حمّادي صمّود: المثقّف والجامعي والمجال العام


فئة :  حوارات

حمّادي صمّود: المثقّف والجامعي والمجال العام

حمّادي صمّود: المثقّف والجامعي والمجال العام

الجزء الأوّل:

"المثقّف والجامعي والمجال العام"

د. نادر الحمّامي: لو أردنا التعريف بالجامعة التونسية؛ فإن الحوار مع أعلامها قد يكون من أهم المداخل لذلك، ولمعرفة القضايا والمشاغل التي يهتم بها هؤلاء الأعلام، وضيفنا اليوم في هذا الحوار المتجدّد؛ هو واحد من أبرز أعلام الجامعة التونسية، وهو الأستاذ في قسم العربية بجامعة منوبة بكلية الآداب والفنون والإنسانيات إلى حدود سنة 2008م، وكان من الأوائل في الجامعة؛ إذ ناقش أطروحته لنيل شهادة دكتوراه "الدولة حول التفكير البلاغي عند العرب إلى حدود القرن السادس الهجري"، وللموضوع تفريعات مهمّة من حيث الأسس والتفكير، ما يجعل منه مشروع قراءة متواصل منذ ذلك الوقت، من خلال أبحاث كثيرة نشرها، ومن بينها كتابه ذو العنوان اللافت ''الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة''، بالإضافة إلى إشرافه على وحدة البحث في تحليل الخطاب، وهذا مهمّ؛ لأن في إطار هذا المشروع كانت هناك أعمال أخرى تهتم بتجليات الخطاب الأدبي، وتجليات الخطاب البلاغي، بالإضافة إلى بلاغة الهزل وقضية الأجناس الأدبية عند الجاحظ. وهو أيضًا، من الناشرين ضمن الموسوعات الكبرى الأساسية والتأسيسية في العالم، مثل؛ (Encyclopédie Universalis)، ودائرة المعارف الكونية للآداب، بالإضافة إلى مجلة (IBLA)، وإشرافه على مجموعة كبيرة من الأعمال الجماعيّة؛ لذلك، لم يكن اهتمامه بالبلاغة والأدب في الاختصاص الجامعي والمعرفي الدقيق، في الحقيقة، سوى باب لطرق قضايا في مستوى هذا المجال المعرفي الأول، والانطلاق منها إلى قضايا تهمّ الفكر، والمجتمع، والجامعة، وما يحيط بالشّأن العام؛ لذلك نحن سعداء جدًّا باستقبال الأستاذ حمادي صمود، ونشكره جزيل الشكر على قبوله هذا الحوار معنا.

د. حمّادي صمّود: شكرًا أستاذ نادر على هذه المقدّمة، وأرجو أن أكون في مستوى ما أملت، على كل حال، لقد قمت بدوري في الجامعة، وقد التحقت بها طالبًا سنة 1965م، ثم مدرّسًا سنة 1972م، ثم غادرتها إداريًّا سنة 2008م. وفي الأثناء زرت الجامعات الفرنسية، ولكن بقيت على صلة وثيقة بالجامعة مع زملائي ومع طلبتي القدامى، الذين أصبحوا زملائي وأصدقائي، وأحاول ألا أتوقّف عن القراءة والبحث والنّشر حتى يؤدي الإنسان، ما استطاع، الدورَ المنوط بعهدته كأستاذ أولًا، ثم كمثقف ثانيًا، في مجتمع يحتاج غاية الاحتياج إلى مثقفيه، وإلى مساهمتهم ما استطاعوا في بلورة ما يطرح في فضاء المجتمع من قضايا أساسية، لا سيما في السنوات الأخيرة، التي عرفنا فيها أشكالًا من السّلوك ومن التصوّرات، وأنماطًا من التفكير التي لم تكن معروفة عندما دخلت أنا الجامعة. فهذا الشيء جاء فجأة باعتباره طفرة؛ ولذلك، فنحن الآن في حاجة أكثر من أي وقت مضى، أن يقوم مثقفونا بدورهم، ليس لقيادة الناس، لأن ذلك ليس من دور المثقف؛ وإنمّا ليساهموا في تنوير المجتمع بأفكارهم بما أوتوا من قدرة على الفهم والتحليل.

د. نادر الحمّامي: الأستاذ والمثقف دوران متكاملان في نهاية المطاف، ولكن بما أننا تحدثنا عن الجامعة، وهي، كما علّمنا أساتذتنا؛ فضاء لإنتاج المعرفة، وأنت ميزت بين الجامعة كما دخلتها والأفكار الموجودة فيها اليوم، فهل فقدت الجامعة دورها في إنتاج المعرفة؟ وهل عليها اليوم استعادة المعرفة قبل كل شيء؟

د. حمّادي صمّود: أنا أعتقد أن دور الجامعة الأساسي هو إنتاج المعرفة، ولكن عندما يسبق ذلك مراحل أخرى تؤدي بنا إلى إنتاجها؛ لأن إنتاج المعرفة ليس أمرًا مبذولًا يمكن أن يأتيه الإنسان متى أراد، وكيف أراد؛ فالجامعة عليها، أوّلًا، أن تنشّئ المنتمين إليها تنشئة علمية على القواعد التي يفرضها اختصاص كل فئة منهم، وعليها أن تمد المنتسبين إليها بثقافة البحث، والتأليف، والوقوع في أحدث ما وصل إليه الاختصاص، وأن تؤدي دورها في تنشئة الناس لكي يكونوا باحثين، نثق بما ينشرون للناس من بحوث يقومون بها على وجه يجمع فيها ولها، ما هو معرفة، وما هو طريقة في تناول المعرفة، ولكن مع الأسف، فإن جامعاتنا في العالم العربي كله، فيما أعتقد بحكم سني وتجربتي، وقد زرت الكثير من هذه الجامعات، ولي في أغلبها أصدقاء ومسؤولين علميين، أغلب جامعاتنا اليوم متأخرة في مجال استعادة العلوم والمعرفة لأسباب تاريخية، ويمكن أن نقرأ من المعارف في الكتب أشياء تكاد لا تحصى، ولكنها غائبة عن جامعاتنا؛ لذلك فنحن في كثير من الاختصاصات لا نطالب الجامعة بأكثر من أن تستعيد المعرفة استعادة دقيقة؛ فالجامعة التي تستطيع أن توفر لطلبتها في الاختصاصات جميعًا، أساتذة قادرين على استعادة المعرفة الكونية استعادة تجعلهم لا يختلفون عن أمثالهم من المرسّمين في جامعات أخرى، في الشرق والغرب، تكون بذلك، قد قامت بدورها، ويأتي بعد ذلك الطموح الأكبر، وأنا في الحقيقة أشك في أننا بدأنا فيه بشكل حاسم، وهو؛ إنتاج المعرفة، وذلك ما لا تقوم به الجامعة وحدها، ولكن يجب أن تتهيأ الظروف التاريخية والحضارية في المجتمع، حتى يمكن لمؤسسة من مؤسسات ذلك المجتمع، ولتكن الجامعة، أن تقوم بإنتاج المعرفة؛ فإنتاج المعرفة أمر نسعى إليه، وهو الأفق الذي تطمح إليه جامعاتنا في كامل الوطن العربي.

د. نادر الحمّامي: في كلامك اتجاه إلى ضرورة ربط الجامعة بالمحيط الذي تنتمي إليه، لكننا نقف على صورة أخرى للجامعة مقابلة، تبدو فيها معزولة عن الظرف الاجتماعي والفكري وكأنّها نخبوية، وقد نتبيّن من حديثك ضرورة ربط هذه الجامعة بمحيطها؛ لأنها وليدة ظروف المجتمع.

د. حمّادي صمّود: صحيح إلى حدّ ما، ولكن في كثير من الأحيان وفي أوساط عربية مختلفة، يُظَنّ أن الدّور الرّئيس للجامعة هو أن تندرج في السّياق الثقافي والعلمي الذي يسمّى بالسّاحة العامة.

نعم، الجامعة تقوم بهذا، ولكن، ليس هذا هو دورها الأساسي، في تصوّري الشخصي، فكل مؤسّسة من مؤسسات المجتمع لابد أن تقوم بالدور المعلّق بها على أحسن ما يرام، والمؤسسة لا يُطلب منها إلا أن تقوم بذلك الدور بأقصى ما يمكن أن توفّره للمجتمع في ذلك الأمر، وأنا أعتقد أن على الجامعة أن تكون على صلة بالمجتمع، ولكن يخطئ من يظن أن على الجامعة أن تكون حاضرة في كل صغيرة وكبيرة في المجتمع، وأنا أعرف الساحة التونسية أكثر من غيرها من السّاحات الأخرى، فمنذ أُنشئت الجامعة إلى يومنا هذا، والناس يؤاخذون أساتذتها لأنهم لا يشاركون في القضايا التي تعرض في اتّحاد الكتاب مثلًا أو في غيره، والصّحيح أن هذا الدّور لا تقوم به الجامعة؛ وإنّما يقوم به المنتسبون إليها، كلٌّ حسب ظروفه، وحسب ما أوتي من جهد.

د. نادر الحمّامي: أي أن يتحوّل الجامعي المدرِّس إلى مثقف منخرط في الشأن العام؟

د. حمّادي صمّود: يمكن للمثقف أن ينخرط في الشأن العام، ولكن بشرط ألّا يبعده ذلك عن دوره الأساسي؛ لأن لعبة الانخراط في الشأن العام قد تكون على حساب المهمّة الرئيسية التي عليه أن يقوم بها، إذا كان بمقدوره أن يوفّق بين الشأنين فله ذلك، وعلى كل حال، فأنا أعتقد أن التوفيق بين الأمرين ممكن، بشرط أن تبقى الجامعة جامعة في دورها الأصلي، وهو: نشر ثقافة العلم، وثقافة البحث، وثقافة المعرفة الجادة، وهذا أمر ألحّ عليه طيلة أربعين أو خمسين سنة، كلّما استمعت إلى هذا اللوم على الجامعة. وللجامعيين، بعد ذلك، على مختلف أصنافهم، أن يساهموا في الحياة العامة. وهنا، ربما تثار مسألة دقيقة، وهي؛ أن المطلوب من المنتسبين إلى الجامعة، ألّا ينحصروا في الجانب العلمي البحت فقط، وألّا يقتصر دورهم على البحث فحسب، خاصة في بعض الاختصاصات الدقيقة، والتي لها انعكاس مباشر على العقليّات، وعلى الأبنية الفكريّة، وعلى التأويلات المختلفة للنصوص التي تأسس شخصيتنا وحياتنا وثقافتنا؛ أي العلوم الإنسانية والاجتماعية، وفي مقدمتها العلوم التي تمس أوسع طبقة من الناس، فأنا أعتقد أن الذين كان لهم الحظّ في أن يعمّقوا معارفهم، وأن يتناولوها تناولًا تاريخيًّا وآنيًّا في الوقت نفسه، وأن يكونوا قرأوا ما قال الأوائل، وما تقول الدّراسات والعلوم الحديثة، هؤلاء مطالبون بأن يدخلوا في الفضاء العام، وينخرطوا في النّسيج الاجتماعي حتى يصدّوا القراءات والتأويلات التي ليس لها علاقة بالنص المؤسس، مثلًا، والتي يدّعي أصحابها أنها موجودة فيه، على هؤلاء أن يساهموا أكثر من غيرهم في تنوير العقول، وفي فتح أعين الناس على حقيقة ما يوجد في تلك النصوص.

د. نادر الحمّامي: إذن، أصبح الدّور حتميًّا وحضاريًّا وملحّاً في هذه المجتمعات؛ لأن الخطاب السائد يقوم على حرفيّة فهم النّصوص، وعلى عدم المباشرة، بمعنى أن المجتمعات العربية والإسلامية في العموم الغالب، لا تتعامل مع النص الأساسي المركزي؛ أي (النص القرآني) بصورة مباشرة؛ وإنّما هي تتعامل معه تعاملًا نصّانيًّا؛ أي بواسطة الفقيه أو المؤسسة الدّينية، دون فهمه من خلال التعامل المباشر، مما يحول دون فهم أعمق لهذا النص، وأنت تحدثت عن ذلك في إطار تلك الجدلية بين التراث والحداثة.

د. حمّادي صمّود: ما يجري اليوم، يتجاوز تلك العلاقة بين التراث والحداثة، ولا أعتقد أن الفهم كان حرفيًّا، ولو كان كذلك، لما وقع ما وقع؛ لأن الفهم الحرفي يخرج في نهاية الأمر عن النّص، ويبقى المدرك له بعيدًا عن مستوياته الأخرى العميقة، ولكنه يلتزم بظاهر النص، المشكل أخطر من ذلك، وهو أن هؤلاء يضعون غشاوة بين الناس وبين التراث، ويصبحون كأنهم موكّلين على هذا التراث، وينشرونه بين الناس كما أرادوا، وإذ كان الناس، في الغالب، وهذه حقيقة لابد أن نصدح بها، لا يقوم إيمانهم بالنص على قراءة للنص إدراك لمحتواه؛ وإنما أغلب المسلمين في أغلب أقطار الدنيا، لا يقدرون على قراءة النص بلا أن يدركوا معناه، ولذلك؛ فهم يعوّلون ثِقةً على الناس الذين يؤمّونهم، وهؤلاء إن لم يتوفّر فيهم العدل، والحكمة، وقول الحق، وعدم التقوّل على النص، والابتعاد عن تأويل النص، تأويلًا يخدم أغراضاً خارجة عنه؛ فإنهم يفعلون بالناس ما يريدون، ألّا أنني متيقّن، رغم ذلك، أن ما ترسّب تاريخيًّا في أعماق النّاس الذين لا يقرؤون النص، يجعلهم يدركون ما فيه بالفطرة وبالنشأة العجيبة، أو على الأقل، يدركون منه ما يبني إيمانهم، والكثير منهم يدافع عن نفسه بذلك المترسّب الذي جاء من بعيد، عن طريق التنشئة الدينية غير المباشرة، والتي يتلقاها الإنسان، ذكرًا أو أنثى، من ثدي أمه؛ أي من الوسط الذي يترعرع فيه ويشبّ، وهذا، أيضًا، حصانة؛ فقد ننسى أحيانًا تلك الحصانة، وأنا متأكد من أن كثيرًا من أولئك الذين لا يقرؤون القرآن، ولا يفهمون سوره وآياته، هم، أحيانًا، أشد إدراكًا لألاعيب المؤوّلين من الذين يقرؤون القرآن ويدركونه.

د. نادر الحمّامي: كأنك تقول: إن هذه الحصانة الفطرية أقل خطورة من التأويلات الإيديولوجية التي توجه الفكر نحو اتجاهات معيّنة؟

د. حمّادي صمّود: هنا الأمر دقيق ومتشعّب، وليس من السهل الإقرار فيه؛ لأن هذه الحصانة، فيما أرى، استنادًا إلى أمور تجريبية بسيطة، متوفرة لأجيال دون أجيال، ولذلك؛ ترى أن الذين يريدون بث تأويلات لا توافق النص، يتوجهون إلى الشباب والقُصّر من الذين لم تترسّب في أعماقهم هذه القدرة على المواجهة، فمثلًا؛ أن يضع أحدهم شيئًا، ويريد أن يقنع به شابًا، فذلك أسهل بكثير بالنسبة إليه من أن يحاول أن يقنع به كهلًا أو شيخًا.

د. نادر الحمّامي: ولو ذهبنا أبعد من ذلك، في الإطار السّياسي والفكري والاجتماعي؛ فهل هذا ما يفسر أن أكثر المنتمين إلى الجماعات العنيفة هم من الشباب؟

د. حمّادي صمّود: قد يكون هذا تفسيرًا من التفاسير؛ لأن أولئك الشيوخ ينقضون على الشّباب، ولم تترسب، في أنفسهم وفي ذواتهم، بعدُ تلك المناعة التي يكتسبها الإنسان من التّجربة الطويلة مع الدّين، وعندما ننظر في حديث أمهاتنا وآبائنا وأجدادنا، نجد أنهم واجهوا فكرة التكفير بكل بساطة؛ فإنك إن قلت لأحدهم، مثلًا: إن فلان فعل كذا؛ فهو يجيبك بسهولة باللهجة التونسية (بينه وبين مولاه)، وكأن لسان حاله يقول: ''القضية ليست قضيّتي أنا، وليس لي أنا أن أقول: هل هو كافر، أو غير كافر؟''، أو أن يقول لك: (كل شاة معلقة من كراعها)؛ فهم يفهمون فهمًا عميقًا أن المسؤولية فرديّة وعمودية بين الإنسان والله، وليست مسؤولية أفقية، فليس لأحد أن يتدخّل في تلك العلاقة، وأن الناس يوم القيامة سيحاسبون أفرادًا لا جماعات، أو ملل، أو نحل، وهذا وارد بصريح النص في القرآن، وهم يعبرون عن ذلك.

في نهاية الأمر، نقول: إن من أدوار المثقف أو الجامعي؛ أن يقوم بمثل هذا العمل، وأن تكون فيه، أحيانًا، هذه النزعة إلى التنوير وإلى رفع الغشاوة، التي يريد غيره أن يضعها أمام أعين الناس حتى لا يروا الأمور كما يجب أن تُرى.

د. نادر الحمّامي: هذا الذي انتهيت إليه الآن، وهو؛ رؤية المثقف ودوره التنويري والاجتماعي والفكري، من أجل أن يتوصّل برؤيته تلك إلى رفع الغشاوة عن الأعين، وخاصة لدى فئة مهمة في المجتمعات العربية والإسلامية، ومنها المجتمع التونسي، وهي؛ فئة الشباب، وذلك دور أساسي ورئيس ينبغي على المثقف الاضطلاع به اليوم، في الظروف التي يعيشها شبابنا، على الخصوص، وهذا ما سنواصل النظر فيه معك أستاذ حمادي صمود في المحور الموالي من حوارنا.

الجزء الثاني:

"الثقافة والتنوّع والغيريّة"

د. نادر الحمامي: نستأنف حوارنا مع الأستاذ حمادي صمود، ونجدّد له شكرنا على قبوله هذا الحوار معنا. وكنّا قد وصلنا إلى نقطة تتعلّق بدور المثقّف اليوم من مسألة التنوير وإزالة الغشاوة عن الأعين، ولكن قبل الوصول إلى هذا المثقف، هناك مفهوم آخر وجب الاهتمام به، وهو؛ الثّقافة، هذا المفهوم الذي أصبح اليوم إشكاليًّا بحكم العديد من الظّروف، ومن بينها؛ العولمة الثّقافية، وأجهزة التّواصل، والانتشار السّريع للمعارف. مما يجعل من مفهوم الثّقافة مفهومًا إشكاليًّا فعلًا، ونحسب أن هذه النّقطة يمكن أن تصلح منطلقًا لاستئناف حوارنا.

د. حمّادي صمّود: كما تريد، طبعًا مع الإشارة إلى أنّني سأحدّثك لا حديث المختصّ في مسائل الثّقافة، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى الزّملاء من علماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا، مَن هم مختصون في هذا الشّأن، ويعرفون من الأمور أكثر بكثير مما نعرف، وخاصة ممن يدرّسون الأنثروبولوجيا الثّقافية، ولكن، سأحاول قدر الإمكان أن أنطلق من أن مفهوم الثقافة، في حد ذاته، يبدو متّسعًا اتّساعًا بحيث أصبح محرجًا، بالنسبة إلى من أراد أن يلم "شعث" ما تدلّ عليه الثقافة، أنت تعرف أننا الآن نتحدّث عن ثقافة الأكل، وثقافة العنف، وثقافة العلم، وثقافة الآلة. عندما ننطلق من تلك المقولة التي كنا نردّدها في مرحلة التعليم الثانوي، وكنا معجبين إعجابًا لا حدّ له بأستاذنا عندما كان يذكر لنا أن: "الثّقافة: هي ما يبقى بعد أن تنسوا كل شيء"، هذا القول في ظاهره بسيط، ولكنه يشير إلى قضيّة هامة، وهي: أن ما يبقى هو ما يترسّب؛ فهي ترسّبات عن التّاريخ، وما تنساه هو ما يمر في السّطح؛ أي في مجرى التاريخ؛ فالثّقافة هي ترسّب عن مجرى تاريخي معيّن.

كل شعب له تاريخ وله مكوّنات يقوم عليها هذا التّاريخ، له آداب في هذا التّاريخ، هذا التّاريخ يمرّ باعتباره أحداثًا، وهناك أشياء لا يحملها التيّار؛ وإنّما تترسّب وتتراكم وتكوّن، شيئًا فشيئًا، منظومة القيم الأساسية أو الأصليّة التي يقوم عليها المجتمع، وهذا أقرب تعريف للثقافة اليوم.

د. نادر الحمامي: منظومة القيم الأساسية هذه، هل هي مرتبطة، اليوم، بخصوصيّات المجتمع، أم إنّ لها مستندات كونيّة، ونرجع، بالتالي، لاعتبار الثقافة بين الخصوصية من ناحية، والكونية من ناحية أخرى؟

د. حمّادي صمّود: الثقافة، في حد ذاتها، هي: موضوع درس ومقاربة، كالمقاربة الأنثروبولوجية للثقافة، وبهذا المعنى، تكون ثقافة ما خاصة بالمجتمع؛ لأنّها تكون ناتج تلك الترسّبات؛ لأن المجتمعات لا تعيش الأحداث والتّاريخ بالطريقة نفسها؛ بل إن من الدّارسين من يُلحّ على أن تكون المنظومة الثّقافية للمجتمع طريفة وخاصّة، وإن كان، بعد ذلك، من الضّروري أن نعود إلى مسألة الكونيّة. المشكلة في الثقافة: أنّها أصبحت تشمل كل شيء، وأصبح يُحشر داخلها كل شيء؛ المادي واللامادي، المؤسّسات والأبنية، والأفكار، والأساطير، والرّموز، فكل ذلك يدخل في الثقافة. وقد أصبحنا نذهب إلى تعيين ثقافة لكل نشاط يأتيه الإنسان، وكثيرًا ما نستمع، مثلًا، إلى أننا دخلنا العصر بالآلة لا بثقافة الآلة، فنحن يسهل علينا أن نمتلك الآلة، ولكن الأصعب من امتلاكها، هو اكتساب الثقافة الخاصة بها، مثل أن نشتري طائرة، ولا نحترم ثقافة الطائرة، في كل ما يخص طرق التسيير وغير ذلك من احترام مواعيد الطيران، وذلك من وجوه التّقصير التي يُتحدّث عنها في مجتمعاتنا العربية.

لقد أصبح لكل شيء ثقافة، وأصبح الناس يتحدّثون عن طغيان مسألة الثقافة، مما جعل كثيرًا من الدّارسين من القدامى، وحتى الدارسين في المدارس الأمريكية الحديثة، يقولون بوجوب أن يُقتصر في تعيين مفهوم الثقافة على ما هو نتاج للفنّ والفكر، وأما الأمور الأخرى؛ فلها مجالات يمكن إدراجها ضمنها؛ لأننا لا يمكن أن نتعامل مع الثّقافة بهذا الاتّساع، فإن ذلك يجعل الأمر مستعصيًا على أن نضع لها حدودًا، فتتداخل الأمور، ويصبح المفهوم معرّضًا للخلط، ويدخل في مجاله ما ليس منه، وأمام اتّساع مسمّى الثقافة، أصبحنا الآن نعيش نوعًا من اكتساح المفهوم لفضاءات ومجالات، تكاد لا تحصى بحيث أصبح كل ما في المجتمع ثقافةً.

د. نادر الحمامي: وهل يغيّب هذا الاتّساعُ المفهومَ في حد ذاته؟

د. حمّادي صمّود: نعم، فيه ما يغيّب المفهوم، وذلك مشكل، أما المشكل الآخر؛ فيتأتّى من العلاقة بين الثّقافة، باعتبارها منظومة القيم الأساسية، وبين ما يسمّى الشّخصية. هل هناك علاقة بين الثقافة وبين الشخصية، وإلى أي حد يمكن أن نتحدث عن الشخصية التونسية، مثلاً، أو الجزائرية أو المغربية؟ وهل هناك شخصية عربية إسلامية عمومًا؟ وإن كانت هناك شخصية عربية إسلامية؛ فما هي منظومة القيم الجامعة التي توفّرت حتى تنشأ هذه الشخصية؟ هذا الأمر إشكالي، فلا شك في أن هناك ما يسمى بالشخصية القاعديّة المشتركة، ولكن لابدّ من الانتباه إلى أن في مجتمع كالمجتمع التونسي، مثلاً؛ وهو مجتمع صغيرٌ نسبيًّا، لا يمكن للثقافة وللأبنية المكوّنة لها أن تكون في صلة أوتوماتيكية بالشّخصية التي تنتج عنها؛ لأن الثّقافة بقدر ما تجمع، بقدر ما تسمح بالخروج؛ فلا نستطيع أن نتصوّر الأمر نمطيًّا مائة بالمائة، كأننا في مصنع يُخرج كل الشّخصيات معلّبة بالطريقة نفسها، ولو تصوّرنا ذلك انطلاقًا من الربط الآليّ المباشر بين الشخصية، وبين منظومة القيم الأساسية؛ فإن كل الناس سيخرجون كقوارير الكولا، ههنا، تبرُز قضيّة التنشئة الاجتماعية، فكثير من النّاس يعوّلون على أن التنشئة الاجتماعية تدرج الإنسان في نطاق مجتمعه، باعتبار أنه عندما يُنشّأ، يدخله جملة القيم التي تصبح بالنسبة إليه كالقالب، وأنّه يخرج في النهاية على شاكلة ذلك القالب. وهذا الأمر دار حوله نقاش طويل في الغرب، وألّفت فيه كتب في العالم (الأنجلوسكسوني) وغيره، وانتهت إلى أن المسألة ليست آليّة، ولا يمكن عدَّها قانونًا مطّردًا، بقدر ما هو شيء يعطي إمكانية التّأقلم مع الأوضاع الجديدة؛ لأن قوة الثّقافة: هي في القدرة على التّأقلم. فإذا ذهبنا إلى أنها قالب، وأنّها تستوي في شكل معيّن وتستقرّ، فإنّنا حينها نُغلق الباب أمام ما يُطالَب به الإنسان من القدرة على التّأقلم مع ما يجدّ من أحداث.

د. نادر الحمامي: إذن، هذه القيم التي ترسّبت يجب عدم اعتبار أنّها مستقرّة وثابتة؛ فهي متغيّرة ومتحوّلة وفق المجتمعات والأزمنة؟

د. حمّادي صمّود: هذا من جهةٍ، ثم من جهة ثانية، يجب أن نتنبّه إلى أنّها لا تعمل في النّاس العمل نفسه؛ فالمسألة متعلّقة بكثير من المقاييس الأخرى، التي تجعل هذه المنظومة القيمية الأساسية لا تعطي النتيجة نفسها عندما ننتقل من محيط إلى محيط. وأنا شخصيًّا، من الميّالين إلى مراجعة فكرة المجتمع نفسها، خاصّة في مجتمعاتنا العربية الإسلامية؛ فأحيانًا نجد في الأسرة الواحدة أختين وأخوين، أو أختًا وأخًا بينهما، من حيث الأبنيةُ الفكرية والعقدية، بونًا شاسعًا أشبه بالسّنوات الضوئية؛ أي نجد إنسانًا؛ في مستوى ما يعتقد، وما يعيش، وما يؤمن به، وما يطمح إليه، على نقيض إنسان آخر تقاسم معه ظروف التنشئة الاجتماعيّة ذاتها، فكيف نفسّر أننا على مستوى عائلة واحدة، مثلاً، يمكن أن نجد الإنسان الذي يتبنّى العقل التّكفيري، والإنسان المتنوّر الذي يدرس في أرقى الجامعات؟ صحيح أن هناك أربطة خلفيّة تحيط بالنّاس في المجتمع، ولكن النّاس مجموعة من الجزر يفصل بينها بون شاسع؛ فالتنشئة الاجتماعية، إذن، لا يمكن أن تؤدّي إلى نماذج مطّردة لا فرق بينها.

هناك فكرة أخرى متّصلة بالثّقافة، مفادها: أن كل شيء في المجتمع له بعد رمزي، وأن الثّقافة تجعلنا ننظر إلى الأشياء نظرة تأويلية، حسب تلك البنية الرّمزية التي يحملها كل إنسان، وهذا، أيضاً، وقع فيه أخذ ورد؛ فهناك بنى رمزية مهمّة، ولا شك في ذلك، وكل ثقافة لها رصيد من الأبنية الرمزية المهمّة، والأبنية الرمزية التي تعين في تأويل الظواهر، وتجعل من الثقافة متحكّمة في التّأويل، وهي التي تحدد مقاييسه. لكن لا يجب أن نحشر كل شيء داخل تلك الأبنية الرمزية؛ فهناك الواقع الذي يحتفظ بطابعه باعتباره واقعاً مباشراً.

د. نادر الحمامي: إزاء هذا الاتّساع والتّعقيد الذي أشرت إليه، ربّما أصبح على المثّقف أن يكون على وعي أكبر بمسألة الخصوصيّة والمحلّية، حتّى يؤدّي دوره؛ فهل تعتقد أن دور المثقف اليوم، خاصة في المجتمعات العربية والإسلامية، أضحى أكثر تعقيداً مما كان عليه سابقًا مع هذا الاتّساع في مفهوم الثقافة؟

د. حمّادي صمّود: هذا الاتّساع يؤدي إلى فكرة أساسية، وهي: أن التنويع مرتبط أصلاً بمفهوم الثّقافة؛ أي أن الغيرية مرتبطة بالثّقافة، على عكس ما يظن النّاس، أن الثقافة لا تنشئ غيريّة، وحتى لو اعتبرنا أن هناك تنشئة اجتماعية تقوم على مجموعة من الأسس المشتركة؛ فإن الناس داخل الثقافة الواحدة وداخل التنشئة الاجتماعية الواحدة، بما يدخله الإنسان عن وعي وعن غير وعي، يكونون على قدر هام من التنوّع أيضاً؛ فالثقافة الواحدة تنتج التنوع.

هذا، ولا شك، من الأشياء التي يجب الانتباه إليها؛ فلسنا قوالب متشابهة؛ وإنّما نحن في مجتمع واحد يقوم على التنوّع؛ لذلك، فقدر الإنسانية أن تقبل التنوّع، وعلى خلاف ما يظن البعض، أن التنشئة الاجتماعية تعطينا نموذجًا مطّردًا؛ فإن هذه الأخيرة، تتدخّل فيها عوامل أخرى عديدة، وتنتج التنوع. ربّما يكون وراء ذلك التنوع، شيءٌ في العمق البعيد المشترك، ولكنه يفضي، رغم ذلك، إلى التنوّع، فالتونسيون، مثلاً، أنواع، ولا يشبه بعضهم بعضًا أحيانًا، لا من جهة عوالم الاعتقاد، ولا من جهة التّصوّر، ولا من جهة الأبنية الذهنية؛ لأن هذا كلّه تتحكم فيه ظروف كثيرة، وليست التنشئة الاجتماعية وحدها من تتحكّم فيه.

د. نادر الحمامي: ألذلك لا يمكن الحديث عن شخصية تونسية على سبيل التعميم؟

د. حمّادي صمّود: لا يمكن ذلك، طبعًا، سواء تعلّق الأمر بالشخصية التونسية، أو غيرها، هذا أمر دقيق، ولا يمكن إلقاء القول فيه جزافًا؛ فأن نقول ''الشخصية التونسية'' واحدة، ذلك يصطدم بتساؤلات من قبيل: هل التونسي مسالم أم هو عنيف؟ وهل التونسي إنسان وديع، أم هو مهرّب سلع ومستعد أن يقتل الناس في سبيل ربحه الشخصي؟ لذلك؛ لابد من الخروج من هذه التعميمات، والدّخول فيما يسمّى بالدقائق المعنوية والفروق الدّقيقة.

وقد يكون في مستوى ما لا أعرفه أنا؛ لأنني لست مختصّاً في علوم الثّقافة، قاسمٌ مشتركٌ أعظم، كما يقول علماء اللّغويات، تنبني عليه ملامح ''الشخصية الواحدة''، ولكن الأهم، في اعتباري الشّخصي؛ أن ننتبّه إلى أن الثّقافة في المجتمع تُنتج التنوّع، حتى وإن كانت تنطلق من القيم الأساسية المشتركة؛ فإن الظروف الحافة من عمليات الإدراج الاجتماعي أو التنشئة الاجتماعية، تنتج لنا تنوّعا، وبذلك؛ فالغيرية تقتضي أن يقبل بعضنا بعضاً داخل الثّقافة الواحدة، وداخل القُطر الواحد.

د. نادر الحمامي: كأنّك بذلك تقْلب التّصوّر السائد، بمعنى؛ أنّنا لا ننطلق من التنوع والكونية والتعدد للوصول إلى الخصوصية؛ بل إن الخصوصية ذاتها هي التي ستذهب بنا إلى التنوع، وكأنك تقول: إن الوعي السّليم بالخصوصية، وليس مجرد الوعي السطحي بها، هو ما سيؤدّي إلى قيمة الاعتراف بالتنوّع والاختلاف والذاتية؟

د. حمّادي صمّود: أفضّل أن أقول: التنوع؛ فالتونسيون الذين يظن الناس أنهم ينشؤون تنشئة اجتماعية على المنظومة القيمية نفسها، ليسوا سواسية؛ لأن عملية التنشئة الاجتماعية تتدخّل فيها عوامل كثيرة، تختلف من بيئة إلى بيئة، ومن جيل إلى جيل، ومن شخص إلى شخص، فمثلاً؛ الطالب الذي فُتحت أمامه أبواب الهجرة إلى الخارج، والدراسة في الجامعات الأجنبية في بداية الاستقلال، وصادف أن أقام في البلاد التي قصدها سنوات عديدة، وتعرّف على أناس آخرين، وتثقّف بثقافات أخرى، لا يمكن أن نماثل بينه وبين من لم يغادر حقله، أو لم يغادر مركب صيده في تونس، رغم أن التنشئة الاجتماعية الأولى كانت مشتركة حتى سن البكالوريا، مثلاً. وبالتالي، لا يمكن أن ننكر أن ظروفًا أخرى (داخلية وخارجية) قادرة على أن تضيف إلى ذهنية التّونسي، وإلى شخصيته، فتصبح لديه تركيبة شخصية مختلفة، لذلك؛ فالتنشئة الاجتماعية الواحدة التي كان يُظن أنها تنتج قوالب متشابهة، هي، في الحقيقة، تنتج الغيريّة والتنوّع أيضًا، كما تنتج ملامح قد تشترك في بنية عميقة، ولكنها تختلف في النّهاية، ولذلك؛ علينا، أوَّلًا: أن نقبل بعضنا بعضاً، وأن يذهب بعضنا إلى بعض، حينها يصبح بإمكاننا أن نقبل الآخر.

د. نادر الحمامي: أن يقبل بعضنا بعضًا، وأن نقبل الآخرين، وأن نعي بالغيرية بصورة إيجابية، وأن نعي بالحرية والتعايش في إطار التنوع والاختلاف...، أليست هذه هي القيم التي ينبغي على المثقف أن يعيها في ظل ما نعيش اليوم؟ لأنها أصبحت مهزوزة من هذا الجانب ومن الجانب الآخر في ظل الصراعات الموجودة، ثم أليس من دور المثقّف أن يغرس تلك القيم الأساسية، وأن يوصلها إلى الشباب، الذي نتحدث الآن وهو في أذهاننا؟ أليس هذا هو الدور الأساسي الذي ينبغي على المثقف اليوم أن يقوم به؟ ولكن كيف وبأي الطرق، وما هي السبيل إلى تحقيق ذلك؟ إذن، بعد الحديث عن مسألة الثّقافة وتشعّباتها، واتّساعها، وضرورة وعي المثقف بها، وجب الحديث عن الدور الذي ينبغي أن يقوم به المثقف بعد أن يتحقق له كل ذلك الوعي.

هذا ما سنستأنف به حوارنا في الجزء الثالث معك أستاذ حمّادي صمّود.

الجزء الثالث:

"مسؤولية المثقّف اليوم"

د. نادر الحمامي: نجدّد حوارنا في جزئه الثالث مع الأستاذ حمادي صمود، مجدّدين له شكرنا، وأنا أستحضر المقدمة المهمّة لكتاب صدر له منذ ثلاثين سنة تقريبًا، وهو كتاب "الوجه القفا"، ومن بين ما قاله في تلك المقدمة المكتنزة: إنّه مؤمن إيمانًا عميقًا بأنه لا يمكننا دخول العصر إلا من خلال العصر ذاته، ولا يرى في التّراث والحداثة انسجامًا إلا بالتّلازم والمعالجة المسؤولة والواعية والواعدة. كنت أقرأ كلامه، الآن، أو أستحضره، وهذه الجملة العميقة قد تكون مختزلة لتصوّر كامل عن مسؤولية المثقّف اليوم، وعن كيفية معالجته للقضايا المطروحة أمامه. فهل يوافقني الأستاذ حمادي صمود في أن من مسؤولية المثقف اليوم؛ بل من دوره الأكيد، أن يعالج القضايا الرّاهنة بمثل هذا التصور؟

د. حمّادي صمود: شكرًا على إرجاعي إلى هذا الكتاب، هذه المقدّمة كتبتها بكل ما أوتيت من حماسة، ومن عاطفة، ومن فكر، وهذه مناسبة لأذكّر بأنني أنتمي إلى جيل اختار أن تكون دراسته العليا، في مستوى الدكتوراه، في موضوع من التّراث؛ فقد كان أستاذنا عبد القادر المهيري، رحمة الله عليه، وهو المشرف على بعض الأطاريح الأولى التي أنجزت في رحاب الجامعة التّونسية، وكانت مواضيعها في التّراث، وأنا اخترت، من جملة ما اخترت، أن أتحدّث في التّراث البلاغي، وكنت أعرف أن ما أنا مدعو إلى القيام به، يجب أن يكون مختلفًا تمام الاختلاف عن كثير من المؤلّفات التي ألّفت في البلاغة العربية، وعددها بالمئات، إلا أنّها بقيت، من جهة التّصور، ومن جهة أدوات المعالجة، في مستوى معيّن، بعيد عن أساليب الطّرح التي عولجت بها بلاغات مماثلة في ثقافات أخرى. والحقيقة: أن الإقدام على تسجيل الأطروحة سبقه غوص، منذ سنة 1969م تقريبًا، في مدوّنة المقاربات الحديثة للقضايا الشّعرية وقضايا البلاغة، وكان هذا الاختيار موجّها توجيهًا ذاتيًّا إلى ضرورة أن أستخرج من التراث البلاغي، ما يمكن أن يكون مساهمة حقيقية في النقاش الدّائر في العالم حول قضايا البلاغة، بأدوات خاصة، ليست هي الأدوات التي استعملت إلى ذلك الحين.

د. نادر الحمامي: لذلك فقد رأيتَ في ما كُتب في البلاغة قبل ما كتبت أنت، أن وجه القصور الأساسي؛ هو جدلية التراث والحداثة، وقلتَ في مقدّمة الأطروحة ''في التّفكير البلاغي عند العرب'' أنك ستقارب هذا التّراث مقاربة حديثة، لفهم التّراث ذاته.

د. حمّادي صمود: نعم، ولكنني حذر من المقاربة الحديثة كذلك، وإن كنت لا أحبّ كثيراً أن أتحدّث عن أعمال أنجزتها منذ ثلاثين أو أربعين سنة، لكنّ مأتى الحذر كان ضرورة التوفّر على الوعي؛ الوعي، أوّلًا، وقبل كل شيء، فشرط إتمام هذا العمل: هو أن أكون واعيًا بما يؤسّس الثقافة العربية الإسلامية في موضوعها، وواعيًا بما يؤسّس ذلك المجال في ثقافات أخرى.

يجب أن يتوفّر ذلك حتى لا نقع في الإسقاط الذي يؤدّي إلى نتائج هزيلة.

د. نادر الحمامي: ونذكر من بين ما قلت؛ أن الإسقاط يؤدّي إلى نوع من الاستلاب.

د. حمّادي صمود: لذلك، كان عليّ أن أدرس النّظرية البلاغية الغربية من بداياتها، من أرسطو؛ بل من قبل أرسطو عند السفسطائيين، بيتاغوراس، وغورجياس، وغيرهم، ثم أرسطو، ثم بعد ذلك شيشرون، وما قالت الثقافة اليونانية، حتى أفهم الأرضية التي تقوم عليها هذه النّظرية أو البنية، وما يؤسّسها. ثم من جهة أخرى، كان عليّ أن أفهم على أي أساس قامت النظرية البلاغية في التصوّر العربي. هذا ما أعنيه بالوعي العميق بما يؤسس كل ثقافة، وبدون هذا الوعي العميق يصبح الأمر إسقاطًا ومداخلة بين أمور لا يمكن أن يداخل المرء بينها. إذن، هي عملية صعبة وصعبة جدًّا، وجيلي أنا أخذ نفسه، فيما أعتقد، بهذه الصّعوبة. فكان لزامًا علينا أن نفهم هنا وهناك، وأن نحاول أن ندرك المؤسِّسات أو المكوّنات الكبرى للنظرية البلاغية عند العرب، والمكونات الكبرى للنظرية البلاغية عند الغرب، من عهودها الأولى إلى ذلك الوقت.

ولم يكن هذا الأمر هينًا ولا سهلًا، ولا أظن أنني بلغت منه ما كنت أريد في ذلك الوقت أن أبلغه، ولكن الأمور أضحت الآن أحسن، فهذا هو الوعي؛ أي أن تكون موجوداً في العصر، بمعنى أن يكون ما تقوم به قادرًا على المساهمة في النّقاش الدّائر في الثقافات المختلفة، وبهذه القراءة التي تستحضر الماضي، وتستحضر التراث، بدون أن ترغمه أن يقبل ما لا يقبله، ودون أن تدخله في لبوس ليس لبوسه، وليس على مقاسه، أو أن تُسقط عليه ما يضرّ به وبك أنت كدارس، ويضر بالثقافة بصفة عامة. إذن، كان هذا الوعي وعيًا حادًّا وتحول، أحيانًا، إلى هاجس، وهو: أنه لا بدَّ عليك أن تفهم هنا وهناك، وأن تنتبه إلى الخيوط التي يمكن أن تجمع بين هذا وذاك، بدون أن تجبر هذا الطرف أو ذاك على أشياء لا يقبلها.

د. نادر الحمامي: إذن، هذا الوعي الحاد؛ هو ما ينبغي أن يتسلّح به المثقف اليوم، لتأدية دوره الاجتماعي؟

د. حمّادي صمود: نعم، المفروض أن يصبح لدينا الوعي الذي يدل على وجودنا في هذا العصر، ولا بدّ، في رأيي، من طرد المخاوف الزائفة التي تُستعمل في كثير من الأحيان كعكازة لإدخال الناس في متاهات، وأقصد عكازة الهوية. وفي هذا الجانب، أقول: إنني أفتخر بانتمائي إلى الثقافة العربية الإسلامية، والثقافة التونسية، وأعتبر أن هويتي تقوم على جملة من الثّوابت، ولكن الهوية عندي بناء منفتح، وليست بناء مغلقًا؛ فأنا أجر معي هويّتي من أول يوم دخلت فيه إلى المدرسة إلى هذا اليوم، ولم تتغير ثوابت هويّتي، ولكن تغير الكثير من الأشياء بتقدم الوقت، وتعدّد القراءات، وتعدّد التّجارب، ولقاء الناس الآخرين الذين تعلّمت على أيديهم ...؛ أي بالتراكم.

إذن، فهذا الخوف من أن نفقد هويّتنا، أو أن يصيبنا من القراءة في التراث الغربي ضررٌ كبير يأتي على شخصيّتنا، هو خوف مصطنع؛ وهذا كلام لا يقال إلا في المحافل التي تستعمله استعمالًا، وتريد أن تجعل منه عكازةً تهش بها على الناس، لتحملهم إلى مواطن معيّنة. وبالنسبة إلي، ليس لدي هذا الهاجس؛ فأنا أنتمي إلى ثقافة، والمفروض أن أفهمها، لا أن أدافع عنها، فالفهم أولًا، والدفاع يأتي بعد الفهم، ولن أدافع إلا عن ما يمكن أن يُستحضر في هذا العصر. هذه الفكرة في الحقيقة، سبقنا إليها علماء أجلاء من الفلاسفة العرب الذين درسوا الأمر، وأذكر من بينهم، على سبيل المثال؛ زكي نجيب محمود: الذي كتب ''المعقول واللامعقول في تراثنا''؛ فهناك بكل بساطة أشياء معقولة، وأشياء لا معقولة في تراثنا، والمعقول نستحضره لأنه قادر أن يساهم في النّقاش الدّائر اليوم، أما ما ليس معقولًا، فلماذا نقوم باستدعائه.

د. نادر الحمامي: هذا الاستدعاء هل هو نوع من الوقوف بين مقاربتين أو نظرتين؛ وأعني النظرة الأولى: التي تتعلق بالتمسك المرضي الحرفي بالتراث، من خلال التصوّر الثابت للهوية. والنظرة الثانية: التي أتت بها الحداثة، وما بعد الحداثة، والتي تؤكّد، في المقابل، على معنى القطيعة مع التراث، من خلال التصوّر المتجدد للهويّة؟

د. حمّادي صمود: لقد ذكّرتني بالكتاب، وعنوانه ''الوجه والقفا'' أخذته من كلام اللّسانيين، ويعني؛ التّلازم بين وجه الورقة وقفاها، فلا تستطيع أن تفصل بينهما، وهنا كان العنوان الفرعي ''في تلازم التراث والحداثة''، فأنا أعتقد أن وظيفتنا الأساسيّة، هي: أن نكون ثابتي الأقدام في العصر، وفي فهم ثقافتنا وما يؤسّسها، وما يمكن أن نستحضر منها، لنشارك العصر في ما يساهم فيه من نقاشات عظيمة؛ فليس من قبيل الصدفة، مثلًا، أن كان الجرجاني معروفًا في أغلب الجامعات الغربية، وقد صدرت حوله كتابات شتّى في الغرب، وأذكر ههنا؛ اهتمام بعض الفرنسيين به، فقد سبق أن درّست مادّة البلاغة العربية في إطار شهادة التبريز في اللغة والآداب العربية، في دار المعلمين العليا ( L'École de la rue d'Ulm)، وأذكر طالبًا من طلبتي، واسمه بروجون (Brujean)، قد انتهى به اهتمامه بالجرجاني إلى أن ترجم ''دلائل الإعجاز'' إلى الفرنسية. لقد اهتموا بالجرجاني؛ لأنهم وجدوا فيه فكرًا يمكن أن نساهم فيه نحن اليوم في النّقاش الدائر حول هذه القضايا؛ فالأمر الأساسي، هو: كيف يمكن للإنسان أن يدخل العصر بأدوات العصر.

د. نادر الحمامي: ألا ترى أن هذا يمثّل فرقًا جوهريًّا بين الغرب والعرب، في العموم الغالب؟ فالغرب يأخذون ما يعتبرونه مساعدًا لهم على دخول العصر، بينما العرب يَعتبرون، بشكل من المحافظة المرضيّة، أن ما يأتي من خارج التراث يمثل نوعًا من التهديد للهوية التي هي الجامدة في تصورهم.

د. حمّادي صمود: لم يكن العرب كلّهم هكذا بطبيعة الحال، فنحن نجد من مكونات فكر النّهضة الأساسية في القرن التاسع عشر، مسألة الاقتباس، ولم تكن مواقفهم موحّدة في هذا طبعًا؛ بل كانت تختلف من اتّجاه إلى اتّجاه، فمفهوم الاقتباس لدى الاتجاه الإصلاحي الدّيني، ليس كمفهوم الاقتباس لدى الاتجاه الإصلاحي اللّيبرالي مثلًا. ولكن مع ذلك، حتّى الذين تمسكوا بثوابت الإسلام، والدين، والهوية؛ فإنهم قالوا بوجوب أن نقتبس ما لا يتنافى، بصفة واضحة، مع أصولنا ومع ثوابتنا. فترى أن هذا العصر لا يترك لك الاختيار، فإما أن تكون فيه، أو أن تكون خارجه، وإذا كنت خارجه، فإنّك تستطيع أن تعيش، ولكنك ستعيش كمستهلك، ولن تكون لك أية مساهمة تُذكر في مجال العلوم والاختراعات والاكتشافات، ولن تشارك، بالتّالي، في عملية إنتاج المعرفة، فتعيش على هامش التّاريخ، وهذا ينتهي إلى الخروج من التّاريخ.

وهكذا، فهذا الدور الذي على المثقّف أن يلعبه: هو دور جوهري؛ لأنّه يسمح لنا بأن نساهم مساهمة ذات بال في كل ما يهم العصر، وما يهتم به النّاس في العصر. أمّا إبقاء التراث صامتًا لا يقول شيئًا، لأن أدوات المعالجة لا تستطيع أن تستثير الكامن فيه، والمضمن فيه، ولا تستطيع أن تُكسب ما فيه الأبعاد التي لا يمكن أن يكتسبها بدون إجباره على أن يقبل بها، فإن ذلك سيُبقي نصوصنا التراثية مُعطَّلة كالبئر المعطة.

د. نادر الحمامي: تحدثتَ أستاذ عن مسألة الأدوات؛ فهناك أدوات معرفية ومقاربات منهجية حديثة يجب الاستناد إليها، ولكن، هناك نوع من القيم يجب أيضًا أن تكون ضمن هذه الأدوات، ومن ضمنها؛ ما ألمسه وراء الخطاب الذي تكتبه، وأقصد مبدأ الحرية؛ أي حرية المثقّف في التّعامل مع هذا التّراث، وألمس في ما تتحدث فيه دعوة ملحّة إلى التركيز على هذه القيمة الأساسية في التّعامل مع التّراث، فهناك ظروف لا تترك للمثقف مجالًا للحرّية.

د. حمّادي صمود: وصلنا الآن إلى بيت القصيد ومربط الفرس، كما يقال، فمن الأخطاء الرائجة عندنا، ومن المثبّطات؛ وقوع البنى التقليدية على هام المفكرين والباحثين، فلا بدّ، في رأيي، إن أردنا أن ننهض ببحوثنا، وأن ننهض بما نستعين به على أن نصل إلى المراحل المتقدمة في المعرفة، أن نمنح باحثينا ومثقفينا كل الحرية في أن يبحثوا في أي موضوع كان، فليس هناك مناطق محرّمة ومناطق مباحة؛ أي أن نترك لهم المجال لكي يبحثوا في ما يريدون البحث فيه، ولا رقيب عليهم إلا أخلاقيات البحث العلمي، والتمسّك بلوازمه، حتى يُخرجوا للناس شيئًا نافعًا.

فمثقفونا، خاصة اليوم، يقع عليهم كابوس كبير، وبدأت منطقة المحرّم تتسع، بحيث أصبح من الصعب عليهم أن يتناولوا بعض المواضيع تناولًا علميًّا، هذا، لعمري، غير معقول، ولا يمكن أن يكون في هذا العصر، وفي الأزمنة التي نعيشها اليوم.

كنت دَرّست في السنة الأولى من دخول الجامعة خالد محمد خالد، ودرّست في الوقت نفسه صادق جلال العظم رحمه الله؛ فالكتاب الذي كتبه صادق جلال العظم، في ذلك الوقت، أصبح من المستحيل اليوم كتابة كتاب مثله حول الفكر الدّيني، رغم أنه واجه، في ذلك الوقت، انتقادات ومحاكمة، ولكن الآن لم يعد بالإمكان لصادق جلال العظم، لو وُجد في هذا الزّمان، أن يكتب كتابًا كالذي كتبه في ذلك الوقت، فقد ضاقت مساحة الحرية. ومسألة الحرية تهمّني كمواطن أعيش في هذا المجتمع، ولكن ما يهمني، كباحث؛ ألّا يكون هناك حظر على أي موضوع في ما يسمى البحث العلمي، بما في ذلك المواضيع التي يعتبرونها تدخلًا في مجال الممنوع، ولكن المهم، أن تحاسبه بأخلاق البحث العلمي، وبمقررات البحث العلمي، وإن وجدت أنه لا يحترم البحث العلمي، ويريد أن يشوه المسائل لإخراجها في هيأة ليست هيأتها الأصلية، حينها ذاك هو المخطئ، أمّا إذا كان مستجيبًا لما يقتضيه البحث العلمي، وموفّرًا لشروطه في أقصى حد ممكن، فليس هناك محرمات.

د. نادر الحمامي: أنا أتفق معك في هذا، وأفهم هذا الضيق أو التضييق على الباحث من مختلف السلطات، سواء كانت السلطة السياسية، أو الثقافية، أو الاجتماعية، أو غير ذلك، ولكن، أليس للباحث نفسه دور في تضييق مساحة الحرية على نفسه؛ إذ ليست لديه الشجاعة الكافية ليمارس حريته البحثية؟

د. حمّادي صمود: صحيح، ولكن هي قضية معقّدة؛ لأنّه يمكن أن يمارس حرّيته، ولكن ما يأتي بعد ممارسة الحرية هو ما قد يعقّد المسألة، ولا ننسى، أيضًا، أن السّلطان ينشئ في النّاس الرّقابة الذاتية، وهي من أصعب الأمور على المرء، والإفلات منها لا يتأتى إلا لقلة من النّاس؛ لأن الإنسان إذا هُدّد في حياته، حينها تستيقظ فيه نزعة الرّقابة الذاتية.

أنا لا أقصد موضوعًا دون موضوع، فالمهم: هو أن نقول في ما خلّف الأجداد لنا؛ سواء في الشعر، أو في البلاغة، أو في تفسير القرآن، أو في علم الإعجاز، ...إلخ، أن نقول فيه بقواعد البحث العلمي، وأن ندرسه، ولست مجبرًا، مثلًا، أن أقول: إن أمّة العرب هي أكثر الأمم شعرًا، وأن شعرها لا يضاهى، قد أقول ذلك، ولكن لست مجبرًا على أن أقوله، فقط، لأرضي النرجسية التي تتحكم فينا جميعًا.

د. نادر الحمامي: ولكن التراث أصبح بمثابة العقيدة، ولا يمكن أحيانًا الاقتراب منه.

د. حمّادي صمود: نعم وهذا هو المشكل، ولذلك؛ فأنا أدعو لفتح الآفاق أمام كل المواضيع، وليكن الفيصل الوحيد هو العلم. وهنا، أقدّم مثالًا لأختم به؛ فلقد قال الجاحظ في كتاب (الحيوان): ''والشعر فضيلته مقصورة على العرب''، فظن الناس أن العرب هم أشعر الأمم، وبالتالي، لم يفهموا قول الجاحظ، والجاحظ أراد أن يقول عكس ما فهموا تمامًا؛ لأن المقصور هو الذي لا يمكن أن يشاركك فيه الناس، إذن، فهو لا يصلح لأن يكون بضاعة للمبادة الثقافية أو للمثاقفة، فعيبٌ أن يذهب بنا الظن في فهم كلام الجاحظ؛ أن الجاحظ غبي إلى درجة أنه يعتبر أن الشعر لم تقله أمم أخرى؛ فهو، في الحقيقة، يميز بين المقصور والمبسوط. فالمقصور: هو الذي لا يستطيع أن يتجاوز أهله. والمبسوط: هو الذي يشاركك فيه الناس. وبالتالي، هو أراد أن يقول: إن بضاعتنا هذه، وهي الشعر، لا تصلح أن تكون بضاعة للمبادلة مع الأمم.

د. نادر الحمامي: لكأنّ هذا المثال دعوة لإعادة فهم التراث في سياقه وبحريّة الباحث وجرأته، ولعل ذلك يصلح أن يكون خاتمة لدعوة الباحثين إلى التفكير في كل ما طُرح في هذا الحوار.

وفي الختام، لا يسعني إلا أن أجدد شكري لك أستاذ حمادي صمود على هذا الحوار الممتع، والذي أفدنا منه كثيرًا، وأرجو أن تتوفر لنا فرصة الحديث معك، والإفادة منك في مناسبات قادمة. وشكرًا جزيلًا.

د. حمّادي صمود: شكرًا لكم وعفوًا، فقد قلت ما أمكنني أن أقول.