يوميات هيروشيما متشهيكو هاتشيا
فئة : قراءات في كتب
يوميات هيروشيما
متشهيكو هاتشيا
ترجمة رءوف عباس
مؤلف الكتاب ميتشهيكو هاتشيا: طبيبٌ يابانيٌّ وأحدُ الناجين من قصفِ هيروشيما، وُلد عام 1903م في أوكاياما باليابان. درَس الطب، وكان مديرًا لمستشفى اتصالات هيروشيما أثناء بداية القصف الذري عليها في عام 1945م، فكان شاهدَ عِيانٍ على أحداثِ القصف التي دوَّنها كما رآها وعايشها يومًا بيومٍ في كتابٍ عُنون فيما بعدُ ﺑ «يوميات هيروشيما». وتُوفي عام 1980م.
فكرة الكتاب
موضوع الحرب في الزمن الحاضر، التي تدور رحاها هنا وهناك، لم يعد كما كان من قبل، قديما تندلع الحروب والمعارك ولا تخلّف أثرا كبيرة على مختلف المناطق البعيدة، وإن كان ذلك فسيحدث بوثيرة بطيئة، فضلا أن الكثير من الناس عبر العالم لم يكونوا على علم بأحداث ووقائع تلك الحروب إلا بعد نهايتها، وقد يلعب المخيال في بعده التاريخي دورًا مهمًّا في تضخيم مختلف نتائج تلك الحروب. في الوقت الحاضر يتابع الناس وثيرة الحرب ومداها ساعة بساعة، ويكون أثرها الاقتصادي والاجتماعي والاقتصادي قريب منهم منذ اللحظة الأولى للحرب. المفارقة هنا أن الإنسانية لا تتعظ بما تجلبه الحرب معها ومن بعها من مآسي وويلات... مع العلم أن كل قارات العالم على طول القرن العشرين تذوقت مرارة الحرب خاصة الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية... الغريب اليوم أن العالم لازال يتجه نحو الحرب بدافع مختلف الأصوليات التي ترى في نفسها بأنها تملك الحقيقة دون غيرها، سواء هي أصوليات باسم الدين أو القومية أو العلم أو المصلحة المتمركزة حول الذات [المركزية الغربية]... والغريب أن الأصوليات لا يهمها أمر العالم ومستقبله، فهمها أن يدمر بعضها البعض الآخر، تحت ضغط وهم الاستحواذ على المجال الحيوي للخصم، في غفلة عن دمار الإنسان وكوكب الأرض.
العقل الجمعي اليوم في أمس الحاجة ليقرأ ويتمعن في مختلف نتائج ما جلبته الحروب من ورائها قديما وحديثا، بهدف يقظة الوعي أن الانتصار في الحرب أو السير نحوها بامتلاك مختلف الأسلحة لا يعني ذلك أنه تأمين للمستقبل، ولا يعني الرفاهية واستقرار الشعوب. لماذا؟ لأن الأمن والاستقرار مسألة ينبغي لها أن تنبعث من السلام الداخلي للإنسان...
بهدف الوعي بآفات الحرب النووية، نقف عند كتاب يوميات هيروشيما، لـ "متشهيكو هاتشيا" وهو وثيقةً تاريخية إنسانية تصوِّر أبعاد المأساة والآثار التي ترتَّبَت عليها، وهي عبارة عن يومياتٍ حرَص على تدوينها شاهدُ عيانٍ عاصَر الحادث منذ بدايته صباح السادس من أغسطس 1945م من موقع المسؤولية كمديرٍ لمستشفى مصلحة المواصلات بالمدينة حتى آخر سبتمبر من نفس العام حين تسلمَت إدارة المستشفى لجنةٌ طبية أمريكية. وصاحِب اليوميات هو الدكتور متشهيكو هاتشيا، وقد نُشرَت اليوميات أول ما نُشرَت باللغة اليابانية بمجلةٍ طبية كانت تُصدرها الإدارة الطبية بوزارة المواصلات اليابانية تحمل اسم «تي شن إيجا كو» ثم جُمعَت في كتابٍ نُشِر باليابانية وطُبِع عدَّة طبعات، كما قام الدكتور وارنر ولز عضو اللجنة الطبية الأمريكية التي تسلمَت إدارة المستشفى من الأطباء اليابانيين والأستاذ بجامعة نورث كارولينا الذي كان يُجيد اليابانية بترجمة الكتاب إلى الإنجليزية.[1]
العالم وخطر الأسلحة النووية
الأسلحة النووية هي أخطر الأسلحة على وجه الأرض. فبإمكان أحدها أن يدمر مدينة بأكملها، ويقتل الملايين احتمالا، ويعرض للخطر البيئة الطبيعية للأجيال القادمة وحياتها، من خلال آثاره الوخيمة الطويلة الأجل. إن الأخطار المترتبة على هذه الأسلحة تنشأ من وجودها ذاته. ومع أن الأسلحة النووية استخدمت مرتين فقط في الحرب – في قصف هيروشيما وناغازاكي في عام 1945م – فإنه يقال إنه لا يزال هناك 000 22 من هذه الأسلحة في عالمنا اليوم، وإنه أجري حتى اليوم ما يزيد على 000 2 تجربة نووية. إن نزع السلاح هو أفضل وقاية من هذه الأخطار، وإن يكن بلوغ هذه الغاية يمثل تحديا صعبا إلى أبعد الحدود.
وتسعى الأمم المتحدة منذ إنشائها إلى القضاء على هذه الأسلحة. وقد أنشأ أول قرار اتخذته الجمعية العامة في عام 1946 لجنة لمعالجة المشاكل المرتبطة باكتشاف الطاقة الذرية وغيرها. وأنيط بهذه اللجنة تقديم اقتراحات تتعلق بجملة أمور، منها التحكم في الطاقة الذرية إلى المدى اللازم لاستخدامها في الأغراض السلمية فقط. وجاء في القرار أيضا أن على اللجنة تقديم اقتراحات بشأن "القضاء على الأسلحة الذرية وجميع الأسلحة الرئيسية الأخرى التي يمكن تعديلها لأغراض التدمير الشامل من الترسانات الوطنية" وجرى منذ ذلك الحين وضع عدد من المعاهدات المتعددة الأطراف بغرض منع انتشار وتجربة الأسلحة النووية، مع تعزيز التقدم صوب نزع السلاح النووي. ومن هذه المعاهدات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح الماء، المعروفة كذلك بمعاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية، وكذلك معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، التي وقعت في عام 1996 وإن تكن لا تزال رهن النفاذ.[2]
طُوِّرَت هذه القنبلة النووية ضمن مشروع مانهاتن خلال الحرب العالمية الثانية، وتستمد القوة التفجيرية من الانشطار النووي من يورانيوم-235. كان قصف هيروشيما هو ثاني تفجير نووي صناعي في التاريخ (الأول هو «ترينيتي» بغرض التجارب)، وكانت الأولى التي تعتمد على اليورانيوم بغرض التفجير. فقط 600 ملليغرام من اليورانيوم حُوِّلَت إلى طاقة للتدمير. وانفجرت بقدرة تدميرية تعادل ما بين 13 و18 كيلوطن من مادة تي إن تي، وقتلت ما يقرب من 140,000 شخص. لم يُخْتَبَر هذا التصميم في موقع الاختبار ترينيتي، على خلاف قنبلة البلوتونيوم (فات مان) الأكثر تعقيداً، التي اُخْتُبِرَت. وكانت الكمية المتاحة من اليورانيوم المخصب في هذا الوقت ضئيلة جداً في ذلك الوقت.[3]
كانت مأساة هيروشيما إيذانًا ببداية عصرٍ جديد تلعب فيه الأسلحة الذرية دورًا مهمًّا في حسم الصراع بين القوى الكبرى، وبداية لتسابُق من نوعٍ جديد يهدف إلى امتلاك أسرار هذا السلاح الرهيب وتطويره لتوفير الردع النووي من جانب كلا المعسكرَين اللذين برزا وجهًا لوجه في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهما: المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي سابقا من جهة، والمعسكر الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية من جهةٍ أخرى.[4]
ومهما كان الأمر، فإن استخدام القنبلة الذرية في ضرب هيروشيما ونغازاكي فتح الباب على مصراعيه لعصرٍ جديد، تسابقَت فيه القوى الكبرى على امتلاك الأسلحة النووية وتطويرها، حتى إن قوة قنبلة هيروشيما على ما سببَته من دمار تشبه عود الثقاب بالنسبة للأتون الملتهب، إذا ما قُورنَت بالتطور الذي أصبحَت عليه الأسلحة الذرية الآن، ولعبَت الذرة دورًا كبيرًا في الدبلوماسية الدولية وفي جانب الردع، وشجع العملاقان الذريان على انتهاج سياسة الوفاق. كما انضمَت لعضوية النادي الذرِّي في السنوات الأخيرة فرنسا والصين والهند وإسرائيل وباكستان، وتتطلع بعض الدول النامية الأخرى مثل إيران إلى الانضمام إليه[5].
حجة الملائكة
تضعنا الآية القرآنية من سورة البقرة قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)"(البقرة) أمام معطى وتحدي واقعي واجه الإنسان منذ الأزل، وهو الانزلاق نحو سفك الدماء والفساد في الأرض، ومسألة الفساد هذه قد يقبل عليها الإنسان وفق مختلف مستويات المعرفة والحضارة لديه، ونشير هنا أن الإنسان في الوقت ذاته يملك من الملكات والمؤهلات ما يجعله يعرض عن الانزلاق نحو دائرة الفساد وسفك الدماء. والحقيقة أن تاريخ الإنسان يحكمه نوع من الجدل ما بين الإصلاح وبين سفك الدماء، فالتاريخ يحفظ لنا ما لالا يعد ولا يحصى من مختلف الحروب التاي خاضها بني الإنسان فيما بينهم، وبالأخص تلك الحروب التي خلفت من ورائها شلالات من الدم، دون أن تجلب معها مصلحة تذكر، صحيح أن الناس منذ الأزل يتصارعون فيما بينهم بفعل تحصين وحفظ مختلف المصالح المرتبطة أحيانا بتأمين المأكل والمسكن... فبعض من الحروب ربما قد تجد لها أسباب موضوعية وواقعية، لكن الحرب في الغالب تنفلت من عقال العقل والمصلحة الذاتية التي لا تراعي مصلحة العامة... وتتحول إلى حالة من الفساد وسفك الدماء، وهو الظن الذي كان ظنه الملائكة في الفعل الإنساني. فالبظر إلى موضوع مختلف الأسلحة التي يمتلكها الإنسان اليوم على رأسها الأسلحة النووية، يحق لنا القول: أن جزء هام من الحضارة الحديثة يدون في دائرة الفساد وسفك الدماء.
[1] متشهيكو هاتشيا، يوميات هيروشيما، ترجمة رءوف عباس، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 2023م، ص.11
[2] موقع الأمم المتحدة / https://www.un.org/ar
[3] موقع الموسوعة الحرة
[4] نفسه، ص. 11
[5] نفسه، ص.30