311
2016 )9(
العدد
الذي يُلحِقُهُ الإنسان بأخيه الإنسان جراء العنف والحرب
والعنصرية، وما يتسبب فيه الصراع حول السلطة من بشاعة
تكشفعظامنا وتحول أجسادنا إلى ما يشبه المومياءات الحية، ومن
بين الصور الداعية إلى مساءلة إنسانيتنا وتفقدها تلك الانزياحات
التي يخلقها الإنسان مع الأشياء والحيوانات، فقد التقطت عدسة
الكاميرا طفلاً جائعاً نحيفاً، يحمل قيثارته الصغيرة، ولا يفرط في
رفقة كلبه، أو لا يفرط الكلب فيه، كنوع من الانتصار على الألم
والجوع والنسيان، وذلك ما يدعو إلى طرح السؤال التالي: هل
يبادر الكلب الجائع إلى التهام جثة رفيقه عندما تنفصل الروح عن
الجسد، وستتغلب بالتالي الحيوانية على التعوّد؟
واستكمالاً لسفره فيمناطق التوتر يسافر المصور إلى الكويتبعد
، ليسلط الضوء على مقاومة
1991
اجتياح صدام حسين لها سنة
رجال المطافئ للحرائق التي شبّت في حقول النفط، وما صاحب
تلك المأساة من «جمال مأساوي» غالباً ما يَنْشَدّ إليه المشتغلون على
الصورة، لأنّ أحزمة الدخان والظلال والانعكاساتتفتن المصور
وتجذبه رغم المخاطر البيئية والإنسانية المحدقة به وبالطبيعة معاً،
وما الحالات التي قدمها الفيلم سوى تعبير عن قسوة الوضع.
يعمق المخرجان النبش في جرح الإنسانية الدامي من خلال
انمامهما بمآسي إفريقيا أو ما سمّياه النزوح أو الخروج الأكبر
»، وخاصة مآسي ومذابح الكونغو ورواندا و«كيگالي»
Exodus
«
-
1994
) البشعة، وربطها بمأساة يوغوسلافيا (
1995
-
1994
(
) التي تكشف عن الوجه المظلم لأوروبا التي طالما أخفتها
1995
عنا تحت غطاء ميتولوجياتها المضيئة، لكنّ الكاميرا لا تتجاهل
جماليات الطبيعة التي يجد الفنان في مفاتنها تعويضاً عن القبح
المترامي على أطرافها.
» (سفر التكوين) بالمرجعية
Genisis
يتحدث الفيلم عّ يعنونه «
الدينية التوراتية من جهة، والمنفتحة على الفكر الدّارْوِينِي من جهة
أخرى، والذي يتأسسعلى فرضية علمية مفادها أنّ النوع نفسه يتطور
بشكل مغاير وفقاً لتنوع المنظومات الإيكولوجية، ومن هنا تركز
الكاميرا على صورة أحد التماسيح ليتم التبئير على تفصيلٍ لأصابعِ
رجله التي تشبه يد الإنسان إلى حد ما، والدلالة جلية بين ربط كلّ
هذه العناصرلكي نفهم مدى التداخل الحاصل بين طبائع المخلوقات
التي قدمت عنها الكتب الدينية روايات متصادمة مع العِلم.
يعود الفنان الفوتوغرافي «خوليانو ريبيرو سالگادو» سنة
إلى البرازيل ليكرس ثماني سنوات من حياته لتصوير
2009
الطبيعة، وهو يذكرنا في هذا المقام بذلك الميل الذي أبداه مواطنه
) في
1939
-
1881
المخرج السينمائي المُؤَسّس «گلوبير روشا» (
جلّ أفلامه الخيالية ذات النفحة الفنية الفانتستيكية المستوحاة من
الطبيعة. فبالرغم من أنّ الفيلم قد انطلق من مأساة الإنسان في
الطبيعة إلا أنّ حديث الفنان الفوتوغرافي انطلق من على صخرةٍ
تقبعُ كشاهدٍ صامدٍ على عنفوان جمالها المطل على كلّ ما يمكن أن
يجاورها ويحاذي المتحدث ذاته. لا يكتفي المصور بالتقاط جمال
الطبيعة البرازيلية التي تزخر بشتى أنواع النباتات والأشجار
والحيوانات، ولكنه احتفى بصنائع الطبيعة في الأصقاع والبقاع
التي زارها، ليقدم لنا رفقة «ڤيم ڤاندرس» سمفونية منسجمة
التركيب.
يقدم مخرجا الفيلم درساً في التعاون السينمائي الخلاق، فطريقة
تناولهما الموضوع، وعمق الإشكالات التي غاصا فيها، وحجم
الأحاسيس التي تحركها الصور في النفس مكوناتٌ تجعل من
الفيلم عملاً فنياً مركّباً على مستوى التصور والتصوير والإخراج،
فكيف يمكن أن نفهم الإخراج إذا لم يستند على معالجة
موضوعٍ مكثف؟ وكيف نفهم التصوير إذا لم يخلط الأوراق بين
الفوتوغرافيا والسينما ليعيدنا إلى انبثاق السينما من الفوتوغرافيا؟
وكيف نفهم الفيلم إذا لم يكن تجسيداً لموقف معين من الوجود؟
وما قيمة الفن إن انفصل عن الإنسان والإنسانية؟
إنا جملة من الأسئلة المتوالدة التييحركها الفيلمفي نفسية وذهن
كلّ من يشاهده. فإذا كان المصور والمخرج الفرنسي «يان آرتيس
برتراند» قد نجح في إظهار جلال الطبيعة في فيلمه «الأرض»
)، فإنّ فيلم «ملح الأرض» يعمق البحث في علاقتنا
Home
(
بها، ويستعرض مآسينا فوقها، ويقربنا من رحمتها بنا، تلك الرحمة
التي يقابلها الآخرون بجفاء وعداء لا مثيل لهما، إلا أنّ العمل
الفني يسعى إلى تأزيم رؤيتنا لما يقع، وذلك ما نجح المخرجان
المصوران «ڤيم ڤاندرس» و«خوليانو ريبيرو سالگادو» في إتقان
لعبة إخراجه في فيلمهما المشترك هذا، فقد أَنْسَتْنَا انسيابية الحكي
والتعليق لدى «خوليانو» من يقف وراء الكاميرا بالفعل، لا سيما
أنه هو الذي قال إنّ ما شاهده من ويلات الحروب والمجاعات قد
جعل روحه تَعْتَلّ و َْرَض.
أدب وفنون: سينما
فيلم «ملح الأرض» أو كيف تعمّق الصورة الجميلة الألم؟




