّ الذي لم يكن مجازاً من ذي قبل أصبح الآن من المجاز. ولكن السّؤال المطروح، كيف يمكن لِمَا لمْ يكن مجازا أنْ يصبح مجازاً؟ حسنًا، ربّما ينبغي لنا أنْ نقول إن استعارتَي اللّونين كانتا موجودتيْن سلفاً. ومع ذلك، فإنّ الصعوبة تكمن في أنّه يمكنني المضي قدماً في تقسيم كلّ قسم من القسمين الجديدين من سطح المكتب الأصليّ إلى قسمين. ولكن، هل كان هناك أربعة بدائل ملوّنة عوضاً عن بديليْن اثنين قبل القسمة الأولى إذاً؟ ليس من الواضح أنّ أيةّ إجابة نقدّمها هنا ستكون مُرضيّة. وبالطبع، ستنشأ مشاكل مشابهة بالنّسبة إلى مجازات حجم المكتب الأصليّ وشكله.

يبدو أنّ بعض منظّري المجاز، مثل دونالد كاري وليامس، لم يتأثّروا بهذه الصعوبات. لقد كان كايث كامبل، أكثر العلماء المتأخّرين دفاعاً عن نظريّة المجاز، واضحاً تماماً في قهر هاته الصعوبات[20]؛ إذ كانت ردّة فعله ماثلة في اقتراح تصوّر من نظريّة المجاز التي تأخذ في الحسبان كلّ العالم المكانيّ والزمانيّ لتشمل خمسة مجالات متراكبة فحسب، حيث يتمّ تفسير كلّ حقل بوصفه مجرّة كونيّة واحدة تنشر نفسها عبر مجمل الزّمان والمكان، والحقول الخمسة هي حقول الجاذبيّة، والكهرومغناطيسية، والقوّة النوويّة الضعيفة، والقوّة النوويّة القويّة، والمادّة، أوْ كتلة القصور الذاتيّ.

ينفي كامبل في الوقت الحاضر أن أيّاً من مجازاته الخمسة الكونيّة يمكن تقسيمها إلى أيّ شيء أصغر، ويخلص إلى أنّ المشاكل المتعلقة بالتفرّد ببساطة لا تنشأ بالنسبة إليها؛ فما مِنْ شيء صغير ممتدّ في كامل المجال الكونيّ إلّا وهو معدود من قبيل المجاز، وبما أنّه توجد خمسة مجالات مختلفة من جهة النّوع، فإنّه يوجد، حينئذ، خمسة مجازات بالضبط، لا أكثر ولا أقلّ.

ومع ذلك، ليس من الواضح أنّ تصوّر كامبل لنظريّة المجاز تتجنّب المشكلات التي يحدّدها في التصّورات التقليديّة من النظريّة. فــــكامبل يخبرنا بأنّ المجاز «هو أمر مفرد ذو طبيعة مخصوصة»[21]. وإذا كانت نظريّته الكونيّة في المجاز تهدف إلى الإعراض عن المشاكل المتعلقة بالتفرّد، فإنّ كلّ مجال من مجالاته الخمسة كان يقدم لنّا، بأسلوب أفضل، شكلاً أحاديّاً للميزة غير قابل للتّحليل. ولكن، هل على هذا النّحو تجري الأمور؟ لا أعتقد ذلك. فإذا كان كلّ مجال من مجالاته ميزة، أو طبيعة مفردة أحاديّة غير قابلة للتّحليل، فإنّ العالم بأسره سيظهر نفسه على أنّه تجانس شامل.

ومتى أردنا الحصول على التجانس الذي يميّز عالمنا، فيجب على كلّ مجال من المجالات الخمسة توزيع كميّته الخاصّة بكثافة متفاوتة عبر المكان والزّمان.

إنّ مثل هذا التّوزيع المتفاوت مطلوب لشرح كيف تختلف جهة من المكان والزّمان اختلافاً نوعيّاً عن الجهة الأخرى، ويبدو أنّ كامبل يعترف بأنّ الكميّات، في مجملها، تختلف من حيث الكثافة عبر المكان والزّمان؛ إذْ تكمن الصعوبة في أنّنا عندما نسمح لوجود هذه الأنواع من الاختلافات في الكثافة الكميّة، ينبغي لنا أنْ ننكر أنّ كلّ مجال من المجالات الخمسة يمثّل «طبيعة وحيدة مخصوصة». وسنقدّم الأدوات اللّازمة لاستخراج أنواع مشاكل التفرّد التي يسعى كامبل إلى أنْ ينأى عنها بجانبه.

IV

ذرونا نرجعْ القهقرى إلى نظريّة الحزمة الأوليّة التي قدّمت لنا مدخلاً إلى الاستراتيجيّة التأسيسيّة. فالاعتراض الثاني على هذه النظريّة يحتجّ بأنّها تملي علينا صورة مشطّة من الأساسيّات، حيث تنقلب فيها كلّ خاصيّة مرتبطة بكائن مألوف إلى خاصيّة ضروريّة له.

ينصّ الاعتراض على أنّه بما أنّ التأسيسيّين الأنطولوجيّين يشكلون ما أسميته المكوّن الأساسويّ مبدأً إطاريّاً، وبما أنّ منظر الحزمة يحدّد مكونات كائن مألوف بخصائصه المحدّدة تمام التّحديد، فإنّ منظّر الحزمة يلتزم بوجهة نظر قوامها أنّ كلّ خاصيّة محدّدة تماماً لكائن مألوف لها بالضرورة بالنّظر إلى عدم وجود مثل هذا الضرب من الخاصيّة الحقيقيّة؛ ذلك الكائن الذي يستطيع أنْ يكون موجوداً ومفتقراً إلى تلك الخاصيّة. ومع ذلك، ليست كلّ خصائص الشيء هي ضروريّة له؛ ذلك أنّ للشيء خصائص عديدة بالصدفة. وعلى هذا، فإمّا أن تكون نظرية الحزمة خاطئة، وإمّا أن يكون مبدأ المكوّن الأساسويّ غير صحيح؛ في الواقع هذا الأخير هو المبدأ الإطار، ومن ثمّ فإنّ المعطى السّابق هو الخاطئ.

إنّ الردّ الواضح على هذا الاعتراض هو تعديل نظريّة الحزمة الأوليّة برفض فكرة أنّ كائناً مألوفاً يتطابق مع حزمة تتكوّن من جميع الخصائص التي نقول إنّه يمتلكها، أوْ في حوزته. يمكننا أن نقول، بدلاً من ذلك، إنّه متطابق مع حزمة تتكوّن من مجموعة فرعيّة من تلكم الخصائص. لذا، يمكن أنْ نعدّ الخصائص في هذه المجموعة الفرعيّة المميّزة أساسيّة بالنسبة إلى الشيء. ولكن، بينما نحتفظ بفكرة أنّ الكائن له، أوْ يمتلك الخصائص المتبقيّة، يمكننا الإصرار على امتلاكه لها بمجرّد الصدفة.

ومع ذلك، من أجل أنْ يحالف النّجاح هذه الاستراتيجيّة، نحتاج إلى بعض الطرائق المبدئيّة لتمييز الخصائص الأساسية لكائن مّا من تلكم التي يمتلكها بمجرّد الصدفة. أمّا الآن، فليس لبعض الفلاسفة مشكل في ضبط مثل هذا التمييز. وسوف يدَّعون أنّ الخصائص الأساسيّة لكائن مّا هي تلك التي تتأتّى من ماهية الكائن، ومن النّوع الذي ينتمي إليه[22].

ولكن للأسف، هذه الخطوة ليست خياراً بالنسبة إلى منظّري حزمتنا المنقّحة، إنّ المنظّرين الأصوليّين للحزمة ومنظّري حزمتنا المنقّحة، شأنهم في ذلك شأن أسلافهم، هم أصحاب نزعة بنيويّة فيما يتعلّق بالكائنات المألوفة الملموسة. والفكرة في ذلك أنّ المكوّنات الخاصّة للكائن المألوف هي المسؤولة عمّا يمكن أنْ نسمّيه الطابع الإجماليّ للكائن، وهذا بالنّسبة إلى طابع الكائن معتبَراً في كليّته.

إنّ مؤيّدي هذه الخطوة المعتبرين عندنا ليسوا سوى بنيويّين فيما يتّصل بالكائنات المألوفة؛ إذاً يأخذون طبيعة أوْ ميزة الجسيْم المألوف بأكمله باعتباره معطى، ويحيطوننا علماً بأنّ تلك الطبيعة الكليّة تحدّد فقط أيَّ خصائص للشيء تعتبر مكوّناته مثلما يطيب لمنظّري الحزمة تسميتها.

فإذا كُتب لهم النّجاح في تمييز ما يوجد من بين الخصائص التي يمتلكها الجسيم من مجموعة فرعيّة من الخصائص التي يمكن القول إنّها ضروريّة بالنسبة إلى الكائن، فإنّ منظّري حزمتنا المعدّلة سيحتاجون إلى التّعويل على سمات تلكم الخصائص التي لا تفترض مسبّقاً الوجود الكليّ للجسيْم المكوَّن.

ويقترح بيتر سايمونز، وهو من منظّري المجاز هاهنا، استراتيجيّةً[23]، الفكرةُ فيها أنّه من بين كلّ المجازات المشتركة الحضور، التي نربطها بشيء مّا، تنطوي المجموعة الفرعيّة المخصوصة على مجازات كلّ ما هو فيها يشدّ بعضه برقاب بعض داخليّاً بطريقة في غاية الدّقة؛ هي جميعاً على هذا الطّراز، فإذا توقّف أيّ مجاز عن الوجود في المجموعة الفرعيّة، فإنّ كلّ المجموعات الأخرى تفعل بالمثل.

تشكل المجازات في المجموعة الفرعيّة ما يسمّيه سايمونز نواة الشيء المناسب، وهي ضروريّة له؛ في حين أنّ تلك المجازات، التي تحضر حضوراً مشتركاً مع المجموعة الفرعيّة دون أن تكون جزءاً منها، هي فحسب ملتصقة بمحض الصدفة بذلك الكائن.

وبالنّظر إلى وجود اعتبار نظريّ للمجاز، فإنّ هذا التصوّر من نظريّة الحزمة (كما يسمّيها سايمونز النظريّة النوويّة) يخضع للصعوبات المتعلّقة بتفرّد المجازات التي ناقشناها سابقاً، وربّما يشكّ المرء في إذا ما كانت توجد أشياء «حقّاً» مثل المجازات، فإنّها تظهر أنواع علاقات التبعيّة الداخليّة التي يحتاجها سايمونز، إذا كان تقديره في موضعه. ولكن، حتّى لو كانت هذه الشكوك في غير محلّها، فليس من الواضح أنّ وجهة النظر الحاصلة تجيب عن اعتراضنا الثاني؛ لذا وقع التّنبيه على الصعوبة في الفقرتين السابقتين.

لقد كان جوهر اعتراضنا الثاني على كون نظريّة الحزمة لا يمكن أنْ تستوعب حدسنا الأساسيّ ما قبل الفلسفيّ؛ ذلك أنّ اهتمامنا بنظريّة الحزمة كان انشغالاً بنظريّة ميزة المكوّن المتنوّع.

وكان مدار الاعتراض أنّ الاعتبار التكوينيّ للميزة، الذي يقيّد مكوّنات كائن مألوف إلى خصائصه، لا يمكن أنْ يُؤخذ في الاعتبار بالنّسبة إلى التباين القائم بين ما هو ضروريّ وما هو عرضيّ. ولكن، كما لاحظنا، إنّ المقاربة التأسيسيّة للخاصيّة تجعل من الطابع الشامل، أوْ الكليّ، لكائن مألوف مجموعة معقّدة من الأشكال المتنوّعة من الخصائص المرتبطة بمكوّنات ذلك الكائن، ومن ثمّ تكون تلك الأشكال من الخاصيّة ميتافيزيقيّة وسابقة لخاصيّة الكائن بوصفه كلّاً.

ومع ذلك، وفقاً لنظرية سايمونز، لا يمكن أنْ يوجد أيّ مجاز من المجازات في نواة النظريّة بمعزل عن أيّ المجازات الأخرى. ولكن، هل يجب أنْ لا نحصل على نتيجة مؤدّاها أنّ ميزة النواة هي في حدّ ذاتها نوع من المجموع غير القابل للانفصال، أو غير القابل للتّحليل؛ إنّه شكل مفرد من الميزة لا يمكن عزله؟ وإذا فعلنا ذلك، فليس لدينا نظريّة تأسيسية تمكّننا من ضبط التمييز بين ما هو ضروريّ وما هو ممكن.

توجد، هاهنا، طريقة وحيدة لتشخيص الصعوبة، وهي أنْ نلاحظ، بناءً على رأي سايمونز، أنّ كلّ مجاز في نواة جسيْم مألوف لا يقتضي وجوده وجود جميع المجازات الأخرى في النواة فحسب، وإنّما يستلزم أيضاً حضورها المشترك مع كلّ تلك المجازات. وهذه الاستلزامات تستقيم فحسب بحكم وجود المجاز على النّحو الذي هو عليه.

ولكن بعد ذلك، كلّ مجاز في نواة كائن مألوف يمنح ذلك الشيء شكل الميزة نفسه بالضبط. لهذا، بمقتضى الضرورة. إنّ أيّ جسيْم مألوف مع أيّ من تلك المجازات الواقعة في نواتها تكوّن لها الشكل الكليّ للميزة المرتبطة بالنواة بأكملها؛ لذلك ليس لدينا مجموعة من أشكال غير مترابطة ومنفصلة للخاصيّة، فكلّ شكل هو ناجم عن مكوّن مميّز. ومن هنا، لدينا بدلاً من ذلك شكل واحد لا ينفصم عن الخاصيّة، مستخلص بشكل عشوائيّ من أيّ مجاز، وكلّ مجاز، موجود في النواة؛ وهذا يعني أنّ وجهة نظر سايمونز ليست تصوّراً من الأنطولوجيا التأسيسيّة.

قد تؤدي الصعوبات التي تواجه صياغة نظريّة الحزمة المعدّلة إلى التراجع عن نظريّة الحزمة الأوليّة. وستقرّ الاستراتيجية الموصولةُ باعتراضنا الثاني بأنّ نظريّة الحزمة، في المعنى الصريح، ملتزمةٌ بضرب من الأصوليّة المتطرّفة، ولكنّها، مع ذلك، تلحّ أنّ بوسع منظّري الحزمة إنصاف الحدس ما قبل الفلسفيّ القائل إنّ الكائن العادي يمكن أنْ تكون له خصائص مختلفة عن تلك التي هي موجودة في الواقع.

فكيف يمكن للمرء أنْ يتعامل مع هذا الأمر؟ يمكن أنْ يعالجه بالاحتكام إلى نظريّة المثيل[24].

سيكون مدار الادّعاء أنّه على الرغم من عدم وجود عالم ممكن فيه حزمة معطاة من الخصائص الفعليّة لها مكونات مختلفة، يصحّ، مع ذلك، أنْ يكون للكائن المألوف الذي يمثّل الحزمة المناسبة نظائر في عوالم أخرى؛ إنّها جسيْمات تشبهه إلى حدّ بعيد؛ تشبهه أكثر من الكائنات الأخرى في عوالمها الخاصّة. إنّه صحيح، علاوةً على ذلك، أنّ نظائر الجسيْمات سوف تتقاسم كلها بعض الصفات معاً لجسيم، ولكن سوف تختلف عنه بالنّسبة إلى صفات أخرى. تسمح لنا هذه الحقيقة باستيعاب الحدوس ما قبل الفلسفيّة المتضمنة معيار الأساسويّة. يمكننا أن نقول إنّ خصائص النّوع الأوّل ضروريّة بالنّسبة إلى جسيْمنا، في حين أنّ خصائص النّوع الثاني هي عارضة له.

إنّ كثيراً من الفلاسفة، بالطبع، يرفضون نظريّة المثيل الخارجة عن السيطرة، ولكن حتّى أولئك الذين يرغبون في الإدلاء برأيهم على الملأ سيشتكون من أنّ مقدار تماثل صفاتنا نسبيّ دائماً بالنّظر إلى السّياق. وفقاً لذلك، سيظهر اختيار نظراء شيء ما بطريقة مماثلة نسبيّاً فيما يتعلّق بالمصالح والأغراض التي يقوم عليها هذا الاختيار. ونتيجة لذلك، إنّ أيّ تمييز بين الأساسيّ والعارض، التي توفّرها النظريّة النظيرة، سوف يفتقر إلى نوع من الموضوعية التي يتطلّبها حدسنا الأساسيّ ما قبل الفلسفيّ.

وتجعل لوري باول هذا المشغل مركز اهتمامها[25]؛ ذلك لأنّها تؤيّد قراءة مريولوجيّة للعلاقة بين مكوّن/كلّ، محيطة إيّانا علماً بأنّها تعمل بمفهوم ضيّق للانصهار. وعلى الرغم أنّها لم توضّح المبادئ الدقيقة التي تحكم التّقييد، فإنّها تخبرنا بأنّ تأثيرها هو الحدّ من جمع أوْ صهر الصفات لتلك المجموعات من الخصائص التي توجد بالفعل معاً.

ولكن، في الوقت الذي يتمّ فيه حصر الخصائص، فإنّ مفهومها للانصهار تنتج عنه أشياء أكثر بكثير ممّا يريد المنطق إدراكه. وهناك، حيث يرى المنطق كائناً واحداً -كأساً من الخزف على سبيل المثال- ترى باول مجموعة خصائص من الحزم المتداخلة، لكنّها متمايزة.

إنّها تريد أنْ تدّعي، الآن، أنّ من بين المكوّنات التي تشكّل الحزم المناسبة هي الخصائص التي تؤثّر على الوضعيّة المشروطة لخصائص أخرى. وهكذا وفقاً لخاصيّة أنْ تكون أحمر اللّون، فإنّها توجد خاصيّة/صفة تُسمّى (Q)، التي ربّما يكون حاملوها يفتقرون إلى اللّون الأحمر.

افترِضْ جدلاً أنّ الكأس الخزفيّ يحتوي على كلّ من لونه الأحمر والخاصيّة (Q) باعتبارهما مكوّنين له، ثمّ تخبرنا باول بأنّه يمكننا أنْ نقول ببساطة إنّ الكأس أحمر بالصدفة. ولنفترضْ، مع ذلك، أنّ حزمة من الصفات تشتمل على اللون الأحمر، ولكن ليس (Q)، إذاً، حسب باول، يمكننا القول إنّ الكائن الموافق للحزمة هو أساساً، أوْ بالضرورة، أحمر.

لا تشعر باول بالارتياح إزاء طرح قضيّة الجهة بشكل اختزاليّ، أوْ أوليّ؛ لذلك تروي باول قصّة مختصرة حول (Q) وأمثالها. ومع ذلك، يمكن تجاهل هذه القصّة لأسبابنا الخاصّة؛ لأنّ المهمّ هنا هو محاولة الحصول على نظريّة حزمة تحترم هدفاً باعتباره مقابلاً ببساطة لتمييز نسبيّ بين قضيّة الجهة وحصولنا على الموضوعيّة المرجوّة من خلال جعل الخصائص المشترطة المناسبة مكوّنات لحزم الخصائص، التي هي كائنات عاديّة. وبعد ذلك، لم تعد قضيّة الجهة مناسبة، لا محالة، لسياق الإسناد. عندما يكون هذا صحيحاً، فإنّ الصفات هي تعابير للتكوين الفعليّ للكائنات نفسها.

لكن هل مقترح باول هو أنموذج نوع الموضوعيّة التي يريدها الأصوليّون التقليديّون؟ أنا لا أعتقد ذلك إذنً.

فلنتدبّرْ كأسنا الخزفيّ الأحمر، الذي هو عبارة عن حزمة تشمل ليس فحسب اللون الأحمر والصفة الجهيّة (Q)، لكن خصائص أخرى مثل (F, G, H, I)؛ لذا كأسنا هو حزمة من الصفات، لكنّه ليس أحمر وحسب بشكل عرضيّ. ولكن لاحظ أنّه حيثما يكون كأسنا الأحمر موجوداً بشكل عارض توجد هناك مجموعة مختلفة من الخصائص، بما في ذلك جميع خصائص كأس الخزف الأصلي باستثناء الخاصيّة الجهيّة (Q)، وبما أنّه يفتقر إلى (Q)، فهذا الكأس الجديد تبعاً لذلك أحمر بشكل أساسيّ.

وهكذا توجد حزم من الخصائص ذات مصادفة زمكانيّة، وعلى الرغم من صبغتها التجريبيّة غير القابلة للإدراك، فإنّ إحداها تكون حمراء بمحض الصدفة والأخرى حمراء أصلاً.

وبشكل عامّ، أينما يكون عندنا كائن (x)، والخاصيّة (P)؛ حيث يكون (x) يملك (P) مصادفة، يكون هناك بكلّ بساطة كائن آخر مصادف مصادفة مكانيّاً وزمانيّاً وغير قابل للتّمييز عن (x) في خصائصه غير الجهيّة، الذي يملك (P) بشكل أساسيّ. بالتأكيد سوف يعترض التأسيسيّون التقليديّون على هذا التضخم المذهل للجوهر. ولكن لن يكون الاعتراض فقط على أنّ الماهيات تحدث أيضاً بلا تكلفة حسب تصوّر باول، وبطريقة مماثلة للكائن سيعتبر التّأسيسيّون الماهيات ظاهرة، تقريباً، ظهوراً سحريّاً. وإذا كانت الأشياء غير قابلة للتّمييز في خصائصها غيرالجهيّة (أي الخصائص التي ليس لها جهة اعتقاد تشكّلها)، فإنّها تستطيع، في هذا السياق، أنْ تختلف في خصائصها من قضيّة الجهة؛ ذلك أنّ الخيط الرّابط بين طبيعة الشيء، أوْ ميزته وخصائصه، من حيث الجهة، يتمّ قطعه. ثمّ إنّه لا يوجد أيّ تفسير لسبب امتلاك شيء ما لخصائص أساسيّة. وبطبيعة الحال، يمكننا القول، في حالة أيّ ضرب من الخاصيّة، إنّ الشيء المعنيّ يفتقر إلى ميزة الافتقار إلى هذه الخاصيّة افتقاراً إمكانيّاً، ولكن أيّ نوع من التّفسير هو ذلك؟

V

يتمثّل اعتراضنا الثالث في أنّ نظريّة الحزمة الأوليّة لا يمكن أنْ تستوعب حدسنا ما قبل الفلسفيّ في مسألة أنّ الجسيْمات المألوفة تستمّر من خلال التّغيير. لذا، يختلف هذا الاعتراض عن اعتراضنا الثاني. الاعتراض الثاني مداره على الثبات والتغيّر من خلال ما يمكن أنْ نسميه البعد الجهيّ، في حين أنّ هذا الاعتراض يشمل «ثنائيّة» الثّبات والتغيّر عبر الزّمن؛ ذلك أنّ الاعتراض الأخير يُعنى بالطرق المختلفة التي يمكن أنْ يكون عليها الجسيم المألوف بوجه آخر. وبالنّسبة إلى من قام بصياغة هذا الاعتراض، ليس مطلوباً أنْ يدرك الجسيم الاحتمالات المناسبة من خلال إجراء تغيير فعليّ.

ومع ذلك، فإنّ الاعتراضين مرتبطان ارتباطاً وثيقاً؛ فوفقا لاعتراضنا الثالث يلتزم منظِّر الحزمة بوجهة نظر مفادها أنّ المركبات يقع تفريدها عبر خصائصها التأسيسيّة. ومع ذلك، يقتضي التغيير دائما تغيّراً في خصائص شيء ما يمتلكها. وبناءً على ذلك، إذا كنّا من منظّري الحزمة، يجب أنْ نقول إنّه في حالة حدوث تغيير معيّن، فإنّ ما يوجد قبل التغيير هو حزمة واحدة من الخصائص، وما هو موجود بعد ذلك هو حزمة تتكوّن من خصائص مختلفة. وبعد ذلك يجب على منظّر الحزمة أنْ ينكر أنّ ما يلج التّغيير هو متطابق تطابقاً عدديّاً مع الذي ينبثق من التّغيير. ولكن، لا يمكن أنْ يوجد أيّ ضرب من الثّبات دون وجود هويّة رقميّة؛ لذلك نحصّل استنتاجنا الذي مؤدّاه: يجب على منظّر الحزمة أنْ يرفض الحدس ما قبل الفلسفي، الذي مداره أنّ الكائنات المألوفة تستمّر من خلال التغيير.

لقد استجاب جميع منظرّي الحزم تقريباً لهذا الاعتراض بالطريقة نفسها. ذلك أنّهم أنكروا أنّ الثبات يتطلّب هُويّة حَرفيّة[26]. لقد أصرّوا بدلاً من ذلك على أنّ حدوسنا ما قبل الفلسفيّة في شأن الثّبات يمكن استيعابها في إطار عمل المرابطين، أين يستمّر شيء ما في الوجود من وقت إلى آخر من خلال وجود أجزاء زمنيّة مختلفة عددياً. وسوف يقرّون بأنّه من الخطأ القول إنّ الكائن الدائم المألوف هو حزمة من الخصائص؛ لذا ما يجب أنْ نقوله بدلاً من ذلك هو أنّ الكائن المألوف الثابت هو الكلّ الذي تمثّل أجزاء منه مختلف المراحل التي نفكر فيها بوصفها صانعة لتاريخ وجوده. فتلكم المراحل، أو أجزاؤها الأقل، هي حزم حقيقيّة من الخصائص. لذا، فإنّ الكائن المألوف هو كلٌّ مصنوع، في نهاية الأمر، من حزم من الخصائص المتداخلة ولكنّها متمايزة زمانيّاً؛ إنّه نوع من اللولبيّة الزمنيّة التي تكون الأجزاء الأقلّ فيها هي حزم الخصائص.

لاحظْ أنّ منظّري الحزم، عند الردّ على اعتراضنا الثالث بهذه الطريقة، يعيدون إحياء أنواع المشاكل المرتبطة باعتراضنا الثاني؛ يبدو أنّ منظّر الأجزاء الزمنيّة ملتزم بالإبقاء على فكرة أنّ الحدود الزمنيّة لأيّ شيء ضروريّة بالنّسبة إليه. وبطبيعة الحال، إنّ هذا الأمر ينطبق على الحدود الزمنيّة للأجزاء الزمنيّة الخاصّة بالشيء، التي لا تقلّ عن كامل الشيء في حدّ ذاته[27]. ولكن، بعد ذلك، الكثير ممّا نريد أنْ نفهمه بوصفه أمراً طارئاً بالنّسبة إلى الشيء ينقلب إلى أمر أساسيّ له، ويبدو أنّ الاستراتيجيّة الوحيدة المتاحة للحفاظ على الاحتمال المرجوّ هاهنا هي تلك التي توفّرها نظريّة المثيل[28].

لاحظ أيضاً أنّه ليس فقط منظّري الحزمة هم الذين يرغبون في مناصرة التصوّر المتعلّق بأجزاء زمنيّة ثابتة. فهذه هي الاستراتيجيّة التي نجدها تقريباً لدى جميع الأنطولوجيّين التّأسيسيّين المعاصرين. وهكذا، يخبرنا ديفيد أرمسترونغ وغوستاف بيرغمان، وهما من منظرّي الجسيم المجرّد، بأنّ الأشياء الثابتة المألوفة هي كائنات ممتدّة امتداداً زمنيّاً، والتّي أجزاؤها الأقلّ هي مركّبات كلّ منها مكوّن من جسيم مجرّد ومن الخصائص التي تمثله[29]. بالطبع، ليس من المستغرب أنْ ينضمّ هؤلاء الأنطولوجيّون إلى صفوف منظّري الحزمة في مناصرة النظريّة المكرّسة للثّبات. ولأنّهم ليسوا أقلّ شأناً من منظّري الحزمة، فهم يصنعون الخصائص التي يمكن غُنمها، أو خُسرانها، في التغيير المكوّن للجسيْمات المألوفة، ولهذا يبدو أيضاً أنّهم ملتزمون بإنكار أنّ بحوزتنا هويّة رقميّة من خلال التّغيير.

الاقتراح، إذاً، هو أنّ الأنطولوجيّ التّأسيسيّ ملتزم بنظريّة الثبات المرابطة؛ ذلك أنّ أيّ مُنظِّر تأسيسيّ يريد أنْ يؤيّد فكرة القدرة على التحمّل (الرأي القائل إنّ شيئاً ما يثبت عبر وجوده الكليّ والكامل في أوقات مختلفة) سيحدث هذا الاقتراح قلقاً. سيكون الادّعاء هو أنّ الأنطولوجيّين التّأسيسيّين يحتاجون إلى قصّة مختلفة حول ثبات الكائنات المألوفة. تحاول لوري باول دمج مثل هذه القصّة في تصوّرها عن نظريّة الحزمة[30].

إنّ قصّتها، بوجه ما، هي مجرّد قلب لنظريّة الأجزاء الزمنيّة. يخبرنا منظّر الأجزاء الزمنيّة أنّ شيئاً ما يستمرّ بوجود أجزائه الخاصّة في أوقات مختلفة. وعلى خلاف ذلك، تخبرنا باول بأنّ شيئاً ما يستمّر في حدّ ذاته لكونه جزءاً مناسباً من الكائنات المتمايزة تمايزاً زمنيّاً. فكرتها هي أنّ ما يستمرّ هو نوع من أنواع هيكل عظميّ لكائن عاديّ؛ إنّه حزمة من تلك الخصائص التي نأخذها لتكون معياراً بارزاً للشيء، ومستقرّة عبر مسيرتها. ويمكن، الآن، صهر حزمة من هذا النّوع في خصائص زمنيّة، مثل الموجودة في منتصف الليل في غرّة كانون الثاني/يناير (2007). وفقاً لبول، لدينا مبدأ الثبات من خلال الزّمن، حيث إنّ حزمة هيكل عظمي واحد هي جزء خاصّ من حزم أكثر شموليّة، بما في ذلك خصائص زمنيّة مميّزة من هذا النوع، وحيث الحزم الأكثر شمولاً تحمل لبعضها بعضاً العلاقات المناسبة من السببيّة والاستمرار والتّرابط، وهلمّ جرّاً؛ ولدينا الثبات من خلال التغيير؛ حيث تشتمل هذه الحزم المتميزة مؤقتاً على خصائص غير زمنية مختلفة؛ خصائصَ نفكّر فيها تفكيراً ما قبل فلسفيّ بوصفها خسارة وربحَ شيء ما عبر تاريخ حياته.

إنّ تصوّر باول للثبات الزمنيّ هو نظريّة صلابة؛ إنّ الذي يثبت يفعل ذلك بوجوده وجوداً كاملاً، وفي أوقات مختلفة. ولكن، في حين أنّ باول معدودة مقاومة من النّاحية التقنيّة، فإنّ اعتبارها للاستمراريّة لن يرضيَ العديد من المعارضين التقليديّين. تكمن الصعوبة ببساطة في أنّ ما يستمرّ، حسب رأيها، ليس هو الشيء الذي يريد المعارضون التقليديّون قوله لنا. إنّ الكائن الثّابت عند باول ليس تماماً مادّة خارج الجسيْم المألوف الذي نتفاعل معه؛ بل هو بالأحرى، على نحو ما قلنا سلفاً، نوع من الهيكل العظميّ لهذا الكائن. لذا، تميّز باول الشيء الثابت، باعتباره نوعاً ما هو كليّ يمكن أنْ يكون محايثاً عدديّاً في مختلف الجسيْمات المجسّدة، ومن ثمّ نحصل على القدرة على التحمّل الحقيقيّ بناء على هذا التصوّر، ولكن من خلال تأييد مبدأ المراجعة فحسب. تعترف باول بأنّ تصوّرها هو تعديليّ. ولكن يبدو أنّها تعتقد أنّ بعض أشكال المراجعة لا مفرّ منها طالما أنّه لدينا حدوس متضاربة. ومن المرجّح أنْ تجادل في أنّه بالنّظر إلى العدد الكبير من الكائنات المختلفة الموجودة في موقع مكانيّ-زمانيّ معين، فإنّ حدوسنا حول أيّ منها لا يمكن أنْ يكون بالكاد ثابتاً. بطبيعة الحال، لن يجد المعارضون التقليديّون هذا الأمر مقنعاً. فمن وجهة نظرهم، ما هو غير بدهيّ هو الفكرة الأساسية المتمثلة في أنّه حيثما نجد منطق الجسيم المألوف توجد كلّ الكائنات، سواء أكانت كليّة، أم جزئيّة، وهي الفكرة التي تلزمنا بها نظريّة باول.

VI

إنّ للاعتراضات الثلاثة، التي كنّا بصدد مناقشتها، تاريخاً طويلاً. ومع ذلك، فإنّ الاعتراض النهائيّ هو الذي نادراً ما تقع صياغته بشكل صريح. لقد أخبرنا منظّرو الحزمة، الذين كنّا منهم بذكر، أنّ الجسيمات المألوفة ليست سوى حزم خصائص من الدّرجة الأولى. لذا، نبدأ بخصائص الدّرجة الأولى، ومن المفترض أنْ ينتهي بنا المطاف إلى شيء يحتوي على خصائص من الدّرجة الأولى. ولكن، كيف يمكن لهذه النظريّة أنْ تصنع الانتقال من الصفة إلى الشيء الذي يمتلك الصفة؟ كيف يتمّ الانتقال من (j-ness) إلى (j-er)، ومن (j-ness) إلى الشيء الذي يمتلك (j-ness)؟

سوف يجيب منظّرو الحزمة، على الأرجح، إذا واجهوا هذا السّؤال، بأنّنا نخرج الموجودات الفرديّة من الخصائص عن طريق التّجميع؛ فنحن نبدأ بخاصيّة من الدّرجة الأولى، ثمّ نضيف خاصيّة أخرى من الدرجة الأولى، وخاصيّة أخرى بعد ذلك أيضاً. وما يبرز، في نهاية الأمر، هو موجود فرديّ لديه كلّ هذه الخصائص من الدّرجة الأولى. لكن لماذا يجب أنْ نفترض أنّ التكتّل ينتج موجوداً مفرداً؟ لماذا لا نفترض بدلاً من ذلك أنّ ما ينتج عن هذا التكتّل هو مجرد خاصيّة واصلة؛ حيث تكون عناصر الربط هي الخصائص المختلفة من الدرجة الأولى التي تمّ تجميعها؟ ولن يبدّد الغموض هنا بتقديم مبرّر الوجود المشترك. دعْ الخصائص (j-ness) و(c-ness) موجودة وجوداً مشتَرَكاً. وانظر ماهي النتيجة؟ النتيجة هي مجرّد الحضور في منطقة زمكانيّة معيّنة من مجمّع خاصيّة كينونة كلّ من (j وc).

وإذا كان التناقض بين المجرّد والملموس يُسمح لنا به، فيمكننا أنْ نصوغ الاعتراض بالقول إنّ منظّر الحزمة الأوليّة لا يقيم أيّ وزن لكيفيّة انتقالنا من الخصائص المجرّدة إلى الموجود الفرد الملموس الذي يمتلكها. ويخبرنا منظّر الحزمة أنّ الجسيْمات الملموسة المألوفة تتكون من خصائص من الدّرجة الأولى. إذاً، فهناك هذه الكيانات المجرّدة، والخصائص لنقلْ، كالاحمرار، والشّكل المثلثيّ، وخاصيّة كون القدميْن طويلتين؛ ذلك أنّ هذه الكيانات المجرّدة يقع، بطريقة أو بأخرى، تجميعها معاً. ولكن، لماذا نفترض أنّ لكونها مجتمعة معاً تنتج موجوداً ملموساً الذي هو لون أحمر، ومثلث، وقدمان طويلتان بدلاً من مزيد إنتاج كيان مجرّد آخر؛ أي الخاصيّة الرّابطة لكونها أحمر، ومثلّث، وقدمين طويلتيْن؟ نحن إزاء ثغرة «معرفيّة» هنا؛ إنّها لثغرة تفصل بين مقولتيْن أنطولوجيتيْن؛ تلك التي هي نوع من الكيان المجرّد (الخصائص) وتلك التي هي نوع من الكيان الملموس (الجسيْمات المألوفة التي لها تلكم الخصائص)، فكيف يتمّ تجاوز هذه الثغرة المقوليّة؟

يمكن للمرء، بالطبع، أنْ يهوّن المسألة على نفسه هنا، ويستمرّ في القول إنّ الأشياء المألوفة ليست في الحقيقة سوى خصائص، وإنْ تكُ خصائص معقّدة للغاية؛ وربّما تكون لوري باول منظّرة الحزمة هي مَنْ تؤكّد هذا الأمر بالفعل[31]. ولكن أعتقد أنّ معظم علماء الأنطولوجيا سيتّفقّون على أنّ أيّة نظريّة تفسّر الجسيمات المألوفة على أنّها خصائص هي مدانة من بعض الوجوه على اقتراف خطأ المقولة. إنّ منظّري الحزمة، الذين يوافقون على الاستجابة لاعتراضنا الرّابع، مدينون لنا. ولسوء الحظّ، لا أعرف سوى منظّر حزمة واحد يظهر شيئاً من الحساسيّة تجاه المشكل الكامن وراء الاعتراض؛ ذاك المنظّر هو هيكتور كاستانيدا[32]. فهو يخبرنا بأنّ خصائص الدّرجة الأولى تكوّن مجموعات، وتلك المجموعات هي مجرّدة، مثلها في ذلك مثل الخصائص التي هي عناصرها. وكيف، إذاً، تطفو الجسيْمات الملموسة على السّاحة؟ إنّها تظهر عن طريق العامل الخاصّ، ما يطلق عليه كاستانيدا العامل التجسيديّ، أوْ اختصاراً (T -عامل). ولا نملك الكثير من المعارف عن هذا العامل على القدر الذي ربّما نحبّه ونرتضيه. إنّه عامل يوصف باعتباره شكلاً أفلاطونيّاً يعمل على مجموعة من الخصائص من الدرجة الأولى لينتج الموجود الملموس الذي تكون مكوّناته هي عناصر المجموعة. ومن ثمّ، فإن العامل التجسيدي يعمل على المجموعة التي عناصرها الوحيدة هي خصائص أنْ يكون قطّا؛ وكونه بنيّاً، وكونه خائفاً، فالذي يُحصّل من ذلك هو الآتي: القطّ البنيّ الخائف، حيث تكون نتيجةُ هذا مركّباً أوْ حزمة تكون مكوّناتها فحسب تلك الخصائص الثلاث الموجودة في المجموعة.

والواضح تماماً أنّ كاستانيدا يستجيب للمشكل الكامن في اعتراضنا الأخير. وهل هو بالفعل يحلّ المشكل؟ أظنّ أنّ معظمنا سوف يعترض على ذلك الأمر عوضاً عن إيجاد حلٍّ له؛ ذلك أنّ استدعاء كاستانيدا العامل التجسيديّ لا يؤدّي وظيفة تتجاوز صياغة اسم للمشكل. فهو لا يمنحنا أيّ اعتبار للكيفيّة التي يُفترض بمقتضاها أنْ يحملنا عامله من الكائنات المجرّدة إلى الكائنات الملموسة؛ إذ لا يخبرنا ما يعنيه قولنا إنّ العامل ينطبق على مجموعات الخصائص، وحتّى إنّه لا يخبرنا ما يعنيه أنْ نقول إن لدينا عاملاً هنا.

قد يبدو أنّ الملاذ الوحيد بالنّسبة إلى الأنطولوجيّ هو الاحتكام إلى فكرة الذّات المجرّدة، أو مالك الخصائص. ولكن، ربّما، يوجد مخرج آخر للمشكل. فربّما، يمكن للمرء أنْ يجعل فكرة امتلاك الخصائص سمة بدائيّة في العالم دون تأييد فكرة الموجود المجرّد. كيف يكون ذلك؟ إنّه من خلال الادّعاء بأنّ من بين مكوّنات جسيم مألوف يوجد مكوّن واحد، على الرغم من كونه ليس خاصيّة، فهو مع ذلك كلّي، ولكنّه كليّ ملائم من النّاحية المقوليّة لينهض بوظيفة صاحب خاصيّة الدّرجة الأولى. ففي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تحدّث البريطانيّون أصحاب النزعة المثاليّة، على غرار برادلي، عن «كليّات ملموسة»[33]. وهذا النّوع من المكوّنات الذي يدور في خلدي وُصف باقتدار في هذا التّعبير. وبالطبع، ما يعنيه برادلي والآخرون بهذا المصطلح ليس جليّاً بشكل ملاحَظ؛ لذلك لا يمكننا أنْ نتوّقع وجود أمثلة واضحة في عملهم تتعلّق بوجهة النظر التي تختمر في ذهني. ومع ذلك، إذا ما استطعنا الوثوق بكريستوف إيرسمان المفكّر الواقعيّ في العصور الوسطى، مثل ويليام أوف تشامبو وأودو كامبراي، فهو يعتنق وجهة النظر هذه وحسب[34]. وحسب إيرسمان، كان هؤلاء الفلاسفة المحايثون قد أخذوا ما سمّاه أرسطو بالمواد الأولى (مفردات مألوفة، مثل الموجود الإنسان والموجود الحصان من المقولة 5) لتكون مركّبات. ومن بين مكوّنات الموجود، يقدّم المرء شيئاً ما شبيهاً بجوهر وجوده. وهذا المكون، إنّما هو كلّي، وهذا النوع من الكليّ عرّفه بوصفه مادة ثانية، أوْ لنقلْ بمزيد من الدّقة: هو مادّة ثانويّة محدّدة تحديداً كاملاً، وهي مادة ثانية ذات أدنى مستوى، أوْ أصغر جنس. وبناء على هذا الرأي، فإنّ النوع رجل يُعامل بوصفه مكوّناً مُفرداً متطابقاً عدديّاً مع جميع البشر. وهو، مع ذلك، ليس خاصيّة، بلْ نوعًا -كليّاً فرعيّاً، وهذا النوع، في حدّ ذاته، لا يعطينا صورة كاملة عن كائنات بشريّة مخصوصة من تجربتنا اليوميّة. هذا النوع، في النهاية، كلّي، ثمّ إنّ الذي يمنح خصوصيّة كاملة لكائن عاديّ هو حزمة الحوادث (الكميّات، الصفات. إلخ) المرتبطة بهذا الكائن. فهذه الحوادث، إذا أمكن القول، تضاف إلى الأنواع المشتركة. كيف ذلك؟ من خلال كونها مسنَدة إليها. مع العلم أنّ هذا المفهوم للإسناد ليس كمفهومنا للإسناد بوصفه ضرباً من نشاطنا اللغويّ. إنّه بالأحرى مفهوم لعلاقة ميتافيزيقية أوْ أنطولوجيّة تربط بين كائنات غير لغويّة، وهي علاقة تنعقد بشكل مستقلّ تماماً عن نشاطنا اللغويّ أوْ المفهوميّ. لذا، فالنّوع هو موضوع للإسناد الميتافيزيقيّ لمجموعة من الحوادث، وحصيلة الإسناد هي المفردة المألوفة سقراط أوْ كالليس. إنّ نتيجة إضافة خاصيّة الشجاعة إلى نوع رجل، تبعاً لذلك ليست النّوع مع سمة. وبما أنّه لدينا علاقة إسناديّة عمليّاً، فإنّ النتيجة الحاصلة هي موجود موصوف: إنسان شجاع.

لذا، في عمل هؤلاء المحايثين في أوائل القرون الوسطى، نجد نظريّة من شأنها أنْ تقوم ببناء دور صاحب الملكيّة من الدّرجة الأولى في كلّيات معيّنة في هذا المستوى، يختلف الدور عمّا كنت أسميه نظريّة الحزمة الأوليّة. ولكن في الوقت الذي يُنكر فيه أنّ الجسيمات المألوفة هي حزم من الخصائص، فإنّه يُتفق مع نظريّة الحزمة الأوليّة في بناء المفردات المألوفة على أساس أنّها كلّيات، والتي مكوّناتها هي كليّات فحسب. ووفقاً لذلك، فهي ملتزمة بشيء ما من قبيل هويّة غير القابل للإدراك، وهي ملتزمة بالادّعاء المرتبط ارتباطاً وثيقاً بكونه من المستحيل أن تتّفق الجسيمات المختلفة المتعدّدة في جميع الكونيّات الخالصة. فهذا المعطى، بشكل واضح، مشكل؛ ولكن للنظريّة مآخذ أخرى أيضاً؛ إذ تخبرنا، على سبيل المثال، بأنّ كياناً واحداً (الماهية -نوع رجل) هو موضوع إسناد الحزم المختلفة للحوادث التي ينتج عنها معاً عناصر مختلفة ملموسة من هذا النوع. ولكن مختلف عناصر النّوع سيكون لديهم حوادث مختلفة وغير متوافقة. فأنا أسمر وأنت شاحب؛ وسقراط حكيم وكالليس غبيّ. في كلتا الحالتين، لدينا زوج من الحوادث، كلّ منها مبنيّ على نوع واحد موجود فيك وكذلك في سقراط وكالليس. ولكن، كيف يمكن أنْ يتجنّب هذا النوع أنْ يكون في الوقت نفسه أسمرَ وشاحباً وكذلك حكيماً وغبياً؟ سمعت أن أبيلارد أثار صعوبات مماثلة، وبالتأكيد كان على حقّ في القيام بذلك.

قد يحاول الأنطولوجي التأسيسيّ، الذي يريد أنْ يدافع عمّا يمكن أنْ نطلق عليه المادّة الأوّليّة للهروب من هذه الصّعوبة الثانية عن طريق الإصرار على أنّه ليس النوع فحسب، بل جميع مكوّنات الجسيْم المألوف، هي كلّيات فرعيّة. وبناء على هذا الرّأي، سيكون هناك كليّات مثل شيء حكيم، وشيء شاحب، وشيء مثلّث، وشيء طوله ستة أقدام، وشيء بارد. هذا الرأي من شأنه أنْ يستغني عن الخصائص إجمالاً، ويجعل هذه الكليّات المصادر غير الخفيّة لخاصيّة الجسيْمات المألوفة. إنّ الجسيْم المألوف سيكون مركّباً لمثل هذه الكليّات، وسيكون مبدأ الوحدة بالنّسبة إلى الجسيم هو مجرّد كون الكليّات المناسبة موجودة. فهل سينجح المدافع عن هذا النّوع من الرّؤية في التغلّب على الصعوبة الثانية؟ هذا الأمر ليس واضحاً، سيكون حسب هذا الرّأي من الخطأ أنّ النّوع رجل لديه معاً كلّاً من صفتيْ السمرة والشحوب، علاوةً على صفتيْ الحماقة والحكمة. ومع ذلك، سيكون صحيحاً أنّ النّوع الفرعيّ رجل له حضور مشترك مع كلّ من الشيء الكليّ الأسمر، والشيء الكليّ الشاحب، وكذلك الشيء الكليّ الحكيم، والشيء الكليّ الأحمق. فهل هذا مشكل؟ من الصعب أنْ نقول ذلك، لكن هذا الأمر واضح في غاية الوضوح؛ فالرأي المتناول بالدرس لا يقلّ قيمة عن وجهة نظر القرون الوسطى التي استُمدّ منها، سيكون ملتزماً بالادّعاء بأنّه من المستحيل بالنسبة إلى الجسيْمات المألوفة الممَيّزة أنْ تظهر جميع الكليّات، وأيضاً نفسها دفعة واحدة.

ولتجنّب المشاكل المألوفة المتعلّقة أيضاً بإمكانيّة عدم قابليّة الجسيمات المختلفة عدديّاً للإدراك، يمكن للمرء أنْ يقترح التسمية الأنطولوجية التي تحتوي على ذراتها الميتافيزيقيّة، والتي يمكن أنْ نسمّيها ممثّلات «المجاز»، في حين أنّ المجازات هي خصائص أشياء معيّنة (مثل هذا الاحمرار، هذا الشكل الثلاثيّ الأضلاع، وهذا الشحوب). فممثّلات «المجاز» هي موجودات فرديّة دقيقة لطيفة نوعيّاً -أشياء من قبيل هذا شيء أحمر مميّز، هذا شيء ثلاثيّ الأضلاع مميّز وهذا شيء شاحب مميّز[35]. سيكون مدار الادّعاء أنّ هذه الكائنات المألوفة هي حزم دعائم المجاز حاضرة حضوراً مشتركاً. لذا، فإنّ وجهة النظر هذه سوف تستغني، مرّة أخرى، عن الخاصيّات، وستصرّ على أنّ المكوّنات النهائيّة للجسيمات المألوفة مميّزة، أوْ ذات طابع مخصوص في جوهرها، ولكنّها سوف تفسّر تلك المكوّنات باعتبارها جزيئات مخصوصة أكثر من كونها كليّات. إنّ مثل هذه الجزيئات المميّزة في جوهرها ستكون المصادر النهائيّة، أو غير المشتقّة للخاصيّة: المفردة المألوفة ستكون، على سبيل المثال، شاحباً لأنها تحتوي على ممثّل مجاز شاحب بوصفه مكوّناً أساسيّاً. وبما أنّ المكوّنات المناسبة ستكون جزئيّة وليست كليّة، فسيكون من المستحيل بالنسبة إلى الكائنات المألوفة المختلفة عدديّاً أنْ يكون لها الممثّل الواحد ذاته مكوّناً. وبناءً على ذلك، لن يوجد، من الناحية العدديّة، شيء واحدٌ هو في الوقت نفسه أسمر وشاحب، أو حكيم وأحمق، ولا حتّى شيء واحد حاضر حضوراً مشتركاً مع زوج من الخصائص الشيء الأسمر في جوهره والشيء الشاحب في جوهره، أوْ مع الزوج الشيء الحكيم في جوهره والشيء الأحمق في جوهره. علاوةً على ذلك، نظراً إلى أنّ ممثّل المجاز المتحكّم سيكون ذا طابع تمييزيّ توجيهيّ للحزمة التي ينتمي إليها، فإن احتمال وجود جزيئات غير قابلة للإدراك من الناحية النوعيّة لا يتعارض مع مبدأ الهويّة التأسيسيّة، ومن ثمّ لن يمثّل مشكلاً لهذا الصّنف من الأنطولوجيا التأسيسيّة. ولكن، في حين أنّ إمكانيّة التوائم نوعيّاً لا تمثّل أيّ مشكل بالنسبة إلى هذا الرأي، فإنّها تبدو مبدئياً مثيرة لمشاكل مماثلة لتلك التي تعرّضنا إليها في نظريّة المجاز التقليديّة -مشاكل تتعلق بتفرّد ما أسمّيه الممثّلات.

VII

ومع هذا كلّه، لدينا انطباع جيّد في خصوص المشهد العامّ للبحث الحديث في الأنطولوجيا التأسيسيّة. ولدينا كذلك إحساس كبير بالصعوبات التي تواجه أيّ شخص يتابع هذا النمط من التفسير الأنطولوجيّ. ما أريد أن أفعله الآن هو الرجوع إلى أصل التأسيس التقليدي في عمل المنظر التأسيسيّ الواعي أرسطو. أريد أنْ أضبط وجهة نظره، لعرضها على الملأ بوصفها تصوّراً حقيقيّاً للمقاربة التأسيسيّة، ولمقارنتها مع مختلف النظريّات الحديثة التي نظرنا إليها، ولأفترض أنّ تقدير أرسطو، في عدد من السبل المهمّة متفوق على تلكم النظريّات. وعلى وجه الخصوص، سأجادل بأنّه أكثر فلاحاً في معالجة الظاهرة الكامنة وراء اعتراضاتنا الأربعة من المنظّرين التّأسيسيّين المعاصرين.

وبالنّظر إلى أهدافنا، يمكن أنْ يكون كلامنا، هاهنا، وجيزاً. يعتقد أرسطو في وجود نوعين من المركّبات. وفي كلّ حالة يحتوي المركّب على مكوّنين، ثمّ إنّ تلك المكوّنات ترتبط ارتباطاً إسناديّاً؛ ذلك أنّ أحد المكوّنين في المركّب مسند إلى الآخر (Met.,vii.3,1029 a 22-26)؛ حيث يكون مجدّداً، مفهوم الإسناد هو علاقة ميتافيزيقيّة، أو أنطولوجيّة، بين الكيانات غير اللغويّة. ففي القضيّة الأساسيّة الشكل الجوهريّ مسنَد إلى شيء ما (عادة، هو بعض من جزء من القضيّة)، الذي هو قضيّة قريبة من هذا الشكل، ويكون ناتج الإسناد موجوداً فرداً من صنف المادّة؛ إنّه نوع المادّة المطابق للشكل المسنَد. والشكل الماديّ هو كلّي أساسيّ غيرُ مختزل، وحاصل إسناده هو شيء ما من قبيل إنسان موجود فرد، أوْ جواد موجود فرد من المقولة (5)، ولكن المركّبات التي تنتج عن الإسناد هي الأشكال الأساسيّة التي يمكن أنْ تكون مواضيع لإسناد عناصر من مختلف المقولات العرضيّة؛ وحيث يكون الحادث مبنيّاً على ماهية فرديّة، يكون المنتج عبارة عن مركّب من النّوع الذي يصفه أرسطو بالحادث، مثل الضبع الذي حرقته الشمس أوْ الدلفين البدين، أو الرجل الموسيقيّ.

وعلى هذا النّحو عندنا تعقيد متعدّد الطبقات؛ إذا بدأنا بمصادفة مثل رجل الفيزياء الموسيقيّ (i7) (190 a 1)، فنحن إزاء مركّب، الذي هو موضوعه في حدّ ذاته مركّبٌ، يشتمل على القضيّة المناسبة والشكل الماديّ المناسب. وبالطبع، لا يمكن أنْ يصل المكوّن بعيداً؛ لأنّ المادة المكوّنة لمادّة ما يمكن أنْ تكون في حدّ ذاتها مركباً من بعض المواد منخفضة المستوى وبعض أشكال المستوى الأدنى؛ والتكوين يمكن أنْ يصل إلى أقلّ من ذلك. ففي مرحلة معيّنة، يصرّ أرسطو على أنّ التّركيب يصل إلى طريق مسدود: فلنا موضوع ليس مركّباً إلى حدٍّ بعيد؛ ذلك أنّ أرسطو نفسه يعتقد أنّ الموضوع المناسب هو القضيّة بالنسبة إلى العناصر الأربعة، ويبدو أنّه أخذ تلك القضيّة على كونها شيئاً يرضي القول القاتم للميتافيزيقيين (Z.3): «هي في حدّ ذاتها ليست شيئاً مخصوصاً، ولا كميّة مخصوصة، ولا تتميّز بشكل إيجابيّ» (1029 a 25). قد لا يكون المدافعون عن تصوّر أرسطو غير مجبرين على تأييد المفهوم التقليديّ للقضيّة الأولى المجرّدة؛ ولكن حتّى إنْ لم يفعلوا ذلك، فإنّ المدافعين عن المقاربة الأرسطيّة بإخلاص سوف يقرّون بأنّنا نواجه تعقيداً متعدّد الطبقات، ونحن نسير نُزُلاً في التّحليل الأنطولوجيّ للمصادفة.

وإذا ساروا على هدي أرسطو، فإنّهم سينكرون، مع ذلك، أنّنا يمكن أنْ نسير في الاتجاه المعاكس، بدءاً من المصادفة، وإيجاد مركّب له مصادفة بوصفها موضوعاً، وبعض الحوادث باعتبارها مكوّناً مسنداً. فــــأرسطو ينكر، على سبيل المثال، وجود أيّ مركّب له باعتبار مكوّناته الرجل الموسيقي، وحادث كونه ذا ستّة أقدام طولاً؛ فلا يوجد أيّ ضرب من شيء مثل الرجل الموسيقي ذي الستّة أقدام. يمكن أنْ تسند الحوادث حصريّاً إلى مواد. وهذا ما يعتقده أرسطو حقيقة تصنيفيّة حول الحوادث (Met.,iv.4,1007 b 2-5). وفي حين ينفي أرسطو وجود مركّب يجيب عن التّعبير «الرّجل الموسيقي ذو الأقدام الستة»، فإنّه يمكن أنْ يوافق على أنّ الجملة

(1) يبلغ طول الرجل الموسيقي ستة أقدام،

تعبّر عن الحقيقة. وما سينفيه هو أنّ المثال (1) يعبّر عن إسناد يكون فيه الرجل الموسيقي موضوعاً، والحادث الكميّ بطول ستة أقدام هو الكيان المسنَد. سيزعم بدلاً من ذلك أنّه يعرب عن حالة ما يسمّيه الوَحدة الحادثة. سيقول إنّه يعبّر عن حقيقة أنّ المصادفة الرجل الموسيقي هو عرَضاً واحد مع الماهية (الرجل)، والتي يُسند إليها الحادث الكميّ المناسب.

يتطابق التّقدير الذي قمنا بتلخيصه مع النمط الإجماليّ الذي حدّدناه في وصفنا للاستراتيجيّة التأسيسيّة. والذي يصل المركّب هو إسناد شكل/حادث، ويصر أرسطو على أنّه في كلتا الحالتين يكون الإسناد عرضيّاً (Met.,vii.3,1029 a 22-23). فليس عندنا إسناد أساسيّ، أوْ ما يسمّيه أرسطو إسناد المحمول بذاته «استعمال خاصّ لخاصيّة واحدة» إنّ مفهومه المحمول بذاته ليس هو نفسه مفهومنا للإسناد الضروريّ. بالنسبة إلى أرسطو إسناد المحمول بذاته هو إسناد-ماذا: الكليّ المسند يصوّر موضوعه على النّحو الذي هو عليه. ومثل هذه الإسنادات كلّها إعادة ضروريّة؛ ولكن الجهة بالنسبة إلى أرسطو مشتقّة. وهو ما يجعل الحالة المقدَّمة من إسناد المحمول بذاته من قبيل الضروريّ المعاد، حيث إنّ ذاك هو إسناد يتضمّن جوهر موضوعه. فإسناد المحمول بذاته يتناقض مع إسناد المحمول الحادث «الصيغة العرضيّة للاستعمال»؛ حيث إنّ هذا الإسناد-كيف (الكيفيّة) يحلّ محلّ إسناد-ماذا (المضمون). وهاهنا، فإنّ الكليّ المسنَد يقوم بمجرّد تعديل، أو تمييز، موضوع يتمّ تحديده بشكل مسبق كما هو من طرف كلّي آخر. والإسنادات من هذا النّوع هي بشكل عامّ ممكنة من جديد. ويخبرنا أرسطو، الآن، أنّ الحالتيْن الأولييْن من الإسناد تمثّل كلتاهما فقط حالات المحمول الحادث. وسواء أكان شكل ما مسنَداً إلى مادّته، أمْ حادثٌ ما مسنَدا إلى ماهية مخصوصة، فإنّ الموضوع هو الشيء المعيّن الذي «يكون مختلفاً عن ذاك الشيء الذي أُسند إليْه» (Met.,Vii.3,1029a22-23)؛ وفي كلتا الحالتين الإسناد إعادة مشروطة: من الممكن أنْ يكون الكيان الموضوع موجوداً خارج التشكّل الإسناديّ المناسب.

ولكن في حين أنّ أرسطو يعتقد في أنّ إسناد شكل أساسيّ، أوْ حادث ذو طابع عرضيّ، فإنّه يؤيّد المذهب الذي أسميته «الأصوليّة التأسيسيّة». وهو يعتقد أنّ المركّب (سواء أكان مادّة فردية، أمْ مصادفة) له مكوّناته بالضرورة. ويخبرنا أنّ لدينا حالة من الوجود/الانقضاء فحسب في حال كان لدينا اختلاف في المكوّنات (انظر i.3, 317 a 24-25). كان أرسطو يرفض المذهب المعروف باسم الأساسويّة الموريولوجيّة؛ أي الرأي القائل إنّ للشيء أجزاءً منطقيّةً بالضرورة. وبناء على ذلك، هو ملتزم بالحفاظ على أنّ أيّ شيء يمكن أن يفقد جزءاً منطقياً، وهو أحد الأطراف، لنقلْ، دون أن يحدث تغييراً في مكوّناته. وبتعبير أدقّ، إنّه ملتزم بالحفاظ على أنّ التباين الحاصل في الأجزاء المنطقيّة في شيء ما لا ينطوي على مسألة مختلفة عدديّاً. وأرسطو يعترف بهذا الالتزام، وهو يصرّ على أنه عندما يفقد شيء ما أحد الأطراف، أوْ ينمو ظفر، أوْ يخسر/يربح وزناً، فإنّ قضيّة الشيء (المحمول) تظلّ نفسها من النّاحية العدديّة. فالمسألة لا تخضع لتغيير جوهريّ؛ وإنّما هي تخضع لمجرّد تغيير عرضيّ: ما يحدث هو أنْ تصبح أكبر، أوْ أصغر (انظر: i.5,321 a 22-25).

لذلك، بينما يعتقد أنّ مكوّنات مركّب تسير جنباً إلى جنب بالصدفة فحسب لتكوينه، يؤيّد أرسطو مذهب الأصوليّة التكوينيّة. ومثل غيره من الأنطولوجيّين التكوينيّين، فإنّه يدافع عمّا أسمّيه مبدأ الهويّة التأسيسيّة. وينفي أنّه من الممكن بالنّسبة إلى الأجسام غير المتطابقة أنْ تمتلك العناصر نفسها، وجميعها المكوّنة لها. فالتزامه بهذا المبدأ واضح من خلال فقرة مشهورة واردة في نهاية الميتافيزيقيا (Z.8)، أيْن يخبرنا بأنّ شخصين من النوع نفسه (كالليس وسقراط) يشتركان في شكل واحد، لكنّهما يختلفان في الجوهر (1034 a 5-8). وعماد الفكرة أنّه حيثما نجد مركّبات مختلفة عدديّاً ذات مكوّن واحد مفرد كليّ -وهو الشكل الأساسيّ المشترك- يجب أنْ تختلف تلك المركّبات في مكوّناتها الأخرى. من الواضح تماماً، أن مبدأ الهويّة التأسيسيّة هو الافتراض الضمنيّ: إنّ مركّبات بجميع المكوّنات، ونفسها، هي متطابقة بالضرورة فحسب.

وهكذا يتّخذ أرسطو وجود جسيم مألوف معيّن ليقيم علاقة طارئة بين مكوّناته، وليؤيّد معاً الأصوليّة التكوينيّة ومبدأ الهويّة التأسيسيّة. ففي هذه النقاط يشترك أرسطو مع مجوعة أخرى من الأنطولوجيّين التأسيسيّين؛ فهو يعتقد أنّ الكليّات (بنوعيها الأشكال الأساسيّة والحادثة) هي مكوّنات الكائنات العاديّة. وعلى نحو ما رأينا، لا يتفّق جميعُ علماء الأنطولوجيا التّأسيسيّين معه في هذه النّقطة. ومع ذلك، فإنّ معظم أولئك الذين يعتقدون في مكوّنات كليّة يؤيّدون تقريباً صيغة ما يمكن أنْ يسمّى مبدأ التّمثيل، وجوهر هذا الزّعم أنّ كلّ كلي ممثّلٌ بالضرورة. وليس أرسطو باستثناء (Cat.,11,14 a 7-10). فهو يعتقد، على الأقلّ، أنّه بالنّسبة إلى حالة كليّات أساسيّة غير قابلة للاختزال، يظلّ المبدأ قائماً؛ وبما أنّه يؤيّد نظريّة الحضور الزمنيّ، ويتبنّى المبدأ لإثارة الادّعاء بأنّه كلّ كلّي أساسيّ غير قابل للاختزال ضرورةً هو الآن ممثَّلٌ، أوْ حاليّاً (Cat.,6,5 a 26-29 and Phys.,iv.10,218 a 1-8).

لهذا، فإنّ نظريّة أرسطو في شأن بنية الجسيْمات المألوفة هي مثال جيّد على الاستراتيجية التأسيسيّة. إنّ الكلام على نظريّة أرسطو، باعتبارها مجرّد مثال آخر للمقاربة التّأسيسيّة، بطبيعة الحال، مضلّل إلى حدٍّ ما؛ ذلك أنّ تصوّره هو المنبع الرئيس للتقاليد التأسيسيّة. إنّه مثال الاستراتيجية التأسيسيّة، الذي وُضع لجميع الممارسين اللّاحقين لاستراتيجية المبادئ الأساسية البانية للأنطولوجيا المكوّنة، ولكنّني أريد أنْ أقترح ألّا ينبغي أنْ يكون اهتمامنا بنظريّة أرسطو اهتماماً تاريخيّاً. أريد أنْ أقترح أنّ النظريّة بوصفها عيّنة من الفلسفة هي أرقى من التمارين اللّاحقة في الأنطولوجيا التّأسيسيّة. دعنا نبدأ ببيان أنّ أرسطو هو أكثر نجاحاً من خلفائه في استيعاب الظاهرة موضع النقاش في اعتراضاتنا الأربعة. ولأسباب ستصبح واضحة، لنْ أتّبع الترتيب الدقيق الذي وضعت، في الأصل، فيه الاعتراضات، وبدلاً من ذلك سأبدأ بمسألة الأصوليّة.

ينبغي أنْ يكون واضحاً في أذهاننا أنّ نظريّة أرسطو لا تلزمه بما وراء الأساسويّة، وهو يرى أنّ الشّكلين الأساسييْن للإسناد هما أمران عرضيان. فالحالة التي يكون فيها الشكل مسنَد إلى مادّته هي حالة إسناد المحمول الحادث، ومع ذلك، فإنّ هذا الإسناد ينتج عنه مركّب يندرج تحت نوع مادّة ما، وإسناد نوع من عناصره إنّما هو حالة إسناد (أوْ ما يسمّيه المحمول بذاته) أساسيّة: هو حالة إسناد-ماذا، وإعادة ما هو ضروريّ. يستطيع أعضاء أنواع الماهية، مع ذلك، أنْ يعملوا بوصفهم مواضيع لإسناد عناصرَ من المقولات التابعة؛ والإسناد، هاهنا، بشكل عامّ، عرضيّ؛ إنّه إسناد-كيف أكثر من كونه إسناد-ماذا، وهو إعادة بالصدفة. لذلك، على الرغم من أنّ جميع الإسنادات الأساسيّة تتمّ دون قصد، نحصل على النتيجة المرجوّة التي مفادها أنّ الجسيْمات المألوفة تملك، على نحو ما نقول، بعض ميزاتها بشكل أساسيّ، والبعض الآخر بشكل عرضيّ.

إنّ التّمييز الذي من شأنه أنْ يحدّد مذهب الجوهريّة هو، من ثمّ، مقصور على وجهة النظر هذه.

وسيعترض البعض، مع ذلك، على تجنّب أرسطو لما وراء الماهويّة فحسب لحساب الالتزام بقطبها المضاد؛ أي ضدّ الماهويّة. فالاعتراض يستقيم، على الأقلّ، بالنّسبة إلى حالة واحدة؛ ذلك أنّ نظرية أرسطو ملتزمة بنوع من مناوأة للماهويّة التي نجدها في نظريّة الجسيْم المجرّد. والحجّة تُساق على النّحو الآتي: يصرّ أرسطو على أنّ الشّكل يُسند إلى مادّته المحمول الحادث؛ ويؤكّد أنّه إذا كانت المادّة بالنسبة إلى شكل معيّن هي في الأساس هذا النوع أو ذاك من الأشياء، فإنّ كينونته تتوقّف على إسناد قبليّ يتمّ فيه إسناد شكل المستوى الأدنى إلى أدنى مستوى من المادّة. ولكن، بالنّظر إلى أنّه ينكر احتمال حدوث تراجع غير محدود في العلاقة السببيّة الماديّة، فإنّ أرسطو ملتزم بمادّة أولى تردّ على القول القاتم لــــ (Z.3). إنّه ملتزم بالمادّة الأوليّة كما هو مفهوم تقليدياً -مثل شيء لا جوهر له على الإطلاق.

فهذه قضيّة كبرى، ولا أملك، هاهنا، المساحة لأعطي المشكل ما يستحقّ من الاهتمام، ولكن اسمحوا لي بإبداء بعض التعليقات؛ أوّلاً، إنّ مناوأة الماهويّة لنظريّة الجسيْم المجرّد هي أكثر انتشاراً من أيّ شيء يمكن للمرء أنْ يزعم بأنّه وجده في نظريّة أرسطو. من المفترض أنْ تكون الأجزاء المجرّدة هي موضوع كلّ إسناد؛ ولكن إذا أحدثت المادّة المتفاعلة المجرّدة أيّ ظهور على الإطلاق في تصوّر أرسطو، فهو في سياق واحد فقط؛ هو ذاك الممَثَّل عبر العناصر الأربعة، أين ينهض المقام بدور الذات لإسناد أزواج من المتناقضات (ساخن / بارد ورطب / جافّ)[36]. ثانياً، يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأنّ أرسطو، على الرغم من القول القاتم من (Z.3)، يريد أن يَخصَّ المادّة بالنّسبة إلى العناصر بشيء شبيه بجوهر؛ إذ يخبرنا بأنّ المادّة التقريبيّة هي صورة بالنّسبة إلى المحمول بذاته، أوْ لها، جوهريّاً، القدرة بالنّسبة إلى تلك الصورة (Met.ix,41070 b 12). ولكن، بعد ذلك، فإنّ المادّة بالنسبة إلى العناصر لها أساساً خصائص، كونها احتمالاً حارّة ورطبة، وكونها احتمالاً حارّة وجافّة، وهلمّ جرّاً. وذاك الأمر هو أكثر جوهريّة من أيّ شيء نجده في حالة الجسيمات الرقيقة لديفيد أرمسترونغ، أوْ جسيْمات غوستاف بيرغمان المجرّدة. وفي نهاية المطاف، إنّ أرسطو نفسه يسلِّم بالاقتراح القائل إنّ المادّة الأولى (المادّة التي ليست لها أيّ مادّة) هي شيء مّا يتميّز داخليّاً، أو بشكل جوهريّ متميّز، أوْ ذو طبيعة خاصّة (1049 a 25-27)؛ ذلك أنّ استعداده للتّرويج لمثل هذا الاقتراح ليس مفاجئاً، لأن التزامه بقضيّة القول المُبهم يعتمد على «الاكتشاف» التجريبيّ المحض؛ حيث يوجد تحوّل أساسيّ؛ وبالطبع لا يمكننا أنْ ننسى أنّ أرسطو كان مخطئاً بشأن العناصر. وبناءً على ذلك، لم أفقد الأمل في أنْ يتمكّن أتباع أرسطو بانتظام من بناء الذوات النهائيّة للإسناد الأساسيّ بوصفها أشياء غير مركَّبة، ولكنّها ممَيَّزة في داخلها.

ولذا، يستوعب أرسطو حدسنا ما قبل الفلسفيّ حول الجوهر والحادث. ويستوعب أيضاً حدسنا حول الثبات من خلال التّغيير. على الرغم من كونه أنطولوجيّاً تكوينيّاً، فإنّ التزامه بهذه الحصيلة لا يؤدي إلى نتيجة غير مرضيّة، مفادها أنّ التغيير في الخصائص أمر مستحيل. ويميّز أرسطو الخصائص المسندَة إلى جواهر فرديّة من تلك المكّونة منها. وتشمل الخصائص الأخيرة أشكالاً أساسيّة، بينما السابقة تشمل عناصر من المقولات العرضيّة. تستلزم النزعة التأسيسيّة لأرسطو أنّ الماهية لا يمكن أنْ تتحمل فقدان صورتها الأساسيّة. ولكن، نظراً إلى أنّ الحوادث المرتبطة بالموجود الفرد الجوهر المألوف ليست من بين مكوّناته، فإنّ موجوداً جوهراً فرديّاً يستطيع أنْ يصمد إزاء التغيّر في عوارضها، ولكن في حين أنّ المادة يمكن أنْ تتحمّل تغييراً في الحادث، فإنّ المصادفة المقابلة لا يمكنها تحمُّل ذلك التغيير. يمكن للرجل الذي كان موسيقيّاً أنْ يتوقف عن أنْ يكون كذلك. والرّجل الموسيقيّ، في المقابل، لا يستطيع أنْ ينجو من هذا التّغيير؛ وأصول أرسطو التأسيسيّة تقول لنا لماذا ذلك.

وقد يعتقد المرء، مع ذلك، أنّ هناك مشكلاً كامناً هنا. لنسمّي التغيير الذي يتوقّف فيه الرجل عن كونه موسيقياً (ج.) ثمّ إنّ للرّجل خاصيّة الوجود الممكن بعد (ج.) ولكنّ الرجل الموسيقيّ، مع ذلك، ليس لديه هذه الخاصيّة، بيد أنّ الرجل الموسيقيّ والرجل هما واحد، والشيء نفسه. أفلا نواجه، حينئذٍ، انتهاكاً لمبدأ عدم قابليّة تمييز العناصر المتماثلة (مبدأ أنّه بالضرورة، إذا كان الشيء (x) والشيء (y) متطابقين، فكلّ خاصيّة (x) هي خاصيّة (y) والعكس صحيح)؟ وسوف ينكر أرسطو أنْ نفعل ذلك. ويعترف أنّ الرجل والرجل الموسيقيّ واحد، ولكنّه ينكر أنّهما متطابقان، فيميّز بين نوعين من الوحدة: الوحدة الكائنة في الوجود والوحدة العرضيّة، وهو يرى أنّ النوع السابق من الوحدة هو فحسب الذي يعرض النطاق الكامل للخصائص الرسميّة (بما في ذلك تلك التي تكون محكومة بعدم قابليّة تمييز المتشابهات) التي نربطها بالهويّة العدديّة[37]، وليس من الواضح أنّ هناك أيَّ شيء غير مرغوب فيه هنا. هذه ليست قضيّة الأجسام الماديّة المرتبطة. نرى أنه طالما كان موسيقياً، فهناك كائن ماديّ واحد فقط؛ حيث يوجد الرجل. نحن لا نعطي الرجل والموسيقيّ صوتين، وأيّ شيء تفعله، لهذا تقوم به للآخر. ومع ذلك، ليس لدينا هويّة هنا. فالرجل هو المكوّن الخاصّ للصدفة التي هي الرجل الموسيقيّ، ومن الواضح أنّ المركّب لا يمكن أنْ يكون مطابقاً لأيّ مكوّن من مكوّناته الخاصّة. وهكذا، لئن كان الرجل والرجل الموسيقي غير متطابقيْن، فإنّهما واحد. فهما، مع ذلك، واحد فحسب بحكم حقيقة طارئة -حقيقة أنّ الرجل موسيقيّ. وعلى النّحو الذي وضعه أرسطو، فإنّ الرجل والرجل الموسيقيّ هما واحد بالحدوث/الحدثان

ثالثاً، لا يجد أرسطو صعوبة في شرح كيف يكون هناك موجودات ملموسة؛ أشياء هي من قبيل إنسان شجاع وستّة أقدام طولاً. لا تمثّل ملموسيّة الجسيْمات المألوفة مشكلاً خاصّاً لمقولتيْن من الأنطولوجيا التي تميّز الموضوع المكوّن من المكوّن المسند؛ واستراتيجيّة أرسطو هي مجرّد مثال على هذه الأنطولوجيا. وعلى النّحو الذي صاغه، فمركّباته (سواء أكانت موجودات جوهريّة أمْ موجودات حادثة) هي هذه الصيغة (Met.,vii.10,1033 b 20-24)؛ فكلّ واحد منها هو كلّ الذي تتضمّن مكوّناته ليس مجرّد كيان إسناديّ صحيح تماماً (- أ هذا)، ولكن أيضاً شيئاً ما مناسباً تماماً من النّاحية المقوليّة، لينهض بدور موضوع الإسناد (- أ هذا)؛ والنتيجة الحاصلة هي (أ هذا مثل)، موجود مع شكل مميّز من طبيعته. وهاهنا من المهمّ أنْ نلاحظ أنّ أرسطو يفهم كليّاته الأساسيّة بطريقة مختلفة تماماً عن منظّري الحزمة التقليديّة، فلا الصور الجوهريّة، ولا الحوادث، كيانات قائمة بذاتها. إنّها مشروع بحوث؛ وذلك بصرف النّظر عن ماهيتها هي مسالك أطروحات قائمة بذاتها. وعلى أيّ نحو تكون هذه الطروحات موجودة. إنّ مدار الفكرة على كون الكليّات الأساسيّة هي في جوهرها كيانات إسناديّة؛ إنّها الأشياء التي هي، إذا جاز القول، صفة، ومن ثمّ، تعتمد على ذواتها. وعلى هذا النّحو، فإن فكرة شيء ما هو مالك صفة ملموسة، وموضوع لإسناد ليس شيئاً نحتاج إلى بنائه، فهو موجود في المواد التي منها تتكوّن الكائنات العاديّة.

وهذا الأمر يتركنا مع اعتراضنا الأوّل. فنظريّة الحزمة الأوليّة، كما سلف قولنا، بدت ملتزمة بتصوّر قويّ غير مقبول تماما يتعلّق بهويّة القابل للتّمييز. والآن، إنّه لمن المفارقات العجيبة أنْ نفترض أنّ لأرسطو وجهة نظر حول قفازيْ كانط وعالم ماكس بلاك المتماثل شعاعيّاً، أوْ تاريخ دفيد لويس التناوبيّ. ولكن إنّ هذا لشيء مؤكّد جدّاً؛ فهو يدرك تماماً الآثار المترتّبة على ما أسمّيه مبدأ الهويّة التأسيسيّة بالنّسبة إلى نظريّته الخاصّة. ولقد أحلنا بالفعل إلى نصّ (Z.8) مهمّ حول كالليس وسقراط، وتكمن الفكرة في أنّه بما أنّ أفراد من أنواع مختلفة يتشاركون في مكوّن، وهو صورتهم الأساسيّة، فيجب أنْ يختلفوا في مادّتهم. وفقًا لذلك، نحصل على النتيجة التي تفيد بأنّ أجزاء المادّة المختلفة عدديّاً تكون بمثابة موضوعات بالنّسبة إلى إسناد هذا الصورة المفردَة.

ومع ذلك، يوجد هنا مشكل، إنّه مشكل غالباً ما يتمّ تجاهله في مناقشات هذه المسألة؛ فالموجودات من الجنس نفسه لها، باعتبار مادّتها المكوّنة، قطع ماديّة من النّوع نفسه من الأشياء؛ وبعد ذلك، فالمشكل الذي كان يُفترض أنْ تجد له المكوّنات الماديّة حلّاً يتولّد من المكوّنات الماديّة نفسها. فهي واحدة نوعاً، ومن ثمّ لها الصورة نفسها. فمن أين يتأتّى، إذاً، تنوّعها العدديّ؟ يوجد تراجع وشيك الحدوث هنا. فمن أيّ جهة يتمّ إيقاف التّراجع؟ ما وددت أنْ أفترض «الإيقاف»، على مستوى المادة الأوليّة، مثلما هو مفهوم تقليدياً؛ أيْ على مستوى المادّة الموصوفة عبر القول المعتم في (Z.3). وإذا أيّد مادّة مميّزة للغاية، فهو ملتزم بإنكار أنّ هذا هو نوع الشيء الذي يمكن تقطيعه، أوْ تقسيمه، أوْ تجزئته، ليعطينا التنوّع العدديّ. ومتى تمسكّنا بصورة أرسطو للكون، فيجب أنْ نثبت أنّ أيّ توقّف لتراجعنا يجب أنْ يحدث على مستوى العناصر الأربعة: النار والأرض والهواء والماء. وما نحتاجه هو بعض المبادئ التي ستميّز جزءاً واحداً من الماء من الجزء الآخر؛ وجزءاً واحداً من الهواء من الجزء الآخر، وهلمّ جرّاً. من السهل القول بشكل حدسيّ كيف يختلف جزء من الأرض، على سبيل المثال، عن الجزء الآخر: فهي تختلف في أماكنها. المكان، على غرار ما يظهر، هو المبدأ الأقصى للتنوّع العدديّ. فقسمان من المادّة اللزجة، التي هي أحد العناصر الأربعة، يتباينان في أماكنهما الأوليّة.

يوجد هاهنا تعليقان في نظام من التّرتيب. أوّلاً، هذا الزّعم هو زعم ذو صيغة زمنيّة؛ إنّه زعم كائن في الزّمن المضارع زمن القول. ثانياً، الافتراض أنّ أماكنها هي التي تنوّع أجزاء المادّة الخام يمكن أنْ يصمد على أساس أنّه بالنّظر إلى أنّ الأماكن هي عناصر من مقولة عرضيّة، فإنّ الجواهر الأساسيّة تسبقها[38]، لكن لاحظْ أنّ ذلك كذلك فحسب، إذا ما افترضنا أنّ هذه الأولويّة يجب أنْ يتمّ توضيحها من خلال صورة تقدّم لنا «لحظة» أنطولوجية نجد فيها كتلاً من المواد الخامّ (النار، الأرض، الهواء، الماء) باحثة، إذا جاز التّعبير، عن الأماكن التي تحتلّها. هذه صورة للأولويّة سيرفضها بالتأكيد. سيفكّر بدلاً من ذلك في أنّه نظراً إلى كليّة المواد الخام الأوليّة، سنُمنح، تبعاً لذلك، إطاراً بدائيّاً للأماكن؛ ونأمل أنْ يوّفر هذا الإطار الموارد للتنويع الذي نبحث عنه.

وهكذا يمتلك أرسطو الموارد اللّازمة للتعامل مع الظّاهرة التي تكمن وراء اعتراضاتنا الأربعة. ومع ذلك، يظلّ المشكل قائماً مع نظريّة أرسطو التي ليس لها حلّ سهل، على الأقل إذا لم نسر على هدي خطاب أرسطو؛ ذلك أنّ المشكل يتعلّق بالتزامه بمبدأ التمثيل. إذْ يعتقد أرسطو أنّ كلّ كليّ أساسيّ هو ممثَّلٌ، وأنّه يفهم هذا الادّعاء من جهة المصطلحات الآنيّة. وفي سبيل تأييد تصوّر من المبدأ ينضمّ أرسطو إلى زمرة معظم أحدث علماء الأنطولوجيا التأسيسيّة. ومع ذلك، فإن قراءته الآنيّة للمبدأ تؤدي إلى تصوّر من المبدأ يختلف عمّا نجده لدى ديفيد أرمسترونغ، وديفيد ميلور، وغوستاف بيرغمان، وسيلحّ كلّ من هؤلاء على صياغة المبدأ في مصطلحات مطلقة[39]، وسيصرّون فقط على أنّ كلّ كلّي أساسيّ ممثَّلٌ في وقت معيّن أوْ آخر، في حين أنّ أرسطو يرى أن كلّ كلي أساسيّ له مثيل الآن.

مكمن الصعوبة يبدو أنه بالنسبة إلى العديد من الكليّات كونها مادّة عرضيّة، سواء أكانت ممثَّلة فعليّاً، أمْ لا. وهذا الأمر يستقيم، سواء أفهمنا التّمثيل في صيغة مطلقة، أمْ في صيغة آنيّة. وبعد ذلك، إذا ما قبلنا بمبدأ التمثيل، فيبدو حينئذٍ أنّنا ملتزمون بوجهة نظر مفادها أنّه حيثما توجد كلّيات توجد فحسب كائنات ممكنة؛ وتلك هي، بطبيعة الحال، وجهة نظر تقريباً السواد الأعظم من المدافعين المعاصرين عن الاستراتيجيّة التأسيسيّة[40]. وثمّة، مع ذلك، إشكال في خصوص هذا الرّأي. والحقيقة هي أنّه، بالنّسبة إلى كلّ كلي توجد حقائق ضروريّة، التي تبدو متخّذة الكلي على أساس كونه موضوعَ الكيان. ولكن، إذا كانت قضيّة ما هي بصدق من شكل الموضوع-المسند، فإنّ القضيّة يمكن أنْ تكون بالضرورة صادقة، فحسب، إذا كان موضوع -الكيان موجوداً ضرورةً. ووفقاً لذلك فباستثناء أنّنا نستطيع رؤية ذاك، فإنّ ظهور موضوع-صورة المسند هو أمر وهميّ؛ لذا نحن ملتزمون بالقول إنّ الكليّات ذات الصلة جميعها كائنات ضروريّة؛ وإنّ الحقيقة هي أنّ نتائج محاولات بيان الظهور الوهميّ بشكل استثنائيّ قد كانت متواضعة. وأرسطو، بطبيعة الحال، أيّد اتّجاه التفكير المرسوم حاليّاً، ومن ثمّ استنتج، من قِبَلِ كون مبدأ التّمثيل صحيحاً، أنّ كلّ كليّ أساسيّ ليس صحيحاً فقط، وإنّما هو صحيح بالضرورة، أيضاً، بحكم أنّه ممثَّل الآن (1039 b 20-1040 a 7). والنتيجة المترتّبة عن ذلك وجود مذهب مغيّب للأبديّة الضروريّة للأنواع، وهو مذهب سيجد معظم الدارسين استحالة الحفاظ عليه في مواجهة علم الأحياء التطوريّ المعاصر. وهلْ من سبيل للخروج من هذه الصعوبات؟ أنا أعتقد، إذاً، في إمكان ذلك السبيل. فأنا لا أظنّ أنّ الأنطولوجيّ التكوينيّ يحتاج إلى قبول مبدأ التّمثيل، سواء في شكله الأبديّ أو شكله الحاضر. وإذا فكّر المرء بطريقة أخرى، فربّما يخلط بين وجود الكليّ وتمثيله. فالأنطولوجيّ التأسيسيّ يلتزم بالتمسك بأنْ يكون كلّيّ من الدرجة الأولى ممثّلاً (له مثيل) لكونه مكوّناً في بعض جسيْم مألوف؛ ولكن هذا الالتزام لا يحول دون عدم تمثيل الكليّات. أوْ ربّما يفترض المرء أنّ القبول بوجود كليّات غير ممثلة هو من أجل تأييد إطار علائقي مع كليّات متعالية موجودة في عزلة رائعة عن العالم الزمكانيّ. ولكن ليس مناصرة الكليّات غير الممثلة هو الذي يجعل المرء علائقيّاً، بل بالأحرى أنْ يكون مفترضاً أنّه بالنّسبة إلى شيء ليكون مجسّداً لكليّ هو لأنّه يتموقع في بعض العلاقات، أو الروابط، غير المريولوجيّة الفريدة الموصولة بكلّي. ويمكن للمرء الموافقة على وجود كليّات غير مجسّدة دون الاستمتاع بهذا الافتراض. وفي نهاية المطاف، ربّما يفترض المرء حينما لا يكون مبدأ التمثيل مطلباً للنظريّة التأسيسيّة، أنْ يكون هذا المبدأ مطلباً مداره على أيّ نظريّة تصنع الكليّات مثل هذه الأشباه أو الطرق التي تكون بها الأشياء. إنّه أمر صحيح أنّ الفكرتين تسيران في اتّجاه واحد؛ ولكن ليس على النّحو الذي يُفترض أنّه يمكن أنْ نجد فيه تأسيساً لمبدأ التمثيل في فكرة أنّ الكليّات تمتلك بنية مقوليّة إسناديّة. فبمستطاعنا الإبقاء على هذه الفكرة حينما نتمسك بفكرة أنّ الكليّات سبل موجودات يمكن أنْ تكون بدلاً من سبل موجودات كائنة، وأنّها قابلة للإسناد عوضاً عن كونها كيانات ُمسنَدَة. والمنطلق في ذلك هو أنّ مبدأ التّمثيل ليس مستمَدّاً من فكرة أنّ الكليّات هي كيف تكون بعض الذّوات؛ بمعنى أنّ هذه الفكرة تتضمّن بالفعل المبدأ. إذاً ما أودّ أنْ أنصح به فهو: يحسن بأيّ شخص يرغب في تقديم تصوّر معاصر من نظريّة أرسطو أنْ يرفض مبدأ التّمثيل. وما ينبغي على المرء فعله هو أنْ يقرّ بأنّ الكليّات الأساسيّة من الرتبة الأولى هي كائنات ضروريّة، مع الإبقاء على أنّ تمثيل كلّي أساسيّ من الدرجة الأولى إنّما هو قضيّة محايثة في بعض المركّبات الحادثة، ويستنتج أنّ مبدأ التّمثيل خاطئ.

VIII

إذا أجرينا هذا التّعديل على نظريّة أرسطو، عندئذ نحصل على نظريّة أكثر نجاحاً من أكثر التصوّرات حداثة للأنطولوجيا التّأسيسيّة في تعاطيها مع الظّاهرة المركزيّة الموصولة باعتراضاتنا الأربعة. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير في نظريّة أرسطو الذي لا يجده الفلاسفة المعاصرون مغرياً بالاهتمام. وبالنسبة إلى المبتدئين، إنّ تصوّر أرسطو متأصّل في نوعيّته الغريبة الأساسيّة، ومحور وجهة النظر هذه هو التباين بين كليّات-ماذا وكليّات-كيف، التباين بين الكليّات التي تميّز جسيْم مألوف؛ أي موجود حيّ، كما هو، وتلك التي تقوم فحسب بتعديل، أوْ توصيف، جسيْم مفرد مميّز بشكل سابق على نحو ما هو عليه من قبل بعض الكليّات الأخرى[41]. وعلى الرّغم من أنّه يعتقد في أنّ هذا التّباين يسير بالتّوازي مع التّباين المشروط بين ما هو إعادة ضروريّة، وما هو إعادة شرطيّة لجسيْم، ويتّخذ أرسطو التمييز المشروط ليكون مشتقّاً من التّباين القبليّ ماذا/كيف؛ والفكرة في ذلك هي أنّ هذا التّباين، صدقاً، أنطولوجيّ. لذا، إنّه ليس اختلافاً في الكيفيّة التي يقع بها تفكيرنا في الأشياء، أوْ حديثنا عنها. إنّه عاكس لأبعد حدّ وجود الكائنات. ووفقاً لذلك، فهو تمييز مطلق لا يتعلّق بالسّياق. فمن المفترض أنْ يكون التباين موجوداً قبل أيّ إطار مفاهيميّ أو لغوي يحدث ليقيم هيكل بحثنا، ومن المفترض أنْ تكون مهمّة تلك الأطر السعي إلى الحصول على تطبيق التّباين الحقيقيّ.

إنّ الأنواع التي تنتمي إليها تلك الجواهر الأوليّة الأرسطيّة المميّزة على النّحو الذي هي عليه، والتي من بين تلك الأنواع إنّما هي، مؤكداً، أنواعها البيولوجيّة الأدنى مستوى (أنواعها الدّنيا) هي التي توفّر التّعبير الأكثر اكتمالاً عمّا عسى أنْ تكون ماهية الجواهر الأوليّة. ولكيْ نحصل على الإجابة الأفضل والأكثر دقّة عن السّؤال «ما هو؟» يجب أنْ نحدّد نوع الشيء. ومرّة أخرى، نحن لسنا إزاء مجرّد جزئيّة لسانيّة، أوْ مفهوميّة؛ ذلك أنّ الأنواع الدّنيا تمنح أعضاءها شروط الوجود: بالنّسبة إلى ماهية فرديّة، حتى تكون لها كينونة يجب أنْ تكون عضواً في أدنى مستوى لها؛ لذا يريد أرسطو أنْ يدّعي أنّ عضويّة جسيْم مألوف في أنواعه الدنيا متجذّرة في الشكل الماديّ المرتبط بالنّوع، والسبب في ذلك أنّ هذا الشكل هو مكوّن في الجسيم المفرد الذي يقع تحت طائلة النوع المناسب، والشّكل الماديّ الذي هو مبنيّ على أساس كونه مبدأ سببيّاً أساسيّاً غير قابل للاختزال[42]، وفي حين أنّه من الضروريّ أنْ يكون مثل ذلك مكوّناً في كلّ، وعضواً فقط من النّوع المرتبط به. إنّه شيء ليس له مكوّنات خاصّة به. وتبعاً لذلك، فإنّه يستدعي نوعاً من الوجود أوّليّاً مستقلّا بذاته، أوْ غير قابل للاختزال، أوْ خاصيّة؛ أيْ شكلاً من الوجود الذي يكون فريداً في جنسه قياساً على النّوع، وهو لا يمكن اختزاله إلى أنواع الوجود التي يمكن العثور عليها في أنواع أوليّة من الناحية البنيويّة والوظائفيّة للأشياء.

وهكذا تُلزمنا نظريّة أرسطو بمذهب الأساسويّة، التي تجعل التّمييز ماذا/كيف تمييزاً أنطولوجيّاً حقيقيّاً. ويكمن هذا التباين في مذهب الأشكال الجوهريّة؛ حيث تكون مصادر أساسيّة غير قابلة للاختزال لأنواع الخاصيّة المميّزة لمختلف الأنواع البيولوجيّة. ولا مذهب من هذه المذاهب من المحتمل أنْ يجذب إليه أنظار الفلاسفة المعاصرين، الذين إمّا أنْ ينكروا أنّه يمكنهم فهم التباين بين الماذا والكيف، وإمّا سيصرّون على أنّ أيّ تباين موجود هاهنا يتعلّق بأغراضنا ومصالحنا في البحث، ومن ثمّ ليس بغرض موصول بالباحث الأنطولوجيّ[43]؛ لذا سيعارضون مذهب الصور الجوهريّة. وبذلك سينضمّون إلى زمرة من النّقاد العائدين إلى أصول الفلسفة الحديثة، حيث يُزعم أنّ المذهب مفلس في أحسن الأحوال؛ أيْ هو نظريّة زائفة جوفاء، وفي أسوأ الأحوال هو شيء أقرب إلى الخرافات.

وإذا بدأنا بالمجموعة الثانية من الشواغل، يمكننا الإقرار بأنّ الانتقادات الموجَّهة ضدّ بعض دعوات القرون الوسطى والنهضة التي نشأت في وقت متأخّر، من المرجّح أنْ تكون مستهدَفة. وعلى نحو ما يطرحه أرسطو نفسه، فإنّ نظريّة الصور ليست فارغة ولا خرافيّة؛ إنّها تسمح لنا بتصوّر ثريّ ومفصّل للبنية والسلوك المتميّزيْن لمختلف الأنواع البيولوجيّة؛ وتفسح المجال لدعوة تلك البُنى والآليّات المنخفضة المستوى، التي تحافظ على الوظيفة السببيّة للشّكل. وإنّه، في واقع الأمر، تصوّر يتطلّب هذه الدّعوة[44]. على أنّ ما يحول دون ذلك هو اختزال شامل يدّعي أنّه سيقدّم اعتباراً كاملاً لطبيعة وسلوك أعضاء النّوع البيولوجي من خلال الإحالة حصريّاً على هذه الأبنية والآليّات ذات المستوى الأدنى. وبطبيعة الحال، سيجد العديد من الميتافيزيقيّين المعاصرين حتّى هذا الأمر قابلاً للاعتراض، فيحدّدون تصوّراً نظرياً ناجحاً بنوع من التّحليل الاختزاليّ الذي تمّ وصفه حاليّاً. ومع ذلك، إذا كان المرء يشكّ في اشتراط تقديم تقديرات مختصرة لجميع الظواهر المتميّزة عن مختلف الأنواع البيولوجيّة، بما في ذلك خاصتّنا، فلا ينبغي رفض المفهوم الأرسطيّ للشّكل الخارج عن السيطرة؛ وذلك لأنّ الحديث عن النموذج الأرسطيّ، في أساسه، هو مجرّد طريقة للأنطولوجيّ التّأسيسيّ للتّعبير عن الفكرة القائلة بأنّه بالنسبة إلى فهم نوع بيولوجي معيّن، لنْ يكون التّحليل الاختزاليّ الصارم كافياً.

والافتراض، هاهنا، بطبيعة الحال، هو أنّه بمستطاعنا أنْ نضفي معنى على المفهوم الأساسويّ الأرسطيّ للنّوع؛ وهذا الأمر بدوره يرجعنا إلى الصعوبة الأخرى المتعلّقة بفهم التّباين بين ماذا وكيف. والصعوبة المذكورة هي المفترضَة على النّحو الآتي: إذا كان يوجد أيّ تباين هنا على الإطلاق، فإنّه يمكن استخلاصه فحسب في علاقة بشواغلنا النظريّة المتغيّرة، مثل هذه التي تنعكس في الأوصاف المختلفة التي نستخدمها في تمييزنا للأشياء التي نسعى إلى فهمها. والنتيجة بالتّحديد هي تلك التي استخلصها كوين في هجومه الشّهير على الأساسيّات الأرسطية[45]. وأفضل ما يمكن أنْ يحصل عليه أرسطيٌّ هو التمييز اللغوي البحت؛ إذْ لا يوجد تباين أنطولوجيّ غير نسبيّ هنا.

وربّما يشعر، الآن، كوين بالارتياح تجاه هذا الاستنتاج، ولكنّني أشكّ في أنّ الكثير منّا سوف يكونون كذلك؛ ذلك أنّ أغلبنا خلافاً لكوين، يريدون تأييد تمييز موضوعيّ على نحو حقيقيّ (أيْ غير نسبيّ) بين قضيّة ضروريّة وقضيّة مشروطة. والآن، من السهولة بمنزلة أنْ نضبط الفرق، شريطة أنْ لا نجد في طريقنا أيّة عَقبة أمام الدّعوة إلى «تبنّي» خطاب جهيّ («أيْ له جهة قول يصدر عنها»). ويمكننا أن نقول إنّ الكليّ هو مسنَد بالضرورة إلى شيء ما فقط في حالة أنّ الكلّي هو مسند إلى ذلك الشيء، ومن المستحيل بالنّسبة إلى الشيء أنْ يكون موجوداً دون تمثيل الكليّ (إنشاء كلّي مثيل). والكليّ هذا هو مسند إسناداً شرطيّاً احتماليّاً إلى شيء ما، فقط في حالة أنّه محمول الشيء، ولكن ليس بالضرورة أنّه مسند إليه؛ أوْ يمكننا، حينئذٍ، أنْ نسترفد لغة العوالم الممكنة، وأْنْ نقدّم العوالم الممكنة معادلاً لهذه التّعريفات. وإنّ كوين، بالتّأكيد، لنْ يجد هذه الصياغات مُرضيَة، ولكن بالنّسبة إلى أولئك منّا، الذين لا يرفضون لغة جهيّة/مشروطة خارجة عن السيطرة، فإنّ الصياغات لديهم تعمل تقريباً بشكل جيّد بوصفها تصوّرات لقضيّة الجهة. وفي الحقيقة، إنّ المشكل مع قضيّة الجهة ليس مشكل تعريف؛ بل المشكل بالأحرى هو أحد مشاكل تفسير لماذا الحقائق الفرديّة لقضيّة الجهة ينبغي إدراكها. وتتمثّل إحدى الصعوبات في تفسير لمَ، على سبيل المثال، يجب أنْ يكون كليّاً ما قضيّة ضروريّة لكائن معيّن. وفي بعض الحالات، بالطبع، لا توجد صعوبة؛ فالكليّ ضروريّ ببساطة في الطريقة التي تكون خاصيّة التطابق-الذاتيّ موجودة فيها، أوْ خاصيّة كونك أحمر، أوْ كونك غير أحمر، ضروريّة ببساطة. ويتأتّى الإشكال في حالة وجود كلّي لا ضروريّ لشيء ما بشكل غير ذي بال. والأرسطيّ التأسيسيّ ليس لديه صعوبة في إيضاح لماذا يكون الكليّ هو قضيّة ضروريّة للشيء: الكليّ هو قضيّة ضروريّة بسبب ماهية الشيء. فإمّا أنْ يصنّف الكليّ الشيء كما هو، وإمّا، بمعنى آخر، أنْ يتعقّب مصدر ماهية الشيء. وأغلب الظنّ أنّه توجد كلّ أنواع الأجراس والصفارات التي يحتاجها الأرسطيّ ليلعلع بصوته، هاهنا، ليجعل التصوّر دقيقاً، ولكن هيهات، فالفكرة الأساسيّة يجب أنْ تكون واضحة. لنفترضْ، مع ذلك، أنّنا نرفض اعتبار تناقض ماذا/كيف تناقضاً موضوعيّاً؛ وهبْ أنّنا لا نقرّ إلّا بتناقض لغويّ قريب الصلة من أهدافنا ومقاصدنا في بحثنا؛ ومن ثمّ، إذا أردنا الحفاظ على تناقض موضوعيّ بحقّ بين سبل إعادة الجهات، فليس لنا من بدّ سوى أنْ نعتبر حقيقة أنّ كليّاً معيّناً هو قضيّة ضروريّة، أوْ قضيّة مشروطة لكائن معيّن ليكونَ حقيقة أوّليّة بدائيّة، ناهيك أنّ هذا الضّرب من الحقيقة لا تفسير له. وربّما سيكون هناك الكثير والكثير من مثل هذه الحقائق التي سنحتاج إلى عدّها بدائيّة؛ وبالنّسبة إلى كلّ كائن، فله القدر نفسه من الخصائص غير ذات بال مسندة إلى هذا الشيء. والصعوبة ليس مأتاها فحسب أنّنا مضطّرون إلى أنْ نعتبر، بلا حساب، العديد من أمثال هذه الحقائق بدائيّةً؛ إذْ توجد عقبة أخرى كأداء، في مغالبتها، تخالف حدسنا. ويبدو الأمر صحيحاً مثل أيّ شيء تستطيع بمقتضاه الحقائق غير عديمة الأهميّة لقضيّة الجهة أنْ يكون لها جذورها في ماهية الأشياء. فما الذي يجعل جون بالضرورة عقلانيّاً؟ لأنّ ماهية جون هي أنّه إنسان. لماذا يتساقط الكائن الحيّ بالضرورة في النهاية؟ إنّه يتساقط بسبب ماهيته -شجرة القيقب بدلاً من التنّوب على سبيل المثال.

وهكذا يوجد ثمن باهظ لرفض الرؤية الأساسيّة لجوهريّة أرسطو، على الأقل بالنسبة إلى الفيلسوف الذي يناصر مناصرة صادقة تمييزاً أنطولوجيّاً بين سبل إعادة الجهات. ويتعيّن على الفيلسوف أنْ يعتبر كلّ حقيقة من الحقائق، التي لا حصر لها، والمتعلّقة بقضيّة الجهة، مثلَ أوليّات غير مفسّرة. واجتراح ذلك الصّنيع يتعارض مع أعمق حدوسنا الجهيّة/الشَرطيّة. وهذا كلّه يوحي بأنّه قد يوجد المزيد من تناقض ماذا/كيف، أكثر ممّا يودّ المشكّكون المعاصرون أنْ نعتقد فيه. وإذا ما كان هذا التباين يمثل تمييزاً أنطولوجيّاً بصدق، فتبعاً لذلك تصبح نظريّة الأنواع الأرسطيّة خَياراً جادّاً في الفلسفة. وإذا ما كنّا، الآن، من الأنطولوجيّين التّأسيسيّين الذين يصلون الواقعيّة حول الأنواع الطبيعيّة بالريْبيّة الدّائرة على المطلب المتعلّق بالتصوّرات المختزلة لكلّ أصناف الكائنات الحيّة المختلفة، فمن ثمّ تكفّ نظريّة أرسطو الشاملة عن الوجود لتلوح وكأنّها فصلٌ مُبْهم مقصور على أفهام فئة معيّنة في تاريخ الفلسفة، وحديثه عن الأشكال الجوهريّة بوصفها مبادئ أساسيّة غير قابلة للاختزال لخاصيّة أساسيّة يأخذ في الظهور ليبدو شبيهاً بفلسفة جادّة.

وهكذا، يوجد تقارب في الالتزامات الفلسفيّة؛ إنّها التزامات ربّما يتلقّاها الميتافيزيقيّ المعاصر بشكل معقول، ممّا يجعل تصوّر أرسطو للأنطولوجيا التأسيسيّة مغرياً يشدّ إليه الأنظار. وتشمل «هذه المفاهيم الجذّابة»، أوّلاً، الاعتقاد بأنّ الحقائق حول الخاصيّة تبقى في حاجة إلى التّفسير، ثانياً الاعتقاد بأنّ المقاربة التأسيسيّة توفّر لنا هذا التّفسير، ثالثاً الاعتقاد بأنّها حقائق حول جوهر الجسيْمات المألوفة (يعني، حقائق عن ماهيتها، وحقائق عن أنواع ماهية الأشياء) الكامنة وراء الحقائق غير عديمة الأهميّة لقضيّة الجهة، ورابعاً مناوأة الاختزاليّة، على الأقلّ، في خصوص بعض الماهيات، أوْ الأنواع، التي تنتمي إليها الجسيْمات المألوفة. ونظريّة أرسطو لديها فضل إضافيّ لاستيعاب الظواهر الموصولة باعتراضاتنا الأربعة. وإذا ما أخذنا هذه الاعتبارات مجتمعةً في حُسباننا، فإنّها قد تخفق في أنْ تكون حجّة بالغة بالنّسبة إلى نظريّة أرسطو. ولكنّها تقطع شوطاً في اتّجاه جعل فكرة أنّ الميتافيزيقيّ المعاصر يرغب في تأييد شيء ما شبيه بأنطولوجيا أرسطو التأسيسيّة فكرةً تبدو غير قابلة للتّصديق بمقدار ضئيل جدّاً.

[1] - Wolterstorff (1991)

[2] - انظر Simons (1994) بالنّسبة إلى هذا النوع من المعايير.

[3] - انظر Lowe (1995) والفصل 10 من Lowe (1998) لتحصيل تصوّر واضح على امتداد هذه الأسطر.

[4] - انظر، على سبيل المثال، Donagan (1963).

[5] - انظر van Inwagen (2006) انظر Strawson and Grice (1956) للاطلاع على الادعاء الموازي حول التّمييز التّحليلي/الاصطناعيّ

[6] - Simons (1994) Williams (1953) اتخذا مواقف مضادّة في خصوص وضع المجازات.

[7] - انظر، على سبيل المثال: Davidson (1970) وChisholm (1976) بالنّسبة إلى هذا التضّاد.

[8] - Chisholm (1976) وArmstrong (1997 ب) لهما آراء مخالفة حول الحالات الرّاهنة.

[9] - انظر (D. Lewis) (1973).

[10] - المرجع السابق.

[11] - يمكن أنْ يكون (Laurie Paul) استثناءً. انظر: Paul (2002) والقسم السادس من هذا الفصل.

[12] - مسألة ما إذا كان يمكن فهم العلاقة المكوّنة من خلال شكل مقيّد من الانصهار هو السؤال الذي يقسم علماء الأنطولوجيا التأسيسية. فعادة، منظّرو الحزمة (سواء الذين يبنون الخصائص على أساس أنّها كليّات، أو أولئك الذين يبنونها على أساس أنهّا مجازات) ما يدعمون التأويل المريولوجي لعلاقة المكوّن/الكلّ، في حين أنّ منظّري الأسس عادةً ما يرفضون تأييد الاعتبار المريولوجيّ. وللاطلاع على قراءة ذات طابع مريولوجي، انظر: Williams (1953) وPaul (2004). وبالنسبة إلى التصوّرات غير المتعلقة بالمريولوجيا، انظر: Bergmann (1967: 22) وArmstrong (1997 ب: 178-83).

[13] - انظر الفصل السّادس من الجزء الأوّل، من كتاب هيوم (1739) بالنّسبة إلى معرفة هذا الضرب من المقاربة الموصولة بنظريّة الحزمة.

[14] - بالنّسبة إلى صياغة مفصّلة لهذا الاعتراض، انظر الفصل 7 من Loux (1978) والفصل 3 من Loux (2006b).

[15] - انظر: Kant (1768: 381) والقسم 13 من Kant (1783) وBlack (1952) وD. Lewis (1986a157-58).

[16] - انظر: Allaire (1963) للاطلاع على الصيغة الكلاسيكيّة لهذه القراءة للاعتراض المذكور.

[17] - انظر: الفصل 3 من Loux (2006b). للحصول على ردّ على هذا الاعتراض، انظر: Sider (2006).

[18] - انظر على سبيل المثال: Williams (1953) وCampbell (1990) وSimons (1994).

[19] - انظر: Martin (1980).

[20] - انظر: الفصل 6 من Campbell (1990).

[21] - Campbell (1990: 20).

[22] - أنا أفكّر في الفلاسفة المنشغلين بالتقاليد الأرسطيّة على نطاق واسع. وبالنّسبة إلى معرفة مزيد من النقاش حول هذه الفكرة، انظر القسم الثامن.

[23] - Simons (1994).

[24] - انظر: الفصل 4 من كتاب D. Lewis (1986 أ) للحصول على دفاع مفصّل عن نظريّة المثيل.

[25] - Paul (2004).

[26] - انظر، على سبيل المثال:Casullo (198)، والذي يعدّ عمله ردّاً علىVan Cleve (1985)؛ حيث تمّ توضيح بعض الاعتراضات التي تمّت مناقشتها هنا.

[27] - بالنّسبة إلى معرفة حجّة تتعلّق بهذا الادّعاء، انظر: Inwagen (1981).

[28] - انظر: Heller (1990: 61-63).

[29] - انظر: الفصل 7 من Armstrong (1997b) وBergmann (1967: 34).

[30] - Paul (2002).

[31] - انظر: Paul (2002)، أين نجد ذلك الأمر مقترحاً. كان قد أكّد (Paul) في محاورة الاقتراح، قائلاً: «إنّ الكائنات العاديّة لا تعدو أنْ تكون خصائص معقّدة للغاية».

[32] - إنّ اهتمام (Castaneda) بهذا المشكل هو جزء لا يتجزأ من محاولة طموح لتطوير تصوّر من نظريّة الحزمة يوفّر إجابات شاملة لمجموعة كاملة من المشكلات في الميتافيزيقيا والمنطق الفلسفيّ وفلسفة العقل. إنّ أفضل بيان، وأكثره تفصيلاً للنظريّة برمّتها، يوجد في Castaneda (1975).

[33] - Bradley (1927: 162).

[34] - Erismann (2007).

[35] - يختلف بيترفوراست مع هذا الرأي، إذ يستند إلى منظّري المجاز لافتراض ما أسميه ممثّلات المجاز. وأعتقد أنه مخطئ في تفسير النظريّة، ولكنّه قام بعمل ممتاز لوصف ما أسميه ممثّلات المجاز يظهر في قوله هذا: «المجازات على النّحو الذي أفهمه على ضوئها هي ليست الكثير من الخصائص التي تمتلكها الكائنات المألوفة على غرار بالأحرى المواد الصغيرة التي عادةً ما يُعتقد أنّ لها موقعاً وخاصيّةً أخرى. ومع ذلك، في نظريّة المجاز لا يتمّ تحليل هذه المجازات باعتبارها أشياء لها موقع وخاصيّة، أو حتّى بوصفها موقعاً له خاصيّة، ولكن يتمّ التعامل معها على أنّها مكوّنة من كائنين (مثل خلاصات مريولوجية من مجازات ذات موقع مشترك)، وخصائص قابلة للتّكرار (باعتبارها أقساماً من مجازات مماثلة بالضبط)». (Forrest 1993: 47). وأنا مدين لروبار غارسيا الذي وجهني إلى تعليق فوراست. وللاطلاع على مناقشة مفصّلة للتمييز بين المجاز/ وممثّل المجاز، انظر مساهمة غارسيا في هذا الكتاب «مشكل الكليّات في الفلسفة المعاصرة».

[36] - انظر كتاب Generatione et Corruptione ii.1 (329a25-329b3). الأدبيّات حول هذا الموضوع ضخمة جدّاً، انظر: الفصلين 3 و7 من كتاب Loux (1991) لمناقشة هذا الأدب.

[37] - انظر: 1015b16-34 مع المواضيع i. 7 (103a6-38) والفيزياء. iii.3 (202b15-16) للاطلاع على نقاش مهمّ لهذا التناقض، انظر: F. Lewis. (1982).

[38] - للاطلاع على معالجة أرسطو للفضاء، انظر: Physics iv.1-5.

[39] - انظر: الفصل 3 من Armstrong (1997b)، وMellor (1991: 170-82)، وBergmann (1967: 34).

[40] - انظر على سبيل المثال: الفصل 3 من Armstrong (1997b).

[41] - نواجه هذا التّباين في وقت مبكّر قدر الإمكان، شأنه شأن المقولات، في تمييزها بين كونه مقولاً حول موضوع، وبين كونه مقولاً في موضوع (1a20-1b9). بدءاً من التحليلات الأولى فصاعداً، سنجد التّباين تحت عنوانيْن «kath hauto» و«kath sumbebekos» (73b10-16).

[42] - بالنّسبة إلى الاطّلاع على نقاش مستفيض في خصوص هذه الميزة من تصوّر أرسطو، انظر القسم السادس من Loux (2006a). وربّما تكون الصياغة الأكثر وضوحاً لهذه الفكرة من تصوّر أرسطو للشكل بوصفه طبيعة موجودة في كتاب الفيزياء ii.1.

[43] - استثنائياً انظر: Almog (1991).

[44] - انظر نقاش Physics ii.9، أين يجادل أرسطو في الضرورة الافتراضيّة للمادّة (199 b 33-200 a 14).

[45] - انظر Quine (1960: 195-208).