إضاءات على الاستعراب الإسباني: فيديريكو كوريينتي كوردوبا


فئة :  مقالات

إضاءات على الاستعراب الإسباني: فيديريكو كوريينتي كوردوبا

إضاءات على الاستعراب الإسباني:

فيديريكو كوريينتي كوردوبا

FEDERICO CORRIENTE CORDOBA


يعتبر كورينيتي من المستعربين المشهورين بدراسته اللغوية اشتغل بتأليف كتب قواعد اللغة العربية "وكنت أول من وضع قواميس عربية إسبانية وإسبانية عربية، وألفت كتابًا في قواعد اللهجة الأندلسية ونشرته بالإنجليزية ليصل إلى أكبر عدد من القراء"[1].

وقد بذل مجهودًا كبيرًا في إنجاز قاموسه (الإسباني - العربي) بحيث لم يقتصر على ذكر الألفاظ المستعملة في الحديث فقط، وإنّما أدرج كذلك المصطلحات العلمية والفنية والحقوقية والأدبية التي أصبحت زادًا لا غنى عنه للإنسان المثقف في مجتمع القرن العشرين. فضلاً عن أنّه أورد عددًا من كلمات الدارجة في قارة أمريكا الجنوبية التي تتحدث اللغة الإسبانية وتستعملها في خطابها وكتبها. إضافة إلى البحث في علاقات الألفاظ العربية والإسبانية ومعانيها وتأثيراتها المتبادلة ومقارنتها على ضوء المبادئ اللغوية العلمية[2].

وقد تعمق كثيرًا في دراساته عن مميزات العربية الأندلسية ومقارنتها باللهجات المغربية وتوصل إلى أنّ عدد المؤلفات الهامة المتعلقة باللهجة الأندلسية وآدابها الشعبية المطبوعة في النصف الثاني من هذا القرن يفوق ضعف إنتاج السنين المائة قبل هذه المدة المذكورة، فكان نتيجة هذا النشاط أنّ مراجع اللهجة الأندلسية التي كانت إلى منتصف القرن العشرين منحصرة في حدود محتويات مؤلفات (سيمونت) ودوزي علاوة على بعض التعاليق على هامش ديوان ابن قزمان وكتاب (شتيكر) ديواني ابن قزمان والششتري ودراسات ذكر أهمها في فهرس المراجع المدرج في كتابه عن اللهجة الأندلسية الصادر في مدريد سنة 1977 تحت عنوان (ملخص قواعد فصلية اللهجات الأندلسية).

وتنقسم هذه المراجع إلى سبعة أصناف وهي:

  1. نصوص تعمد واضعوها تحريرها باللهجة لأغراض فنية خاصة، مثل ديواني الأزجال المذكورين أعلاه ومجموعة الأمثال الشعبية لابن هشام وابن عاصم الزجالي التي اعتنى بنشرها أو درسها الدكتور الأهواني والمستعرب غارسيا غوميث والدكتور محمد بنشريفة
  2. نصوص لم يتعمد أصحابها تحريرها باللهجة. إلا أنّ كثيرًا من ألفاظها وتعابيرها مخالفة للفصحى، لأنّ أصحاب هذه النصوص لم يضطلعوا في الفصحى، وهي تقع في أصناف متفاوتة الأهمية، من كتاب الإسكندر الذي نشره غارسيا غوميث إلى مجموعات مستندات قانونية متأخرة التاريخ متنوعة اللغة لمطابقتها النماذج التقليدية، مثل مجموعة مستندات المستعربين الطليطليين التي نشرها المستعرب غونثاليث بالينثيا وفيها ما يزيد على ألف وثيقة، إلى جانب رسائل شخصية قليلة الأسطر مثل التي نشرها (هارفي والأركون) و(سيكو دي لوثينا)
  3. معاجم وكتب قواعد وتعاليم دينية من تأليف القساوسة المسيحيين لأغراضهم التبشيرية، مثل المعجم المنسوب إلى (ريموند مارتي) الذي نشره (سيكا باريلي) وكتابي (الكالا) في اللهجة الغرناطية، والمعجم المسمى ليدن الذي يعزوه (كونخسفلد) إلى أحد المستعربين الطليطليين الناطقين بالعربية المهتمين بتعليم اللاثينية في مدارسهم الدينية، وجميع هذه المراجع معروفة من قديم، وقد استعملها (دوزي) في ملحقه المشهور، وغير مستوف محتوياتها.
  4. الكتب في لحن العامة منها تأليف الزبيدي الذي نشره رمضان عبد التواب وكتاب ابن هشام اللخمي الذي اعتنى بدراسته ونشره الدكتور الأهواني وآخرون، وكتاب الجمانة الذي نشره الباحث الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب وهي مراجع مهمة فيما يتعلق بالأصوات والمعجم، على أنّ إفادتها في الصرف والنحو قليلة.
  5. مراجع تاريخية وجغرافية إسبانية تدرج فيها أسماء أماكن وأعلام عربية الأصل لا سيما منها أقدمها وأدناها من أصولها مكانًا وزمانًا مثل وثائق التخطيط والإقطاع المسماة ب (REPARTIMIENTOS) التي كان ملوك النصارى يعقدونها عند استيلائهم على نواحي الأندلس، وقد نشر منها وثيقة لإقطاع الجزر الشرقية المنفردة بوقوعها في روايتها اللاثينية والعربية معًا، ووثائق بلنسية ومرسية وإشبيلية، وكشف الأوقاف بغرناطة …الخ.
  6. مراجع معجمية محتوية الألفاظ العربية الأصل ومستعملة في لغات إسبانيا والبرتغال التي جمعها (انكلمان) و(دوزي) في تأليفهم المشهور تحت عنوان GLOSSAINE DES MOTS ESPAGNOS)، وقد عقب عليه الأستاذ (كوروميناس) في تأليفه الضخم المسمى "بقاموس أصول ألفاظ اللغة القشتالية".
  7. أبحاث اللغويين المعاصرين في الأندلسييات، وهي قليلة، يغلب عليه الإيجاز، منها تأليف (شتيكر) المذكور، ومقالات "لكولان" لا سيما مقالاته المدرجة في مادة الأندلس بدائرة المعارف الإسلامية.

إلا أنّه يبدو من مطالعة فهرسة المؤلفات المختصة باللهجة الأندلسية وباللهجات العربية عمومًا أنّها مع زيادة عددها في السنين الأخيرة بقيت في مرحلة جمع المعلومات وأخذ اللغة من الناطقين بها، إذ هي عبارة عن مجموعات نصوص وأبحاث وصفية أو تحليلية مخصصة للهجة معينة، وقلما يوضع تأليف مخصص لمقارنة اللهجات العربية بالجملة أو داخل فصائلها.

أما ما يتعلق باللهجة الأندلسية فإنّه حاول أن يجمع معلوماتها المشتتة في المراجع المذكورة أعلاه وألف وصفًا شاملاً لمميزاتها سماه "ملخصًا" لأنّه لم يقصد الاستيفاء بتأليفه وإنّما اكتفى فيه باحتوائه على ما قل ودل. ومع ذلك فإنّ عنايته فيه بالوصف أكثر منها بالمقارنة.

ومن مميزات اللهجة الأندلسية في نظره على المستوى الفونولوجي إمالة الألف في غير جوار حروف التفخيم، وقد تكون هذه الإمالة ضعيفة يقتصر تأثيرها على التقليل من انفتاح الألف المعتاد، أو تكون شديدة تحولها إلى ياء، وتعد الإمالة من خصائص جميع اللهجات العربية المغربية القديمة من مالطة وصقلية إلى الأندلس، كما يبدو أنّها كانت موجودة في فصيلة قديمة من لهجات الشرق حسب معلومات النحاة العرب عن لهجات نجد وثبوت وجدوها في كلام أهل العراق قبل غزو المغول الذي قضى على سكان جنوبها وأدى إلى استبدالهم بقبائل واردة من جزيرة العرب.

ومن مميزاتها أيضًا المحافظة على الفتح الذي تليه ياء أو واو ساكنتان، مثلاً في بيت ولون، وهي قديمة غريبة في اللهجات المغربية نكاد لا نجدها إلا في المالطية. فضلاً عن أنّ من خصائص الكلام الأندلسي تحويل الضاد المجهورة إلى طاء مهموسة في بعض الألفاظ. وقد ذكر الدكتور بنشريفة أنّها ظاهرة كثيرة الوقوع في كلام المغاربة الأندلسيي الأصل إلى اليوم، وتنعكس في بعض الألفاظ الأندلسية وأسماء أماكن عربية الأصل في الأندلس مثلاً "ARRIATE" أي الرياض في مقاطعة مالقة MALAGA وRBATINE أي (الربضيون) في ضواحي بلنسية VALINCIA ويرى أنّ كثيرًا من خصائص كلامهم (أي أهل الأندلس) تشاركهم فيها اللهجات المغربية، إما أن يكون ذلك لرجوعها معًا إلى أصل مشترك، وإما أن يكون نتيجة التأثر بالجالية الأندلسية المهاجرة إلى العدوة حيث كان لها الدور المشهور في ترسيخ الشخصية التاريخية المغربية المدافعة عن ذاتيتها ضد العجم وضد الأتراك على أساس الإسلام والعروبة[3].

فيدريكو كورينيتي وابن قزمان:

من الأعمال المهمة التي يشهد له بها بالدقة والتفوق هو تحقيق ديوان الشاعر الأندلسي ابن قزمان (461-555 هـ) ودراسته نصًّا ولغةً وعروضًا. واعتبر دارسو الأدب الأندلسي ديوانه "الصورة الحية" والفنية المتكاملة والمعبرة عن الجمال والتطور اللذين وصل إليهما شعر الأندلس، والتي صورت بصدق ومعاناة وقابلية فذة حياة المجتمع الذي ولد وعاش فيه سواء في مدينة قرطبة أو المدن الأندلسية الأخرى حيث عرف حبه للتجول والغناء ومشاركة الناس احتفالاتهم ومهرجاناتهم الشعبية على الرغم مما كان يعانيه من فقر وجوع"[4].

وقد عثر على ديوانه في بلدة صفد الفلسطينية، فقدم له كورينيتي بدراسة وافية حول لغة ابن قزمان باعتبارها الموضوع الذي اختلف حوله، فمنهم من ذهب إلى أنّ لغته كانت فصيحة مع لحن كثير، بينما ذهب آخرون إلى أنّها لهجة أندلسية. وقد توصل المحقق من خلال هذه الدراسة إلى أنّ لغة ابن قزمان إنّما هي لهجة أندلسية لها قواعد خاصة، وأما عروضه وهو الموضوع الآخر الذي أثار جدلاً بين الباحثين حيث ذهب الدكتور عبد العزيز الأهواني إلى أنّها عروض خليلية مع ضرورات عديدة، وذهب إميليو غارسيا غوميث إلى أنّها عروض من النوع الرومانثي الذي يستعمله شعراء شبه الجزيرة الإبيرية على اختلاف لغاتهم، أما كورينيتي فقد توصل إلى أنّه على أساس قواعد لغة ابن قزمان فإنّ عروضه عربية الأصل غير أنّ الإيقاع فيها لا يقوم على تناول المقاطع المحدودة والمقصودة الذي هو قوام الشعر العربي، بل على تسلسل مقاطع منبورة وغير منبورة. وفي تحقيقه لنصوص الديوان بيّن عروض كل قصيدة، وشرح معنى كل كلمة غامضة فضلاً عن أنّه أضاف تعليقات وإضافات وكتب فصلاً عن النصوص بالأحرف اللاثينية[5].

وقام بترجمة دقيقة للمعلقات إلى اللغة الإسبانية:

LAS MUIALLAQAT: ANTOLOGIA PANORAMA DE ARABIA PREISLAMICA

"المعلقات: مختارات وصور للجزيرة العربية قبل الإسلام"، ويعترف "بأنّه بدأ بترجمته هذه منذ زمن غير قصير، وأنّه عايش الشعر الجاهلي زمنًا طويلاً وفتن بما فيه، من صور شعرية دقيقة، ومن موسيقى رقيقة ومن واقعية تأخذ بالألباب، وأنّه انتهى من مسودة الترجمة الأولى في القاهرة عام 1965 ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف عن العودة إليها مهذبًا، ومدققًا، في ضوء نضجه، وتجاربه، وتطور دراساته، واتساع معارفه اللغوية في المجالين العربي والأسباني، ولم تأخذ شكلها النهائي إلا بعد ذلك بأعوام ستة، أو على التحديد في عام 1971 ليقوم المعهد الأسباني العربي في مدريد بطبعها بعد ذلك بثلاث سنوات.

وقدم للترجمة بدراسة أدبية وأخرى تاريخية وانتهى إلى أنّ البدوي العربي توصل بطريقة عفوية تدعمها الدراسات الحديثة إلى حل قضية الشكل والمضمون لأنّ كلمة شعر تعني المعرفة والشعور، وإن شئت المعنى والإحساس به... وتعتبر هذه الدراسة الفذة هي الأولى في اللغة الأسبانية التي تدرس شعرنا الجاهلي والمعلقات بصفة خاصة، وأقر صادقًا وعلى وعي أنّها من أدق التراجم التي نقل إليها في اللغات الأجنبية"[6].

وكان المستشرق الإنجليزي (وليم جونز) (مؤسس علم الاستشراق بمعناه الحديث) قد قام بترجمة المعلقات السبع ونشرها عام 1782، وكانت تلك أول مرة تترجم فيها المعلقات كاملة إلى لغة أوربية حديثة، بحيث قام بنقل القصائد بألفاظها العربية إلى الحروف اللاثينية ونشرها في الصفحة المقابلة للنص المترجم آملاً بذلك أن ينقل إلى قارئه صورة مقربة من موسيقى الشعر الجاهلي وجماله، كما حرص على أن يدرك القارئ الإنجليزي جلال اللفظ العربي وفخامته، إضافة إلى هذه الأعمال الجليلة فقد قام كذلك "بتحقيق للششتري وابن زمرك وابن الخطيب وشاركت مع زملائي في تحقيق المجلد الخامس من كتاب المقتبس لابن حيان، لكنني لا أعرف ما الذي جذبني لدراسة الأدب العربي، وإن كان قد لفت نظري أنّ إسبانيا تعربت تمامًا بعد أن دخلها العرب عكس ما نجده مثلاً في دولة كفارس التي لم تتغير لغتها بدخول العرب"[7]. ويرى أنّ أفضل نتاجات الثقافة العربية لم تظهر في القرن العشرين أو التاسع عشر، وإنّما ظهرت في القرن الحادي عشر أو الثاني عشر، حيث كانت الثقافة العربية في قمة ازدهارها. وتلك الثقافة بشكل أو بآخر ما زالت صالحة، وليس من الصحيح اعتبارها من الموضة القديمة.

توفي سنة 2010م بعد ما أسدى خدمات جليلة للغة العربية والتراث العربي، ويمكن أن نعده ضمن أولئك الذين أنصفوا العرب وتراثهم، وخدموه وقدموه للقارئ الاسباني والأوروبي دون تعصب أو أناة، ففتح بذلك باب الاستعراب الإسباني أمام الأجيال الجديدة لتستمر على نهجه وتبني قواعد التواصل المتين بين الثقافتين العربية والإسبانية.

 

لائحة المراجع والمصادر

باللغة العربية:

-    الدكتور الطاهر أحمد مكي / مجلة الدوحة / عدد 69 / 1981 / المعلقات الإسبانية.

-    القاموس باللغتين العربية والإسبانية. (المعهد العربي للثقافة - مدريد)

-    نشر الديوان المعهد الإسباني العربي للثقافة بمدريد 1980

-   عطاطة التكريتي/ مجلة "الجامعة" العراقية / عدد: 5 / 1981 (ابن قزمان مغني قرطبة الضائع).

-   بتصرف عن محاضرة ألقاها بمدينة الرباط في شهر يونيو 1981 وقد نشرت في حلقتين بالملحق الثقافي لجريدة العلم (أعداد 572: 573) / 24 يوليوز 1981 و31 يوليوز 1981

-          صحيفة الأهرام / استجواب أجرته معه تيشرين المنيري / عدد يوم 7/5/1983

باللغة الإسبانية:

GRAMATICA METRICA Y TEXTO DEL CANCIONERO HISPANO ARABE DE ABAN QUZMAN, AN INSTITUTO HISPANO ARABE DE CULTURA

INSTITUTO HISPANO ARABE DE CULTURA MADRID 1970

MADRID 1980.


[1] صحيفة الأهرام / استجواب أجرته معه تيشرين المنيري / عدد يوم 7/5/1983 ص 12

[2] أنظر مقدمته للقاموس باللغتين العربية والإسبانية. (المعهد العربي للثقافة - مدريد)

INSTITUTO HISPANO ARABE DE CULTURA MADRID 1970

[3] بتصرف عن محاضرة ألقاها بمدينة الرباط في شهر يونيو 1981 وقد نشرت في حلقتين بالملحق الثقافي لجريدة العلم (أعداد 572: 573) / 24 يوليوز 1981 و31 يوليوز 1981

[4] عطاطة التكريتي/ مجلة "الجامعة" العراقية / عدد: 5 / 1981 (ابن قزمان مغنى قرطبة الضائع) ص 94

[5] نشر الديوان المعهد الإسباني العربي للثقافة بمدريد 1980

GRAMATICA METRICA Y TEXTO DEL CANCIONERO HISPANO ARABE DE ABAN QUZMAN,AN INSTITUTO HISPANO ARABE DE CULTURA MADRID 1980.

[6] د. الطاهر أحمد مكي / مجلة "الدوحة" / عدد 69 / 1981 / المعلقات الأسبانية / ص 22 و24

[7] صحيفة الأهرام / استجواب أجرته معه تيشرين المنيري / عدد يوم 7/5 1983 / ص 12 (مرجع سابق).