وهم المعرفة وأخطاء التفكير: لماذا تفشل عقولنا في إدراك العالم؟


فئة :  مقالات

وهم المعرفة وأخطاء التفكير:  لماذا تفشل عقولنا في إدراك العالم؟

وهم المعرفة وأخطاء التفكير:

لماذا تفشل عقولنا في إدراك العالم؟

إن العالم الذي نعيشه اليوم غاية في التعقيد، فهو يحتوي على شبكة واسعة ودقيقة لا يمكن للفهم البشري الخارجي أن يلم به بصورة كافية ومفصلة.

يمكننا أن نطلق على المجتمع الذي نعيش فيه في عصر الثورة التكنولوجية والرقمية بأنه مجتمع المعرفة بامتياز، لكن أي معرفة تلك التي نقصدها؟

حتما ًنحن لا نقصد المعرفة التي تشمل العلم والفلسفة والاقتصاد والفن وغيرها من الجوانب التي اعتدنا على أن نصنفها في أذهاننا ضمن الحقل المعرفي السائد.

إن المعرفة في عصرنا الحديث تشمل كل ما يمكن أن يشكل البنى الخفية التي يقوم عليها العالم، ابتداءً من أكبر الأنظمة في علم والكونيات وشبكات الانترنت وانتهاءً بأصغر الأشياء وأبسطها في حياتنا اليومية.

لقد شيّد الإنسان عالما ًمرعبا ًومجهولا ًمن الحضارة دون أن تكون لديه أدنى فكرة عن طبيعة الأشياء التي تحيط به وتتحكم في كيفية وجوده.

فنحن نعيش في عالم تتوفر فيه المعرفة في كل ما حولنا، لكن أبسط خلل يتعرض له أي نظام يؤثر في وجودنا، سيجعلنا نصاب بالارتباك والفوضى، وفي بعض الأحيان قد نتعرض إلى أزمات كارثية تهدد حياتنا وحياة من حولنا.

قد تقودنا هذه الفكرة إلى منطق جدلي آخر يتعلق بالحضارة ومصير الإنسان، فكلما ازداد التقدم الحضاري وتطويع الطبيعة لصالح الجنس البشري، أصبح الإنسان أكثر راحة وكسلاً، وبالتالي أكثر اعتمادا ًفي نمط حياته على البيئة وعلى الأشخاص الآخرين، الأمر الذي جعله يفقد كثيرا ً من مهاراته اليدوية الأساسية، تلك المهارات التي تكونت في نمط قاس من الحياة، حيث لا شيء سوى الوجود العاري والرغبة الحقيقية في البقاء.

وهم المعرفة

إن وهم المعرفة لا ينشأ من الجهل، لكنه وليد المعرفة، لذلك يقول عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ:.."إن وهم المعرفة أخطر من الجهل"، لكن ما هي العوامل المحفزة على انتاج الوهم المعرفي، وكيف ينشأ وهم المعرفة عند الإنسان؟

إن المعرفة قبل كل شيء يجب أن تكون مقرونة بالممارسة والتجربة، وليست مجرد ضوضاء يعج بها الدماغ، فالعالم االفيزيائي الذي خبر الذرة تجريبياً وراقب حركة الالكترونات حول النواة يختلف كليا ً عن الشخص الذي يمتلك معلومات مجردة عن الذرة، ولم يختبرها عملياً بنفسه. إذن يمكننا القول إن وهم المعرفة ينشأ: أولاً من حقائق وبديهيات حفظناها، وأصبحت شبه عادة ملازمة لنا في الكلام والآراء وطريقة التفكير، ثانياً من فائض القدرة المعرفية التي يتمتع بها خبراء في مجال معين ومن الثقة المفرطة في تلك المعلومات، فيرون أن الأفراد الآخرين ليسوا بالمستوى المطلوب من الخبرة للفهم، لذلك يبالغ الخبراء في تقديرهم لمعارفهم عندما لا يكون هناك مساحة للمشاركة المعرفية مع الآخرين.

في كتاب "وهم المعرفة"(*) يشير الأكاديميان الأمريكيان ستيفن سلومان، وفيليب فيرنباخ إلى أننا جميعا ًلدينا تقدير مبالغ في حجم معرفتنا للعالم، واننا نعتمد على معرفتنا المخزنة في أدمغتنا وذاكرتنا بوصفها معرفة كلية. فنحن نعتمد على معرفة مجردة غامضة وغير محللة، لذلك فقد نكتفي في معظم الموضوعات بربط أجزاء مجردة من المعلومات، لكن ما نعرفه لا يزيد شعورنا بالفهم، لذلك فإن المعرفة ليست في أذهاننا فقط، إنها في مكان آخر، في الأجساد والأشخاص والبيئة، كل هذه الأمور مجتمعة هي التي تحدد نمط المعرفة.

يشمل وهم المعرفة العديد من الأخطاء التي تسود واقعنا الفعلي، والكثير من المشاكل التي يقع بها الأفراد داخل المجتمعات، وينسحب هذا على الكثير من القضايا السياسية والدينية والتاريخية، وما تروج له وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

عادة ما يكون الإنسان ضحية لمعتقدات خاطئة وأحكام مسبقة، وغيرها من الأمور التي تساهم في تكوين الفهم السطحي، إضافة لما تلعبه اللغة من دور مراوغ وخادع في الكثير من هذه القضايا والإشكالات. كما أن بعض الناس يصبحون أكثر تطرفاً في المعرفة والأمور الأخرى عند مناقشة رأي تشترك به جماعة معينة، فنحن كأفراد عادة لا نرهق أنفسنا بالتفكير، ولا نذهب بالمعرفة إلى مدياتها البعيدة، لذلك يبقى واقع الشيء في ذاته وجوهره السببي غائباً عنا تماما ً.

إن أبسط الأشياء الظاهرة تتطلب شبكات معقدة من المعرفة لتصنيعها واستخدامها كأنظمة الملاحة وأجزاء السيارات وغيرها من الأجهزة التكنولوجية، كذلك العالم الطبيعي يشتمل على درجة من التعقيد عندما نلقي نظرة فاحصة على الصخور والمعادن والأشجار، ويتضاعف هذا التعقيد مع الكائنات المجهرية لدقيقة والكائنات المتعددة الخلايا، إضافة لما تحتويه أجسادنا وأجهزتنا العصبية من أنسجة وخلايا، فكلها تعتمد في تكوينها وعملها على بنى وأجزاء لا مرئية.

ربما قد نستدل بعض الشيء إلى أن الأحداث الكبيرة وما يصاحبها من فوضى ودمار، قد يكون مسببه شيء بسيط غالبا ًوربما غير معروف أو لا مرئي، فجميعنا يعرف النظرية الرمزية لأثر الفراشة، والتي تقول إن تحريك فراشة لجناحيها قد يسبب دمارا ً في مكان آخر من هذا العالم.

فقد تنتج الفروق الصغيرة لنظام ديناميكي فروقات كبيرة لهذا النظام على المدى البعيد، فالحدث البسيط قد يولد سلسلة من النتائج والتطورات المضاعفة في أماكن أبعد.

لذلك قد لا يبدو الأمر مستغربا ًعندما نرى أن بعض الأحداث المحركة للتاريخ تكمن في أسباب ساذجة وسطحية، وربما مضحكة جداً.

آليات التفكير ..والتفكير السببي

وفقا ًللفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، فإن مبدأ السببية هو أحد أهم المقولات التي تحكم العقل، إضافة إلى مقولات أخرى كالزمان والمكان، لكن السببية قد تفقد مشروعيتها خارج الوجود الإنساني، ويكون واقعها محكوماً بحدود العقل، ولهذا فإن أحد أهم طرائقنا في التفكير، هو التفكير السببي الذي يقودنا إلى مجموعة من الاستدلالات والنتائج طالما أعطينا للأحداث والمسببات معنى بشري لعقولنا، فالنماذج السببية هي طريقة تفكير الإنسانية وتأملها في العالم.

إن التفكير السببي هو خاصية نحتاجها لتدبر أمورنا وحياتنا اليومية، إلا أن التفكير السببي عادة ما يعتمد على فهم سطحي خارج نموذج معرفتنا، لذلك فعادة ما نتوقف عن التحليل السببي العميق عند نقطة معينة نمتنع فيها عن الدراسة المتأنية والبطيئة لاستخلاص النتائج، وعادة ما يقودنا تفكيرنا السببي إلى إسقاطات ذاتية تحجبنا عن المعرفة الحقيقية الموجودة خارج أذهاننا.

لكن لماذا نفكر، وأين تكمن وظيفة الفكر؟

قد نفكر لنخلق صورة مثالية للعالم في أذهاننا، أو نفكر من أجل أن تكون اللغة ممكنة في التواصل مع الآخرين، أو لحل المشكلات واتخاذ القرارات، كل تلك الأمور صائبة، لكن قد يؤدي الفكر وظيفة أعمق وأكبر وهي إنتاج الفعل والقدرة على التصرف بفاعلية ضمن أهدافنا التي تخرجنا من نطاق الفردانية إلى المجتمع.

نحن نعيش الآن في مجتمع المعرفة، لكن أغلب معرفتنا هي ساذجة ومتوافقة مع تجربتنا بشكل مباشر، ولكي نكون منخرطين في مجتمع المعرفة علينا التعامل بسلاسة في الفصل والتعامل بين المعلومات الموجودة في ذاكرتنا وأدمغتنا وتلك التي في خارجها، واعتبارها امتداد لما هو موجود في داخلنا، لأن طبيعة الفكر تكمن في الاستفادة من المعرفة بسلاسة حينما أمكن العثور عليها.

وبناءً عليه، فنحن لا نفكر فقط بواسطة الدماغ، وإنما بواسطة العقل، وهذا العقل يشمل الجسد والبيئة والأشخاص الآخرين وحتى التكنولوجيا التي أصبحت امتدادا ًلأجسادنا وطريقتنا في العيش والتفكير.

تاريخ الدماغ والعقل الاجتماعي

يخبرنا تاريخ الجنس البشري الحديث للإنسان العاقل (هومو سابينس)، أن البشر قد طوروا نظاما ًاجتماعيا ًفي فترة من الفترات، وكان هذا النظام الاجتماعي مصاحبا ً للقفزة المعرفية وللتطور الهائل للدماغ مقارنة بأسلافنا الأوائل، فكتلة دماغ الإنسان الحديث تبلغ حوالي ثلاثة أضعاف كتلة أدمغة أسلافنا، الذي أدى إلى ظهور القشرة الدماغية التي استحوذت على وظائف المراكز السفلى، وتُدعى هذه العملية بالتدمغ، والتي أصبح فيها الإنسان ذكيا ًللغاية وبسرعة قياسية، ومن أهم أسباب هذا الذكاء هو تطوير بعض المهارات الفردية في البحث عن الطعام والتعامل مع البيئة، إضافة إلى ظهور فكرة التنسيق بين أنظمة معرفية متعددة، سعيا ًلخلق أهداف معقدة ومشتركة وأبرز مثال على ذلك هو حالة الصيد الجماعي.

فالدماغ الاجتماعي قد بدأ في تلك الفترة لدعم المهارات اللازمة وتوفير القدرات المعرفية للعيش في المجتمع، الأمر الذي أدى إلى تطور العقل في سياق جماعي وليس في سياق فردي، وعن طريق الاعتماد المتبادل.

لقد تشكل الجهاز الحوفي عند الإنسان عند أسلافنا الأوائل قبل القشرة الدماغية، وهو يشكل عشر حجم الدماغ، وهذا الجهاز مسؤول عن جميع القرارات والسلوكيات الغريزية والحدسية. أمّا القشرة الدماغية، فهي مسؤولة عن العقلانية الحديثة عند الإنسان وما رافقها من ظهور الأديان وتطور المجتمعات والحضارات.

ثمة أشخاص يملكون مراكز حوفية أكبر بأضعاف من الشخص ذي السلوك العقلاني، ويُطلق على هؤلاء الأشخاص بالحدسيين، وهم قادرون على أداء بعض المهارات الاجتماعية، وعلى استنباط بعض النتائج بدون الحاجة إلى التأمل والاستقصاء المنطقي، وعن طريق أفكار تتبادل تلقائيا ً إلى الذهن، لكن في كثير من الأحيان يقود الذهن الحدسي إلى أوهام معرفية وإلى أخطاء في الفهم عندما يتعلق الأمر بالتأمل المتأني والحسابات العلمية والمنطقية، كذلك لا يمكن للعقل المنطقي أن يعمل بمفرده من دون الاعتماد على أفكار إبداعية يولدها الحدس.

تكمن قوة التفكير في خلق عقل جماعي استثنائي القوة والمهارات عن طريق دمج الحدس مع الاستقصاء.

إن الفكر يستنبط ما يحتاجه دائما ً، فننسى الكثير من التفاصيل والجزئيات المعقدة، وهذا هو سبب جهلنا في أننا لا نمتلك إلا القليل من المعرفة التفصيلية حول كيفية عمل العالم.

من هنا يمكننا التوصل إلى نتيجة مفادها أن الدماغ كأداة بيولوجية تطورية لا تكمن وظيفته في الذاكرة والاحتفاظ بالمعلومات، ولا بإنتاج المعرفة. إن نموذج العقل كآلة مصممة للذكريات والاحتفاظ ينهار عندما نفكر في تعقيد العالم الذي نتعامل معه، لذلك فقد تطور الدماغ ليجعل الحياة ممكنة على هذه الارض.

المشاركة القصدية

يشير عالم النفس الروسي ليف فيغوتسكي إلى فكرة المشاركة القصدية بين البشر في مجتمع المعرفة؛ فالمعرفة يمكن مشاركتها بين الأفراد، لأن أحد مواهب الإنسان الأساسية، هي مشاركة المقاصد والاهتمامات مع الآخرين وإنجازها بشكل تعاوني، ويؤكد فيغوتسكي أن العقل كيان اجتماعي وليس مجرد قوة عقلية للفرد، وما يميز البشر هو قدرتهم على التعلم عن طريق أناس آخرين وثقافات أخرى، وقد تدعم المشاركة القصدية القدرة على تخزين المعرفة، ونقلها من جيل إلى آخر، وهذا ما يدعوه علماء الأنثروبولوجيا بالثقافة التراكمية.

ومن مميزات هذه الثقافة التراكمية أنها تعزز من القدرات البشرية وتساهم في تطوير الذكاء على مر الزمن، وبدلاً من اعتبار الذكاء سمة شخصية يمكن فهمه على أنه مقدار مساهمة الفرد في المجتمع، لأن الذكاء يصبح كيانا ًأوسع بكثير عندما يُنظر إليه من زاوية مجتمع المعرفة.

إن تاريخ المعرفة البشري تاريخ من العمل الجماعي، وشبكة واسعة من العقول المتضافرة التي أدت إلى إنتاج الكثير من الثورات العلمية والمعرفية والاقتصادية، وهذه الاكتشافات لا ترجع إلى فرد واحد ولا ترتبط بمواهبه العظيمة المتجاوزة لروح عصره، بل بنيت بعقل جماعي واستندت على قواعد سابقة ومعاصرة، فلو لم يولد هؤلاء العظماء كما نسميهم، لقام أشخاص آخرون بنفس الاكتشافات، لكن عادة ما يميل الناس إلى عبادة الأبطال وتقديس مواهبهم الفردية، وإلقاء اللوم عليهم عندما يخطئون أو يخرجون عن أي قاعدة مرسومة للبطل في الذهن البشري.

وهم العمق التفسيري والمعتقدات الخاطئة

ينشأ وهم المعرفة داخل مجتمع المعرفة، وقد يقود هذا الوهم إلى فهم أحادي الجانب، وغير قادر على التمييز بين ما في رؤوسنا ورؤوس الآخرين، رغم القانون الموحد الذي تشترك فيه جميع عقولنا لإدراك ظواهر العالم؛ إلا أن الجهل يشكل حياتنا ونظام تفكيرنا بطرق لا نعرف عنها شيئاً، فنفهم الكثير من الأمور وفقاً لمعارفنا الخاصة والذاتية.

كذلك تنشأ المعتقدات الخاطئة بسبب نماذجنا السببية الخاطئة، فتفكيرنا السببي يتجه نحو الأفعال الذاتية التي اختبرناها فقط، وإلى نتائج تلك الأفعال، دون أن نفهم حقا ً السلاسل المترابطة التي تحكم الاشياء في مستوياتها العميقة والدقيقة جداً.

يظهر العديد من الاشخاص في المجتمع بوصفهم خبراء في مجال معين نتيجة امتلاكهم قدر ضئيل من المعرفة، ويتحدثون مع آخرين أقل خبرة، أو لا يمتلكون خبرة مطلقة في هذا المجال أو ذاك، الأمر الذي يعزز شعورهم بالوهم وامتلاك المعرفة، وقد تبين أن الذين يمتلكون مهارات سيئة ومعرفة محدودة يبالغون في تقدير أنفسهم أكثر من غيرهم. أمّا من يمتلكون معرفة أوسع، فغالبا ًما يستخفون بقدراتهم، لأن لديهم إدراك أكبر للواقع ويعرفون ما ينقصهم تماما ًمن مهارات وأفكار.

إن الفكر يستنبط ما يحتاجه دائماً، لذلك فنحن ننسى الكثير من التفاصيل والجزئيات المعقدة حول المعرفة التفصيلية التي تشكل النظم اللامرئية للعالم. هناك طريقة يقترحها العالمان الأمريكيان ستيفن سلومان وفيليب فيرينباخ تُسمى بوهم العمق التفسيري، وهي المطالبة بالمزيد من الشرح والتحليل للأحداث والظواهر، إن عملية الشرح السببي المتواصل تجعل المتحدث في مواجهة واضحة مع ثغراته المعرفية ونواقصه.

فما نعرفه غالبا ًمجرد حقائق وبديهيات ومعلومات حفظناها دون التعمق في آليات عملها وتفكيك عناصرها، أو السؤال عن مسبباتها؟

مثلا ً لقد بدأ الكون بانفجار عظيم، أو يتعاقب الليل والنهار والفصول الأربعة نتيجة دوران الأرض حول الشمس.

إن المزيد من الشرح التفسيري والسؤال عن السبب والكيفية والتعمق أكثر في التحليل، سيجعل المتحدث يتعثر في فجواته، ليدرك بعدها تناهي معرفته وضآلتها وابتعادها الكبير عن التجربة والممارسة العلمية والعملية، ممّا سيدفعه لاحقا ًإلى البحث والاستقصاء العميقين وبالطرق اللازمة والمطلوبة التي يتطلبها الفعل.

لكن فيما يخص التفسير السببي، فهو يتعلق بقضايا معينة تقوم على النتائج والاستدلالات، ولا ينفع مع الذين يمتلكون أحكام أخلاقية أو قيم دينية مقدسة، فالحقائق الثابتة واليقينيات تشكل منطقة راحة وأمان لهؤلاء الناس، إضافة لقوة العادة والمعتقد التي تشكل قيماً مشتركة بين الفرد والمجتمع، والإنسان الذي يبدأ بالتشكيك بالمسلمات واليقينيات غالبا ًما يواجه اضطرابا ًفي حياته وفي علاقته مع الآخرين.

إن لذة المعرفة الحقيقية هي الوعي العميق بالجهل وتقديره على أفضل ما يكون، وإذا أردنا أن نفهم علينا أن ندرك ما لا نعرفه، فالوهم قد يكون حافزا ً للقيام بأشياء عظيمة، لذلك قبل أن نكون ممتنين للمعرفة، فنحن ممتنون قبل كل شيء لأوهامنا وأخطائنا الصحيحة.

يقول الشاعر الروسي بوشكين: "رب وهم يسمو بالنفس خيرٌ من ألف حقيقة دنيئة"

*.. ستيفن سلومان، فيليب فيرنباخ، وهم المعرفة، ترجمة أحمد.م محمد، دار صفحة 7/ ط1 2022