ندوة: ''سرديّات الحدود في خطاب دعاة الإسلام السّياسي''

فئة: أنشطة سابقة

ندوة: ''سرديّات الحدود في خطاب دعاة الإسلام السّياسي''

انتظمت بمقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، الأحد 18 يونيو الجاري، ندوة: ''سرديّات الحدود في خطاب دعاة الإسلام السّياسي''، بمشاركة كل من دة.  زينب التّوجاني بمداخلة بعنوان: ''حدود الله أم حدود الإنسان؟ قراءة في خطاب الصّحوة الإسلامية''، ود. نادر الحمّامي بمداخلة بعنوان: ''الحدود ولعبة التّفسير السّياسي للقرآن"، وأدار الجلسة الأستاذ الدكتور عبد المجيد الشرفي، بحضور ثلّة من الأساتذة والباحثين.

وقد اهتمت زينب التّوجاني في مداخلتها بالبحث في مسألة الحدود، عبر النّظر في رمزيّات عودة حركات الإسلام السّياسي إلى المناداة بتطبيق الحدود في زمن يسعى فيه البشر إلى إرساء حقوق الإنسان. كما عملت على تفكيك مفهوم الشريعة، باعتباره مرادفا لما يسميّه البعض قانونا جزائيا إسلاميّا، ومتناقضا مع منظومة الحقوق الكونية للإنسان. وانطلقت من بعض الأمثلة التي قدّمتها عن أعلام من دعاة الإسلام السّياسي، مثل مقولات حسن البنّا وراشد الغنوشي والمودودي، لتبيّن أسس فكرة الحدود، وقد رأت أنّها محكومة بدوافع تحقيق النّجاة في الدّنيا وإخراج الإنسان من الشّقاء وتحقيق السعادة في الواقع، مع الانشداد إلى الجانب الغيبي المتحكّم في ذلك الواقع، وقد خلصت من ذلك إلى اعتبار الأمر مجرّد استعارة، أي أن مبدأ ''الحاكمية لله'' يعني أن يكون الإنسان محكوما بالغيب وليس بوسعه أن يعبّر عن الواقع إلا بواسطة اللغة، في حين أن الواقع يتطلّب التمثّل العملي الذي يتناسب بالضّرورة مع النص القانوني الواضح، والحال أن نصوص الحدود إنما هي استعارات لغوية لا تخلو من تعقيد يجعلها لا تتطابق مع الواقع. وخلصت إلى التّأكيد على عدم وجود اختلاف عميق بين الفقهاء القدامى ودعاة الإسلام السّياسي اليوم، لأنهم ينطلقون جميعا من ذات الاستعارة.

واهتم نادر الحمّامي في مداخلته بقراءة سيد قطب في مؤلّفه "في ظلال القرآن" للآيات 23 إلى 40 من سورة المائدة، وكيف انزاح عن النّص ليشرّع لمقولة ''دار الإسلام ودار الكفر''، ويؤصّل لها منذ الخليقة ويجعلها ضرباً من الحكمة الإلهيّة، وبيان أن النص عنده لا يعدو في النّهاية أن يكون تبريرا لمذهبه السّياسي ونظرته هو الخاصة إلى المجتمع. وقد أشار إلى وجود فروق كبيرة بين التّفاسير القديمة للقرآن والتفاسير الحديثة، واعتبر أن تفسير سيد قطب للقرآن ليس في معزل عن المؤثّرات الذاتيّة التي وجهت موقفه إلى التشدّد، واعتبر أن تكوينه الأدبي المتأثر بعباس محمود العقاد وانتماءه إلى حزب الوفد، يظهران النواة الرّاسخة في فكره، من خلال إلحاحه على التقسيم الثنائي للعالم إلى دار كفر ودار إيمان واستبعاد أي احتمال يخالف تلك الثنائية الحدّية التي سار عليها في تفسيره للقرآن كما سبق أن سار عليها في تفسيره للأدب ونقد الشعر؛ وقد قسّم الشّعراء إلى شاعر مزيّف وشاعر حقيقي. وخلص الحمّامي إلى اعتبار أن كلّ شيء في فكر سيد قطب مبني على الثنائية. وعرض من ثم آيات سورة المائدة في تفسير سيد قطب، وقال إن سيد قطب يعتبر أنها تمثّل وحدة معنوية متكاملة، رغم الاختلاف البيّن في ما بينها، وأنّها لا تتعلّق لديه إلا بالمجتمع المسلم دون غيره، لأن العالم ينقسم في نظره إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما؛ القسم الأول هو دار الإسلام والقسم الثاني هو دار الحرب، وأن تلك الحدود تطبّق في دار الإسلام ولكنّها لا تطبّق في دار الحرب؛ لأن لها أحكام الجهاد، واعتبر الحمامي أن هذا التقسيم ينسجم مع البنية الذهنية الثنائية لسيد قطب.  

وعقّب الأستاذ الشرفي على المداخلتين بقوله إنّهما يثيران التّساؤل ''كيف يمكن لمعاصرين ألاّ يتّفقوا على ما هو جوهري وأساسي، فيكون الاختلاف في ما هو هامشي؟'' وأشار إلى أن الخطابات المختلفة في العالم لا تمس أمورا أساسية، ومن بينها ما يعلمنا التاريخ والتاريخ المقارن من أنه حصل تطوّر للبشرية هو الذي حتّم أن يكون الإنسان مسؤولا عن أي تشريع يصدره، واعتبر الشرفي أن المسلمين استقالوا منذ القديم إلى اليوم من المسؤولية لفائدة الفقهاء الذين تكلّفوا بأنفسهم وبالجميع، ولم يتحمّل الإنسان مسؤوليته في التّشريع، التي هي نتيجة مباشرة للحرية الإنسانية قائلا: ''لا مسؤولية بدون حرية''، ورأى أن التّأكيد على الحدود يُبتغى منه الطّاعة قديما، والحال أن آفاق حرية الشّعوب المعاصرة تختلف عن آفاق الماضي وفيها حرص شديد يتجاوز الطّاعة إلى الحرّية.