ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
170
2016 )9(
العدد
*
حمادي ذويب
الهمجيّة والحضارة ثنائية ضديّة مترامية الأطراف، إن لم نحدّها في حدود معينة تتعلق بمكان مخصوص أو زمن معّ أو حضارة ما
أو كاتب بعينه، لكن مع ذلك يمكن أن نعتبر هذه الثنائية من آثار الأحكام الفكرية القديمة حين كان أصحاب كلّ حضارة ينظرون إلى
الحضارات السابقة أو المخالفة نظرة استهجان تصل حدّ اعتبارها همجيّة.
إنّ هذه الثنائية وليدة فكر مركزي يعتبر أنّه يمثل الحقيقة والمعيار الأسمى الجدير بأن يُقتدى به، وأنّ مخالفه هامشهمجي عليه اللحاق
به والسير على دربه.
تخبر هذه الثنائية عن موقفتحقيري لما أنتجته حضارة ما من عادات وتقاليد وأفكار ونظم وطقوسوأفعال فردية وجماعية، لكنّ علم
الأنتروبولوجيا يدعونا إلى احترام كلّ الثقافات والحضارات وإلى تقدير إسهامها في إثراء الحضارة الإنسانية. وقد أقرّ «لفي ستراوس»
بعدم وجود حضارة بدائية وأخرى متطورة، لكن توجد إجابات مختلفة لمشكلات أساسية ومتماثلة، أمّا المتوحشون حسب وصف
خصومهم فهم أيضاً يفكرون، وفكرهم ليس أقلّ قيمة من فكر الغربيين، غير أنّه يعمل بشكل مخالف لعمل فكر الغربيين.
ويبدو أنّ تحقق هذا الموقف الأنتروبولوجي مرتهن بالتخلص من المعايير الأخلاقية والدينية والاكتفاء بالدراسة العلمية للظواهر
الإنسانية والاجتماعية اعتماداً على الملاحظة والوصفوالتحليل المحايد والبارد من دون إبداء أحكام معيارية قيمية، لكن هل من الممكن
أن يتحقق هذا لدى كتّاب ينتمون إلى المؤسسة الدينية، ويكتبون انطلاقاً من معايير ثقافتهم المشحونة بمعايير أخلاقية ودينية واجتماعية؟
سنحاول الإجابة عن هذا الاستفهام من خلال النظر في مقاربة الشيخ محمد رشيد رضا لمنزلة المرأة في الإسلام في كتابه «حقوق النساء
.
1
في الإسلام نداء للجنس اللطيف»
جمادى الأولى
23
م، في قرية «القلمون بلبنان»، وتوفي بمصرفي
1865
هـ /
1282
والمعلوم أنّ محمد رشيد بن علي رضا ولد خلال سنة
م.
1935
/ أغسطس
22
هـ
1354
انطلق هذا الكاتب السوري الأصل من وصف وضعية المرأة قبل الإسلام ليقارن بينها وبين وضعيتها بعد الإسلام، مبيّناً في هذا
السياق أنّ جميع النساء كنّ مرهقات بظلم الرجال في البدو والحضر، لا فرق فيه بين الأميين والمتعلمين ولا بين الوثنيين والكتابيين،
يقول: «كانت المرأة تُشترى وتُباع كالبهيمة والمتاع، وكانت تكره على الزواج وعلى البغاء، وكانت تورّث ولا ترث، وكانت تملك ولا
تملك، وكان أكثر الذين يملكونا يحجرون عليها التصرف فيما تملكه بدون إذن الرجل، وكانوا يرون للزوج الحق في التصرف بمالها من
*أكاديمي من تونس
بتحقيق أحمد فريد المزيدي عن دار الكتب العلمية ببيروت ومنشورات محمد علي بيضون.
2005
ـ نشرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب سنة
1
الهمجيّة والحضارة من خلال قراءة رشيد رضا
لمنزلة المرأة في الإسلام




