ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
171
2016 )9(
العدد
دونا، وقد اختلف الرجال في بعض البلاد في كونا إنساناً ذا نفس وروح خالدة كالرجل أم لا؟ وفي كونا تلقن الدين وتصح منها
العبادة أم لا؟ وفي كونا تدخل الجنة أو الملكوت في الآخرة أم لا؟ فقرر أحد المجامع في رومية أنّا حيوان نجس لا روح له ولا خلود،
ولكن يجب عليها العبادة والخدمة، وأن يكمّم فمها كالبعير والكلب لمنعها من الضحك ومن الكلام لأنّا أحبولة الشيطان، وكانت
أعظم الشرائع تبيح للوالد بيع ابنته، وكان بعض العرب يرون أنّ للأب الحق في قتل ابنته، بل وفي وأدها أيضاً، وكان منهم من يرى أنّه
.
2
لا قصاصعلى الرجل في قتل المرأة ولا دية»
من الواضح أنّ الشيخ رشيد رضا يصور لنا صورة عصرهمجي كانت المرأة فيه ـ قبل ظهور الإسلام- تعاني من وضع لا تشبه فيه
البشر، فهو وضع كوضع الحيوانات أو أثاث البيت، ولم تكن لها حقوق اجتماعية في الميراث أو الملكية أو في إدارة شؤون مالها. وجماع
القول إنّ إنسانيتها كانت مهدرة مسلوبة ومحل تشكيكوتساؤل. هكذا تمّتشيطنة المرأة بسبب مسلّماتومعتقداتلم يتطرق إليها رشيد
رضا لكنّها كانت تحكم الفكر القديم، منها مسلّمة نقص الأنثى، أي إنّ انتماء المرأة إلى جنس الأنثى هو الذي جعلها لا ترقى إلى كمال
الرجل الذكر. وقد ذهب بعضالأصوليين إلى اعتبار نقصالأنوثة أقوى من نقصالرقّ، لذا فإنّ الأمة لا تستطيع تزويج نفسها لا بسبب
.
3
نقصان الرقّ بل بسبب نقصان الأنوثة
ويتجّ نقص المرأة في الفكر الأصولي من خلال نقص عقلها ودينها، فعلى المستوى الأول خاض فريق من الأصوليين في مبحث
.
4
تفاوت العقول، ومال بعضهم إلى تبنّي فكـرة تفــاوت العقــول بيــن النـاس لتشريع نقص المرأة مقارنة بالرجل
ولم يسعَ أصحاب هذا الرأي إلى توضيح المقصود بالتفاوت، هل هو تفاوت في بنية العقل وتركيبته، أم في ما ينتجه من فكر ونشاط
، لكنّ مظاهر هذا النقص تتمثل فيضعف مدارك عقل المرأة وخاصة الضبط والحفظ، وهذا ما يبرّر في نظرهم اشتراط امرأتينفي
5
ذهني
الشهادة. وعلى المستوى الثاني الخاصبنقصالمرأة ديناً اعتبر الأصوليون أنّ حيضالمرأة يضطرها إلى قطع الصلاة وإلى الإفطار في رمضان
ممّا يؤدي إلى عجزها عن أداء واجباتها الدينية بالشكل الكامل والمثالي.
الصورة الحضارية للمرأة
حاول رشيد رضا أن يقدّم صورة مقابلة ومخالفة للصورة السابقة برزت بعد ظهور رسالة محمد التي سعت حسب رضا إلى إصلاح
الأنفس والمجتمع، وكان للنساء نصيب كبير من هذا الإصلاح، وقد فصّل رضا هذه الصورة تفصيلاً مطوّلاً معتمداً عدة معايير؛ منها
اعتبار المرأة إنساناً، وأنّا شقيقة الرجل، فهما من جنسواحد لا قوام للإنسانية إلا بهما، وكانت النصوصالدينية من قرآن وحديثسنده
.11 ،10
ـ المصدر نفسه، ص ص
2
ـ يقول أبو بكر بن العربي، «فأمّا قياس العلة فهو كقولنا في أنّ المرأة لا تتوّ نكاحها لأنّها ناقصة بالأنوثة فلم يجز أن تلي عقد النكاح كالأمة، فاتفق العلماء على
3 3
أنّ الأمة لا تلي عقد نكاحها واختلفوا في تعليله، فمنهم من قال إنّ العلة في امتناع إنكاح الأمة نفسها نقصان الرق، ومنهم من قال نقصان الأنوثة. فنحن عللنا بنقصان
.126
الأنوثة وحملنا عليه الحرّة»، المحصول في أصول الفقه، المصدر المذكور، ص
ـ يقول الزركشي: «واختلف فيه (العقل) في أمور، أحدها هل يتفاوت، والأصح كما قاله الإمام في التلخيص وسليم الرازي في التقريب وابن القشيري وغيرهم أنه لا
4
يتفاوت، فلا يتحقق شخص أعقل من شخص وإن أطلق ذلك كان تجوزاً أو صرفاً إلى كثرة التجارب...، وعن المعتزلة وكثير من الحنابلة أنّه يتفاوت لقوله عليه السلام
.88/1 ،
ناقصات عقل ودين»، البحر المحيط في أصول الفقه
ـ نلمس عدم الوضوح هذا في قول الكلوذاني: «فقال أصحابنا (الحنابلة): إنّ العقل يختلف، فمن الناس من يكون عقله كثيراً ومنهم من يكون عقله قليلاً ويزيد
5
.53-52/1 ،
وينقص، خلافاً للأشعرية...»، التمهيد في أصول الفقه
الهمجيّة والحضارة من خلال قراءة رشيد رضا لمنزلة المرأة في الإسلام




