Next Page  312 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 312 / 362 Previous Page
Page Background

312

2016 )9(

العدد

لم يكن الفيلم مجرد مونوغرافيا أو سيرة ذاتية أو غيرية، بالنظر

إلى الطريقة التي أعلن بها عن نفسه، وكذلك بالعودة إلى مرجعية

صانعيه، وإنما هو طريقة أو مقترح فني عميق للرؤية لقضايا

الذات في علاقتها بنفسها وبالآخر والعَا َ، إنه درس بليغ في

إعادة أسئلتنا الميكانيكية حول علاقة فن الفوتوغرافيا بالسينما،

وتجاوز انحصار تفكيرنا في علاقة الفن بالواقع، وتوجيه بصيرتنا

إلى مستقبلنا على الأرض باعتبارها مآلنا. ويمكن الانتباه أيضاً

إلى تلك اللعبة المرآوية المضمرة في الفيلم، فالمخرجان ينظران إلى

بعضهما بعضاً، ويتبادلان الظهور والاختفاء، رغم أنّ «خوليانو»

هو المتحدثعلى الشاشة: إنا لعبة فنية ماكرة يعلن فيها كلّ واحد

منهما، مصوراً كان أم مخرجاً، عن نفسه من خلال الآخر ما دام

الانشغال بالصورة والفوتوغرافيا وأسئلة البيئة والإنسان تؤجج

الإبداع لديهما.

يبرهن الفيلم على أنّ آلة التصوير الفوتوغرافية والكاميرا قد

تصلان بالفعل إلى الإحاطة بجلال الطبيعة وعظمتها، وعلى أنّ

جلالهما متفاعل مع جلالها، وذلك ضداً على الفكرة الكانطية

القائلة إنّ الجمال الطبيعي يتجاوز جمال المنتوج الفني ويتفوق

عليه، فها هي ذي السينما ومعها الفوتوغرافيا تستطيعان أن تصنعا

جلالاً لا يمكن حصره بالعين المجردة ولا يمكن الوصول إليه

لولا تقدم التكنولوجيا بصفة عامة، ولولا عبقرية الفنان التي

اعترف بها كانط بنوع من التعريف القائم على إنجاح العمل

الفني في ظل تحقيق نوع من التوازن بين الموهبة والصنعة اللتين قد

يصعب على الفنان والعِلْم وصف علاقات التداخل بينهما.

وأخيراً نتساءل: ما الملح المقصود في الفيلم؟

لا يمكن أن يكون الجواب واحداً: ربما قد يكون دمنا السائل

على أرضها، عظمنا المدفون في ترابها والمرمي على سطحها،

جسدنا المتحلل في أماكن العتمة، طفلنا الآيل للضعف القاتل،

امرأتنا التي يقتات من جمالها الجوع، شيخنا الذي يطويه الجوع

والزمن، إنسانيتنا التي يمتصها التفاوت، وتتلاعب بها أهواء

الغطرسة...، إنه الملح المر، لو استساغ الذوق تَلَمّظَهُ.

أدب وفنون: سينما

محمد اشويكة