مفارقة تأييد التنوع بمحاربة الخصوصية والاختلاف


فئة :  مقالات

مفارقة تأييد التنوع بمحاربة الخصوصية والاختلاف

مفارقة تأييد التنوع بمحاربة الخصوصية والاختلاف

ارتفع في الآونة الأخيرة من لحظتنا الحضارية مستوى التنميط الثقافي الذي يهدف إلى كسر حواجز وتخطي حدود "هوياتية" رسمتها مجموعات اجتماعية وثقافية لنفسها أو حسب مرجعياتها منذ أزمانها الغابرة... فأصبحت الخصوصية الثقافية لأي جماعة محل تهديد سافر من قبل مسطرة طويلة من التحديات، يمكن تقسيمها ما بين إكراه اقتصادي واقعي، وبين انفتاح ثقافي بلا قيد أو شرط... وإن كان الإكراه الاقتصادي قديما بقدم التسليم بواقع نظام العولمة، فإن الإكراه الثقافي ازداد امتدادا، فإلى جانب ذراع العولمة فيه؛ هناك ذراع الاتصال والترفيه، وذراع آخر يقف من ورائه هو الثورات الحقوقية المنفجرة في كل اتجاه باسم التنوع الثقافي وحقوق الأقليات... ومسميات أخرى ما زالت تزداد بأخريات من مثلها كل يوم.

رفع شعار التنوع اليوم أخذ في الامتداد على حساب الخصوصية وحدودها، حتى أصبح الحديث عن أي خصوصية "للأنا" مرادفا لتهميش وإقصاء الآخر، وهنا نلاحظ المفارقة العجيبة التي بدأت بالدفاع عن ثراء الثقافة الإنسانية وتعدد أبعادها وانتهت في محاولة تخطي هذا التعدد إلى واحدية كونية لا يعنينا هنا كثيرا الدافع لخلقها بقدر ما سنحاول الكشف عن خطورة المبالغة في الدفاع عن التنوع الثقافي الذي يأتي على حساب الحق في الخصوصية والتميز في المقابل.

برعاية قيم الحداثة والأنوار دخل الإنسان في حقبة تاريخية جديدة بطلها الإنسان الذي تم تتويجه على عرش عالمه ووجوده فمنح بذلك صنوفا شتى من الحريات والحقوق، لتتوالى بعد ذلك رغم سقطاته الحقوقية فتوحاته الثقافية والفكرية التي كانت دائما ما تحاول الإمساك بحرية الإنسان وسعادته ومنحه إياها على طبق من ذهب تم سبكه وفق قيم "كونية" و"إنسانية" يُنظر إليها كضامن لتحقق المساواة والعدل الذي يتوق له هذا الإنسان دائما. ووفق هذا التطور الحضاري الذي ذهبت في طريقه البشرية فإن واقعا ونظرا من قبيل: العولمة[1] وميثاق حقوق الإنسان[2] وإعلان اليونيسكو العالمي للتنوع الثقافي[3] ـ الذي شد على يد الميثاق الذي سبقه ـ واليوم العالمي للتنوع الثقافي للحوار والتنمية[4] ... إضافة إلى الكثير من التشريعات المحلية والدولية التي تظهر هنا وهناك، وظهرت بالأمس واليوم... والتي تريد التأكيد على قيم التنوع الثقافي، ومفاهيم وشعارات مجاورة من قبيل: الديمقراطية، الثقافة الكونية، الإنسانية، ضد الإقصاء، ضد التهميش، ضد العنصرية، حق الاختلاف، المساواة، حقوق الأقليات... هذا الخطاب أو الواقع كله يصب في اتجاه تكريس التنوع ولكن ما أصبح باديا للعيان هو أن هذا التأكيد على التنوع في طريقه لدهس إي محاولة "للانزواء الثقافي" باعتبارها تهميشا للآخر المختلف في حين قد يكون هذا "الانزواء" محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من "خصوصية ثقافية ما" في طريقها للاختفاء.

وقبل استعراض التحديات المعاصرة للهوية والخصوصية والتي تتخفى تحت شعار التنوع الثقافي نقف مع مفهوم الاختلاف الذي يشكل حجر الزاوية الذي يريد الجميع أن يؤسس عليه تصوره عن التنوع الثقافي ومعنى الهوية والخصوصية.

في معاجم اللغة الفرنسية، نجد أن لفظة "الاختلاف" difference هي مشتقة من الأصل الإغريقي ديافورا “diaphora” التي تنقسم إلى جزئيين ” dia” يدل على التمايز من خلال الفجوة والمسافة والهوة التي تفصل بين الكائن والكائنات و“phora” تشير الى النقل والحمل والانزياح، وكما يقول جاك بوفري: فهي تكاد تكون نقلا حرفيا للكلمة الاغريقية “دايفورا” وهي مشتقة من الأصل اللاتيني différentia والاختلاف يعني خاصية شخص أو شيء تجعل من غير الممكن له التطابق مع شخص آخر (أو شيء آخر) فهو يشير إلى الفارق الذي يفصل بينهما[5] وفي معجم لالاند الفلسفي: الاختلاف هو علاقة تباين بين الأشياء من زاوية معينة ويتطلب (وجود الكثرة والتنوع سواء في المكان... أو في الزمان... كما يتطلب الاختلاف وجود الغيرية: لا أحد يختلف عن ذاته في حاضره، فالشخص لا يختلف إلا عن شخص آخر أو عن ذاته في لحظة أخرى غير اللحظة الحاضرة...)[6] هذا في الأصل قبل أن ينقلب معنى هذا المفهوم مع الحداثة وما بشرت به من رؤى فلسفية أدارت دفة العالم فيما بعد، فقد (تمت مماثلة مفهوم الاختلاف، في مجال الأخلاق والسياسة في أغلب الأحيان، بمفهومي اللامساواة والخصوصية. وانطلاقا من هذا الفهم، تمت معارضة الاختلاف بالمبدأ الأسمى الذي هو المساواة الكونية بين البشر باعتبارهم يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات.)[7] فنكون أمام ماض للمفهوم يحيل للتنوع حقا وحاضر يجعل من الاختلاف حائلا دون المساواة، المساواة التي يراد منها منح حق الاختلاف للجميع، في عملية جدلية هي مفارقة قادنا إليها حماس غير محسوب للانتصار ل "الحقوق" في مقابل النظم السائدة والأطر المنظمة للمجتمعات والتي تتعرّف بها كهوية ومرجعية.

ويمكن تقسيم الرؤى الفكرية التي تهتم بهذا الموضوع إلى اتجاهين، فريق يحتفي بالحداثة والتحرر وآخر يدينها (الفريق الأول ينظر إلى ثقل الموروث كعائق يحول دون تحرر كامل أما الفريق الثاني فينظر للموروث كعنصر مؤسس لحياة اجتماعية، وهو ما يقوده للنظر إلى فقدانه ككارثة ستصيب الإنسانية)[8] الفريق الأول يكاد يكون الصوت الرسمي للتوجه العالمي، توجه يقوده واقع العولمة الذي يريد الدفع بالمجتمعات نحو مزيد من الوحدة والتشابه حتى تتحقق قيم كونية تسمح بعالمية السوق وعالمية الثقافة والمواطنة... وعالميات أخرى مازالت تصنف ضمن إطار "نظريات المؤامرة" ووفق هذا التوجه (يجب تجاوز التصور الرسمي الذي يقدمه كل مجتمع عن نفسه)[9] حتى إن مفهوم الوطنية لا يجب أن يكون عذرا لأوهام الخصوصية، بل يجب فهم (صفة "الوطنية" باعتبارها ترتبط بشيء مشترك بين أفراد أمة من الأمم، ولكن ليس بالضرورة كشيء يسمح بتمييز أمة عن أخرى مجاورة لها)[10] وفي هذا تحجيم واضح لمعنى الاختلاف، وبتعبير آخر، اختلافك ينتهي حيث يجب أن تُشبه الآخر، ويجب أن تستهلك ما يستهلكه الآخر، وأن توقع على الاتفاقية التي وقّع عليها الآخر، وأن تتقاسم مزيدا من الصفات مع الآخر، صفات فوق ما كان قد تقرر في الطبيعة سابقا؛ أي يجب اصطناع تشابه أكثر من المُعتاد والطبيعي، فلم يعد العالم ذلك الفضاء الشاسع، بل قرية واحدة يتوقع منها أن تكون على قدر كبير من الانسجام كمجتمع محلي واحد؛ وذلك غير ممكن مع فروقات ثقافية هائلة وشديدة التباين، بل لابد من خفض مستوى هذا التباين حتى تتحقق القيم التي تم تقرير "كونيتها".

يتفق مناصرو الهوية والمدافعون عن الحداثة (في الاعتقاد بأن للناس القدرة ـ لحسن حظهم أو سوئه ـ على التخلص من ثقافتهم)[11]هذا يعني أن فقدان الهوية الثقافية ممكن على المدى البعيد، وبشهادة الأنثروبولوجيا الثقافية، وإن كانت هذه تشهد على أزمنة كان التغير الثقافي فيها يسير بوتيرة بطيئة لعل أصحابها لا يدركونها إلا بعد عدة أجيال، بينما لا نحتاج في زماننا هذا لكثير أدلة لتأكيد اختلاف الابن عن أبيه ثقافيا، وعليه فبالوتيرة الحالية للتغير والتبدّل يبدو أن الحاضر قابل لأن يكون غائبا بسهولة والمذكور منسي بسرعة، كما قد يكون (من الخرافة الاعتقاد بأن التقاليد محصّنة ضد التغيير، فالتقاليد تتطور عبر الزمن، بل يمكن كذلك أن تتبدّل وتتحوّل فجأة بشكل تام، ولعلي أستطيع القول إنها تُخترع ويُعاد اختراعها)[12]

الهوية أصبحت مهددة داخل المجتمع الأصلي وليس في مجتمعات الهجرة فقط كما كان يعتقد سابقا، فحتى في مجتمع "إسلامي" مثلا أصبحت الأسرة المسلمة تُعاني من أجل تربية أبنائها وفق قيم ومبادئ الهوية الإسلامية، فقد حط ما يعرف باسم "الغزو الثقافي" رحاله واستوطن بشكل رسمي المجتمعات وأصبح مسمى "مجتمع محلي" مسمى تراثي، ثقافي، فلكلوري.. على هامش الحضارة والمدينة، قد يوجد هنا وهناك على هامش أطراف منسية من الأرض.

تخطي المعنى التقليدي للهوية ناتج عن واقع أن ثنائية "الأنا" و"الآخر" التقليدية لم تعد صالحة لتصنيف الوضع القائم، فمن داخل بيئة الأنا تم إنبات هويات واتجاهات "دخيلة" تريد أن يكون لها من الحقوق ما لمثيلاتها الأصيلة (فالعولمة تضغط... فتشكل مناطق اقتصادية وثقافية داخل دول وفيما بينها)[13] تحت شعار الإنسانية التي أصبحت أشبه بفخ، فقد انتفخت الإنسانية كشعار فقط، حتى أصبحت حجة لتخطي الأنا والآخر دون حرج ولا استثناء خاصة إذا كان من يتم تخطيه من "الأمم المغلوبة" و"الشعوب الضعيفة" و"المجتمعات المُستهلكة" مجتمعات نُخبتها تعلّمت وتلقت ثقافة من خارج البيئة المحلية، فهي "أنا" تم طبعها بطابع الغير، أضف إلى ذلك نتائج ومآلات الثورة التواصلية حيث أصبحت "الأمم المُتسيّدة" تُحقق فتحا ثقافيا تلو اللاآخر بسهولة بالغة، وإن "تهمة العنصرية" جاهزة لكل من يريد أن يقول: أنا. فلابد أن تفقد ذاتك في الآخر وإلا كانت "الأنا" عنصرية.

وتحت شعار "التنوع" أيضا الذي يظهر بمظهر البطل الذي يمثل سدا في وجه واحدية العولمة غير أنه ليس سوى خدعة من العولمة ذاتها للقضاء على الخصوصية الثقافية، خصوصية تدخل تحت مظلة التنوع ظنا منها أنه سوف يحميها فإذا به يصهرها مع ما سبقها من هويات تم صهرها حتى استعار بعضها من بعض وفقدت الأصالة وأصبح كل شيء هجينا، وهذه خطوة أخيرة نحو الوحدة التي كان قد تم الهرب منها في البدء، فهي جدلية الهرب من وحدة العولمة بسلاح التنوع الثقافي ثم الموت بهذا السلاح، فيتحقق "الاحتلال العولمي" بعد أن تم صهر جثة آخر ثقافة تم الغدر بخصوصيتها بخدعة التنوع الثقافي، فإذا لم تكن هناك خصوصيات نحفظها فلن نجد غدا ما نرفع شعار التنوع من أجله، طالما أن كل شيء سيذوب في كل شيء، وإن لم نحافظ للوحة الحياة على تمايز ألوانها فلن يكون لدينا ألوان ندافع عنها، والتمايز لن يقع إلا بوجود نوع من الحدود الفاصلة، فيكون مناصرو الهوية اليوم هم من يحافظون على الاختلاف، وهم الممثلون الحقيقيون لمفهوم التنوع الثقافي، الذي يبدو أنه قد تم اختطافه.

ضغط العولمة الذي يخلق المجتمع المعاصر أو المجتمع الديمقراطي يعيد ابتكار معنى الجماعة البشرية، في اجتماعها وتنوعها، فظهرت تقسيمات جديدة داخل المجتمعات بمسميات جديدة تحمل في خطاباتها هويات جديدة فتعمل (بعض الحركات جاهدة على تشجيع هوية ترتكز على النوع والجندر، سواء في أوساط حركات نسائية أو حركات مثلية، بينما سعت حركات أخرى إلى تسليط الضوء على الهوية المحلية أو <<القومية المتطرفة>> وإحياء حركات جهوية أو الإسهام في إذكاء النعرة الإثنية)[14] إضافة إلى الحركة البيئية التي تدعو إلى "الثقافة الخضراء" وأخرى مناصرة للحيوانات حد وضع نهاية للعلاقة التقليدية بينهم وبين البشر، حيث لا يغدو بإمكان الإنسان الاستعانة بالحيوانات لقضاء حاجاته كأن يتحول "نباتيا" حتى لا يأكل لحومها... ويروج المجتمع الديمقراطي لنفسه بكونه البيئة الأمثل لاحتواء كل هذه الاختلافات الثقافية والاجتماعية إضافة إلى السياسية، ولكن هذا المجتمع ليس بريئا من وجود توجه ثقافي رسمي ما، وهي تهمة يتبرى منها ويجد كبش فداء بسهولة في المجتمعات التي تجاهر بحقها في وجود توجه ثقافي رسمي يمثل هوية الأمة ويجب احترامه بقدر ما يتم فرض أجندات تنوع ثقافي مفتوح على مصراعيه تختلط فيه ثقافة الأقليات الموجودة فعلا بأخرى مفتعلة سواء بشخوصها أم بثقافتها.

إذن ضغط العولمة، وخطابات التنوع الثقافي كما أعادت تعريف الهوية فإنها أيضا تعيد صياغة معنى الثقافة على أكثر من صعيد؛ ذلك أن التنوع الدخيل على المجتمع يفقده صوته الثقافي المعهود، فيكون الإشكال من يصنع الثقافة اليوم، مقارنة بمن كان يصنعها قديما؟

الثقافة فيض من التربية، وهي عند شيشرون "فلاحة الروح" وهي مهمة تفترض وجود (معلمين معدودين يُدعون إلى تثقيف الأرواح والكثيرة موضع التثقيف، بين الأوصياء والقُصّر، بين القادة والمقودين، بين المُعلمين والمتعلمين... كانت الثقافة تنم عن اتفاق مرسوم، ومتوقع بين العارفين <أو على الأقل الواثقين بامتلاك المعرفة> والجاهلين <أو على الأقل المنعوتين بالجهل من جانب الطامحين الواثقين في قدرتهم على تعليمهم والقضاء على جهلهم>)[15]؛ أي إن الثقافة كانت تفترض نظاما "تعليميا" ما يستهدف الأدنى معرفة حتى يرتقي بمستوى حياته. أما اليوم، فهي "ثقافة عشوائية" يشارك في صناعتها العوام والصغار بالموازاة مع تحطيم المرجعيات المتعالية (الأديان) والتهاون بالمرجعيات التي حققت نوعا من التعالي المستحق: (العلماء، الحكماء، الفلاسفة...)

ثقافة اليوم تفتح أبوابها للجميع ليشاركوا في صناعتها، فبفضل شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت بشكل عام امتلك الجميع حق رفع صوته وإيصاله للعالم أجمع، ولا يهم كثير تفصيل في أي عالم؟ أهو عالم كبير أم صغير؟ فالاثنان يتبادلان الأدوار حينما يهتز العالم الكبير لخبر في العادة هو خبر محلي صغير يحدث طوال الوقت وفي كل مكان، وحينما يكون من السهل تحويل الكبير إلى صغير يتم تخطيه بسهولة ولا يلقى له بال...

فوضى صناعة الثقافة تهدد الثقافة؛ لأن ما تتم صناعته أشبه بالموضة، كل صفاته تحيل إلى الزوال والنسيان السريع، لن تكون هناك عملية تمثل اجتماعي ثقافي له، لن تكون هناك أجيال تتناقله ولا ذاكرة بشرية تحفظه، بعد أن أصبح "الفرد" هو المعيار الأوحد لصناعة الثقافة في الأزمنة الحديثة حيث تتشكل الثقافة (بما يلائم الحرية الفردية للاختيار والمسؤولية)[16]؛ أي إن الإنسان يصنع الثقافة ويدفع ثمن ما صنع، في حلقة من الذاتية الضيقة والتي أفسدت حياة الكثيرين بوهم القدرة والحرية والمعرفة بعد أن حرمتهم من ضوابط التربية والمثال والنموذج والقدوة... أشياء كانت توفرها لهم الثقافة الأصلية، أي الثقافة ما قبل "السيلان" ما قبل "الذاتية" ما قبل العولمة التي أفقدت الجميع ثقافته باسم التنوع الثقافي ولم تمنحهم بديلا حقيقيا فالعالم يتجه مجتمعا تلو الآخر إلى مرحلة ("ما بعد النموذج" فالحداثة السائلة هي حرب ضد كل النماذج)[17] فأصبحت (الثقافة اليوم تتألف من العروض المغرية لا من التحريمات، من الافتراضات لا من القواعد...)[18]

انتشر مفهوم التنوع الثقافي وافتتن الناس به كشعار يرفعونه كلما تم تهديدهم في هوياتهم وحرياتهم الثقافية، وهو المحرك للكثير من المنظمات الحقوقية التي تُنافح عن حرية الإنسان وحقه في العيش كما يريد، مما أصبح يهدد النظم الثقافية والاجتماعية التقليدية للكثير من المجتمعات التي ما زالت هويتها في صراع مع التغييرات الثقافية التي تحملها موجة "الانفتاح" التي يعيشها العالم على أكثر من صعيد وبوتيرة غير قابلة للصد ولا للرد، فبات المدافعون عن الخصوصيات الثقافية يستشعرون ما يمكن تسميته ب "تطرف حقوقي" يشكل من خلاله الخطاب الحقوقي تعدّيا سافراً على خصوصيات وهويات مجتمعات ترى أن من حقها الحفاظ على اختلافها في ظل هرولة الجميع نحو اندماج ثقافي عالمي لا يميز ليله من نهاره ولا حقيقه من مزيفه، ولعل هذا الخوف بدأ يعبر عن نفسه في تصاعد خطابات يمينية وأصولية هنا وهناك، خطابات تصل أحيانا حد التطرف، ويرى أنطوني جيدنز أن الأصولية الدينية ستنبثق مرة أخرى كردة فعل، (فالأصولية fundamentalism تنشأ عادة من عالم ذي تقاليد مهددة بالضياع)[19] فيجعلنا هذا الوضع نتساءل هل نحن بصدد تطرف "حقوقي" "انفتاحي" في مواجهة تطرف "هوياتي" "محافظ"؟ في قادمنا القريب؟ وهل سيكون في هذا الصراع مكان للوسطية دون أن يتم تصنيف أصحابها وحسابهم على أحد الفريقين؟ والأهم من ذلك كيف سيكون انعكاس هذا الصدام الثقافي والفكري على السلم الاجتماعي المحلي قبل العالمي و(ثلاثة أرباع الصراعات الكبرى في العالم لها أبعاد ثقافية)[20] حسب الأمم المتحدة وهي تفتتح تعريفها لليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية؟

 

قائمة المصادر والمراجع:

  1. عالم جامح، كيف تعيد العولمة تشكيل حياتنا. ترجمة عباس كاظم، وحسن ناظم، بيروت، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2003
  2. محمد الهلالي، حسن بيقي، دفاتر فلسفية، الاختلاف، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2016
  3. فيليب ديربان، التفكير في تنوع العالم ترجمة محمد الهلالي، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 2011
  4. زيجمونت باومان، الثقافة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى 2008
  5. الموقع الالكتروني لمنظمة الأمم المتحدة www.un.org
  6. الموقع الالكتروني لمنظمة اليونيسكو unesco.org
  7. الموقع الالكتروني لقناة الجزيرة www.aljazeera.net

[1] Globalization أو mondialisation يعرفها عالم الاجتماع الإنجليزي أنطوني جيدز بأنها: مرحلة جديدة من مراحل الحداثة وتطورها، تتكاثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي، وحدوث تلاحم بين الداخل والخارج، وربط بين المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وسياسية وثقافية وإنسانية. ولا يعني هذا إلغاء المحلي والداخلي، ولكن أن يصبح العالم الخارجي له حضور العالم الداخلي نفسه في تأثيره في سلوكيات الأفراد وقناعاتهم وأفكارهم، والنتيجة هي بروز العامل الداخلي وتقويته. انظر كتابه عالم جامح، كيف تعيد العولمة تشكيل حياتنا. ترجمة عباس كاظم، وحسن ناظم، بيروت، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2003 ص:23

[2] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان ـ صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف بوصفه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. وهو يحدد، وللمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا. https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/

[3] اعتمدت اليونسكو في 2001 الإعلان العالمي للتنوع الثقافي https://ar.unesco.org/commemorations/culturaldiversityday

[4] يحتفل بـ 21 أيار/ مايو من كل عام باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي هذا في 2002، المصدر السابق

[5] الهوية والاختلاف بين الدلالة المفاهمية والتأصيل التاريخي، حبطيش وعلي، المجلة الثقافية الجزائرية، https://thakafamag.com/?p=57722

[6] محمد الهلالي، حسن بيقي، دفاتر فلسفية، الاختلاف، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2016 ص:10

[7] المرجع السابق ص13

[8] فيليب ديربان، التفكير في تنوع العالم ترجمة محمد الهلالي، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 2011 ص:77

[9] المرجع السابق ص48

[10] المرجع السابق ص: 65

[11] المرجع السابق ص: 79

[12] عالم جامح ص: 68

[13] عالم جامح ص: 33

[14] دفاتر فلسفية، الاختلاف، ص: 63

[15] زيجمونت باومان، الثقافة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى 2008 ص: 17

[16] المرجع السابق ص:21

[17] المرجع السابق ص:21

[18] المرجع السابق ص:22

[19] عالم جامح ص:21

[20] https://www.aljazeera.net/news/ cultureandart/2019/5/22/اليوم-العالمي-للتنوع-الثقافي-الحروب