الحداثة والتأسيس الإبستيمولوجي للسوسيولوجيا: من الفكر الاجتماعي إلى المعرفة السوسيولوجية

فئة :  أبحاث محكمة

الحداثة والتأسيس الإبستيمولوجي للسوسيولوجيا:  من الفكر الاجتماعي إلى المعرفة السوسيولوجية

الحداثة والتأسيس الإبستيمولوجي للسوسيولوجيا:

من الفكر الاجتماعي إلى المعرفة السوسيولوجية

ملخص:

إذا كانت التأملات الكلاسيكية حول الكينونة الاجتماعية للمدينة-الدولة والبنية الأسرية والنسق الديني قد أرست الأسس الأولى للتفكير الاجتماعي في العصرين القديم والوسيط، فإن الانتقال الإبستيمولوجي الحاسم نحو تشييد معرفة اجتماعية ذات مشروعية علمية قد تحقق مع الثورة العلمية وأطروحات التنوير، حيث تحول محور الفحص المعرفي من السؤال المعياري الغائي إلى بناء تفسيرات سببية ومنهجيات ملاحظة تجريبية قابلة للاختبار والتحقق[1].

مقدمة

ظهرت المحاولات الأولى لدراسة المجتمع؛ منذ الحضارات القديمة (الصينية والمصرية والإغريقية-الرومانية)، حيث نلاحظ أصول الفكر الاجتماعي؛ ففي اليونان القديمة، على سبيل المثال صاغ أفلاطون وأرسطو وثيوسيدايدس التحليلات الاجتماعية للحرب، وأصول العائلة والدولة، والعلاقة بين الدين والحكومة. ويعرض كتاب "السياسة" لـ أرسطو سردًا ثريًا عن تكوين الأنظمة السياسية المختلفة والصلات المتبادلة بين الفرد، والأسرة، والثقافة، والسياسة. وقد استمر ذلك مع مفكري النهضة العربية وخاصة ابن خلدون وبعده حاول مفكري النهضة الأوربية الحديثة مع جملة من المفكرين الاجتماعيين البارزين: فولتر، هيوم، آدم فرغسون، كندرسييه، منتسكيو، آدام سميت، ماري ولستونكرافت... فهؤلاء أنتجوا بنية اجتماعية مثيرة للاهتمام، خاصة أن مفكري عصر التنوير تجاوزوا تقاليد الفكر الاجتماعي اليوناني والمسيحية، وأصبحوا رواد العلم الجديد المتمثل في علم المجتمع.

إذا كانت البدايات ما قبل-السوسيولوجية قد صاغت أسئلة المجتمع والسلطة والنظام في إطارٍ فلسفي-تاريخي، فإن مفكري عصر التنوير حاولوا فهم المجتمع عبر تفكيك منظوماته وتفسير ترابطاته السلوكية والمؤسسية على أسس علمية ومنهجية، مستندين إلى التحوّل المعرفي الذي أطلقته الثورة العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر في الفلك والميكانيكا والفيزياء والرياضيات والبيولوجيا، وما نجم عنه من تصورٍ ميكانيكي للطبيعة يقوم على المادة والحركة والقانون الطبيعي. وقد قاد هذا التحول إلى تحدي السلطة الاجتماعية للكنيسة والأرستقراطية عبر نقد الدين بوصفه مصدرًا حصريًا للمعرفة والقيم، لصالح إعلاء الملاحظة والوقائع[2]، فغدا العلم عند التنويريين طريقا لبلوغ الحقيقة وأداة لإحداث التغيير الاجتماعي. بهذا، انتقل التفكير الاجتماعي من نموذج الحكمة الأخلاقية والتاريخية إلى أفق عقلاني-تجريبي مهد لظهور علم الاجتماع بوصفه مشروعًا لقراءة المجتمع بقوانين وضوابط منهجية.

تطرح العودة إلى لحظة التأسيس الإبستيمولوجي للسوسيولوجيا إشكالية مزدوجة الأبعاد: إبستيمولوجية من جهة، وتاريخية-اجتماعية من جهة ثانية. فالسوسيولوجيا لم تنشأ في فراغ معرفي، بل ظهرت كاستجابة نظرية لأزمة بنيوية عميقة أفرزتها الحداثة الأوروبية في القرن التاسع عشر؛ أزمة تمثلت في انهيار الأنساق المرجعية التقليدية (الدين، الأرستقراطية، النظام الإقطاعي) وصعود نظام اجتماعي-اقتصادي جديد (الرأسمالية الصناعية، الدولة-الأمة العقلانية، الفردانية الحديثة)، مما استدعى بناء جهاز مفاهيمي قادر على تفسير هذا التحول البنيوي.

تكمن الأهمية الإبستيمولوجية لهذا الدراسة في مساءلتها لشروط إمكان المعرفة السوسيولوجية ذاتها، عبر فحص العلاقة الجدلية بين السوسيولوجيا ومشروع الحداثة الفكري الذي شكل المرجعية الحاضنة والإطار الإبستيمولوجي المؤسس لظهور العلم الاجتماعي. وبذلك ينصب التركيز على الكشف عن آليات التحول النوعي الذي شهده الفكر الاجتماعي، حيث انتقل من نسق التأملات الفلسفية والمشاريع الإصلاحية الطوباوية التي ميزت عصر التنوير في القرن الثامن عشر، إلى مشروع علمي منظم يرتكز على أسس إبستيمولوجية صارمة في منتصف القرن التاسع عشر.

لا تكتفي هذه الدراسة بالقراءة الوصفية والتاريخية التي تختزل نشأة السوسيولوجيا في مجرد قطيعة خارجية مع الفلسفة، بل يتجاوزها نحو مقاربة إبستيمولوجية نقدية تستقصي الكيفية التي ترسخت بها المقولات الحداثية (العقلانية، الوضعية، الموضوعية، فكرة التقدم) في صميم البناء المعرفي للعلم الاجتماعي. فالحداثة، من هذا المنظور، لم تكن مجرد سياق تاريخي خارجي أو محفز عرضي لظهور السوسيولوجيا، بل شكلت الشرط الإبستيمولوجي الذي من خلاله تكونت المعرفة السوسيولوجية وتحددت به ممكناتها المنهجية والنظرية.

تستند الدراسة إلى سؤال إبستيمولوجي مركزي: كيف تحولت المعرفة بالمجتمع من نسق تأملي فلسفي وإصلاحي إلى علم منظم ذي موضوع ومنهج محددين؟​ وتتفرع عن هذا التساؤل المحوري المركب أسئلة أخرى غايتها تدقيق موضوع الدراسة، هي:

أولًا، إلى أيّ حدّ شكلت الحداثة، بمقولاتها الإبستيمولوجية (العقلانية، الوضعية، فكرة التقدم) وأزماتها البنيوية (الثورة الصناعية، تفكك البنى التقليدية، الصراعات الطبقية)، الشرط الإبستيمولوجي والسياق الاجتماعي والتاريخي الذي أمكن من خلاله تصور قيام علم مستقل للمجتمع؟​

ثانيًا، هل تختزل علاقة السوسيولوجيا بالفكر الاجتماعي السابق (الفلسفة الاجتماعية، المشاريع الطوباوية، فلاسفة التنوير) في قطيعة إبستيمولوجية صارمة، أم إن هذا الفكر مثل رافدًا تأسيسيًّا وفر للسوسيولوجيا إشكالياتها الأولى ومادتها المعرفية قبل تحولها إلى علم؟ وما طبيعة الانتقال من التفكير في المجتمع إلى التفكير العلمي بالمجتمع؟​

ثالثًا، كيف أسس الرواد (سان-سيمون، أوغست كونت) الهوية الإبستيمولوجية للسوسيولوجيا عبر تحديد موضوع مستقل لها (الظواهر الاجتماعية) ومنهج خاص بها (الملاحظة، المقارنة، المنهج التاريخي)؟ وما التوتر الإبستيمولوجي الناتج عن محاولة التوفيق بين الموضوعية العلمية كمطلب وضعي والرغبة في الإصلاح الاجتماعي كبعد معياري وإيديولوجي؟

إن الفرضية المركزية لهذه الدراسة تقوم على أن الحداثة شكلت الأساس الإبستيمولوجي المؤسس الذي تكون من خلاله العلم الاجتماعي ذاته، وليست مجرد سياق تاريخي تلازمي. فالافتراضات الحداثية (إمكانية المعرفة العقلانية-الوضعية، الإيمان بالتقدم الخطي، السعي نحو الوحدة المنهجية بين العلوم الطبيعية والإنسانية) لم تكن محض خلفية ثقافية للسوسيولوجيا، بل دخلت في صميم تكوينها الإبستيمولوجي كعلم، وحددت أفق أسئلتها ومداخلها المنهجية وطموحاتها المعرفية.

أولا: مفهوم الحداثة وأبعاده السوسيولوجية

نشأت السوسيولوجيا تاريخيًّا عند تقاطع تحولات بنيوية كبرى وحاجات معرفية وعملية ملحة، حيث تبلورت العلوم الإنسانية بوصفها استجابات إبستيمية لمشكلات مطروحة في أفق كل عصر، على نحو ما يظهر مشيل فوكو في تحليله أن البروز التاريخي لكل من علوم الإنسان حصل بالتزامن مع مشكلة ما، أو حاجة ملحة، أو عقبة نظرية كانت أو عملية[3]، وهنا يمكن الإشارة إلى الثورات الكبرى وتأثيرها على التوازنات الاجتماعية، وحسب جون دوفينو خرجت السوسيولوجيا من التحدي الذي رفعته المجتمعات الصناعية، منذ الثورة الفرنسية، أمام المعرفة[4]. وهنا ظهر عامل مهم ساهم في ظهور السوسيولوجيا هو العامل الابستيمي، وما شهده المجتمع الغربي من اكتشافات علمية بدءا من القرن 17م، خصوصا وأن الحاجة الاجتماعية ذاتها تتطور وفقا لتطور العلم، وليس فقط وفقا للمشاكل الواقعية[5].

تأسيسًا على هذا، يكاد يجمع أغلب الباحثين في حقل السوسيولوجيا على أن سياق نشأتها مرتبط أشد الارتباط بالحداثة؛ إذ يصعب الحديث عن علم السوسيولوجيا خارج إطار الحداثة. ولئن كان بالإمكان الحديث عن فكر اجتماعي أو تفكير اجتماعي سابق، فإن السوسيولوجيا كعلم هي وليدة الحداثة بامتياز. فما هي الحداثة؟"

إن الحداثة، من منظور سوسيولوجي وتاريخي، ليست مجرد حقبة زمنية عابرة، بل هي منطق حضاري شامل يدمج العقلانية والعلم والتقنية والبيروقراطية والسوق، والدولة القومية، ضمن نسق اجتماعي جديد. هذا النسق يجعل من الفرد ذاتًا قانونية وفاعلًا اجتماعيًّا، ومن المجتمع منظومة متماسكة يعاد إنتاجها عبر مؤسسات عقلانية. وبهذا المعنى، كانت السوسيولوجيا ابنة الحداثة الشرعية وأداة وعيها الذاتي في آنٍ واحد؛ إذ يصعب تصور علم اجتماع منضبط خارج الشروط الموضوعية للحداثة، التي فجرت إشكالات النظام الاجتماعي، والتماسك، والشرعية، والعلمنة، والتحول.

إجرائيًّا، يعرف عبد الإله بلقزيز الحداثة بقوله: "الحداثة ترادف معنى المنظومة الفكرية التي تجاوزت فيها نزعات يُرد بعضها إلى بعض كالإنسانية والعقلانية والتجريبية والعلمانية والتطورية والتاريخانية والتقنوية. وقد نشأت هذه المنظومة واكتملت ملامحها في مكان معين؛ أوروبا، وفي زمن معين؛ العهد الحديث، لتأخذ هيئتها النهائية في القرن التاسع عشر، ثم لتكتسح العالم الذي يقع خارج مركزها الأوروبي... الحداثة ليست فقط مسألة بروز ونمو وازدهار حضارة جديدة، بل هي تحول عميق في تطور الإنسانية وقفزة ضخمة لم تماثلها إلا القفزة النيوليتية[6]. فالحداثة بهذا المعنى قطيعة مع ماضٍ حضاري حكمه منطق التراكم والتطور داخل البنية التاريخية الثقافية نفسها، وإنشاء نظام من التراكم والتطور جديد، وهي قطيعة الصناعة مع الزراعة، والعلم مع الميتافيزيقيا، والتجارة الحديثة مع الميركنتيلية"[7].

ولقد كان لهذه المنظومة تجليات وإسقاطات تاريخية ومؤسسية؛ إذ تولّدت من جوفها ظواهر كبرى، مثل: الثورة الصناعية، والثورة العلمية، وفلسفة الأنوار، إضافة إلى الثورات السياسية الكبرى في العصر الحديث (كالثورة الإنجليزية 1642-1688، والثورة الأمريكية 1775-1783، والثورة الفرنسية 1789-1799). وفضلًا عن ذلك، برزت الوحدات القومية للأمم الأوروبية، وترسخت الديمقراطيات والعلمانية. وفي ضوء هذه المعطيات، يمكننا فهم وتحليل الحداثة سوسيولوجيا وفق منظورين متكاملين: منظور ماكروسوسيولوجي، ومنظور ميكروسوسيولوجي.

ترتكز أبعاد الحداثة في هذا المستوى على رؤية شمولية تستحضر تحولات البنى الاجتماعية، والمؤسسات الكبرى، ومنطقيات النسق العام. غير أن الفهم المتكامل للحداثة يستدعي استحضار منظور مواز هو المنظور الميكرو-سوسيولوجي، الذي يعنى بصيغ الفعل، والمعنى في الحياة اليومية، وتكوين الذات. ويتحقق التكامل بين المستويين عبر وصل جدلي تؤطره نظريات تربط البنية بالممارسة، كنظرية العقلانية التواصلية والصياغة البنائية [8].

1-المنظور الماكروسوسيولوجي

عند مقاربة الحداثة من المنظور الماكروسوسيولوجي، فإننا لا ننظر إليها بوصفها مجرد لحظة انقطاع زمني، بل بوصفها قطيعة ابستمولوجية وبنيوية أحدثت تحولات جذرية في بنية الاجتماع الإنساني. يتأسس هذا المنظور على فحص الديناميات الكبرى التي أعادت تشكيل النظام الاجتماعي، حيث لم يعد المجتمع محكوما بالقدريات الميتافيزيقية أو الروابط التقليدية، بل أصبح خاضعا لمنطق العقلانية المؤسسية والضبط البنيوي. وفي هذا السياق، يمكننا رصد أربعة مبادئ ناظمة شكلت العصب الحيوي لمشروع الحداثة، وأطرت سيرورتها التاريخية والاجتماعية، هي:

1-1-الثورة الصناعية: انطلقت في منتصف القرن الثامن عشر في إنجلترّا، ثم انتقلت إلى باقي دول أوروبا وأمريكا لاحقا. وقد فرت الشروط البنيوية لولادة علم الاجتماع عبر تحول نمط الإنتاج من الزراعة إلى الصناعة المعتمدة على الآلة وما نتج عنه من حضرنة، وتقسيم عمل جديد، وتشكل طبقات حديثة؛ أي ظهور المسألة الاجتماعية التي استدعت علما يفسر النظام الاجتماعي الحديث ويضبطه مفهومًا ومنهجًا[9]. وهو ما أحدث تغييرات هائلة في طرائق الإنتاج والبنية الاجتماعية.

2-1-الديمقراطية التمثيلية البرلمانية: هي نظام سياسي ينتخب فيه المواطنون ممثلين يمارسون السلطة نيابة عنهم. تتسم هذه الديمقراطية بمنح النواب صلاحيات واسعة تؤهلهم لاتخاذ القرارات باسم الناخبين، مع إمكانية تغييرهم في الانتخابات إذا فقدوا ثقة الجمهور[10]. وتتميز بالاستقلالية النسبية للقضاء وإجراءات موازنة السلطات.

3-1-العِلموية/العِلمانية: تعني اعتبار العلم هو المصدر الوحيد لكل معرفة حقيقية، وجاءت العلموية بعد أعمال فرانسيس بيكون واكتشاف المنهج التجريبي. وفي القرن 19م ستظهر صياغة جديدة للعلموية سيطلق عليها اسم الوضعية، ولعل مؤسس علم الاجتماع سيكون من روادها وهو أوغست كونت[11].

4-1-تراجع المعتقدات والممارسات الدينية: استجابة للتطورات العلمية الثورية، شهدت أوروبا تراجعًا ملموسًا في تأثير المعتقدات الدينية على الحياة الاجتماعية والسياسية، فتراجع الاعتقاد الديني وانتشرت الاتجاهات اللادينية واللاأدرية، [12] ممهدة الطريق لقيم علمانية وعقلانية في المجالات العامة.

2-المنظور الميكروسوسيولوجي

على المستوى الميكروسوسيولوجي، تتجلى الحداثة بصورة مغايرة في ديناميات الحياة اليومية؛ إذ لا تقتصر على التحولات المؤسسية الكبرى، بل تعيد صياغة كينونة الفرد وعلاقته بذاته وبالآخرين. لقد ارتبط هذا المستوى بظهور الإنسان الحديث، الذي يختلف بنيويا عن الإنسان التقليدي ليس في بنيته البيولوجية، بل في بنيته الذهنية والسلوكية، ونمط وعيه بذاته كفاعل. ويتميز هذا الفاعل الجديد بتبنيه لأربعة مبادئ تشكل توجهه في عالم متغير، هي:

1-2-الفردانية: حتى حدود القرن الخامس عشر الميلادي، كانت الهيمنة المطلقة للجماعة، حيث لم يكن للفرد أي قيمة اعتبارية خارج النسق المجتمعي الذي ينتمي إليه. ومع بزوغ فجر الحداثة، تشكلت قطيعة معرفية مع هذا التصور التقليدي، إذ أعادت الفلسفة الحديثة الاعتبار للكائن البشري بوصفه "ذاتًا" عاقلة، وحرة، ومسؤولة[13]. وعليه، فإن الإنسان الحديث يتسم بنزعة فردانية عميقة تؤمن بإمكانات الفرد واستقلاليته؛ فالفردانية هنا ليست مجرد انغلاق على الذات، بل هي تكريس لأولوية حقوق الفرد ومصالحه، واعتبارها مقدسة ومتقدمة على اعتبارات الجماعة وإكراهاتها. وبموجب هذا التحول، اكتسب الفرد الحديث استقلالا فكريًّا متزايدًا عن المحددات التقليدية وسلطة الثقافة الجمعية.

2-2-التقدمية: جسد الإيمان الراسخ بالتقدم أحد أهم الركائز الفلسفية للحداثة ولعصر الأنوار، وهو إيمان تبلور سياسيًّا في الثورة الفرنسية التي سعت إلى ترجمة هذا المفهوم عبر قيمها الكونية: الحرية، والمساواة، والإخاء[14]. وعليه، فإن الإنسان الحديث إنسان تقدمي بالضرورة، بمعنى أنه يتبنى انحيازًا جذريا لقيم الحداثة، ويرفض الارتهان للماضي أو التأخر التاريخي. فالتقدمية، بهذا المعنى، هي توجيه البوصلة الذهنية والعملية نحو المستقبل، بدلا من استنساخ القوالب التقليدية الموروثة.

3-2-التحكمية/ السيطرة: ارتبطت المعرفة منذ بزوغ الحداثة بالسيطرة والتحكم. والإنسان الحداثي يطمح دائما إلى التحكم في كلّ شيء، ويعتقد أنه بفضل كفاءته الفكرية والعقلية وقدراته المعرفية يمكنه أن يتحكم في الطبيعة وفي كل شيء، وهذا جعله دائم الخلق والإبداع. لقد وضع رني ديكارت الإنسان في مواجهة الطبيعة وحدد مهمة الفلسفة العلمية في معرفة قوانين الطبيعة بغرض التحكم فيها، وتسخيرها لصالح الإنسان. وقد أسهم إسحق نيوتن في تغلغل هذه الفكرة في الفكر الغربي حين بلور تصورًا ميكانيكيا للعالم. فالعالم بالنسبة إليه عبارة عن آلة يمكن معرفة طريقة اشتغالها، والتحكم فيها، والتنبؤ بحركتها. انطلاقًا من معرفة القوانين التي تحركها. وبذلك، فإن الحداثة نسجت علاقة حميمية بين المعرفة والسلطة. وهكذا لم يعد هدف المعرفة هو المعرفة، وإنما أضحى هدفها هو السيطرة والتحكم[15].

4-2-العقلانية: تعد أهم سمات الحداثة على الإطلاق، فالإنسان الحديث إنسان عقلاني، يتميز بتفكير نقدي تساؤلي، شكي، متحرر من كل سلطة إلا سلطة العقل. لهذا ركزت الحداثة على ما يجب أن يكون وليس على ما هو كائن؛ أي العمل على تحديد مستقبل الحياة والمجتمعات، بالتفكير العقلاني في حلول تمنح البشرية تقدمًا وازدهارًا.[16]

إن التقاطع الجدلي بين المبادئ الميكروسوسيولوجية والديناميات الماكروسوسيولوجية هو الذي شكل جوهر الحداثة كصيرورة تاريخية واجتماعية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي قدمته هذه الحداثة للسوسيولوجيا؟

لقد زرعت الحداثة في العقل الإنساني بذور الشك المنهجي تجاه كل المسلمات الموروثة، مفككة بذلك سطوة الخرافة والأسطورة التي هيمنت على الفكر التقليدي. هذا التحول الابستمولوجي مكن الفرد من تحليل الظواهر الاجتماعية خارج أطر التفسير الميتافيزيقي، معتمدا على أدوات العقلانية العلمية. ولم تكتف الحداثة بذلك، بل وفرت للسوسيولوجيا ترسانة من الوسائل التقنية والمنهجية الدقيقة، كالإحصاء والاحتمالات، مما أتاح معالجة المعطيات الاجتماعية بصرامة علمية. وفي هذا السياق، يرى عدد من المفكرين، ومنهم توماس كون، أن استيعاب كنه الحداثة يظل قاصرًا ما لم يُربط بجذورها العلمية[17]، وتحديدا الثورة العلمية التي شهدتها أوروبا ما بين أواسط القرن السادس عشر وأواخر القرن الثامن عشر، والتي شكلت القاعدة الصلبة لنشأة العلوم الإنسانية.

شكلت الثورة الكوبرنيكية منعطفا حاسما في تاريخ المعرفة البشرية؛ إذ تجاوز نيكولاس كوبرنيكوس النموذج الأرسطي-البطليموسي السائد، مقترحا مركزية الشمس بديلا عن مركزية الأرض. هذا التحول الجذري لم يكتسب طابعه العلمي الدقيق إلا مع يوهانس كبلر، الذي صاغ قوانين حركة الكواكب رياضيا، ممهدًا الطريق لعلماء لاحقين مثل غاليليو غاليلي وإسحاق نيوتن لترسيخ دعائم الفيزياء الحديثة. وقد بلغ هذا المسار ذروته في القرن الثامن عشر، حيث هيمن النموذج الميكانيكي النيوتني وتفسيراته القائمة على قانون الجاذبية الكونية على العقل العلمي. [18]

امتد تأثير هذا النموذج الميكانيكي ليشمل العلوم الإنسانية، حيث سعى الرواد الأوائل إلى دراسة الظواهر الاجتماعية بمنهجية تحاكي الفيزياء الطبيعية، مفترضين أن العلاقات بين الأفراد تخضع لقوانين حتمية تشبه قوانين الجاذبية. هذا التأثر بالفيزياء الاجتماعية هو ما أتاح لآدم سميث، لاحقا، صياغة نظريته في الاقتصاد السياسي، مدافعا عن نظام السوق الحر الذي تنتظم فيه الحياة الاجتماعية والسياسية ذاتيًّا عبر آليات طبيعية، متحررة من قيود العقد الاجتماعي التقليدي.

إذا كان براديغم الكون-الآلة قد تبلورت مع نيوتن، فإن أطروحة الإنسان-الآلة ستتخذ تشكلها النهائي مع الطبيب والفيلسوف جوليان أوفري دو لا ميتري[19]، لا سيما في مؤلفه العمدة الإنسان الآلة L'Homme Machine الصادر عام 1747م. في هذا العمل، اختزل لا ميتري الكيان الإنساني في بعده المادي، معتبرًا الجسد آلة ذاتية الحركة، وأن ما يسمى بالروح ليس سوى نتاج عرضي للانتظام العضوي والفسيولوجي لهذه الآلة[20].

تأسيسًا على هذا المنحى، تبنى رواد التنوير البراديغم العلمي كإطار تفسيري للعالم، معتبرين إياه تجسيدا لانتصار العقلانية. وفي هذا السياق، تبلورت عبقرية مفكرين بارزين من قبيل: مونتسكيو، وآدم سميث، وكوندورسيه، الذين اقترحوا مقاربة تركيبية تدمج بين الصرامة العلمية والنزعة الإنسانية الليبرالية ذات الأفق الكوني.

ويعد مونتسكيو، في مؤلفه روح القوانين، نموذجا لهذا التحول الإبستيمولوجي؛ إذ لم يكتف بالتحليل القانوني الصرف، بل غاص في استقراء المحددات الطبيعية والسوسيولوجية كالجغرافيا، والمناخ، والدين- التي تحكم الانتظام الطبيعي وتوجه السلوك البشري. وقد أفصح عن منهجيته الوضعية هذه بقوله: "لم أستخلص مبادئي من أفكاري المسبقة، بل من طبيعة الأشياء ذاتها"[21]. وهكذا، بحلول النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أضحى العلم ركيزة محورية لرؤية عالمية تجمع بين العلمانية والإنسانية، وتحظى بتقدير النخبة الأوروبية المستنيرة، بل غدا العلم معيارا فارقا لعصر تنوير جديد، وقاطرة للتقدم الاجتماعي.

يعدّ جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau قطبًا محوريًّا في تأسيس النظرية السياسية الحديثة، لا سيما عبر أطروحته التأسيسية "العقد الاجتماعي". وإبستيمولوجيا، لا ينبغي اختزال العقد الاجتماعي لدى روسو في مجرد سردية تاريخية للانتقال من الطبيعة إلى المجتمع فحسب، بل هو بالأحرى إجراء معياري Normative يهدف إلى شرعنة السلطة السياسية وتحويل الاجتماع البشري من واقع الضرورة إلى أفق الحرية المدنية. ولفهم ديناميات هذا الانتقال، فكك روسو السيرورة التاريخية للوجود البشري إلى ثلاث لحظات مفصلية، هي:

1- حالة الطبيعة L'état de nature: وهي فرضية استنتاجية وليست مرحلة تاريخية مؤرخة، يصور فيها روسو الإنسان ككائن خير بالطبع، يعيش عزلة سعيدة واكتفاء ذاتيا غريزيا، متحررا من قيود المؤسسات، وبعيدًا عن رذائل التملك والصراع.

2- حالة المجتمع المدني (النشأة الفاسدة): وتمثل لحظة الانحراف التاريخي التي تزامنت مع ظهور الملكية الخاصة وتقسيم العمل. فمع اكتشاف الزراعة والتعدين، تآكلت المساواة الطبيعية، واستفحلت الفوارق الطبقية، ما أدخل البشرية في حالة حرب وصراع دائم، استوجب قيام عقد زائف كرس استبداد الأقوياء بالأغنياء.

3- حالة العقد الاجتماعي (المشروع السياسي): وهو الحل الجذري الذي اقترحه روسو لتجاوز فساد المجتمع القائم، لا بالعودة إلى الطبيعة، بل بتأسيس جمهورية تقوم على ميثاق حر يتنازل فيه الأفراد عن حريتهم الطبيعية لصالح الإرادة العامة. وبهذا الانتقال، يتحول الفرد من حيوان طبيعي إلى مواطن يتمتع بالحرية الأخلاقية والمدنية في كنف القانون وسيادة الشعب.[22]

استند مفكرو التنوير إلى أرضية إبستيمولوجية تهدف إلى توظيف العلم كأداة مزدوجة لفهم ديناميات السلوك البشري من جهة، ولتعزيز قيم الحرية والتقدم من جهة أخرى. لكن، كيف تأسست هذه العلاقة الجدلية بين العلمية والتقدم الاجتماعي؟

يجيب كوندورسيه عن هذا الإشكال في مؤلفه الموسوم بـ"مخطط تاريخي لتقدم العقل البشري"، حيث يرى أن بنية الممارسة العلمية ذاتها القائمة على الاحتكام للوقائع، وقابلية الملاحظة، والانفتاح الدائم على النقد والتصحيح تتضمن في جوهرها آليات للتحرر الأخلاقي والسياسي. فالعلم، بمنهجيته الصارمة، يعزز الاستقلالية الفردية، ويرسخ قيم التسامح والمساواة والديمقراطية؛ وبذلك، تغدو صيرورة التقدم العلمي، في منظور كوندورسيه، شرطا وجوبيا ومولدا تلقائيا للتقدم الاجتماعي[23].

بناء، على أفكار عصر التنوير ستشهد أوروبا خلال القرن التاسع عشر ميلاد علوم كثيرة لعل أبروها علم الاجتماع كعلم يعنى بدراسة المجتمع دراسة علمية، تعتمد على المنهج العلمي. وبذلك أصبح مفهوم النظرية الاجتماعية موضوع نقاش علمي من منطلق أن العلم هو السبيل الوحيد القادر على بلوغ معرفة اجتماعية جديرة بالثقة، وبذلك أصبح هدف العلماء هو كشف القوانين أو المبادئ التي تسري على السلوك البشري في جميع المجتمعات؛ على سبيل المثال بحث اوغست كونت واعتقد أنه وجد القوانين التي تحكم الكيفية التي تؤسس وفقها المجتمعات النظام وتتغير، وأراد كارل ماركس الكشف عن قوانين الرأسمالية، وحاول اميل دوركهايم تفسير أسباب حدوث الظواهر من خلال تطبيق المنهج العلمي التجريبي.

لئن كان هناك جدل حول أصول علم الاجتماع بين قائل إنه وليد بيئة غربية أوروبية، وبين آخذ بالرأي الذي يرى أنه وليد بنية عربية إلى حد تضارب تلك الآراء حول من أرسى القواعد الأولى لعلم الاجتماع. فهناك من رأى أنه من الانصاف القول، بل الاعتراف بأن ابن خلدون (1332-1406) وضع الأسس الأولى لعلم الاجتماع (علم العمران) في مؤلف له، "كتاب العبر وديوان المبتدأ أو الخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر". إن رحيل ابن خلدون كان مع استهلال عصر النهضة في أوروبا (القرنين 15-16م) عرفت خلاله أوروبا بالخروج من دياجير ظلمتها، حيث كانت تقبع تحت نظام إقطاعي من جهة وسلطة كنيسة بابوية من جهة أخرى. لكن مع عصر النهضة الذي شهد فجر الرأسمالية، والتي ترعرعت بقوة حركة الاكتشافات الجغرافية الكبرى، نتج عنها بروز مدن تجارية في إيطاليا وإنجلترا وهولندا.

مقابل ذلك، نجد رأيًا ثانيا يعتبر أن علم الاجتماع كان نتيجة الثورة الصناعية (ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر في بريطانيا) والثورة الفرنسية (1789) إلى تحولات جذرية وعنيفة في بنية المجتمع الأوروبي. لقد انهارت السلطات التقليدية (الكنيسة، الإقطاع)، وظهرت طبقات اجتماعية جديدة، وتفاقمت مشكلات اجتماعية غير مسبوقة مثل التحضر السريع، والفقر، والجريمة، واغتراب العمال. مثلا. الثورة الزراعية أجبرت الفلاحين على هجرت الأرض. والثورة الصناعية وفرت فرص العمل في المدن وما نتج عنه من استغلال العمال بما فيهم النساء والأطفال كل ذلك أدى إلى تغير في بنية المجتمع.

ثانيا: التأسيس الابستيمولوجي للسوسيولوجيا في سياق الحداثة

يصعب منهجيًّا مقاربة التأسيس الإبستيمولوجي للسوسيولوجيا بمعزل عن سياقها كاستجابة عقلانية لأزمة الحداثة الأوروبية، وتحديدًا لتلك الرجة الأنطولوجية التي أحدثتها الثورة الصناعية في بنية المجتمع الغربي. في هذا السياق المضطرب، لم يكن مشروع سان سيمون لـ الفيزياء الاجتماعية مجرد ترف فكري، بل كان محاولة منهجية لنقل اليقين العلمي من حقل الظواهر الطبيعية إلى حقل التنظيم الاجتماعي، بهدف استبدال الشرعية اللاهوتية المتهاوية بشرعية علمية وصناعية جديدة تقودها النخب المنتجة. وقد التقط أوغست كونت هذا الخيط التأسيسي، لكنه رفعه إلى مستوى النسق الفلسفي المغلق؛ حيث أعاد صياغة السوسيولوجيا كعلم وضعي مستقل يتجاوز النزعة التدخلية المباشرة لسان سيمون، ليؤسس معرفة موضوعية بقوانين النظام (الاستاتيكا) والتقدم (الديناميكا). وهكذا، ولدت السوسيولوجيا، إبستيمولوجيا، كلحظة وعي الحداثة بذاتها؛ علم يسعى لتحويل الفوضى الاجتماعية الناجمة عن انهيار العالم القديم إلى نظام وضعي قابل للملاحظة والتنبؤ والضبط.

1-سان سيمون: فيزياء اجتماعية من أجل إعادة تأسيس المجتمع الصناعي

في بداية القرن 19م ستظهر رغبة في خلق فيزياء اجتماعية، وأول من سيقترح نظرية علمية لدراسة الظواهر الاجتماعية هو سان سيمون سماها بـ الفيزياء الاجتماعية. وبذلك يعد سان سيمون محطة رئيس ومحدد في نشأة السوسيولوجيا التي ستنشأ على يد أحد تلامذته أوغست كونت.[24]

خلال العقد الأول من القرن التاسع عشر، بلور المفكر الفرنسي كلود هنري دو سان سيمون مشروعا إصلاحيا طموحًا، توج نشره مؤلف "تعليم الصناعيين" (1823-1824) بمشاركة تلميذه أوغست كونت. يمثل هذا العمل محاولة سان سيمونية لإعادة صياغة العلاقة بين المعرفة والسلطة في السياق الزمني لما بعد الثورة الفرنسية. غير أن مشروعه لا يعتبر، بصرامة مفاهيمية، اشتراكيا بالمعنى الماركسي المتأخر؛ فهو بالأحرى مذهب صناعي يسعى إلى عقلنة النظام الرأسمالي الناشئ لا بتره. منح سان سيمون الأولوية المطلقة لطبقة المنتجين التي تضم في مفهومه الليبرالي الراديكالي؛ العلماء والمهندسين ورجال الأعمال والعمال بوصفهم الفاعلين التاريخيين الوحيدين المؤهلين لقيادة المجتمع، استبدالا لفئات المخادلين (الكهنة، النبلاء، المأجورين الكاذبين). وفي نزعة راديكالية شديدة، دعا إلى إلغاء حق الميراث الخاص بوصفه مؤسسة تحافظ على امتيازات الطبقة الأرستقراطية، مما يسمح بتحويل رؤوس الأموال المتراكمة إلى صندوق عام[25] (ملكية الدولة)، موظفا إياها في مشاريع تصنيع كبرى ذات منفعة عامة، بما يخدم بشكل أساسي تحسن الطبقات الأكثر فقرًا.

أسس سان سيمون إبستيمولوجيا ما أسماه الفيزياء الاجتماعية، موضوعها دراسة الظواهر الاجتماعية بنفس الروح التي تدرس بها الظواهر الكونية والفيزيائية، لقطع الطريق على التفسيرات اللاهوتية والميتافيزيقية، بهدف فهم التنظيم الاجتماعي من وجهة علمية وإدراج كل عنصر من عناصره في التتابع الزمني. وقد عبر سان سيمون عن رؤيته بقوله: "إن السلطة العلمية والوضعية هي ما يجب أن يحل محل السلطة الروحية"، مؤسسا بذلك برنامجا يربط بين العلم الوضعي والتنظيم الاجتماعي، وهو الإرث الذي انطلق منه أوغست كونت (1798-1857) لاحقا ليؤسس السوسيولوجيا كعلم مستقل، مقسما إياها إلى الاستاتيكا الاجتماعية والديناميكا الاجتماعية[26].

على الرغم مما قد يطبع أطروحة سان سيمون من نزعات طوباوية أو قصور في الصرامة المنهجية الكلاسيكية، فإن إرثه يظل حجر الزاوية في تشكل الوعي السوسيولوجي الحديث. تكمن أصالته الإبستيمولوجية في ابداعه لبرنامج تركيبي يدمج جدليا بين العلم الوضعي والتنظيم الاجتماعي، محولا المعرفة من أداة تفسيرية محايدة إلى سلطة تحويلية تهدف إلى إعادة هندسة المجتمع. هذا الربط العضوي بين الإبستيمولوجيا والسياسة شكل الأرضية الخصبة التي استنبت منها أوغست كونت لاحقا مشروعه السوسيولوجي المستقل، حينما أعاد صياغة الفيزياء الاجتماعية إلى علم وضعي مؤسسي (الإستاتيكا والديناميكا). غير أن المفارقة التاريخية تكمن في المنعطف المنهجي التي أحدثه كونت؛ إذ سعى إلى تحرير السوسيولوجيا من الطابع الثوري المباشر للسان سيمونية، مفضلا التغيير عبر التنظيم العقلي والتطور التلقائي بدلا من التدخل السياسي المباشر، ما أسس لتمايز حاد بين الوضعية الإصلاحية عند سان سيمون والوضعية العلموية المحافظة عند كونت في تاريخ النظرية الاجتماعية[27].

2- أوغست كونت: من الفيزياء الاجتماعية إلى السوسيولوجيا

أول من استعمل مفهوم Sociologie هو أوغست كونت الأب الروحي للوضعية، والوضعية بشكل دقيق تقول إن العلم لا يمكن أن يتخذ كموضوع إلا ما هو قابل للملاحظة والتجريب. لذلك، فالوضعية عند كونت تعني تركيز المعرفة العلمية على ما هو قابل للرصد والاختبار، وترك السؤال عن العلل الأولى لصالح البحث في القوانين المنتظمة بين الظواهر؛ بذلك تبنى المعرفة من الملاحظة إلى القانون، ويستكمل نظام العلوم بتأسيس علم المجتمع.[28] يقول كونت في كتابه "المذهب في السياسة الوضعية": "الآن حيث الحس الإنساني أسس الفيزياء السماوية (علم الفلك) والفيزياء الأرضية كانت ميكانيكية أو كيماوية (الفيزياء – الكمياء) والفيزياء العضوية كانت نباتية أو عضوية (إيكولوجيا-بيولوجيا) بقي له إنهاء نظام العلوم بتأسيس الفيزياء الاجتماعية (السوسيولوجيا)"[29].

صاغ كونت مشروع علم للمجتمع يقوم على مبدأ أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقوانين يمكن اكتشافها بالملاحظة والمقارنة والاستقراء، وجعل السوسيولوجيا آخر العلوم وأعلاها بوظيفتها التنسيقية بعد الرياضيات والفلك والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا ضمن تصنيفه الموسوعي للعلوم.[30]

ينظر كونت إلى السوسيولوجيا بوصفها أعقد العلوم؛ فخلافا للعلوم الأخرى التي تسعى إلى تحليل ضيق لحياة الانسان، فإن السوسيولوجيا تدمج جميع المعارف عن البشرية، وقد اعتمد كونت على البيولوجيا من أجل تصوره ولغته الاجتماعيين؛ إذ يصور المجتمع بصيغ عضوية كمنظومة تلبي احتياجاتها بواسطة العمليات العادية لأجزائها المترابطة وظيفيا. ومثل أي كائن حي، ينمو المجتمع بطريقة بطيئة ومستمرة وخطية، مظهرًا انتقالًا من البساطة إلى التعقيد، ومن الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل عبر تحقيق الذات. لذلك سعى كونت إلى جعل السوسيولوجيا علما للمجتمع هدفه اكتشاف القوانين الكونية الشاملة التي تحكم تنظيم البشرية وتطورها. فشعار الاتجاه الوضعي هو: "الحب مبدؤنا، والنظام قاعدتنا، والتقدم غايتنا L’amour pour principe, L’ordre pour base, le progrès pour but "[31]

قسم كونت السوسيولوجيا إلى قسمين: الاستاتيكا الاجتماعية (علم السكون) والديناميكا الاجتماعية (علم الحركة)؛ تحلل الاستاتيكا هيكل المجتمع وأداء وظائفه، وهي تصنف أجزاء المجتمع الأولية ووظائفها وصلاتها البينية. فالاستاتيكا الاجتماعية هي نوع من التشريح الاجتماعي [32]، وهي تدرس الظواهر المجتمعية في حالتها الساكنة والثابتة والنسبية، كدراسة النظم الاجتماعية الجزئية (النظام الأسري، والنظام التربوي، والنظام السياسي، والنظام الاقتصادي)، بالتركيز على العلاقات الترابطية والسببية بين المتغيرات. حيث تعبر عن فكرة النظام والاستقرار.

في حين تبحث الديناميكا في تطور البشرية، وتكشف مصدر التغير ومراحله واتجاهاته. وهي تدرس التغير وحركة المجتمع عبر الصيرورة الزمنية؛ أي الذي يختص بدراسة القوانين الاجتماعية، والسير الآلي للمجتمعات الإنسانية والكشف عن مدى التقدم الذي تخطوه الإنسانية في تطورها، حيث تعبر عن نظرية تطور المجتمعات (قانون الحالات الثلاث) وفكرة التقدم[33]. وكان هدف كونت وضع القوانين الشاملة للاستاتيكا والديناميكا، وهو مشروع وضع أسسه في مؤلفه "محاضرات في الفلسفة الوضعية" (1830-1842) وأتمه في كتابه المعنون "منظومة الكيان السياسي الوضعي" (1851-1854).

يرى كونت أن المجتمع يتكون من تفاعلات اجتماعية، وقواعد اجتماعية، ومؤسسات مستقلة عن سيكولوجيا الأفراد. وتدرس الاستاتيكا الاجتماعية بنية هذا العالم الاجتماعي وأداءه لوظائفه. وتتمثل المسألة الرئيسة في شرح النظام الاجتماعي، ولاسيما في المجتمعات الحديثة؛ في ظل التركيز على الفردانية التي يعززها مجتمع آخذ في التحول إلى التصنيع، كيف يمكن كبح جماح المصلحة الذاتية للوصول إلى الاستقرار الاجتماعي؟ في هذا الإطار ركز كونت على دور الأسرة والحكومة والدين في شرح النظام الاجتماعي؛ إذ توفر الأسرة الوسط الاجتماعي الأخلاقي التكويني الأولي المساند للفرد. إن فكرة الشخص المستقل المكتفي ذاتيا ما هي إلا وهم، لأننا نولد ضمن أسر ونتكون فيها. وحيثما يضعف تأثير الأسرة، يعوض الذين ذلك؛ إذ يقدم الدين عقيدة مشتركة تعمل على تمتين أواصرنا الاجتماعية وولاءاتنا للمؤسسات الاجتماعية والسياسية.

ابتكر كونت فكرة الديناميكا الاجتماعية لشرح قوانين التغير أو التطور الاجتماعي، بوصفه عملية خطية تقدمية، واضعًا قانونًا يحكم تقدم العقل البشري؛ تبعا لما يمسيه "قانون المراحل الثلاث"، حيث يمر العقل البشري عبر مراحل فكرية ثلاث:

المرحلة الأولى: اللاهوتية أو الخرافية؛ كانت البشرية تفسر منشأ الظاهرة وغايتها النهائية بإرجاعها إلى كيانات فوق طبيعية (مثل الأرواح، الكائنات الإلهية، الآلهة)؛ أي ننسب حدوث الظاهرة إلى قوى خارجة عنها. فكلمة لاهوتي تعني أن المرء يعزو إلى الآلهة رغبات وتصرفات الإنسانية ويرجه إليها في تفسير أسباب الظواهر[34]. اعتبر كونت أن هذه المرحلة تشكل مرحلة طفولة البشرية التي يرجع فيها التفكير البشري أسباب الظواهر الطبيعية إلى المعتقدات السحرية والأرواح الشريرة.

المرحلة الثانية: الميتافيزيقية أو المجردة؛ يحتكم العقل البشري في كشفه عن علة الموجودات الأولى والنهائية إلى الجواهر والقوى المجردة (مثل العقل البشري أو القانون الطبيعي)؛ بمعنى تفسر الظواهر تفسيرا ميتافيزيقيا؛ أي ارجاع حدوث الظواهر إلى علل أولى لا يمكن اثباتها حسيا، كأن تفسر ظاهرة النمو في النبات إلى النفس النباتية، وفروض تفسير الروح في علم النفس[35]. في هذه المرحلة لم يتخلص الفكر البشري نهائيا من الفكر اللاهوتي.

المرحلة الثالثة: الوضعية أو العلمية؛ فيها سوف يتخلى العقل البشري عن البحث في الجواهر والعلل الأولى والغايات النهائية لفائدة تفسير الارتباط بين الوقائع وتعاقبها، حيث يتنحى التكهن الفلسفي والديني جانبا ليفسح المجال أمام اكتشاف القوانين الطبيعية والاجتماعية، وتمثل المرحلة الوضعية عصر العلوم الحديثة[36]. في هذه المرحلة أصبح العقل يفسر الظواهر بنسبتها إلى القوانين التي تحكمها والأسباب المباشرة التي تؤثر فيها. وبذلك، أصبح العقل البشري في هذه المرحلة يتجه إلى تبني فرضيات من العالم الواقعي والسعي إلى تفسيرها من الواقع الاجتماعي.

1-2-تصنيف كونت للعلوم

اهتم كونت بمسألة تصنف العلوم، حيث صنفها إلى خمس مجموعات، بدأ ترتيبه لها من الأبسط إلى الأكثر تعقيدًا بادئًا بالفيزياء السماوية والأرضية، الفيزياء الميكانيكية والكيميائية ثم الفيزياء العضوية، فالفيزياء النباتية والحيوانية، أخيرا الفيزياء الاجتماعية التي غير اسمها إلى علم الاجتماع؛ [37] ذلك العلم الذي يتخذ من الظواهر الاجتماعية موضوعا للدراسة باعتبار هذه الظواهر من روح الظواهر العلمية والطبيعية والكيميائية والفسيولوجية نفسها من حيث كونها موضوعا للقوانين الثابتة.

يمثل تصنيف أوغست كونت الهرمي للعلوم بدءا من الرياضيات كأساس منهجي عام، مرورًا بعلوم الطبيعة (الفلك، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء)، وصولا إلى علم الاجتماع أو الفيزياء الاجتماعية كقمة الهرم استنتاجًا سوسيولوجيا مركزيا لفكره الوضعي؛ إذ يعكس تدرج التقدم المعرفي والتاريخي نحو المرحلة الإيجابية النهائية. ويبرر كونت هذا التسلسل بتطور تاريخي يبدأ باليونانيين في الرياضيات، ويمر بكوبرنيكوس وغاليليو في الفلك، نيوتن في الفيزياء، لافوازييه في الكيمياء، هوك وداروين في علم الأحياء، ليتوج بعلم الاجتماع الذي أسسه في القرن التاسع عشر، مما يجعله أداة لفهم وتنظيم الديناميات الاجتماعية المعقدة عبر قوانين إيجابية مستمدة من العلوم السابقة. هكذا، يصبح علم الاجتماع ذروة البنية الوضعية، محققا شعار كونت "المعرفة من أجل التنبؤ، والتنبؤ من أجل السيطرة"، لإصلاح الفوضى الاجتماعية عبر التنظيم العقلي والتكامل المعرفي.

2-2-منهج البحث عند كونت

اعتمد كونت في دراسته للمجتمع على أسس منهجية تمثلت ركائزها في الملاحظة والتجربة التي تقوم على منطق المقارنة بين الظواهر والمجتمع، كما اعتمد أيضا على التحليل التاريخي المنطلق من دراسة الأفكار وتحليلها كمقدمة أساسية لفهم التطور الاجتماعي[38]. فقد تصور كونت أن السوسيولوجيا مؤسسة على قاعدة صخرية صلبة من الملاحظات والوقائع. هكذا يرى كونت أن غاية علم الاجتماع هو إقرار النظام بكونه وسيلة لتحقيق التقدم، كما اعتبر علم الاجتماع أداة للمحافظة على النظام أنك تدرس لكي تضبط.

يستند البناء المنهجي للوضعية السوسيولوجية عند كونت إلى نظام متكامل من أربع أدوات معرفية أساسية تشكل معا نسقا إبستيمولوجيا محكما، قوامه الفصل الحاسم بين التفكير الديني والميتافيزيقي من جهة والتفكير الوضعي من جهة أخرى. هي:

أولًا، الملاحظة المنظمة والموجهة نظريًّا، وهي التي رفضها كونت في صيغتها العفوية غير المنظمة، معتبرا أن الملاحظة العشوائية الخالية من الإطار النظري السابق تفتقد إلى الفعالية المعرفية وتعجز عن المساهمة في بناء النسق المعرفي العلمي.

ثانيًا، التجربة بمعناها السوسيولوجي، والتي تختلف جوهريًّا عن التجارب المخبرية المصطنعة في العلوم الطبيعية، حيث تتحقق من خلال ما أطلق عليه كونت اسم التجارب الطبيعية، وهي تلك التدخلات التاريخية والاجتماعية الطارئة التي تحدث خللا في السيرورة الاعتيادية للظواهر الاجتماعية، مما يتيح للباحث الاجتماعي رصد التأثيرات السببية لهذه التدخلات على البنى الاجتماعية المختلفة.

ثالثًا، المقارنة المنهجية التي تتضمن المقارنة المتزامنة بين المجتمعات المختلفة، والمقارنة التاريخية بين المراحل المختلفة لتطور المجتمع الواحد، وكلاهما يهدف إلى كشف الأنماط البنيوية والقوانين العامة الحاكمة للظاهرة الاجتماعية.

رابعًا، التحليل التاريخي الذي يعتبر في نظر كونت الأداة الأساسية والأكثر أهمية لفهم الديناميات الاجتماعية[39]، حيث يمكن الباحث من تتبع مسار المجتمعات عبر قانون المراحل الثلاث (الطور اللاهوتي، والطور الميتافيزيقي، والطور الوضعي)، وبالتالي إدراك منطق التقدم التاريخي الضروري الذي يتحكم في التطور الاجتماعي والعقلي للبشرية.

يقوم البناء المفاهيمي للنسق المنهجي عند كونت على ثنائية تحليلية جدلية بين الإستاتيكا الاجتماعية والديناميكا الاجتماعية، وهما يمثلان بعدين متكاملين لا ينفصلان في دراسة الواقع الاجتماعي. وقد استمد كونت هذا التمييز من النماذج البيولوجية الحديثة، حيث يعكس الفصل بين دراسة التشريح الاجتماعي ودراسة فيسيولوجيا المجتمع. فالإستاتيكا الاجتماعية تعنى بتحليل البنية الاجتماعية في حالة التوازن والاستقرار النسبي، وتركز على دراسة الآليات التي تحافظ بها العناصر الاجتماعية الأساسية (الأسرة، الدين، اللغة، تقسيم العمل، والدولة) على التماسك الوظيفي للكل الاجتماعي وعلى استمرارية الترابط البنيوي بين أجزائه المختلفة.

على النقيض من ذلك، تندرج الديناميكا الاجتماعية ضمن دراسة حركية التحول الاجتماعي عبر الزمن التاريخي، وتسعى لكشف القوانين الضرورية التي تحكم التطور الاجتماعي والتحولات الحتمية في أنماط التنظيم الفكري والاجتماعي. ولذا اعتبرها كونت الأكثر أهمية وجدية، لأنها تمكن من تتبع مسار البشرية من المرحلة اللاهوتية عبر المرحلة الميتافيزيقية وصولا إلى المرحلة الوضعية، حيث تسود العقلانية العلمية وتتحقق آفاق التقدم الحضاري الشامل. وبهذا التمييز الإبستيمولوجي الدقيق، وضع كونت الأساس النظري لدراسة النظام والتطور بوصفهما قطبي معادلة اجتماعية واحدة، حيث يصبح فهم البنية الساكنة ضروريا لاستيعاب الديناميات المتحركة، وبالعكس؛ فلا يمكن إدراك طبيعة التغير الاجتماعي دون فهم عميق للبنى الثابتة التي يعيد التاريخ صياغتها.

خلاصة

يتبين من خلال الدراسة أن الحداثة الأوروبية لم تشكل مجرد سياق تاريخي خارجي لظهور السوسيولوجيا، بل مثلت الشرط الإبستيمولوجي المؤسس الذي حدد إمكانية تصور علم للمجتمع. فالمقولات الحداثية الجوهرية (العقلانية النقدية، الوضعية المنهجية، فكرة التقدم الخطي، والسعي نحو توحيد المنهج العلمي) دخلت في صميم البناء المعرفي للسوسيولوجيا وحددت أفق أسئلتها ومداخلها التحليلية. هذه النتيجة تتفق مع ما أكده باحثون معاصرون في الإبستيمولوجيا الاجتماعية من أن السوسيولوجيا ولدت من رحم الأزمة البنيوية للحداثة التي أفرزتها التحولات الاقتصادية (الثورة الصناعية)، والسياسية (الثورة الفرنسية)، والثقافية (العلمنة وتراجع المرجعيات الدينية التقليدية).

في السياق نفسه، كشف الدراسة عن أن علاقة السوسيولوجيا بالفكر الاجتماعي السابق (الفلسفة الاجتماعية لعصر التنوير، المشاريع الطوباوية الإصلاحية) لا تختزل في قطيعة إبستيمولوجية صارمة بالمعنى الباشلاري، بل تفهم بوصفها انتقالا نوعيا تراكميا-قطائعيا في آن واحد. فقد وفر الفكر الاجتماعي للسوسيولوجيا الناشئة مادتها الإشكالية الأولى (أسئلة النظام الاجتماعي، التغير، العدالة)، بينما أحدثت السوسيولوجيا قطيعة منهجية جذرية عبر إقصاء التأملات الميتافيزيقية والمعيارية الصرفة، واعتماد المنهج الوضعي القائم على الملاحظة التجريبية والمقارنة التاريخية. هذا التحول جسده أوغست كونت في مشروعه لتأسيس الفيزياء الاجتماعية التي تدرس المجتمع بنفس صرامة العلوم الطبيعية.

توصل الدراسة إلى أن الرواد المؤسسين وتحديدًا هنري دو سان سيمون وأوغست كونت أسسوا الهوية الإبستيمولوجية للسوسيولوجيا عبر ثلاثة إنجازات مركزية: أولًا، تحديد موضوع مستقل للسوسيولوجيا يتمثل في الظواهر الاجتماعية بوصفها وقائع موضوعية خارجية عن الوعي الفردي. ثانيًا، بلورة منهج علمي خاص يقوم على الملاحظة المباشرة، المقارنة التاريخية والمجتمعية، والتجريب غير المباشر. ثالثًا، طرح مشروع معرفي وضعي يهدف إلى اكتشاف القوانين الاجتماعية الثابتة التي تحكم التطور الإنساني. هذا التأسيس الثلاثي شكل النواة الصلبة للسوسيولوجيا الكلاسيكية التي تطورت لاحقا مع إميل دوركايم وماكس فيبر وكارل ماركس.

 

البيبليوغرافيا:

  • فوكو، ميشيل. الكلمات والأشياء. ترجمة مطاع صفدي وآخرون. بيروت: منشورات مركز الإنماء القومي، 1989
  • بلقزيز، عبد الإله. من النهضة إلى الحداثة. ط 3. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2020
  • قيمة، مصطفى. "المقاربة السوسيولوجية لما بعد الحداثة: ميشيل مافيزولي نموذجًا". إضافات: المجلة العربية لعلم الاجتماع، العددان 33–34 (2016): 23–42
  • أوحسين، عبد الله، وعبد الله السطابي. "النظريات السوسيولوجية: من السوسيولوجية الكلاسيكية إلى السوسيولوجية المعاصرة". محاضرات جامعية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، دون تاريخ. تم الاطلاع عليه في 30 مايو، 2025. https://shorturl.at/GoEip.
  • سيدمان، ستيفن. معرفة متنازع عليها: النظرية الاجتماعية في أيامنا. ترجمة مرسي الطحاوي. الطبعة الأولى. الدوحة/بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2021.
  • بريل، ليفي. فلسفة أوجيست كونت. ترجمة محمود قاسم والسيد محمد بدوي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت.
  • موسى، منير مشابك. المطول في علم الاجتماع. الكتاب الأول، في علم الاجتماع العام. الجزء الأول. دمشق: مطبعة جامعة دمشق، 1959
  • عبد المعطي، عبد الباسط. اتجاهات نظرية في علم الاجتماع. سلسلة عالم المعرفة، العدد 44 الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1981
  • حسن، عبد الباسط محمد. أصول البحث الاجتماعي. ط. 11. القاهرة: مكتبة وهبة، 1990
  • Kalleberg, Ragnvald. "Scientific Revolution, History and Sociology of: The Term 'Scientific Revolution.'" In International Encyclopedia of the Social & Behavioral Sciences, edited by James D. Wright, 2nd ed. Amsterdam: Elsevier, 2015. Accessed May 25, 2025. https://shorturl.at/a6c9w.
  • Nickles, Thomas. "Scientific Revolutions." In The Stanford Encyclopedia of Philosophy, edited by Edward N. Zalta and Uri Nodelman. Stanford, CA: Metaphysics Research Lab, Stanford University, 2024. Accessed May 25, 2025. https://shorturl.at/rMiN1.
  • Duvignaud, Jean. Introduction à la sociologie. Paris: Gallimard, 1966
  • Lapassade, Georges, and René Lourau. Clefs pour la sociologie. Paris: Seghers, 1971. Encyclopaedia Britannica. S.v. "The First Industrial Revolution." Accessed May 30, 2025. https://shorturl.at/Lq25m.
  • Encyclopaedia Britannica. "The first Industrial Revolution." In Industrial Revolution. October 18, 2025. Accessed July 22, 2024. https://shorturl.at/Lq25m.
  • Ganghof, Steffen, and Sebastian Eppner. "Patterns of Accountability and Representation: Why the Executive-Parties Dimension Cannot Explain Democratic Performance." Politics 39, no. 1 (2019): 113–130. Accessed July 22, 2024. https://shorturl.at/easP8.
  • Bourdeau, Michel. "Auguste Comte." In The Stanford Encyclopedia of Philosophy, edited by Edward N. Zalta and Uri Nodelman. Winter 2022 ed. Stanford, CA: Metaphysics Research Lab, Stanford University, 2022. Originally published 2008. Accessed July 30, 2025. https://plato.stanford.edu/archives/win2022/entries/comte/
  • Sandberg, Russell. Religion, Law and Society. Cambridge: Cambridge University Press, 2014.
  • Bristow, William."Enlightenment."In The Stanford Encyclopedia of Philosophy,edited by Edward N.Zalta.Fall 2017 ed.Stanford,CA: Metaphysics Research Lab,Stanford University,2017.Accessed July 17,2024.https://plato.stanford.edu/archives/fall2017/entries/enlightenment/.
  • NASA Earth Observatory. "Planetary Motion: The History of an Idea That Launched a Scientific Revolution." July 6, 2009. Accessed July 17, 2024. https://earthobservatory.nasa.gov/features/OrbitsHistory.
  • Wellman, Kathleen. "La Mettrie, Julien Offroy de (1709–51)." In Routledge Encyclopedia of Philosophy, edited by Edward Craig. London: Routledge, 1998. Accessed July 25, 2025. https://www.rep.routledge.com/articles/biographical/la-mettrie-julien-offroy-de-1709-51/v-1.
  • Montesquieu, Charles de Secondat, Baron de. The Spirit of the Laws. Translated by Thomas Nugent. New York: Hafner Press, 1975.
  • Rousseau, Jean-Jacques. Discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes. In Collection complète des œuvres de J. J. Rousseau. Vol. 1. Genève, 1780–1789. Originally published 1755. Accessed July 28, 2025. http: //www.rousseauonline.ch/.
  • Marx, Karl, and Friedrich Engels. The German Ideology. Vol. 2. Moscow: Progress Publishers, 1976. Originally written 1845. Accessed August 12, 2025. https://shorturl.at/HRQBu.
  • Ansart, Pierre. Saint-Simon. Paris: Presses Universitaires de France, 1969.
  • Barnes, Harry Elmer, and Ronald Fletcher. "Auguste Comte: Thought." In Encyclopaedia Britannica, October 10, 2025. Accessed August 16, 2025. https://shorturl.at/6WYp0.
  • Comte, Auguste. Système de politique positive. 4 vols. Paris: Carilian-Goeury et V. Dalmont, 1851–1854. Accessed August 16, 2025. https://shorturl.at/GOMof.

[1] - Thomas Nickles, "Scientific Revolutions," in The Stanford Encyclopedia of Philosophy, ed. Edward N. Zalta and Uri Nodelman (Stanford, CA: Metaphysics Research Lab, Stanford University, 2024), accessed May 25, 2025, https://shorturl.at/rMiN1.

[2] - Ragnvald Kalleberg, "Scientific Revolution, History and Sociology of: The Term 'Scientific Revolution,'" in International Encyclopedia of the Social & Behavioral Sciences, ed. James D. Wright, 2nd ed. (Amsterdam: Elsevier, 2015), accessed May 25, 2025, https://shorturl.at/a6c9w

[3] - ميشيل فوكو، الكلمات والأشياء، ترجمة مطاع صفدي وآخرون (بيروت: منشورات مركز الإنماء القومي، 1989)، 284

[4] - Jean Duvignaud, Introduction à la sociologie (Paris: Gallimard, 1966), 16

[5] - Georges Lapassade and René Lourau, Clefs pour la sociologie (Paris: Seghers, 1971) , 10

[6] - المقصود بالنيوليتية هو العصر الحجري الحديث؛ أي المرحلة الأخيرة من عصور ما قبل التاريخ التي اتسمت بالانتقال من اقتصاد الالتقاط والصيد إلى الإنتاج عبر الزراعة وتدجين الحيوان والاستقرار القروي، مع ظهور الفخار وتطور الأدوات الحجرية المصقولة وبدايات التنظيم الاجتماعي والرمزي الذي وضع أسس الحضارة.

[7] - عبد الإله بلقزيز، من النهضة إلى الحداثة، ط 3 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2020)، 69-70

[8] - عبد الله أوحسين وعبد الله السطابي، "النظريات السوسيولوجية: من السوسيولوجية الكلاسيكية إلى السوسيولوجية المعاصرة" (محاضرات جامعية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، دون تاريخ)، تم الاطلاع عليه في 30 مايو، 2025، https://shorturl.at/GoEip.

[9] - Encyclopaedia Britannica, s.v. "The First Industrial Revolution," accessed May 30, 2025, https://shorturl.at/Lq25m.

[10] - Steffen Ganghof and Sebastian Eppner, "Patterns of Accountability and Representation: Why the Executive-Parties Dimension Cannot Explain Democratic Performance," Politics 39, no. 1 (2019): 113, accessed July 22, 2025, https://shorturl.at/easP8.

[11] - Michel Bourdeau, "Auguste Comte," in Stanford Encyclopedia of Philosophy, ed. Edward N. Zalta and Uri Nodelman (Metaphysics Research Lab, Stanford University, 2022), accessed July 22, 2025, https://ziply.pk/IFe5KE.

[12] - Russell Sandberg, Religion, Law and Society (Cambridge: Cambridge University Press, 2014), 53.

[13] - مصطفى قيمة، "المقاربة السوسيولوجية لما بعد الحداثة: ميشيل مافيزولي نموذجًا"، إضافات: المجلة العربية لعلم الاجتماع، العددان 33–34 (2016): 24

[14] -قيمة، "المقاربة السوسيولوجية"، 25

[15] -قيمة، "المقاربة السوسيولوجية"، 26

[16] -Ian H. Angus, "Disenchantment and Modernity: The Mirror of Technique," Human Studies 6, no. 2 (1983): 141, accessed December 7, 2024, https://shorturl.fm/BBMYe.

[17] - William Bristow, "Enlightenment," in The Stanford Encyclopedia of Philosophy, ed. Edward N. Zalta, Fall 2017 ed. (Stanford, CA: Metaphysics Research Lab, Stanford University, 2017), accessed July 17, 2024, https://plato.stanford.edu/archives/fall2017/entries/enlightenment/.

[18] - NASA Earth Observatory, "Planetary Motion: The History of an Idea That Launched a Scientific Revolution," July 6, 2009, accessed July 17, 2024, https://earthobservatory.nasa.gov/features/OrbitsHistory.

[19] - طبيب وفيلسوف فرنسي (1709-1751م)، يعد من رواد النزعة المادية الراديكالية في عصر التنوير. جمع بين التكوين الطبي الصارم والتأمل الفلسفي، مما أتاح له توظيف "الملاحظة الإكلينيكية" كأداة إبستيمولوجية لدحض الميتافيزيقا الروحانية. يجادل لا ميتري بأن الظواهر الذهنية والأخلاقية هي مجرد امتداد لعمليات فيزيولوجية منظمة؛ فالأفكار والانفعالات عنده هي "وظائف" لآلة حيوية معقدة، وليست تجليات لجوهر روحي مفارق. يستند في ذلك إلى أدلة تشريحية وتجارب على الجهاز العصبي، مستبدلا الغائية اللاهوتية بقوانين الحركة الميكانيكية، وصولا إلى قوله الاستفزازي بأن الجسد "ليس إلا ساعة"، وأن التمايز بين الإنسان والحيوان هو تمايز في درجة التعقيد لا في الجوهر.

[20] - Kathleen Wellman, "La Mettrie, Julien Offroy de (1709–51)," in Routledge Encyclopedia of Philosophy, ed. Edward Craig (London: Routledge, 1998), accessed July 25, 2025, https://www.rep.routledge.com/articles/biographical/la-mettrie-julien-offroy-de-1709-51/v-1.

[21] - Charles de Secondat, Baron de Montesquieu, The Spirit of the Laws, trans. Thomas Nugent (New York: Hafner Press, 1975).

[22] - Jean-Jacques Rousseau, Discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, in Collection complète des œuvres de J. J. Rousseau, vol. 1 (Genève, 1780–1789; orig. pub. 1755), accessed July 28, 2025, http://www.rousseauonline.ch/.

[23] - ستيفن سيدمان، معرفة متنازع عليها: النظرية الاجتماعية في أيامنا، ترجمة مرسي الطحاوي، ط 1 (الدوحة/بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2021)، 31

[24] - Michel Bourdeau, "Auguste Comte," in The Stanford Encyclopedia of Philosophy, ed. Edward N. Zalta and Uri Nodelman, Winter 2022 ed. (Stanford, CA: Metaphysics Research Lab, Stanford University, 2022; orig. pub. 2008), accessed July 30, 2025, https://plato.stanford.edu/archives/win2022/entries/comte/.

[25] - Karl Marx and Friedrich Engels, The German Ideology, vol. 2 (Moscow: Progress Publishers, 1976 [orig. 1845]), 487, accessed August 12, 2025, https://shorturl.at/HRQBu.

[26] - Pierre Ansart, Saint-Simon (Paris: Presses Universitaires de France, 1969), 65–75

[27] - Ibid, 73

[28] - Harry Elmer Barnes and Ronald Fletcher, "Auguste Comte: Thought," in Encyclopaedia Britannica, October 10, 2025, accessed August 16, 2025, https://shorturl.at/6WYp0.

[29] - Auguste Comte, Système de politique positive, 4 vols. (Paris: Carilian-Goeury et V. Dalmont, 1851–1854), accessed August 16, 2025, https://shorturl.at/GOMof.

[30] - Bourdeau, "Auguste Comte," accessed August 16, 2025

[31] - Auguste Comte, Système de politique positive, ou Traité de sociologie, instituant la religion de l'humanité (Paris: L. Mathias, 1851), accessed August 25, 2025

[32] - منير مشابك موسى، المطول في علم الاجتماع: الكتاب الأول، في علم الاجتماع العام، ج 1 (دمشق: مطبعة جامعة دمشق، 1959)، 52

[33] - المرجع نفسه، 62

[34] - ليفي بريل، فلسفة أوغست كونت، ترجمة محمود قاسم والسيد محمد بدوي (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت)، 36

[35] - المرجع نفسه، 36-37

[36] - المرجع نفسه، 37-38

[37] - المرجع نفسه،

[38] - عبد الباسط محمد حسن، أصول البحث الاجتماعي، ط. 11 (القاهرة: مكتبة وهبة، 1990)، 82

[39] - Stanford Encyclopedia of Philosophy, "Scientific Revolutions," first published March 5, 2009; substantive revision November 28, 2017, https://plato.stanford.edu/entries/scientific-revolutions/, accessed November 25, 2025.