التفكيك الأقصى لأساسات الحداثة القاريّة وبداية الفراغ ما بعد الحداثي


فئة :  أبحاث محكمة

التفكيك الأقصى لأساسات الحداثة القاريّة وبداية الفراغ ما بعد الحداثي

التفكيك الأقصى لأساسات الحداثة القاريّة وبداية الفراغ ما بعد الحداثي(1)

ملخّص:

ضمن المحور النظري لتشريح تاريخ الحداثة بين مسارات تشكّلها وتجاوزها، يهتمّ هذا الفصل الثالث من الكتاب بشرح عمليّة النّقد ما بعد الحديث لأساسات الحداثة، وبيان مآلاتها. وينصبّ اهتمام الباحث في مرحلة أولى على تأكيد الوضع المتوتّر لما بعد الحداثة قياساً إلى الحداثة. فلمّا كانت ما بعد الحداثة في مستهلّها إعادة نظر في محصّلات الحداثة ونتائجها، وتقييماً سلبيّاً لتلك المحصّلة يتّهم الحداثة بانحرافها عن وعودها، فإنّ السؤال الأوّل لما بعد الحداثة تعلّق بحقيقتها تجاوزاً وقطيعة مع الحداثة أم استئنافاً لتلك الوعود يقتضي تصحيح المسار (ليبوفتسكي، هابرماس، تايلور). لهذا يتوقّف الباحث عند هذه الخاصيّة لما بعد الحداثة التي تتجسّد في غياب المفهوم أو في تعبير صياغته اللّغويّة عن عجز الفكر المنتج لهذا الوضع عن توصيف ما بدا له من تحوّل، ولهذا يرجّح الباحث تسميتها بفاصلة نقديّة امتدّت على عشريتين بين السبعينيّات والتسعينيّات، لتمهّد لمرحلة جديدة هي مرحلة العولمة.

بعد هذا التدقيق المفهومي الأوّل لمفهوم ما بعد الحداثة، يهتمّ الباحث في مرحلة ثانية بتتبّع محاور النقد ما بعد الحديث للحداثة. وتحت عبارة السرديّات الكبرى التي صاغها الفرنسي فرونسوا ليوتار في شرحه لما بعد الحداثة، تمثّل المحور العام النقديّ الأساسي الذي وجّه النقد ما بعد الحديث للحداثة في مواجهة الأنساق الفكريّة الجامدة والإيديولوجيّات الكبرى المغلقة، أو بعبارة أخرى كلّ الأقانيم والمطلقات المعياريّة التي أنشأتها الحداثة موجّهاً لنسقها كأفكار العقل، والإنسان، والحقيقة، والتقدّم، ومبادئ الحتميّة والسببيّة، والغائيّة. وفي أثناء متابعة مفاصل هذه العمليّة التفكيكيّة التشريحيّة للسرديّات الكبرى للحداثة التي مارسها فكر ما بعد الحداثة على الحداثة، يتوسّع الباحث في وصف عمليّة تفكيك مفهوم الذاتيّة أو الإنسان التي أنجزها ميشيل فوكو، وتابعها سائر النتشويّين الجدد (دريدا ودلوز)، تبعاً لعمليّة سابقة أنجزها رائد سابق من روّاد النقد ما بعد الحديث هو فريدريك نيتشه، مع أقنوم آخر هو الإله الميتافيزيقيّ. وإذا كانت ما بعد الحداثة تعرية لهذه النسقيّة المغلقة التي مثّلتها الحداثة، ولهذه الأحاديّة المنمّطة للبشريّة بوعود كاذبة، فإنّها من جانب آخر كانت تهديماً وبعثرة شملت كلّ المطلقات والمرجعيّات، أدّت في نهاية المطاف إلى هيمنة السيولة القيميّة والمعرفيّة، ممّا أدّى إلى نسبويّة معمّمة أصبح فيها كلّ فرد مرجعاً لنفسه. وهو الوضع الذي فقدت فيه التضامنات الاجتماعيّة أيّ مرتكز لها. إنّ هذا الوضع وضع التبعثر والتذرّر أو الفوضى الخلّاقة المعبّر عن تمرّديّة عامّة على كلّ أشكال التنميط والتطبيع والقوالب الجاهزة والقبليّة، يصبح هو الوضع المعبّر عن حدود النقد ما بعد الحديث للحداثة. إنّ عبارة حدود هذا النقد ما بعد الحديث تعني عند الباحث أنّ فكر ما بعد الحداثة اكتفى بالبعثرة والتفكيك لما كان من أنساق موجّهة لكلّ أشكال الإجماع في المستويات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، وذلك دون أيّ قدرة على تجميع الشتات، ولملمة ما وقعت بعثرته لتكوين أنساق بديلة موجّهة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا


[1]- هو عنوان الفصل الثالث من المحور الأوّل من كتاب مصطفى بن تمسّك، الحداثة الأوربيّة مسارات التفكيك ونهاية الريادة، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، ط1، 2018، ص-ص151-188.