من العربية إلى اللاتينية استقبال الفلسفة العربية في أوربا الغربية

فئة :  ترجمات

من العربية إلى اللاتينية استقبال الفلسفة العربية في أوربا الغربية

من العربية إلى اللاتينية

استقبال الفلسفة العربية في أوربا الغربية

  كان للنصوص العربية أثر محوري في تاريخ الفلسفة الغربية، وهو ما يمكن أن نراه من كميَّة الأعمال المترجمة إلى اللاتينية (انظر الجدول الملحق بهذا الفصل)، كما لدينا دلائل معرفة بعض معلِّمي الفلسفة الذين يجيدون العربية حينذاك. يتحدث أديلار الباثي Adelard of Bath (عاش بين 1116 - 1150) عن دراساته العربية studia Arabica/Arabum studia (فيما يتعلق بالعلم الطبيعي) وعن معلِّميه في هذه الدراسات magistri([1])، والذين ربما عرفهم في جنوب إيطاليا وصقلية. أما ستيفن البيزي Stephen of Pisa (عاش حوالي 1127)، الذي كتب في الكوزمولوجيا في أنطاكيا، فيعبِّر عمَّا يدين به «لأحد العرب»([2]). كما نعلم أن مسيحيين كثيرين كانوا من بين تلاميذ كمال الدين بن يونس الموصلي (ت 1242) الذي كان من أكبر معلمي عصره من المسلمين؛ وصار أحد تلاميذه وهو سراج الدين العرماوي؛ واحداً من أعضاء بلاط الإمبراطور فريدريك الثاني هوهنشتاوفن Frederick II Hohenstaufen، ووضع له كتاباً في المنطق([3]). وتعرف أندريا ألباجو Andrea Alpago (توفي قبل 1546) على مذهب ابن سينا في النفس في دمشق من العالم الشيعي محمد بن مكي شمس الدين الدمشقي (ت 1531)([4])، لكننا نستطيع وضع يدنا على مدى الأثر الذي مارسته الفلسفة العربية على الغرب اللاتيني من النصوص العربية الباقية وترجماتها اللاتينية. وعكست الأعمال المترجمة مختلف أنواع الكتابة الفلسفية العربية.

1)    ترجمات عربية لأعمال فلسفية يونانية، كان الجزء الأكبر منها لأرسطو أو شروحات على أعماله. لكن لم تُترجم جمهورية أفلاطون إلى اللاتينية رغم توافر ترجمة لها بالعربية. وظهرت آراء فلاسفة كثيرين غير أرسطو في كتب تاريخ المذاهب *doxographies: انظر العنصر (5) فيما يلي.

2)    التلخيصات أو المسائل questio، مثل رسائل الكندي: «في المنامات» الذي يتناول بعض مسائل كتاب أرسطو «الحس والمحسوس» Parva Naturalia [المعروف لدى اللاتين باسم De Somno et Vigiliis]؛ ورسالته «في الماهيات الخمس» حول مسائل من كتاب «الطبيعة» لأرسطو؛ ورسالته «في علل القوى المنسوبة إلى الأشخاص العالية الدالَّة على المطر»** (وهي جزء من المجموعة المعنونة De Mutatione Temporum)، والمستندة على كتاب «الآثار العلوية» لأرسطو. وكان النموذج الذي احتذاه الكندي في رسائله هو «مسائل» الإسكندر الأفروديسي questiones، والتي تُرجم منها ثلاثة من العربية إلى اللاتينية. والجدير بالذكر في هذا السياق هو الكتاب المنحول على ابن سينا «في السماء والعالم» والذي يتناول ستة عشر مسألة من كتاب «في السماء» De Caelo لأرسطو([5]).

3)    المعالجات النسقية للفلسفة (المشائية). وأهم نص في هذا النوع هو موسوعة «الشفاء» لابن سينا (أي: الشفاء من الجهل). وتُرْجِم العنوان خطأً إلى اللاتينية بـ Sufficientia[الكافي]*، كما لو أن كتاب ابن سينا يكفي القارئ مشقَّة الاطلاع على كتب أرسطو الكثيرة([6]).

4)    الشرح. يرجع تراث الشروح العربية على أرسطو إلى اليونان، وتطور مع الفارابي وابن باجة وابن رشد. ولم يكن ابن باجة معروفاً للغرب الوسيط إلا من أعمال ابن رشد.

5)   

=

  كُتُب تاريخ المذاهب والأفكار doxography. كان النموذج اليوناني في تصنيف آراء الفلاسفة تحت موضوعات مشتركة هو كتاب لأيتوس الرودسي Aëtios of Rhodes، وترجمه قسطا بن لوقا في القرن التاسع؛ وتبعه في ذلك عدد من المؤلفين العرب، منهم حنين بن إسحق في «آداب الفلاسفة»**، الذي تُرجم إلى القشتالية. ويبقى صدى خافت لهذا النوع من الكتابة في كتاب عن الخيمياء مفقود بالعربية ووصلنا في ترجمة لاتينية بعنوان Turba Philosophorum [مجموع أقوال الفلاسفة]، والذي يذكر بعض آراء فلاسفة ما قبل سقراط من بين حشد غير منتظم من الآراء المنسوبة خطأ إليهم.

عرف الغرب اللاتيني هذه الأعمال العربية ابتداءً من أواخر القرن الحادي عشر. ويمكننا تخمين بدايات انتشار هذه الأعمال باهتمام العلماء بالطب والعلوم الطبيعية العربية في جنوب إيطاليا، حيث تأسَّست مدرسة طبية في ساليرنو، إذ ترجم أسقف ساليرنو ألفانوس Alfanus (ت 1085) كتاب «في طبيعة الإنسان» On the Nature of Man لليوناني نيميسيوس Nemesius تحت عنوان «عمود الطبيعة» Premnon Physicon. وإلى ساليرنو انتقل قسطنطين الأفريقي قادماً من تونس بمجموعة من الكتب العربية ترجمها في المناخ الأكاديمي المثالي لدير مونتيكازينو Montecassino، معقل جماعة البنيدكتيين Benedictine Order. وكانت هذه الأعمال ثمرة مدرسة الطب المزدهرة في القرويين، والتي مثَّلها بصفة أساسية إسحق الإسرائيلي وتلميذه ابن الجزَّار. كما ترجم قسطنطين أو تلاميذه نصوصاً تنتمي للعلم الطبيعي: كتاب «في العناصر» لإسحق الإسرائيلي، وفصل العناصر من كتاب نيميسيوس «في طبيعة الإنسان»، ونص قصير حول التعدين، وكتاب قسطا بن لوقا On Physical Ligatures([7]). وعلاوة على ذلك استخدم علماء النصف الأول من القرن الثاني عشر عدداً من المترجمات الطبية، خاصة كتاب علي بن العباس المجوسي (الأهوازي) [المتوفي سنة 982 أو 994 ميلادي] «كامل الصناعة الطبية الضرورية» المعروف في اللاتينية باسم Pantegni، واستخدمه بوجه خاص وليام الكونشيسي William of Conches وبرنادوس سلفستريس Bernardus Silvestris كمصدر لمذاهبهم في العلم الطبيعي([8]). وكان هذا المناخ الفكري [المتأثر بالعلم العربي] هو الذي التقط منه أديلار الباثي Adelard of Bath تعليمه العربي ونقله في كتابه «مسائل في العلم الطبيعي» Questions on Natural Science، رغم عدم قدرة الباحثين على تحديد مصادره العربية.

الفلسفة العربية، باعتبارها مَعْبَراً للفلسفة الأرسطية [إلى الغرب اللاتيني]

يسبق ازدهار الاهتمام بالعلم الطبيعي العربي في أوائل القرن الثاني عشر تأسيس مجال جديد في التعليم في الغرب اللاتيني الوسيط، والذي جاء ليكمل التعليم التقليدي في الآداب الحرة السبعة، والتي تشمل فنون القول (النحو والمنطق والخطابة)، والرياضيات (الأرثماطيقا والهندسة والموسيقى والفلك). وقد أدت إلى استعادة أعمال أرسطو في الفلسفة الطبيعية libri naturales، من كل من المصادر اليونانية والعربية. وجاءت أغلب أعمال أرسطو اليونانية من القسطنطينية، حيث أقام فيها جيمس البنقدي James of Venice وبورجونديو البيزي Burgundio of Pisa (ت 1193)، وقاما بمفاوضات بين كنائس الغرب والشرق، في الوقت الذي كانت فيه «اليونان الكبرى» Magna Gracia (جنوب إيطاليا وصقلية) وأنطاكية مراكز تعليمية تحوي نصوصاً يونانية وعلماء اختصاصيين. وتُرْجِمت أغلب أعمال أرسطو الطبيعية من اليونانية في القرن الثاني عشر، لكن وجود ترجمتين لنفس العمل وحذف أجزاء من المتن الأرسطي يقترح لدينا أن عملية الترجمة كانت عشوائية([9]). أما الترجمات من العربية، فقد كانت أكثر تنظيماً واتبعت برنامجاً ثابتاً وتركزت في طليطلة.

وهناك عدة أسباب لبروز طليطلة، باعتبارها المركز الرئيس للترجمة من العربية إلى اللاتينية ابتداءً من منتصف القرن الثاني عشر وما بعده؛ فهي باعتبارها من المدن المتروبوليتانية في شبه جزيرة أيبيريا، فقد كانت عاصمة الثقافة هناك، ومحل إقامة الكثير من رجال الدين الذين تلقَّوا تعليماً طيِّباً والآتين لها من خارجها. وكانت اللغة السائدة بين سكانها هي العربية، وكانت تحوي الكثير من المكتبات العربية. وعلاوة على ذلك؛ فقد كانت طليطلة أقرب ملجأ لعلماء اليهود الهاربين من اضطهاد الموحِّدين الذين استولوا على إسبانيا الإسلامية في 1147، كما أن آخر أمراء سرقسطة وهو أبو جعفر أحمد الثالث سيف الدولة، كان لاجئاً في طليطلة في 1140، وعومِل بتكريم بالغ هناك. وكانت مكتبته متاحة لمايكل أسقف تارازونا Tarazona؛ الذي كان راعياً للمترجم هوجو السنتالي Hugo of Santalla وذلك قبل أن ينتقل أبو جعفر إلى طليطلة. ولا نعرف من ترجمات هوجو سوى نصوصاً في الرياضيات وعلم النجوم والنبوءات، والتي من المحتمل أن يكون مصدرها مكتبة أبي جعفر، لكن الجدير بالملاحظة أن ابن جبيرول Avicebron (توفى 1058 أو 1070) وابن باجة (ت 1139)، كانا من سكان مملكة سرقسطة، فربما حفلت المكتبة الملكية هناك بمؤلَّفاتهما.

وسارت حركة ترجمة الأعمال الفلسفية العربية في طليطلة في مسارين متوازيين، يمكن ربطهما على التوالي باثنين من العلماء المعاصرين لهذه الحركة، هما جيرار الكريموني Gerard of Cremona (1114 - 1187) وكان رئيساً للكاتدرائية، ودومينيكوس جونديسالفي Dominicus Gundisalvi (عاش حوالي 1162 - 1190)، رئيس شمامسة سيجوفيا Segovia وكان ساكناً للكاتدرائية. وسيكون مسار جونديسالفي موضوع الفقرة التالية من هذا الفصل. ووضع أحد تلاميذ جيرار قائمة بترجماته بعد وفاته([10]). وهي مرتَّبة حسب الموضوعات؛ بدءاً بإسهاماته في الآداب الحرة السبعة التقليدية (وفيها المنطق والهندسة والفلك)؛ ثم فروع الفلسفة والطب. وفي حين كانت الفلسفة هي الآداب الحرَّة السبعة في الأعمال اللاتينية الأقدم، فهي في قائمة جونديساليفي مرادفة للفلسفة العربية وتشمل الفلسفة الطبيعية والميتافيزيقا.

وكان باستطاعة جيرار معرفة برنامج التعليم الفلسفي من الفارابي في كتابه «إحصاء العلوم» الذي ترجمه بنفسه. ففي هذا الكتاب؛ وصفٌ لكل فرع معرفي، من النحو والمنطق، مروراً بالرياضيات والعلم الطبيعي والميتافيزيقا، إلى السياسة والفقه وعلم الكلام. كما يذكر جيرار كتب أرسطو المقابلة لهذه الفروع. وقد بدأ جيرار بترجمة «التحليلات الثانية» كمقدمة لدراسة العلم الطبيعي تحت عنوان «كتاب البرهان» The Book of Demonstration (وهو العنوان الذي يشرح مضمون كتاب أرسطو وبه عُرِف في التراث العربي)؛ إذ فيه يتمُّ شرح كيفية التوصُّل إلى البرهان الصادق. وبالنظر إلى ترتيب الأعمال في القائمة التي أعدها تلاميذه socii، نلاحظ أن الميتافيزيقا تسبق العلم الطبيعي، وهي التي تبحث في العلل النهائية للأشياء([11]). ولم يختر جيرار ترجمة «ما بعد الطبيعة» لأرسطو، بل ترجم بدلاً منه نصاً عربياً مقاماً على أساس «عناصر الثيولوجيا» لبروقلس، يحمل عنوان «الإيضاح في الخير المحض»*، لكنه عُرِف في الغرب باسم «في العلل» (De Causis)([12]).

والواضح أن جيرار اتَّبع ترتيب الفارابي للعلم الطبيعي بدقة؛ إذ يقسِّم الفارابي هذا العلم أقساماً ثمانية أو «فحوص»، ويتبع جيرار في ترجمته نصوصاً تناسب هذه الأقسام، ويرتبها تلاميذه بنفس ترتيب الفارابي: «الطبيعة» Physics و«السماء» De Caelo و«الكون والفساد» De Generatione et Corruptione. وتليها «أسباب اختلاف العناصر الأربعة» On the Causes of the Properties of the Four Elements، وهو كتاب منحول على أرسطو حول عناصر العالم وصفاتها، وهو يقع بين «الكون والفساد» والنص المذكور عند الفارابي في الفحص الرابع؛ أي: المقالات الثلاث الأولى من «الآثار العلوية» Meteora. ترجم جيرار هذه المقالات الثلاث، ويبدو أن هذا كان مبلغ قدرته. لكن واصل أخلافُه مشروعَه. فقد أضاف ألفريد الشرشيلي Alfred of Shareshill، مصرحاً باعتماده على الفارابي، الكتاب الرابع من «الآثار العلوية» (وهو موضوع الفحص الخامس عند الفارابي)، في ترجمته من اليونانية إلى اللاتينية التي أعدَّها هنريكوس أريستيبوس Henricus Aristippus، وترجم فصلين من «الشفاء» لابن سينا ليملأ به «الفحص السادس» عند الفارابي وهو «المعادن»([13]). كما ترجم ألفرد كتاب «في النباتات» De Plantis لنيقولا الدمشقي Nicholas of Damascus، والذي كان منسوباً لأرسطو، وهو يقابل الفحص السابع عند الفارابي، وأخيراً؛ أكمل مايكل سكوت Michael Scot (قبل 1220) سلسلة العلم الطبيعي بترجمة المجموع العربي لمقالات أرسطو التسع في علم الحيوان (الفحص الثامن عند الفارابي)([14]).

وكانت أفضلية أرسطو العربي على أرسطو اليوناني؛ أن الأول كان جزءاً من تراث لا يزال حيّاً في عصر المترجمين اللاتين. ولذلك كان جيرار يترجم مع نصوص أرسطو أعمال شراحه، اليونان مثل الإسكندر الأفروديسي وثامسطيوس، وأخلافهم العرب مثل الكندي والفارابي. والمرجح أن البذور الأولى للشروح اللاتينية على أرسطو كانت في طليطلة (وهو ما يدل عليه أعمال مترجمة بتعليقات مطوَّلة ترجع إلى طليطلة)، لكن أولى التعليقات الباقية؛ هي التي كتبها ألفريد الشرشيلي على «الآثار العلوية»، و«في الأحجار والمعادن»، و«في النباتات»([15]). وسرعان ما أضيف إلى كل ذلك ترجمات لشروح ابن رشد (الذي كان يكتب أعماله في قرطبة في الوقت نفسه الذي كان يعدُّ فيه جيرار ترجماته في طليطلة)، وكان مايكل سكوت في مقدمة المترجمين لابن رشد في أوائل القرن الثالث عشر [بعد وفاة ابن رشد بسنوات قليلة]. وكانت شروح ابن رشد الكبيرة على أرسطو تحوي فقرات كاملة من النص الأرسطي؛ ما أتاح ترجمات جديدة لكتب أرسطو في «الطبيعة» و«السماء والعالم» و«النفس»، و«ما بعد الطبيعة» في أوائل القرن الثالث عشر، مما مكَّن العلماء الإسكولائيين من مقارنة أكثر من ترجمة للنص الأرسطي([16]) [عن اليونانية وعن العربية في شروح ابن رشد]. وبعد الانتهاء من ترجمة أعمال العلم الطبيعي وما بعد الطبيعة؛ اتَّجه اهتمام المترجمين لأجزاء أخرى من المتن الأرسطي: «الخطابة» Rhetoric و«الشعر» Poetics و«الأخلاق». وكرَّس هرمان الألماني Hermann the German نفسَه لهذه المهمة، وكان يعمل في طليطلة بين 1240 و1256، حيث ترجم مختصراً لـ«الأخلاق النيقوماخية» Summa Alexandrinorum، و«الخطابة» (مع استشهادات من الشُّراح العرب)، و«تلخيص كتاب الشعر» لابن رشد؛ الذي حلَّ محل كتاب أرسطو نفسه في ذلك الوقت.

وبذلك أسهمت الأعمال العربية على نحو واسع في بناء متن متكامل في الفلسفة الأرسطية، تمثِّله مخطوطات عديدة للمتن الأقدم Corpus Vetustius والمتن الأحدث *Corpus Recentius، والتي ظلت دعامة التعليم الجامعي لقرون عديدة تالية. ولم تكن حقيقة أنها أعمال عربية من وضع مسلمين تمثل أي مشكلة آنذاك؛ فقد كانت ببساطة أفضل النصوص المتاحة، وكانت شروح ابن رشد الأفضل والأشمل على أرسطو. وإذا كانت هناك أخطاء، فهي أخطاء الفلاسفة بعامة، لا الفلاسفة العرب مقارنة بالفلاسفة اللاتين. كانت اللاتينية هي وسيلة التواصل الوحيدة لدى الفلاسفة الإسكولائيين، وكانوا يرحِّبون بترجمات لاتينيَّة مختلفة للنص الواحد كسبيل لفهم «الحق» الذي يعبِّر عنه أرسطو([17]). لقد استكمل المترجمون ما كان ناقصاً في معرفة اللاتين بالفلسفة، من جيرار الكريموني وعبر ألفريد الشرشيلي إلى مايكل سكوت وهرمان الألماني، من خلال ترجماتهم وشروحاتهم، واستعادوا بذلك الحكمة القديمة.

لكن من منظورنا نحن الآن؛ نستطيع إدراك أن الأصول العربية لحركة استعادة أرسطو لدى اللاتين كان لها أثر حاسم في طبيعة التعليم الفلسفي الوسيط. لقد أمدَّت المخطوطات اليونانية اللاتين بالأصول الخام لأعمال أرسطو. أما التراث العربي، فلم يقدِّم لهم مجرَّد أرسطو القرن الرابع قبل الميلاد، بل قدَّم لهم بالأحرى أرسطو كما تم شرحه وتأويله لدى الأفلاطونية المحدثة في العصر اليوناني المتأخر، كما أوضحت كرستينا دانكونا في هذا الكتاب، حيث تُوِّجَت ميتافيزيقا أرسطو بلاهوت عقلي نابع من التراث الأفلاطوني. وبذلك أمكن إلحاق كتاب «الإيضاح في الخير المحض» De Causis بالمتن الأرسطي بصورة طبيعية. ويمكن رؤية هذه العناصر الأفلاطونية المحدثة بوضوح أكثر في نصوص فلسفية عربية أخرى لم تُلْحَق بالمتن الأرسطي.

التراث العربي المستقل عن المتن الأرسطي

اتَّبع المسار الثاني لحركة الترجمة البادئ بطليطلة طريقاً موازياً للمسار الأول. ويمكننا أن نرى بدايته في ترجمة رسالة قصيرة بعنوان: «في الفرق بين الروح والنفس»، لقسطا بن لوقا، أعدَّها يوحنا الإشبيلي John of Seville لريموند أسقف طليطلة (1125-1152). في هذه الرسالة معالجة طبية للروح كقوة بدنية يرافقها شرح لتعريفات أفلاطون وأرسطو للنفس. والجدير بالملاحظة أن قسطا لا يُعلي من شأن أرسطو على غيره، بل يأخذ مكانته بالتَّساوي مع أفلاطون (إذ يذكر من محاوراته «فيدون» و«تيمايوس»)، وثاوفراسطوس وأمباذوقليس وجالينوس. وربما يرجع سبب اختيار هذا النص لدلالته بالنسبة إلى علاقة علم النفس باللاهوت، حيث تمَّت دارسة النفس الإنسانية الفردية في بعُديها النفسي واللاهوتي. وسرعان ما التقط علماء إسبانيا رسالة قسطا، من بيتروس ألفونسي Petrus Alfonsi وهرمان الكارنثي Hermann of Carinthia وجونديسالفي؛ كما أنها شجَّعت على ظهور ترجمات عديدة لنصوص في النفس والعقل، مثل «كتاب النفس» لابن سينا. وتمَّت ترجمة رسائل في العقل للإسكندر الأفروديسي والكندي والفارابي من قِبَل المجموعة العاملة مع جونديسالفي، ثم رسالتين في اتِّصال العقل الفعال بالإنسان لابن رشد، وأخرى في الموضوع نفسه لابنه أبي محمَّد عبد الله، وتمَّت ترجمتها في أوائل القرن الثالث عشر، وأخيراً: «الشرح الكبير على كتاب النفس» لابن رشد. وكان يُنْظَر للعقل على أنه الموضوع الذي لم يعالجه أرسطو بنجاح([18])، وقد اشتهر نزاع بين اللاتين حول رأي نسبوه لابن رشد يقول: إن كلَّاً من العقل الهيولاني والعقل الفعال كيان مفرد خارج الإنسان([19]).

كان كتاب ابن سينا «في النفس» جزءاً من موسوعة «الشفاء»، التي قدمت معالجة حديثة وسهلة التناول للمنطق والرياضيات والعلم الطبيعي وما بعد الطبيعة، كما أنها تناولت آراء الأطباء (كما كتب ابن سينا كذلك موسوعة طبية هي «القانون في الطب»). تناول ابن سينا الحواس الخمس الظاهرة: البصر والسمع والشم والذوق واللمس، بالإضافة إلى الحواس الخمس الباطنة: الحس المشترك والمخيِّلة ومَلَكة التعقُّل والواهمة والذاكرة؛ وخصَّص لكل منها موضعاً في الدماغ. ولم يكن في المتن الأرسطي ما يماثل هذا النسق في تنظيم قوى النفس، والذي تضافرت فيه العناصر الفيسيولوجية والنفسية، لكنه كان يرجع جزئياً إلى جالينوس، وحظى باهتمام علماء الغرب([20]).

وتمتَّع مبحث الميتافيزيقا بمكانة عالية في هذه الفترة، باعتباره مهتمَّاً بالمبادئ الأولى للأشياء. كانت معرفة الغرب اللاتيني في القرن الثاني عشر بكتاب «ما بعد الطبيعة» لأرسطو ضعيفة، والأرجح أن أول ترجمة له في منتصف القرن من إعداد جيمس البندقي في القسطنطينية. لكن لم تبقَ من ترجمة جيمس إلا المقالات الأربع الأولى (في مخطوطين من القرن الثاني عشر ومخطوطات أخرى لاحقة)([21]). ولا نجد شواهد على عدد كبير من ترجمات ونسخ «ما بعد الطبيعة» إلا ابتداءً من القرن الثالث عشر، مع ظهور نصٍّ بتعليقات ومترجم بالشرح الكبير لابن رشد، وهي المعروفة بالترجمة المركبة Translatio Composita (أو كتاب الميتافيزيقا الأقدم Metaphysica Vetus)، ثم أخيراً ترجمة وليام الموربيكي William of Moerbeke.

كان العلماء اللاتين على علم بوجود أعمال أرسطو، وكان ذلك من خلال بوئيثيوس Boethius بصفة أساسية، والذي كان كثيراً ما يشير إلى كتاب «ما بعد الطبيعة» في شروحه على «العبارة» و«المقولات»، ويحيل قارئه إلى «مزيد من البحث» في «كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو» Libri quos [Aristoteles] meta ta phisica inscripsit. وفي مخطوطات أعمال بوئيثيوس نجد العبارة اليونانية meta ta physica وقد تمَّ دمجها في كلمة واحدة metaphisica، وقد استشهد ببوئيثيوس علماء القرن الثاني عشر من أبيلار ومؤلف «كتاب المبادئ الستة» Liber Sex Principiorum، واستخدموا كلمة Metaphysica على نحو اعتيادي([22]).

وقد ذكرنا أن جيرار الكريموني قد ترجم في مبحث الميتافيزيقا كتاباً من العربية مُقاماً على «عناصر الثيولوجيا» لبروقلس، وهو المعروف بـــــــ«كتاب العلل» De Causis. وقد نُسِخَ هذا العمل وانتشر أكثر من أي ترجمة أخرى لجيرار([23])، وبقيت منه مخطوطات عديدة (حوالي 250 مخطوطة). وتمثِّل شهرة «كتاب العلل» اهتماماً عامَّاً بالميتافيزيقا يرجع إلى أوائل القرن الثاني عشر على أقل تقدير؛ عندما وعدَ أديلار الباثي بمناقشة «العقل nous، والهيولى hule والصور العنصرية البسيطة [العناصر الأربعة]» و«مبدأ المبادئ* لكل الأشياء»([24]). والمرجَّح أن أديلار يُذَكِّر في الفقرة الأخيرة منه بعبارات لأفلاطون في «تيمايوس» Timaeus، والذي كان المصدر المعتمد في الفلسفة الطبيعية قبل إعادة اكتشاف كتاب «الطبيعة» لأرسطو، حيث يرفض تيمايوس الحديث عن «مبدأ الكون للمبتدئين في العلم» de universitatis vel initio vel initiis (Plato, Timaeus, 48C). وسواء أَوفَى أديلار بوعده أم لا (فليس لدينا دليل على ذلك)، فقد واجه علماء آخرون هذا التحدي.

عمل هونوريوس أوجوستوديونيسيس Honorius Augustodunensis (النصف الأول من القرن الثاني عشر) على إحياء ميتافيزيقا الأفلاطونية المحدثة التي كان يتبنَّاها سكوتس إريوجينا Scotus Eriugena بتلخيصه لكتابه «في الطبيعيات» Periphyseon. أما هرمان الكارنثي فقد استعان بالمصادر العربية. ففي 1143 كتب في الكوزمولوجيا مُؤّلَّفاً سمَّاه: «في الماهيَّات» ([25])De Essentiis. يخصص هرمان الجزء الأول كله لمعالجة طبيعة المبدأ الأول. وهو مقالة قصيرة وافية في الميتافيزيقا. يبدأ هرمان بتعريف ماهيات الأشياء؛ وتتوزع هذه الماهيات على خمسة أنواع: العلة والحركة والموضع والزمان والطبع. ويعرض لثلاثة مبادئ: العلة الفاعلة، والعلة الصورية، والعلة المادية. ويُقَسِّم العلة الفاعلة إلى «علة أولى»، و«علة ثانية». والعلة الأولى مطابقة للمحرك الأول عند أرسطو، و«الصانع» Demiurge عند أفلاطون في «تيمايوس»، والإله المسيحي. ويتبع ذلك بأدلة على وجوده: بالوحي، وبالبرهان من تركيب الأشياء وحركتها. وينتهي هذا الجزء بتعريف للحركتين الصادرتين عن المبدأ الأول: الخلق، وهو خلق للمبادئ، وهي مخلوقة من العدم وتنشأ مع بداية الزمان، والكون generation وهو تَكَوُّن الأشياء من المبادئ، وهو مستمر على الدوام حتى اليوم. وفي الكون يستخدم الله أداة، هي «العلة الثانية»، وتبيَّن أنها هي العالم المخلوق ذاته. ويأخذ هرمان الكثير من مصطلحاته وبراهينه من الفصل الأول من كتاب بوئيثيوس «الأريثماطيقا» Arithmetic (مثل تعريف الماهيات)، ومن «المنطق القديم» Vetus Logica. وتذكِّرنا حجَّته القائلة إن العلة الأولى يجب أن تكون علة كل شيء وعقل كل شيء بعبارة شهيرة لأفلاطون في «تيمايوس»، وهي المحاورة التي يؤسس عليها كتابه كلَّه([26]). لكن المدهش في الأمر هو كيفية استخدامه للمصادر العربية في تطوير حججه. فحديثه عن ماهيات خمس يذكِّرنا بالمبادئ الخمسة عند الرازي وأبولونيوس المنحول والكندي([27]). لكن يصرِّح هرمان بمصادر أخرى، أهمُّها «كتاب المدخل الكبير» وهو مقدمة في علم التنجيم لأبي معشر البلخي (787 - 886)، والذي ترجمه هرمان سنة 1140، قبل ثلاث سنوات من تأليفه لكتاب «في الماهيَّات». وقد وصف ريتشارد ليماي Richard Lemay بالتفصيل كيفية استعانة أبي معشر بالفلسفة الأرسطية([28]). لكن لا يذكر أبو معشر أيَّاً من أعمال أرسطو بالاسم، كما لا تطابق عباراته التي يذكرها على لسان «الفيلسوف» أيَّ عبارة لأرسطو، إلا أن أغلب الجزء الأول من كتابه ذي الثمانية أجزاء ممتلئ بالأفكار الأرسطية، مثل صدق علم التنجيم، وطريقة تأثير النجوم على عالم ما تحت فلك القمر، والصور والعناصر والمركبات ونواتجها. وفي تناوله للمبدأ الأول يستشهد هرمان بعبارات لأبي معشر، ومنها أن «علة التكوين سابقة على كل ما هو مُكوَّن»([29]). ويستشهد هرمان في نفس الموضع بعبارة من إحدى مرجعيات أبي معشر([30]).

وكان الجزء المخصص للميتافيزيقا من كتاب هرمان «في الماهيات» مصدراً مهمّاً لكتاب جونديسالفي «في حدوث العالم» On the Procession of the World([31]). ويتناول هذا الكتاب كيفية معرفة الله والطُّرق المختلفة في معرفة كونه علَّة الأشياء والخلق. ونرى فيه استمراراً لطريقة هرمان في الجمع بين المصادر العربية واللاتينية؛ إذ يوظِّف جونديسالفي ترجمات كُلِّفَ آخرون بالقيام بها، من بينهم زملاؤه من طليطلة، لأعمال الفارابي وابن سينا والغزالي وابن جبيرول. وبالإضافة إلى ذلك يتَّضح أن حججه متأثرة بعمل آخر لم يُترجَم إلى اللاتينية، وهو «كتاب العقيدة الرفيعة» لإبراهيم بن داود([32]).

كان إبراهيم بن داود عالماً يهودياً فرَّ من قرطبة إلى طليطلة من اضطهاد الموحدين قبل سنة 1160 بقليل، وهناك كتب في الفلسفة والفلك والتاريخ، بالعربية والعبرية. والمرجَّح أنه هو مَن أطلق عليه اللاتين Avendeuch Israhelita، الذي أرسل خطاباً لأحد رعاته (الذي لم يذكره بالاسم) يعلن فيه نيَّته في ترجمة «الشفاء» لابن سينا، ويضم فيه ترجمة فقرتين على سبيل التجربة. ويبدو أنه نجح في الحصول على رعاية أسقف طليطلة؛ لأننا نراه بعد ذلك يتعاون مع جونديسالفي كبير الشمامسة في ترجمة «كتاب النفس» لابن سينا. كما يمكن أن تعكس النصوص الأخرى التي ترجمها جونديسالفي الجهود العلمية للفلاسفة اليهود في إسبانيا. وهناك كتب سليمان بن جبيرول المتصوف والشاعر اليهودي عمله الهام «ينبوع الحياة» Fons Vitae، في حين كان ابن سينا والغزالي من المصادر الفلسفية الأساسية لابن داود([33]).

وهكذا نرى كيف ظهر برنامجان في الترجمة في إسبانيا، الأول في طليلطة، وتمثَّل في ترجمة أرسطو وشرَّاحه العرب، بدأه جيرار الكريموني. وعكس هذا البرنامج الاهتمام بالفلاسفة العرب في إسبانيا، ومنهم الفارابي الذي وضع شروحه على أرسطو في أواخر القرن التاسع، وتبعتها شروح ابن باجة في القرن الحادي عشر في سرقسطة وابن رشد في أواخر القرن الثاني عشر في قرطبة([34]). أما الثاني؛ فكان برنامج في ترجمة أعمال سينوية، فضَّله العلماء اليهود في إسبانيا الإسلامية، وكان بقيادة جونديسالفي([35]). وكان هناك شيء من التداخل بين هذين البرنامجين، إذ ترجم جيرار وجونديسالفي الأعمال نفسها في كثير من الأحيان، مثل «إحصاء العلوم» للفارابي، و«في التعريفات» لإسحق الإسرائيلي، و«رسالة في العقل» للكندي. وعلاوة على ذلك؛ فقد تأثَّر كلاهما بكتاب الفارابي «إحصاء العلوم»، ومن ثم ترجم جيرار أعمال أرسطو المذكورة فيه، وكتب جونديسالفي على أساسه كتابه «في أقسام الفلسفة» On the Division of Philosophy معتمداً على نص الفارابي بالكامل([36]). لكن حقيقة وجود ترجمتين للعمل الواحد تشير إلى استقلال برنامجي الترجمة. وقد جمع مايكل سكوت بينهما بترجمته لكتاب أرسطو «في النفس» من العربية، وترجمة الجزء الذي يوازيه في علم الحيوان من «الشفاء». واستخدم هرمان الألماني شروح الفارابي وابن رشد، بجانب «الشفاء» لابن سينا، في ترجمته لـ«الخطابة» لأرسطو، وكان هذا الجمع بين برنامجي الترجمة في طليلطة هو ما ميَّز جهود فلاسفة القرن الثالث عشر وما بعده.

القرن الثالث عشر

كانت الحدود بين التعليم العربي والتعليم اللاتيني في القرن الثالث عشر أكثر سيولة من أي عصر آخر. فالذي نراه ليس مجرَّد جداول مائية صغيرة نابعة من دجلة والفرات وتصبُّ لدى اللَّاتين، بل نرى أنهاراً تجري مباشرة وتصب في القنوات اللاتينية وتسيح في سهول رسوبية. وكانت هناك أسباب عديدة لذلك. ففي المقام الأول؛ صارت العربية في إسبانيا لغة الفئات المثقفة في طليطلة ولدى النبلاء، والفضل في ذلك يرجع إلى المستعربين المسيحيين وأثرهم في المستوطنين الجدد الآتين من شمال إسبانيا وما وراءها. وفي المقام الثاني؛ تمَّ تشجيع العلماء العرب في صقلية وجنوب إيطاليا على التفاعل مع اليهود والمسيحيين، بفضل الإمبراطور فريدريك الثاني ونشاط بلاطه. وفي المقام الثالث؛ أظهر الباباوات ولأول مرة اهتماماً فاعلاً بتدعيم العلم في أرقى صوره، سواء في روما أو في فيتربو Viterbo. وأخيراً شهد حوض البحر المتوسط تبادلاً كثيفاً للأفكار أكثر من أي عصر سابق.

وكانت بعض أهم نتائج هذه الأسباب، أن العلماء اللاتين وبدلاً من ترجمتهم الحرفية لنص فلسفي واحد من العربية؛ فقد استخدموا مجموعة كبيرة من النصوص العربية (التي كانوا يقرأونها بالعربية) في تأليف أعمالهم اللاتينية. وقد رأينا أعلاه كيف دعَّم هرمان الألماني ترجمته لكتاب «الخطابة» لأرسطو بترجمات من العربية لشروح على هذا الكتاب؛ لم تكن قد تُرْجِمَت إلى اللاتينية من قبل. وفي الوقت نفسه جمع بيدرو جاليكو Pedro Gallego أسقف قرطجنة (1250 - 1267)، نصّاً في علم الحيوان، استعان فيه بكتابي أرسطو وابن سينا في الموضوع نفسه، كما أضاف فقرات من تلخيص ابن رشد ومن عمل مفقود في أصله العربي لأبي الفرج بن الطيِّب (ت 1043). أما جونزالو بيريز Gonzalo Pérez «جوديل Gudiel» (ت 1299)، فقد كان من سكان إسبانيا المسيحيين المستعربين ويجيد العربية، وكان أسقف بورجوس Burgos وكبير أساقفة طليطلة، وكاردينالاً في روما، وأخيراً أسَّس جامعة «قلعة هيناريس» Alcalá de Henares (1294) وعمل في كل المناصب التي تولَّاها على التوصية بترجمة أجزاء من كتاب «الشفاء»، وجمع الكثير من المخطوطات العربية وترجمات لنصوص عن العربية. وكان يزامله ألفارو من طليطلة Alvaro of Toledo، الذي ترجم نصاً عربياً في علم التنجيم، وكتب شروحاً وتعليقات على ترجمات لاتينية لنصوص عربية في الكوزمولوجيا والتنجيم، تُظْهِر أنه كان يقرأ النصوص العربية مباشرة (وتشمل «تهافت الفلاسفة» للغزالي). وفي الوقت نفسه كان رامون مارتي Ramon Martí (حوالي 1220 - 1285)، يعتمد على طائفة واسعة من النصوص الفلسفية العربية: ففي كتابه «سيف الإيمان» Pugio Fidei يستشهد (بجانب تلك الأعمال المعروفة في اللاتينية) شرح الفارابي لـ«السماع الطبيعي» و«الإشارات والتنبيهات» و«النجاة» لابن سينا، و«الشكوك على جالينوس» للرازي، ومن الغزالي: «تهافت الفلاسفة» و«المنقذ من الضلال» و«ميزان العمل» و«مشكاة الأنوار» و«إحياء علوم الدين» و«كتاب التوبة» و«المقصد الأسنى في أسماء الله الحسنى»، ومن ابن رشد؛ يستشهد بـ«تهافت التهافت» و«الضميمة في العلم الإلهي»([37]). وكذلك كان تلميذه أرنولد الفيلانوفي Arnald of Villanova قارئاً للعربية ومترجِماً لكتاب ابن سينا «دفع المضار الكليَّة عن الأبدان الإنسانية»، وكتاب جالينوس «في خفقان القلب» On Palpitation (De Crepitatione)، ويبدو أنه كان يستعين بنصوص عربية مباشرة في تأليفه لكتبه([38]). والمثال الأبرز على هذه العملية هو ألفونسو العاشر Alfonso X (الحكيم el Sabio)، والذي كان قبل أن يصير ملكاً على ليون وقشتالة، يرعى ترجمات من العربية، وتآليف حول موضوعات مفردة مؤسَّسَة على مجموعة كبيرة من النصوص العربية، إلا أن اهتمامه الأساسي كان بالفلك والتنجيم والسحر ومدوَّنات الفقه الإسلامي، وتشير النصوص الباقية من تراثه إلى اهتمام عارض بالفلسفة، مثل الاستشهاد بقول منسوب لأرسطو في مطلع كتاب عن خصائص الأحجار الكريمة، إذ يقول عن أرسطو: «الأكمل من بين كل الفلاسفة». كما تُرجِم كتاب «سر الأسرار» المنسوب لأرسطو باعتباره نصيحته السياسية للإسكندر إلى القشتالية قبل نهاية القرن الثالث عشر. وربما وصل الكثير من النصوص العربية التي استخدمها ألفونسو العاشر بعد سقوط قرطبة (1236) وإشبيلية (1248)؛ وبادر في إشبيلية بتأسيس مدرسة «عربية لاتينية».

وتُمثِّل ترجمات شروح ابن رشد بوجه خاص ظاهرة أوربية عامَّة. ظهرت شروح ابن رشد كجزء من تيار أرسطي أندلسي، سبق لنا الإشارة إليه عند تناولنا لبرنامج جيرار الكريموني؛ ومن السياق نفسه؛ يأتي البطروجي رافضاً النظام الفلكي لدى بطليموس مُفضِّلاً تفسيراً لحركات الأجسام السماوية أكثر اتِّفاقاً مع فيزياء أرسطو. وبعد وفاة ابن رشد بفترة قصيرة للغاية على نحو مُلْفِت؛ تُرجِمت أعماله من قِبَل علماء مسيحيين ويهود على السواء، تحت رعاية الإمبراطور فريدريك الثاني بصفة أساسية. وقد ترجم مايكل سكوت الذي يقال إنه كان يعرف العبرية والعربية، سلسلة من الأعمال في الكوزمولوجيا، مثل عمل البطروجي وشرح ابن رشد الكبير على «كتاب السماء والعالم» لأرسطو.

وتشهد كتابات ألبرت الكبير بمعرفته بمصادر فلسفية عربية ليس لدينا دلائل على ترجمات لاتينية لها، مثل شروح الفارابي على كتب المنطق والعلم الطبيعي لأرسطو، والتي ربما وصلت لألبرت من عملية اختراق المخطوطات العربية لأوروبا من أماكن عديدة، وكذلك الحال مع زميله الدومينيكاني أرنولد الساكسوني Arnold of Saxony([39]).

وعمل هارالد كيشلات Harald Kischlat على توثيق متكامل لانتشار الأعمال الفلسفية العربية في القرن الثالث عشر([40]). وتتَّضح المكانة العالية للمصادر العربية بالنسبة للفلسفة الغربية من حقيقة أن جيل الرومي Giles of Rome عندما انتقد أخطاء الفلاسفة([41])، فكل مَن ذكرهم كانوا عرباً أو كتبوا فلسفتهم بالعربية (مثل موسى بن ميمون)، باستثناء واحد هو أرسطو نفسه. وحتى مع أرسطو؛ فإن جيل يستخدم ترجمات أعماله من العربية إلى اللاتينية، مثل «الطبيعة» و«ما بعد الطبيعة» و«النفس»؛ إذ استعان بها من الترجمة اللاتينية لشروح ابن رشد على هذه الكتب (كما استخدم الترجمة اللاتينية من الأصل اليوناني لكتاب «الطبيعة»). كما استخدم ترجمة ألفريد الشرشيلي لكتاب «في النبات» De Plantis المنحول على أرسطو.

أعمال شبه فلسفية

قد نعجب عندما نجد من بين الكتب التي يأخذ منها جيل الرومي أخطاء الفلاسفة كتاباً عنوانه «في نظرية فنون السحر» On the Theory of the Magic Arts (De Theorica Artium Magicarum)، لكن ما علاقة السحر بالفلسفة؟ لقد نُسِبَ الكتاب للكندي «فيلسوف العرب»، رغم أن الكندي لم يكن معروفاً لدى اللاتين على أنه «فيلسوف العرب» كما لم يُعْثَر على كتاب له في «فنون السحر» بالعربية. لكن حضور نظريات هذا الكتاب([42]) من بين «أخطاء الفلاسفة» التي يذكرها جيل الرومي؛ تُنَبِّهنا على وجود مسالك من الفكر الفلسفي وصلت لغرب أوربا لا من الخط المشائي الرئيس ولا من الخط السينوي. ويجب أن نعي بأن مفهومنا عن الفلسفة philosophy يختلف عن مفهوم العصور الوسطى عنها philosophia، والتي لم تكن تصوراً مُحدَّداً ثابتاً. فقد شهدت ترحيلاً من الإشارة إلى الفنون الحرة السبعة لدى العلماء اللاتين، إلى الإشارة إلى «فلسفات ثلاث» (الفلسفة الأخلاقية والفلسفة الطبيعية والفلسفة الأولى أو الميتافيزيقا) في الفترة الإسكولائية. يصف جونديسالفي في عملين له (من بينهما ترجمته لكتاب «في نشأة العلوم») «الأقسام الخاصة للفلسفة الطبيعية» باعتبارها «أحكام النجوم، والطب، والعرافة، والطلسمات، والزراعة، والملاحة، والخيمياء، وعلم المناظير»، وهي معارف مما يصعب علينا اعتبارها فروعاً للفلسفة. ورغم ذلك؛ فيجب أن نأخذ في اعتبارنا أن الأفكار الفلسفية العربية قد انتقلت لِلَّاتين عبر نصوص في هذه المعارف ذاتها، حتى ولو لم تُدْرَج في برنامج التعليم الفلسفي في الجامعات. وقد اتَّضح للباحثين مدى اعتماد أبي معشر على أعمال أرسطو في الفلسفة الطبيعية وفي المنطق، كما تعدُّ الفصول السبعة الأولى من «كتاب المواليد الكبير» لِما شاء الله بن أثري اليهودي (عاش حوالي 198هـ/814م)، عرضاً للفيزياء السماوية. كما كان الطب الذي وصفه إزيدور Isidore على أنه «الفلسفة الثانية» معبَراً للأفكار الفلسفية، خاصة ما يتعلق منها بعناصر البدن وبالأخلاق. أما «السحر الطبيعي» الذي ربما قصد منه جونديسالفي فن تسخير القوى السحرية للطبيعة، خاصة عن طريق الطلسمات (وهو القسم التالي من كتابه)؛ فقد لجأ لسلطة أفلاطون وأرسطو، وكَيَّف عبارات أرسطو في العلاقة بين النفس والبدن لتناسب القوة السحرية التي يحوزها الطلسم([43]). ولم يظهر تأثير التعليم العربي في مجالي الزراعة والملاحة إلا في وقت لاحق، لكن مثلت الخيمياء مجالاً خصباً لجذب المؤثرات العربية. ويشمل هذا المجال كتاب «في النفس» منحول على ابن سينا وما يحويه من فلسفة هرمسية في ترابط كل أجزاء الكون، ومن نظرة بيولوجية لعملية تكوين الأشياء، والتي تتضمن في كل مرحلة خليطاً من المبادئ الذكورية والأنثوية، وهو ما ظهر تأثيره في ترجمة هوجو السنتاليHugo of Santalla للكتاب المنحول على أبولونيوس «في أسرار الخلق». وأخيراً؛ عمل علم المناظير وهو الذي يبحث في «كيفية رؤية الأشياء»، باعتباره نقطة جذب للمؤثرات العربية، وكان أول دخوله للغرب اللاتيني عن طريق الترجمة اللاتينية لكتاب الفارابي «إحصاء العلوم»، وجمع بين الرياضيات والفيزياء والطب، وتُرجم إلى اللاتينية منه كذلك كتاب «المناظر» للحسن بن الهيثم من مترجم مجهول، وبدأ تراثاً في الكتابة في علم المناظر شغل بعضاً من أفضل علماء الغرب اللاتيني مثل وتيلو Witelo وجون بيكهام John Peckham وروجر بيكون Roger Bacon.

ترجمات الأعمال الفلسفية العربية في العصور الوسطى المتأخرة وعصر النهضة*

استمرت الترجمات اللاتينية للأعمال العربية خلال القرن الرابع عشر. ومن بينها كتاب الحسن بن الهيثم «المقالة في هيئة العالم»**، والذي لم يبقَ منه إلا مخطوط واحد فقط في طليطلة (Madrid, Biblioteca nacional, MS. 10059)، و«تهافت التهافت» لابن رشد، وترجمه مترجم كان يشار إليه باسم «قالو اليهودي» Calo the Jew وقالونيموس الناسي Calonymos ha-Nasi بطلب من روبرت الأنجوي Robert of Anjou ملك نابولي في 1328. وفي الوقت نفسه الذي كان يترجم فيه قالو كتاب ابن رشد من العربية إلى اللاتينية؛ كان هناك مترجم آخَر هو قالونيموس بن قالونيموس (والذي ربما كان هو الشخص نفسه) يترجم مجموعة كبيرة من النصوص العلمية والفلسفية من العربية إلى العبرية، وبعد ذلك الوقت كان هناك تحول من الترجمة «العربية - اللاتينية»، إلى ترجمة «عبرية-لاتينية» لأعمال عربية مترجمة إلى العبرية.

قام العلماء اليهود منذ فترة مبكرة بدور هام في تقديم وشرح النصوص العربية من أجل العلماء المسيحيين الذين يكتبون باللاتينية. وقد رأينا فيما سبق أهمية إبراهيم ابن داود والتراث الفلسفي العبري في الأندلس بالنسبة لجونديسالفي. وقد عبر ألفرد الشرشيلي عن مبلغ ما يدين به لسليمان بن جبيرول، ووجه روجر بيكون انتقاداً لمايكل سكوت لعدم معرفته بلغة مصادره العربية واعتماده على يهودي متنصِّر يُسمَّى «أندرو» Andrew (ونحن نعلم أنه استعان بخدمات يهودي يدعى أبوتيوس Abuteus في ترجمته للبطروجي).

وكجزء من تيار النزعة الإنسانية في القرن الخامس عشر وما بعده؛ عاد العلماء إلى المصادر اليونانية والعربية، لاكتشاف النصوص التي لم تترجم من قبل إلى اللاتينية، ولتجويد الترجمات السابقة من العصر الوسيط المتأخر (والتي نظروا إليها على أنها كانت في لاتينية بربرية barbarous Latin). وبذلك قام أندريا ألباجو Andrea Alpago بمراجعة ترجمة جيرار الكريموني لكتاب «القانون» لابن سينا، بمقارنة الترجمة بمخطوطات عربية من دمشق، كما ترجم في الوقت نفسه عدداً من نصوص ابن سينا التي لم تكن قد تُرْجِمَت من قبل. وأُولِيَ اهتمام خاص بأعمال ابن رشد، لكن توجه العلماء في هذه الحالة للترجمات العبرية لأعماله. وقد تُرْجِم ما لا يقل عن ثمانية وثلاثين من شروح ابن رشد إلى العبرية منذ أوائل القرن الثالث عشر، وكتب علماء يهود مثل ليفي بن جرشوم (جرسونيدس) شروحاً على بعض شروح ابن رشد. وترجع أسباب ترجمة أعمال ابن رشد من العبرية إلى اللاتينية إلى ثلاث حقائق: الأولى أن العلماء المسيحيين في عصر النهضة كانوا يعرفون العبرية أكثر من العربية، نظراً لاهتمامهم بدراسات الكتاب المقدس وبالقبالة اليهودية (تيار من التصوف اليهودي)؛ والثانية أن العلماء اليهود كانوا متاحين في الغرب اللاتيني ذلك العصر، خاصة بعد طرد اليهود من إسبانيا سنة 1492؛ والثالثة؛ أنه قد نُظِرَ إلى العبرية على أنها قريبة من العربية إلى درجة الاعتقاد في أنه لم يكن هناك فرق كبير بين ما إذا كان العمل مترجماً من العبرية أو من العربية([44]).

وكان أغلب الترجمات من العبرية إلى اللاتينية من عمل مترجمين يهود، وكان أشهرهم وأنشطهم هو يعقوب مانتينو Jacob Mantino (ت 1549). فقد كلَّفه المحرِّرون الطَّموحون الذين نشروا أعمال أرسطو الكاملة بشروح ابن رشد عليها في إحدى عشر مجلداً بين 1550 و1552 لدى الأخوان جيونتا Giunta brothers في البندقية بمراجعة ترجمات قديمة لشروح ابن رشد وتزويد النشرة بشروح جديدة. أضافت نشرة جيونتا مزيداً من الأعمال الفلسفية العربية، تضم رسائل في المنطق لم يتم التعرف على مؤلفيها. لكن نُشِرَت هذه الطبعة الكاملة بشروحات ابن رشد في وقت كانت فيه أوروبا تشهد ميلاد تيارين فكريين؛ الأول هو دراسة النصوص ونشرها في لغتها الأصلية؛ ما أدى إلى إنشاء جيوفان باتيستا رايموندي Giovan Battista Raimondi لمطبعة عربية في روما سنة 1584. والثاني هو انفصال دراسة النصوص العربية عن التعليم الأكاديمي الأوروبي. فابتداءً من منتصف القرن السادس عشر على الأقل؛ اعتاد دارسو الفلسفة في غرب أوربا، وخاصة المشَّائية منها، على استخدام أعمال ابن سينا والغزالي وابن رشد [المترجمة إلى اللاتينية] كجزء أساسي من برنامجهم الدراسي. أما العربية، فقد خُصِّصَ لها كراسي أستاذية في الجامعات الأوروبية خلال القرن السادس عشر، وتم تأسيس تخصُّص الدراسات الاستشراقية. لكن هذا التحول الذي شهدته العربية إلى تخصص أكاديمي كان علامة على انتهاء العصر الذي كانت فيه الفلسفة العربية جزءاً من نسيج التراث الفكري الأوربي.

([1]) Adelard of Bath, Questions on Natural Science, in Adelard of Bath, Conversations with his Nephew, ed. and trans. C. Burnett (Cambridge: 1998), 82–3 and 90–1؛ ويحوي الكتاب إحالات على الدراسات العربية. ويخبرنا أديلار أن «شيخاً» senex من طرسوس برهن له عملياً على أن الجسم الإنساني مكوَّن من شبكة من الأعصاب والخلايا الدموية (ibid., 122–3).

([2]) Preface to the fourth book of the Liber Mamonis, ed. in C. Burnett, “Antioch as a Link between Arabic and Latin Culture in the Twelfth and Thirteenth Centuries,” in A. Tihon, I. Draelants, and B. van den Abeele (eds.), Occident et Proche-Orient: contacts scientifiques au temps des croisades (Louvain-la-Neuve: 2000), 1–78 (see 56).

([3]) H. Suter,Beiträge zur Geschichte der Mathematik bei den Griechen und Arabern (Erlangen: 1922), 7–8. وقد درست علاقة فريدريك الشخصية بالمعلمين العرب في، C. Burnett, “The ‘Sons of Averroes with the Emperor Frederick’ and theTransmission of the PhilosophicalWorks by Ibn Rushd,” in Aertsen and Endress [134] , 259–99.

([4]) M.-T. d’Alverny, “Avicenne et les Médecins de Venise,” Medioevo e Rinascimento: studi in onore di Bruno Nardi (Florence, 1955), 177–98 (see 185).

* وهي الكتب التي تضع أفكار الفلاسفة تاريخياً مثل «مقالات الإسلاميين» للأشعري و«الملل والنحل» للشهرستاني.

** وهي الرسالة التي يذكرها أحمد فؤاد الأهواني وأنها مفقودة في العربية وباقية باللاتينية: أحمد فؤاد الأهواني، الكندي فيلسوف العرب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة، بدون تاريخ، ص84

([5]) See O. Gutman, “On the Fringes of the Corpus Aristotelicum: The Pseudo-Avicenna Liber Celi et Mundi,” Early Science and Medicine 2 (1997), 109–28

* انظر في ذلك دراسة جورج صليبا، الذي أوضح أن اللاتين في ترجمتهم لعنوان كتاب «الشفاء» بـ«الكافي» Sufficientia، وليس Healing كما يترجم حالياً، أو Cure في بعض الحالات، كانوا على قدر عال من الحساسية والتفهم للعربية، وعبروا بذلك عن عمق فهمهم لغرض كتاب ابن سينا: Saliba, G. (2017). Avicenna’s Shifāʾ (Sufficientia): in Defense of Medieval Latin Translators. Der Islam, 94(2), pp. 423-433

([6]) كثيراً ما يخطئ دارسو الفلسفة الغربيون عندما يطلقون على كتاب «الشفاء» شرحاً على أرسطو، فهو ليس كذلك، ولم يشر ابن سينا أبداً إليه على أنه شرح، بل يصف كتابه على أنه عمل شامل في الفلسفة المشائية بالترتيب الذي ارتآه مناسباً. ولا تُذْكَر صلة الكتاب بأعمال أرسطو إلا في مقدمة المترجم اللاتيني لكتاب النفس منه، حيث يقول: «جمع المؤلف... أقوال أرسطو في كتب "النفس" و"الحاس والمحسوس" و"العقل والمعقول"». انظر Hasse [251] , 1 and 6.

** حنين بن إسحق، آداب الفلاسفة، اختصره محمَّد بن علي بن إبراهيم بن أحمد بن محمَّد الأنصاري، حققه وقدم له وعلق عليه عبد الرحمن بدوي، منشورات معهد المخطوطات العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الكويت، 1985.

([7]) See C. Burnett, “Physics before the Physics: Early Translations from Arabic of Texts Concerning Nature in MSS British Library, Additional 22719 and Cotton Galba E IV,” Medioevo 27 (2002), 53–109.يحتوي العمل الأخير على فحص في الآثار السحرية لعلم الطلسمات

[الترجمة اللاتينية لكتاب قسطا منشورة في: Riddle, John M.; Wilcox, Judith, Qustā Ibn Lūqā's Physical Ligatures and the Recognition of the Placebo Effect, Medieval Encounters, 1, 1995. (المترجم)].

([8]) انظر D. Elford, “William of Conches,” in A History of Twelfth-Century Western Philosophy, ed. P. Dronke (Cambridge: 1988) , 308–27. وكانت معالجة العناصر في بداية كتاب علي بن العباس هامة للغاية في هذا السياق.

([9]) لا تزال أوفى مناقشة لهذه العملية في الترجمة هي دراسات لورنزو مينيو بالويلو، المجموعة في، Lorenzo Minio Paluello, Opuscula: The Latin Aristotle (Amsterdam: 1972).

([10]) قمتُ بتحقيق ومناقشة هذه القائمة في، Burnett [245]

([11]) اتبعتُ في الفقرة التالية ترتيب تلاميذه لأعماله الذي ربما لا يطابق الترتيب الزمني لتأليفه.

* منشور في، عبد الرحمن بدوي، الأفلاطونية المحدثة عند العرب، الكويت، وكالة المطبوعات، 1977

([12]) لافتراض حديث حول أصل هذا الكتاب، انظر، M. Zonta, “L’autore del De Causis pseudo-aristotelico: una nuova ipotesi,” in R. B. Finazzi and A. Valvo (eds.), La diffusione dell’eredita` classica nell’eta` tardoantica e medievale: il “Romanzo di Alessandro” e altri scritti (Alessandria: 1998), 323–30.

([13]) تم جمع المقالات الأربع من «الآثار العلوية» مع هذين الفصلين (ثلاثة فصول في اللاتينية)، ودعَّم ألفريد كل ذلك بشرح، مما يدل على أنه هو القائم بهذا الجمع.

([14]) يشمل المجموع العربي «تكوين الحيوان» Generation of Animals و«أجزاء الحيوان» Parts of Animals، و«تاريخ الحيوان» History of Animals، لكن ليس العملين القصيرين اللذين يكملان المجموعة اليونانية.

([15]) حول هذه التعليقات انظر، J. K. Otte, Alfred of Sareshel: Commentary on the Metheora of Aristotle (Leiden: 1988); G. Freibergs (ed.), Aspectus et Effectus: Festschrift for Richard Dales (New York: 1993), 105–11; and R. French, “Teaching Meteorology in Thirteenth-Century Oxford: The Arabic Paraphrase,” Physis 36 (1999), 99–129

([16]) ظهرت هذه الترجمات من العربية إلى اللاتينية لنصوص أرسطو في هامش الترجمات من اليونانية إلى اللاتينية لنفس النصوص، خاصة في كتب العلم الطبيعي Libri Naturales.

* المتن الأقدم Corpus Vetustius والمتن الأحدث Corpus Recentius، هما فئتان من وضع الباحثين المعاصرين في تصنيف مخطوطات أرسطو في العصور الوسطى.

([17]) الملاحظ أن ألبرت الكبير يذكر «ترجمة أقدم» vetus translation وترجمة أحدث nova translatio، ولا يشير إلى ترجمة عن اليونانية Graeca interpretation وترجمة عن العربية Saracenica interpretation.

([18]) Cf. Abu Muhammad ‘Abdallah ibn Rushd (the son of Averroes), On the Conjunction, (2): «وهذا المطلب هو الذي كان وعد به الحكيم في كتاب النفس، ولم يصل إلينا قوله في ذلك»

C. Burnett, “The ‘Sons of Averroes,’” 287. وانظر الفصل التاسع من هذا الكتاب

[الرسالة المقصودة هي: «هل يتصل بالعقل الهيولاني العقل الفعال وهو متلبس بالجسم؟»، في أحمد فؤاد الأهواني، تلخيص كتاب النفس لابن رشد، سبق ذكره، ص119. (المترجم)].

([19]) See Davidson [208].

([20]) Hasse [251], 127–53.

([21]) وفي نفس ذلك الوقت أعد مترجم آخر ترجمة أخرى من اليونانية، معروفة باسم «الترجمة المجهولة» Translatio Anonyma، أو «الميتافيزيقا الوسطى» Metaphysica Media، وقد اقترحت في دراسة أخرى أنها من عمل مجموعة من المترجمين على صلة بأنطاكيا، لم تكن جهودهم ذات أثر كبير. انظر، C. Burnett, “A Note on the Origins of the Physica Vaticana and the Metaphysica Media,” in R. Beyers et al. (eds.),Tradition et traduction: les textes philosophiques et scientifiques grecs au moyen âge latin. Hommage a` Fernand Bossier (Leuven: 1999), 59–69.

([22]) G. Vuillemin-Diem, Metaphysica lib. I–XIV, Recensio et Translatio Guillelmi de Moerbeka, 2 vols. (Leiden: 1995).

([23]) ونُسِخَ في مخطوطة إنجليزية قبل سنة 1200 (MS. Oxford, Selden supra 24)، وكان يعرفها ألكسندر نيكوام Alexander Nequam في نفس ذلك الوقت.

* «مبدأ المبادئ» هو تعبير أفلاطوني محدث، انتقل إلى أوربا بتأثير الأفلاطونية المحدثة الإسلامية (الفارابي) وكتاب بروقلس «عناصر الثيولوجيا» المترجم للعربية بعنوان «الإيضاح في الخير المحض» والمترجم بدوره من العربية إلى اللاتينية بعنوان De Causis.

([24]) Adelard, Questiones Naturales, 226: de NOY, de hyle, de simplicibus formis, de puris elementis ... de initio vel initiis.

([25]) وضع هرمان مبادئ مذهبه الميتافيزيقي فيDe Essentiis, 58vB–60rE (ed. C. Burnett [Leiden: 1982] , 76–88)؛ لكنه عالج موضوعات علمية خلال العمل كله.

([26]) Omne autem quod gignitur ex causa aliqua necessario gignitur; nihil enim fit cuius ortum non legitima causa et ratio praecedat (Plato, Timaeus, 28A).

[كل ما يأتي إلى الوجود هو بعلة ما فاعلة لوجوده ضرورةً، فمحال أن يأتي شيء للوجود دون علة. (المترجم)]

([27]) ترجم جيرار الكيموني رسالة الكندي «في الماهيات الخمس» De Quinque Essentiis، لكنه استبدل «الطبع» بـ«المادة».

([28]) R. Lemay, Abu Ma‘shar and Latin Aristotelianism in the Twelfth Century (Beirut: 1962). ولتحليل أحدث لمواقف أبي معشر الفلسفية، انظر، P. Adamson, “Abū Ma‘shar, al-Kindī and the Philosophical Defense of Astrology,” Recherches de philosophie et th´eologie m´edi ´evales 69 (2002) , 245–70.

([29]) Omni quoque genito causa genitrix antiquior (Hermann of Carinthia, De Essentiis, 80). This phrase is attributed to “the Philosopher” in bk. 1, ch. 4 of Abū Ma‘shar’s Great Introduction, ed. R. Lemay, 9 vols. (Naples: 1995–6), vol. II, 39 (Arabic) and vol. VIII, 12 (Hermann’s translation).

([30]) Sic enim apud Hermetem Persam: forma quidem ornatus est materie; materia vero forme necessitas: cf. bk. V, ch. 4 of Abu¯ Ma‘shar, Great Introduction, vol. I, 313, and vol. VIII, 76

[لم أعثر على المقابل التام في الأصل العربي، ويبدو أن الترجمة اللاتينية مختلفة عن الأصل، إلا أن أقرب نص وجدته في الأصل هو الآتي: «ولا قوام للمادة بلا صورة، ولا تظهر الصورة شيئاً بلا مادة، والمادة مضطرة إلى الصورة، والصورة هي التي تترأس على الطبيعة». أبو معشر البلخي، كتاب المدخل الكبير إلى علم أحكام النجوم. Yamamoto †, Keiji, and Charles Burnett. The Great Introduction to Astrology by Abū Maʿšar (2 vols.). Leiden, The Netherlands: Brill, 2019، ص454 – 456 (المترجم)].

([31]) Dominicus Gundissalinus, The Procession of the World (De Processione Mundi), trans. J. A. Laumakis (Milwaukee: 2002).

([32]) M. Alonso, “Las fuentes literarias de Domingo Gundisalvo,” Al- Andalus 11 (1946), 159–73; Laumakis (see previous note), 14–15

([33]) كان «كتاب العلل» Liber de Causis يُنْسَب لابن داود في أقدم مخطوطاته (Oxford, Selden supra 24)، وكان يهود إسبانيا يستشهدون بأصله العربي دوماً (بما فيهم ابن جبيرول): انظر، R. Taylor, “The Kalam fı Mahd al-Khair (Liber de Causis) in the Islamic Philosophical Milieu,” in Kraye, Ryan, and Schmitt [60] , 37–52, at 41.

([34]) See D. Gutas, “Aspects of Literary Form in Arabic Logical Works,” in Burnett [50], 54–5

([35]) M. Zonta, “Avicenna in Medieval Jewish Philosophy,” in Janssens and de Smet [97], 267–79, at 267–9؛ يبرز زونتا اعتماد علماء اليهود الأندلسيون منذ منتصف القرن الثاني عشر على أعمال ابن سينا والغزالي، مثل يهوذا اللاوي ويوسف بن صديق، وإبراهيم بن داود بصفة أساسية.

([36]) والمرجَّح أن الفضل يرجع إلى جونديسالفي في ترجمة كتاب الفارابي «التنبيه على سبيل السعادة» وهو دعوة لدراسة الفلسفة، والذي يذكر جونديسالفي غرضه الأساسي في الفقرة الأولى من كتابه «في أقسام الفلسفة»: «فالحكمة تشمل كل العلوم، سواء التي تهدي نفس الإنسان لمعرفة الحق، أو التي تحثه على محبة الخير، وكلها من علوم الفلسفة» (ed. L. Baur, Beiträge zur Geschichte der Philosophie des Mittelalters, vol. IV, parts 2–3 [Münster: 1903] , 5). ولأهمية جونديسالفي بعامة، انظر A. Fidora, Die Wissenschaftstheorie des Dominicus Gundissalinus (Berlin: 2003)

([37]) A. Cortabarria, “La connaissance de textes arabes chez Raymond Martin O.P. et sa position en face de l’Islam,” Cahiers de Fanjeaux 18 (1983), 279–300

([38]) J. Paniagua, Studia Arnaldiana (Barcelona: 1994), 319–34

([39]) I. Draelents, “Arnold de Saxe,” Bulletin de philosophie médiévale 34 (1992), 164–80, and 35 (1993), 130–49

([40]) Kischlat [252].

([41]) Giles of Rome, Errores Philosophorum: Critical Text with Notes and Introduction, ed. J. Koch, trans. J. O. Riedl (Milwaukee: 1944); written ca. 1270, according to Koch.

([42]) تضم هذه النظريات: «يعتمد المستقبل ببساطة وبغير تكييف على حالة الأجسام السماوية»؛ «كل شيء يحدث بضرورة»؛ «الانسجام السماوي وحده هو سبب حدوث الأشياء بانتظام»؛ «الصورة التي في الذهن تُسَبِّب حدوث أشياء خارج الذهن»؛ «الصلوات الموجهة لله وللكائنات الروحية بها فاعلية طبيعية لجلب الخير وتجنب الشر».

([43]) See Picatrix, ed. D. Pingree (London: 1986), I.v.36.

* للمزيد حول هذا الموضوع، انظر دراسة داج نيوكولاوس هاسه، Dag Nikolaus Hasse, Success and Suppression: Arabic Sciences and Philosophy in the Renaissance, Harvard University Press, Cambridge, MA/London, 2016

** الحسن بن الهيثم، المقالة في هيئة العالم، حققها ونشرها إسحق صفي لنغرمان، شركة غرلند، نيويورك ولندن، 1990

([44]) عالجت هذه النقاط بشواهد في: C. Burnett, “The Second Revelation of Arabic Philosophy and Science: 1492–1562,” in C. Burnett and A. Contadini (eds.),Islam and the Italian Renaissance (London: 1999), 185–98