الاجتهاد والمجتهد عند أبي حامد الغزالي مساهمة في دراسة العقل الأصولي الأشعري


فئة :  أبحاث محكمة

الاجتهاد والمجتهد عند أبي حامد الغزالي مساهمة في دراسة العقل الأصولي الأشعري

الاجتهاد والمجتهد عند أبي حامد الغزالي

مساهمة في دراسة العقل الأصولي الأشعري

تقديم

بالإضافة إلى عرض المادة الأصولية، سنحاول من خلال هذه الدراسة القيام بنوع من المقاربة الإبستيمولوجية التي بموجبها سنعمل على تسجيل بعض الملاحظات التي ستتوخى بالأساس رصد عمل عقل المجتهد، كما ينظِّر له أبو حامد الغزالي في المستصفى، للكشف عن بعض مكوناته وآلياته المعرفية والسمات المميزة له كعقل يريد أن ينتج المعرفة تحت سقف النص الديني، مادام «عمل العقل في أصول الفقه، هو النظر في الشريعة على نحو يقصد استخلاص معاني الأدلة الشرعية فيها والأسس التي تنهض عليها مبادئها وكلياتها وطرق التشريع فيها».[1]

إن محاولة كهاته تطرح الكثير من الصعوبات المتعلقة أساسا بطبيعة النص الأصولي الفقهي؛ فآليات اشتغال العقل وميكانيزمات التفكير تختفي وتتوارى خلف المصطلحات والجزئيات الفقهية الأكثر تفصيلا، مما يجعل الأمر يقتضي تفكيك واستنطاق العبارة والمصطلح الدالين بشكل أفضل على مكونات العقل وطريقته في النظر.

ومعالجة موضوع الاجتهاد عند الغزالي له أهمية كبرى حسب تقديرنا الشخصي، في تناول العقل الأصولي بالتحليل والدراسة، نظرا لما لمبحث الاجتهاد من مكانة حساسة داخل أصول الفقه من حيث ارتباطه بالتشريع للأحكام وتدبير شؤون الفرد والمجتمع. فالعقل الأشعري الأصولي - ما دمنا نتحدث عن أصولي وأشعري كبير كالغزالي- يجد محكه ونقطة اختباره في هذا القطب بالذات، ما دام يجد نفسه دوما أمام نوازل جديدة ووقائع مستجدة تفرضها حركية المجتمع وتعاقب أحداث التاريخ. هكذا، فعملية إنتاج المعرفة، أو استخلاص الأحكام، تتم داخل طبيعة العلاقة التي تربط بين عناصر ثلاثة رئيسة: المجتهد (العقل)، والنص الديني (الأصل)، والواقعة الجديدة (الفرع). ومن أجل الكشف عن بعض السمات العامة والأساسية التي تميز الاجتهاد وعمل المجتهد داخل هذه الشبكة من العلاقات، ارتأينا أن نقسم هذه الدراسة إلى مبحثين اثنين: عنونا الأول بـ "الاجتهاد: حدود المجال وإشكالية الحكم".

وتناولنا خلاله الاجتهاد كما يعرفه الغزالي، ثم الشروط التي تؤهل المجتهد إلى بلوغ مرتبة الاجتهاد، كما تناولنا فيه الفضاء العام الذي يتحرك داخله عمل المجتهد؛ بأن رسمنا الحدود وبينا المواضع التي يطالها فعل الاجتهاد، لنصل في الأخير إلى الكيفية التي ينتج بها الحكم، وطبيعة هذا الحكم، وعلاقته بذات المجتهد.

وقد عملنا من خلال مواضيع هذا الفصل، بين الفينة والأخرى، على رسم بعض الملاحظات ذات الطبيعة الإبستيمولوجية؛ أي تلك التي تتعلق بخصائص العقل وآليات إنتاجه للمعرفة وللأحكام.

أما المبحث الثاني، والذي عنوناه بـ "خصائص الممارسة الاجتهادية عند الغزالي"، فقد سرنا فيه على درب المبحث الأول من حيث الرؤية المؤطرة والطريقة المتبعة؛ فحاولنا فيه، هو الآخر، تحديد بعض ما عثرنا عليه من السمات المميزة للموقف من الاجتهاد وممارسته، وبالتالي تسجيل بعض الملاحظات على طبيعة العقل الأصولي لدى المجتهد. وقد حاولنا ذلك من خلال تناولنا لمفهومين يحتلان مكانة مهمة داخل قطب الاجتهاد، نظرا لما يثيرانه من أفكار ولما ينجم عنهما من مواقف لها علاقة عضوية بثوابت العقل الأصولي الأشعري عموما، وبطبيعة عقل المجتهد كما ينظر له صاحب المستصفى على وجه الخصوص؛ ويتعلق الأمر بالتقليد من جهة، وبالترجيح من جهة أخرى.

كما نود أن نشير إلى أننا تجنبنا العمل المقارن، فلم نعمد إلى مقارنة فكر الغزالي حول الاجتهاد والمجتهد بفكر باقي الأصوليين من أشاعرة أو غيرهم. ليس لأننا لا نؤمن بجدوى المقارنة، بل على العكس من ذلك إننا نؤمن بأهمية العمل المقارن؛ لأنه يمكن من تحديد نقط الارتجاج والاختلال، ويبين حدود وتاريخية الفكر، ولكننا مع ذلك تركنا عملا كهذا خارج إطار هذه الدراسة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1]- سعيد بنسعيد العلوي، الخطاب الأشعري: مساهمة في دراسة العقل العربي الإسلامي، دار المنتخب العربي، بيروت- لبنان، ط.1، 1992، ص.148