أنواع الإرهاب في ظل صراع "المركز" و"الأطراف"


فئة :  مقالات

أنواع الإرهاب في ظل صراع "المركز" و"الأطراف"

الإرهاب بما هو ظاهرة إنسانيه قابل للتغير مع تسارع السيرورات الاجتماعية والتكنولوجية التي تفرضها سيرورة العولمة. لذلك فإن حركة ظاهرة الإرهاب ترتبط بعلاقة إيجابية بالتغيرات الحاصلة بالنظام الدولي المعاصر. وحسب نظرية "النظام العالمي الجديد" لإيمانويل فالرشتاين، يمكن لنا تتبع تحولات الإرهاب خلال القرن الماضي من خلال ما يسمى بـ"المركز" و"الأطراف"، حيث تحوّل نشاط المنظمات والجماعات الإرهابية من الأطراف إلى المركز، وهو ما استدعى "إعادة تعريف الإرهاب من كونه مشكلة خاصة بالأطراف فقط، إلى مشكلة تخص المركز أيضاً.

الإرهاب الثوري هو النوع الأكثر إثارة للجدل والخلافات بين منظري الإرهاب، لكنه يبقى الأكثر شيوعاً في الحقبة المعاصرة من العولمة

ونظراً لأن المركز تمثله الدول المتقدمة، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، فقد تمت صياغة مفهوم وأنماط للإرهاب مرتبطة بالقوة والهيمنة، قائم على مفهوم حتمّي-خطي يدعّي بأن "هذا الإرهاب ضد الحضارة - قاصدا حضارة المركز-والإنسانية"[1].

تنميط الإرهاب

هناك الكثير من المحاولات للتميز بين أنواع النشاط الإرهابي، ولأن هناك الكثير من الجماعات والمنظمات التي تمارس الإرهاب حالياً، فإنه من الصعب وجود نظرية واحدة يمكن أن تفسر أو تميز بوضوح بين مختلف أنواع الإرهاب التي أصبحت تتغير وتتبدل بفعل سيرورة العولمة.

أحد النماذج المشهورة لأنواع الإرهاب - أو تنميطه- رغم أنه تعرض للكثير من النقد في أدبيات الإرهاب بحجة أنه غير شامل؛ يقترح ثلاثة أنواع للإرهاب، وهي: الإرهاب الثوري، والإرهاب شبه الثوري، والإرهاب المؤسسي[2].

الإرهاب الثوري هو النوع الأكثر إثارة للجدل والخلافات بين منظري الإرهاب، لكنه يبقى الأكثر شيوعاً في الحقبة المعاصرة من العولمة. ويمكن أن ندمج تحت هذا النوع معظم الجماعات والمنظمات الإرهابية الفاعلة تاريخياً وحالياً، وهي الجماعات التي تم التعارف عليها بإرهاب "الأطراف الفاعلة ما دون الدولة".

من حيث أهداف المنفذين للنشاط الإرهابي، يمكن تميز هذا النوع من الإرهاب بأن المنفذين له يهدفون إلى القضاء على بنية النظام السياسي القائم واستبداله بنظام وهيكلية أخرى.

ومن الأمثلة البارزة على هذا النوع عبر تاريخ الإرهاب، يمكن لنا الإشارة إلى نشاطات: الجيش الجمهوري الإيرلندي، الألوية الحمراء الإيطالية، الألوية الحمراء الألمانية -جناح بادر ماينهوف في السبعينيات، حركة إيتا الباسكية الانفصالية، الدرب المضيء البيروفيه. ولقد تلاشت معظم هذه الجماعات حالياً. ويمكن تصنيف تنظيمات القاعدة، وداعش وبوكوحرام، وطالبان أفغانستان ضمن هذا النوع.

أما فيما يخص جماعات اليمين المتطرف أو ما يسمى "اليمين البديل" التي تنشط حالياً في أوروبا والولايات المتحدة؛ فأعتقد بأنه من الصعب وضعها ضمن هذا النوع، لأنه ليس من الواضح من أدبيات هذه الجماعات أنها تسعى صراحة إلى القضاء على النظام السياسي القائم واستبداله. لكن من الواضح أنها تسعى بكل السبل للتأثير على سلوك النظام القائم.

الإرهاب شبه الثوري هو نوع أقل شيوعاً، وهو يتميز بأنه لا يهدف إلى القضاء على بنية النظام القائم، بل يهدف إلى تعديل سلوك النظام القائم، ومن هنا فمن الصعب جدّاً على المتابع للإرهاب تتبع هذا النوع من الإرهاب وتميزه. ومن الأمثلة القليلة عليه، يمكن الإشارة إلى نشاط "المؤتمر الوطني الأفريقي" في جنوب أفريقيا للقضاء على نظام الفصل العنصري.

أما النوع الثالث من الإرهاب، وهو أكثرها جدلاً وخلافاً، فهو الإرهاب المؤسّسي، ويطلق عليه في أدبيات الإرهاب "إرهاب الدولة" أو الأطراف الفاعلة من الدول، وهو الإرهاب الذي ترعاه وتوظفه الدولة - أو بعض مؤسسات الدولة- لمصلحتها لتحقيق أهدافها السياسية، سواء ضد مواطنيها، أو مؤسساتها، أو ضد حكومات وجماعات أجنبية أخرى.

هذا النوع من الإرهاب شائع جدّاً، لكنه صعب التمييز بسب أن رعاية الدولة له تكون محاطة بسرية كبيرة، وبالتالي من الصعب كشفه أو إثباته، حتى لو خضع للتحقيق والمساءلة القانونية. والأمثلة التاريخية على ذلك أكثر من أن تُحصى. ومنها الإرهاب الذي مارسه جوزيف ستالين ضد الشعب السوفياتي، ثم دعم الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة للكثير من الجماعات في العالم في منافسة مع أمريكا والغرب، في مقابل دعم الولايات المتحدة في الثمانينيات للكثير من الجماعات الإرهابية في آسيا، خاصة في أفغانستان وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا مثل "الاتحاد الوطني للاستقلال الكلي الأنغولي"، وقيام إيران وسوريا وغيرها من الدول الإسلامية بتقديم الدعم اللوجستي لبعض الجماعات الإسلامية في مهاجمة إسرائيل ومصالحها. كذلك يمكن الإشارة إلى إرهاب الدولة الذي تمت ممارسته في تشيلي خلال الفترة 1973 - 1990م والأرجنتين خلال الفترة 1976 - 1980م[3].

إنّ أكثر ما يميز الإرهاب المؤسسي بكافة أشكاله هو السرية الممزوجة بالعمليات الاستخبارية المعقدّة؛ حيث يصعب كشفه وإثباته خاصة قانونياً؛ ذلك أن الدول الراعية للإرهاب تسعى بكافة الوسائل لإخفاء ضلوعها في دعم الجماعات الإرهابية خوفاً من ملاحقة وسائل الإعلام وجماعات حقوق الإنسان وانتقام الأطراف الأخرى المنافسة. ولعل أهم دليل على ذلك، حرب الجماعات الإرهابية الإسلاموية الناشطة الآن في العراق وسوريا وليبيا والساحل وأفغانستان والفلبين.

الإرهاب المؤسّسي، وهو الإرهاب الذي ترعاه وتوظفه الدولة أو بعض مؤسساتها لمصلحتها لتحقيق أهدافها السياسية، سواء ضد مواطنيها، أو مؤسساتها، أو ضد حكومات وجماعات أجنبية

أنواع الإرهاب اعتمادا على معيار المنفذين

يتخذ الإرهاب من حيث المنفذون للعمل الإرهابي ثلاثة أنواع هي: إرهاب الذئاب المنفردة /الأفراد، وإرهاب المنظمات والجماعات، وإرهاب الدولة.

أولاً: إرهاب الدولة

كما أسلفت أعلاه، يعتبر هذا النوع من الإرهاب أكثر الأنواع تعقيداً وإشكالية، سواء على مستوى التعريف أو التحليل، ولقد تطورت أساليب هذا الإرهاب خلال ثورات الربيع العربي ومارسته كثير من الدول والأنظمة لقمع الثورات والمعارضين، كما في إسرائيل والعراق وسوريا.

وتأتي خطورة هذا النوع من الإرهاب الذي تمارسه أجهزة الدولة في قدرته على فرض إرادته بالقوة القسرية من خلال استخدام العنف المفرط، وقد أسست إسرائيل كيانها في فلسطين باستخدام هذا النوع من الإرهاب.

ثانياً: إرهاب الذئاب المنفردة أو الأفراد:

على المستوى الشخصي قد يمتلك بعض الأفراد قوة جسدية خارقة أو أسلحة فتاكة، فيرعب الناس ويبتزهم ويأخذ أموالا منهم، وقد يمارس بعض الأفراد إرهابا ضد الدولة، أو ضد طبقة معينة من الأغنياء، وهو من أخف أنواع الإرهاب، ويمكن القضاء عليه باعتقال منفذيه أو بقتلهم أو بإصلاحهم وتراجعهم. ولا يحظى هذا النوع بكثير اهتمام لدى باحثي الظاهرة نظرا لعدم أهميته بالمقارنة مع الأشكال الأخرى، لأن منفذي مثل هذا الإرهاب لا ينطلقون من إيديولوجية أو أهداف سياسية، ولا يسعون إلى تغير بنية أو سلوك الدولة.

لكن اللافت في هذا النوع هو بروز إرهاب الذئاب المنفردة كأحد أهم الظواهر في نشاط الجماعات الإرهابية الذي ساعدت في انتشاره وتأثيره آليات العولمة التكنولوجية في الدعاية والتجنيد، خاصة خلال العقد الماضي وبلغ أوجه مع بروز تنظيم داعش بعد عام 2014م. وهذا النوع حتى وإن كان مرتبطاً بنوع آخر من الإرهاب، وهو إرهاب الجماعات والمنظمات، لكن تميزه يبقى بأنه فردي وبلا توجيه مباشر من التنظيم الرئيس. وأعتقد بأنه أهم تجليات الاختراق المعاكس لظاهرة الإرهاب من الأطراف إلى المركز.

ثالثاً: إرهاب الأطراف الفاعلة ما دون الدولة

منذ هجمات (11-أيلول-2001) ضد (أمريكا) انتقل الاهتمام بإرهاب الجماعات أو الأطراف الفاعلة ما دون الدول في النظرية السياسية، وخاصة نظرية العولمة إلى حدوده القصوى نظرا للتحول العميق الذي طرأ على بنية الصراعات السياسية وسلوكها في الحقبة الحالية من سيرورة العولمة، حيث تتواجه الدول مع الجماعات، وبدلاً من بناء التحالفات الدولية بين دول ضد دول أخرى، أصبحت تحالفات اليوم دول ضد جماعات أو منظمات كالقاعدة أو داعش أو البوكو حرام. ومثال ذلك التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.

لقد رصد مكتب مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية (الأمريكية) في تقريره السنوي حول اتجاهات الإرهاب والجماعات الإرهابية في العالم (حسب تصنيف الخارجية الأمريكية) الذي نشر في وسائل الإعلام 2019م ما مجموعة (68) جماعة أو منظمة إرهابية على مستوى العالم، أخطرها القاعدة وداعش.

ويتفاوت عدد هذه الجماعات بين إحصائية وأخرى حسب الزمن، أو الجهة التي تقوم بعملية الرصد، إذ إن هناك جهات ومؤسسات ومراكز دراسات وأبحاث تقوم بهذه العملية.

كافة القوائم التي تنشرها المؤسسات الغربية، لم تدرج أية جماعة من اليمين المتطرف الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة في هذه القوائم رغم خطرها

وعلى الرغم من أن كثيراً من الجماعات يعتبر اليوم من مُخلفات الحرب الباردة، مثل جماعة (أبي نضال) التي اندثرت تماما بعد احتلال العراق ووفاة أبو نضال شخصياً، وكتائب عبد الله عزام، والجيش الجمهوري (الإيرلندي) ونمور التاميل، والباسك؛ إلا أن التقرير يعطي فكرة واضحة عن كيفية مقاربة الأطراف الفاعلة من الدول لظاهرة الإرهاب، وأن وجهات النظر السياسية في المركز والأطراف تلعب دوراً في تحديد من هو الإرهابي وما هو تعريف الإرهاب.

وتاريخيا كان هناك منظمات قوية تسلحت بالإرهاب لتحقيق أهدافها، من أشهرها الجيش الجمهوري (الإيرلندي) و(إيتا) الباسكية، والدرب المضيء، وجيش الرب، ونمور (التاميل - إيلام) وأوم شنريكيو (اليابانية)، وفي (إيطاليا) هناك جماعة النظام التي تكونت في سنة 1950م، وجماعة الطليعة الوطنية التي تكونت في سنة (1959م)، وهما منظمتان (فاشيتان) مارستا الأعمال الإجرامية وتتسلحان (بالإيديولوجية) اليمينية، وثمة منظمات إرهابية تابعة لليسار؛ أبرزها منظمة الألوية الحمراء تكونت في أواخر الستينيات في القرن الماضي منطلقة من الفكر (اللينيني)، وتضم شبكة سرية تقوم بالأعمال الإرهابية، وجهاز جمع المعلومات، و(منظمة الحكم الذاتي العمال) وهي (ماركسية) وقد انفصلت عن الأحزاب الشيوعية بعد أن رفضت أساليبها السلمية، والملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن معظم الجماعات الإرهابية في هذه الحقبة من الزمن كانت يسارية الفكر والتوجهات.

وهناك أكثر من (130) جماعة إرهابية في العالم صنفتها حكومات وطنية ومنظمات دولية كمنظمات إرهابية، ومن أهمها في حقبة العولمة الحالية داعش وبوكو حرام وتنظيم القاعدة وتفرعاته المنتشرة في معظم أنحاء العالم.

إن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن كافة القوائم التي تنشرها المؤسسات الغربية، خاصة الأمريكية لم تدرج أية جماعة من "اليمين المتطرف" الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة في هذه القوائم؛ رغم أن خطر هذه الجماعات أصبح مساوياً؛ أو أكبر من خطر جماعات، مثل داعش والقاعدة، ورغم الاتهامات والانتقادات التي تثار في الغرب من أن هذا الإرهاب يلقى رعاية ودعماً من روسيا[4]. ولعل هذا ما يعيدنا مرة أخرى إلى مسألة المركز والأطراف والمعايير المزدوجة في مقاربة الإرهاب العالمي اليوم.


[1]- Lizardo, Omar A., and Albert J. Bergesen. “TYPES OF TERRORISM BY WORLD SYSTEM LOCATION.” Humboldt Journal of Social Relations, vol. 27, no. 2, 2003, pp. 162–192. JSTOR, www.jstor.org/stable/23524157

[2]- John Philip Jenkins, (2019) Terrorism, Encyclopaedia Britannica, https://www.britannica.com/topic/terrorism

[3]- المرجع السابق

[4]- Nick Allen,)2019). Russia 'adding violent energy' to white supremacy around the globe, US experts claim, https://www.telegraph.co.uk/news/2019/09/23/russia-adding-violent-energy-white-supremacy-around-globe-us/