Next Page  317 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 317 / 362 Previous Page
Page Background

317

2016 )9(

العدد

مريم المجدلية

في بعضلوحاتتصوير الأنوثة ُتزل المرأة في الوجه. ممّا يقذف

بنا نحو أيقونات القرون الماضية، التي كانت تزين كنائس أوروبا.

ولعل هذا الهوس الأيقوني كان مؤشراً مائزاً لبعض الفنانين

السوريين الرواد أمثال إلياسزياتوفاتح المدرس، فالأول، وكما

يعبر الناقد المغربي عبد الكبير الخطيبي «تطور نحو اتجاه أيقوني

جديد ذي طابع علماني وعربي منفتح على مكتسبات التجريد

الأوروبي، محافظاً على ما تتميز به الأيقونة من ثبات عمودي»،

أمّا الثاني فقد أصبحت الأيقونة عنده «دُنيوية، ونظماً خالصاً

. ولعل الفنان

5

من الألوان، بتقسيمها إلى رقعة مربعات منسقة»

فاتح المدرس هو الذي أغنى الأيقونة في التصوير العربي بالترميز

المكثف، والتخلصمن العَيانية ليتمّ تحويرها إلى علامة بدلالات

لا نائية. ولا يمكن الحديث عن الأيقونة دون استحضار الفنان

مروان قصاب، خاصة في مجموعته الخاصة بالدمى الملغِزة،

التي كانت تستولي على نظرنا في أغلفة الروايات العربية، وعلى

رأسها روايات الكاتب الكبير عبد الرحمن منيف. لقد قدّم عبد

الكبير الخطيبي الفنان مروان قصاب للجمهور الباريسي متحدثاً

عن تلك الدمى وغيرها من البورتريهات التشخيصية معتبراً

أنا «تحكي قصة فنان أمام انعكاسات المرآة على وجهه وعينيه

. هكذا كان المناخ الجمالي السوري في العقود الأخيرة

6

وملامحه»

من القرن الفائت محترفاً فنياً مهماً للرسم الأيقوني، وكانت

إسهامات نذير نبعة في هذا المحترف ذات قيمة جمالية كبرى،

فالمرأة الأيقونة في بعض الأعمال تبوح بصرامة الشكل، ومراعاة

القواعد الكلاسيكية والأكاديمية في الإنجاز، مع تكريس الطابع

الكنائسي، بإطلالة مريم المجدلية وعيناها تفيضان عذوبة ومحبة.

هـنْد

في مقابل ذلك، ظلّ نذير نبعة مسكوناً بهاجس الخصوصية

العربية على الدوام، فأعطى لدمشقياته الكثير من تدفقات روحه

العربية الأصيلة. ولم يكن نذير يرسم فقط من ذاكرته البصرية

كما أشرنا آنفاً، بل أيضاً من ذاكرة الشم، فهو ابن حي المزّة في

دمشق، قريب من سوق الحميدية الذي غذى ذاكرته برائحة

التوابل والبهارات والعطور الشامية، ممّا كوّن في ذاكرته مكاناً

فسيحاً لعبق التاريخ، حيث تتدافع نسائم الحضارات البائدة في

كلّ اتجاه. ولم يكن أمام نذير بعد أن اكتظت ذاكرته بهذا الغنى

الحضاري إلا أن يفرغ من مخزونه في لوحاته. فهند هي المرأة

العربية الجميلة التي رسمها نذير في أكثر من قماشة، صوّر

ملاحتها، وطراوة فتنتها، ونداوة بشرتها في أعمال مختلفة، بعضها

ذو منحى إيروتيكيلا يعلو على تشخيصمعالم العروبة والجمال.

كما أنّ دهشة نظراتها تؤكد على أنا المرأة التي تسعى لأن تُسمع

  ـ عبد الكبير الخطيبي، الفن العربي المعاصر، مقدمات، ترجمة: فريد الزاهي،

5

33 :

، ص

2003 ،

منشورات عكاظ، الرباط

.35 :

  ـ عبد الكبير الخطيبي، مرجع سابق، ص

6

أدب وفنون: تشكيل

نبعٌ من الجُلنار ... قراءة في أعمال الفنان التشكيلي نذير نبعة