غاية المرام في تجديد علم الكلام


فئة :  أبحاث محكمة

غاية المرام في تجديد علم الكلام

غاية المرام في تجديد علم الكلام

ملخص:

تتناول هذه الدراسة علم الكلام الإسلامي الجديد الذي ظهرت إرهاصاته الأولى في شبه القارة الهندية، وامتدت بعد ذلك في إيران والعالم العربي. وقد رفع الباحثون في هذا العلم شعار التجديد الديني عامة والكلامي منه خاصة، انطلاقا من التحديات التي طرحها العصر الحديث، سواء الخارجية المرتبطة بالاستعمار وصدمة الحداثة أو الداخلية المتعلقة بالاستبداد السياسي والتخلف الاجتماعي والجمود الفكري.

هكذا، عمل هؤلاء المجددون على إبراز مظاهر العجز والقصور التي تميزت بها المنظومة الكلامية التقليدية، لكي يبنوا على أنقاضها منظومة كلامية جديدة تكون قادرة على جعل الدين يواكب مستجدات العصر، وينتشل المسلم المعاصر من الاغتراب الميتافيزيقي ويروي ظمأه الانطولوجي.

من هنا، سعينا من خلال هذه الدراسة إلى الكشف عن الفروق القائمة بين علم الكلام القديم وعلم الكلام الجديد، وأبرزنا أهم التيارات التي رفعت لواء التجديد في هذا العلم، مع وقوفنا عند دواعي هذا التجديد وتبيان أسسه وبعض طرائقه ووسائله، لكي ننتهي بعد ذلك إلى الكشف عن رهانات علم الكلام الجديد، وإثارة بعض التحديات والصعوبات والعوائق التي تقف حجر عثرة أمام طريق التجديد الكلامي، في سعيه إلى تجديد الفكر الديني، وتحديد الوظائف الجديدة المناسبة للدين في الحياة الفردية والجماعية للمسلمين.

تقديم:

علم الكلام هو علم إسلامي أصيل، ترعرع ونشأ في سياق تاريخي سياسي وديني يخص المجتمع الإسلامي في بدايات تشكله الأولى، وإن كان هذا العلم قد تأثر لاحقا بالروافد الثقافية الخارجية والدخيلة، لاسيما الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي على وجه الخصوص. لقد كانت الإرهاصات الأولى لهذا العلم عبارة عن سجالات كلامية ذات جذور سياسية مغلفة بغلاف الدين والعقيدة، ثم بلغ بعد ذلك مرحلة التشكل المذهبي على شكل فرق وطوائف، لتتدخل عوامل تاريخية ثقافية وسياسية وتعمل على تغليب اتجاه فكري كلامي على حساب باقي التيارات والاتجاهات الكلامية الأخرى، خصوصا بعد ظهور بيانات الترسيم الاعتقادية مثل بيان "الاعتقاد القادري" الذي كتبه القادر بالله (381-442ه)، والذي تبنى الرؤية الاعتقادية للحنابلة التي عملت على إقصاء باقي الفرق الإسلامية المخالفة لها. وقد اعتبر عبد الجبار الرفاعي أن هذا "الاعتقاد القادري" كان «أخطر وثيقة تصادر حق التفكير وحرية الاجتهاد في علم الكلام، جرى تداولها مدة ليست قليلة، وصار من التقاليد المتعارفة أن تتكرر تلاوتها كل مرة في المناسبات المهمة وقتئذ، وحرصت السلطة على إسباغ المشروعية على هذا الاعتقاد»[1]، بمباركة فقهاء البلاط وعلماء السلطان. وقد أدى هذا التزاوج والتعاضد بين المؤسسات السياسية والعقيدة الكلامية الحنبلية والأشعرية إلى إخماد التفكير الكلامي الاعتزالي، ودخول علم الكلام بعد ذلك في سياج دوغمائي مغلق، سماته الأساسية هي التكرار والاجترار والتقليد. وإذا كان جل علماء الإسلام قد منعوا التقليد في علم الكلام، فإن التيار الظاهري كان مناهضا للاجتهاد في هذا العلم. وقد انبعث تيار الظاهرية الاعتقادية «من جديد في الجماعات السلفية التي تغرق في القشور، فيما تضحي بروح الشريعة والمقاصد الكلية للدين، وتستأنف الفهم الحرفي للنصوص، الذي يغيب العقل ويتجاهل العصر وما يحفل به من متغيرات شتى».[2] أمام هذا الوضع الذي أصبح عليه التفكير الديني الإسلامي عموما، والتفكير الكلامي على وجه الخصوص، وأمام الصدمة التي تلقاها المسلمون والعرب جراء التفوق العسكري والاقتصادي والعلمي والثقافي الذي أرخى بظلاله على المجتمعات الإسلامية والعربية، كان لزاما أن يظهر مفكرون إسلاميون يضطلعون بمهمة الإصلاح والتجديد للعقيدة والشريعة الإسلاميتين، بهدف مواكبة المستجدات العلمية من جهة، ومجابهة تحديات العصر والإجابة عن الأسئلة الحارقة والإشكالات الملحة التي يطرحها بقوة وضع الدين في الحياة الفردية والجماعية للمسلمين.

هكذا، ظهرت بوادر التجديد الأولى في علم الكلام في شبه القارة الهندية ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر، مع مفكرين من أهمهم أحمد خان وشبلي النعماني ومحمد إقبال، لكي يستمر هذا التجديد بعد ذلك في الإسلام الإيراني مع مفكرين ومجددين، من أبرزهم الدكتور عبد الكريم سروش والشيخ محمد مجتهد شبستري، ويتوالى التجديد والإصلاح بعد ذلك في العالم العربي مع محاولات قام بها أمين الخولي وفهمي جدعان وحسن حنفي وعلي مبروك وعبد المجيد الشرفي وعبد الجبار الرفاعي وآخرون. وقد أفرزت هذه الاجتهادات في التفكير الديني والتجديد الكلامي مجموعة من الرؤى والتيارات التي وإن اختلفت في بعض الجزئيات، فإنها مع ذلك تلتقي في الرغبة الجامحة لدى أصحابها في تجديد علم الكلام التقليدي سواء على مستوى الموضوع أو المنهج أو الوسائل أو الغايات. ويبقى الرهان عند الجميع هو تجديد العقيدة والبحث عن مكانة لائقة بالدين من أجل أن يلعب دوره المطلوب في إرواء الظمأ الأنطولوجي للأفراد، والدفاع عن كرامتهم وحقوقهم، وإنقاذهم من الاغتراب الميتافيزيقي الذي يهدد أرواحهم في عالم يسيطر فيه العلم وتهيمن فيه التقنية.

لكن إذا كانت الغاية التي استهدفها كل هؤلاء المفكرين هي تجديد التفكير الديني عموما وعلم الكلام خصوصا، فإننا سنسعى من خلال هذا البحث إلى الكشف عن الفروق القائمة بين علم الكلام القديم وعلم الكلام الجديد، وإبراز أهم التيارات التي رفعت لواء التجديد في هذا العلم، مع الوقوف عند دواعي هذا التجديد وتبيان أسسه وبعض طرقه ووسائله، لكي ننتهي بعد ذلك إلى الكشف عن رهانات علم الكلام الجديد، وإثارة بعض التحديات والصعوبات والعوائق التي تقف حجر عثرة أمام طريق التجديد الكلامي، في سعيه إلى تجديد الفكر الديني، وتحديد الوظائف المناسبة للدين في الحياة الفردية والجماعية.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1]- عبد الجبار الرفاعي، تمهيد لدراسة علم الكلام الجديد، ضمن كتاب: علم الكلام الجديد؛ مدخل لدراسة اللاهوت الجديد وجدل العلم والدين، موسوعة فلسفة الدين 3، إعداد وتحرير عبد الجبار الرفاعي، مكتبة الفكر الجديد، ط.1، 2016، ص.17.

[2]- عبد الجبار الرفاعي، مقدمة في علم الكلام الجديد، دار المصورات للنشر، الخرطوم، ط.2، 2021، ص.42.