ألكسيس دو توكفيل ونقد الوضع الدّيمقراطي: من تدنّي الأخلاق إلى تفشّي الاستبداد


فئة :  أبحاث عامة

ألكسيس دو توكفيل ونقد الوضع الدّيمقراطي: من تدنّي الأخلاق إلى تفشّي الاستبداد

الملخّص:

نودّ في هذا المقال أن نعكس صورة مقتضبة عن مسألة القيم الأخلاقيّة السّائدة في عهود الاستبداد الدّيمقراطيّ لدى الفيلسوف الفرنسي ألكسيس دو توكفيل[1]، من زاويتين:

أوّلًا: تشخيص أزمة الوضع الأخلاقيّ الّذي أضحى متفشّيًا في المجتمعات الّتي تعدّ أكثر ديمقراطيّة، وذلك في صورة نقديّة نعبّر بها عن تدني الأخلاق وعدم انتظام العلاقات الإنسانيّة في المجتمع، هذه الصّورة بقدر ما تمسّ قيم الأفراد، تعبّر عن أزمة السّياسة الّتي لم تعد تتبنّى نموذجًا واضحًا عن الأخلاق، بقدر ما أصبحت تهتمّ بغايات بعيدة عن قيم الإنسان، يظهر - هنا - الهدف من السّياسة في علاقته بالأخلاق، وتصبح الحاجة ماسّة جدًّا إلى إعادة النّظر في دورهما بعد أزمة اجتماعيّة طغى عليها الواقع الماديّ؛ حيث أصبح الناس متساوين في الاندفاع وراء الشّهوات المادّيّة.

ثانيًا: استخلاص أهمّ نتيجة يمكن لباحث وفيلسوف مثل توكفيل أن يتوقّعها في ضوء تطوّر الأنظمة السّياسيّة المعاصرة، ويتعلّق الأمر بتفشّي الاستبداد في صورته الدّيمقراطيّة، وسنتحدث معه - هنا - عن ضمور القيم الرّوحيّة وتراجعها، ممّا أدّى إلى سيطرة المتع الحسّيّة والملذّات الجسديّة؛ حيث انتشرت وتوسعت رقعة حياة الرّفاهيّة، والنّزعات الغريزيّة، والسّعي نحو إرضاء اللّذات الجسديّة، وقد مهّد تاريخ الإنسان للولوج إلى اللّذة، وهُيِّأت معه رغبات النّاس في قبول نوع من الاستبداد الخفيّ والفتّاك، استبداد ينخر جسد الأمّة ويجعلها ترزح تحت نير الوصاية الرّحيمة المفروضة في ظلّ الوضع الدّيمقراطيّ، ونتحدث - هنا - عن نوع من الاستبداد يختلف جذريًّا عن صور الاستبداد التّقليديّ الّذي مرّت به البشريّة، وشخّصه فلاسفة العصر الحديث، إنّه استبداد بارد وليّن ومنظّم، لكنّه أكثر فتكًا ووطأة، لأنّه يمسّ قيم الفرد السّامية؛ كالحرّيّة والكرامة و...إلخ، ويجعل النّاس يتلذّذون بالرّضوخ له بوازع المساواة.

هذا بإيجاز تصوّر توكفيل عن الوضع الدّيمقراطيّ الّذي سنحاول مقاربته في حدود ما يسمح به هذا المقال، ونرجو أن نتمكّن فيه من فهم جزء من أزمة الأخلاق والسّياسة في المجتمع الدّيمقراطيّ، ونحن إذ نعرض لموضوعنا فليس مقصودنا الحسم في موقف توكفيل من الأخلاق، بقدر ما ابتغينا توجيه نظرنا إلى أهمّ القضايا الّتي يمكن الانفتاح عليها، الّتي تعد من قبيل المسكوت عنه في ثقافتنا العربيّة، لن يعبّر موقف توكفيل عن جِدّيّته إلّا إذا وجدنا لمسألة الأزمة الأخلاقيّة في عالمنا امتدادات للتّفكير في إشكالات القيم الإنسانيّة بكيفيّة صريحة، ونأمل أن نعود إلى تعميق الرّؤية أكثر في الموضوع، والتّفكير في أهم ردود الفعل الّتي أثارها موقف توكفيل في السّاحة الفكريّة، وفي مجال الفلسفة الأخلاقيّة المعاصرة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا


1 هو ألكسيس شارل هنري كليرل دو توكفيل: ولد في باريس يوم 29 تموز سنة 1805م، وذلك في وقت كانت فيه فرنسا تمرّ بموجة توتّر وعنف انبثق في أعقاب الثّورة الفرنسيّة، توفّي في 16 نيسان سنة 1859م، وكان حينها يناهز الرّابعة والخمسين عامًا.