Next Page  314 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 314 / 362 Previous Page
Page Background

314

2016 )9(

العدد

*

أحمد لطف الله

عندما أنجز الإنسان رسوماته الأولى على جدران الكهوف

وفوق جذوع الأشجار كان ينطلق من منزعين أساسيين هما:

حاجاته التعبيرية ليروي حكاية جسده داخل الطبيعة، وكانت

تلك الحاجات تبدو جلية وتطفو على سطح رسوماته، ثم

احتياجاته الجمالية التي كانت باطنية تكشفها كناياته ومجازاته

التصويرية. وعندما تشبّع الإنسان بمدارك الوعي والثقافة،

وأصبح يُنعت بـ«الفنان» تعددت منازعه الفنية: فمن الرغبة

في تصوير الواقع تشخيصياً، إلى إرادة التخلص من الموضوع

والاحتفاء بالشكل تجريدياً، إلى تجريب النزعات الحداثية المرتبطة

بالثورة وبالحركات الشعبية وفنونا، وبالخداع البصري، إلى غير

ذلك ممّا أفرزته الحداثة في الفن من توجهات ومدارس.

وقد تتشابك العديد من هذه المنازع في مخيال الفنان الواحد،

وتجد لها انعكاساً في ملونته، وهو ما يبدو في أعمال الفنان السوري

)، والذي يُعدّ واحداً من رواد

2016

-

1938

الراحل نذير نبعة (

الحداثة التشكيلية في الوطن العربي، سواء من خلال تجريدياته

القليلة، أو لوحاته التشخيصية التي تطغى على رصيده الجمالي.

في أعماله الأولى، حيث كان موضوع «الفدائي» من أبرز المعالم

التشكيلية التي اشتغل عليها، هناك احتفاء خاص بالجسد. فقد

حتّم الموضوع اختيار الجسد الذكوري، ومن ثمّة المراهنة على

إظهار سمات القوة والصلابة. ففي لوحة الرجل الذي يحمل

الصخرة يبتعد الفنان عن الإيحاءات السيزيفية بالخنوع للقدر

وتنفيذ مطالبه، ويعطي للوحته طابعاً إشراقياً يتمثل في الخلفية

المضيئة. فالجسد القوي يبدو كجلمود صخر يخرج من النور، نور

الحقيقة المغتصبة في الأراضي الفلسطينية، إذ ظلّ نذير نبعة وفيّاً في

تعبيريته لأصوله النابعة من أرض فلسطين، وذلك حتى عندما

اهتم بموضوع المرأة، وأبلى فيه تشكيلاً حسناً.

وبما أنّ الفدائي يقدّم جسده قرباناً لخلود الروح ورفرفتها فوق

أرض تمثل هويته، فإنّ تصوير هذا الجسد يقتصد في إضاءة جميع

تفاصيله. فعادة لا يُرى وجه الفدائي، لذلك طمس نذير نبعة

ملامحه وكأنّه يمزجه بالصخرة الجبارة المحمولة على الكتف

بواسطة ساعدين قويين، وكأنّ الرأس هو الآخر صخرة لعناده

في إظهار نور الحقيقة. ولعل إسهامات الفنان نذير في تصوير

«الثورة الفلسطينية» كانت بمثابة خلاص أمْلتهُ مرحلة تاريخية

معينة، فهو كما يقول: «كثيرون كانوا يظنون أنّني فلسطيني؛ كون

رسوماتي كانت بمثابة الناطق الرسمي بلسان الحراك الفلسطيني،

فهزيمة حزيران كانت صفعة على وجوهنا جميعاً، جعلتنا جميعاً

في حالة إحباط، لكنّ شخصية الفدائي هي من أنقذتنا من هذا

.

1

الاكتئاب»

إنّ واقعية الثورة التي مثلتها العديد من اللوحات ذات الصيت

العالمي، مثل غرنيكا بيكاسو، أو لوحات غويا، تتوفق دائماً في

  ـ تصريح الفنان منشور بموقع سما، الموقع الخاص بوكالة الأنباء الفلسطينية.

1

نبعٌ من الجُلنار

أعمال

قراءة في

التشكيلي

الفنان

نذير نبعة

أدب وفنون: تشكيل

كاتب من المغرب

*