منزلة الطب عند ابن ميمون: سم وترياق
فئة : أبحاث محكمة
منزلة الطب عند ابن ميمون: سم وترياق
الملخص:
إن المرتاد لأسفار التراجم وجوامع السير، التي حفظت ذكر الأفاضل من الأطباء، أمثال ابن النديم (ت. 384هـ/994م)، والقفطي (568هـ/1172م - 646هـ/1248م)، وابن أبي أصيبعة (1203 - 1270م)، ليجد أسماء سامقة قد بصمت تاريخ الطب بآثارها الخالدة. لقد أرست هذه النخبة أركان هذا العلم برسائلها في الأدوية، وجهودها الجليلة في إتقان صناعة الطب وممارسة الجراحة، وبإيلائها العناية القصوى للكحالة، مما كان له الأثر البالغ في تأطير هذا الفن تقنينا وتأصيلا. على أن الخزائن والمكتبات ما تزال محفلا لكنوز من المخطوطات الطبية البكر، التي لم يكتب لها بعد أن تقام على أساس التحقيق النقدي وتشاع بالنشر. هي ذخائر علمية تتطلب إماطة غبار الإهمال عن متونها، لكي تتجلى حقائقها للعيون وتستنير بها العقول، فتخرج في أبهى مظهر وأجزل صورة.
وفي سياق الوفاء لحق هؤلاء الأعلام في نشر إبداعاتهم، تتصدر رسالة موسى بن ميمون القرطبي (1135- 1204م) في السموم مقام كنز ثقافي رفيع الشأن. هذه الرسالة تمثل شاهدا على ذروة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى؛ حضارة قامت على أساس تأليف أعمال فكرية ذات قدر عظيم، لم تقتصر على المسلمين فحسب، بل كانت ميدانا أيضا لجهود المسيحيين واليهود وغيرهم، في سعي حثيث لطلب المعرفة الكلية التي لا ترضخ للحدود الدينية أو العرقية.
لكن هذه الرسالة، كغيرها من نفائس تراثنا، لم تكتب لها العناية المستحقة ضمن الدائرة البحثية العربية. وما توافر منها لا يعدو أن يكون نسختها التي نقلت إلى اللغة الفرنسية عام 1865م على يد الطبيب والمترجم رابينوفيتش (Dr. Israel Michel Rabbinowitcz, 1818 - 1893م). وقد سبق هذه المحاولة جهود لـهيرمان كرونر (Hermann Kroner) في عشرينيات القرن العشرين لتحرير طبعات لأعمال ابن ميمون، إلا أنها كانت قاصرة لاعتمادها على مخطوطة واحدة أو اثنتين فقط. ولما كانت هذه الأعمال الطبية لابن ميمون ذات أهمية لا تقاس، فقد تبنى العالم الجليل جيريت بوس (Gerrit Bos) مشروعًا طموحًا لتوفير طبعات نقدية محققة لأول مرة لجميع هذه المتون. هذا المشروع، الذي استهل في عام 1995م بكلية لندن الجامعية، يمثل قفزة نوعية في إحياء تراث فيلسوف الطب، مانحا إيانا فرصة جديدة لاستنطاق هذه الأسفار بآليات النقد الأكاديمي الحديث.
تقديم:
غالبا ما اشتهر أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي (1135م/529هـ-1204م/600هـ) بآرائه الدينية اللاهوتية في التاريخ اليهودي بالأساس، دون تسليط الضوء على حياته الطبية ومساهماته في هذا المضمار، باستثناء مجهودات المستشرقين، وعلى رأسهم أستاذ الدراسات اليهودية جيريت بوس[1] Gerrit Bos (1948- ...)، فاستبدّ بنا هاجس التعرف على ابن ميمون الطبيب، لتمكين القارئ من إطلالة على التفكير الطبي الميموني، الممزوج بالعلوم الطبية العربية واليونانية القديمة.
توحي كتابات ابن ميمون الطبية بسعة اطلاعه ومعرفته العميقة بالمؤلفين اليونانيين القدماء، فضلًا عن الأعمال الطبية الإسلامية[2]، فكان أبقراط (460 ق م-370 ق م) وأرسطو-Aristote (384-322ق.م) وجالينوس (129م-216م) من بين ملهميه في صناعة الطب من اليونانيين، في حين كان أبو بكر الرازي الفارسي (250ه-864م/311ه-923م) صاحب كتاب الحاوي، وابن سينا (370ه-980م/427ه-1037م) صاحب كتاب القانون في الطب وابن زهر (464ه-1072م/557ه-1162م) الطبيب أبو مرواني الإشبيلي، من بين عظماء الأطباء الذين يستشهد بهم في رسالته: في السموم/التسمم-l’empoisonnement/Traite de poisons التي سنحاول تقديم قراءة في نصها، واستجلاء ما حوته من دراسة للسموم وأنواعها بالتفاصيل الصيدلانية البارزة في ذلك العصر، كما أن من شأنها أن توضح لنا مدى معرفة موسى بن ميمون بسجل واسع من العلاجات ووصف دقيق لطرائق تحضيرها.
ويمكن أن نضيف في هذا المقام، أن هذه الرسالة واحدة من أوائل الأعمال التي تناولت موضوع السموم والتسمم، وقد كان سياق تأليفها مرتبطا بطلب قاضي مصر عبد الرحيم البيساني الفاضل في شهر رمضان سنة 595ه/يوليوز 1198م، بغرض أن يختصر له ابن ميمون القول فيما ينبغي فعله في حالات لدغات الأفاعي والحشرات والحيوانات المسعورة، وأيضا في حالات التسمم؛ وذلك بغرض نشر المعرفة بالترياق الأولي بين السكان، مما يؤكد البعد العملي الإغاثي للرسالة.
عمل ابن ميمون بالطب بعد أن نهل من تعاليم الدين اليهودي، وبعد تآليفه المشهورة فيه (شرح المشنا-دلالة الحائرين-الرسالة اليمنية) التي أصبحت من الأعمال الأساسية للتعاليم الحاخامية، حيث جمع بين سعة الاطلاع والخبرة الطبية؛ أي بين الحكمة اليهودية واليونانية والعربية من جهة، وبين حسه التجربيبي وعنايته بالعيادة من جهة أخرى. فأين تكمن أهمية ابن ميمون في الطب؟ وما هي أبرز مصنفاته في الطب؟ وما الإضافة التي تضمنتها تآليفه في هذا الفن؟ وهل تعدّ رسالة ابن ميمون في السموم من بين الكتابات الأولى التي عدت الحجر الأساس في علم السموم، أم إنها مجرد صدى لمن سبقه إلى هذه الصناعة من مختلف الحضارات والأمم؟ ما مدى تأثر ابن ميمون بالعلوم العربية الطبية؟ وأين يتجلى حضور جالينوس والرازي وابن سينا وابن زهر في طب ابن ميمون؟ هل استطاع ابن ميمون أن يقطع مع الممارسات التقليدية الضاربة في عمق الجهل والمبتعدة عن التجريبية العلمية ويحرر الأفراد من ربقة الأوهام والأعطاب السحرية؟ ما حدود تقدم ابن ميمون في الطب؟
لمحة عن تاريخ السموم:
احتل موضوع السموم والترياق أهمية كبيرة في كل من العصور القديمة والعصور الوسطى، ومن بين النصوص اليونانية القديمة التي تناولت هذا الموضوع ــ وشكلت مجالا خصبا استمد منه العرب الشذرات الأولى ــ كتاب ديوسقوريدوس (40-90م) عن المواد الطبية المعروف بعنوانه اللاتيني de Materia medica بوصفه مختصرًا جامعًا لما كتبه اليونانيون في علم السموم، وكتاب السموم الذي كتبه روفوس الأفسسي Rufus of Ephesus (98-117م)، والذي لم يبق منه إلا شذرات مقتبسة ومبتوتة في ثنايا كتابات الأطباء العرب؛ وكتاب جالينوس (129-216م) في الترياق De theriaca ad Pisonem liber, and De theriaca ad Pamphilianum؛ وهذا الأخير معروف من خلال اقتباسات الرازي (864-923). ومن المؤلفين الطبيين البيزنطيين: موسوعة بولس الأجنيطي الطبية في إيجينا Paulus of Aegina’s(القرن السابع)[3]. لقد أبانت حركة النقل والترجمة في العصر الذهبي للطب العربي خلال القرن الثالث للهجرة/التاسع للميلاد، عن تصور جديد مفاده: أن تلك الحركة لم تكن استيرادا وجلبا لعلوم غريبة وزرعا لها في الحضارة العربية الاسلامية، بل كانت استجابة لمتطلبات نشاط علمي وإنساني تواصلي مع مختلف الأمم المجاورة.
لعب قسطا بن لوقا البعلبكي[4] دورا مهمًّا في نقل المخطوطات اليونانية من بيزنطة وغيرها من المناطق إلى مراكز الحضارة الإسلامية في بغداد وحران وسامراء لغرض نقلها إلى اللغة العربية والإنتاج في مختلف العلوم، ومن بينها علم السموم الذي أثبت فيه مدى تفوق العرب كامتداد لنبوغهم في الطب. كما يمكن توضيح ذلك في حالة قسطا الحكيم من خلال رسالة في تدبير سفر الحج (النظام الطبي لحجاج مكة)[5]. وقد نافس العديد من الكتاب العرب في التأليف حول السموم والترياق؛ إذ كانت الثعابين وعضات الكلاب، وكذلك التأثيرات الضارة للعقارب والعناكب وغيرها من الحيوانات مدعاة للقلق الشديد، ثم استغلال الخصائص السامة لمختلف المعادن والنباتات، والإبلاغ عن التسميم الإجرامي عبر التاريخ في العديد من الأماكن الجغرافية، وكان استخدام الأطعمة والمشروبات السامة معروفا في هذا المجال. على الرغم من أن القتل في الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية محرم، إلا أن العديد من الحوادث من هذا النوع وردت في كتب السير والأخبار. ولهذا كان الخلفاء الأمويون والعباسيون يخافون من التعرض للتسميم وكانوا يستأجرون متخصصًا محط ثقة في تغذيتهم.
جادت قريحة أطباء العرب بإنتاجات كثيرة مثل: كتاب في السموم وعلاجها/السموم ودفع مضارها [6]لجابر بن حيان(721-737م)، ربما يكون أول من صنف السموم في الطب العربي وبيان أصول السموم وطرائق عملها وجرعاتها وطرائق تعاطيها، وعلامات السموم والحوادث العارضة منها. علاوة على ذلك، قال ابن وحشية[7] (ق الثالث الهجري)، عن كتاب جابر، إنه ”كتاب كبير وفيه كلام واسع وفيه فوائد غزيرة وهو عجيب“[8]. أول ذكر للكتاب في مقدمة السموم والترياقات لابن وحشية، الذي كان كتاب شاناق أحد موارده، وقد يكون هذا النص المتخصص في السموم والترياق من أهم ما كتب في مجاله. وقد أفرد ابن أبي أصيبعة[9] ترجمة لـ شاناق في موسوعته الطبية، وتناول الرازي[10] (864-923م) موضوع السموم باستفاضة في كتابه الحاوي في الطب، كما اشتغل ابن الجزار (898-1010م) الطبيب القيرواني على الموضوع نفسه في كتابه: زاد المسافر وقوت الحاضر في المقالة السابعة ضمن الباب التاسع[11]، وقام أيضا المجوسي (القرن العاشر) في كتابه كامل الصناعة الطبية المعروف بـ الملكي[12]، كما قدم ابن سينا (980-1037) عرضًا مفصلا للسموم والترياق في كتابه القانون في الطب[13].
وبالانتقال إلى مصنف الزهراوي: التصريف لمن عجز عن التأليف، وكتاب التيسير في المداواة والتدبير لابن زهر الأندلسي الإشبيلي، نستشف أنهما تناولا موضوع السموم بتفصيل في كتبهم، وقدم كل واحد منهما الموضوع بالترتيب نفسه تقريبا: الإرشادات العامة ضد السموم، ثم السموم الحيوانية والنباتية والمعدنية، ثم وصف علامات التسمم وعلاجه. ومن بين الأطباء العرب الذين ناقشوا هذا الموضوع على شكل دراسة، نجد على سبيل المثال، يحيى بن البطريق (ت. 815م)، الذي ألف كتاب السموم ودفع أضرارها، والذي لم تتبق منه إلا شذرات من اقتباسات[14] فيما أنتجه العلماء العرب من مؤلفات رائعة، ظلت مظانا جوهرية في الطب. كما نجد أيضا كتاب المنقذ من الهلكة في دفع مضار السموم المهلكة للحسن بن أبي ثعلب بن المبارك (القرن 11م)، ليكون من النصوص الأكثر إحاطة بعلم السموم، وهو كتاب نص كامل عن الأسباب المحتملة للتسمم؛ حيث يتحدث المؤلف عن جميع أنواع الأغذية السامة من نباتات ومعادن وحيوانات ويصف الترياق المحتمل لها، وفي السياق نفسه نجد كتاب المختارات في الطب لابن هبل البغدادي، ونجد أيضا كتاب الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لعالم النبات الأندلسي ابن البيطار(1197-1248).
هكذا نرى أن موسى بن ميمون جزء من تقليد ممتد من المؤلفين الذين تناولوا الموضوع نفسه. وقد أشار الطبيب القرطبي ــ صراحة ــ إلى بعض هذه المصادر، وهو يقتبس من كتاب جالينوس في الترياق وفي بساطة الأدوية المزاجية المتوافرة، وكلاهما كان في متناوله بالترجمات العربية. ومن الأطباء العرب البارزين الذين استشارهم في رسالته، نجد الرازي الذي نقل عنه ابن ميمون ثلاث مرات بالرجوع إلى: المنصوري والحاوي في الطب، نقلا حرفيا. ومن بين المؤلفين العرب الآخرين الذين تم ذكرهم واستشارتهم، نجد: حنين بن إسحاق[15]، مترجم القرن التاسع الميلادي الذي ألف كتاب الترياق، والذي لم يتبق منه إلا النزر اليسير من الاقتباسات، وأبو مروان بن زهر (ت1161) الذي حظي بتقدير وإجلال كبيرين من قبل موسى بن ميمون، وكثيرا ما اقتبس منه في أعماله الطبية الأخرى، حيث أشاد ابن ميمون بعلمه وخبرته فيما يخص الترياقات البسيطة والمركبة للسموم عموما، من خلال قوله: ”كل هذا ذكر وصححه الشيخ أبو مروان بن زهر رحمه الله بطول تجربته لأنه كان أعظم الناس تجربة للأدوية وأكثرهم انفرادا لذلك وأقدرهم عليه لامتداد ماله ومهارته في صناعة الطب وأخبرني كل من لقيته من تلاميذه وأصحابه أنه ما برح قط على يده في السفر والحضر قعيبة/إناء فضة فيها الترياق الكبير وقطعة زمرد فائق. فإنه رحمه الله كان كثير التوهم من السموم"[16]، بجانب هذه المصادر الطبية المذكورة، يشير موسى بن ميمون بعبارات أكثر عمومية إلى المصادر الأخرى التي استقى منها معارفه الطبية، ويشير إلى أنه اختار من مؤلفات الأطباء السابقين واللاحقين تلك الترياقات التي يمكن تحضيرها بأقل جهد، والتي هي أكثر فائدة وأقوى فعالية. لكنه لم يكن ليكتفي بالمعرفة الكتابية وحدها فقط، بل يشير في عدة مناسبات إلى عظماء الأطباء الذين كان معجبا بهم لمعرفة سبب بعض الحوادث، ولذلك كان حريصا على معرفة سبب داء الفيل المتقيح الذي كان يعاني منه عدد من الرجال في كل بلد مر به. ولهذا الغرض، اتصل بكبار الأطباء الذين أبلغوه أن هؤلاء الرجال قد تسمموا على يد نسائهم بدم الحيض[17]. ويخبرنا موسى بن ميمون أيضا كيف استشار عالم نبات متعلما لمعرفة هوية جذر الثعبان، وهو نبات يمكن – على حد روايته – العثور عليه في محيط الهيكل في القدس، وأن عالم النبات هذا أخبره أنه كان نوع من اكليل الملك[18] يسمى "الشبيه بالعقرب"، لكن موسى بن ميمون لم يعتمد فقط على المعرفة النظرية والخبرة العملية التي اكتسبها الآخرون ولكنه استند أيضا على تجربته الشخصية، فهو يفحص جميع العلاجات التي ينصح بها الأطباء لعضة أي حيوان سام ويلاحظ أنه وجدها كلها ذات خصائص تسخين وليس لها خصائص تبريد، باستثناء جذر اللفاح، في نفس السياق، ويشير إلى أنه جرب الأنواع المختلفة من البازهر المعدني ضد لدغات العقارب، ولم تكن مفيدة على الإطلاق. وعليه، تعتمد صياغة ابن ميمون لنظرياته الطبية على مصدرين: أحدهما نظري، وهو ما تعلمه من كتب الطب، والآخر عملي، يقوم على ما يتعلمه من الحياة اليومية والممارسات التطبيقية.
نبذة عن حياة ابن ميمون:
لم يكن موسى بن ميمون، المعروف باسمه العربي أبو عمران موسى بن عبيد الله بن ميمون واسمه اليهودي موشيه بن ميمون Moshe ben Maimon، [19] أحد أعظم الفلاسفة اليهود وخبراء الشريعة اليهودية فحسب، بل كان طبيبًا بارزًا أيضا. ولد في قرطبة عام 1135[20]، وأجبر على مغادرة مسقط رأسه في سن مبكرة بسبب الاضطهاد وسياسة التعصب الديني التي اعتمدها النظام الإسلامي أثناء خلافة الموحدين، ويذكر القفطي في إخبار العلماء بأخبار الحكماء أن اليهود أرغموا على الاسلام أو الهجرة من قرطبة، حيث استولى الموحدون على يد علي الكومي الزناتي على مدينة قرطبة، وخيروا المسيحيين واليهود بين الاسلام والنفي[21]. بعد إقامة دامت حوالي اثنتي عشرة سنة في جنوب إسبانيا انتقلت العائلة إلى مدينة فاس[22] أيام محمد بن تومرت، لكن الحال لم يكن أفضل مما كان عليه في الأندلس، وفي مدينة فاس أتم ابن ميمون تعليمه فيما يتعلق بالعلوم الربانية التوراتية والتلمودية، وبصفة خاصة على يد الحبر الأعظم ابن سوسان، والذي بدوره كان يتابع بتحمس شديد دراساته الفلسفية والطبية والفلكية على يد أساتذة وعلماء مسلمين ذائعي الصيت، والذين يقرون بأن له موهبة كبيرة بالإضافة إلى دراسة علم التشريح في جامعة القرويين حسب ما يذكره المؤرخ اليهودي حاييم الزعفراني[23]. وبعد عدة سنوات، ربما حوالي عام 1165، انتقلت أسرة ابن ميمون مرة أخرى بسبب اضطهاد اليهود في المغرب العربي، وذهبوا هذه المرة إلى فلسطين، وبعد إقامة قصيرة لعدة أشهر هناك، انتقلت العائلة إلى مصر واستقرت في الفسطاط. وفي القاهرة بدأ موسى بن ميمون في ممارسة الطب وتعليمه، فضلا عن ممارسة أنشطته التجارية في تجارة الجوهر. وفي مصر وصلت شهرة ابن ميمون إلى القاضي الفاضل[24]، المستشار الشهير لصلاح الدين الأيوبي (532-589ه/1138-1193م)، وبقي طبيبا في دار السلطان –صلاح الدين- إلى أن أصبح الطبيب الخاص للملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي بن صلاح الدين(1160-1196م)، الذي تولى حكم مصر بعد وفاة أخيه الملك العزيز سنة 1198[25]. توفي موسى بن ميمون بمصر عام 1204.
كان ابن ميمون مؤلفًا غزير الإنتاج في مجال الطب، وتعد مصنفاته الطبية جزءًا متممًا للأدب الطبي العربي في القرن الثاني عشر للميلاد؛ لأنه كان يعتمد على المراجع العربية الاسلامية، وعدت مصنفاته في الطب: عشرة، بين مقالة ورسالة، دونت جميعها بمصر في أزمنة متباينة ما بين سنة 1167م و 1200م، تعود جميعها إلى السنوات الأخيرة من حياته، ونقل أغلبها إلى العبرية، وبعضها إلى اللاتينية[26]. وأغلبها محفوظ في المخطوطات العربية، لكن بالرغم أن هناك ترجمات لاتينية وعبرية لكتبه الطبية منذ العصور الوسطى، إلا أنها لم تنشر بالعربية، وما تزال مخطوطة تنتظر التحقيق والنشر، كما هو حال أغلب المخطوطات العربية في علم السموم خلال العصر الوسيط.
أولا: المختصرات/ الخلاصات/المقتطفات/ résume des écrits de Galien les compendiums ou extraits. وهي عبارة عن مجموعة من أعمال الطبيب اليوناني الشهير جالينوس، من تأليف موسى بن ميمون لطلابه[27].
ثانيا: Šark Fuşül Abuqrat، تعليق على أقوال أبقراطCommentaire des Aphorismes d’Hippocrate. لا يزال هذا العمل الأصلي غير منشور. حيث صدرت المقدمة باللغة العربية (بالأحرف العبرية) مع ترجمة ألمانية[28]،
ثالثا: Fuşül Müsü fi-Tibb فصول موسى/فصول القرطبي les aphorismes médicaux de Moise، Aphorisme de maimonide بالعبرية Pirqë Möchě). وقد حفظ هذا العمل الضخم في العديد من المخطوطات العربية، أهمها موجود في مكتبة Ducale de Gotha (ألمانيا).
رابعا: Sur les hémorroïdes في البواسير، رسالة وضعها لشاب من أهل الفضل والنباهة وشرف البيت وجلالة القدر كان يعنيه أمره بسبب اصابته بها، وهي عبارة عن ملخص قصير في سبعة أبواب. وهو دليل رائع للنظافة الغذائية[29].
خامسا: في الجماع[30]؛ du coït وهي دراسة قصيرة عن النظافة الجنسية ألفها موسى بن ميمون بناء على طلب ابن أخ صلاح الدين، السلطان تقي الدين أبي سعيد عمر بن نور الدين.
سادسا: مقالة في الربو de l’asthme، من تأليف موسى بن ميمون حوالي عام 1190 لمريض نبيل شكا من آلام شديدة في رأسه حتى لا يتحمل عمامته وكان مصابا بضيق النفس وقد عاش بالإسكندرية.
سابعا: السموم والمواد الحافظة ضد الأدوية القاتلة des venins et des poisons: بيان شافي لا يحتاج معه إلى حضور الطبيب وذكر لأسهل المركبات وأبلغها نفعا في حالات الملسوعين.
ثامنا: في تدبير الصحة (في النظام الصحي Lette sur l’hygiène). وهي رسالة كتبها موسى بن ميمون في عام 596/1198 إلى الملك السلطان نور الدين علي، الابن الأكبر للسلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب الذي تولى عرش مصر من سنة 1198-1200م الذي عانى من نوبات الكآبة وكان كثير الأسقام عصبي المزاج منقبض النفس.
تاسعا: مقالة في بيان الأعراض [31]Discours sur l’explication des accidents (خطاب في شرح الحوادث). وهو عرض تقديمي كان ينبغي على موسى بن ميمون، أن يعده لنفس الملك، حوالي عام 598/1200 م لكن المرض أقعده في البيت.
عاشرا: شرح أسماء العقار (شرح أسماء الأدوية) Traité des drogues. ولم يذكر هذا العمل إلا ابن أبي أصيبعة، تحت عنوان كتاب شرح العقار.
قراءة في الرسالة
سياق الرسالة ومصادرها:
كانت هذه الرسالة موضوعا للعديد من الدراسات التي تهدف إلى إنتاج طبعة رسمية من النصوص العربية أو العبرية، بالإضافة إلى ترجماتها إلى اللغات الأوروبية. طلب القاضي الفاضل من موسى بن ميمون أن يؤلف هذه الرسالة خوفًا من أن يموت أولئك الذين تعرضوا للتسميم بسبب افتقارهم إلى معلومات حول العلاجات المتاحة بسهولة، والتي يمكن تناولها دون حضور الطبيب. وبالتالي، تمثل الرسالة دليلا طبيا مخصصا للفرد العادي وليس للطبيب المحترف. وقد حظيت بشعبية كبيرة في الأوساط اليهودية وغير اليهودية. يوجد كتاب السموم في عدة مخطوطات باللغتين العربية والعربية اليهودية، وقد اقتبس منه الدميري (1341-1405) في موسوعته الحيوانية (حياة الحيوان) عن موضوع الرتيلاء[32].
ترجمت الرسالة مرتين إلى اللغة العبرية؛ وقد حظيت الترجمة التي أعدها موسى بن تيبون (ق 13م) بشعبية كبيرة بشكل خاص، حيث بقيت في العديد من المخطوطات. تمت ترجمتها إلى اللاتينية تحت عنوان De venenis أو Contra venenum من طرف Armengaud Blaise of Montpellier (1264-1312) في عام 1305، والذي أهداه إلى البابا كليمنت الخامس (1264-1314م). وتوجد أيضا ترجمتان لاتينيتان أخريان للنص: إحداهما على الأرجح من عمل جيوفاني دا كابوا Giovanni da Capua (1250-1310)، والآخر من قبل مؤلف مجهول. استخدم الجراحان الشهيران هنري دي موندفيل Henry de Mondeville (1260-1320) وغي دي شولياك Guy de Chauliac (1300-1363) ترجمة جيوفاني Giovanni لهذه الرسالة كمصدر موثوق لمناقشاتهما الخاصة[33].
لم ينشر النص العربي لكتاب عن السموم بعد، لكن سبق وأن شرع الطبيب الألماني هيرمان كرونر (1870-1930) العمل على إصدار طبعة نقدية من النص العربي في 27 يناير 1927، لكن وفاته عام 1930م منعته من إكمال هذه الطبعة، التي يمكن العثور عليها الآن كمخطوطة في مجلة الطبعة العربية في مكتبة الكونتواي Countway Library of Medecine للطب في بوسطن. تم تحرير الترجمة العبرية للعمل الذي أجراه موسى بن تيبون من قبل سوسمان مونتنر Sussmann Muntner (1897-1973) على أساس مخطوطة باريسية، استنادا إلى MS Paris Bibliothèque nationale 1173، كان نفس النص العبري هو الأساس لترجمة موريتز شتاينشنايدر Moritz Steinschneider(1816-1907) سنة 1873، والتي أنتج منها براغمان 1926 ترجمة باللغة الانجليزية؛ علاوة على ذلك، تم نشر الترجمات الإنجليزية المستندة إلى طبعة مونتنر من طرف مونتنر سنة 1966وفريد روزنر (1935- )Muntner and Fred Rosner سنة 1988، كما ترجم كتاب عن السموم أيضا إلى الفرنسية من طرف آسرائيل ميشل رابينوفيتش (1818-1893) Israël-Michel Rabbinowicz، مرة أخرى باستخدام ترجمة ابن تيبون العبرية سنة 1865. وتم الرجوع إلى هذا النص المهم ودراسته واقتباسه من قبل العلماء لأبحاثهم في طب موسى بن ميمون وفلسفته. وقد تم الانتهاء من النسخة النهائية لكتاب السموم من قبل بوس وماكفو سنة 2009، يتضمن مقدمة شاملة للنص وتاريخ ترجماته ونقله، والطبعات النقدية الأولى للنص العربي مع ترجمة باللغة الإنجليزية، واعتمدت هذه الطبعة النقدية على الترجمتين العبرية والترجمات اللاتينية الثلاث مع سرد للمصطلحات التقنية والمواد الطبية[34].
وقام الطبيب والمترجم الروسي-الفرنسي Dr. Israel. Michel. Rabbinowitcz إسرائيل ميشيل رابينوفيتش بنقلها إلى اللسان الفرنسي، حيث توجد في مكتبة imperiale في ثلاثة مخطوطات: المخطوطة العبرية، والمخطوطة العربية المفقودة إلى حدود اليوم، ومخطوطة ثالثة باللغة العربية بحروف عبرية، وقد تم إجراء ترجمة فرنسية على النسخة العبرية. يعترف رابينوفيتش بأن مهمة الترجمة لم تكن بالأمر اليسير، بل تخللتها صعوبات وإكراهات حقيقية؛ بسبب العدد الهائل من أسماء النباتات والحيوانات والمعادن والأوزان. ونعلم أن أبرز العلماء لا يتفقون على معنى معظم هذه الأسماء، بل لا يعقدون الإجماع حتى في الأشياء الأكثر شيوعا. وبناء عليه، وضع رابينوفيتش في النهاية جدولا أبجديا لجميع هذه الأسماء مع ما يقابلها من الكلمات العربية والعبرية حتى يتمكن القارئ من الحكم على دقة الترجمة. يذكر المترجم رابينوفيتش للقارئ أنه اعتمد في جميع الأسماء المعنية على ترجمة السيد. M. Clément mullet، باعتباره مترجم رسالة الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي[35] ibn-al-awan، الفلاحة[36] النباتية والعربية واليونانية. قام ابن الأوان بأبحاث علمية لمدة عشر سنوات، سجل نتائجها في مخطوطته بعنوان: المرادفات، وهو عمل أساسي لمعرفة قيمة الاسم العربي أو العبري أو اليوناني بشكل دقيق، بحيث يشير إلى أي نبات أو حيوان أو معدن، أو وزن أو مكيال، وخاصة بالنسبة لتاريخ الطب والعلاج.
محتويات الرسالة:
تشتمل الدراسة على مقدمتين وفصلين؛ أما المقدمة الأولى، فيعرض فيها المترجم Dr. Israel. Michel. Rabbinowitcz إسرائيل ميشيل رابينوفيتش سيرة ابن ميمون، ومؤلفاته الطبية، كما يتناول قراءة أولية للرسالة وما تضمنته من حديث عن أنواع السموم، ووصف للأدوية والعقاقير الملائمة لحالات عضة الحيوانات والحشرات وأيضا الزواحف، فضلا عن طرق تحضير الوصفات وكيفية استعمالها. أما بالنسبة إلى المقدمة الثانية ــ مدخل الرسالة ــ أشاد ابن ميمون بالقاضي الفاضل عبد الرحيم ابن علي البيساني، وفضله في جلب عقاقير طبية من بلاد نائية وتوزيعها على المرضى، وقد ألح عليه بقوله: ”فلذلك نأمرك أن تضع مقالة صغيرة الحجم وجيزة اللفظ فيما يبادر به الملسوع من التدبير وتذكر أدويته وأغذيته وتذكر بعض الترياقات العامة النفع للملسوعين"[37]. أثنى ابن ميمون على القاضي الفاضل لعلمه ورجاحة عقله، وهو أهل لذلك الثناء، لما آتاه الله من العلم والعقل والكياسة وسعة الاطلاع، والتنوع في الثقافة، ولم يقتصر هذا الأمر على زاده العلمي فحسب، بل كان لشخصيته الدينية الإسلامية انعكاس وتأثير على رقي أخلاقه وبصيرته النقادة، وقد تدرج في مناصب كثيرة إلى أن أصبح وزيرًا مرموقًا في دولة صلاح الدين سنة 567ه/1171م.كانت هذه المقدمة –في نظر ابن ميمون- بمثابة اعتراف بهذا الرجل الفقيه والعلامة الفصيح –القاضي الفاضل-الذي سخر كل ملكاته وامكانياته في تدبير الشأن العام، وكان نعم الرفيق لصلاح الدين الأيوبي، الذي أثبت أن القلم رفيق السلاح بغية بلوغ الفتح المبين. هكذا، يكون ابن ميمون قد قدم كلمة شكر في حق رجل طلب منه هذه الرسالة، فاستجاب له وسماها بالرسالة الفاضلية.
ركز ابن ميمون في رسالته على أبسط العلاجات -لحالات لدغات النواهش وعضات هوام الأرض- والأكثر توفرا والأسهل حفظًا وتحضيرا دون تدخل الطبيب، مع تقديمه لتعليمات ووصفات مضادة للسموم وتحديده لعدد الجرعات المناسبة لكل حالة على حدة. استهل الطبيب القرطبي رسالته في الباب الأول بالحديث عن لدغات الثعابين والحشرات ولدغات بعض الحيوانات، وقسمه إلى بابين، الباب الأول: في نهش الهوام وعض بعض الحيوان، والباب الثاني: في تناول شيء من السموم.
يضم الباب الأول ستة فصول، يستهل ابن ميمون الكلام في الفصل الأول ببسط كيفية تعامل الفرد في حالة تعرضه لعضة بشكل عام بمعالجة اللدغات السامة، وتدبير حالة الملسوع على العموم، وشرح تفصيلي للنظام الواجب اتباعه: إذ ينبغي ربط منطقة العض لوقف تقدم السم ومنعه من الانتشار في جميع أنحاء الجسم، ثم القيام بشق الجرح وإجراء عملية شفط قوية بالفم لامتصاص السم، لكن قبل القيام بذلك ينبغي أن يتمضمض أولا بزيت الزيتون إما بمفرده أم بالنبيذ. يجب تحريض القيء واستخدام الترياق المتوفر، وإعطاء علاج مركب أو بسيط، ويجب أن يبقى الجرح مفتوحًا ليسمح للسم بالخروج من الجسم، وأن يبقى الشخص الملسوع مستيقظًا لتجنب انتشار السم المعزز بالحرارة الفطرية أثناء النوم. كان ابن ميمون واضحا في تحديد حدود أطروحته: إذا لم تتحسن حالة المريض بعد ثماني ساعات، فيجب إحالته إلى الطبيب؛ لأنها تكون حالة متطرفة خارجة عن نطاق عمله، وفي هذا السياق دليل على حذر ابن ميمون في علاج المرضى، ليس من باب قلة خبرته، لكن من خلال وعيه العميق بضرورة تدخل كفاية الطبيب.
يخصص ابن ميمون الفصول المتبقية في الحديث عن نهش الهوام وعض بعض الحيوان، حيث توقف في الفصل الثاني: في الأدوية الموضعية التي توضع على موضع النهشة مفردة ومركبة مثل "فوذج نهري وهو حبق التمساح زبل الحمام وزبل البط كبريت حلتيت وبعر الماعز المقل الأزرق"[38]...، وتناول في الفصل الثالث: ذكر الأدوية المفردة النافعة من نهشة جميع الهوام. أما بالنسبة إلى الفصل الرابع، فقد خصه لذكر الأدوية المركبة النافعة من ذلك، ليقدم في الفصل الخامس علاجا خاصًّا بمن نهشه حيوان معلوم، ويختم في الأخير-الفصل السادس- قوله بذكر أغذية الملسوعين عموم وخصوص وذكر بعض الخواص لائقة بهذا الغرض.
أما بالنسبة إلى الباب الثاني، فيتناول أساليب العلاج من تناول السم وصور التحفظ من السموم عامة، ويضم ثلاثة فصول، وهي كالآتي: الفصل الأول: كيف يحمي الفرد نفسه من السموم. ثم، الفصل الثاني: وصف العلاج لمن تعرض للتسمم أو يشتبه في اصابته بالتسمم بشكل عام، وأخيرًا، الفصل الثالث: في وصف وذكر أدوية وعقاقير بسيطة كانت أو مركبة، وقد تكون صالحة لجميع أنواع السموم.
اختلفت أنواع العلاج بالعقاقير والمركبات الدوائية، فمنها: الأدهان والأقراص، والإكحال، والشراب... إلا أن الرسالة ركزت على الترياقات، بوصفها مضادات دوائية لسموم العقارب والأفاعي والنواهش واللواذع وكثيرًا ما تعجن بالعسل ومن أشهرها: بذور althea الطازجة أو الجافة بعد دقها بالزيت والخل وفركها في مكان اللدغة[39]، أو بعض المستحضرات المهدئة لموضع السم، كخل دافئ مع دقيق مطهي في زيت الزيتون[40]. يتم استخدامه كمراهم وتكون لينة التكوين، تستعمل كطلاء للجروح والقروح المرضية.
وقد كون ابن ميمون بعض المعاجين بوصفها حاوية لمواد طبية، وغالبيتها تعجن بالعسل، ومثالها: في حالة لدغات الحشرات: أن تأخذ فضلات البط والماعز والكبريت والبصل والحجر اليهودي، وتدق هذه المكونات وتعجن بالعسل وتوضع على اللدغة بعد ممارسة الشفط باستخدام الفم أو المصاص لاستخراج السم، والنتيجة نفسها، إذا تم فرك الجرح بمرارة الثور وبذور البرتقال الحلو أو المر، فإنها ذات فعالية ناجعة في تحييد السموم[41].
أوصى ابن ميمون بالتنوق في تركيب وترتيب الأساليب الطبية في المعالجة من السموم، لذا فرسالته زاخرة بمجموعة من النباتات والأعشاب الطبية، لما لها من فوائد، مثل: الكمون، نباتات الزهور، والمحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة: الشعير، الجوز، الفستق، الزيتون، التين، التفاح، التوت، وغيرها من الأغذية. فهذه الأخيرة عنصر أساس يرد إلى البدن صحته، حسب تصور الطبيب الصيدلاني ابن وافد الذي دعا إلى استخدام الأغذية؛ إذ كان له «منزع لطيف ومذهب نبيل؛ ذلك أنه كان لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالأغذية أو ما كان قريبا منها»[42]، وينصح الطبيب القرطبي ابن رشد باستخدام الأغذية الدوائية حيث كان الأطباء القدامى لا يعالجون إلا بالأغذية الدوائية[43]. وفي السياق ذاته، يتفق الرازي على أن كل علة وبائية يجب أن يكون «قانون علاجك فيها الطيوب والأطياب والخمر»[44]، ويضيف دواء مضادا للسموم: «جوز، بندق، طين مختوم من كل واحد مثقال ونصف، يسحق الجميع، ويلت بدهن الجوز، ويعجن بعسل التين، ويؤخذ منه قدر الجوزة»[45]. وابن ميمون لا يخرج عن سابقيه في ارشاد المرء المتعرض لعضة أو لسعة، أن يكثر من أكل التين والجوز والبندق والفستق والثوم والبصل، والابتعاد قدر الامكان عن تناول اللحوم[46].
إن اهتمام ابن ميمون بالجرعة كمعيار أساسي في تحديد كون مادة ما مفيدة/ دواء أو ضارة /سم، واضح في ملاحظاته على جرعة الدواء المناسبة للمرضى الأصغر سنا وتأثير الفصول على كمية العلاج، التي يستطيع المرضى تحملها؛ إذ تختلف الاستجابة من شخص لآخر. لهذا لا يمكن نستطيع تعميم أثر المواد السامة؛ لأن ثمة جملة من العوامل التي تؤثر في سمية المادة ومنها: الجرعة والنوع والعمر والجنس والصحة والبيئة، وفي هذا الصدد يتجلى تأثر ابن ميمون بقوة الطبيعة الشفائية التي دافع عنها بقراط[47] في رسالته الأهوية والأمواه والأماكن، حيث تحدث فيها أبقراط عن أثر طبيعة الأرض والمناخ في الصحة والأخلاق.
تعد رسالة ابن ميمون في السموم مرجعا مهمًّا في الإسعافات الأولية في مجال التسمم بسموم الحشرات والأفاعي والكلاب المسعورة، كما أنها زاخرة بمجموعة من النباتات والأعشاب الطبية ذات الفوائد العلاجية، ناهيك عن استخلاص ابن ميمون لنتائج عامة من معطيات تجريبية، مسترشدا بنباتات الزهور، والمحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة: الشعير، والجوز، والفستق، والزيتون، والتين، والتفاح، والتوت. علاوة على ذلك، نجد مواد الأدوية والعقاقير الطبية، والترياقات لمختلف السموم الحيوانية، ووصف لطبائع السموم، وعللها وعلاماتها، ومداواتها.
اتبع ابن ميمون في رسالته عددا من الأساليب والطرائق العلاجية في علاج حالات التسمم، والتي اختلفت بحسب نوعية السموم، ومصادرها، فمنها: السموم ذات المصدر النباتي، ومنها ما يعود لمصدر معدني، ومنها ذات المصدر الحيواني الناتج عن لدغات الحشرات والأفاعي وعضات الكلاب وسم الأفاعي والعقارب، وهو النوع الذي تركز عليه الرسالة. يقسم ابن ميمون السموم إلى قسمين: سموم حارة، وسموم باردة[48]، ويحتمل أن معناها: السموم التي تسبب الحمى وأعراض الهيجان، والسموم التي تسبب الأعراض النقيض-العكسية، كالإحساس بالبرد الشديد. فيصف للطبقة الأولى النبيذ واليانسون[49] ونحو ذلك. تنتمي لدغة الأفعى إلى الطبقة الأولى، بينما تنتمي لدغة العقرب إلى الطبقة الثانية؛ لأن سمها سم بارد بإفراط، يقتل بطبيعته الباردة[50]. وينبغي على من تناول مادة سامة أن يبادر إلى الاستفراغ بالماء الساخن الذي غلي فيه نبات الشبت وصب فيه الزيت، فهذه الوصفة صالحة لتنظيف المعدة من جميع السموم[51]، ينصح ابن ميمون المسموم قبل اعطائه العلاجات بالأدوية البسيطة أو المركبة، أن يقوم بعملية القيء، ثم يتبع نظاما غذائيًّا ملائمًا حتى يسترجع عافيته. يتم تحضير الأدوية المفردة والمركبة بوسائل شتى منها الطبخ والسحق والتحميص والاجماد بالتبريد وبالمجاورة أي بوضع الدواء إلى جوار الآخر بعد الغربلة لتنظيف العقاقير من الشوائب والتحليل بالمياه، كما توصل ابن ميمون إلى تخفيف وطأة مذاق الدواء عن طريق مزجه بالعسل أو بعصير الليمون أو البرتقال بالإضافة إلى القرنفل لتطييب رائحته. كان مقصد ابن ميمون سواء في حديثه عن الأدوية المفردة-البسيطة، أو الأدوية المركبة أن تكون في متناول الجميع، وفي نفس الوقت ذات فعالية في الحالات الخطيرة، كما أنه لم يخرج عن مكتشفات اليونان والعرب في خصائص الأدوية ومنافعها وأضرارها وطرائق استعمالها وأوقات تناولها وعمرها وأبدالها، بل اقتفى خطى ديوسقوريدوس[52] وجالينوس وابن جلجل[53] وابن وافد[54] في الأدوية المفردة.
لقد برع الأطباء والصيادلة في تحضير الأدوية والعقاقير الطبية من المستخرجات المعدنية والأحجار النفيسة، وأهم تلك المعادن المستخدمة: المرتك وسحالة الذهب، والحجر اليهودي، والزمرد، هذا الحجر الكريم الذي يمتلك خصائص علاجية مذهلة -في نظر ابن ميمون- وهنا يستشهد بالطبي الإغريقي، جالينوس الذي يظهر أثره على ابن ميمون بشكل كبير وحضوره القوي في العديد من مقاطع الرسالة. اعتنى ابن ميمون بوصف المواد السامة وخواصها وطريقة دخولها للجسم، والأعراض التي تسببها وآليات تأثيرها، ومدى احداثها للأضرار في العضوية الحية، هذا الضرر يمكن أن يتمثل بإتلاف المكونات البنيوية أو احداث اضطرابات وظيفية معينة، قد تؤدي بالإنسان للموت.[55] كما ميز بين الأدوية الحارة والباردة، البسيطة منها والمركبة[56]، وصناعة الجبر والفصد واصلاح الأدوية وعلاج اللدغات واللسعات والتحذير من السموم وصناعة الترياق، وميتريدات [57]mithridate والتفصيل في وصفات الترياق كأكاسير تقاوم السموم.
ينقسم الترياق إلى صنفين: الصنف الأول يعمل بعضها بصفاته الفيزيائية أو الكيميائية ولا ينطبق إلا على سموم معينة، والصنف الثاني يعمل بشكل مستقل عن صفاته الفيزيائية أو الكيميائية، وبسمة خاصة أو بجميع سماتها، وينطبق على كافة السموم الساخنة/الحارة والباردة. ومن هنا، نجد ابن ميمون يشيد بفعالية الترياق ضد أي نوع من السم، أو لدغة الحشرات وخاصة ضد سم الأفعى والزواحف، ومن بين المكونات التي ينصح بها الطبيب القرطبي: اكليل الملك[58]، والحرمل، النبيذ.
تلعب المنتجات الحيوانية والطيور دورًا مهمًّا في اتخاذها كعلاجات مناسبة للعديد من الحالات المرضية، وكان من بين أطباء الأندلس الذين استخدموا المنتجات الحيوانية والطيور كعلاجات نافعة للمرضى الذين يعانون من مختلف الأمراض الطبيب الأندلسي يحيى بن إسحاق الذي قام بمعالجة الخليفة عبد الرحمان الناصر من ألم شديد أصاب إحدى أذنيه بواسطة دم الحمام الحار بعد ذبحها وسفكه على أثرها[59]، وقد بين ابن ميمون جانبًا من استخدام بعض الحيوانات أو أجزائها في العلاج الطبي[60].
حوار ابن ميمون مع جالينوس والرازي وابن سينا وابن زهر:
يستشف المتأمل في رسالة ابن ميمون تلك، التداخل بين ثالوث علمي: الطب والصيدلة والفلاحة، وفق بوتقة نسقية منسجمة، تفاعلت فيها الأرض والأجسام والكيفيات والأمزجة[61]، ومن شأن هذه الجدلية أن تعمق أركيولوجيا هذه العلوم، وتسهم في ارساء معالم مشروع علمي ستستفيد منه الصناعة الطبية خلال العصور الحديثة، لأننا أمام مدرسة طبية ميمونية، اكتسبت ملامحها مما أرساه عظماء الأطباء (جالينوس، الرازي، ابن سينا، ابن زهر) من معرفة تؤسس لرؤية تجريبية، طافحة بالخبرة الميدانية طبيا وصيدلانيا، منفتحة على تجارب الأطباء السابقين واجتهاداتهم الطبية، دعما ونقدا وتصحيحا.
مثل جالينوس النقطة المرجعية لأغلب استشهادات ابن ميمون في الرسالة؛ حيث ذكره الطبيب القرطبي أكثر من ست مرات في العديد من الفصول ويعرب مرارًا عن تبجيله لجالينوس[62]، فكان الحجة القوية والمصدر الطبي الأساسي والسلطة العليا في موضوع الترياق ضد جميع السموم، سواء تعلق الأمر بلدغات العقرب والعنكبوت والأفعى وعضة الكلب[63]. علاوة على تأثره بجالينوس في نظرية الأمزجة، القائمة على الكيفيات الأربع[64]، والارتباط الوثيق بين مزاج الأبدان والأدوية، وتأثير العوامل الخارجية مثل الإقليم، والمناخ وفصول السنة والعمر، وهي عوامل تتدخل في تشكيل المزاج، ناهيك عن دقة ملاحظته، وحسه التجريبي، واهتمامه بالطب العيادي، وحاجته الدائمة إلى الجمع بين الخبرة العملية والمعرفة النظرية، ورؤيته الوقائية، ودعوته للوحدة بين الجسد والروح[65].
يتجلى تأثير الرازي على ابن ميمون في تأكيده على أهمية العامل النفسي في الصحة والمرض، كما يدعو الرازي إلى بث روح الأمل وقوة الحياة في نفس المريض مهما كانت حالته، لما للعامل النفسي من تأثير فيه؟ فقد نقل ابن أبي أصيبعة من مأثور أقوال الرازي هذه العبارة قائلا: «ينبغي للطبيب أن يوهم المريض أبدا الصحة ويرجيه بها وإن كان غير واثق بذلك. فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس»[66]. كما يورد ابن ميمون اسم الرازي في سياق حديثه عن الأدوية المركبة المستعملة ترياقا للسعات أو العضات.
وبانتقالنا إلى الشيخ الرئيس أبو علي الحسين عبد الله بن سينا[67] (ت 428ه-1037م)، فإننا نجد تأثيره حاضرًا في رسالة ابن ميمون؛ إذ يستشهد به في وصفته العلاجية ضد أي نوع من اللدغات أو العضات، وتتكون هذه الوصفة من: حبة البركة الدمشقية وحبة الحرمل والكمون[68]، أما بالنسبة لحالة لدغات النحل أو الدبابير، فيوصي ابن ميمون بمجموعة من النباتات والخضر الباردة كالخس والهندباء والرجلة والخيار، بوصفها من النباتات ذات الفائدة. ويقدم ابن ميمون نوعًا آخر من طرائق العلاج؛ إذ يصف شرابًا من النبيذ أو الرمان كعصير الخمر مع الماء البارد، كما يمكن الاستعانة بكمادات على الجرح من الكافور وماء الورد أو الكزبرة الخضراء أو أوراق العنب مع خليط من العسل والخل والملح[69].
إذا كان جالينوس قد قدم مساهمته في علم السموم بطريقة متناثرة في أعماله الطبية المختلفة، فإن ابن سينا قد أولى أهمية خاصة للسموم في نظريته الطبية من خلال كتابه القانون، حيث تم تخصيص جزء كامل من الكتاب الرابع للسموم وعملها ووصفها والعلاجات التي يمكن تقدييمها حسب المؤرخ الفرنسي جويل شاندليي (1979). لقد خصص ابن سينا في الفن السادس من كتاب القانون في الطب، واعتنى بأحوال السموم المشروبة، وفصل القول في معالجات السموم الحيوانية والنباتية ولدغات الحيات وأصنافها. والمتأمل لهذه المقالات، يبدو له جليا أن ابن ميمون يتبع طب ابن سينا في الكثير من قوانين معالجات التسمم الحيواني، ودفع السم، وإبطاله بالمشروبات، التي «إما أن تكون ترياقات وبادزهرات كلية أو خاصة بذلك السم، وإما أدوية مضادة للسم بالمزاج كالحلتيت المضاد لسم العقرب بالخاصة»[70].
لقد أحدث الحاوي للرازي والقانون لابن سينا، في منهج ابن ميمون الطبي أثرا بليغا، ويتجلى ذلك في التنظيم المنهجي للرسالة، والتقسيم المنطقي لموضوعاتها، وطرائق ترتيب فن العلاج، واجتناب اللجوء إلى الدواء المركب إذا وجد الدواء المفرد؛ لأن الدواء المفرد أخف على الطبيعة من المركب ومفرداته أقل عددا[71]. لا يفوتنا أن نشير، هنا، إلى اهتمام ابن سينا بالعوامل النفسية التي تؤثر في الإنسان، وكيفية انعكاس ذلك على النبض؛ فالفكر والخيال يسيطران على البدن سيطرة كبيرة لا يجحدها إلا مكابر[72]، وقد شكل هذا الارتباط بين النفس والجسد أساس تحليلات ابن سينا للاضطرابات النفسية، وهذه المسألة نجد لها صدى عند ابن ميمون، كما يتضح ذلك من الكتاب الذي ألف الطبيب آرييل توليدانو Ariel Toledano وعنونه بـ: La médecine de maimonide quand l’esprit guérit le corps، قدم فيه سيرة ذاتية فكرية وطبية لابن ميمون، ومصنفاته الطبية التي تراهن على وحدة الربط بين الجسد والروح[73].
لقد حظي أبو مروان عبد الملك بن محمد بن زهر (ت471ه/1078م) بمساحة ليست بالهينة في رسالة ابن ميمون، بوصفه أول طبيب من أبناء أسرة عريقة في فن الطب وعلومه، وبعد وفاته خلفه ابنه: أبو العلاء زهر بن عبد الملك (ت525ه/1130م)، عرف عند الأوروبيين ب Aboli[74]، وأشهرهم أبو مروان ابن زهر (ت 557ه-1162م) الذي خدم طبيبا ووزيرا في بلاط عبد المؤمن مؤسس دولة الموحدين، وعرفه الأوربيون باسم Avenzoar له من الكتب: الترياق السبعيني ومختصره، وكتاب الأغذية وهو أهم كتبه الباقية، ورسالة كتب فيها إلى بعض الأطباء بإشبيلية في علمي البرص والبهق ومقالة في علل الكلي وله أيضا كتاب التذكرة والتيسير في المداواة والتدبير[75]. يتجلى أثر ابن زهر على ابن ميمون في الأشربة والمعجونات وفي التفصيل والتدقيق في وصفات الأدوية والترياقات[76] وطرق تركيبها ووجوه استعمالها، وفي الاستقصاء في الأدوية المفردة والمركبة، وحسن المعالجة. لقد تحقق أبو مروان بن زهر من تجربة تأثير البصل ولاحظ فعاليته في لسعات وعضات الحيوانات السامة[77].
يتحدث أبو الوليد ابن رشد عن المكون نفسه في كتابه الكليات في الطب قائلا: "وأما السموم، فإن فعلها في البدن يكون بجميع ضروب أفعال الأدوية، أعني أن بعضها يفعل ذلك بكيفيات أول مثل الأفيون الذي يخدر ببرده. ولذلك يمكن في مثل هذه؛ إذا تنوول منها اليسير، وحجبت أن تكون أدوية. وبعضها يفعل ذلك بجملة جوهره، أعني أنه يحيل بدن الحي كالذهب الكليس، وهذه فليس يمكن أن تستعمل في المداوة أصلا. وبعضها يقتل بشدة جذبه الأخلاط، حتى أنه يخنق كما يقال في الخربق الأبيض، وبعضها يسهل الدم"[78].
يضيف ابن رشد: "وأما البازهرات[79] فتفعل الشفاء من هذه الأفعال بعينها، أعني أن بعضها تحيل بكيفياتها كيفيات السموم؛ وذلك إذا كانت مضادة لها، وبعضها تفعل ذلك بجملة جوهرها، وبعضها تفعل ذلك بالجذب. وهذه البازهرات، إنما تكون شافية متى تنوولت وفي البدن حال خارجة عن الطبع من أحد السموم؛ وذلك أنها تفعل حينئذ في البدن فعلا مضادا لفعل السم، فيكون عن ذلك برء بالعرض. ولذلك متى تناولها الصحيح كانت سما. ومن هنا قال الأطباء إنها متوسطة بين السموم والأدوية. وذلك أنه ليس بنكير أن تختلف أفعال الفاعل الواحد باختلاف أحوال موضوعاته، فيكون الدواء الحافظ إذا ورد البدن الصحيح كان سما، وإذا ورد البدن المسموم كان شافيا[80]"، وفي السياق نفسه، يرى ابن سينا في كتابه قانون الطب أن ثمة المئات من أسماء النباتات والعقاقير التي يمكن استخدامها لعلاج لدغات الحشرات والأفاعي والعقارب وعضة الكلب، مثل: العسل في حالة التسمم من الأفيون والفطر القاتل، وثمار التفاح وعصارة أوراقه، والحنظل والريحان والخس لعلاج لدغات العقارب، والخل لعلاج سمية عضة الكلب وازالة سمية الأدوية القاتلة، والغار وبادزهرية[81] يستعمل كترياق لجميع السموم المشروبة (شوكران[82])، وأنفحة الأرنب البري بخل ترياق للسموم عامة. لا غرو في آثار هؤلاء الأطباء، وتوجيه الطبيب ابن ميمون نحو التجربة والتمحيص العلمي.
يمكن القول: إن التدريب الطبي لابن ميمون بشقيه النظري والعملي، لم ينزح عن النمط العام لعصره ومجتمعه، بل أعاد بناء الموضوع الفعلي للدراسات الطبية من مخزون مكتبات الأطباء وبقايا الكتب الطبية المحفوظة في سياقه الزمني، ويبقى أبقراط وجالينوس والرازي وابن سينا وابن زهر، السلط العليا، والتقاليد الكلاسيكية، التي يصعب تجاوزها، لكنه مع ذلك، يتمتع بحس عقلاني منفتح ومستقل ونقدي، وخير دليل على ذلك شرحه لأقوال أبقراط وجالينوس ووقوفه على التناقضات الطبية الواردة في أعمالهما[83]. ولما كان العمر قصيرا والصناعة الطبية طويلة-على حد تعبير أبقراط- آثر ابن ميمون للخروج من هذا الصراع بين المتطلبات العالية التي يحددها فن الطب، وأيضا الوتيرة المتسارعة لهذه الصناعة العظيمة من جهة، وبين عجز وقصور حياة الإنسان عن فحص وتدقيق النظر في خبايا وأسرار هذه الصناعة من جهة أخرى، طريقة قصر المعلومات الأساسية، فانتقاؤه للأدوية من قائمة ابن وافد، وتركيزه على الأدوية قليلة العدد، لكنها جمة الفائدة، أكبر شاهد على ذلك، لأن تراكم الأدوية والعقاقير يؤدي بالضرورة إلى عدم تذكرها، كما يدعو أيضا إلى الخروج من هذه المفارقة، إلى تضافر الجهود المشتركة بين عدد من الأطباء لتحقيق الاستشارة بينهم.
إن السؤال الذي انطلقنا منه، حول هل استطاع ابن ميمون من خلال وصفاته المضادة للسموم، أن يحارب الممارسات التقليدية الضاربة في عمق الجهل والمبتعدة عن التجريبية العلمية، وتحرير الأفراد من ربقة الخرافات والعلاجات السحرية، يمكننا الآن أن نقول أن هذه الوصفات التي قدمها ابن ميمون، لا تنتمي في نظره إلى عالم السحر والقوة الخارقة للطبيعة، لأنه يرى أن المكونات التي تحدث عنها، تعمل من خلال جوهرها وتكون فعالة بناء على خصائصها المحددة لها، وتبقى التجربة هي معيار صحتها حتى ولو لم يتطلبها الاستدلال، هكذا، تكون الخبرة والتطبيق المتكرر لعدد من الأدوية هو المقياس النهائي لقبول الوصفة من رفضها.
خلاصة:
إن الفاحص لما ألفه ابن ميمون في صناعة الطب، يستشف المنزلة الرفيعة التي اكتسبها بفطنته وحذقه، وترسيخه للبعد التجريبي في الممارسة الطبية، والتي لا تقل عن نظيرتها في تحقيقاته اللاهوتية والفلسفية. كما أن مصنفاته في الطب تحتاج لنفض الغبار عنها، للتعرف على الموضوعات التي تناولتها، وكيف نظم محتوياتها منهجيا ومنطقيا، لإبراز راهنيته من خلال أفكاره المنطوية في نظرياته، وتحقيق مخطوطات كتبه الطبية والعلمية، التي قطعت مع التداوي بالسحر والتعاويذ والتمائم، وتحضير وصفات للسموم في سرية تامة، لتحرير الأفراد من ربقة الأوهام والأعطاب الفكرية.
ينبغي إيلاء عناية خاصة للجانب الطبي الميموني وأهم إنجازاته العلمية، التي تمتح مفاهيمها وتصوراتها من إرث طبي شكل القاعدة، وجعلها تؤثر على التطور الحضاري في أوروبا في القرون الوسطى، وتحقق علميتها، وتقطع مع الحس المشترك والتنجيم والسحر، والدليل على ذلك، وصاياه وتعليماته إلى المرضى، مما أتاح للمعرفة الطبية أن تنمو وفق المنهج العلمي. وقد يتبادر للذهن سؤال الجدوى من العودة إلى تاريخ العلم، والبحث عن مصادره ومنابعه وإرهاصاته الأولى، ونحن نعيش في زمن الذكاء الاصطناعي والتقدم العلمي والتكنولوجي؟ لكن هذا التساؤل يغفل أهمية التسلسل والربط بين إنتاجات العقل البشري، في سيرورته التاريخية، وقراءة القيمة والجدة العلمية للمؤلفات العلمية في سياقها التاريخي.
إن رسالة موسى بن ميمون في السموم/ السم والترياق - Traité des poisons من المراجع المعتمدة لما سيسمى فيما بعد بـ"علم السموم Toxicology"؛ حيث كان القتل عن طريق دس السم شائعا في أوروبا بشكل خاص في مؤامرات الصراع على السلطة أو الميراث. تكاثفت الجهود بهدف الحد من هذه الممارسة والعمل على تطوير ترياقات antidotes لعلاج التسممات الحاصلة، كوصفات الميثريدات المختلفة والمتنوعة، والتي غالبا ما تكون مزيج من مكونات متعددة، بمثابة مقدمة للترياق الحديث antidotes، وانفتاح علم السموم على علوم أخرى؛ فهو يستفيد من الكيمياء، وعلوم الأحياء، والنبات، والحيوان، والفيزيولوجيا، ولعل علاقته مع الأدوية هي الأقوى والأمتن، علاوة على أن معارف علم السموم توضع في خدمة مجالات عديدة مثل: البيئة والصناعة والطب، ونشأت عنه اختصاصات فرعية كعلم السموم التحليلي وعلم السموم المناعي التشريعي والجيني وغيره.
لائحة المصادر والمراجع:
المصادر:
العربية:
ابن ميمون، أبو عمران موسى. شرح أسماء العقار. نشر وتصحيح ومراجعة: ماكس مايرهوف. القاهرة: Le CAIRE Imprimerie de l'Institut Français d'Archéologie Orientale، 1940م.
الفرنسية:
Maimonide, Mose. Traite des poisons, traduction française par I-M RABBINOWIGZ, Paris: Lipschutz, 1865.
ابن أبي أصيبعة، موفق الدين أبي العباس أحمد بن القاسم. عيون الأنباء في طبقات الأطباء. شرح وتحقيق: نزار رضا. بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة، ب.ت.
ابن الجزار. زاد المسافر وقوت الحاضر. تحقيق: محمد سويسي، الراضي الجازي، جمعة شيخة، فاروق العسلي. تونس: المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة، 1999.
ابن النديم، محمد بن إسحاق. الفهرست. تحقيق: فؤاد السيد. لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات المخطوطات الإسلامية، [تاريخ النشر غير محدد].
ابن جلجل الأندلسي، سليمان بن حسان. طبقات الأطباء والحكماء. تحقيق: فؤاد سيد. بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية: 1405ه-1985م.
ابن حنين، اسحاق. تاريخ الأطباء والفلاسفة. تحقيق: فؤاد سيد. بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية: 1405ه-1985م.
ابن خلدون، ولي الدين عبد الرحمان بن محمد. مقدمة ابن خلدون، حقق نصوصه، وخرج أحاديثه، وعلق عليه: عبد الله محمد الدرويش، دمشق: دار البلخي، 2004م.
ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. تحقيق: إحسان عباس. بيروت: دار الصادر، 1967، الجزءان: الثاني والرابع.
ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد. الكليات في الطب. مع مدخل ومقدمة تحليلية وشروح للمشرف على المشروع: محمد عابد الجابري. بيروت-لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، 1999م.
ابن سينا، أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي. القانون في الطب. وضع حواشيه: محمد أمين الضناوي. بيروت-لبنان: منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، 1999م.
---------. الأرجوزة في الطب. اعتنى بنشر نصها العربي ونص ترجمتها اللاتينية وقام بنقلها إلى اللغة الفرنسية: جان جايي والشيخ عبد القادر نور الدين. باريس: مكتبة الجزائر، 1956.
ابن ميمون، موسى. شرح أسماء العُقَّار. نشر وتصحيح ومراجعة: ماكس مايرهوف. القاهرة: المطبعة الفرنسية للآثار الشرقية، 1940.
ابن وحشية، أبو بكر أحمد بن علي. رسالة عن السموم والترياقات وعلاجاتها. مكتبة قطر الرقمية. تم الوصول إليه في 28 يناير 2022. https: //www.digitalqatar.qa
الإشبيلي ابن العوام، أبو زكرياء يحيى بن محمد. الفلاحة الأندلسية. تحقيق: أنور أبو سويلم وسمير الدروبي وعلي أرشيد محاسنة. الأردن: منشورات مجمع اللغة العربية، 1433هـ-2012م، الجزء الأول.
آل ياسين، جعفر. فيلسوف عالم دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفي. بيروت-لبنان: دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، 1984م.
بروكلمان، كارل. تاريخ الشعوب الإسلامية. نقلها إلى العربية: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي. بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة 1968.
جبار، أحمد. العلوم العربية في عصرها الذهبي، ترجمة محمد نعيم، المملكة العربية السعودية: الطبعة الأولى: 2021.
حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله القسطنطيني. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. تحقيق وتعليق: أكمل الدين حسان أوغلي وبشار عواد معروف. بيروت: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات المخطوطات الإسلامية، 2021م، لبنان. المجلد 1.
الحنبلي، عبد الحي بن أحمد أبو الفلاح ابن العماد. شذرات الذهب في أخبار من ذهب. القاهرة: دار الفكر، 1979. الجزء4.
الخطابي، محمد العربي. الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية دراسة وتراجم ونصوص. بيروت لبنان: دار الغرب الإسلامي، 1988م، الجزء الأول.
دجاني شكيل، هادية. القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني العسقلاني (562-592هـ/1131م-1199م) دوره التخطيطي في دولة صلاح الدين وفتوحاته. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الطبعة الأولى.
الدميري، كمال الدين. حياة الحيوان الكبرى. تحقيق: محمد عبد القادر الفاضلي. بيروت: الدار النموذجية-المكتبة العصرية، 2004.
ديوسقوريدس، فيدانيوس. مقدمة كتاب الحشائش والأدوية. ترجمة مهران بن منصور بن مهران. نشرها وقدم لها: المنجد، صلاح الدين. المطبعة الهاشمية بدمشق، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1385هـ-1965م.
الرازي، أبو بكر. سر صناعة الطب، تحقيق: خالد حربي. الاسكندرية: دار الثقافة العلمية، د. ت.
رشدي، راشد. موسوعة تاريخ العلوم العربية. بيروت-لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية: فبراير 2005.
رودافسكي، تمار. موسى بن ميمون. ترجمة: جمال الرفاعي، القاهرة: المركز القومي للترجمة، آفاق للنشر والتوزيع، 2013م.
الزاهراوي، أبو القاسم خلف بن عباس. التصريف لمن عجز عن التأليف. تحقيق وشرح: عبد الله عبد الرزاق مسعود السعيد، عمان بيروت: وزارة الثقافة، 1421-2001م.
الزركلي، خير الدين. الأعلام. بيروت: دار العلم للملايين، 2002.
الزعفراني، حاييم. يهود الأندلس والمغرب. ترجمة: أحمد شحلان. مطبعة النجاح الجديدة: مرسم الرباط، ب.ت.
شحادة، عبد الكريم. صفحات من تاريخ التراث الطبي العربي الإسلامي. بيروت لبنان: المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط. ب.ت.
الصفدي، صلاح الدين. الوافي بالوفيات. تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، بيروت: دار احياء التراث.
الطويلي، أحمد. في رحاب الفلاسفة والعلماء المسلمين. المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، 2013.
العامري، محمد بشير حسن راضي. فصول في ابداعات الطب والصيدلة في الأندلس. بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية محمد علي بيضون، سنة 1971.
عباس زينل، نهاد. الانجازات العلمية للأطباء في الأندلس وأثرها على التطور الحضاري في أوروبا-القرون الوسطى 92-897هـ/711-1492م. بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية محمد علي بيضون سنة 1971.
القفطي، جمال الدين. إخبار العلماء بأخبار الحكماء. علق عليه ووضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين. بيروت: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، 2005.
القفطي، على بن يوسف جمال الدين. أخبار العلماء بأخبار الحكماء. علق عليه ووضع حواشيه: ابراهيم شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية-منشورات محمد علي بيضون، 2005م.
المجوسي، علي بن العباس. كامل الصناعة الطبية المعروف بالملكي. مكتبة جامعة الرياض، قسم المخطوطات، الرقم 3361.
المراكشي، عبد الواحد. المعجب في تلخيص أخبار المغرب، ضبطه وصححه وعلق حواشيه وأنشأ مقدمته: محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، القاهرة: مطبعة الاستقامة، ط1949م.
المقري التلمساني، أحمد بن محمد. نفح الطيب من غضن الأندلس الرطيب. حققه: إحسان عباس. بيروت: دار صادر، 1968.
المقريزي، تقي الدين. تاريخ اليهود وآثارهم في مصر. دراسة وتحقيق: عبد المجيد دياب، القاهرة: دار الفضيلة، ب.ت.
النويري، الوهاب. نهاية الأرب في فنون الأدب. القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، 1933-1949، الجزء 8.
هنداوي، ابراهيم موسى. الأثر العربي في الفكر اليهودي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ب.ت.
ولفنسون، إسرائيل. موسى بن ميمون-حياته ومصنفاته-. القاهرة: مطبعة التأليف والترجمة والنشر، 1936م.
الفرنسية:
G. Androutes, M. Karamanou. «Moise Maimonide (1135-1204): un grand andrologue et sexologue avant la lettre». in: HISTOIRE DE L’ANDROLOGIE. Article reçu le 8 août 2009; accepté le 10 septembre 2009. France: Salf et springer-verlag, 2009.
Lucien, Leclerc. histoire de la médecine arabe. Paris: Ernest Leroux, Editeur, 1876.
Toledano, Ariel. la médecine de Maimonide: quand l'esprit guérit le corps. Paris: la fondation pour la mémoire de la Shoah et la fondation du Judaisme Francais, in press, 2018.
Chandelier, Joël. 2009. "Théorie et définition des poisons à la fin du Moyen Âge." Cahiers de recherches médiévales 17. 15 juin 2012.
Ferrario, Gabriele. 2017. "Maimonides’ Book on Poisons and the Protection Against Lethal Drugs." In Maimonides’ Book on Poisons and the Protection Against Lethal Drugs, 31–42.Britain: Academic Press, Elsevier Inc.2017.
الانجليزية
Gerrit Bos. The Medical Works of Moses Maimonides. Paris: Koninklijke Brill, The Netherlands, 2022.
[1] بناءً على الأهميةِ الفائقةِ لهذهِ المدوَّناتِ الميمونيةِ، انطلقَ مشروعٌ ضخمٌ لإصدارِ طبعاتٍ نقديةٍ لجميعِ أعمالِهِ الطبيةِ لأولِ مرّةٍ. وقد كانَ هذا المشروعُ تحتَ إشرافِ وتحريرِ الأستاذِ جيريت بوس (Gerrit Bos من جامعة كولونيا - University of Cologne).انطلقَ المشروعُ في عامِ 1995م من كليةِ لندنَ الجامعيةِ (University College London).
الإصدارُ: سُمِّيَتْ سلسلةُ الكتبِ بالأعمالُ الطبيةُ لموسى بن ميمون (The Medical Works of Moses Maimonides)، وقد تمَّ نشرُ عشرةِ مجلداتٍ منها حتى الآنَ عن طريقِ مطبعةِ جامعةِ برغهام يانغ (Brigham Young University Press). ولضمانِ أعلى درجاتِ الدقةِ في هذا الجهدِ النقديِّ، تشكّلَ مجلسٌ أكاديميٌّ رفيعُ المستوى ضمَّ كبارَ الأساتذةِ والمُتخصّصينَ في هذا المضمارِ، ممّا يؤكّدُ البُعدَ الفلسفيَّ والأكاديميَّ العميقَ للمشروعِ. وكانَ من أعضاءِ هذا المجلسِ:
جيريت بوس (Gerrit Bos)، جامعة كولونيا. لورانس آي. كونراد (Lawrence I. Conrad)، جامعة هامبورغ (University of Hamburg).ألفريد إل. إيڤري (Alfred L. Ivry)، جامعة نيويورك (New York University).
واي. تزفي لانغرمان (Y. Tzvi Langermann)، جامعة بار إيلان إسرائيل (Bar Ilan University Israel).مايكل آر. ماكڤو (Michael R. McVaugh)، جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل (University of North Carolina, Chapel Hill). يمثّلُ هذا العملُ نموذجاً للجهدِ الأكاديميِّ المُتقنِ لإنقاذِ تراثِ أحدِ أعمدةِ الحكمةِ في العصورِ الوسطى.
Gerrit Bos, The Medical Works of Moses Maimonides, (Paris: Koninklijke Brill, The Netherlands, 2022), pp. 1-12.
[2] «les œuvres d’Avicenne, d’Hippocrate, de Galien, d’Aristote, de Rhazes, d’Al Farabi, d’Al Tamimi, d’Ibn Wafid ou encore de s’imprégner de l’enseignement d’Abu Marwan Ibn Zuhr dit Avenzoar avant de se lancer dans la rédaction de traités exclusivement médicaux. Il est donc indéniable que sa connaissance des textes bibliques et talmudiques a influencé sa vision de la médecine. Il envisage d’ailleurs l’étude de la médecine comme l’une des meilleures activités religieuses aidant l’homme à acquérir des vertus qui mènent à la connaissance de Dieu. Un érudit selon. Abu Ali Al-Hussayn Ibn Abdallah Ibn Sina ou Avicenne (980-1037) est un savant, philosophe et médecin persan…». Ariel Toledano, la médecine de Maimonide quand l’esprit guerit le corps, (paris, la fondation pour la mémoire de la shoah et la fondation du judaisme francais, in press 2018), p. 16.
[3] Gabriele Ferrario, «Maimonides’ Book on Poisons and the Protection Against Lethal Drugs», In: Maimonides’ Book on Poisons and the Protection Against Lethal Drugs, (Britain: Academic Press, Elsevier Inc., 2017); (pp. 31-42), p. 36.
[4] اعتبره ابن صاعد بأنه من فلاسفة اليونان المتأخرين الذين كانوا في مملكة بني العباس، وقيل إن أصله رومي، بينما نعته الصفدي بالأنصاري، دون أن نعلم ماذا يقصد بهذا العبارة هل كان مولى للأنصار أم لا، وأن تاريخ وفاته قريبا من سنة 260ه، وقد عاصر الخليفة العباسي المقتدر بالله. أنظر: خير الدين الزركلي، الأعلام، (بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة 2002)، الجزء 6، ص، 196-197. وصلاح الدين الصفدي، الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، (بيروت: دار احياء التراث، )، الجزء 24، ص. 193. ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء، ص 329.
[5] الرسالة في تدبير سفر الحج، كتاب ودليل إرشادات صحية كاملة قدمها قُسطَا بن لوقا، المسيحي العربي صاحب الدليل الصحي الأول للحج إلى مكة، والذي يكشف لنا الباحث عماد توماس عن الدليل ومدى أهميته للحجاج، وقسم "قسطا بن لوقا" كتابه "الرسالة في تدبير الحج"، إلى أربعة عشر بابًا، وما يهمنا هو الباب الحادي عشر فكان في جملة الهوام والتحرز منها. والباب الثاني عشر: كان في علاج عام من لسع الهوام، بواسطة مص الموضع بالفم او بالحجم حتى خروج دم صالح، ثم يضمد بالأدوية، ويسقى الملسوع أنواعًا من الشراب.
[6] يقسم جابر بن حيان كتاب في السموم ودفع مضارها إلى ستة فصول، يتناول الفصل الأول في علامات الأبدان والطبائع والقوى، الفصل الثاني: في أسماء السموم ومعرفة الجيد منها والرديء، الفصل الثالث: في ذكر السموم العامة الفعل في سائر الأبدان، الفصل الرابع: في علامات السموم والحوادث العارضة منها في أبدان الحيوان والمبادرة إلى علاجها، الفصل الخامس: في ذكر السموم وذكر الحوادث منها. الفصل السادس: في الاحتراس من أخذ السموم قبل أخذها، وذكر الأدوية النافعة من السموم
[7] ابن وحشية (ت. بعد 291ه/بعد 914م): أحمد بن علي بن قيس بن المختار بن عبد الكريم بن حرثيا، أبو بكر المعروف ابن وحشية: كلداني الأصل، نبطي، من أهل قسين (كورة من نواحي الكوفة). عالم بالكيمياء ينسب إليه الاشتغال بالسحر والشعوذة، أورد ابن النديم أسماء كثير من مؤلفاته فيهما. وينعت بالصوفي. من كتبه الباقية: ترجمة كتاب الفلاحة النبطية، نقله عن الكلدانية سنة 291هـ. الفهرست: 378، 439، والأعلام 7/191.
[8] أبو بكر أحمد بن علي بن قيس الكسداني، رسالة عن السموم والترياقات وعلاجاتها، مكتبة قطر الرقمية، 28/01/2022، ص27.
[9] ذكر ابن أبي أصيبعة أن شاناق من أطباء الهند وكانت له معالجات وتجارب كثيرة في صناعة الطب وتفنن في العلوم وفي الحكمة، ومن أبرز مؤلفاته: كتاب السموم، يشمل خمس مقالات، فسره من اللسان الهندي إلى اللسان الفارسي منكه الهندي، وكان المتولي لنقله بالخط الفارسي رجل يعرف بأبي حاتم البلخي فسره ليحيى بن خالد ابن برمك، ثم نقل للمأمون على يد العباس بن سعيد الجوهري مولاه. راجع: ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، شرح وتحقيق نزار رضا، (بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة، ب.ت)، ص. 474.
[10] أبو بكر الرازي: قال عنه ابن النديم: أبو بكر محمد بن زكريا الرازي من أهل الري أوحد دهره وفريد عصره قد جمع المعرفة بعلوم القدماء وسيما الطب. وكان كريما متفضلا بارا بالناس، وحسن الرأفة بالفقراء، حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرضهم، ولم يكن يفارق المدارج والنسخ وعمي في آخر عمره. تولى الرازي تدبير الري، ثم رياسة أطباء البيمارستان المقتدري في بغداد. وكان غزير الإنتاج، سمى ابن أبي أصيبعة منها 232 كتابا ورسالة من كتبه منها: الحاوي في صناعة الطب. راجع: محمد بن اسحاق النديم، الفهرست، تحقيق فؤاد السيد، (مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات المخطوطات الإسلامية)، ص 307-308. وابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، شرح وتحقيق نزار رضا، (بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة، ب.ت)، ص. 414. خير الدين الزركلي، الأعلام، (بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة 2002)، الجزء 6، ص. 130. رشدي راشد، موسوعة تاريخ العلوم العربية، (بيروت-لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية: فبراير 2005)، ص. 1165.
[11] خصص الطبيب القيرواني الباب التاسع للحديث عن الأدوية القاتلة والعلاج العام لكل من شرب شيئا من أنواع السموم، كما تناول في الباب العاشر الأدوية الملائمة في علاج من لدغته أفعى، أما الباب الحادي عشر فخصه لمجموعة من الوصفات في لدغة العقرب، والباب الثاني عشر في العلاج من الزنابير والنحل، وأخيرا الباب الثالث عشر تناول فيه مجموعة من الأدوية والأغذية والترياقات المناسبة لعضة الكلب. ابن الجزار، زاد المسافر وقوت الحاضر، تحقيق: محمد سويسي، الراضي الجازي، جمعة شيخة، فاروق العسلي، (تونس: المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة، 1999)، المجلد الثاني، المقالة السابعة، ص 628-642.
[12] علي بن العباس المجوسي، كامل الصناعة الطبية المعروف بالملكي، مكتبة جامعة الرياض، قسم المخطوطات، 3361.
[13] ابن سينا، القانون في الطب، وضع حواشيه: محمد أمين الضناوي، (بيروت-لبنان، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، 1420ه-1999م)، ص557-601. تناول ابن سينا موضوع السموم في الكتاب الثاني، في بيان الأدوية المفردة.
[14] أبو بكر أحمد بن علي بن قيس الكسداني، رسالة عن السموم والترياقات وعلاجاتها، مكتبة قطر الرقمية، 8/01/2022، ص. 27.
[15] «Honein dit que, lorsqu’il a frotté une piqûre de scorpion avec du naphte blanc, la douleur cesse aussitôt». Mose Maimonide, Traite des poisons, traduction française par: I-M RABBINOWIGZ, (Paris: Lipschutz, 1865), p36.
[16] «ces propriétés ont été citées par le cheik Abon Merwan lbn Zohar qui les a coustatées par une longue expérience: car c’était le plus grand expérimentateur pour les médicaments, celui qui les a le plus essayé particulièrement dans le but de la toxicologie. et qui était en même temps le plus capable de le faire par l’étendue de sa fortune. et sa sagacité dans les matières médicale». Mose Maimonide, Op. Cit., p. 54.
[17] Ibid., p. 56.
[18] Melilot: إكليل الملك: تسمية العامة بالمغرب، ويعرف في بعض أقاليم المشرق بسيقيفون، وهو نبات بني اللون هلالي الشكل يعرف عند الفلاحين بالنقل، وهو على نوعين أبيض وأصفر كثير الأغصان ذوات أربع زوايا، ورقه شبيه بورق السفرجل إلا أنه أطول، ينبت في مواضيع خشنة وهو كثير الوجود من الطعم زكي الرائحة. راجع: نهاد عباس زينل، الانجازات العلمية للأطباء في الأندلس وأثرها على التطور الحضاري في أوروبا-القرون الوسطى 92-897ه/711-1492م، (بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية محمد علي بيضون سنة 1971)، ص ص. 537.
[19] تمار رودافسكي، موسى بن ميمون، ترجمة: جمال الرفاعي، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، آفاق للنشر والتوزيع، 2013م)، ص. 21.
[20] لم يذكر ابن أبي أصيبعة (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) ولا القفطي (أخبار العلماء بأخبار الحكماء) تاريخ ميلاد ابن ميمون، وإن كان الأول ذكر زمن وفاته؛ لأنه صحب ابنه: ابراهيم بن الرئيس موسى -كان في خدمة الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب- وعملا معا في البيمارستان لما كانا في القاهرة. راجع:
Lucien Leclerc, histoire de la médecine arabe, (Paris: Ernest Leroux, Editeur, 1876), p. 57.
ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص. 583.
[21] جمال الدين القفطي، إخبار العلماء بأخبار الحكماء، علق عليه ووضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين، (بيروت: دار الكتب العلمية-منشورات محمد علي بيضون، 2005)، ص. 239.
[22] يرى بروكلمان المستشرق اليهودي في كتابه تاريخ الشعوب الإسلامية، أن يهود الأندلس لم يكونوا دائما في نجوة من الاضطهاد. ولقد سبقت منا الاشارة إلى الثورة التي اندلعت ضدهم في اشبيلية، والتي عهد إلى الشاعر ابن زيدون في اهمادها، فلما تم السلطان للمرابطين انتهى اليهود إلى حال من العسر بالغة، حتى لقد اضطر والد الطبيب والفيلسوف الشهير، ابن ميمون، إلى مغادرة قرطبة حوالي سنة 1150 إلى افريقيا أولا، ثم إلى فلسطين. وفي مصر نعم باستقرار موصول الحلقات، مما أسعفه في الدرس والتأليف. أنظر: كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، نقلها إلى العربية: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، (بيروت: دار العلم للملايين، ط الخامسة 1968)، ص. 315.
[23] حاييم الزعفراني، يهود الأندلس والمغرب، ترجمة: أحمد شحلان، (مطبعة النجاح الجديدة: مرسم الرباط، ب.ت)، ص. 158.
[24] أجمع الذين ترجموا للقاضي الفاصل من المؤرخين على أن كنيته أبو علي، واسمه عبد الرحيم، واسم أبيه علي، واسم جده الحسن، فقالوا عنه: أبو علي عبد الرحيم بن القاضي الأشرف بهاء الدين أبي المجد علي بن القاضي السعيد أبي محمد الحسن بن أحمد بن الفرج. أنظر: شمس الدين أحمد بن محمد ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، (بيروت: دار الصادر، 1967)، الجزء، 3 ص. 128. وصلاح الدين الصفدي، الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، (بيروت: دار احياء التراث، الجزء 6، ص. 126). وأبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، (القاهرة: دار الفكر، 1979)، الجزء4، ص324. وأحمد بن عبد الوهاب النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، (القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، 1933-1949)، الجزء 8، ص. 1. أما ألقابه فقد أطلق هؤلاء المؤرخون عليه لقبين يمثلان دوره في دولة صلاح الدين، فأشار البعض إليه بحيي الدين، والبعض الآخر بمجير الدين. فهو محيي الدين لأنه ساعد صلاح الدين في القضاء على الخلافة الفاطمية واحياء السنة في مصر، وهو مجير الدين لوقوفه إلى جانب صلاح الدين في تحرير الأراضي المقدسة. أنظر: هادية دجاني شكيل، القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني العسقلاني (562ه-592ه/1131م-1199م) دوره التخطيطي في دولة صلاح الدين وفتوحاته، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ب.ت)، ص. 25.
[25] إسرائيل ولفنسون، موسى بن ميمون: حياته ومصنفاته، ص. 20.
[26] المرجع نفسه، ص ص. 142-143
[27] موسى بن عبيد الله أبو عمران ابن ميمون القرطبي، شرح أسماء العُقَّار، نشر وتصحيح ومراجعة: ماكس مايرهوف، (القاهرة: Le CAIRE Imprimerie de l'Institut Français d'Archéologie Orientale، 1940م)، ص. 53.
[28] ابن ميمون، شرح أسماء العُقار، ص. 54.
[29] المصدر نفسه، ص. 55.
[30] «Principales œuvres andrologiques de Maïmonide Parmi les dix ouvrages médicaux de Maïmonide, son cinquième livre, intitulé Traité sur les relations sexuelles,... Cet ouvrage est écrit pour le neveu de Saladin le Grand. La fonction érotique étant pour lui d’une très grande importance, le sultan demande à Maïmonide, son médecin personnel, de l’aider à améliorer ses performances. L’œuvre comprend surtout des recettes de cuisine et des descriptions de produits aphrodisiaques ou bien anti-aphrodisiaques ».
« Maïmonide recommande la modération dans les rapports sexuels et décrit la physiologie des tempéraments sexuels. Il existe deux versions de ce livre, une authentique plutôt courte et une plus longue, apocryphe. Les deux ont été publiées en 1906». G. Androutes. M. Karamanou, «Moise Maimonide (1135-1204): un grand andrologue et sexologue avant la lettre», in: HISTOIRE DE L’ANDROLOGIE. Article reçu le 8 août 2009; accepté le 10 septembre 2009. (France: Salf et springer-verlag, 2009), p. 219.
[31] ابن ميمون، شرح أسماء العُقَّار، ص. 56
[32] كمال الدين الدميري، حياة الحيوان الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر الفاضلي، (بيروت: الدار النموذجية-المكتبة العصرية، 2004)، ص. 460. يستشهد الدميري بأبي عمران موسى القرطبي الإسرائيلي: ”الرثيلى اسم يقع على أنواع كثيرة من الحيوان، وقيل إنها ستة أنواع، وقيل ثمانية، وكلها من أصناف العنكبوت. وذكر حذاق الأطباء أن أعظم هذه الأنواع شرا المصرية“.
[33] Gabriele Ferrario, «Maimonides’ Book on Poisons and the Protection Against Lethal Drugs», In: Maimonides’ Book on Poisons and the Protection Against Lethal Drugs, (Britain: Academic Press, Elsevier Inc., 2017); (pp. 31-42), p.40
[34] Ibid., p. 36.
[35] كان عالمًا أندلسيًّا عربيًّا ازدهر في إشبيلية في جنوب إسبانيا في أواخر القرن الثاني عشر. ذكره: ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص. 173. ابن العوَّام الإشبيلي، الفلاحة الأندلسية، تحقيق أنور أبو سويلم وسمير الدروبي وعلي أرشيد محاسنة، (الأردن: منشورات مجمع اللغة العربية الأردني، 1433ه-2012م)، الجزء الأول، ص. 75-81
[36] كتاب الفلاحة: ينقسم كتاب ابن العوام إلى أربعة وثلاثين فصلاً، نشرت طبعة في عام 1802 ووضع النص العربي بجانب الترجمة إلى اللغة الإسبانية، وفي عام 1864 تم نشرها بالفرنسية. أنظر: أبو زكريا يحيى بن محمد بن أحمد بن العوّام الإشبيلي، الفلاحة الأندلسية، الجزء الأول، ص. 16-18
[37] Mose Maimonide, Op., Cit., p. 18.
[38] Ibid., p. 24
[39] Ibid., p 24-25
[40] Ibid., p. 23
[41] Ibid., p. 24
[42] ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء، ص. 496
[43] ابن رشد، الكليات في الطب، ص ص. 361-362
[44] أبو بكر الرازي، سر صناعة الطب، تحقيق خالد حربي، (الاسكندرية: دار الثقافة العلمية، د. ت)، ص. 108
[45] المرجع نفسه، ص. 125
[46] Mose Maimonide, Op., Cit., , pp. 44-45
[47] Gerrit Bos, The Medical Works of Moses Maimonides, (Paris: Koninklijke Brill, The Netherlands, 2022), p5 .
[48] «on ne peut nier l’existence d’un antidote qu’on peut employer contre toute espèce de venin possible, qu’il soit de nature chaude ou froide». Mose Maimonide, Op., Cit., p. 26
[49] الزارنج الرومي: نبات دقيق يطول أكثر من ذراع، مربع الساق دقيق الورق، عطري الرائحة، يتولد بزره بعد زهر أبيض في غلاف لطيف، ولا ينمو إلا بكثرة الماء، يسمى في المغرب بـ "حبة حلاوة". ابن رشد، الكليات في الطب، ص. 598
[50] «On ne doit jamais prendre aucun de ces remèdes simples ou composés. préparés pour la piqûre du scorpion, autrement qu’avec du vin pur et fort, parce que c’est un poison froid en excès qui tue par sa nature froide». Mose Maimonide, Op., Cit., p. 35
[51] Ibid., p. 52
[52] ديوسقوريذوس العين زربي: حكيم فاضل كامل من أهل مدينة عين زربة، ألف كتاب الخمس مقالات، يقال له "السائح في البلاد"، يمدحه النحوي الإسكندراني في كتابه التاريخ ويقول: تفدية الأنفس صاحب النفس الزكية النافع للناس المنفعة الجليلة المتعوب المنضوب السائح في البلاد المقتبس لعلوم الأدوية المفردة من البراري والجزائر والبحار والمصور لها المعدد لمنافعها. القفطي، إخبار العلماء بأخبار الحكماء، ص. 14
[53] سليمان بن حسان الأندلسي أبي داود المعروف بابن جلجل (332-377ه/943-987م)، طبيب أندلسي ومؤرخ، من أهل قرطبة، تعلم الطب وخدم به هشاما المؤيد بالله، حيث كان طبيبه الخاص، اشتهر ابن جلجل بدراسته العميقة للطب والصيدلة، وكان له اعتناء قوي بالأدوية المفردة، وقد ألف أكثر كتبه في عهد هشام المؤيد بالله، ومنها كتابه (تفسير الأدوية المفردة) من كتاب ديوسقوريدوس الذي ألفه في قرطبة سنة 372ه، وصنف تأريخا للعلماء والأطباء في عصره وهو كتاب "طبقات الأطباء والحكماء الذي ألفه سنة 377ه، ويعد كتابه من النفائس العلمية بالأندلس، بجمعه ما يخص علم الطب والتعريف بالأطباء في الأندلس. ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص. 493. وأيضا: نهاد عباس زينل، الإنجازات العلمية للأطباء في الأندلس وأثرها على التطور الحضاري في أوروبا-القرون الوسطى 92-897ه/711-1492م، (بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية محمد علي بيضون سنة 1971)، ص. 22
[54] الوزير أبي مطرف عبد الرحمان بن محمد بن عبد الكريم، ابن وافد الأندلسي اللخمي (ت 460ه/1067م)، الطبيب الأندلسي ابن وافد من أعلام أطباء الأندلس وأشرافها كانت له عناية بالغة بكتب جالينوس وغيره، وتميز بعلم الأدوية المفردة. نهاد عباس زينل، الإنجازات العلمية للأطباء في الأندلس وأثرها على التطور الحضاري في أوروبا-القرون الوسطى 92-897ه/711-1492م، ص. 24
[55] Mose Maimonide, Op., Cit., p22
[56] «Galien décide d’intégrer complètement la toxicologie à sa théorie pharmacologique. Pour lui, les poisons agissent, comme les médicaments simples, par leur complexion, en étant chauds, froids, humides ou secs. Galien introduit toutefois une distinction: certains venins agissent par leur nature propre, c’est-à-dire qu’ils nuisent systématiquement au corps humain, tandis que d’autres, comme la laitue». Joël Chandelier, «Théorie et définition des poisons à la fin du Moyen Âge», (France: Cahiers de recherches médiévales, N°17/2009, mis en ligne le 15 juin 2012), p. 3
[57] كلمة قادمة من ميثريدتس -108 قبل الميلاد إلى 63 قبل الميلاد-، اسم ملك البوسفور الذي أصبح محصنًا ضد السموم. بعد اغتيال والده بالسم، أصبح الملك ميثريداتس مهووسًا بمكائد ومؤامرات بلاطه وكرس نفسه لدراسة النباتات السامة لحماية نفسه منها. أجرى العديد من التجارب على سجنائه، فكان يسممهم يوميًا ثم يحاول إنقاذهم بالترياق. أجرى ميثريداتس أيضًا تجارب على الحيوانات: فقد أطعم بطه بالزرنيخ ولحم الأفاعي (التي كان يُعتقد في ذلك الوقت أنها سامة)، ثم شرب دمائهم لتحصين نفسه. ومن خلال التجارب على نفسه، أصبح غير حساس لبعض السموم. بعد أن هزمه بومبي، أراد الانتحار بالسم، لكنه لم ينجح وكان لا بد من قتله على يد أحد حراسه.
في الطب، الميثريداتيشن هو مناعة ضد السموم المعدنية أو النباتية، والتي يتم الحصول عليها من خلال التعود التدريجي.
[58] «voici la composition: mélilot bleu, aristoloche longue, rue sauvage, de la farine de vesce noire, parties égales pétries avec du vinaigre de vin, on en fait des pastilles». Mose Maimonide, Op., Cit., p. 38
[59] ابن وافد الأندلسي، كتاب الأدوية المفردة، ص. 14. ابن جلجل القرطبي، طبقات الأطباء، ص. 100. ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء، ص ص. 488-489
[60] Mose Maimonide, Op., Cit., p. 23
ابن رشد، الكليات في الطب، ص. 32
[62] Gerrit Bos, «The Medical Works of Moses Maimonides», (Paris: Koninklijke Brill, The Netherlands, 2022), p. 5
[63] استشهد ابن ميمون بجالينوس في الرسالة في العديد من المواضع أهمها:
- «Les proportions de chacune sont celles indiquées par Galien: feuilles de rue, 20 parties; amandes de noix, 2: se], 5; figues sèches, 2. On effectue le mélange deces choses, et on les pétrit ensemble». Mose Maimonide, Op., Cit., p. 32
- «Galien fait mention d’un remède très-utile contre la morsure de toute espèce d’animal venimeux, contre les douleurs opiniâtres et la suffocation hystérique » Ibid., p. 33
- « Galien n’a indiqué une thériaque particulière pour la piqûre du scorpion et la morsure de l’araignée (plzalangium, tarentule) » Ibid., p35
- «Galien indique un emplâtre pour les morsures de la vipère, dent voici la composition: sagapene, asa fœtida, opoponax, 1 mitskal de chaque, du galbanum, du soufre natif qui n’ait point subi l’action du feu, 2 mitskals de chaque; on pulvérise les substances » Ibid., p39
- «Galien cependant, a déjà cité quelques-unes des choses qui peuvent y avoir rapport, mais il ne le fait que dans l’intérêt de l’art médical, sans chercher à la rendre intelligible pour le vulgaire». Ibid., p47.48.
[64] يذكر جورج سارتون في موسوعته تاريخ العلم الجزء الثاني، أن أول شرح لنظرية الأخلاط يعني العناصر الأربعة حتى الفصول الأربعة، في رسالة طبيعة الإنسان التي نسبها أرسطو إلى بوليبيوس ثم نشأت نظرية الأمزجة الأربعة استكمالا لهذا الهرم من الرباعيات وشرحت لأول مرة على يد جالينوس في النصف الثاني من القرن الثاني للميلاد. جورج سارتون، تاريخ العلم القديم في العصر الذهبي لليونان، ترجمة: جورج حداد، ماجد فخري وجميل علي ومحمد يوسف نجم وكمال اليازجي وفؤاد ترزى، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2010)، الجزء الثاني، ص ص. 221-222
[65] « Le but de la santé du corps, c’est que l’âme ait à sa disposition des organes sains et en parfait état, pour qu’elle puisse s’adonner aux sciences et acquérir des qualités morales et intellectuelles». Ariel Toledano, Op., Cit., p. 11
[66] ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص. 420
[67] هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا (370ه/980م وتوفي 428ه/1037م)، نقل عنه تلميذه أبو عبيد الجوجزاني، اختلفت الروايات في تحديد تاريخ ولادته، حيث نجد صاحب كتاب (روضة الصفاء) ترى أن السيخ الرئيس ولد في الثالث من صفر سنة ثلاثمائة وثلاثة وسبعين، وذكر ابن أبي أصيبعة أن عمره ثلاث وخمسون وسنة حين وافته المنية، والأقرب في نظر جعفر آل ياسين هو 370هـ، من أشهر مؤلفاته في الطب: الأرجوزة في الطب: في التشريح، في وصايا بقراط، في المجربات، في الوصايا، ومجموعة من الرسائل والفصول الطبية.
الوزير جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي، إخبار العلماء بأخبار الحكماء، ص. 303. راجع أيضا: ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص ص. 437-438. انظر أيضا: جعفر آل ياسين، فيلسوف عالم دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفي، (بيروت-لبنان، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، 1404هـ-1984م)، ص ص. 21-24 و 84-86. وكذلك: رشدي راشد، موسوعة تاريخ العلوم العربية، (بيروت-لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية فبراير 2005)، ص. 1165
[68] Mose Maimonide, Traite des poisons, p. 33
[69] Ibid., p. 38
[70] ابن سينا، القانون في الطب، تعليق: محمد أمين الضناوي، (بيروت لبنان: دار الكتب العلمية، 1999م)، الجزء الثالث، ص. 305
[71] Mose Maimonide, Op., Cit., p. 24
[72] يقول ابن سينا في أورجوزته عن الأحداث النفسانية:
وَغَضَبُ النفـــــــــــــسِ يُهيـجُ الحرا وفرحُ النفــــــــــــسِ يهيـــــجُ البردَا وكثرةُ الأفــــراح ِإخصــــــابُ البدنْ والحزنُ قــــــد يقضــــــي على المهزولِ
وتارةً يـــــــورثُ جسمـــــــاً ضُــــــــرا ورُبـــــــما أفــــــــــــرط حـــــتى أردى ومنــــــه ما يؤذي بـــــــــــإفراطِ السِمَــــنْ وينفـــــــــعُ المحتــــــــــــاجَ للنحــــــــــولِ
الحسين عبد الله بن سينا، الأرجوزة في الطب، اعتنى بنشر نصها العربي نص ترجمتها اللاتينية وقام بنقلها إلى اللغة الفرنسية: جان جايي والشيخ عبد القادر نور الدين، (باريس: مكتبة الجزائر، 1956م)، ص. 25
[73] « Le but de la santé du corps, c’est que l’âme ait à sa disposition des organes sains et en parfait état, pour qu’elle puisse s’adonner aux sciences et acquérir des qualités morales et intellectuelles. » Moïse Maïmonide, Traité des huit chapitres». Ariel Toledano, Op., Cit., p. 11
[74] أحمد بن محمد المقري التلمساني، نفح الطيب من غضن الأندلس الرطيب، حققه: إحسان عباس، (بيروت: دار صادر، 1968م)، المجلد 3، ص. 432. وبعد وفاة مؤسس الأسرة الطبية في الأندلس تسلم راية الطب من بعده ابنه: أبو مروان عبد الملك بن زهر(ت557ه-1161م)، وهو من أبرز أطباء بن زهر، قام بخدمة المرابطين ثم الموحدين فيما بعد، وكان أبو مروان أستاذا وصديقا حميما للفيلسوف وللطبيب العربي ابن رشد[74]، ومن الجدير بالذكر أن النبوغ في الطب لم يكن حكرا على الرجال من بني زهر، بل نبغت فيه من النساء كأخت الحفيد بن زهر الأندلسي وبنتها، حيث كانتا عالمتين بصناعة الطب والمداواة ولهما خبرة جيدة بأمراض النساء والتوليد.
[75] يقول ابن المقري في كتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: «وأما الطب فالمشهور بأيدي الناس الآن في المغرب، وقد سار أيضا في المشرق لنبله، كتاب التيسير لعبد الملك بن أبي العلاء ابن زهر». ويعتبر هذا المتن بمثابة كتاب تعليمي-وهو ما يؤكده العنوان نفسه- يشهد بما لمؤلفه من خبرة عميقة ودراية واسعة بالمجال الطبي. أحمد بن محمد المقري التلمساني، نفح الطيب من غضن الأندلس الرطيب، ص. 185
[76] Mose Maimonide, Op. Cit., p. 32
[77] قال ابن ميمون:
“ Oignon pelé, onces; feuilles d’arbousier, gentiane, poivre noir et blanc, poivre long. gingembre, 1 once de chaque; agaric femelle, lavandula stæchasune demi-once de chaque; opium. 2 drachmes qu’on fait dissoudre dans du vin. On réduit en poudre les substances sèches, on pétrit le tout avec du miel dont on a enlevé l’écume, et le meilleur est celui qui a été amené à un état de consistance". Ibid., pp. 32-33.
[78] ابن رشد، الكليات في الطب، ص. 378
[79] بازهر: البازهر والأدوية البادزهرية هي الأدوية المضادة للسموم والدواء القتال. وهي متوسطة بين السموم والأدوية. ومنها حجر البازهر. المصدر نفسه، ص. 24. ص. 599
[80] المصدر نفسه، ص. 378
[81] ابن سينا، القانون في الطب، وضع حواشيه: محمد أمين الضناوي، (بيروت-لبنان: منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى: 1999)، ص. 353 و 355 و 385
[82] شوكران وشيكران: عشبة سامة من فصيلة الخيميات تنبت عادة بالقرب من الأماكن المأهولة وتفح منها رائحة مخمة. كان الأقدمون يستخرجون منها سما يسقى بعض المحكوم عليهم. ابن رشد، الكليات في الطب، ص ص. 630-631
[83] Gerrit Bos, Op., Cit., p. 11






