Next Page  174 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 174 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

174

2016 )9(

العدد

.

15

فيها كما يتصرففي بهائمه وأمواله، وهما في نظر رضا «لا يزالان يوجدان في بعض الشعوب الفاسدة أو الهمجية كالغجر..»

ورسم رشيد رضا ـ على خلاف هذه الصورة السلبية - صورة مشرقة للزواج عند المسلمين، فهو يقوم على غرار ما يوجد لدى بعض

الشعوب الراقية على الخطبة والمهر والعقد. وقد أبطل الإسلام إضافة إلى ذلك بعض العادات الظالمة للنساء على غرار الاستبداد في

تزويجهنّ كرهاً أو عضلهنّ أي منعهنّ من الزواج أو أكل مهورهنّ وكذا تعدّدهنّ بغير حدّ.

ويُعدّ المبحث الخامسعشرفي كتاب الشيخ رشيد رضا ذروة الصورة المتألقة للمرأة المسلمة التي رغبفي نقلها للقارئ، فقد خصّص

هذا المبحث لمسألة «المساواة بين الزوجين ودرجة الرجال عليهنّ»، فاعتبر أنّ المساواة تمثل «الإصلاح الأكبر الذي جاء به الإسلام ونزل

.

16

به القرآن في شان النساء، وقد أصّل هذه القيمة من خلال الآية «ولهن مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة»

ويبدو أنّ الهاجس الجدالي كان وراء مواقف علماء الإسلام المحدثين، حيث سعت إلى تقديم صورة إيجابية للمرأة المسلمة، ذلك أنّ

عدداً من العلماء النصارى عمدوا إلى الطعن في الإسلام اعتماداً على حجج عدّة، منها حجّة معاملة النساء معاملة غير راقية. يقول رشيد

رضا: «وقد صار هؤلاء الإفرنج الذين قصرت مدنيتهم عنشريعتنا في إعلاء شأن النساء يفخرون علينا بل يرموننا بالهمجيّة في معاملة

.

17

النساء، ويزعم الجاهلون منهم بالإسلام أنّ ما نحن عليه هو أثر ديننا»

ولئن كان رشيد رضا يشدّد على عمل الإسلام على ترسيخ قيمة المساواة بين الجنسين فإنّه يضطرّ إلى بيان حدود هذه المساواة بسبب

من

34

من سورة البقرة «وللرجال عليهنّ درجة»، والآية

228

وجود نصينعلى الأقلّ في القرآن ينصان علىخلافهذه المساواة هما الآية

سورة النساء «الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعضوبما أنفقوا من أموالهم». والظاهر أنّ الحجة النقلية لا تكفي في

نظره، لذلك دعمها بحجة عقلية علمية لشرعنة تفضيل الرجل على المرأة وحقه في الرياسة عليها «فهو أكبر دماغاً وأوسع عقلاً وأقوى

.

18

عضلاً وأعظم استعداداً للعلوم وأقدر على مختلف الأعمال...»

ولئن كانت هذه الآراء غير مثبتة علمياً فإنّا تخبر عن تلوّن الفكر الإسلامي الحديث بطابع إيديولوجي جعله يوظّف ثنائية الهمجيّة

والحضارة التوظيف الذييخدم مسعى المفكر المسلم إلى التفاعل مع واقعه التاريخي، وبيان أنّه اشتمل على قيم العصرالحديثومنها قيمة

المساواة في التعامل مع المرأة. يقول رشيد رضا في هذا السياق: «وإننا نزيد موضوع تفضيل الرجال على النساء والمساواة شرحاً لما قد تجدد

.

19

في هذا العصرمن البحث فيه ومن طلب المساواة التامة بين الجنسين التي جرؤ نساء أوروبا على المطالبة بها»

يمكن أن نستنتج إذن أنّ معياريّ الهمجيّة والتحضر ينبغي التعامل معهما باحتراز، فكثيراً ما وقع استخدامهما لدوافع غير موضوعية،

منها خاصة الرؤية المركزية التي ينطلق منها بعض الباحثين والكتّاب، معتبرين أنّ حضارتهم هي المركز المضيء، أمّا الحضارات أو

الشعوب الأخرى فهي هامش ينعكس عليه نور المركز ولا يستطيع أن يضيء إضاءة ذاتية.

.23

  ـ رشيد رضا، المصدر المذكور، ص

15

.228 /2

  ـ البقرة

16

.27

  ـ رشيد رضا، المصدر المذكور، ص

17

.31

  ـ رشيد رضا، المصدر المذكور، ص

18

.33

  ـ المصدر نفسه، ص

19

حمادي ذويب