حول بحث "فاطمة من التاريخ إلى المتخيّل": ردٌّ على ردٍّ


فئة :  مقالات

حول بحث "فاطمة من التاريخ إلى المتخيّل": ردٌّ على ردٍّ

نشر علي لفته كريم وعمّار ما شاء اللّه مقالا بعنوان "مؤمنون بلا حدود تنشر بحثا يسيء إلى مقام فاطمة الزهراء (عليها السلام)". ويأتي هذا العمل في سياق ردّ صاحبيْه على الفصل الذي نشرته لنا مؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث بعنوان "فاطمة من التاريخ إلى المتخيّل" (بتاريخ 25 يناير 2018)، وقد تمحور المقال المذكور حول غرضين أساسيين هما:

ـ غرض متعلّق بأنشطة المؤسّسة البحثيّة: وفيه، من بين ما فيه، أنّ المؤسّسة المذكورة تزرع "الوهم والشكوك في نفوس المسلمين"، وهي تعمل أيضا على "إبعاد الناس عن مقوّمات الدين الإسلامي".

ـ غرض مداره على الفصل الذي كتبناه عن فاطمة ابنة الرسول. وقد فهم منه صاحبا المقال أنّنا قمنا بالإساءة إلى مقام فاطمة، واعتمدنا على "روايات مدسوسة" في دراسة سيرتها، فضلا عن تعويلنا على "أقوال بعض المستشرقين الذين ينصبون العداء للإسلام" (الكلام هنا موجّه إلى المستشرق هنري لامنس)، ثمّ إنّ في الفصل المذكور ما يوحي بإظهار "العداء لأهل البيت".

فبخصوص الغرض الأوّل، لابدّ من التأكيد أنّ أنشطة المؤسّسة البحثيّة بدون استثناء ـ وهذا ما يعلنه ميثاق تأسيسها وما تعلنه حقّا وصدقا مبادئها في البحث العلمي الرّصين ـ هي نقيض ما قاله صاحبا المقال، إذ إنّ من مبادئ المؤسّسة "أنّ الإنسان أوسع من أن تُختصر خيريته في دين أو مذهب أو طائفة أو عرق.... وأنّ كرامة الإنسان وسعادته تكمن في احترام حرّيته في التفكير والتعبير والاعتقاد". ومن قناعات المؤسّسة البحثيّة أيضا، "أنّ احترام ثقافة الآخر وذاته والدفاع عنها وصونها هو حماية لذاتنا ولهوّيتنا الإنسانيّة وضمان لأمننا وحرّيتنا"، ثمّ إنّ الإيمان الذي تدافع عنه المؤسّسة هو إيمان بلا حدود لأنّه "يتعالى على التحيّزات والفوارق العقائديّة والعرقيّة والثقافيّة والدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة... ويدفع بالإنسان للسعي نحو هذا التعالي في حركته وفكره وسلوكه". وبناء على ما تقدّم ذكره، تمّت صياغة أهداف المؤسّسة البحثيّة من نحو "تعزيز الدراسات والبحوث النقديّة والتحليليّة لموروثنا الديني" وأيضا "دعم الدراسات والبحوث الاجتماعيّة والفكريّة لظواهر الفكر والثقافة المغلقة والإقصائيّة".

إنّ العيّنات التي أوردناها من مبادئ المؤسسة وأهدافها تقيم البرهان على أنّ الفصل الذي حرّرناه عن فاطمة لا يخرج عن سياسة المؤسّسة البحثيّة المتّبعة في نشر الدراسات والأبحاث الجادّة، وعقد المؤتمرات العلميّة الدوليّة ونشر الكتب ذات المستوى المعرفي المرموق. ومن ثمّ، فإنّ القدح في المؤسّسة هو من باب التحامل عليها وعدم الاعتراف بما تقوم به من جهود محمودة من أجل نشر الثقافة الرصينة والمعرفة العميقة، وهذا ما تؤكّده عدّة مؤشّرات ووقائع يضيق المقام عن تعدادها، وحسبنا الاكتفاء بذكر ما تشهده المؤسّسة البحثيّة من توسّع دائرة أعمالها والتفاف عدد كبير، وهو في تزايد مطّرد، من الأساتذة والأكاديميّين والباحثين الشباب حول مختلف أنشطتها وأعمالها التي تغطّى رقعة كبيرة من البلدان العربيّة والإسلاميّة، فضلا عن عدّة بلدان غربيّة.

أمّا بخصوص ما قاله صاحبا المقال عن فصلنا بشأن سيرة فاطمة ابنة النبيّ، فإنّ فيه الكثير من التجنّي علينا وتقويلنا ما لم نقل وإخراج ما أوردناه في الفصل عن سياقه، أضف إلى ذلك السكوت المتعمّد في ما نقدّر عن عدّة نقاط وردت في الفصل من شأنها أن تَرُدّ على كاتبيْ المقال "الحجّة" عليها. وبيان ذلك كلّه على النحو التالي:

ليس قصدنا البتّة في الفصل المذكور، أن نتبنّى أيّ كره تجاه أهل البيت أو أن ننتصر لما أظهره الأمويّون من تعصّب تجاه فاطمة، بل إنّنا نبدي كلّ الاحترام لآل البيت ولأهل الإيمان عموما، بغضّ الطرف عن انتماءاتهم ومذاهبهم الفقهيّة والاعتقاديّة. فكلّ ما رأى فيه صاحبا المقال تجريحا أو نيلا من مقام فاطمة، إنّما هو، عند الفحص، ما رواه أصحاب الأخبار وأهل التاريخ ـ قدامى ومحدثين، سُنّة وشيعة ـ من مرويّات عن سيرة فاطمة. وليس لنا أيّ دخل في صياغتها لا من حيث الشكل ولا من حيث المحتوى. وهذا ما يفسّر حرصنا الشديد على إيراد تلك النصوص والشواهد بألفاظها من المصادر الشيعيّة القديمة بالخصوص. ولنا أن نسأل ههنا: هل تُعتبر مثل هذه المرويّات "مدسوسة" حقّا؟

لقد ميّزنا في دراستنا لسيرة فاطمة بين منظورين مختلفين في الكلام عليها: أحدهما المنظور التاريخي الصرف الذي لا يقبل من الأخبار الكثيرة عن فاطمة سوى ما تؤكّده سُنن الاجتماع الإنساني وقواعد العمران. أمّا المنظور الآخر، فهو المنظور الإيماني التمجيدي، وهو يقبل بكلّ الأخبار التي تُعلي من مقام فاطمة حتّى وإن كانت فيها العديد من عناصر الغريب والعجيب التي تخرق سُنن الاجتماع وقوانين الطبيعة. ولكنّها عند مناصري ابنة النبيّ تعبّر عن أحداث حصلت في الواقع التاريخي بدون أدنى شكّ، وهذا الموقف جدير بالاحترام عند أصحابه وعند دارسيه في آنٍ معًا؛ لأنّه يعبّر عن رؤية معيّنة لسِيَر الشخوص المرموقين في الوجدان الإسلامي ربّما تُحوج إلى البحث عن أسباب وجودها وعن مسار تشكّلها عبر الزمان وعن آثارها في ذهنيّة المعتنقين لها.

إنّ الخبر الدائر مثلا عن عزوف شباب مكّة عن التقدّم لخطبة فاطمة قد رواه عبد اللّه بن عبّاس حسب ما أورده الطبراني في المعجم الكبير (ج 22 ـ ص 410). وقد عقّبنا على ذلك بالقول مفترِضين ومتسائلين في الوقت نفسه: "فهذه الرواية، على افتراض أنّها صحيحة تاريخيّاً، لا تعيّن دواعي ردّ الرسول طالبي يد ابنته فاطمة. فهل لهذا الصدّ علاقة بالشخوص الراغبين في الزواج بها (نسبهم، حسبهم، منزلتهم الاجتماعيّة، سنّهم، جمالهم...)؟". ثمّ إنّ الخبر عن رفض الرسول طلب كلّ من أبي بكر وعمر للتقدّم لخطبة ابنته قد ورد في مظانّ المصادر الشيعيّة من قبيل كتاب "مناقب آل أبي طالب" (ج 2 ـ ص 30) لابن شهرآشوب، ومن نحو كتاب "إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل" (ص 50) للمنّاوي، ومن مثل موسوعة "بحار الأنوار" (ج 43 ـ ص 108) للعلاّمة المجلسي. وفي المصدر الشيعي الأخير خبر عبّرت فيه فاطمة عن موقفها من المهر الذي قدّمه إليها عليّ، وهو درع حُطَميّة أي من حديد، إذ قالت مخاطبة الرسول "زوّجْتَني بالمهر الخسيس" (بحار الأنوار، ج 43، ص 144).

أمّا ما قيل عن ضنك العيش الذي قاسته فاطمة وضيق ذات اليد، فهو مذكور في عديد المصادر السُنّيّة والشيعيّة أحلنا في الفصل المذكور على نماذج منها؛ فهل نشكّك في رواية المجلسي الشيعي الإمامي ورواية أبي نعيم الأصفهاني بشأن قول عليّ في فاطمة: "جرّت بالرحى حتّى أثّرت بيدها، واستقت القربة حتّى أثّرت القربة بنحرها، وأقامت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتّى دنّست ثيابها، وأصابها من ذلك ضرّ" (حلية الأولياء، ج 2 ـ ص 41، بحار الأنوار، ج 43، ص 82)؟

وإذا استشهد صاحبا المقال بآية الإطعام (سورة الإنسان 76 / الآية 8) للقول بأنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وذلك في سياق تفنيد ما ذكرناه من ضنك العيش الذي كانت تكابده فاطمة، فإنّ ذلك يصطدم بما جرى على لسانها في المصادر الشيعيّة حين قالت: "إنّ الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع، ثمّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان" (بحار الأنوار، ج 43، ص 73) أو حين حدّثت يوما قالت: "أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق" (إتحاف السائل، ص 28).

وفي المصادر الإسلاميّة، والشيعيّة منها بالخصوص، ما يدلّ على ما شهدته الحياة الزوجيّة الجامعة بين عليّ وفاطمة من توتّر لا نعلم مداه أو عمقه. وحسبنا الإحالة على رواية ابن شاهين في كتابه "فضائل سيّدة النساء" (ص 11): "عن المنهال بن عمرو أنّه كان بين علي بن أبي طالب وبين فاطمة كلام، وأنّه هجرها، فخرج من بيتها، فأتى المسجد، فنام في التراب". ولم يفتنا التذكير بأنّ الرسول سعى إلى إصلاح ما بينهما من سوء الفهم (ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5 ـ ص 19، المجلسي، بحار الأنوار، ج 43 ـ ص 146). وقلنا بأنّ هذه العلاقة المتوتّرة ربّما ـ ونحن هنا نرجّح ولا نقطع بيقين أبدا ـ دفعت بعليّ إلى التفكير في خطبة جويريّة بنت أبي جهل (الخبر موجود لدى ابن الجوزي في كتابه "صفوة الصفوة"، ج 1 ـ ص 13). وهذا الترجيح قد يفسّر تدخّل الرسول الحاسم حين قال: "لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد أبداً" (هذا الخبر متواتر في مصادر سُنّية وشيعيّة مثل: المنّاوي، إتحاف السائل، ص 16 / ابن شاهين، فضائل سيّدة النساء، ص ص 9 ـ 10 / الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 22 ـ ص 133). وفي ضوء الروايات السابقة، وغيرها كثير، خلصنا إلى القول: "أمكن لنا إعادة بناء حياة فاطمة في هذا الطور من وجودها، مكتفين بما ينسجم مع سنن الاجتماع الإنساني من ناحية، وبما يتّفق مع القيم الاجتماعيّة السائدة في الوسط القبلي في شبه الجزيرة العربيّة، في بدايات القرن السابع للميلاد من ناحية أخرى". فهذا الاستنتاج، كما ترى، ليس فيه ما يخدش شخص فاطمة ولا ينال أهل البيت بسوء. فكلّ ما انتهينا إليه من البحث في هذا الغرض، تؤيّده الشواهد المتداولة في المصادر الإسلاميّة القديمة وفي مقدّمتها المصادر الشيعيّة.

وقد عوّلنا على تلك المصادر أيضا للقول بأنّ فاطمة لم تفلح في الحصول على نصيبها من ضيعة فَدَك، وهو ما ترتّب عليه توتّر علاقتها بخليفة المسلمين أبي بكر حتّى إنّها خاطبته بالقول: "يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك، ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً" (أبو منصور أحمد الطبرسي، الاحتجاج، ج 1 ـ ص 138). أمّا بخصوص "الوصيّة" و"الخطبة"، فقد رجّحنا ـ ولم نتجاوز مستوى الترجيح ـ بأنّهما نُسبتا إلى فاطمة في زمن متأخّر لا يمكن تعيينه بدقّة. وهذا الترجيح مبنيّ على عدّة معطيات منها أنّ نسبة الأقوال والروايات إلى شخوص بعد وفاتهم كان أمرا شائعا في الإبستيميّة الإسلاميّة القديمة، بل إنّ القدامى لم يتورّعوا عن نسبة أحاديث إلى الرسول وصنعوا لها سلاسل من الإسناد (نذكّر بأنّ مسلم صاحب الجامع الصحيح استخرج حوالي 7000 حديث من مجموع 600.000 حديث، ونذكّر أيضا بأنّ عدد الأحاديث في موطّأ مالك هو في حدود 300 حديث، بينما أربى عدد الأحاديث في مسند ابن حنبل على 40.000 حديث). وفضلا عن ذلك، فإنّ مضمون الخطبة والوصيّة ربّما يدلّ على أنّه راج في وضع معرفي استقرّت فيه أدبيّات المكتوب والمدوَّن، وهو ما يختلف عن وضع التلفّظ الأوّل بالخطبة ضمن سياق ثقافة شفويّة. ومهما يكن من أمر، فإنّ ترجيحنا قد تدعمه أو قد تقوّضه دراسات أخرى متخصّصة في تحليل الخطاب.

إنّ الخلاصة التي انتهينا إليها في كلامنا على فاطمة في التاريخ قامت على ما رجعنا إليه من نصوص سُنّية وشيعيّة قمنا باستقرائها وبتحليلها وبنقلها بأمانة علميّة وبموقف علمي محايد نزعم بأنّه لم ينخرط في أيّ سجال مذهبيّ أو مماحكة فِرَقيّة. وهذا ما يجلوه قولنا: "لقد كان قصدنا من هذا المبحث الإلمام بسيرة فاطمة التاريخيّة، في خطوطها الكبرى، وفي محطّاتها الأساسيّة، ومن ثمّ لم نتعامل مع الأخبار في هذا الباب، إلّا ما كان ممكنَ الحصول من منظور تاريخيّ بشكل يجعله منسجماً مع سنن الاجتماع الإنساني بصفة عامّة؛ بل إنّ عدداً من هذه الأخبار رجّحنا إمكان تحقّقها في الواقع التاريخي، نظراً إلى انعدام الوثائق الماديّة الجديرة بثقة المؤرّخ".

أمّا في ما يتعلّق بتعويلنا على الدراسات الاستشراقيّة في الكلام على سيرة فاطمة، فإنّنا استفدنا منها فقط من جهة طرح القضايا والتنبيه إليها، ولم نُخف احترازنا من كلّ المقاربات الوضعانيّة (Positivisme) التي سادت بالخصوص في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. ونحن لم نَتَوَانَ عن نقد التوجّه المنهجي الذي سار فيه مثلا هنري لامنس وتحديدا في كتابه "فاطمة وبنات محمّد" (1912)؛ فلم نقبل منه البتّة تشكيكه "في الوجود التاريخي لأشقّاء فاطمة من الذكور والإناث على نحو مخالف لما أثبتته كتب التاريخ والتراجم والرجال والسيرة المتداولة في الفضاء الإسلامي منذ القرون الهجريّة الأولى". ولكن هذا المأخذ المنهجي على ما كتب هنري لامنس لا يعني عندنا أبدا العدول بشكل قطعيّ وباتّ عن عديد الدراسات الاستشراقيّة الجادّة لما تحلّى به أصحابها من رصانة في البحث ومن آراء ثاقبة ومن مواقف جديرة بالتدبرّ، وهي مواقف بعيدة عن كلّ أشكال التطرّف أو التعصّب أو التحامل على عقائد أهل الإيمان. فالعديد من الدراسات التي ألّفها مثلا لويس ماسينيون عن فاطمة جديرة بالقراءة المتأنّية وبالمتابعة النقديّة في آن معا.

والمستفاد ممّا سبق، أنّ حديثنا عن فاطمة سواء في دائرة التاريخ أو في دائرة تمثّلاته قام على تحليل عيّنات من النصوص الواردة في المصادر القديمة؛ فنحن نتعامل مع خطابات شتّى أُنتجت عن فاطمة. وهذه الخطابات كُتبت على مدار التاريخ الإسلامي ومن سُلطات معرفيّة متنوّعة منها ما هو مشهود لها بالتبريز في العلم في الشقّيْن السُنّي أو الشيعي.

ونحن نذكّر مرّة أخرى، بأنّنا نقف على المسافة نفسها من كلّ الأديان والمذاهب والعقائد، ما دامت تحترم إنسانيّة الإنسان وتؤمن بحقّ الاختلاف في الرأي وتدين بالحوار. ولذلك، ليس لنا البتّة أيّ دافع أو غرض يدعونا إلى "التحامل على آل البيت"، أو التحامل على غيرهم من أهل الإيمان. إنّنا نقوم بتحليل النصوص والخلوص إلى استنتاجات لعلّ الكثير منها يرتكز على ترجيح رأي أو يقوم على فرضيّة بحث. ولم ندّع يوما أنّ ما توصّلنا إليه من خلاصات هو القول الفصل أو النهائي. فنحن نؤمن، ولا نزال، بنسبيّة المعارف الإنسانيّة وبتاريخيّتها. ذلك أنّ صرح المعرفة يُشيّد على استفادة الدارس اللاّحق من السابق ومحاورة بحوثه بروح نقديّة مسؤولة من أجل تجاوز تلك البحوث على أمل تأسيس جديد للمعرفة.

لقد كتبنا الفصل المذكور في فضاء أكاديميّ له تقاليده البحثيّة الراسخة، وسعينا إلى الاستفادة من كلّ ما حصّلناه من عُدّة منهجيّة في البحث، وما هضمناه من معرفة متّصلة بجوانب من التاريخ الإسلامي. وكنّا في ذلك حريصين الحرص كلّه على عدم الوقوع في أيّ شكل من أشكال "الإسقاط التاريخي" أو "التوظيف الإيديولوجي". ومن ثمّ يسوؤنا جدّا ويؤلمنا كثيرا أن نُتَّهم باطلا في عقيدتنا، أو أن نُجرَّح في نزاهتنا العلميّة عبر تقويلنا ما لم نَقُلْ. كما يسوؤنا أن تُتَّهم مؤسّسة مؤمنون بلاحدود بأيّة إساءة مقصودة لإخوتنا الشيعة أو لغيرهم، وهي التي جعلت من احترام العقائد والأفكار شعارها، وفسحت المجال للباحثين كي يتحاوروا في شأنها، وفي غيرها من المواضيع، بشروط العلم والمسؤوليّة والاحترام للجميع.