التَّخَلُّصُ مِنَ الْمِيتافِيزيقا عَنْ طَريقِ التَّحْلِيلِ الْمَنْطِقِيِّ لِلُّغَةِ


فئة :  ترجمات

التَّخَلُّصُ مِنَ الْمِيتافِيزيقا عَنْ طَريقِ التَّحْلِيلِ الْمَنْطِقِيِّ لِلُّغَةِ

التَّخَلُّصُ مِنَ الْمِيتافِيزيقا عَنْ طَريقِ التَّحْلِيلِ الْمَنْطِقِيِّ لِلُّغَةِ[1]

تقديم:

بدأت ملامح فكر كارناپ تظهر من خلال كتابه الرئيس "البناء المنطقي للعالم" الذي صدر سنة 1928، والذي عادة ما يسمى اختزالا "البناء"، فقد ركز فيه كارناپ على وضع إطار منطقي لبناء المفاهيم العلمية يسمح بتحويل أي جملة علمية، سواء كانت ترتبط بالملاحظة أو جمل صورية كتلك التي نجدها في الرياضيات وفي المنطق الصوري، لكنه أدرك أن هذا الإطار وإن كان يحتوي اللغة العلمية الملاحظة، فإنه يفشل في احتواء اللغة النظرية واللغة الاحتمالية التي هي لغة مستعملة في العلم. لذلك، وضع في كتابه "التركيب المنطقي للغة" الصادر سنة 1937 إطارين مختلفين: أحدهما للفيزياء، والآخر للرياضيات، وحدد مهمة الفلسفة في كونها نحوا منطقيا للغة. وبعد هذا الفترة وسع كارناپ هذا الإطار، ليشمل العلاقات الاحتمالية من خلال إصداراته حول الاحتمال والاستقراء، ثم انتقل في الأخير من نظرية البناء المنطقي إلى الدلاليات.[2]

بما أن هذه المقالة صدرت بالألمانية سنة 1932، فهي تدخل في خانة مرحلة البناء المنطقي للغة العلم، وتتوسط زمنيا كتاب "البناء المنطقي للعالم"، وكتاب "التركيب المنطقي للغة". إذا كان التحليل المنطقي للغة العلم مثمرا، ويدخل في مجال العلم الإيجابي، فإن التحليل المنطقي للغة الميتافيزيقي يعدّ عقيما؛ لأنه يدخل في مجال العلم السلبي، ويقصد به الميتافيزيقا والفلسفات المعيارية كالأخلاق والجمال والفن. ولهذا، فإذا كان التحليل المنطقي لا يستطيع بناء لغة الميتافيزيقا، فإنه يجب التخلص منها.

لا يمكن فهم عداء كارناپ للميتافيزيقا ومحاولة التخلص منها على أنه نابع من كراهية ذاتية، ولكن سبب هجومه عليها يرجع إلى أصحابها الذين يحشرونها في مجال النظر، ويقدمون حججا للدفاع عنها، ويجادلون غيرهم في قضاياها، وكأنها أمور معرفية. لذلك، فمحاولته للتخلص من الميتافيزيقا تهدف إلى إخراجها من دائرة النظر، ودائرة العلم، بل وحتى من دائرة الفلسفة، وردها إلى مجال الأدب والفن. فالنقاشات الحادة بين الميتافيزيقيين حول قضايا الوجود، وقضايا القيم، وقضايا الإلهيات كما ورثتها الفلسفات الوسطوية، والفلسفات الحديثة وبعض الفلسفات المعاصرة عن فلاسفة اليونان، نقاشات عقيمة، ولا طائل منها؛ لأن العبارات التي يستعملونها ليست عبارات ذات معنى، بل هي عبارات زائفة؛ لأنها تتضمن ألفاظا لا أثر لها في الواقع، ولا يمكن بناؤها منطقيا في جمل أساسية. كما يرجع هجوم كارناپ على الميتافيزيقا إلى التأسيس المعرفي للميتافيزيقا وللمجالات الأخلاقية، كما فعل سبينوزا لما أقام الأخلاق على أساس معرفي على سبيل المثال.

إنَّ ما تُعانيه الميتافيزيقيا منذ أنْ نشأت هو قلق عباراتها. ويرجع هذا القلق، إمَّا إلى الألفاظ الغامضة الَّتي ترد في هذه العبارات، أو ترجع إلى التأليف بين هذه الألفاظ، ليس بالمعنى النَّحوي الَّذي نعرفه، وإنَّما بمعنى التَّركيب المنطقي الَّذي تطور حديثا. وعليه، فإذا كانت الألفاظ غامضة، ولا تشير إلى شيء في الواقع، ورُكبت في عبارات (رغم أنها سليمة من الناحية النحوية)، وكانت هذه العبارات مُخلة بالتركيب المنطقي، فإنَّه لا شك في أن هذه العبارات لا معنى لها، وهي ليست جمل حقيقية، وإنَّما هي جمل مزيفة. كذلك وجد كارناپ لغة الميتافيزيقا.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا

[1]- هذه المقالة، عنوانها الأصلي باللغة الألمانية:

"Überwindung der Metaphysik durch Logische Analyse der Sprache"

نشرت في مجلة الفهم، المجلد الثاني، سنة 1932. وقد نشرت المقالة هنا بموافقة الأستاذ كارناب. قام بترجمة هذه المقالة إلى الإنجليزية آرثر پاپ Arthur Pap، ونشرت في كتاب:

A. J. Ayer, ed. Logical Positivism, The Free Press, New York, Third Printing September 1960, pp.60-81

[2]- هناك مقالة مهمة حول أهم عناصر فلسفة كارناپ في الموقع الإليكتروني لجامعة ستانفورد، يمكن الرجوع إليها:

https://plato.standford.edu