الدّولة الإسلاميّة: الجذور، التّوحّش، المستقبل


فئة :  قراءات في كتب

الدّولة الإسلاميّة: الجذور، التّوحّش، المستقبل

أصدر الكاتب والصّحفيّ الفلسطينيّ ذو الجنسيّة البريطانيّة (عبد الباري عطوان) كتابه الموسوم بـ "الدّولة الإسلاميّة: الجذور، التّوحّش، المستقبل" سنة 2015م، ليكشف آليّات اشتغال "الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام"[1] في العديد من الأبعاد الّتي يرى فيها الكاتب محدِّدَات أساسيّة لعملها، وتأتي الطّبعة الرّابعة الّتي اطّلعنا عليها من هذا الكتاب، في سياق ما يعرفه العالم العربيّ والإسلاميّ من تحوّلات، خاصّة، ظهور ما يسمّى إعلاميًّا بـ "داعش" أو "الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام".

تكمن القيمة العلميّة لهذا الكتاب في كونه سرد لواقع "الدّولة الإسلاميّة" في سياقها الجيوسياسيّ والتّاريخيّ الّذي ساهم بشكل كبير في تأسيسها، فالأطروحة العامّة الّتي يدافع عنها عبد الباري عطوان في هذه الطّبعة من الكتاب: هي أنّ "الدّولة الإسلاميّة" ليست وليدة اليوم، كما أنّها ليست صناعة أمريكيّة خالصة؛ بل لها جذورها في بعض الحركات المتطرّفة - كالقاعدة - وكذا الحرب الأمريكيّة على عراق صدّام حسين، والدّليل على هذه الأخيرة - يشير الكاتب - هو أنّ بعض القيادات في داعش كانوا ضباطًا في جيش صدّام حسين قبل انهزامه في حرب 2003م.

هيكلة الدّولة ورجالاتها

يقع الكتاب في (288 صفحة)، ويتكوّن من إحدى عشر فصلًا تعالج القضايا المتعلقة بأصل "الدّولة الإسلاميّة" ومستقبلها، وهيكلتها التّنظيميّة، وعلاقتها بكلّ من القاعدة والوهّابيّة وأمريكا، وكذا الكيفيّة الّتي عززت حضورها في منطقة الشّرق الأوسط، وعدّ عطوان - في بداية الكتاب - أنّ ظهور "الدّولة الإسلاميّة" شكّل ثورة يشهدها الشّرق الأوسط منذ اتفاقيّة سايكس بيكو؛ حيث يعدّها دولة مكتملة الأركان من النّاحية السّياسيّة، وليست فقط قوّة مقاتلة كما تعدّها حكومتا العراق وسوريا وباقي السّياسيين ووسائل الإعلام العربيّة والغربيّة.

ويؤكّد الكاتب من جهة أخرى؛ أنّ "الدّولة الإسلاميّة" أعلنت نشوءها على مساحة جغرافيّة توازي مساحة المملكة المتّحدة، كما تتوفّر هذه الدولة على أكثر من ستّة ملايين مواطنًا ثابتًا على أراضيها؛ أي أنّ عدد سكان "الدّولة الإسلاميّة" يتجاوز عدد سكان بعض الدّول الأوربيّة كفنلندا والدّنيمرك، وعلاوة على ذلك؛ فإنّ للدّولة الإسلاميّة حكومة تحكم وفق تفسيرها لتعاليم الشّريعة والتّقاليد الإسلاميّة ويقودها خليفة، وكل هذا ينسجم مع القانون الدّوليّ ومعاهدة مونتفيديو[2] الخاصّة بحقوق الدّول في التّأسيس أو الإعلان عن النّشوء، يرّر كل هذا تمسّك عبد الباري عطوان بكون الدّولة الإسلاميّة "دولة" وفق المعايير الدّوليّة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أيضًا إدارتها ومجلسها العسكريّ ومجلس الشّورى، ومجلس الدّفاع والأمن، والمجلس الاقتصاديّ، والمجلس التّعليميّ، والحكومة أو الوزارة.

في حقيقة الأمر، نتج عن ظهور "الدّولة الإسلاميّة" العديد من التّداعيات السّياسيّة والجيواسترتيجيّة على العديد من الدّول المجاورة لسوريا والعراق؛ كالسّعوديّة، وإيران وتركيا والأردن، خاصّة، لأنّ لهذه الدّولة شعبيّة أكبر في هذه الدّول، وكذا خوفها من تمدّد "الدّولة الإسلاميّة" لتخترق حدودها، الشّيء الّذي دفع إلى تكوين تحالف دوليّ لمواجهتها.

يُرجِع الكاتب السّبب الأوّل لتكوين التّحالف الدّوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، إلى التّهديد باقتحام مدينة أربيل بأيدي "الدّولة الإسلاميّة"، وهذا قرار عدّه "عبد الباري عطوان" قرار متأخّر، وبالرّغم من هذا التّحالف الدّوليّ الّذي يضمّ أكثر من 40 دولة، استمرّت "الدّولة الإسلاميّة" في التّمدّد نظرًا إلى افتقاد هذا التّحالف استراتيجيّة واضحة والتزامًا حقيقيًّا بعمل عسكريّ يمكن أن يشكّل خطرًا على حياة جنوده.

لقد أرجع الكاتب - في آخر الفصل الأوّل من الكتاب - قوّة الدّولة الإسلاميّة إلى كونها أغنى جماعة إرهابيّة في التّاريخ، ذلك على خلاف مثيلاتها كالقاعدة؛ حيث تنتج الدّولة أموالها بنفسها بعائدات حقول النّفط والمصافي الّتي سيطرت عليها، إضافة إلى الغنائم وتجارة السّلاح والمقتنيات الأثريّة الشّيء الّذي يجعلها مستقلّة؛ حيث تقوم تجارتها على التّنويع.

أبو بكر البغداديّ والسّياق العراقيّ

توصّل الكاتب في مقابلاته التي أجراها في الميدان إلى أنّ أبو بكر البغداديّ يوصَف بأنّه يتمسّك بقيم الأصوليّين؛ حيث يرفض الانتماء السّياسيّ لأنّ إيديولوجيّته تعدّ الأحزاب السّياسيّة خارجة عن الدّين، من هنا بدأ يعرف باسم "الشّيخ إبراهيم" حينما بدأ يخطب في مسجد الإمام أحمد بن حنبل في سامرّاء المعروف بتردّد بعض المتشدّدين عليه، وهذا الاسم هو ما يعرف به - حاليًّا - في الأوساط الجهاديّة، ولكن بعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق اعتمد البغداديّ كنية "أبا دعاء"، وانضمّ إلى جماعة متشدّدة تعمل على مقاومة الاحتلال في بلدة "القائم" الصّغيرة في محافظة الأنبار، فبدأت حينها علاقته بأبي مصعب الزّرقاوي.

ولد إبراهيم بن عوّاد بن إبراهيم البدري القرشي (أبو بكر البغدادي) عام 1971م، في سامرّاء شمال بغداد العراقيّة؛ حيث يعدّ ذلك الزّعيم الكتوم الّذي لم يخرج على عموم المسلمين سوى في بضع بيانات، صوتيّة أو مكتوبة، حتّى وسم بـ "الشّيخ المخفيّ"، وتزعّم تنظيم الدّولة الإسلاميّة في العراق منذ العام 2010م، كما تزعّم الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام منذ 2014م، وما يميز البغداديّ عن زعيم القاعدة الرّاحل وخليفته الظّواهري؛ هو امتلاك البغداديّ خلفيّة دينيّة لا مهنيّة، إضافة إلى كونه زعيمًا سياسيًّا وعسكريًّا، كما أنّ البغداديّ لم ينطلق نحو القيادة من موقع الثّروة - كما فعل ابن لادن؛ بل نتيجة صيته وأدائه اللّذَين ذاعا، ومنحه المتشدّدين ولاءهم له، كما أنّه يستفيد من تأييد شبكة واسعة من التّحالفات العشائريّة؛ حيث إنّ زوجته تنتمي إلى "عشيرة الدّليم" الّتي تضمّ سبعة ملايين شخص، كما يستولي على نفوذ عشيرته الّتي لا يستهان بنفوذها، ويمثّل البغدادي استمراريّة للأهداف المثلى الّتي كان ابن لادن يتطلّع إليها، في حين فشِل الظّواهري في مواصلة مسيرة سَلَفه.

يذكر عبد الباري عطوان - من بين الخصوصيّات الّتي يتميّز بها البغدادي - المكر ودقّة الحسابات وأنّه يُعدّ خصمًا ذكيًّا؛ حيث إنّه أجرى تقويمًا وتحليلًا دقيقين لتجارب الجماعات الجهاديّة النّاجحة، مثل: طالبان والقاعدة، وحاول منها بناء بنية هرميّة وإداريّة وقياديّة معقّدة تتولّى شؤونًا مختلفة، ومن هنا تجاهل البغدادي أمر زعيم القاعدة أيمن الظّواهري وجعل نشاط مقاتلي تنظيمه يمتد إلى العراق وسوريا، كما تحدّاه في قيادة جيش من الجهاديين العالميّين، فيكون البغدادي - بهذا - قد انتزع قيادة الحركة الجهاديّة العالميّة من الظّواهري، الّذي شارك في إطلاقها عام 1998م من جبل الهندوكوش في أفغانستان.

يذهب الكاتب إلى أنّ "الدّولة الإسلاميّة" أخذت تسميتها - رسميًّا - حين احتل مقاتلوها مدينة الموصل العراقيّة في سنة 2014م، وبُويع البغداديّ (خليفة) حينها في المسجد الكبير، وما عجّل من نشوء "الدّولة الإسلاميّة"؛ الفوضى، وعدم الاستقرار، والطّائفيّة، وسوء التّقدير، والظّلم، والإقصاء، والتّدخّلات الإقليميّة والدّوليّة، وعداء الإسلام، والرّغبة في تفتيت الدّول العربيّة المركزيّة، وعناوين الحضارة ومحور الإمبراطوريّات، كلّ هذه العوامل جعلت الدّولة الإسلاميّة حسب رأي الكاتب - تأخذ ربع أرض العراق وثلث مساحة سوريا، لكنّ هذه ولادة هذه الدّولة[3] لا تنفصل عن الاحتلال الأمريكيّ للعراق، لأنّ هذا الاحتلال حقّق النّقلة الأهمّ في تاريخه، إيديولوجيًّا وجغرافيًّا؛ أي نقله من أفغانستان إلى قلب الوطن العربيّ، فبدأت بذلك الانتصارات العسكريّة تتحقّق على الأرض، وشكّلت عنصر جذب لآلاف المتطوّعين الشّباب الّذين أرادوا أن يكونوا جزءًا منه.

وفق هذا السّياق؛ أعلَن البغدادي - في عام 2013م - قرار الاندماج بين "الدّولة الإسلاميّة في العراق" و"جبهة النّصرة" في سوريا، بعد أن تعزّزت مكانة "جبهة النصرة" محليًّا، ومن هنا بدأ الخلاف بين قائد جبهة النّصرة (أبو محمد الجولاني)؛ لأنّه رفض هذا الاندماج وبايع أيمن الظّواهري، في حين أن البغدادي لم يبايعه، فانشقّت "النّصرة" عن "الدّولة الإسلاميّة في العراق والشام"، ورغم وجود جهود للمصالحة بينهما، إلّا أنّها فشلت جميعها، وكان الظّواهري يقول: "إنّ الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام ليست فرع لتنظيم القاعدة، وليست بيننا أيّة علاقة تنظيميّة، ولسنا مسؤولين عن أعمالها"، فبدأت الدّولة الإسلاميّة حربها على الجماعات المسلّحة الأخرى الّتي لم تقدّم البيعة للبغدادي، ما أدّى إلى هجرة متزايدة من قبل عناصر "جبهة النّصرة" وجماعات إسلامية أخرى، وأفرغ تنظيم القاعدة نحو الدّولة الإسلاميّة.

لكن، قبل هذا التّاريخ ومع مطلع عام 2011م، مع ظهور ما عُرف بـ "ثورات الرّبيع العربيّ" الّتي أطاحت بأنظمة عربيّة كان يتطلّع إليها الإسلاميّون، ويسعون إلى تحقيقها منذ عقود، وهذا لا يعني أن هذه الثّورات لم تفاجئ الجهاديّين أنفسهم؛ إذ جزم المعلّقون بأنّ الرّبيع العربيّ سيضع نقطة النّهاية للتشدّد الإسلاميّ والجماعات الجهاديّة، لأنّ هذه الثّورات تطالب باللّيبراليّة والدّيمقراطيّة والدّولة المدنيّة، الشّيء الّذي دفع الدّولة الإسلاميّة إلى التّحذير من الإيديولوجيّات غير الإسلاميّة المتمثّلة بالعلمانيّة والدّيمقراطيّة والإيديولوجيّة القوميّة والوطنيّة.

الوهّابية وأمريكا واستراتيجيّات التّوحّش للدّولة الإسلاميّة في سوريا

يؤكّد صاحب الكتاب - في الفصل الرّابع - على أنّ السّياق العراقيّ يختلف عن السّياق السّوريّ، فيما يتعلّق بغرس الدّولة الإسلاميّة نفسها في سوريا؛ حيث استفادت من الفوضى السّياسيّة والعنف الطّائفيّ، وكذا الحرب الأهليّة الشّاملة الدّائرة في هذا البلد، بعدما تمكّنت "جبهة النصرة" من الدّخول إليه أوّلًا، ممّا أعطى الأزمة السّوريّة تداعيات متعدّدة تجاوزت حدود المنطق، كما حاول الباحث تسليط الضّوء على الدّين والسّياسة في سوريا، وأيضًا، على التّاريخ الحديث للإسلام الرّاديكاليّ فيها، فالخصوصيّة الّتي تميّز سوريا ما بعد 2011م؛ هي انتقالها من الثّورة السّلميّة إلى الحرب الأهليّة، على خلاف تونس ومصر.

بعد انحراف الثّورة عن أهدافها وتحوّلها إلى حرب أهليّة، جاء الرّدّ الدّوليّ مخالف لما كان ينتظره السّوريّون؛ حيث اعتقدوا أنّ الغرب سيقود تدخّلًا عسكريًّا ضد الأسد، مثل ما حدث في العراق سنة 2003م - وفي ليبيا عام 2011، لكنّهم أصيبوا بخيبة أمل - على حدّ تعبير عطوان - فبدأت حينها الانشقاقات في الرّؤى حول الأزمة السّوريّة؛ بدءًا بمجموعة لندن الّتي شكّلت نواة "أصدقاء سوريا"، ما سبَّب شقاقًا على المستوى الدّوليّ وتهديدًا للأمن الإقليميّ، بعد التّفكير في جدوى تسليح المعارضة السّوريّة الّتي تعرّضت لانشقاقات كبرى، من هنا سلّحت السّعودية وقطر الثّوّار وموّلتهم، قبل أن تختلفا فيما يتعلّق بالأزمة المصريّة آنذاك.

ويستطرد الكاتب موضحًا العلاقة المتناقضة بين الأمريكان وآل سعود - في الفصلين الخامس والسّادس - ليبيّن كيف شكل التّحالف الأمريكيّ السّعوديّ والوهابيّة - بوصفها شكلًا من أشكال الإسلام السّنّيّ المتزمّت، معادلة أساسيّة في فهم قوّة الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام، فبالرغم من التّحالف المتناقض - أحيانًا - بين الرّياض وواشنطن، إلّا أنّ هذا التّحالف حافظ على الوضع القائم في الشّرق الأوسط لعقود من الزّمن، إلّا أنّ تزايد قوّة الدّولة الإسلاميّة في المنطقة كان يهدّد تلك التّحالفات والعلاقات، ممّا قد يُنهيها إلى الأبد.

من جهة أخرى؛ يسجل الكاتب أنّ السّعوديّة هي واحدة من خمس دول عربيّة شاركت الولايات المتّحدة في أوّل موجة قصف جويّ على الأرض السّوريّة، بهدف تدمير الدّولة الإسلاميّة - ظاهريًّا - والتّصدّي للوحش الّذي خلقته، لكن لو نجح السّعوديّون في تنفيذ مبتغاهم، لقلب نظام الأسد في الوقت نفسه.

من هنا؛ يعدّ التّوحّش الّذي تمارسه الدّولة الإسلاميّة في العراق وسوريا إستراتيجيّة وإيديولوجيّة تقف وراء محاولة إنشاء "الخلافة" في قلب الشّرق الأوسط، وهي إستراتيجيّة موضوعة منذ ما لا يقلّ عن عقد من الزّمن، من هنا، وُجِدت أطروحة "إدارة التّوحّش" لأبو بكر ناجي المنشورة في عام 2004م، فخطّة استعراض العنف الشّديد هذه؛ هي جزء من خطّة لبثّ الرّعب والخوف في قلوب الأعداء.

تجنيد الأجانب والمعركة الإعلاميّة المتوحّشة

يستعرض الكاتب في الفصل السّابع كيف أنّ الفوضى الّتي عمّت العراق وسوريا وما نتج عنها من فراغ أمنيّ، سهل السّفر إلى مساحات الحرب في هذين البلدين، عبر تركيا كونها محطة أولى للوصول إلى ساحة القتال، وذلك بإنشاء بيوت آمنة على طول الحدود التّركيّة السّوريّة، ويؤكّد عبد الباري عطوان على أنّ سبب هذا انخراط الأجانب في القتال؛ هو ترك عالم البطالة عن العمل، والملل، وعدم المساواة، وانعدام الفرص، أمّا في العالم النّامي نضيف غياب القانون والقمع، وكذا مساهمة صعود اليمين المتطرّف في أوربا هو حافز لهجرة الشّبّان المسلمين إلى دولة "الخلافة"، لا يمكن أن نغفل - هنا - أنّ الدّولة الإسلاميّة مموّلة تمويلًا كافيًا، وقادرة على أن تدفع رواتب جنودها؛ حيث يبلغ الرّاتب المعتاد للجنديّ في الدّولة الإسلاميّة (600 دولار) حسب الباحث، وضمّها لمساحات شاسعة من الأراضي ممّا مكّنها من بناء حياة عائليّة للّذين يلتحقون بها.

يشير الكاتب في الفصلين - الثّامن والتّاسع - إلى الخلافات الموجودة بين الدّولة الإسلاميّة وتنظيم القاعدة (الأخوة الأعداء) حسب الكاتب؛ حيث أخذت الدّولة الإسلاميّة حيّزًا كبيرًا في الإعلام العالميّ مقارنة بتنظيم القاعدة، ويتمثّل النّجاح الأكبر للدّولة الإسلاميّة في أذرعها الإعلاميّة الجبّارة الّتي لعبت دورًا كبيرًا في إيصال رسالتها، وإرهاب أعدائها، ووضعها على الخريطتين الإقليميّة والدّولية في زمن قياسيّ؛ حيث بيّن إعلام الدّولة الإسلاميّة كفاءة وقدرة وحداثة غير مسبوقة تفوق إمبراطوريّات إعلاميّة غربيّة كبرى، ممّا جعلها تنتصر في "حرب العقول" هاته، عدا استخدمها هذا الإعلام في تجنيد الشّباب.

صراع الغرب المستمرّ مع الإسلام ومستقبل الدّولة الإسلاميّة

يرى صاحب الكتاب أنّه - غالبًا - ما تستخدم الدّول الغربيّة الإسلام من أجل خدمة مصالحها السّياسيّة الخارجيّة؛ ففي حالة بريطانيا - مثلًا - يرجع هذا الاستغلال إلى أيّام الإمبراطوريّة العثمانيّة، أمّا في التّاريخ الحديث: حاول التّحالف الأمريكيّ البريطانيّ التّودّد إلى المتشدّدين الإسلاميّين - في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا - قبل أن ينقلب عليهم، من هنا، حاول عبد الباري عطوان في الفصل العاشر أن يبرز السّياسات اللّا أخلاقيّة للولايات المتحدّة وبريطانيا، الّتي ستقودهما إلى تقديم الدّعم والتّسليح لجماعات مختلفة من أجل تحقيق مكاسب عسكريّة أو سياسيّة أو ديبلوماسيّة قصيرة الأجل، تسهم مباشرة في صعود تنظيم الدّولة الإسلاميّة، وذلك بإضعاف القوى العلمانيّة واللّيبراليّة والدّيمقراطيّة في العراق وسوريا، وهي القوى الّتي من المفترض أن تكون الحليف الطّبيعيّ لهما.

فالتّواطؤ الأمريكيّ البريطانيّ مع الإسلام الرّاديكاليّ - حسب الباحث - عكس في نهاية الأمر الهدف الّذي حصل من أجله، فقد ساهم في تقوية تنظيم الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام، وجعل من قيام حكومات علمانيّة وديمقراطيّة - يقول إنّه ينشدها - أمرًا شبه مستحيل، ما جعل المنطقة تغرق في صراع عنيف لا تنتهي تفاصيله.

اقتنع الكاتب - في الفصل الحادي عشر - الّذي يحمل عنوان "مستقبل الدّولة الإسلاميّة" بأنّ الخطر الّذي يواجه المنطقة العربيّة اليوم؛ هو اتّفاق القاعدة مع الدّولة الإسلاميّة ووضعهما خلافاتهما جانبًا، وقررًا خوض المعارك سويًّا الشّيء الّذي قد يحدث تحوّلًا أساسيًّا في منطقة الشّرق الأوسط وآسيا، خاصّة أنّ المنطقة منشغلة - الآن - في الصّراع الطّائفيّ بين المملكة العربيّة السّعودية وإيران؛ فالدّولة الإسلاميّة تتصرّف بمنطق الدّولة وليس التّنظيم الإرهابيّ؛ حيث تريد الاستيلاء على الأرض كمهمّة أولى لتوسيع جغرافيّتها.

إنّ الدّولة الإسلاميّة لم تعد مجموعة من الشّباب الجهاديّ المغامر يريد أن يقاتل من أجل الشّهادة فقط؛ بل تملك هذه الدّولة بنوك عقول وأدمغة متخصّصة في علوم مختلفة، كما أنّه من الصّعب التّقليل من قوّة هذه الدّولة من النّاحية العسكريّة والإستراتيجيّة، وهناك سيناريوهات تتحدّث عن أنّ الدّولة الإسلاميّة تمتلك أسلحة كيماويّة.


[1]ـ يبرّر عبد الباري عطوان استعماله مصطلح "الدّولة الإسلاميّة"- وليس داعش - بأنّ الطّرف المعنيّ، أي الدّولة الإسلاميّة، هو الّذي اختار هذه التّسمية وألغى كلَّ ما قبلها.

[2]ـ هي اتفاقيّة وُقِّعت في عاصمة الأوروغواي مونتفيديو (Montevideo) في 26 ديسمبر 1933م.

[3]ـ الإسلام السّياسيّ الجهاديّ عمومًا.