قراءة في كتاب: "الدين الشعبي في مصر... نقد العقل المتحايل" للدكتور شحاتة صيام

فئة: أنشطة سابقة

قراءة  في كتاب: "الدين الشعبي في مصر... نقد العقل المتحايل" للدكتور شحاتة صيام

قراءة  في كتاب: "الدين الشعبي في مصر... نقد العقل المتحايل" للدكتور شحاتة صيام


   استضاف مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي يوم الخميس الموافق 9أبريل 2015 الدكتور شحاتة صيام، أستاذ علم الاجتماع ورئيس قسم العلوم الاجتماعية بجامعة الفيوم بمقر المركز بجاردن سيتي في حوار امتد نحو ساعتين، أدار تفاصيله الباحث بمركز دال حاتم زكي؛ وذلك لمناقشة كتابه "الدين الشعبي في مصر... نقد العقل المتحايل"، جاء اللقاء في إطار الفاعليات التي ينظمها المركز أسبوعيا، وشهدت الجلسة العلمية حضورا كثيفا من الباحثين والمهتمين.

     تناول الدكتور شحاته صيام دور الدين في الاجتماع الحديث، مؤكدًا أن الدين يتنوع بتنوع الزمان والمكان والأوضاع والأنظمة والظروف والبيئات وطرائق المعيشة والمواقع الاجتماعية المختلفة، ويعبر عن الضمير الجمعي في أي مجتمع إنساني، فهو يمارس مجموعة من الوظائف الاجتماعية المهمة التي يمكن إجمالها في اعتباره أداة للضبط الاجتماعي، فضلاً عن وظيفته التضامنية التي تتمظهر في إيجاد روابط قوية بين الفاعلين الاجتماعيين، بالإضافة إلى دوره في صيانة وصيرورة وإزالة كثير من الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية القائمة.

    وأكد صيام أن الصوفية تعبر عن الدين الشعبي وتدخل في ضمن ممارساته وطقوسه؛ فهي تجعل من ذاتها جماعة دينية جديدة قادرة على ولوج الميدان الثقافي/الديني، والتبشير بثقافة دينية جديدة من خلال ذاتية روحانية، تلك التي تأتى نتيجة ضعف الثقافة الجمعية التقليدية، وظهور حياة خاصة مغلقة تسمح بسيادة تدين شعبي يعتمد على الطقوس المتعددة والمخالفة للطقوس الرسمية، وهو ما يخلق معها تعدداً مماثلاً في الاعتقاد الذي يتجاوز الاعتقادات الكلاسيكية، ومن ثم يؤسس لمجموعة من الآلهة الصغار، أو الأولياء الذين يعدون من خلال مقولاتهم (الشطحية) بديلاً عن الحقيقة المطلقة والنهائية.

    وصرح ضيف المركز، في سياق رده على سؤال حول قدرة التصوف على تجديد الخطاب الديني أن بروز التصوف وانطلاقه من مخالفة الإسلام الرسمى، يجعلنا نعتبره دعوة للتحرير والخلاص من الواقع الثقافى/ الديني القائم، أو هو بمثابة أيديولوجية تبتعد عن الأصوليات الإسلامية السائدة،  وترفض كل الأرثوذوكسيات الدينية القائمة التي تستند إلى وجود مجتمع بطركي( أبوى )، وحيث إن ما تقدم يعكس بقوة لأسباب خروج المتصوفة عن زمام الدين الرسمى، فإنه حسب مفهوم الشطح، يأتي التصوف كدعوة إلى العودة إلى الفردوس المفقود ويتمظهر ذلك كأيديولوجية خيالية واهمة للعلاقة الثنائية بين الإنسان والواقع، والمقاطعة مع كل ما هو قائم، توديعاً ومناهضة للاتباعية ومحاولة للتجديد، والسعي إلى تغيير العقل الإنساني، من عقل متصل بالآخر، إلى عقل متصل بالسماء.

وواصل تحليله للواقع الصوفي، مؤكدا أنه لما كان الوعي الصوفي يتمحور بصورة  رئيسة في لا وعيه الذي تختفي من خلاله مقاصده ودوافعه، يمكن القول إنه يأتي وعياً مقلوباً يعبر عن أفكار اجتماعية معينة من مصلحتها أن يزوغ الوعي عن الواقع للبحث عن مصالح غير مرئية وفق مخيال اجتماعي محدد يتسم بالرمزية والروايات والصور التي لا تخلق إلا نسقاً فكرياً مشوهاً، فوقوع الصوفي في إسار رغباته ودواخله وإسقاطاته اللاشعورية، ولد لديه فضاء تعبيريا خاصاً من الإبداعات المرآوية التي تعكس الصراع بينه كطرح ميثيولوجي (أسطوري) وبين الطرح العقلاني أو الفهمي المتعارف عليه، ذلك الذي كان سبباً رئيساً في شيوع اليوتوبيا والانجذاب والانتظار حتى يأتي المخلص السماوي لإنهاء الأسباب المؤدية إلى الاستلاب والانسحاق. وجاء استحضار ملكة الخيال محل العقل في هذا السياق، ليعوض عملية إشباع الاحتياجات "بمبدأ اللذة" التي أدخلت الإنسان الصوفي في دنيا الانسحاب والعصاب، وهو ما يجعل من هذا الفكر مهربا من ضغوط الحياة.

     وحول أبرز مفردات الخطاب الصوفي، أكد صيام أن  التصوف قد عرف مجموعة من النظريات التي وفدت من الفلسفات والديانات الأخرى، تلك التي علمتهم الاتحاد مع الله، والعروج بأرواحهم من الأرض إلى السماء يتحقق بالمعرفة الإلهية ، وطلب الخلة مع الله، أو القول بالعشق الإلهي، للوصول بهم إلى مقام الولاية. 

       كما أكد أنه إذا كان ما سبق يمثل طبيعة الارتكازات الفكرية التي استند عليها المتصوفة، فإن الممارسة والطقوس الصوفية باعتبارها أداة معرفية لها، ترتبط دلالاتها الحركية والزهدية ارتباطًا وثيقًا بتأويل الدين لديهم، تلك التي عكست مجموعة من الأحداث المتخيلة المترتبة على بعضها البعض، ومن ثم تستند على التكهن، إذ تأخذ فيه القوى الأرضية وضع قوى فوق أرضية لتعبر عن الحقيقة المطلقة، ذلك ما يدخلها في ما يسمى بالخيال المريض.

وبحسبان أن الخطاب الصوفي هو وحسب واقعه لغوية تعبر بشكل لا تخطئه العين عن زمن خاص بالكلام، فإن المعرفة الصوفية ها هنا تتوه فيها الوقائع، بل وتغترب، وهو ما يكشف عنه شيوع الجدل بين الواقعة والمعنى. وما دمنا نشدد على ذلك، فإنه يمكن إضافة أن الخطاب الصوفي هو واقعة خبرية لها وظيفة إسنادية تأتى متواشجة ومتفاعلة مع زمن مخالف، وتتداخل فيه التراكيب والاستعارات والرموز، وهو ما يجعلنا ندفع بأن الخطاب الصوفي لا يعبر عن لحظة عيائية محددة، وإنما يشي إلى هوية مخالفة وماضوية.

وحول المعنى في الفكر الصوفي وكيف يفهم التصوف ذلك المعنى وفق منهجية خاصة، أكد صيام أن وجودية التصوف في إطار زمن مخالف، يجعل خطابها محملاً بفوائض في المعنى، ومنفتحا على عوالم الغيب ويتجاف مع الواقع المعيش، فضلا عن التبشير بنوع جديد من الدين يستند على الرمز والإحالة، ومن ثم بالثورة على الفهم الحرفي والتقليدي الموروث للدين.

 إن إضافة الرمزية على الخطاب الصوفى، يكشف لنا عن مدى اتساق الحد الأدنى للفعل اللغوي الصوفي (المعنى الظاهر) مع الحد الأعلى (المعنى الباطن)، يجعل اللغة الصوفية حسب الإحالة والرمز، ما هي إلا رسالة فردية لا اجتماعية، تضرب بجذورها في زمان آخر، بلا قصد أو هدف، اللهم إلا إخراج المكبوت واللاشعور بطريقة عارضة حتى لا تتفاعل مع عذابات الحاضر.

وحول كون النص الصوفي يحيل ذاته على ذاته، أكد أنه يكون في المقابل قد أنهى إلى الأبد وجود النص ككيان مستقبل، وبالتالي ينقل سلطة التفسير من النص إلى من يقرأه. وحيث إن  فهم النص بات هو المفتاح الوحيد لإفراغه من مضامينه واجتياح حدوده، فإننا نكون بصدد نص مغلق له معنى واحد ووحيد، يشير على الدوام إلى جوانية مؤلفة. ولا نغالي إذا قلنا أننا أمام نص مفصول عن جذوره بعيداً عن لغته وحدوده، ذلك الذي يجعلنا أمام غنوصية متخطية الحدود والحواجز.

    وفي النهاية، أكد صيام أننا أخيرا نكون أمام لغة تكيفية وسلوك دفاعي، تلجأ إليه الصوفية من أجل تأسيس التوافق الاجتماعي لتجنب الولوج في إطار الإحباطات الاجتماعية. ولما كان الانسحاب سلوكاً دفاعياً ويعمل على توفير الحصن والحضن بطريقة لا واعية ضد تهميش الواقع المؤلم، فإن التكيف والانسحاب وفقاً لتصورنا يعدان وجهين لعملة صوفية واحدة، حيث

إن التعامي عن العياني المؤلم المعيش، تجعل الذات في انخداع مستمر، حيث يأتي المقموع ليكون عبر الإزاحة هو المحبوب والمرغوب. إن حضور اللاوعي وفق مسألة الإزاحة جعل من المكبوتات خط الدفاع الأول والأخير الذي بها يتم تحويل الذات من أقصى حالات الذهاب إلى أقصى حالات الزهد، وهوما يسهم في شيوع التمرد وتفعيل الحرية والتحلل من مآل الذهن الموضوعي، فضلاً عن عروج واتحاد وحلول الآنية في ذاتيتها .

     وفي نهاية الجلسة، استمع الضيف إلى التعليقات وأجاب عن أسئلة الحضور واستفساراتهم حول مضمون الكتاب، وأهم المحاور التي انطلق منها لتأكيد طروحاته.