حرّية المعتقد في الإسلام: سماعُ النصّ ومشاهدةُ التاريخ ولمسُ الحلّ


فئة :  مقالات

حرّية المعتقد في الإسلام: سماعُ النصّ ومشاهدةُ التاريخ ولمسُ الحلّ

حرّية المعتقد في الإسلام: سماعُ النصّ ومشاهدةُ التاريخ ولمسُ الحلّ

عثمان سيلوم

الملّخص

تحاول هذه الورقة البحثية عدم الاقتصار على معاني النصوص الدينية الخاصّة بمسألة المُعتقد في الإسلام وتأويلاتها الفقهية، واتّخاذ موقف مباشر معها أو ضدها، بل تتجاوز ذلك إلى الإنصات لما تنطق به النصوص على لسان الفقهاء الذين عرضوا لها تفسيراً واستنباطاً، مع إعطاء المساحة الكافية لكلّ موقف حتّى يعبّر عن نفسه، كما حاولنا استقصاء التطبيقات الجنائية والتأثيرات السياسية والتمخّضات التاريخية لتلك المواقف في الساحة الإسلامية، والتي تقف أحيانا على طرفيْ نقيض: من التعايش وقبول الآخر، إلى القتل، والغنْم، والسبي. وقد كان هدفنا فهم إشكالية حرية المعتقد والتفكير فيها بعقلية الباحث عن حلول، بعيدا عن التخندق والعصبية التي تطفو على السطح، كلّما أُثير نقاش حول حرية المعتقد في السياق الإسلامي.

المقدّمة

أُثيرَ النقاش قديما وحديثا في السياق الإسلامي حول مسألة حرية المعتقد، وإن بتسميات مختلفة، من قبيل: أحكام أهل الذمّة، أو أحكام دار السلم ودار الحرب، لكنّ المضمون واحد، وهو تحديد الموقف بين التأييد والمعارضة تجاه تمكين الإنسان من اختيار معتقد ديني بكامل إرادته، وكما يقول الأصوليون: "العبرة للمقاصد والمعاني، لا للحروف والمباني".

وقد تحكّمت في تحديد طبيعة النقاش المثار مجموعة من العوامل والظروف المتجسّدة أساسا في المدارس الفقهية ومرتكزاتها النصية والأصولية، إضافة إلى النظم السياسية والاجتماعية التي طبعت كل محطّة من محطّات الحضارة الإسلامية ازدهارا وانحدارا.

وقد أفرز النقاش الدائر حول حرّية المعتقد اتجاهيْن رئيسيْن متمثّلين في: موقف مناوئ لتلك الحرّية، يدعو إلى محاربة المسلمين للمخالفين تحت مسمّيات: الحرابة، الردّة...، وموقف آخر يؤيّد حرّية المعتقد، باعتبارها حرّية متماشية مع روح الشرع ونواظمه الأساسية: "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" [الكهف: 29].

ودائما ما يعيد النقاش طرح نفسه وفق الذهنيات الناظمة لكل عصر، كما هو الحال في عصرنا الحالي الذي يطرح النقاش على أسس سياسية وقانونية وحقوقية لا تضع كثير اعتبار للمسألة الدينية. لكن رغم تغيّر أسس النقاش، إلّا أنّها إلى اليوم لا تُنتج إلا الموقفَيْن المذكورَيْن سلفا، وربما أكثر حدّة على مستوى التطرّف والعداء، وبالتالي فتغيير أرضية النقاش لن يفيد، خصوصا في السياق الإسلامي، الأمر الذي أدّى بنا إلى التسليم بضرورة إعادة فتح نقاش "حرية المعتقد" بالمرجعيّات التقليدية نفسها، لكن برؤية سياقية، نحاول من خلالها فهم كل موقف على حدة.

هذا ما جعلنا نحاول مقاربة مسألة حرية المعتقد من خلال النبش في خلفياتها النظرية المتمثلة في سجلّات الفقه، وتتبّع التمخّضات التاريخية التي أدى إليها كل موقف فقهي من تلك الحرية، من أجل إعادة الاعتبار للنقاش التقليدي المتمثّل في النص والتاريخ، لكن برؤية لا تصبو إلى العودة إلى الماضي، ولا تدعو إلى الانسلاخ الكلي منه؛ سعياً إلى الخروج من التباين الحاصل حول النقاش العقدي داخل السياق الإسلامي.

1- حرّية المعتقد في طيّات النصوص

أ- الموقف الرافض

ترى شريحة كبيرة من الفقهاء المسلمين، المتقدمين منهم والمتأخرين، حُرمة ما يصطلح عليه الآن بحرّية المعتقد، ومن أجل ضبط مقولات هذا الموقف، لا بدّ أن نتناوله تحت صنفين؛ وهما الكافر الأصلي والكافر المرتد.

*- الكافر الأصلي

نظرا لدخول أنواع كثيرة تحت جنس الكافر الأصلي، إلّا أنّ لكل نوع أحكاما فقهية خاصة به تُجرَى على دمه وعرضه وماله، إذ يدور الحكم مدار كلّ صنف، وقد عدّ أهل العلم أصناف الكافر الأصلي فيما يلي[2]:

- المحارب: وهو الكافر المنتمي إلى دولة أو بلد يقاتل المسلمين، أو أية دولة أو جماعة من المسلمين، وليس بينه وبين أحد من المسلمين عهد ولا ميثاق، فهذا مهدور الدم والمال والعرض.

- المستضعف: وهو الكافر المنتمي إلى دولة أو بلد يقاتل المسلمين، أو أيّة دولة أو جماعة من المسلمين، وهو من المستضعفين الذين لا يستطيعون القتال، والذين نهى الإسلام عن قتلهم.

- المعاهد: وهو الكافر الحربي وغيره الذي يكون بينه وبين المسلمين عهد أو اتّفاق أو هدنة، فهذا معصوم الدم ولا يجوز قتله.

- المستأمن: وهو من أمّنته الدولة المسلمة بأي شكل من أشكال الأمان، مثلما أمّنت أم هانئ أحد المشركين، فقبل رسول الله ﷺ تأمينها إياه وقال قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ.

- الذمّي: وهو الكافر الذي يعيش في بلاد المسلمين بشكل دائم، فهذا كذلك معصوم الدم.

- الكافر غير المعترض: وهو الكافر المنتمي إلى دولة لم تعترض المسلمين، فهؤلاء ليسوا محاربين ولا يجوز استهدافهم وقتلهم بغير سبب شرعي.

تلك هي أصناف الكفار التي يتّضح من خلالها أنّه لا يجوز استهداف كلّ كافر في أيّ وقت ومكان، بل إنّ حلال الدم والمال من الكفار هو نوع واحد فقط، وهو الكافر الحربي الذي لم يتلبّس بأيّ شكل من أشكال الأمان أو العهد أو الاستضعاف.

ولأنّ المقام لا يتّسع لجرد جميع الأحكام الفقهيّة التي رتّبها العلماء على وجود الكافر الأصلي بين ظهراني المسلمين، فإنّنا سنقتصر على الحكم المتعلق "بالجزية" التي اتّفق الفقهاء على أخذها من أهل الكتاب والمجوس[3]، وسبب اتّفاقهم على النوعين المذكورين، هو ورود الأدلّة في الكتاب والسنّة على تعيينهما بإعطاء الجزية. قال تعالى: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" [التوبة: 29].

أما من السنّة، فقد ذكر الشافعي في الأم، ومالك في الموطأ، وعبد الرزّاق في المصنف، وابن أبي شيبة في المصنّف، أنّ عمر بن الخطاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله ﷺ يقول: "سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب[4]"؛ إلّا أنّ هذا الاتّفاق حول جزية أهل الكتاب والمجوس لم يطل باقي الملل والنحل، حيث سجّل التاريخ الفقهي اختلافا بين الفقهاء، فقال أبو حنيفة: "تؤخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من العجم، ولا تؤخذ من عبدة الأوثان من العرب، ونصّ على ذلك أحمد في رواية عنه".[5]

ويختلف مع هذا الرأي جماعة من أهل العلم الذين اعتبروا الأدلة الواردة في إعطاء الجزية خاصة بأهل الكتاب والمجوس، ولا تعمّ من عداهم، إذ يرون أنّه لا يصحّ إلحاق عبدة الأوثان بأهل الكتاب؛ لأنّ كفر المشركين أغلظ من كفر أهل الإيمان، فإنّ أهل الكتاب معهم من التوحيد وبعض آثار الأنبياء ما ليس مع عباد الأصنام، ويؤمنون بالمعاد والجزاء والنبوّات بخلاف عبدة الأصنام.[6]

وعلى الرغم من هذا الاختلاف الحاصل حول من تشمله الجزية ويجب عليه إعطاؤها، إلا أنه لم يسجّل تاريخ الفقه الإسلامي خلافا حول "لا جزية على الصبي والمرأة والمجنون[7]". وهذا -"الإعفاء الضريبي" بلغة العصر- يشير إلى إنسانية كامنة داخل العقل الإسلامي، لا يمكن تفهّمها إلّا من خلال وضع ذلك العقل في سياقه الصحيح.[8]

*- الكافر المرتد

بخلاف ما يمكن تسجيله بخصوص الكافر الأصلي الذي يجد حيّزا للعيش بين المسلمين ولو بشروط من قبيل: "الجزية"، لا يترك الموقف المناوئ لحرّية المعتقد في تاريخ الفقه الإسلامي أيّ متنفّس للكافر المرتد الذي أُجرِيت عليه أحكام تصل إلى القتل، وللوقوف على تفاصيل الموقف من الكافر المرتد، لا بدّ أولا أن ننطلق من تعريف الردة.

- تعريف الردّة: عبارة عن قطع الإسلام من مكلّف، إمّا بفعل؛ كالسجود لصنم، وعبادة الشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، وكل فعل صريح في الاستهزاء؛ وإمّا بقول، عنادا، أو استهزاءً، أو اعتقادا، فكلّ ذلك ردّة من المكلّف دون الصبي والمجنون، والسكران كالصاحي في قول، وكالمجنون في قول.[9]-[10]

وقد حدد الموقف الفقهي من المرتد مجموعة من الأحكام التي تسري على نفس المرتد، وولده وماله:

- فأما نفسه، فتُهدَر إن لم يتب، فإن تاب، لم يُقتل إلّا إذا كان زنديقا، ففي قبول توبته خلاف، والظاهر القبول.[11]

- فأمّا ولد المرتد: فإن علق قبل الردّة فمسلم، وبعد الردة ثلاثة أقوال: [12]

أحدها: أنّه مسلم؛ لبقاء عُلْقَة الإسلام.

الثاني: أنّه كافر أصلي

الثالث: أنّه مرتد

- وأمّا مِلك المرتد: فيزول على قول، ويبقى على قول، وهو موقوف على قول.[13]

ما يهمّنا من هذه الأحكام هو حكم القتل الذي يجب أن نقف على تأصيله الذي أجمع فيه أهل العلم على أنّ المسلم إذا ارتدّ يستتاب ثلاثا، فإن تاب وإلا قُتِل[14]. والحكمة من الاستتابة عند الفقهاء هي أنّه ربما ارتدّ المرء لشبهة عرضت له، فإذا تأنّى عليه وكشفت شبهته؛ رجع إلى الإسلام[15]. أمّا أدّلة الفقهاء التي ساقوها في معرض إثبات حكم قتل المرتد، فقد استقَوْها من القرآن والسنة:

- من القرآن:

"مَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة: 217].

"مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النحل: 106].

- من السنة:

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّب الزَّانِي، والنَّفْس بِالنَّفْسِ، والتَّارِك لِدِينِهِ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ[16]". رواه الخمسة.[17]

عن أنس رضي الله عنه قال: "قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَفَرٌ مِن عُكْلٍ، فأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ فأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِن أبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وقَتَلُوا رُعَاتَهَا، واسْتَاقُوا الإبِلَ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بهِمْ فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وأَرْجُلَهُمْ وسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حتَّى مَاتُوا[18]". رواه الخمسة إلا الترمذي.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ب- الموقف المؤيِّد

ينطلق هذا الموقف من أن الأصل في المسألة هو تخيير الإنسان بين الإيمان والكفر، وأنه لا حقّ لأيٍّ كان أن يرتّب على اختيارات الناس أيَّ جزاء أو عقاب، وأنّ هذا الأخير شأن إلهي يوم الحساب، وقد عمل هذا الموقف على تصنيف مجموعة من آي القرآن إلى صنفين؛ لنفي ما يريد إثباته الموقف الساعي إلى التأكيد على وجوب إقامة حد الردة.

أمّا الصنف الأول، فمتعلّق بآيات تفيد بأُخروية العقاب على المرتدّ عن الدين:

"وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ، فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" [البقرة: 108]

"مَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة: 217].

"كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (آية) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (آية) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (آية)" [آل عمران: 86-87-88]

"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا" [النساء: 137].

والصنف الثاني من الآيات، ينصّ على تمكين الإنسان من إرادة اختيار المعتقد الديني، مع التأكيد على تحمّله التبعات الأخروية لاختياراته الدينية:

"لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" [البقرة: 256].

"فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" [الكهف: 29].

فيما يخص السنّة، فقد استدلّ الموقف النافي لعقوبة الردّة بالحديث نفسه الذي يستدلّ به الموقف الآخر المقرّر لعقوبة الردة، وهو حديث: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّب الزَّانِي، والنَّفْس بِالنَّفْسِ، والتَّارِك لِدِينِهِ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ". حيث قيّد هذا "الموقف" قتل التارك لدينه بشرط مفارقة الجماعة، كما حملوا تلك المفارقة على إظهار العداء والمبادرة بقتال المؤمنين، وهو ما يراه "الموقف" متّسقا ومنسجما مع عديد الآي، مثل آية: "لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة: 8].

نشير في معرض التأصيل للموقف النافي لعقوبة الردّة من الشريعة الإسلامية، فإنّ أصحابه لا ينفون العقوبة جملة وتفصيلا، بل يقرّون للسلطة الشرعية، إن كانت موجودة صلاحية "تعزير" المرتد، فإن شاء الحاكم عزّره، وإن شاء عفا عنه، لكن باعتبار أن عقوبة الردّة تدخل في باب التعزيرات لا في باب الحدود.[19]

2- المعتقد في خضمّ التاريخ

أ- المحاربة بالسيف والكلمة

لا يقتصر الموقف المعارض لحرية المعتقد في السياق الإسلامي على التأصيل لتلك المعارضة من داخل نصوص الشرع، بل يتجاوزون ذلك إلى إيراد الأدلّة والشواهد التاريخية التي تتمثّل أساسا في:

- حروب الردّة

يذكر المؤرّخون أنّ حركة الردّة طرأت على الساحة الإسلامية في الأيّام الأخيرة لحياة النبي ﷺ[20]، وقد تمّثلت بدايتها في ظهور مجموعة من مدّعي النبوة، أمثال الأسود العنسي صاحب أول ردّة في الإسلام[21] حيث ادّعى النبوة؛ فتبعه بعض أهل اليمن واشتدّ بهم ساعده، وأخذ نجمه يرتفع في بلاد اليمن، فأراد القضاء على الإسلام فيه حتى يتفرّد بها[22]، وقد تحقّق له شيء من ذلك، إذ قصد صنعاء، وقتل عاملها "شهر"، [...] وبقي على حاله من المنعة والتعزّز، حتى ظفر به الصحابي فيروز الديلمي فقتله، وبذلك تمّ القضاء على صاحب أوّل ردّة في الإسلام قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.[23]

أمّا مسيلمة الكذاب، فكان أكثر المتنبّئين خطراً، ادّعى النبوّة وصاغ حروفاً يحاكي بها كتاب الله عزّ وجل، وأضاف إلى ذلك حرب المسلمين وقتالهم، وقد وصل عدد بني حنيفة إلى ما يقرب من الأربعين ألفاً؛ بين كافر مفتون ومؤمن مغبون وشاك مغموم. والتقى خالد بن الوليد بمسيلمة الكذاب في معركة اليمامة في السنة (11 للهجرة)، قتل فيها ما يقرب من خمس مئة نفس، وعدد كبير من حفظة القرآن الكريم، الأمر الذي كان سبباً في حفظ صحائف كتاب الله في بيت أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- فيما بعد. ولقد قيّض الله لهذه الأمّة الصدّيق فردّ كيد مسيلمة، ونصر العقيدة، بخاصة في نفوس المسلمين البعيدين عن المدينة، وقد كانوا رقيقي الإيمان، ولم تتمكّن العقيدة من نفوسهم[24].

زيادة على محاربة مدّعي النبوة الذين ظهروا في آخر حياة الرسول ﷺ وبعد وفاته، هناك شواهد تاريخية أخرى على حروب الردّة، وهي تلك الألوية التي عقدها الخليفة أبو بكر الصديق لمحاربة مانعي الزكاة[25]، حيث رفض الخليفة أبو بكر الصديق إجابة المرتدّين إلى ما طلبوه من إعفائهم من فريضة الزكاة[26]. وقد وصل الأمر بالقبائل المانعة للزكاة وخاصة "عبس" و"ذبيان" و"غطفان" و"فزارة" إلى أن أجمعوا على مهاجمة المدينة المنورة وتقويض الحكم فيها، وأبو بكر [آنذاك] وحده مع مجموعة من المقاتلين بقوا في المدينة، بعدما أرسل أبو بكر جيش أسامة بن زيد إلى البلقاء[27]*[28]. لكن سرعان ما دحر أبو بكر المرتدّين[29] بمن معه من المقاتلين، وبمن استنفر من الناس للدفاع عن مدينة الرسول ﷺ.

- المحاربة بالكلمة:

بقي الموقف المعارض لحرّية المعتقد حاضرا بقوّة في كلّ المحطات التي شهدتها الحضارة الإسلامية من ازدهار أو انحطاط، ومن أبرز الشواهد على ذلك هو إلحاق كلّ من خالف المدرسة العقدية التي ينتمي إليها كل معارض لحرية المعتقد بالكافر المرتدّ الخارج من ملّة الإسلام، من الفرق والنحل التي تدّعي في نفسها الانتماء إلى دائرة الإسلام، واجتهادها في الأمور العقدية من داخلها، وعمدتهم في هذا الباب هو الحديث المشهور الذي رواه غير واحد من أهل الحديث أنّ ﷺ قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم"[30]. من هذا الحديث بدأ علماء الإسلام بالتأصيل لمفهوم الجماعة، باعتبارها الفرقة الناجية والتحدّث باسمها في مواجهة الفرق والطوائف الإسلامية التي نشأت مع اتّساع رقعة الإسلام وتنوّع الأعراق الداخلة فيه، واتّساع مدارك الناس واحتكاكهم بعلوم وفلسفات آسيا وأوروبا؛ ليصعب مع كل ذلك ترسيم حدود دائرة الإسلام لمعرفة من هو داخلها ممن هو خارجها. وقد نقل عبد القاهر البغدادي في كتابه الشهير الفرق بين الفرق قولا يواطئ تلك الصعوبة التي ذكرناها: "اختلف المنتسبون إلى الإسلام في الذين يدخلون بالاسم العام في ملّة الإسلام [...] أمّة الإسلام تقع على كلّ مقرٍّ بنبوة محمد ﷺ [...] وزعم قوم أنّ أمّة الإسلام كل من يرى وجوب الصلاة إلى جهة الكعبة [...] أمّة الإسلام جامعة لكلّ من أقرّ بشهادتي الإسلام لفظا [...] والصحيح عندنا أن أمّة الإسلام تجمع المُقرّين بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه وصفاته وعدله [...] وإن كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة أو الخوارج أو الرافضة الإمامية أو الزيدية أو من بدع النجارية أو الجهمية أو الضرارية أو المجسّمة، فهو من الأمّة في بعض الأحكام [...] وليس من الأمّة في أحكام سواها؛ وذلك ألّا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه، ولا تحلّ ذبيحته ولا نكاحه سنيّة، ولا يحلّ للسنّي أن يتزوج امرأة منهم إذا كانت على اعتقادهم[31]. ويعتبر رأي البغدادي أكثر سماحة من آراء فقهية أخرى تعتبر المجسّمة كفّارا؛ لأنّهم عبدوا جسما وهو غير الله تعالى فهم عابدون لغير الله ومن عبد غير الله كفر، والمعتزلة كفّار؛ لأنّهم وإن اعترفوا بأحكام الصفات، فقد أنكروا الصفات ويلزم من إنكار الصفات إنكار أحكامها ومن أنكر أحكامها فهو كافر[32]. وتصرّ بعض الكتابات على تقرير كثير من طوائف الإسلام وفرقه، مثل القول أنّه قد أجمع العلماء على كفر بني عبيد الفتاح [الفاطميين] الذين ملكوا المغرب ومصر، وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله ويصلّون الجمع والجماعات ويدّعون أنّهم مسلمون، ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمين عليهم بالردة.[33]

وبذلك، فقد تجاوز الموقف المناوئ لحرية المعتقد سحب حكم المرتد على الذي يخرج صراحة من ملة الإسلام، إلى الذي يظن في نفسه الاجتهاد من داخل دائرة الإسلام، فرمى كثيرا من الفرق الإسلامية بالزندقة التي تتطابق مع الردّة في الأحكام.

ب- شواهد التعايش

يزخر التاريخ الإسلامي بالشواهد الدالة على تعايش مواقف عقدية متعارضة من داخل الإسلام أو من خارجه؛ فالإسلام دين يسعى من خلال مبادئه وتعاليمه إلى تربية أتباعه على التسامح إزاء كل الأديان والثقافات، فقد جعل الله الناس جميعا خلفاء في الأرض التي تعيش فوقها، وجعلهم شركاء في المسؤولية عنها[34].

ومن أبرز الشواهد التاريخية على حريّة العقيدة في ظلّ الإسلام هي إثبات النبي ﷺ، لتلك الحرية لغير المسلمين في أوّل وثيقة دستورية أعلنها في المدينة عقب هجرته إليها، وقد نصّت أحد بنودها على حرّية العقيدة من خلال القول: "وأنّ يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، [...] وأنّ ليهود بني النجّار وبني ساعدة وبني حشم وبني الأوس وبني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف[35]". كذلك استقبال الرسول ﷺ، وفد نصارى نجران في المدينة وفتح لهم باب مسجد النبوة، ولمّا حانت صلاتهم قاموا يصلّون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله ﷺ: "دعوهم" فاستقبلوا المشرق فصلّوا صلاتهم.[36]

ومن الصور الجميلة لحرّية المعتقد، ما سلكه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معاهدته لأهل القدس، فقد كتب إلى أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وأنّه لا تُسكَن كنائسهم ولا تُهدَم، ولا يُنتقَص منها ولا من حيّزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم[37].

ولمّا فتح خالد بن الوليد الشام، صالح الروم، وجاء في هذا الصلح: "على ألّا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة وعلى ألّا يضربوا نواقيسهم في أية ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلّا في أوقات الصلوات، وعلى أن يخرجوا صلبانهم في أيام عيدهم[38]". وغير ذلك كثير من الشواهد التاريخية التي تدلّ على تقبّل المسلمين للآخر واحترام حرّيته في الاعتناق وهم في عزّ قوتهم، ولا تقف الشواهد التاريخية عند الرعيل الأول، بل هناك شواهد أخرى نرى أنها من أهم الأدلة على الثقافة الاستيعابية التي كانت تعمل من داخلها الذهنية الإسلامية في تعاملها مع الآخر، ألا وهي "المناظرة"، حيث تزخر المصادر والمراجع التاريخية بكثير من المناظرات التي جمعت بين علماء الإسلام ورجال الدين اليهود والمسيحيين، وقد يكون مكان المناظرة بين المسلمين وفي عزوتهم من مجلس وزير أو أمير، تنعقد المناظرة ويُعطَى للمخالفين الحق في التعبير عن آرائهم العقدية والمحاججة عليها دون أن يمنعهم أحد من ذلك، وقد ينتهي المجلس بعدم الاتّفاق بين المتناظرين، إلّا أنه يُحفظ للمخالف حقّه ويبقى ينعم بالأمن والأمان دون أن يتعرّض له أحد بسبب دينه أو آرائه العقدية. ومن أكثر العصور الإسلامية التي شهدت مناظرات دينية هو العصر العباسي الذي شهد حركة فكرية ومذهبية ترافقت مع نشوء التشيع، والشعوبية، والاعتزال، وعلم الكلام، فظهرت المناظرات العقدية والفلسفية والفقهية واللغوية[39]. ولأنّ المقام لا يتّسع لذكر مجموعة من المناظرات التي شهدها ذلك العصر، سواء بين المسلمين من جهة، وبين اليهود والنصارى من جهة أخرى، أو بين فرق المسلمين التي نشأت لظروف سياسية واجتماعية وثقافية متعدّدة، يكفي أن نورد مثالا على: "مجلس كان يُعقد بالبصرة يجتمع به عشرة لا يعرف مثلهم: الخليل بن أحمد صاحب العروض: سنّي، والسيد بن محمد الحميري الشاعر: رافضي، وصالح بن عبد القدوس: ثنوي، وسفيان بن مجاشع: صفري، وبشار بن برد: خليع ماجن، وحماد عجرد: زنديق، وابن رأس جالوت: يهودي، وابن نظير النصراني: متكلّم، وعمر بن أخت الموبذ: مجوسي، وابن سنان الحراني: شاعر صابئ، فتتناشد الجماعة أخبارا وأشعارا[40]".

ولا تقتصر شواهد سماحة الإسلام على المراجع الإسلامية البحتة، بل يشهد بذلك كثير من أهل الملل قديما وحديثا، فقد قال البطريرك النسطوري يشوع باف الثالث في رسالة أرسلها إلى المطران سمعان رئيس أساقفة فارس: "إنّ العرب الذين منحهم الله سلطان الدنيا يشاهدون ما أنتم عليه وهم بينكم كما تعلمون ذلك حقّ العلم، وهم مع ذلك لا يحاربون العقيدة المسيحية، بل على العكس، يعطفون على ديننا ويكرمون قدّيسي الرب، ويجودون بالفضل على الكنائس والأديار[41]". أمّا من المحدّثين، فقد قال المستشرق والمؤرّخ البريطاني الشهير (توماس أرنولد Thomas Arnold): "لم نسمع عن أيّة محاولة مدبّرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام".[42]

3- الخروج من التباين

أ- القراءة السياقية: لكلّ عصر شروطه

نسعى من خلال هذه القراءة السياقية إلى الخروج من التباين الذي أحدثه النقاش الدائر حول حرّية المعتقد، حيث نجد أن حكم موقف المعارضة على موقف التأييد لم يتغيّر شيء من محتواه على مرّ العصور، اللّهمّ تغيُّر في الألفاظ، فقد كان ينعت المُعارضُ المؤيِّدَ قديما بالتساهل في العقيدة و"الإرجاء"، وأصبح يتّهمه حديثا بـ: "العلمانية والتغريب". ومن خلال استقصاء آراء أهل الموقفيْن المتباينيْن حول حرّية المعتقد في العصر الحالي، نرى أنّهما يتمثلان في أنّ الموقف المعارضة يدافع عن العودة الكلّية إلى ماضي الأمّة الإسلامية واستنساخ نماذجها السياسية والاجتماعية والثقافية، وذلك حسب زعمنا، محال فقهاً وواقعاً. أمّا موقف التأييد، فيدعو إلى القطيعة مع ماضي الأمّة بكلّ تفاصيله، واستيراد النموذج الغربي الذي لا أمل في التقدّم -حسب زعمهم- إلّا في تبنيه وتطبيق مختلف تفاصيله على بلاد المسلمين.

ما يكمن أن نقوله بهذا الخصوص، أنّه لا موقف المعارضة ممكن التطبيق، ولا موقف التأييد يتّسم بأية سمة من العقلانية، رغم أنّ دُعاته يتبنّونَ عناوين التنوير والعقلانية الغربية، والحقيقة أنّ الحل يكمن في إيجاد "معادلة حضارية تسترشد بإرث الأمة وتستوعب شروط عصرها وتنفتح على محيطها".

أحد أهمّ المنطلقات التي نؤسّس عليها الرؤية السياقية للتعاطي مع مسألة حرية المعتقد، هي ضبط لفظ "الحرية"، حيث نرى ضرورة الوعي بانزياحاتها اللغوية وتحوّلاتها التاريخية واستعمالاتها الثقافية، وليس الاهتمام بضبط المصطلحات من باب الترف المعرفي، وإنمّا الأمر ذو أهمّية بالغة، فقد قيل: "أكثر اختلاف العقلاء من جهة مشترك الأسماء، وقال ابن القيم في "شفاء العليل" (1/324) قيل: "أصل بلاء أكثر الناس من جهة الألفاظ المجملة التي تشتمل على حق وباطل".[43]

من هذا المنطلق وجب الوقوف على اللفظ وتحريره، وقد خلصنا من خلال محاولتنا هذه أنّ استعمال لفظ "الحرّية" كان على وجهين أفرزَا تضارباً كبيراً بين الأصوليين والحداثيين في السياق العربي الإسلامي؛ فمن جهة استعمال فقهاء الإسلام للفظ الحرية، لا يتجاوزون الاستعمال التقليدي، حيث إنّه لفظ  ذو دلالة شرعية تشير إلى حالة الإنسان الحر كنقيض "للعبد"[44]، الأمر الذي أدّى بالفقهاء إلى رفض مضامين الحرية التي يدافع عنها العلمانيون والحداثيون والتنويريون الذين تعاطوا مع مسألة الحرّية بأبعاد سياسية وقانونية وحقوقية، ما أدّى بهم إلى سحب أحكام العصر الحالي عن الحرية على التعاطي الفقهي التقليدي مع مصطلح "الحر"، هذا ما أدى إلى تضارب الآراء الذي تشهده الساحة الفكرية بين التيار الأصولي والتيار الحداثي؛ وذلك ما يجعلنا نطلق على هكذا نوع من الحوار، "حوار الأطرش والأعمى".

وللخروج من المنزلق اللغوي، وآثاره التي ما زالت راسخة في الذهنية الفقهية إلى اليوم، ومن التباين حول حرّية المعتقد من جهة إباحتها أو تحريمها، نرى وجوب الارتكان إلى ركيزتين أساسيتين:

- الأولى: فهم قواعد الكتابة التاريخية في السيّاق الإسلامي

نحتاج إلى فهم الكتابة التاريخية في السياق الإسلامي، من أجل القطع مع اليقينيات التي ينطلق منها منتقدو مجموعة من الوقائع والأحداث التاريخية التي تحويها أمّهات مراجع التاريخ الإسلامية؛ من أجل البرهنة على وحشية التعامل الإسلامي في كثير من المحطات مع المخالفين. ونقول إنّ أغلب المصنفات التاريخية المشهورة في التراث الإسلامي تعتمد على نقل الأخبار والمرويات بإسنادها إلى أصحابها دون إعمال النقد والقياس والتحليل في تلك الأخبار، فحَسْبُ المُصنِّف في فنّ التاريخ تحرّي سند الخبر ووصله برجاله دون تدخّل منه، وعلى هذا الدأب صُنِّفت أغلب المراجع التاريخية في التراث الإسلامي، إذ نجد عند شيخ مؤرخي الإسلام الإمام الطبري قولا يدلّ على ما أسلفنا: ((فمـا يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، ممـا يسـتنكره قارئـه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ولا معنى فـي الحقيقـة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أُتي من قبل بعض ناقليه إلينا وإنما أدّينـا ذلك على نحو ما أُدي إلينا[45])). يدل هذا النص على تحرّي المؤرخين العرب للأمانة في نقل الأخبار كما رُوِيت لهم دون تدخّل من ذواتهم نقدا أو تحليلا. هذا ما يفسر وجود روايات متضاربة عن الحدث نفسه في المرجع نفسه.

- الثانية: الممارسة المعرفية للتقمّص العاطفي "L’ampathie"

كما هو معلوم في الدراسات التاريخية والاجتماعية، لا يمكن سحب أحكام وقيم ونظائم عصر معيّن على عصر آخر؛ بسبب الإشكالات النظرية والواقعية التي يخلّفها ذلك السحب، فمن غير المعقول قراءة عصر تفصلنا عنه مئات السنين بالنظائم الفكرية والاجتماعية والأخلاقية للعصر الحالي؛ لأنّ ذلك سيحول دون فهم ذلك العصر المراد دراسته، كما سيصل بنا إلى أحكام قيمة لا تمتّ لتلك الوقائع التاريخية بصلة، وهذا نقيض الهدف العلمي الذي يتوخّى الحقيقة ما أمكن بتجرّد وموضوعية، فسبيل دراسة حقبة تاريخية معيّنة، يبدأ من مقولة التقمّص العاطفي "l'ampathie" التي من خلالها تعمل الذات الباحثة على تفهم الذهنيات والمشاعر والأعراف والتقاليد والبنى الاجتماعية والرموز السائدة في ذلك العصر من أجل صياغة نموذج قادر على قراءته وتحليله.

وإذا أردنا الاستدلال على صحة مقولة "التقمص العاطفي" نناقش مثلا الزعم القائل بعدم إنسانية مجموعة من السلوكيات، التي عرفها التاريخ الإسلامي في قرونه الأولى، من قبيل فتح البلدان لنشر الإسلام، إذ إنّ نعتها بعدم الإنسانية مجانب للصواب من وجوه عديدة، لعلّ أهمها أنّ مفهوم الإنسانية من عدمه لم يكن متشكلا في ذلك العصر بالمعنى المتعارف عليه في عصرنا الحالي، حيث لم تكن هناك قوانين ومواثيق دولية تحكم العلاقات بين الدول بالصيغة المتعارف عليها حاليا، ولم تتم بعد بلورة فلسفات -خصوصا فيما يتعلّق بالعلاقة مع الآخر- وتصوّرات كاملة للإنسان وقيمه من قبيل الحقوق والعدل والمساواة والحرية وغيرها من المفاهيم التي لم تكن حاضرة سالفا بشكلها المتعارف عليه الآن، هذا ما يجعل نعت فعل معين في ذلك العصر بعدم الإنسانية، مخالف لمنطق التاريخ، ولطبيعة تطور القيم الإنسانية التي تبلورت بطريقة تراكمية بناء على التجربة الإنسانية بمختلف سياقاتها الزمانية والمكانية.

ب- المناعة الفكرية هي الحل

إنّ ما تعانيه الأوساط الإسلامية ممّا يمكن أن نُطلِقَ عليه "العقيدو-فوبيا" راجع بالأساس إلى ضعف المناعة الفكرية للمجتمعات المسلمة، سواء في أوساطها العلمية الضيّقة أو العامية الواسعة، فما إن يُثار موضوع حرية المعتقد إلّا وثار الناس استتباعا لثائرة العلماء والفقهاء الذين عَلَت أصواتهم برفض الفكرة من أساسها، لاعتبارات كثيرة يسوقونها من قبيل خطر تلك الحرّية على الأمن الروحي للمجتمعات المسلمة، وما يمكن أن تحدثه من فتنة وتفكيك للجسم الإسلامي الذي بُني أساسا على عقيدة غير قابلة للمسّ بأي حال من الأحوال.

إلا أننّا نرى في هذا الصدد أنّ الحل يكمُن في ترسيخ مناعة فكرية في بيئة العقل المسلم تتيح له مجابهة أي فكر يأتيه من خارج النسق الإسلامي، خصوصا أننا في عصر لا يمكن أن نُخضِع الناس إلى نمط تقليدي من استقبال الأفكار؛ نظرا للثورة المعلوماتيّة[46] التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة[47] متاحة أمام الولوج تحت الصيغة المعروفة بـ: "اللّازمان، اللّامكان" التي تنعدم معها الحواجز الزمانية والمكانية. وقد أفرز التقدّم التكنولوجي تدفّقا هائلا للمعلومات يصعب التحكّم في إيقاعه، أو فرض قيود على محتوياته[48]، وبالتالي لا يمكن التحكم في إمكانيات وصولها إلى الجمهور إذ يسهل وصول الشُّبَه العقدية، وبالتلازم تعقبها تحوّلات عقدية عند جماهير واسعة من المسلمين، وهذا هو واقع الحال الذي لا يمكن إنكار وجوده الفعلي أو إنكار استشرائه خصوصا بين الشباب المسلم الذي يتعاطى بشكل كبير للنقاشات الدينية داخل منصات التواصل الاجتماعي، حيث إنّ النسبة المئوية لمستخدمي الإعلام الاجتماعي في العالم العربي ممّن يناقشون قضايا السياسة أو المجتمع أو الدين على الإنترنيت تتراوح بين 60 - 80 في المائة في المنطقة العربية[49]. وأغلب النقاشات الدينية التي تحدث في المنصات العربية تساهم غالبا في رفع معدلات الكراهية والاصطفاف الطائفي.[50]

وتستوجب طبيعة "مجتمع المعرفة المفتوح" على صانعي المحتوى الديني، سواء من خلال الوسائط التقليدية في المدرسة والمسجد وباقي مؤسّسات الدولة، أو من خلال الوسائط الحديثة المتمثلة في المنصّات الاجتماعية ومختلف الوسائل الرقمية، إعادة التفكير في مناهج وطرائق التلقين الديني، ونرى أن المنهج المؤصِّل لمسألة التلقين الديني في هذا العصر يجب أن يهدف إلى صناعة "المسلم المُحاجِج"، من خلال الابتعاد عن "الخطابة" والتأثير العاطفي في تشكيل عقيدة المسلم، والاعتماد على "البرهان" و"الجدل" في تشكيل معارف المسلم، وتعليمه أدوات المناظرة وتمكينه من الآلة العقلية التي تكشف صحيح الدليل من سقيمه، وعرض الشبه التي يمكن أن تقابل المسلم في معرض تكوين المعارف العقدية نفسها.

قد يبدو هذا الموضوع بعيد المنال، لكن يمكن أن نقرّب ذلك المنال، من خلال الوعي بحساسية العصر، وضرورة بناء "مجتمع المعرفة المسلم"، من أجل التمكّن من مجابهة المخاطر التي يمكن أن يحدّها "مجتمع المعرفة العالمي" الذي يمثّله أساسا العقل الغربي، وخصوصا التركيز على الأجيال الناشئة التي تنفتح مبكّرا على العالم الرقمي وتستقبل موادّهُ الهائلة والمتنوّعة من كلّ حدب وصوب.

خاتمة:

بعدما عرضنا أهم الأصول النظرية والشواهد التاريخية لمسألة حرية العقيدة في السياق الإسلامي، وقدّمنا الموقفيْن اللّذيْن تناولا تلك الحرّية رفضا وقبولا، وبسطنا حجج كل منهما. ودون أن نخوض في أصالة وصواب أي من الموقفين، نشير في الأخير إلى أنّه لا بدّ من وجود أرض مشتركة للجميع، أساسها القيم الإنسانية التي تقرّر للإنسان صون كرامته، وحفظ حقّه في الاختلاف. لكن يوجد شرط نرى أنّ له كثيرا من المعقولية النظرية والمقبولية الواقعية، وهو أنّه بمقابل ضمان الجماعة لحرية الفرد في اختياره لمعتقداته وأفكاره، لا بد أن يلتزم هو الآخر باحترام خيارات الجماعة وتفادي الكلام والتصرّفات التي يمكن أن تجرح المشاعر الجمعية أو أن تخدش ما ارتضوه من عقائد وممارسات، الأمر الذي يحتّم على الفرد ممارسة حرّيته بعقلانية واحترام وعدم المبالغة في إبراز اختلافه من أجل استثارة الجماعة.

 

 

لائحة المراجع:

الكتب:

-         أبو خليل شوقي، التسامح في الإسلام المبدأ والتطبيق، ط 1، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1993

-         بردى ابن تغري والأتابكي جمال الدين أبو الحسن، النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، ج 2، دار الكتب المصرية، القاهرة، 194.

-         البغدادي عبد القاهر، الفرق بين الفرق، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع، القاهرة، د.ت.

-         ابن فرحون، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ج 2، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995

-         ابن كثير، البداية والنهاية، ج 6، فصل في تنفيذ جيش أسامة بن زيد.

-         الجوزية ابن القيم، أحكام أهل الذمة، المجلد الأول، ط 1، رمادي للنشر، الدمام، 1997.

-         الجوزية ابن القيم، زاد المعاد في هدى خير العباد، ج 3، دار الفجر للتراث، القاهرة، 1999.

-         زرمان محمد عبد الله، ثقافة الحوار في المرجعية الإسلامية، دار الكتاب الثقافي، عمّان-الأردن، 2009

-         الزعيم إبراهيم صقر إسماعيل، التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في بيت المقدس ما بين 1897- 1994، ط 1، e-kutub ltd، لندن، يونيو 2019

-         السلفي أبو فهر، الدولة المدنية مفاهيم وأحكام، ط 1، دار عالم النوادر، القاهرة، 201.

-         صقر شحاتة، كشف شبهات الصوفية، مكتبة دار العلوم، البحيرة-مصر، د.ت.

-         العش سعد أحمد، حروب الردة دراسة تحليلية، دار الكتب العلمية، بيروت، 201.

-         الغزالي أبو حامد، الوجيز في فقه الإمام الشافعي، ج1، ط1، دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1997

-         المغلوث سامي بن عبد الله بن أحمد، أطلس حروب الردة في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ط 2، العبيكان للنشر، الرياض، 2015

-         ناصف علي منصور، غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول، ج4، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2000

-         الهندي عبد العزيز، الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، دار الكتب العلمية، بيروت، 2018

-         يوسف أحمد عرفة أحمد، التسامح الإسلامي ودوره في التعايش السلمي بين أبناء الوطن، دار التعليم الجامعي، الإسكندرية، 202.

رسائل جامعية:

-         بدير شاكر محمود شاكر، اليهود في الأدب العباسي نماذج مختارة، رسالة ماستر، جامعة النجاح الوطنية، نابلس-فلسطين، 2014

-         سيلوم عثمان، الحكومة الالكترونية: التصور-التنزيل المغرب نموذجا، رسالة ماستر، كلية جامعة محمد الاول وجدة 2015 - 201.

-         لالي عمر، حد الردة وحرية المعتقد، رسالة ماستر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الإسلامية، جامعة أدرار، الجزائر، 2012-2013

مقالات:

-         الحياني عمر عبد الله عبد العزيز، "الردة وجهود الخليفة أبي بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم في القضاء عليها"، مجلة الجامعة العراقية، الملجد 30، ع 1، 2013

-         سعيد صباح ستار، "آية [لا إكراه في الدين] بين حرية الاعتقاد وعقوبة الردة في الإسلام"، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامية، ع 26، 2010

-         سيلوم عثمان، "المشيخات والنقاش الديني المتفلت في العالم الأزرق: حالة النقاش السني- الشيعي"، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 17 فبراير 2020

-         غراسيغير هانس، كروغريس مسكائيل، الإعلام الرقمي ودروه في التحكم بالرأي العام، ترجمة يوسف أشلحي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود الرباط، فبراير 2017

-         الغشيمي عبد الواسع محمد غالب وسعد أمير فاضل، "التسامح الإسلامي قراءة معطياته الفكرية وآثاره الواقعية في ضوء الكتاب والسنىة"، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، ع 21، جامعة إفريقيا العالمية- السودان، فبراير 2013

-         ميلود محمود نجية، "الأحكام الفقهية للتوبة من ترك الصلاة والتوبة من الردة والتوبة من الحرابة"، حوليات آداب عين شمس، المجلد 44، ع 4، أكتوبر-ديسمبر 2016

مراجع أجنبية:

Haldenwan Christian Von,Electronic government (E-government) and development. The European journal of development jesearch. Bonn-Germany. 2004. P.417

الويبوغرافيا:

www.islamweb.net

www.midad.com

[1]- باحث مغربي.

[2]- https: //bit.ly/39S4WzT. شوهد 02.03.2020

[3]- الجوزية ابن القيم، أحكام أهل الذمة، المجلد الأول، ط 1، رمادي للنشر، الدمام، 1997، ص ص79-80

[4]- المرجع نفسه، ص81-83

[5]- المرجع نفسه، ص87

[6]- المرجع نفسه، ص 95

[7]- المرجع نفسه، ص 149

[8]- تفصيل أكثر في المحور الثالث.

[9]- الغزالي أبو حامد، الوجيز في فقه الإمام الشافعي، ج1، ط1، دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1997، ص 165

[10]- يقصد المصنف رحمه الله بأن السكران كالصاحي في قول، أي إن ردّته في حالة سكره تُجري عليه حكم الردة كما لو قال أو عمل ما يوجب الردة وهو صاحي. أما عبارة: "كالمجنون في قول": أي إن ارتكابه لجناية الردة قولا أو فعلا لا تثبت عليه الحكم لأنه في منزلة غير المكلف قياسا للسكر على حالة الجنون في مسألة غياب العقل.

[11]- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[12]- المرجع نفسه، ص 166

[13]- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[14]- ابن فرحون، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ج 2، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995، ص.211. لالي عمر، حد الردة وحرية المعتقد، رسالة ماستر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الإسلامية، جامعة أدرار، الجزائر، 2012-2013، ص.7

[15]- ميلود محمود نجية، "الأحكام الفقهية للتوبة من ترك الصلاة والتوبة من الردة والتوبة من الحرابة"، حوليات آداب عين شمس، المجلد 44، ع 4، أكتوبر-ديسمبر 2016، ص169

[16]- ناصف علي منصور، غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول، ج4، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2000، ص 18

[17]- يقصد مصنف كتاب غاية المأمول بعبارة: "رواه الخمسة"، كل من صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، والمجتبى للنسائي. معتبرا إياها أهم كتب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد استشهد المصنف بقول الإمام النووي: "ما شذ عن الأصول الخمسة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا النزر اليسير".

[18]- المرجع نفسه، ص 20

[19]- سعيد صباح ستار، "آية [لا إكراه في الدين] بين حرية الاعتقاد وعقوبة الردة في الإسلام"، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامية، ع 26، 2010، ص101

[20]- العش سعد أحمد، حروب الردة دراسة تحليلية، دار الكتب العلمية، بيروت، 2015، ص 15

[21]- المرجع نفسه، ص17

[22]- المرجع نفسه، ص16

[23]- المرجع نفسه، ص18

[24]- م. ن. ص ص 402-403

[25]- المغلوث سامي بن عبد الله بن أحمد، أطلس حروب الردة في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ط 2، العبيكان للنشر، الرياض، 2015، ص220

[26]- المرجع نفسه، ص 44

[27]- الحياني عمر عبد الله عبد العزيز، "الردة وجهود الخليفة أبي بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم في القضاء عليها"، مجلة الجامعة العراقية، المجلد 30، ع 1، 2013، ص ص314-315

[28]- أمر رسول الله ﷺ بالمسير إلى تخوم البلقاء من الشام حيث قتل زيد بن حارثة، وجعفر وابن رواحة، [...] فخرجوا إلى الجرف فخيموا به، وكان بينهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصديق فاستثناه رسول الله منهم للصلاة، فلما ثقل رسول الله ﷺ أقاموا هنالك فلما مات عظم الخطب واشتد الحال، ونجم النفاق بالمدينة، وارتد من ارتد من أحياء العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى الصديق، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، [...] والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه، فيما هو أهم لأن ما جهز بسببه في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء إلا أن ينفذ جيش أسامة. انظر: ابن كثير، البداية والنهاية، ج 6، فصل في تنفيذ جيش أسامة بن زيد.

[29]- المرجع نفسه، ص316

[30]- https: //www.islamweb.net/ar/fatwa/76858/. شوهد 05.03.2020.

[31]- البغدادي عبد القاهر، الفرق بين الفرق، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع، القاهرة، د.ت، ص 29-31

[32]- الهندي عبد العزيز، الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، دار الكتب العلمية، بيروت، 2018، ص59

[33]- صقر شحاتة، كشف شبهات الصوفية، مكتبة دار العلوم، البحيرة-مصر، د.ت، ص26

[34]- يوسف أحمد عرفة أحمد، التسامح الإسلامي ودوره في التعايش السلمي بين أبناء الوطن، دار التعليم الجامعي، الإسكندرية، 2020، ص.7

[35]- الغشيمي عبد الواسع محمد غالب وسعد أمير فاضل، "التسامح الإسلامي قراءة معطياته الفكرية وآثاره الواقعية في ضوء الكتاب والسنىة"، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، ع 21، جامعة إفريقيا العالمية- السودان، فبراير 2013، ص52

[36]- الجوزية ابن القيم، زاد المعاد في هدى خير العباد، ج 3، دار الفجر للتراث، القاهرة، 1999، ص.22. يوسف أحمد، ص.9

[37]- الغشيمي، ص53

[38]- المرجع نفسه، ص54

[39]- بدير شاكر محمود شاكر، اليهود في الأدب العباسي نماذج مختارة، رسالة ماستر، جامعة النجاح الوطنية، نابلس-فلسطين، 2014، ص108

[40]- بردى ابن تغري والأتابكي جمال الدين أبو الحسن، النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، ج 2، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1942، ص.29. زرمان محمد عبد الله، ثقافة الحوار في المرجعية الإسلامية، دار الكتاب الثقافي، 2009، عمّان-الأردن، ص ص 86-87

[41]- أبو خليل شوقي، التسامح في الإسلام المبدأ والتطبيق، ط 1، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1993، ص66

[42]- الزعيم إبراهيم صقر إسماعيل، التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في بيت المقدس ما بين 1897- 1994، ط 1، e-kutub ltd، لندن، يونيو 2019، ص.37

[43]- السلفي أبو فهر، الدولة المدنية مفاهيم وأحكام، ط 1، دار عالم النوادر، القاهرة، 2011، ص.5

[44]- معجم الدوحة التاريخي.

[45]- الطبري أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، ج 1، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987، ص.13.

[46]- Haldenwan Christian Von, Electronic government (E-government) and development. The European journal of development jesearch. Bonn-Germany. 2004. P.417.

[47]- سيلوم عثمان، الحكومة الالكترونية: التصور-التنزيل المغرب نموذجا، رسالة ماستر، كلية جامعة محمد الاول وجدة 2015 - 2016، ص.7

[48]- غراسيغير هانس، كروغريس مسكائيل، الإعلام الرقمي ودروه في التحكم بالرأي العام، ترجمة يوسف أشلحي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود الرباط، فبراير 2017، ص.9

[49]- سيلوم عثمان، "المشيخات والنقاش الديني المتفلت في العالم الأزرق: حالة النقاش السني- الشيعي"، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 17 فبراير 2020

[50]- المرجع نفسه.