الرقمنة أو تحويل العَالَم إلى شاشة


فئة :  مقالات

الرقمنة أو تحويل العَالَم إلى شاشة

الرقمنة أو تحويل العَالَم إلى شاشة*


-1-

يظهر جليّاً أنّ حياتنا الراهنة لا تخلو من الشّاشات، وأنّها مرتبطة بنظام رقمي[1] يتجاوز ذاته بسرعة فائقة، فالمدينة مراقبة بمنظومة من الكاميرات الرقمية التي تُسَجِّل تفاصيل حركاتها وسكناتها على مدار اليوم، وهي مرتبطة في مجملها بسلسلة من الشّاشات الكبيرة والصغيرة. فكلّ شيء صار يمرّ عبر الشّاشة، ولا يُفْهَمُ إلا داخلها، لأنّ الإنسان ألفها كبقية الأشياء الأخرى التي تحيط به وتحاصره، خاصة وأنها يسّرت عليه الحياة، وقلصت التعب، ونَمَّت مدخوله الاقتصادي، وفتحت أمامه آفاقاً أرحب، ما كان يحلم بالتعرف عليها واكتشافها لولا انتشار الأجهزة الرقمية.

لم يعد الإنسان في عصرنا هذا حاملاً كتاباً أو قنّينة ماء، وإنّما استعاض عن ذلك بهاتف رقمي ذكي، وآلة تصوير رقمية، وسمّاعة رقمية، وقارئ لوحيّ متعدد الاختصاصات...، فأصبح يكشف عن كلّ تفاصيله، العادية والحميمية، عبر الصورة والصوت، على شبكات التواصل الاجتماعي وشبكة اليوتيوب (التلفزيون العمومي البديل). هكذا، انتقل الإنسان من كتم خصوصيته إلى إعلانها، ومن التستر على المعلومات الشخصية إلى تقاسمها. فهل نحن أمام حالة ترفيه عادية أم استعراض مرضي مزمن؟ هل نحن أمام إنسان عاشق للمعرفة أم تجاه أناس بَصَّاصِين يتلهفون إلى رؤية الشاذ وغير العادي؟

إنّ ملاحظة بسيطة لمحتويات المنازل، اليوم، تدفعنا إلى إحصاء عدد كبير من الأجهزة المرتبطة بالانتشار الكاسح للثقافة الأيقونية في زمننا: شاشات التلفاز، شاشات الحواسيب الشخصية، شاشات الأجهزة الإلكترونية، أجهزة التحكم عن بعد، هواتف محمولة، ألواح إلكترونية...، فالتحكم في الحياة العادية بات يمرّ بشكل أوتوماتيكي، واع أو غير واع، عبر أجهزة التحكم وعبر الشّاشات، بل إنّ الحياة شاشة: نعرفها عبر الشّاشة، ونقدمها عبر الشّاشة، ولا يمكن أن نتصور الجديد أو نطلع على القديم إلا عبر وساطتها. فالطفرة الحاصلة في وسائل الإعلام والترفيه والوسائط المتعددة تحيل العَالَم إلى صور معكوسة على الشّاشة التي تلخص تكنولوجيا رقمية دقيقة وجبارة انبثق عنها الإنسان الرقمي (Homo Numéricus) بكلّ صفاته الجسمانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والاتصالية والتواصلية.

إلى أين يسير الإنسان اليوم؟ ما هي تمثلاتنا للعَالَم من خلال المنظومات الرقمية المتصلة بالشّاشات؟ هل يستطيع الإنسان، اليوم، التخلي عن أيقوناته الإلكترونية الجديدة أم أنّها صارت جزءاً لا يتجزأ من واقِعِه؟ هل استطاعت الشّاشة أن تلغي كلّ سندات التواصل التقليدية؟ ما علاقة الرقمنة بالشّاشة؟ لماذا صار كلّ شيء متاحاً على الشّاشة؟ هل الشّاشة مرآتنا اليوم؟

-2-

تخترق الأجهزة الرقمية تفاصيل حياتنا الراهنة، وتتحكم في سير دواليب شؤوننا العامة والخاصة، فقد بتنا نتحدث عن المدينة الذكية، والإدارة الرقمية، فضلاً عمّا نمتلكه من عتاد خفيف وثقيل سواء كأفراد أو جماعات، وذلك بدءاً بالهواتف والحواسيب والألواح الرقمية المحمولة، والأجهزة المنزلية التي تمتلك بدورها شاشات صغيرة للتشغيل، وهو الأمر الذي تجاوز مفهوم التسيير المنزلي بمعناه التقليدي، وجعل دور الجدّة التي تحفظ الممارسة والذاكرة الجمعيتين تتوارى إلى الخلف لصالح المنزل الإلكتروني الذي يتساوى الرجل والمرأة في تدبير شأنه ما دامت الكتيبات المرفقة بالأجهزة المنزلية أو المواقع الإلكترونية لمصنعيها تقترح وصفات مصورة لتعليم استعمالها. لقد ساهم ذلك في الرفع من الكفايات التكنولوجية لكافة الناس الذين لم يعد لهم من خيار سوى مسايرة الطفرة التكنولوجية المصورة، ولكنّ الخطير يكمن في قتل المبادرة الفردية، وجعل الشخصية تابعة لما تمليه تعليمات الاستعمال.

تُقدِّم التكنولوجيا الحديثة نفسها عبر الصورة، وتسهّل تمرير حمولاتها البسيطة والمعقدة عبر الصورة التي لا تتطلب من الناس إلا المشاهدة بغض النظر عن معرفتهم بلغة المنتوج، إنّها تحاول جاهدة، وبخطى حثيثة ومتواترة، القضاء على اللغة ما أمكن، وقد نجحت في ذلك. إنّ استقراءً بسيطاً لما يروج على مواقع التواصل الاجتماعي التي تزدهر بفعل استشراء ثقافة الشاشات العابرة للقارات تبين أنّ الحديث يتمّ عن طريق تقاسم الڤيديوهات والصور والأيقونات الدالة، تلك التي انتعشت تصاميمها وصارت صناعة رقمية مستقلة بفعل ازدهار فن الغرافيزم المعلوماتيّ والرقميّ، إلى درجة أضحى فنّ العصر الأول بسبب اقتحامه لكلّ المجالات البصرية، فَفَنِّيُّوه صاروا سادة العَالَم، وأضحى مصمّمو برامجه يتحكمون باقتراحاتهم الهويّات البصرية لكلّ شيء. هكذا توارت الرؤية الصافية للفنون البصرية، ومنها السينما، لصالح صور هجينة تظهر بسرعة وتختفي بسرعة.

-3-

يعلن العَالَم عن نفسه بشكل بصري مختلف عمّا عهدناه، فالصور المنتشرة هنا وهناك، تحمل خطابات صريحة إلى درجة البلادة، وأخرى مضمرة بالغة التعقيد، لكنّ مفعول كلتيهما يستوطن النفوس، ويستحوذ على العواطف، ويعطل آلية النقد، فينقاد الأشخاص خلف الرموز والعلامات التي تندحر قيمتها المادية من الأعلى إلى الأسفل لتشمل كلّ الفئات. إنّ الصور جوهر الحضارة الراهنة وروحها، ممّا يجعلنا أمام أنطولوجيا تمتح من معين الصور المتدفق عبر وجودنا المُصَوَّر، وتنتعش من تفاعلنا الفوري مع ما يفعله الأفراد أكثر من الجماعات؛ إذ لم نعد ننتظر إجماع الجماعة، وإنّما أصبحنا أمام الفرد الذي يعلن نفسه صراحة أو يختبئ وراء أقنعته الرقمية وحساباته المتعددة ليقرر ما يريد، ولو كان ذلك ينبثق بشكل غير جاد أحياناً، إلا أنه يصدر عن ذات مُعَبِّرَة قد تعي أو لا تعي تصرفها، ولكنها تعبر مستعملة الشاشة وملحقاتها سبيلاً للوصول إلى أكبر عدد من المستعملين حتى لا نقول الأفراد.

يطرح استعمال الأجهزة الرقمية المرتبطة بالشّاشات سؤال الهويّة بشكل ملحّ، ونقصد هويّة المستعملين لأنّ الجرائم الإلكترونية قد أبانت عن توهيم الأسماء والجنس إلى درجة صار الذكر معها أنثى، وتحولت الأنثى ذكراً، كما انتعش ذلك العنصر الثالث ليفصح عن نفسه كذات رقمية قبل أن تنفجر موجة مطالبته بحقوقه الهوياتية، وتنكشف مطالبه بالتدريج. وللرقمنة دور فعّال في كشف المقموع، والإعلاء من الرأي الفردي لصالح نوع من التمجيد الذاتي الذي يسهل الهيمنة والقمع عن بعد، لكنه يسمح بالتدفق المجاني للمعلومات وإتاحة المراقبة السهلة للأجهزة القمعية والبيروقراطية. تمتلك الرقمنة آلياتها الرهيبة لإفهام الناس بالحرية، وإقناعهم بالعضّ على إيجابيات المتعة الشخصية، وامتلاك الشرعية في تبرير الاختيارات الأنانية، فهي تعمّم التباشير الحاملة للجديد، والباعثة على الطمأنينة والراحة، والكسب السهل عبر التجارة الإلكترونية، وتسويق كلّ شيء، والأداء الرقمي، والامتلاك الرقمي، والسياحة الرقمية، والتصويت الرقمي، والتسجيل الرقمي، والمدرسة الرقمية، والهويّة الرقمية، والخدمة الرقمية.

والحاصل أنه لم يعد جلّ الناس يعيشون الحياة بعفوية وتلقائية، بل صار سوادهم الأعظم، وخصوصاً "الكائنات الرقمية"، يهمّه بالدرجة الأولى نشر "أفعاله" أو نشر حياته المفتعلة بغرض استعراضها على مواقع التواصل الاجتماعي، وبذلك ضاعت الحميمية، وانفرطت عرى الثقة، كأنّه بات لكلّ شخص تقريباً أقنعة يتوهّم من خلالها الحياة أو يوهم الناس بها. لقد ساهمت الرقمنة في توهيم الحياة وافتعالها، وتَمَّ القضاء على النسخة الأصلية للأشياء، وأضحى الزيف عقيدة الناس وجوهر الفعل. مات التأمل والتعالي بفعل الاستشراء البشع للتقنيات المُرَقْمَنَة والمُرَقْمِنَة التي روّضت الناس بفعل استعمالاتها الفرجويّة؛ إذ لم نعد نرى العَالَم بشكل ذاتي، وإنما كما أراده لنا صنّاع ما يروّج حولنا. لم يعد الإنسان مبدعاً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وتحوّل إلى مجرد مُرَتِّق بفعل فقدانه لهويّته الخاصة. صار كلّ مدافع عن الحق مغترباً داخل الفضاءات الرقمية، وكلّ متأمل منعزلاً، لأنّ الأشباح كثر، والنسخ المزورة تغمر الفضاء الرقمي وتكتسحه، لأنّ التحقق الموضوعي من الأشياء يتجاوز طاقة المتخصّصين، فمن يجرؤ على ادعاء المتابعة والرصد؟

-4-

إذا كانت الثورة الرقمية قد ارتبطت بنظيرتها المعلوماتية التي اكتسحت جلّ مظاهر المجتمع، واتخذت من المقاولة العصرية مشتلها الأول، فإنّ الرقمنة شملت مختلف مظاهر الحياة كمحاولة لتعويض الذكاء الإنساني المبني على التأمل بالذكاء الصناعي الذي تتجاوز فيه الآلة القدرات "الخفيّة" للكائن البشري، فاصلة إياها عن كلّ إحساس، وذلك في أفق صناعة "وعيها الخاص". وبما أنّ الخوف متأصل في الطبيعة البشرية، فإنّ الإنسان يحاول أن يطرح مخاوفه خارج ذاته من خلال العمل على تحويل الطبيعة، وبواسطة الخلق والإبداع الفنيين. هكذا كان للسينما دورها الباهر في خلق شخصيات فيلمية آلية (أوتوماتيكية) تذهب بعيداً في مساءلة التقنية. تقترح الأفلام السينمائية ذات الطابع الصناعي خطاطات بالغة التميز على مستوى الخيال، متجاوزة لمغالق العلوم، حالمة بما لم تستطع العقول الوصول إليه، مقتحمة لمتاهات اللاممكن. وهنا تنتعش الصناعة الرقمية المرتبطة بالسينما لتساهم في خلق فضاءات وبيئات مناسبة للخيال، فصارت الرقمنة أفقاً جديداً للسينما وللخيال البشري معاً.

هل صار كلّ شيء من حولنا رقمياً؟ تقريباً، وما لم تتمّ رقمنته فهو إمّا غير ذي قيمة اقتصادية بالدرجة الأولى، وإمّا أنّه لا يخدم الهيمنة في شيء، فكلّ منفلت من براثنها سَتَهُبُّ عليه رياح الرقمنة عاجلاً أو آجلاً. كلّ شيء بلمسة أو كلمة منطوقة أو قن سرّي، ويصبح الولوج الرقمي متاحاً، والموارد الرقمية متدفقة عبر مواقع البحث، فتنتشر بواسطة الشبكات والمواقع الإلكترونية، وتتقاسمها الجماعات، يستغلها العَالِمُ والظَّالِم، تتنافس في نشرها وتحليلها، تزويرها وبترها، استغلالها وتأويلها، ولكلٍّ فيها مآرب شتى. وبما أنّ المعلومات تصير بيد الجميع فإنّ استعمالاتها تتعدد وتتكيف حسب النوايا والأهواء، وتتوالد الإشاعات المصاحبة لها، لأنّ الرقمنة تسعى للإشهار والمجانية ونشر الإشاعة كآليات لجسّ النبض، كي يسهل التوجيه والتحكّم.

-5-

تعتبر الرقمنة كموجة ثانية للحداثة بعد الموجة الأولى التي اتسمت بتدوين القوانين وبناء "الدولة/الأمّة" والعلمنة. ومن سماتها سيادة العقل الحسابي الذي يعمل على بلورة الأفكار استناداً على تكميمها، وربطها بالمعارف لهيكلة وبناء المجتمعات على المستوى السياسي والاقتصادي حيث لا فصل بينهما. تخضع المعلومة للمعالجة من لدن الرُّبُوهات التي تعطيها هويّة جديدة بفعل إدماجها ضمن منظومة وثائقية معينة، حيث يتمّ إعادة توثيق الأشياء ورقمنتها من جديد، وخلق واقع آخر مغاير للذي اعتاده الناس: إنّه "الواقع الرقمي" (La réalité numérique) الذي تحوّله الشاشة إلى حقيقة يمتلكها المُسْتَعْمِل ولا يمتلكها في الآن نفسه، لأنّ الآخرين يستعملونها بالتزامن معه، ويمكن ألا يعثروا عليها بعد ذلك.

حَوَّلَت الشّاشة الرقمية العَالَم إلى صور، إذ ارتبط الكائن[2] بها جذرياً، فصارت الأشياء تمرّ عبرها بالضرورة. إنّها مرآة الناس الراهنة. لم تعد مجرد وسيط لتمرير المعلومة بشكل سريع ومتوالٍ ومتعدد، وإنما ارتبطت بها أنماط العيش والتنشئة الاجتماعية وطرائق الإدراك والتفكير والسلوك. تساهم في بناء النماذج وتحطيم الأصنام مقابل التسويق لبدائلها الجديدة والمتجددة. فالدور الذي تقوم به الألعاب الإلكترونية التي تمرّ على سطح الشاشة تقود اللاعب إلى تطوير ذكاء وظيفي من خلال مواجهة الصعوبات والعراقيل، وتدفعه إلى الانغماس العاطفي الذي يتناسب والعَالَم الذي ينخرط فيه، لكنه بمجرد أن يخبر المتاهات ويحلّ العقد يتسرب الملل إلى نفسه، ويستدمج العنف الذي تتضمنه بعض الألعاب، فيسربه إلى الواقع، وكأنّ اللعبة مستمرة. إنّ هذا النوع من التماهي هو ما يجعل ثقافة الشّاشة متناقضة مع ما يجري في الواقع.

-6-

تتسع حوامل الأجهزة الرقمية لتشمل كلّ مظاهر الحياة، فمُخَزِّنَات المعلومات تجمع بين الكلمة والصورة، والفنيون قلّصوا الهوّة بين الأكاديمي والعصامي، والباحث والمدّعي، والمحترف والهاوي. فالكلّ ينشر، يصور، يحلل، يعقب، يشجب، يشتكي، يحب. فالخزانات تستوعب كلّ ما يصدر عن الناس، وكأنّ الشّبكة العنكبية التي تستوعب كلّ هذا قد تحولت إلى متلاشيات افتراضية لا تؤمن إلا بعدد الأرقام التي تطلع على المنتوج، أيّ منتوج بغض النظر عن جودته، المهم أن يسترعي الاهتمام، ويشغل الناس ويجعلهم مشدوهين أمام شاشاتهم. فهل تمتلك هذه الصور والڤيديوهات الرقمية المبثوثة هنا وهناك مصداقية معينة؟ ومن يقف خلف ترويجها؟

يتمّ التسويق لفتح المجال بهذه الطريقة تحت يافطة دمقرطة الحق في المعلومة والفرجة والترفيه، وما إلى ذلك، لكن ما لا يظهر هو أنّ فعل المساواة المعلن يشكل مصيدة لاستدعاء ما استعصت معرفته أو مراقبته لرسم الاستراتيجيات المحتملة لمعالجته، سواء بنهج مناهج مشابهة له، أي صناعة الصور المضادة، أو القضاء الجذري عليه، وفي كلتا الحالتين فالرقمنة منظومة مركّبة تجعل من الشاشة ساحة أثيرة لإدارة الصراعات ومراقبتها والتحكم فيها لصناعة الآراء وتوجيهها، وما طلبات إدخال أرقام الهواتف الخاصة من لدن مواقع التواصل الاجتماعي بدعوى حماية الحسابات إلا ذرائع للمراقبة الدائمة لحاملي الهواتف، فالإنترنيت مجال مفتوح للصراع والتطاحن والتجسس والجمع الرهيب للمعلومات لأهداف غير تواصلية، وهو الأمر الذي كشفته الوقائع الأخيرة (ويكيليكس، واقعة شركة "سوني"، اعترافات بعض العاملين بمجال الهندسة المعلومياتية وفرارهم إلى دول أخرى...).

الرقمنة موازية للتحكّم.


* نشر هذا المقال في مجلة يتفكرون، العدد الثامن، 2016، إصدارات مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.

[1]- Milad Doueihi; Qu'est-ce que le numérique? Presses Universitaires de France – PUF; 2013.

[2]- Stéphane Vial; L'être et l'écran; Presses Universitaires de France ـ PUF; 2013.