"عاشقات الشّهادة: تشكّلات الجهاديّة النسوية من القاعدة إلى الدولة الإسلاميّة"


فئة :  قراءات في كتب

"عاشقات الشّهادة: تشكّلات الجهاديّة النسوية من القاعدة إلى الدولة الإسلاميّة"

قراءة في كتاب

"عاشقات الشّهادة: تشكّلات الجهاديّة النسوية من القاعدة إلى الدولة الإسلاميّة"

تأليف: محمّد أبو رمّان ـ حسن أبو هنيّة


تعتبر "النّسائية الجهاديّة" عالما واسعا له مداخله الخاصّة وغرفه الخفيّة، يشتبك مع الجهاديّة العالميّة في تطوّرها التّاريخي، لكنّه ينفصل عنها في لحظاتٍ معيّنة، فهو يرتبط بخصوصيّته الجندريّة خاصّة في المجتمعات العربيّة والمسلمة، التي يتمّ فيها تحديد موقع منفصل ومغاير لدور المرأة عن موقع ودور الرّجل؛ وهي القضيّة التي تبدو أكثر بروزاً وإشكاليّة في أوساط الجهاديّين، الذين يرون بأنّ عمليّة الفصل والتّمييز بين الرّجل والمرأة مسألة دينيّة وفقهيّة، وأنّ أحكامها ثابتة مستقرّة لا جدال فيها. إذن كيف يمكن، ضمن هذ الرّؤية المحافظة للجهاديّين، أن نفهم التّحولات والتّطورات الأخيرة التي طرأت على دور "المرأة الجهاديّة"، وانتقالها من أدوار تقليديّة لدى الجماعات الجهاديّة؛ بوصفها ربّة منزل ومربيّة للأبناء إلى امرأة جهاديّة انتحاريّة"؟ بل كيف يمكن تفسير التّعارض المفترض بين طبيعة هذه التّنظيمات المتطرّفة والدّموية من جهة، وبين طبيعة المرأة العاطفيّة التي لا تميل عادة إلى هذا النّمط من الحياة والسّلوك من جهةٍ ثانية، فهل ثمّةّ تضارب بين الطبيعتين فعلاً؟ أم أنّ هذه الفرضيّة غير دقيقة من الأساس؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، صدر عن مؤسّسة فريدريش أيبرت في عمّان مؤخّرا (2017) كتاب "عاشقات الشّهادة: تشكّلات الجهاديّة النّسوية من القاعدة إلى الدّولة الإسلاميّة" للكاتبين الأردنيين محمّد أبو رمّان[1] وحسن أبو هنيّة[2] ليكون لبنة إضافيّة حقيقيّة إلى النّسق الفكري الذي يشتغل عليه المختصّان بالقضايا الأصوليّة الإسلاميّة، وتحديدًا الجهاديّة الإسلاميّة المعاصرة منذ نشأتها إلى الآن.

والكتاب يقع في 514 صفحة من الحجم الكبير، قسّمه الكاتبان إلى مقدّمة، وتسعة فصول على قسمين، اختصّت الفصول الأربعة الأولى في القسم الأوّل منه، بالجانب النّظري الذي يتناول التّحولات التّاريخية والتّشكلات الأيديولوجيّة والتّطورات على صعيد واقع المرأة في أراضي تنظيم الدّولة الإسلاميّة، بينما احتوى القسم الثّاني خمسة فصول، كان محورها دراسة نماذج من الجهاديّة النّسوية لمعرفة الأسباب والشّروط والعوامل السّوسيولوجية المحيطة بهذه النّماذج، والتي دفعتها إلى اختيار هذا الطريق والولوج إلى عالم الجهاديّين، إضافة إلى خاتمة وفهرست للموضوعات.

إنّ الهدف من الكتاب كما يظهر من المقدّمة "هو الاشتباك مع ذلك المنظور الاختزالي التّسطيحي للظاهرة الجهاديّة عموماً والنّسائية الجهاديّة خصوصاً؛ فعلى مدى عقود شكّلت دراسة الجماعات الجهاديّة والجهاديّين حقلاً من البلبلة والاضطراب والتّشوش حجبت محاولة فهم دوافع "الجهاديّين"، كما أعاقت السّعي للاقتراب من الأسباب والشّروط والظروف الموضوعيّة السّياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة لظاهرة التّطرف العنيف، مستكينة إلى مقاربات إيديولوجيّة استشراقيّة وثقافويّة مختزلة. وإذا كانت دراسة الجهاديّين تعاني من سوء القصد وصعوبة الفهم، ومن الالتباس، وتتلبّس بالأثر الاستشراقي والثقافوي، فإنّ دراسة الجهاديّات تعاني من إساءة مضاعفة، فقد شكّلت المرأة المسلمة موضوعاً وموضعاً خصباً لأخيلة المستشرقين؛ إذ طالما كانت المسألة الجنسيّة إحدى الخصائص المهمّة والموضوعات المميّزة لخيالات وبحوث المستشرقين"[3].

في القسم الأوّل "الجهاديّة النّسوية: التّحولات التّاريخية والتّشكلات الأيديولوجيّة"، والذي يضمّ أربعة فصول أشار الكاتبان في الفصل الأوّل -التّحولات التّاريخية والتّشكلات الإيديولوجيّة- إلى أنّ السّلطة المرجعيّة المؤسِّسة للجهاديّة النّسائية المعاصرة تستند -على صعيد الإيديولوجيّة النّظرية والممارسة العمليّة وطبيعة الأدوار وحدودها- إلى المصادر الفقهيّة السّنية ومذاهبها الرّئيسة من الحنفيّة والمالكية والشّافعية والحنبليّة، وهي مصادر تكاد تتطابق في الأحكام المتعلّقة بجهاد المرأة[4]، وتعتمد على سِيَر الصّحابيات والتّابعيات اللاتي شاركن بطرائق عديدة في الأعمال الحربيّة والفتوحات، كمسانِدات بصورة أساسيّة، ومقاتلات في أحيانٍ استثنائيّة. فثمّة توافق كبير في المراجع الفقهيّة على عدم وجوب قتال المرأة في حالة الجهاد الهجومي[5]، في مقابل التّساهل أو القول بالاستحباب أو بالوجوب في حال الدّفاع[6]. فالمصادر السّنية تتحدّث عن دور النّساء في الفتوحات وأدوارهنّ اللوجستيّة المتعدّدة كشحذ همم الرّجال، والتّطبيب، والمؤازرة، والرّعاية، ونقل الماء والسّلاح، وإعداد الطّعام للجيش، وحراسة الأسرى وغيرها من الأعمال غير القتاليّة المباشرة؛ أي يحضرن لتُقوّى القلوب وتعظم الشّوكة وتشتدّ النكاية على الكفّار، وهو ما أشار إليه النّووي بقوله: "ويستصحب الإمام المراهقين إذا كان فيهم جلادة وغناء في القتال وكذا لمصلحة سقي الماء ومداواة الجرحى، ويُستصحب النّساء لمثل ذلك كما سبق"[7].

وفي هذا الفصل أيضا، تتبّع الكاتبان موقف التّيار الإسلامي الحديث والمعاصر، عموماً، من مشاركة المرأة في النّشاط الجهادي، عبر الانتقال من النسخة الوهّابية باعتبار وضع المرأة في "الدّولة الإسلاميّة" يستند بصورة كبيرة إلى التّراث الفقهيّ الوهابيّ، إلى الإخوانيّة، ثم بروز أفكار سيّد قطب ورؤيته لدور المرأة، مروراً بالجماعات الجهاديّة التي تأثّرت بأفكاره، مثل جماعة التّكفير والهجرة (شكري مصطفى)، وتنظيم شباب محمّد (صالح سريّة)، والطليعة المقاتلة في سورية (مروان حديد)، وجماعة الجهاد (عبد السلّام فرج) والجماعة الإسلاميّة (عمر عبد الرحمن) في مصر، ثم حقبة الجهاد الأفغاني (عبد الله عزام(، ليخلصا في الأخير إلى أنّ دور المرأة في الجماعات الجهاديّة قبل أحداث 11 سبتمبر كان هامشياً، حيث كان الخطاب الجهادي المتعلّق بالنّساء مرتكزاً على مسائل الهويّة والأخلاق، يُصوّر المرأة كمُنجبة ومربيّة للجهاديّين، بينما مع تنظيميْ "القاعدة" و"داعش" تغيّرت الأمور تماماً وانقلبت رأساً على عقب فيما يتعلّق بدورها، إذ أصبحت "جهاديّة"، وليست فقط "زوجة مجاهد"، وأصبحت تقوم بأدوار متعدّدة، بل أكثر من ذلك هنالك كتائب مخصّصة لها، فمع أبي مصعب الزّرقاوي (مؤسّس تنظيم الدّولة سابقاً في العراق) برزت المرأة الانتحارية، بعد أن كانت التّجربة مقتصرة على التّجارب الإسلاميّة الوطنيّة، مثل حماس وجهاد.

وبالانتقال إلى الفصل الثّاني "نساء القاعدة والدّولة الإسلاميّة" أكّد الكاتبان أنّ مشاركة المرأة في تنظيم القاعدة أوّلا، لم تحظ باهتمام مؤسّس التّنظيم أسامة بن لادن[8] ولا خليفته أيمن الظواهري، إذ تخلو خطاباتهما ورسائلهما من الحديث حول قضايا المرأة، وتقتصر مساهمتهما الفكريّة على بعض التّوجيهات النّادرة بالتّشديد على عدم مشاركة المرأة في الأعمال القتاليّة والحفاظ على أدوارها التّقليدية في رعاية المنزل وتربيّة جيل جهادي، باعتبار ذلك ذا قيمة أساسيّة في الحفاظ على الهويّة، كما لم يُدخل تنظيم القاعدة المركزي النّساء في هياكله التّنظيمية، رغم وجود حالات نسائيّة فردية رغبن بالالتحاق والمشاركة والانتماء للتّنظيم. وعلى عكس ذلك، عمدت فروع التّنظيم الإقليمية على إدخال المرأة بطرائق عديدة في المجالات الدّعوية والدّعائية لاحقاً، حيث تمّ إشراك المرأة في الأدوار اللوجستية، كجمع التبرعات ورعاية أسر القتلى والسّجناء. لكن مع شبكة الزّرقاوي -التي أصبحت لاحقاً فرعاً للقاعدة في العراق، ثم أسّست تنظيم الدّولة الإسلاميّة- انتقل دور المرأة إلى الأعمال القتاليّة وصولاً إلى العمليات الانتحاريّة، وبذلك تكون مشاركة المرأة في تنظيم الدّولة الإسلاميّة قد شهدت طفرة في عمليّات التّجنيد والاستقطاب، منذ سيطرته على مدينة الرقّة السّورية ومدينة الموصل العراقيّة عام 2014 وإعلانه عن قيّام "الخلافة الإسلاميّة"، حيث التحقت مئات النّساء بالتّنظيم من مختلف أنحاء العالم.

وعلى الرّغم من التحفظات السّابقة لدى كلّ من ابن لادن والظواهري على دور المرأة، وتأكيدهما أنّ جهاد المرأة يقوم على الأدوار التّقليدية في المنزل ورعاية الأسرة وبعض الأدوار اللوجستية؛ إلاّ أنّ بعض النّساء سعين إلى تعزيز وزيادة أدوارهنّ والبحث عن مكانة جديدة في الفضاء الجهادي، وقد جاء ذلك عن "طريق تنظيم الدّولة الإسلاميّة؛ حيث أُعطيت المرأة أدواراً تتجاوز تراث الجهاديّة المحليّة والتّضامنية والعالميّة من خلال نظريّة دمج الأبعاد الجهاديّة والانتقال من حرب العصابات والنّكاية إلى حروب السّيطرة والتّمكين لإقامة الدّولة وتأسيس الخلافة"[9].

يُمكن القول إذن، إنّ تعاظم حضور المرأة وتعدّد أدوارها داخل تنظيم الدّولة الإسلاميّة قد بدأ فعلياً بعد تنامي تنظيم "داعش"، وذلك عقب فشل التّحولات الدّيمقراطية في العالم العربي بداية2011، وخصوصاً مع وصول الاحتجاجات إلى سوريا؛ فقد عمل نظام الأسد على قمع الحركة الاحتجاجيّة السّلمية بقسوة ودفع إلى عسكرتها، وبهذا تحوّلت سوريا خلال فترة وجيزة إلى أكبر ساحة لاستقطاب "الجهاديّات". فبحسب جون بول لابورد (Jean-Paul Laborde)، رئيس المديريّة التّنفيذية للجنة الأمم المتّحدة لمحاربة الإرهاب، فإنّ "القضيّة الأولى التي أذهلت المحلّلين في فريقي هي أنّ 550 امرأة أوروبيّة سافرت إلى مناطق خاضعة لتنظيم الدّولة الإسلاميّة، وفي بعض الدّول تمثل النّساء ما بين عشرين وثلاثين في المئة من المقاتلين الإرهابيّين الأجانب، كما أنّ عدد الفتيات الّصغيرات اللاتي أقسمن بالولاء لتنظيم الدّولة على الإنترنت قد ازداد أيضاً"[10].

لقد أنشأ تنظيم الدّولة الإسلاميّة -كما بيّن الكاتبان في الفصل الثّالث "نساء الخلافة"- مجموعة من المؤسّسات الإيديولوجيّة والعسكريّة، وفي مقدّمتها منظومة واسعة من الدّواوين (مؤسّسات) المختصّة بمختلف نواحي الحياة، مثل: ديوان الجند الذي يتبع وزارة الحرب، وديوان القضاء والمظالم، وديوان التّعليم، وديوان الإعلام، وديوان الدّعوة والمساجد، وغيرها من الدواوين، وقد احتلّت المرأة أدوارا فاعلة في مجال الوظائف الإدارية واللوجستية في هذه الدواوين، ولكن رغم ذلك، فإنّ المرأة في "الدّولة الإسلاميّة" تمتلك رؤية لا تختلف عن رؤية الذّكور، في تحديد أدوارها، باعتبارها تنبثق عن أدوار حدّدتها الشّريعة الإلهية سلفاً؛ بعيداً عن الصور النّمطية السّائدة التي تنظر إلى النساء اللواتي يلتحقن بمجموعات جهاديّة باعتبارهنّ إمّا يائسات، أو مختلّات عقليّاً، أو ساذجات، أو يتمّ التّلاعب بهنّ من قبل نظرائهنّ الذّكور، أو يرغبن في أن يكنّ "عرائس للجهاديّين"، ويُمكن القول بأنّ النّساء في "الدّولة الإسلاميّة" منخرطات في شكل من النّسوية المضادّة لتوجّهات النّسوية الغربيّة والنسوية الإسلاميّة.

هكذا إذن، وعلى الرّغم من أنّ المرأة احتلت مراكز إداريّة مهمة في "الدّولة الإسلاميّة"، إلاّ أنّ الجانب الأكثر أهميّة في عملها مع "داعش" يتمثّل في الدعاية الإلكترونيّة والتّجنيد، إذ إنّ نسبة كبيرة من مواقع التّواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونيّة تدار اليوم بواسطة النّساء، وبذلك برزت في فضاء "السّلفية الجهاديّة" أسماء لامعة من النّساء الجهاديّات، سواء في أراضي التّنظيم أو خارجه، مثل فقيهة التّنظيم إيمان البغا[11]، والشّاعرتين أحلام نصر[12] وسلاف النّجدية[13]، وريما الجريش، وندى القحطاني، ووفاء الشّهري، وأم رباب، وقبلهنّ المغربيّة فتيحة المجّاطي وأمينة العرودي، وغيرهنّ، إلاّ أنّ التقدّم الأبرز لنساء الخلافة كان هو تأسيس كتيبة الخنساء[14] التي تشارك في الأعمال القتاليّة والاستخباراتيّة، ومتابعة قضايا التّجسس لأوّل مرّة في تاريخ الفكر الجهادي، إضافة إلى عمليّات التّفتيش للنّساء في الحواجز من أجل حفظ الأمن، وذلك من خلال ديوان الحسبة.

في الفصل الرّابع "عاشقات الشّهادة؛ ظاهرة الانتحاريّات" يذهب الكاتبان إلى أنّه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أصبحت العمليات الانتحاريّة استراتيجيّة أساسيّة للجهاديّة العالميّة نظراً لما تحدثه من خوف ورعب، ونظراً لقلّة كلفتها وشدّة أثرها ونكايتها في العدوّ بحسب الجهاديّين، وقد تكاثرت الكتب والرّسائل والفتاوى في بحث مشروعيتها واستحبابها، حيث لا نجد منظِّراً جهاديّاً لم يتناولها بالكتابة في مباحث خاصّة ضمن مؤلّفات تُعنى بأحكام الجهاد، أو أفرد لها رسالة منفصلة، وبهذا تكوّنت مكتبة ضخمة خاصّة بالعمليّات "الاستشهاديّة"، لكنّها على كثرتها لم تتحدّث عن إشراك النّساء في هذه العمليّات، وإن كانت قد مدحت منفّذيها بشكل عام.

ويشير تاريخ العمليّات الانتحاريّة إلى أنّ "الجهاديّة العالميّة" تأخّرت بإدخال العمليّات الانتحاريّةّ وشرعنتها، حتّى منتصف عقد التّسعينيات من القرن الماضي، وأنّها لم تُدخل النّساء إلا مع بداية الألفيّة الجديدة، فقد تحفّظت الجهاديّة العالميّة من عبد الله عزّام إلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري على شرعيّة القيام بالعمليّات الانتحاريّة إلى حدّ تحريمها ومنعها على كلا الجنسين، وشدّدت على أدوار المرأة التّقليدية، ولذلك لم تشهد أفغانستان خلال التّدخل الرّوسي أيّة عمليّة انتحاريّة، وعندما بدأت حركات جهاديّة وطنيّة بإدخالها والتّوسع بها خلال تسعينيّات القرن الماضي واستخدام النّساء في تنفيذها، بدأت الجهاديّة العالميّة تعيد النّظر في شرعيّتها، "ومن الطريف أنّ فتاوى جواز هذه العمليّات باعتبارها استشهاديّة جاءت من طرف علماء شريعة معاصرين من داخل المؤسّسات الدّينية الرّسمية أو قريبين منها، وليس من طرف منظّري الجهاديّة العالميّة، تحت باب جواز تفجير النّفس بقصد النّكاية بالعدوّ، أمثال الدّكتور علي الصوا، والدّكتور عجيل النّشمي، وشيخ الأزهر محمّد سيّد طنطاوي، ومفتي سوريا الشّيخ أحمد كفتارو، والشّيخ ناصر الدّين الألباني، وقد أفتى بجوازها عدد من علماء السّعودية، أمثال الشّيخ عبد الله بن حميد، الشّيخ عبد الله البسّام، والشّيخ عبد الله بن منيع، والشّيخ حمود العقا، والشّيخ محمّد بن عثيمين"[15].

وفي هذا الصدّد، لابدّ أن نشير إلى أنّ زعيم القاعدة في جزيرة العرب يوسف العيري كان أوّل من دافع عن مشاركة المرأة في الأعمال الجهاديّة، فعلى الرّغم من تشديده على الأعمال اللوجستية غير القتاليّة، إلا أنّه امتدح العمليّات الاستشهاديّة النّسائية، وأثنى على حواء براييف التي نفّذت أوّل عملية نسائيّة في الشّيشان. وإذا كان يوسف العيري امتدح مشاركة المرأة في العمليات الاستشهاديّة دون أن يدخلها فعلياً، فقد عمل الزّرقاوي على إدماجها وتأسيس كتيبة جهاديّة نسائيّة، لذلك أصبحنا نجد خطاباته تتدرّج من مخاطبة الرّجال إلى مخاطبة النّساء بصورة مباشرة.

وفي بحث الكاتبيْن عن الأسباب الحقيقية وراء بروز العمليّات الاستشهاديّة النّسوية، خلصا إلى أنّ الجهاديّات يسعين بفعلهنّ هذا "لإشباع الذّات وتحقيق المساواة مع الرّجال، والمساهمة في تأسيس "مجتمع الجهاد"؛ فكتابات النّسائية الجهاديّة الدّعائية تتماهى مع خطاب الجهاديّين التّحريضي، فقد كتبت إحدى الجهاديّات التي تُكنّى باسم "أخت الجهاد" من السّعودية في صفحة حسابها على موقع تويتر قائلة: "فليفتحوا الطريق لحرائر الجزيرة، وتالله لن نبيت ليلة واحدة إلا بعمليّة استشهاديّة تمزّق أجسادنا إرباً إرباً، أخواتي الموحّدات تعلّمن قيادة السّيارة لا لتجبن شوارع الدّنيا بل لتسجّلن في قائمة الاستشهاديّات فما يتبقى إلا كبسة زرّ"[16].

أمّا القسم الثّاني "المهاجرات: لماذا وكيف أصبحن جهاديّات"، فقد تمّ تخصيص فصوله الخمسة للنّسائية الجهاديّة من خلال التعمّق في دراسة 47 حالة من اللواتي هاجرن إلى أرض "داعش"، عربيّات وأوروبيّات وأمريكيّات، لمعرفة الأسباب والشّروط والعوامل السّوسيولوجية والسّيكولوجية المحيطة بهذه الحالات، والتي دفعتها إلى اختيار هذا الطريق والولوج إلى "تنظيم الدّولة الإسلاميّة" الذي أصبح يقدّم مشروعاً مختلفاً نسبيّا عن تنظيم القاعدة والمتمثّل في "أرض الخلافة"، ممّا يداعب خيال العديد من النّساء الجهاديّات، اللواتي يحلمن بحياة أفضل في ظلّ دولة إسلاميّة تنسجم قوانينها وثقافتها مع ما يُؤمنَّ به، في حين أنّ تنظيم القاعدة لم يكن يهدف إلى إقامة دولة إسلاميّة، ولا يمتلك مثل هذا المشروع الذي أغرى الكثير من الفتيات والنّساء، وتمّ التّرويج له في العالم الافتراضي بصورة مثاليّة.

وبدراسة مختلف الحالات، يتبيّن لنا أنّ هناك عوامل متعدّدة ساهمت في جاذبيّة تنظيم داعش للنّساء، تتمثّل أوّلاً بوجود "مشروع سياسي" بديل عن الحياة الغربيّة الحداثيّة التي تعيش فيها المجنّدات، وبديل كذلك عن الحياة في الأنظمة العربيّة العلمانيّة، وهذا المشروع هو المفتاح الرّئيس في تفسير صعود "النّسائية الجهاديّة"، لأنّه يرتبط بقضية الهويّة؛ فالأوروبيّات المسلمات على سبيل المثال كنّ يبحثن عن مشروع ينسجم مع أفكارهنّ وعقائدهنّ ورؤيتهنّ لهويتهنّ الدّينية[17]، بديلاً عن الحداثة التي عصفت بمجتمعاتهنّ، فأزمة الهويّة الإسلاميّة إذن سهّلت الطريق أمام الدّعاية الإعلاميّة للتّنظيم، وما يجب الإشارة إليه هنا قبل كذلك هو أنّ أغلب المجنّدات لم يذهبن إلى هناك من أجل الشّهادة ومن أجل أن يُقتلن فقط، بل من أجل الحياة قبل ذلك؛ فمن الواضح أنّ غالبيتهنّ كنّ يبحثنّ عن مجتمع بديل أكثر انسجاماً مع رؤيتهنّ للدّين والمجتمع والدّولة.

لقد تداخلت وتنوّعت العوامل التي بفعلها تحوّلت النّساء إلى "عاشقات للشّهادة" تحت راية تنظيم الدّولة الإسلاميّة؛ فهنالك من كان مدخلهنّ للسّلفية الجهاديّة هو الجانب السّياسي؛ أي الشعور بالقهر والذلّ من الهزائم، والذي بدأ لدى بعضهنّ مع حرب الخليج الثّانية (1991) مثل فتيحة المجّاطي؛ وكثيرات تأثّرن بالأزمة السّورية الحاليّة، وهنالك في المقابل من النّساء من كان مدخلهنّ دينياً أو روحياً، مثل حسناء بولحسن ومليكة العرود؛ أي الشّعور بالحاجة إلى الانتقال من حياة لادينيّة إلى حياة دينيّة، وهنالك حالات كان المدخل فيها إنسانيّاً، مثل الطبيبات السّودانيات، وأخريات كان مدخلهنّ هو البحث عن المشروع البديل للحداثة الغربيّة، وهنالك من التحقن بفعل أزمات عاطفيّة يعانين منها...، ولكن ما يجمع بين كلّ الحالات هو "موضوع الهويّة، فالأزمات السّياسية والذلّ والهوان والمداخل الإنسانيّة والعاطفيّة والروحيّة كلّها وجوه متعدّدة لسؤال الهويّة، وقد برع التّنظيم في استثمار وتوظيف النّقاط والخطوط الحسّاسة لهذا السّؤال عبر استنطاقه "الهويّة المتخيّلة" عن المجتمع المسلم الذي يحكم بالشّريعة، والحياة الرّوحية المريحة، ورضوان الله، والشّهادة، وإقامة الخلافة، والدّفاع عن المسلمين، ومواجهة الصّليبيّين والشّيعة وإيران والأنظمة العربيّة الفاسدة، فكلّ هذه العناوين يمكن أن نجدها في كتاب الهويّة وفصوله وأبوابه المختلفة والمتعدّدة"[18].

لقد ارتكز كتاب "عاشقات الشّهادة: تشكّلات الجهاديّة النّسوية من القاعدة إلى الدّولة الإسلاميّة" على بعدين؛ أحدهما أكاديمي والثاني تطبيقي؛ فقد بحث مؤلّفاه على مدار 514 صفحة -ومن خلال الشّهادات الميدانيّة- دوافع التحاق النّساء بالتّنظيمات المتشدّدة والمتطرّفة بالرّغم من أنّ هذه التّنظيمات تنتهك أبسط حقوقهنّ، كما تناول دوافع انسلاخهنّ عن مجتمعاتهنّ وتحولهنّ إلى مقاتلات وعناصر مؤثّرة في تنظيمات متشدّدة تحلّل القتل والإفساد في الأرض باسم الدّين، وبذلك يكون هذا الكتاب مساهمة فعّالة في النّبش في مناطق مهملة ومسكوت عنها في مسار كثير من الإرهابيّات لم يسبق التّطرق لها قبلا، أو تناولتها بعض الدّراسات بنوع من الاحتشام.

فمن خلال 47 بورتريه لإرهابيّات اختلفت تجاربهنّ يكشف الكتاب -وهنا تكمن أهميّته- عن الخلفيّات الشّخصية والنّفسية لهذا الصّنف من النّساء، والتي دفعتهنّ إلى ولوج عالم التّطرف، ومن ذلك الهشاشة النّفسية والتّفكّك الأسري والحياة الاجتماعيّة الصعبة...، وهي عوامل استغلّتها الجماعات الإرهابيّة لجذبهنّ واستغلالهنّ ودفعهنّ إلى الحلم بعالم وهميّ وسط تراجع دور الأسرة والمجتمع وكلّ الفاعلين فيه. فاستخدام المنظّمات الإرهابيّة للمرأة في تنفيذ العمليّات هو بمثابة ميزة استراتيجيّة مهمّة أكثر من مشاركة الرّجال أنفسهم في هذه العمليّات، فالمرأة تستطيع التّهرب بسهولة من إجراءات الكشف والأمن، بالإضافة إلى العامل الإعلاميّ الذي سيقوم بتضخيم الخبر في حال اكتشاف أنّ امرأة هي المسؤولة عن العمليّة أو المشاركة فيها.

لكن ما يؤاخذ على الكتاب هو أنّه لم يبحث في عالم نساء لا علاقة لهنّ بالفعل الإرهابيّ مباشرة، ولكنهنّ على علاقة بالجناة أو بضحايا فعل الإرهاب وهنّ كثيرات، وهو الأمر الذي ستتوسّع فيه الكاتبتان "أمال قرامي" و"منية العرفاوي" في كتابهما "النّساء والإرهاب"، والذي خلصتا فيه إلى أنّ المرأة حين "تتّخذ من العنف المادّي وسيلة للتّغيير، وتلحق الأذى بالأبرياء فإنّها تربك نسق التّمثّلات، فتقضي على التّصوّرات التّقليديّة التي يحملها المجتمع البطريكي عن النّساء. لا يعدّ ذلك نوعًا من التّعاطف تجاه هذا السّلوك القائم على العنف والقتل، بقدر ما يمثّل حافزًا لإعادة النّظر في منزلة المرأة اجتماعيًا وسياسيًا منذ صدر الإسلام بعد أن جرى استبعاد حضورها في الحروب والغزوات من المؤرّخين، وهذا ما يجعل تفكيك الظاهرة الإرهابيّة الحاليّة أمرًا أكثر شموليّة"[19]. فضمن هذا السّياق تصرّح مؤلّفتا الكتاب، أنّه جرى استغلال النّساء بشكل مروّع، وذلك من خلال تحفيزهنّ على الانتقام "بدافع دينيّ أو جنسيّ أو ثقافيّ من كلّ سلطة لحقت بهنّ، حتّى إنّ مشاركتهنّ في القتل أصبحت بمنزلة ردّ اعتبار لهنّ ومحفّزا على إثبات كينونتهنّ، فرُبَّ عدميّة كهذه تدفع بامرأة ما إلى أن تتباهى أمام الكاميرا بحمل السّلاح ولا تتوانى عن الإشادة بالعنف الممارس في "الدّولة الإسلاميّة"، بل وصل الأمر ببعض الفتيات إلى حمل رأس من نفّذ فيه الحدّ، فهذه العدميّة التي لا يحكمها غير قانون الدم لم تسقط فيها نساء ورجال التّنظيمات الإرهابيّة فحسب، بل سقط فيها أيضًا من يصدّر نفسه الآن مدافعًا عن الأوطان ضدّ الإرهاب (نموذج نظام الأسد)، وبذلك يمكن القول بعدم إدانة التّنظيمات الإرهابيّة وحدها بقدر ما يمكن إدانة بعض الأنظمة المحاربة له كذلك، لأنّ دكتاتوريّتها وعجزها أفضيا بشكل أو بآخر إلى صناعة الإرهاب أو التّواطؤ معه، وهو ما سيغذّي بالضّرورة ضراوة الحرب الدّائرة".[20]

في الختام، نخلص إلى أنّ التحاق النّساء بالتّنظيمات الإرهابيّة يعدّ "طفرة" في حدّ ذاته، وبذلك تكون فرضية العودة إلى الوراء أو التّراجع فرضيّة ضعيفة، خاصّة مع توافر الشّروط السّياسية والمجتمعيّة المغذّية للرّاديكالية، ما يعني أنّ المرحلة القادمة -حتّى لو تراجع تنظيم الدّولة الإسلاميّة وفقد سيطرته على كثير من المناطق التي تحت سيطرته- ستشهد حضوراً متزايداً للنّسائية الجهاديّة التي قطعت مسافة كبيرة في الصّعود والانتشار، وما يعزّز هذه الفرضيّة هو أنّنا أصبحنا أمام ظاهرة جديدة تتمثّل في "العائلات الجهاديّة"، أو كما اصطلح عليه مؤلفا الكتاب بـ"المجتمع الجنيني الجهادي" الذي أخذ يتشكّل في بعض المجتمعات العربيّة والمسلمة، وبصورة خاصّة في العراق وسوريا؛ فكثير من النّساء قمن بالزّواج هناك، وأنجبن أبناء وبنات، وأصبحن ملتحمات بالتّنظيم إلى درجة كبيرة.

[1]- محمد أبو رمان، باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، ومتخصّص في حركات الإسلام السياسي وقضايا الإصلاح في الأردن، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة في عام 2009، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة آل البيت في العام 2000، ودرجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة اليرموك في العام 1995، صدرت له مجموعة من الكتب والدراسات باللغتين العربية والإنجليزية حول الحركات الإسلاميّة في الأردن، من أبرزها كتاب "الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي (الشبكة العربية للأبحاث والترجمة، بيروت، 2010)، وكتاب "بين الحاكمية وسلطة الأمّة: الفكر السياسي للشيخ محمد رشيد رضا (وزارة الثقافة، عمان، 2010). وكتاب "السلفيون والربيع العربي: سؤال الدين والديمقراطية في السياسة العربية" (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، مارس 2013).

[2]- حسن أبو هنية، باحث وكاتب أردنيّ، متخصّص في الحركات الإسلاميّة، لا سيّما الجهاديّة منها. أصدر عدداً من الكتب منها "تنظيم الدّولة الإسلاميّة: الأزمة السُنيّة والصراع على الجهاديّة العالميّة"، و"السلفية الجهادية في الأردن بعد مقتل الزرقاوي: مقاربة الهوية، أزمة القيادة وضبابية الرؤية"، و"السلفية المحافظة: استراتيجية أسلمة المجتمع وسؤال العلاقة الملتبسة مع الدّولة" وغيرها من الكتب بالتأليف المنفرد أو بالاشتراك، بالإضافة إلى كتابته عشرات المقالات في صحف متعددة عربيّة. وتُرجمت بعض كتبه إلى اللغتين الإنجليزيّة والألمانيّة.

[3]- محمد أبو رمان، حسن أبو هنية، عاشقات الشهادة: تشكلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى الدّولة الإسلاميّة، مؤسسة فريدريش إيبرت، عمان، الطبعة الأولى، 201، ص 19

[4]- بالنسبة إلى جهاد المرأة اتفقت المذاهب الأربعة على عدم وجوبه، لأنّ وجوبه "يفضي إلى الاختلاط والافتتان والسفور والتبرج، وقد جاء التشريع بصيانة المرأة المسلمة عن مواضع العطب ووقايتها من أسباب الابتذال والامتهان، إذ أمرهنّ بالقرار في البيوت والوقار فيها، وأمرهن بحفظ الأمانة الموكولة إليهنّ، وهي رعاية الزوج وتربية الأولاد...، وفي إعفاء الشرع للنساء من فريضة الجهاد تكريم للمرأة؛ لأنّ فيه مراعاة لقدراتها الجسمية والنفسية، وأنّها لا تقدر على مساجلة الرجال ومقارعهم" (انظر: عبد الرب نواب الدين آل نواب، موسوعة المرأة المسلمة المعاصرة، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 2000، ص ص 476-477). ويقول الصوا في هذا الصدد أيضا: "كان عدم تكليف النساء بالجهاد الهجومي منسجما مع مقصد الشريعة في رفع الحرج ومقصد حفظ النسل...، إنّ قصد الشارع من عدم تكليف النساء بالجهاد، إضافة إلى ما سبق حماية النسل والعرض بحماية أصوله، لأنه لو كلفهن بذلك لعرضهن للموت والجراحات والأسر والاغتصاب، وفي هذا إخلال بمقصد حفظ النسل حالا أو مآلا أو تسليم الأطفال إلى الضياع لانشغال من يقوم على رعايتهم بالحروب أباء وأمهات، وهذا مؤذن بإضعاف البنية الاجتماعية". (انظر: الصوا علي، الأحكام الشرعية المتعلقة بقتال النساء في الإسلام، مجلة الدراسات الجامعية الأردنية، علوم الشريعة والقانون، المجلد 28، العدد 1، سنة 2001، ص 149).

[5]- اتفق الفقهاء على عدم وجوب الجهاد على المرأة في حالة الهجوم، وقد نقل هذا الإجماع ابن حزم بقوله: "واتفقوا أن لا جهاد فرضا على امرأة" (انظر: ابن حزم، مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، دار الكتب العلمية، بيروت، ص 119)، ويقول ابن حجر: "ولا يجب على المرأة الجهاد لأنّ النساء مأمورات بالستر والسكون، والجهاد ينافي لك إذ فيه مخالطة الأقران والمبارزة ورفع الأصوات". (انظر: ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، ج.6، ص 76).

[6]- ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ القتال يتعين على المرأة إذا داهم العدو بلدة من بلاد المسلمين، فقد جاء في حاشية ابن عابدين: "وفرض عين إذا هجم العدو فيخرج الكل -أي كل من لم يكن من أهل الكفاية كالمرأة والعبد والمديون وغيرهم- ولو بلا إذن، ويأثم الزوج ونحوه بالمنع". (انظر: ابن عابدين محمد أمين، الحاشية (رد المحتار على الدر المختار)، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، 2000، ج.4، ص 127).

[7]- أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1405، ج.7، ص 441.

[8]- كان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن متحفّظاً على إدخال المرأة في التنظيم، وتلخّص وصيته التي كتبها بتاريخ 14 كانون أول/ ديسمبر، وذلك بعد نحو 3 أشهر من تفجيرات 11 سبتمبر، رؤيته التقليدية المحافظة المرتكزة على الشريعة والتمسّك بالهويّة في وجه التغريب، إذ يؤكد على أدوار المرأة التقليدية في المنزل والتربية كصانعة للجهاديين، وقد التزم بن لادن برؤيته هذه حتّى مقتله في أيار/ مايو 2011، فيوصي بن لادن النساء بقوله: "إياكم والتبرّج وتقليد مومسات الغرب ومسترجلاته، كنّ مدرسة لتخريج الرجال والمجاهدين في سبيل الله، وحافظن على شرفكنّ، ولتكن لكنّ في أمهات المؤمنين أسوة حسنة". ويخصّ زوجاته بوصية يشيد فيها بصبرهن وزهدهنّ حيث يقول: "جزاكم الله عنّي خيراً، فقد كنتنّ لي بعد الله سبحانه وتعالى خير سند وخير معين، من أول يوم كنتنّ تعرفن أنّ الطريق مزروع بالأشواك والألغام، تركتنّ نعيم الأهل واخترتن بجانبي شظف العيش، كنتنّ زاهدات في الحياة معي فازددن فيها زهداً بعدي، ولا تفكّرن في الزواج، حسبكنّ رعاية أبنائنا وتقديم التضحية والدعاء الصالح لهم". (انظر: محمد ناصر: وصية بن لادن، صحيفة الأنباء الكويتية، 03/05/2011، على الرابط:

www.alanba.com.kw/ar/arabic-international- news/192850/03-05-2011-

[9]- محمد أبو رمان، حسن أبو هنية، عاشقات الشهادة: تشكّلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى الدّولة الإسلاميّة، ص 112

[10]- انظر: النساء يمثّلن نحو 30 % من المقاتلين الإرهابيين الأجانب، تقرير دولي، مركز أنباء الأمم المتحدة، 26 فبراير 2016، على الرابط:

www.un.org/arabic/ news/story.asp?NewsID=25629#.WFsSu1N97IU

[11]- تعتبر إيمان البغا من أكثر نساء الدّولة الإسلاميّة شهرة وهي تحمل درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلاميّة، عملت في جامعات سعودية ثم التحقت بالتنظيم في تشرين ثاني/أكتوبر2014، تولّت مناصب رفيعة في ديوان البحوث، وقد تكون هي المرأة الوحيدة في مجلس شورى تنظيم الدّولة الإسلاميّة، أصدرت كتاباً بعنوان: "أنا داعشية قبل أن توجد داعش"، تدافع فيه عن إيديولوجية الدّولة الإسلاميّة. (انظر: إيمان البغا، أنا داعشية قبل أن توجد داعش، مكتبة الهمة، الطبعة الأول، 2014).

[12]- ظهرت مجموعة من الشاعرات ينافحن عن الخلافة ويمجّدن الدّولة الإسلاميّة، وتعتبر أحلام النصر وهو اسم حركي يقال أنّه لابنة إيمان البغا، أهم شاعرات الدّولة الإسلاميّة، حيث يطلق عليها لقب "شاعرة الدّولة الإسلاميّة" وقد احتفى التنظيم بوصولها إلى أرض الخلافة في سوريا بداية تشرين ثاني/ أكتوبر 2014. أصدرت ديواناً شعرياً بعنوان "أوار الحق" عام 2014 تمجّد فيه الجهاد والجهاديين، وهي تنشر أشعارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تمجيد الدّولة الإسلاميّة، ولها بحوث ودراسات منها رسالة بعنوان "سلاح الخلافة الإسلاميّة الاستراتيجيّ".

[13]- أصدرترسالةبعنوان "صنمالوطنية"تحطوتذمّفيهالروابطعلىأساسالوطنوتمجدروابطالأخوّةالدينيةالإسلاميّة، كما أصدرتنصاًأدبياًبعنوان"هجرةروح: رحلةإلىالنورمنجزيرةالعرب"، تتحدثفيهعن فضلالهجرةوجمالالعيشفيظلالخلافةكمانظمتمجموعةمنالقصائدالشعريةفيتمجيدالدّولةالإسلاميّةورثاءبعضقادتها، ومنهامجموعةقصائدبعنوان "أراجيزتحريضية"، تمجّدفيهاالجهادومقاتليالدّولةالإسلاميّةوتذمخصومالتنظيموأعداءه.

[14]- أسّس التنظيم كتيبة نسائية باسم كتيبة الخنساء في شباط/فبراير2014، وكانت وظيفتها هي التفتيش والتدقيق بالحواجز التي تقع تحت نطاق سيطرة وحكم التنظيم، وقد فرضت الظروف الأمنية ضرورة تشكيل هذه الكتيبة، بعد وقوع عمليات عسكرية نُفّذت بزي نساء، فبحسب شهادة احدى منتسبات الكتيبة، فإنّ ما عجَّل بتأسيس كتيبة الخنساء هو ما حدث على حاجز السباهية غرب الرقّة، حين قُتل ثلاثة عناصر من التنظيم، وقتل أربعة آخرون على حاجز المشلب شرق المدينة، على أيدي مجهولين يرتدون لباساً نسائياً، ويغطون وجوههم بالبراقع. (انظر الصفحة: 151).

[15]- انظر: سامي بن خالد الحمود، الأعمال الفدائية: صورها وأحكامها الفقهية، بحث ماجستير في الفقه وأصوله، جامعة الملك سعود بالرياض، كلية التربية، قسم الثقافة الإسلاميّة، 1428، ص 45

[16]- محمد أبو رمان، حسن أبو هنية، عاشقات الشهادة: تشكلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى الدّولة الإسلاميّة، ص 184

[17]- في دراسة أجرتها الباحثتان إرين ماري وميلاني سميث بعنوان: "حتّى تفرّقنا الشهادة" تم التوصل إلى أنّ الدوافع الحقيقية لالتحاق المجنّدات الأوروبيات بالتنظيم تنقسم إلى قسمين رئيسين: دوافع "طاردة" من أوروبا وأخرى "جاذبة" من تنظيم الدّولة، وأغلبها ترتبط بسؤال الهوية الدينيّة في المجتمعات الغربية والحداثية؛ تتمثّل العوامل "الطاردة" بعجز بعض المجتمعات الغربية عن دمج المسلمات في مجتمعاتهم، وشعور المسلمين بعدائيّة السياسات الغربية تجاه العالم العربي والإسلامي، بينما تتمثّل العوامل "الجاذبة" بإعلان التنظيم أنّه يمثل الهوية الإسلاميّة، وبأنّه يقيم أحكام الشريعة الإسلاميّة.

(Voir: Erin Marie Saltman, Melanie Smith, Till Martyrdom Do Us Part; Gender and the ISIS Phenomenon, op.cit, P: 4-18).

[18]- محمد أبو رمان، حسن أبو هنية، عاشقات الشهادة: تشكلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى الدّولة الإسلاميّة، ص 425

[19]- آمال قرامي ومنية العرفاوي، النساء والإرهاب، مسكلياني للنّشر والتوزيع، تونس، الطبعة الأولى، 2017، ص 53

[20]- نفسه، ص 271