العالميَّة الإسلاميَّة تأملات ابن قيّم الجوزية السلفيَّة حول أبديَّة جهنم
فئة : ترجمات
العالميَّة الإسلاميَّة
تأملات ابن قيّم الجوزية السلفيَّة حول أبديَّة جهنم
تأليف: د. جون هوفر
ترجمة: د. عَبد الكريم مُحَمَّد عَبد الله الوظّاف
صدرت هذه المقالة في مجلة العالم الإسلاميّ The Muslim World، المجلد 99، العدد الأول، الصادر في يناير عام 2009م، من الصفحة 181-201 تحت عنوان "Islamic Universalism: Ibn Qayyim al-Jawziyya's Salafī Deliberations on the Duration of Hell-Fire".
اختلف العلماء بكافة مآربهم في مسألة أبديَّة جهنم أو ديمومة النار؛ وذلك عند من يُؤمن بمسألة البعث والحساب ودخول الجنة أو النار؛ إذ يرى الفراعنة، على سبيل المثال، أنه بعد الحساب؛ فإن من أصبح مصيرهم النار، يتحولون إلى تراب؛ إذ لا نار في علم أخرويات الفراعنة.
من أكثر الأطياف أو الأنساق الكلاميَّة الإسلاميَّة في قضية أبديَّة جهنم هم المُعتزلة والزيديَّة من جانب، والأشاعرة من جانب آخر. فالمُعتزلة والزيديَّة من أصولهم الكلاميَّة العقائديَّة الوعد والوعيد؛ أي إن الله إذ أوعد وأعلن أن من سيخلد في النار، كقاتل النفس عمدًا، لن يخرج منها أبدًا، بينما يرى الجانب الآخر أن الله بعد أن يقضي بين الناس يُخرج من في قلبه ما هو أقل من ذرةٍ من خردلٍ من إيمان.
هذا الخلاف لا يزال ساريًا بين المدارس الكلاميَّة الإسلاميَّة. لكن يظهر ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيّم الحنبلييْن بنظريَّة يُمكن تسميتها نظريَّة التفاؤل. ومضمونها أن جهنم ستفنى في النهاية، وبناءً على ذلك؛ فإن العذاب سينتهي؛ أي إن من في النار سيدخلون الجنة. من وجهة نظرهما، فالنار أو الجحيم هي مكان تطهير للخطايا ليس إلا. قام كلٌ من ابن تيميَّة وابن القيَّم بالاستدلال بآياتٍ قُرآنيَّة؛ قد يُفسرها الجانب المُعارض بتفسيرٍ آخر أو يُؤولونها. كذلك استند ابن تيميَّة وابن القيّم بآثار عن بعض الصحابة تُؤيد حُجتهم على فناء النار.
تُناقش المقالة هذه المسألة، وتُحلِّلها من خلال استقراء رسالة ابن تيميَّة التي ظهرت مُؤخرًا، فناء النار، وكتب ابن القيّم الجوزية: حادي الأفراح، والشفاء، والصواعق المُرسلة. سيُلاحظ القارئ العربيّ أن ابن القيّم قام في هذه المسألة على أكتاف شيخه ابن تيميَّة، وزاد عليها. وفي مرحلةٍ من حياته العلميَّة، وصل إلى الإقرار باللاأدريَّة في هذا المسألة، ثم قبل موته أقر بفناء جهنم. لا ننس موقف تقي الدين السُبكيّ الشافعيّ، معاصر ابن تيميَّة وابن القيّم، في هذه المسألة، وقيامه بالرد على ابن القيّم بكتابه الاعتبار، وهو يرد بذلك على رسالة ابن تيميَّة.
لقد أبدع كاتب المقالة هذه وأفاد، وكان تحليله عميقًا؛ لكني أعتب عليه عدم دراسة لموقف السُبكيّ تجاه ابن تيميَّة وابن القيّم في هذه المسألة بوصفه فقيه الدولة، وما صدر منه تجاه العالميْن الحنبلييْن.
جون هوفر: باحث في تأريخ الفكر الإسلاميّ، والكلام والفلسفة الإسلاميَّة في العصور الوسطى، وفكر ابن تيميَّة وابن قيم الجوزية، والعلاقات المسيحيَّة-الإسلاميَّة. حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلاميَّة من جامعة برمنغهام، ودرجة الماجستير في الدراسات اللاهوتيَّة من المعهد اللاهوتي المينونيتي الكتابي في إنديانا، ودرجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكيَّة من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا. يشغل الآن بوصفه عضو هيئة التدريس في جامعة نوتنغهام، بقسم اللاهوت والدراسات الدينيَّة.
في الأخير، هاك أيها القارئ ترجمة أخرى لدراسة من الغرب فيما له علاقة بالدراسات الإسلاميَّة. أرجو النفع بها، وألاّ تقف أيها القارئ عندها، بل تكون لك بذرة للتفكير، والله الموفق.
تنويه للقارئ:
كل ما يُوضَع بين حاصرتيْن { } في المتن أو الهامش، فهو من إضافة المترجم، وما كان من إضافة أو تعليق للمؤلِّفة في النصوص المقتبسة؛ فقد جاء بين معقوفتين [ ].
قائمة المصادر والمراجع من صنع المُترجم.
{مقدمة}
يُؤكد عِلم الأخرويات السُّنِّيّ الكلاسيكيّ أن كل مَن يؤمن بالله الواحد سيدخل جنة الفردوس. قد يضطر بعض الموحدين بادئ ذي بدءٍ إلى تحمل العذاب والتطهير في جهنم جزاءً لذنوبهم؛ لكن أولئك الذين لديهم أدنى ذرةٍ من الإيمان سيدخلون الجنة في نهاية المطاف جزاءً لهم. مُقارنةً بذلك، سيُخلَّد الكافرون والمشركون في جهنم جزاءً أعمالهم التي لا تُغتفر([1]). يُؤيد أهل السُّنَّة الكلاسيكيون فكرة عذاب الكافرين والمشركين في جهنم الأبديَّة استنادًا على آياتٍ قُرآنيَّةٍ عديدةٍ. بيد أن أساس هذه العقيدة لم يأتِ من القُرآن؛ بل مِن الإجماع. مبدأ الإجماع مبنيٌّ على فكرة أنه إذا اتفق علماء الأمة الإسلاميَّة على مسألةٍ - مثل أن للإسلام أركانًا خمسة - فإنها تُعدّ غير قابلةٍ للنقاش([2]). لذا، فإن الادعاء هنا هو أن الأمة الإسلاميَّة قد توصلت إلى إجماعٍ مُلزِم على أن عذاب الكفار في جهنم أبديّ([3]).
لم يسلم هذا الادعاء دون نزاع. في أعمالٍ وأدبياتٍ غزيرةٍ عن مدة جهنم، يُقدِّم المُتكلم الدمشقيّ ابن قيّم الجوزية (ت. 751هـ/1350م) - وهو التلميذ الشهير للفقيه الحنبليّ المشهور ابن تيميَّة (ت. 728هـ/1328م) - ما قد يكون التحدي الأكثر صراحةً للإجماع المزعوم على هذه العقيدة في الفكر الإسلاميّ في العصور الوسطى. حظيت قضيَّة مدة العذاب المحدودة في جهنم بدراسةٍ متأنيَّةٍ في وقتٍ سابقٍ كما هو واضح في تفسير فخر الدين الرازيّ (ت. 606هـ/1209م)([4]). بيد أن مناقشات تبدو ابن القيّم غير مسبوقةٍ من حيث شمولها وطولها. ففي جداله، لم تَعد جهنم عقابًا جزائيًّا كما في العقيدة الكلاسيكيَّة؛ بل علاجيًّا للتطهير من الخطايا، حتى خطايا الكفر والشرك. فهل ينتهي عقاب الكافرين إذن؟ وهل تزول جهنم عند تحقيق مقاصدها؟ كما سنرى، فقد خَلُصَ بعض العلماء إلى أن ابن القيّم يُجيب عن هذه التساؤلات بالإيجاب؛ ليُنتجَ عقيدة الخلاص الشامل. لكن الفحص الدقيق لنصوصه يُظهر أن الوصول إلى هذا الاستنتاج ليس بهذه البساطة كما يبدو للوهلة الأولى.
تتناول هذه المقالة ثلاث مُناقشاتٍ مطوّلة لابن القيّم حول مدة العقوبة وجهنم، والتي تعود إلى السنوات الأخيرة من حياته. برزت هذه المُداخلات الثلاث في الأدبيات الحديثة المُثيرة للجدل، بوصفها الأكثر اكتمالًا وأهميَّةً بين مداولات ابن القيّم حول هذا الموضوع([5]). لم أقم ببحثٍ شاملٍ عن معالجاتٍ إضافيَّةٍ في مواضع أخرى من مؤلفات ابن القيّم الضخمة، ولم أبذل هنا أيَّة محاولةٍ لتقديم نظرةٍ شاملةٍ على فكره في هذا الموضوع، بل تسعى هذه الدراسة إلى توضيح آراء ابن القيّم في النصوص الرئيسة قيد النظر، وبيان ما يُنسب إليه من فضل لشيخه ابن تيميَّة، واستكشاف الوسائل التي يستخدمها للالتفاف على إجماع أهل السُّنَّة.
بدايات تأملات ابن القيّم
يكشف ابن القيّم الجوزية كيف طرح مسألة العذاب الأبديّ مع ابن تيميَّة لأول مرةٍ في ترجمته الواردة في كتابه شفاء العليل (يُشار إليه لاحقًا باسم الشفاء)([6]):
"وكنتُ سألتُ عنها [عن العذاب الأبديّ] شيخ الإسلام [ابن تيميَّة]، قدس الله روحه، فقال لي: "هذه المسألة عظيمةٌ كبيرةٌ"، ولم يُجب فيها بشيءٍ، فمضى على ذلك زمنٌ حتى رأيت في تفسير عبد بن حَميد الكثّيّ بعض تلك الآثار التي ذكرتُ؛ فأرسلت إليه [ابن تيميَّة] الكتاب وهو في مجلسه الأخير، وعَلّمتُ على ذلك الموضع [في الكتاب]، وقلتُ للرسول: "قل له هذا الموضع يَشكل عليه، ولا يدري ما هو"؛ فكتب فيها مُصنفه المشهور، رحمة الله عليه، فمن كان عنده فضلُ علمٍ؛ فليحدثه؛ فإن فوق كل ذي عِلمٍ عليم" (ص564-565).
يبدو أن ابن تيميَّة لم يكن متأكدًا من كيفيَّة الرد على استفسار ابن القيّم الأول حول مدة جهنم. فأجاب فقط بأن المسألة "عظيمةٌ كبيرةٌ". كان الدافع وراء استفسار ابن القيّم الثاني هو قراءة تفسير عبد بن حَميد الكسّيّ (أو الكثّيّ كما كُتب)، وهو مُحدِّث من القرن التاسع الميلاديّ من كيس بالقرب من سمرقند (ت. 249هـ/863م)([7]). حيّر حديثٌ رواه عبد بن حَميد ابن القيّم. فوضع علامةً على المكان في الكتاب وأرسله إلى شيخه عبر رسول. حدث هذا "في مجلسه الأخير"، ربما قرب نهاية حياته. ردًّا على ذلك؛ ألّف ابن تيميَّة ما أسماه ابن القيّم "مُصنفه المشهور". ستُوضح هويَّة هذا الكتاب وتأريخه لاحقًا.
في المقطع السابق، يُلمّح ابن القيّم أيضًا إلى ذكره للحديث المُحيّر عن عبد بن حَميد سابقًا في كتاب الشفاء. قبل بضع صفحات، يستشهد في حقيقة الأمر بعبد بن حَميد بالرواية الآتية عن عُمر بن الخطَّاب، أحد صحابة النَّبِيّ والخليفة الثاني عند أهل السُّنَّة: "لو لبث أهل النار في النار بقدر رمل عالجٍ؛ لكان لهم على ذلك يومٌ يَخرجون فيه" (ص554). يُشير اسم مكان عالج إلى مساحةٍ كبيرةٍ من الرمل في الصحراء على الطريق إلى مكة([8])، وتشبيه "بقدر رمل عالجٍ" في رواية عُمر يُشير إلى مدةٍ زمنيَّةٍ طويلةٍ جدًّا. ومِن ثَم، فالمعنى هو أن الذين في جهنم سيخرجون منها يومًا ما حتى لو لبثوا فيها وقتًا طويلًا.
في الموضع نفسه في الشفاء، يستشهد ابن القيّم بأخبارٍ أخرى تُلقي بظلالٍ من الشك أيضًا على أبديَّة العذاب في نار جهنم. مثالان كافيان. حديثٌ عن الصحابيّ أبي هريرة ينقل روايةً مُشابهةً لحديث عُمر: "أما الذي أقول إنه سيأتي على جهنم يومٌ لا يبقى فيها أحد". أما المثال الآخر فيَنصح بالامتناع عن الحُكم على مصير البشر. فقد رُوي عن الصحابيّ ابن عَباس قوله: "لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على الله في خلقه ولا يُنزلهم جنةً ولا نارًا" (ص554). هل يفهم ابن القيّم بوضوحٍ أن هذه الروايات المتفرقة تُقوّض إجماع أهل السُّنَّة على خلود الكفار والمشركين في جهنم؟ لكن إلى أين يقوده هذا تحديدًا؟
دَين ابن القيّم لرسالة فناء النار لابن تيميَّة
إن معالجة ابن القيّم الأكثر استشهادًا لمسألة مدة جهنم تظهر في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح [يُشار إليه فيما بعد بـ الحادي]([9]). تُشير علامةٌ على إحدى مخطوطات الحادي إلى أنها تعود إلى سَنة 745هـ/1344–1345م مع النص التالي: "أتم [أي ابن القيّم] تأليفه عام 745هـ"([10]). ليس لديّ أي سببٍ للشك في هذا التأريخ؛ لكن سيكون من الجيد الحصول على أدلةٍ داعمةٍ قبل قبوله على أنه ثابت. بعد حوالي أربعمئة عام، استشهد العالِم اليمنيّ مُحَمَّد بن إسماعيل الصنعانيّ (ت. 1182هـ/1768م) بكتاب الحادي مطوَّلًا في ردّه على كتاب رفع الأستار واتهم كلًا من ابن القيّم وابن تيميَّة بالقول بفناء النار([11]). على الرغم من تأكيدات الصنعانيّ، لم يتضح بعدُ ما الذي يُمكن تعلمه بحقٍ عن ابن تيميَّة من المناقشة في الحادي. في بضع نقاط نحو البداية، يُشير ابن القيّم إلى أنه يقتبس من ابن تيميَّة. بيد أنه من المؤسف أنه لا يُميّز بين كلمات ابن تيميَّة وكلماته الخاصة، أو يُشير إلى النص الذي يستشهد به، أو يوضح وجهة النظر التي اتخذها معلمه. ولجعل الأمور أكثر صعوبةً، واجه العلماء المعاصرون صعوبةً بالغة في العثور على ابن تيميَّة يتحدث عن مدة جهنم في أيّ مكانٍ في نصوصه. على هذا الأساس، يقول الباحث السعوديّ عَلِيّ الحربي أنه خلص عام 1990م إلى أن ابن تيميَّة لم يقل قط إن جهنم ستفنى([12]).
بيد أن بنيامين أبراهاموف (Binyamin Abrahamov) توصل إلى استنتاجٍ مُعاكس في مقالٍ نُشر عام 2002م بعنوان "خلق الجنة والنار ومدتهما في الكلام الإسلاميّ The Creation and Duration of Paradise and Hell in Islamic Theology". يذهب أبراهاموف إلى أن كلًا من ابن تيميَّة وابن قيّم الجوزية يُؤكدان فناء جهنم. وفيما يتعلق بابن القيّم، يستمد أبراهاموف هذا الاستنتاج من كتاب الحادي، أما بالنسبة إلى ابن تيميَّة، فهو لا يُشير إلى أيٍّ من كتاباته، أو يذكر مدى صعوبة العثور عليه وهو يتحدث عن هذه المسألة. المصدر الوحيد لأبراهاموف عن ابن تيميَّة هو كتاب الصنعانيّ ([13]).
لحُسن الحظ، فإن مفتاح حل لغز اقتباسات ابن القيّم من ابن تيميَّة ورأيه الخاص متاحٌ الآن. في عام 1995م، حقق مُحَمَّد السِمهريّ ونشر رسالةً لابن تيميَّة بعنوان الرد على مَن قال بفناء الجنة والنار. سأسميها اختصارًا فناء النار. كما يُجادل المُحقق السِمهريّ، فإن هذا العمل المُوجز أصيلٌ بلا شك([14]). هذا هو النص الذي استشهد به ابن قيّم الجوزية في كتاب الحادي، وهو يُشكّل بجلاء بنية مُناقشته في ذلك الكتاب. كما سيتضح لاحقًا؛ يتناول ابن القيّم المواضيع والحُجج بترتيب ابن تيميَّة نفسه؛ لكن بتفصيلٍ وإضافاتٍ مُستفيضة. يُنظم نص ابن تيميَّة بٌنية نقاش ابن القيّم في كتاب الشفاء أيضًا؛ لكن بدرجةٍ أقل.
تكتسب رسالة فناء النار لابن تيميَّة أهميَّةً إضافيَّةً في ضوء ملاحظة ابن القيّم الذاتيَّة في كتاب الشفاء المذكورة أعلاه. حيث يُعلِّق ابن القيّم بأنه أرسل تساؤله عن كتاب عبد بن حَميد إلى ابن تيميَّة خلال "في مجلسه الأخير" وأن شيخه رد عليه بـ "مُصنفه المشهور". ليس هناك ما يدعو للشك في أن "مُصنفه المشهور" هو فناء النار. يُولي نص ابن تيميَّة اهتمامًا دقيقًا لتفسير عبد بن حَميد ورواية عُمر التي أزعجت ابن القيّم. علاوةً على ذلك، فإن ذكر ابن تيميَّة "في مجلسه الأخير" يُشير بقوةٍ إلى أنه كان على وشك الموت. هذا ما تُؤكده المراجع التي حددتها كاترينا بوري (Caterina Bori)، والتي تُظهِر أن فناء النار هي آخر رسالة ألَّفها ابن تيميَّة([15]). في قائمةٍ طويلةٍ من أعمال ابن تيميَّة، يُلاحظ تلميذه ابن رُشيق (ت. 749هـ/1348–1349م)، أنه "وفي محبسه الأخير، عَمِلَ قاعدةً في الرد على من قال بفناء الجنة والنار، في نحو عشرين ورقة"([16]). مُضيفًا المزيد من المعلومات، يقول كاتب التراجم الصفديّ (ت. 764هـ/1363م) في شأن ابن تيميَّة: "في بقاء الجنة والنار وفنائهما، وهو آخر ما صنّفه في القلعة. وقد رد عليه العلاّمة قاضي القُضاة تقي الدين السُبكيّ"([17]). كتب تقي الدين السُبكيّ في واقع الأمر تفنيدًا لرسالة فناء النار لابن تيميَّة عام 1348م، وسيُناقش ذلك لاحقًا. الأكثر أهميَّة من ذلك، أنه من الواضح أن ملاحظات الصفديّ وابن رُشيق تُشير إلى الرسالة نفسها، وهي فناء النار، وأن هذا كان آخر عملٍ كتبه ابن تيميَّة خلال سجنه الأخير في قلعة دمشق. بدأ سجنه هذا سَنة 726هـ/1326م. تمت مصادرة قلم ابن تيميَّة وورقته في جمادى الآخرة 728هـ/أبريل-مايو (نيسان-أيار) 1328م([18])، وتُوفي في السجن في وقتٍ لاحقٍ من العام نفسه.
من هذه الملاحظات، نستنتج أن ابن تيميَّة كتب آخر أعماله فناء النار ردًّا على استفسار من ابن القيّم حول مدة العذاب وجهنم. حدث هذا خلال سجن ابن تيميَّة الأخير، قُبيل حرمانه من مواد كتابته في ربيع سَنة 728هـ/1328م. ثم تابع ابن القيّم رسالة شيخه عن كثبٍ بعد عدة سنوات، ربما في سَنة 745هـ/1344–1345م، عندما ألَّف مُناقشة مدة جهنم في كتاب الحادي، وبشكلٍ أكثر مرونةً عند الكتابة حول الموضوع نفسه في كتاب الشفاء.
السلفيَّة والحُجج الكلاميَّة في رسالة فناء النار وكتاب الحادي
تبدأ رسالة ابن تيميَّة فناء النار (ص41) ومناقشة ابن القيّم المُقابِلة في كتاب الحادي (ص307) بتحديد ثلاث وجهاتِ نظرٍ مُحتملةٍ حول مدة الجنة والنار: 1) كلاهما يفنيان، 2) كلاهما يبقيان إلى الأبد، أو 3) تبقى الجنة إلى الأبد بينما تفنى النار. دُحِضَ أول هذه الآراء في القسم الأول من رسالة فناء النار. ودُحِضَ الرأي الثاني في القسم الثالث. وجرى الدفاع عن الرأي الثالث في كلٍ من القسميْن الثاني والرابع. تتبع المناقشة في كتاب الحادي لابن القيّم النهج نفسه. ويستشهد القسم الخامس والأخير في رسالة فناء النار لابن تيميَّة بآياتٍ قُرآنيَّةٍ تُبيّن أن الجنة باقية (ص83-87). ولم يُكمل ابن القيّم معالجة هذه المسألة؛ لأنه سبق أن تناولها في كتاب الحادي (ص305-307) قبل أن ينتقل إلى رسالة فناء النار.
خُصِّصَ القسم الأول من رسالة فناء النار (ص42-52) والمناقشة الموازيَّة في كتاب الحادي (ص307-311) لدحض آراء جَهم بن صفوان (ت. 128هـ/745م) والمُعتزليّ المُبكر أبي الهُذيل العلاء (227هـ/841م؟). يجادل جَهم باستحالة وجود سلسلةٍ لا نهائيَّةٍ، مما يعني أن كلًا من الجنة والنار لا بد أن تفنيان في نهاية المطاف. وعلى المنوال نفسه، لا يجادل أبو الهُذيل بأنهما ستفنيان كليًا، بل بأن الحركة فيهما لا بد أن تنتهي. يرد ابن تيميَّة وابن القيّم بأن وجود سلسلةٍ لا نهائيَّة في المستقبل مُمكنة، وأن جهم تجاهل النصوص القُرآنيَّة التي تُشير إلى ديمومة الجنة. من هذه الآيات: )أُكُلُهَا دَائِمٌ( [الرعد: 35]، و )إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ( [ص: 54].
يستكشف القسم الثاني من رسالة فناء النار الأدلة النصيَّة على فناء جهنم، أو على الأقل عدم عذاب أحدٍ فيها للأبد (ص52-70). يقتبس ابن القيّم في كتابه الحادي (ص311-318) الكثير من نصوص ابن تيميَّة، ويشرح نقاطًا مُماثلة. يبدأ ابن تيميَّة بخبر عُمر الذي استَشهد به عبد بن حَميد: "لو لبث أهل النار في النار بقدر رمل عالجٍ، لكان لهم على ذلك يومٌ يَخرجون فيه". يستشهد حَميد بهذا الخبر، كما يوضح ابن تيميَّة، عند تفسيره للشهادة القُرآنيَّة بأن أهل جهنم )لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا( [النبأ: 23]؛ ليُظهر أن )أَحْقَابًا( لها نهايةٌ في حقيقة الأمر. كما يستشهد ابن تيميَّة بعدةِ رواياتٍ تفسيريَّةٍ مُبكرة والتي تُشير إلى أن )أَحْقَابًا( تعني حقبةً زمنيَّةً محدودةً. وللتوفيق بين هذا وبين عقيدة السُّنَّة الكلاسيكيَّة؛ يُمكن القول بأن الآية تنطبق فقط على الخُطاة المُوحدين والمدة التي يقضونها في جهنم قبل دخول الجنة([19]). يُؤكد ابن تيميَّة أن الأمر ليس كذلك؛ فالآية تُشير تحديدًا إلى غير المؤمنين.
من بين النقاط الأخرى التي يطرحها ابن تيميَّة في هذا القسم، أن العديد من المفسرين يستخدمون خبر ابن عَباس: "لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على الله في خلقه ولا يُنزلهم جنةً ولا نارًا" لتفسير التصريح القُرآنيّ بأن أهل جهنم )خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ( [هود: 107]. إن المدة التي تُقضى في جهنم ليست أبديَّة على الإطلاق، بل يُلاحظ ابن تيميَّة أنها مشروطةٌ بوجود هذا العالَم وعلى مشيئة الله - كما أكده ابن عَباس.
القسم الثالث من رسالة فناء النار لابن تيميَّة (ص71-79) والقسم المُعادل لها تقريبًا في كتاب الحادي لابن القيّم (ص318-322) يسردان ويُفندان حُجج أبدية جهنم. يكفينا هنا أن نتناول أول قسميْن فقط، وسنتناول القسم الثاني أولًا لسرعة شرحه. هذه هي الحُجة القائلة بأن القُرآن يدعم أبدية جهنم. وردًّا على ذلك، يُقر ابن تيميَّة بأن القُرآن يقول إن الكافرين )خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا( [النساء: 169، سورة الأحزاب: 65، إلخ). بيد أنه يُصرّ على أن القُرآن لم يُنص قط على أن جهنم لن تفنى. يبدو أن هناك تناقضًا هنا. إذا كان الكفار سيبقون في جهنم إلى الأبد؛ فكيف يُمكن للنار أن تفنى؟ يُجيب ابن تيميَّة بأن سكان جهنم لن يبقوا في دار العذاب إلا ما دام هذا العذاب قائمًا. لا ينبغي فهم مصطلحي "الخالد" و "الأبد" بمعناهما المُطلق وغير المُقيّد. هذا هو الحل ذاته للصعوبات النصيَّة الذي استخدمه ابن تيميَّة في القسم السابق من فناء النار.
الحُجة الأولى والأكثر أهميَّةً على أبديَّة جهنم هي الإجماع، ولا يُوجد فيها نزاعٌ بين السلف. يرد ابن تيميَّة بأنه لا يوجد إجماعٌ معروفٌ حول هذه المسألة. لم يقل أحدٌ من صحابة النَّبِيّ أن جهنم لن تَفنى أبدًا، وكان للتابعين، الجيل الثاني بعد النَّبِيّ، آراء مُختلفةً في هذا الشأن. وهكذا، يجادل ابن تيميَّة بأنه لا يوجد إجماعٌ على أبديَّة جهنم.
هذه الطريقة في تصور الإجماع تفصل ابن تيميَّة منهجيًّا عن علماء السُّنَّة السائدين في عصره، وهي مفتاح تأويله وتأويل ابن القيّم السلفيّ. بالنسبة إلى ابن تيميَّة، فالإجماع المُلزِم هو الإجماع الصريح من السلف؛ أي الأجيال الثلاثة الأولى على الأكثر. بعد ذلك، يُصبح من الصعب للغاية التحقق من الإجماع. وأي إجماعٍ من جيلٍ لاحقٍ من العلماء يخضع على الدوام للتصحيح عند اكتشاف دليلٍ أقوى([20]). وهكذا، عندما يكتشف ابن تيميَّة أنه لم يكن هناك اتفاقٌ بين السلف على مدة جهنم؛ فهو على استعداد لإعادة النظر في المسألة. بيد أن السُّنَّة الكلاسيكيَّة لم تُعِد المسائل التي جرى التوصل إلى إجماعٍ بشأنها للنقاش. إذن، بحكم إثارة هذا التساؤل من جديد؛ يكسر ابن تيميَّة قواعد تأويل السُّنَّة الكلاسيكيّ.
هذا يُصبح أكثر وضوحًا في كتاب الاعتبار لتقي الدين السُّبكيّ (ت. 756هـ/1355م)، وهو ردٌّ على رسالة فناء النار الذي كتبه عام 1348م، أي بعد وفاة ابن تيميَّة بعشرين عامًا([21]). على الرغم من أن السُّبكيّ خصص مساحةً كبيرةً للاستشهاد بآياتٍ قُرآنيَّةٍ تُثبت أبديَّة جهنم؛ فإنه كتب في بداية الرسالة: "فإن اعتقاد المسلمين أن الجنة والنار لا تفنيان، وقد نقل أبو مُحَمَّد بن حَزم الإجماع على ذلك، وأن من خالفه كافرٌ بالإجماع"(ص32)؛ أي إن القول بأن جهنم ليست أبديَّة يعني الوقوع في الكفر مُباشرةً. يُكرر ذلك السُّبكيّ في مكان آخرٍ من الرسالة؛ على الرغم من حرصه على توضيح أنه لا يصف شخصًا مُعيَّنًا بذاته أنه كافر (ص47، 85، 89).
الأمر الأكثر أهميَّة من ذلك هو كيفيَّة رد السُّبكيّ على اتهام ابن تيميَّة بعدم وجود إجماعٍ بين السلف. يُعبِّر السُّبكيّ أولًا عن عدم تصديقه بأن أحدًا من السلف، قال إن جهنم ستفنى، لكنه يُوضح بعد ذلك أن بعض أقوال السلف لا ينبغي أن تُؤخذ حرفيًّا. إنها تتطلب تأويلًا، تمامًا كما تتطلب بعض الآيات في القُرآن والروايات في الحديث التأويل. وهذا ينطبق على نحوٍ خاص على مسائل العقيدة التي يتفق عليها المسلمون (ص59). يوضح السُّبكيّ فيما بعد أن الإجماع قد يُقوَّض بشكلٍ مشروعٍ في سياق "نقل خلافٍ صريح". لكنه ينفي حدوث ذلك في هذه المسألة، ثم ينفي فعليًا إمكانيَّة ظهور "اختلاف صريحٍ" بحجة أن روايات السلف التي يستند عليها ابن تيميَّة ينبغي إعادة تفسيرها؛ "تحسينًا لظن بهم [أي السلف]" (ص79). يرى السُّبكيّ أن الإجماع العلميّ الكلاسيكيّ مُلزِم، ويجب قراءة الشهادة السابقة بشكلٍ أكثر تدينًا.
لا يزال استناد السُّبكيّ إلى الإجماع يُستشهد به حتى اليوم. في كتابٍ صدر عام 1986م عن الجنة والنار، يستشهد سُليمان الأشقر بتأكيد ابن حَزم على إجماع أهل السُّنَّة والجماعة على أن جهنم لا تفنى، ويُؤكد أن هذا هو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة([22]). ويُشير الأشقر إلى أن ابن تيميَّة وابن القيّم مخطئان فيما ذهبا إليه، لكن لا ينبغي تكفيرهما. لقد انخرطا في الاجتهاد في النصوص الموثوقة، وسيُجازى على اجتهادهما. لو أُبلغا بالحقيقة بشكلٍ صحيح، لكانا غيّرا رأيهما إلى الرأي الصحيح. علاوةً على ذلك، يُوضح الأشقر أن السلف كانوا يحملون آراءً مُماثلة؛ خالفت أحيانًا ما أصبح في نهاية المطاف إجماع الأمة الإسلاميَّة. على سبيل المثال، أكد الإمام مالك (ت. 179هـ/795م) أن البسملة الموجود في أوائل السور القُرآنيَّة لم تكن جزءًا من القُرآن، بينما جرى التوصل إلى إجماعٍ لاحقًا على أنها جزءٌ منها. كما قال عُمر بن الخطاب أن المسافر الذي لم يجد ماءً؛ لم يكن مُكلّفًا بالصلاة؛ بينما جرى الاتفاق في الوقت المناسب على أن المسافر في مثل هذه الظروف يجب أن يصلي بالتيمم([23]). على الرغم من أن الأشقر لم يُوضح هذه النقطة صراحةً؛ فمن الواضح أنه يمنح إجماع العلماء اللاحقين الأسبقيَّة على تنوع الآراء بين السلف. إن منهج ابن تيميَّة السلفيّ يقلب الطاولة على هذه الاستراتيجيَّة بجعل التنوع بين السلف أساسًا لفحص وإعادة النظر في الأنساق السائدة بين العلماء اللاحقين. من الواضح أن إحدى هذه العقائد التي تقع تحت فأس ابن تيميَّة هي أبديَّة جهنم، وفي هذا يتبعه ابن القيّم بإخلاص.
يُصوَّر القسم الرابع من رسالة فناء النار لابن تيميَّة (ص80-83) والقسم الموازيّ الأطول بكثيرٍ في كتاب الحادي لابن القيّم (ص322-341) على أنهما سلسلة من الاختلافات بين الجنة والنار. في واقع الأمر، يُشكلان حُججًا على ديمومة الجنة ومحدوديَّة جهنم والعذاب فيها. يُقدم ابن تيميَّة ثماني حُجج. الخمسة الأولى تُكرر الإشارات النصيَّة على مدة جهنم المحدودة، ولا داعي لسردها هنا. أما الحُجج من السادسة إلى الثامنة فهي كلاميَّة. الحُجة السادسة تُوضح أن رحمة الله ومغفرته تستلزم نعمة الجنة. فالجنة باقية إلى الأبد بوصفها شيئًا يَتبع بالضرورة صفات الله وأسمائه، وعلى نحوٍ خاص مغفرة الله ورحمته. بيد أن العقاب قد يتوقف؛ لأنه مجرد شيءٍ مخلوق. فهو لا يتبع بالضرورة أسماء الله. هذا بطبيعة الحال لا يُثبت بشكلٍ قاطعٍ أن عذاب جهنم سيفنى؛ لهذا هناك حاجة إلى شيءٍ آخر، وهذا ما جرى تقديمه في الحُجة السابعة، حيث يقوم ابن تيميَّة بخطوته الكلاميَّة الرئيسة. يُلاحَظ أن رحمة الله تُحيط بكل شيءٍ. يقول القُرآن: )كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ( [الأنعام: 12]، وفي الحديث نجد: "إن رحمتي سبقت غضبي"([24])، و "إن رحمتي تغلب غضبي"([25]). لذا، يُجادل ابن تيميَّة أن رحمة الله تمنع العذاب الأبديّ. في الحُجة الثامنة، يُؤكد ابن تيميَّة أن لله حِكمة في كل ما يفعله. وبما أنه لا يستطيع أن يتخيل أن لله حِكمة في خلق العذاب الأبديّ؛ فالعذاب محدود، وحكمته هي التطهير من الخطايا وتطهير النفوس.
إن مجرد تفكير ابن تيميَّة في العلة أو الغرض التي قد يكون لله في العذاب الأبديّ يضعه في خلافٍ مع الكلام الأشعريّ السائد في عصره. ففي الأشعريَّة الكلاسيكيَّة، لا يتصرف الله لأسبابٍ أو أغراض. التفسير الوحيد لما يفعله الله هو إرادته. وكما بيّنتُ في موضعٍ آخر، يدحض ابن تيميَّة الحُجج التي تدعم هذه الإرادة الأشعريَّة، ويُؤكد أن الله يخلق كل شيءٍ لأغراضٍ حكيمةٍ - بما في ذلك الشرور وجميع أفعال البشر - حيث يكون هذا هو أفضل عالَمٍ مُمكنٍ. في تلك المناسبات القليلة التي يُحدِدُ فيها ابن تيميَّة مقاصد الله الحكيمة في الشر، يتحدث عن الدروس التي يُعلّمنا إياها تمرد فرعون وهلاكه، والتواضع الذي يُغذيه المرض والخطايا، والتكفير عن الخطايا المُكتسبة مِن خلال المعاناة. الشر تعليميّ ومُطهِّر، وهو يُتيح فرصةً للجهاد والتقدم في الحياة الدينيَّة وعبادة الله وحده عبادةً كاملةً([26]). ربما أكثر من أي عاملٍ آخر، فهذا التفاؤل الكلاميّ يدفع ابن تيميَّة إلى إعادة النظر في العقيدة السائدة بأن جهنم أبديَّة. لا شك أن روايات أمثال عُمر وابن عَباس المذكورة آنفًا، والتأويل السلفيّ الذي يسمح بقراءتها من جديد يلعب أدواره؛ لكن الأكثر أهميَّة من ذلك، أن جهنم الأبديَّة تُقوِّض رؤية ابن تيميَّة لإلهٍ حكيمٍ يخلق كل المخلوقات بحِكمة ويجذبهم إلى محبته وعبادته وحده.
يتجلى هذا التفاؤل في أوج ازدهاره في القسم الموازيّ الأكثر شمولًا من كتاب ابن القيّم الحادي. يرفض ابن القيّم فكرة الأشاعرة القائلة إن الله يخلق بعض الناس منذ البداية ليظلوا في جهنم إلى الأبد. ويوضح أن الله لم يخلق أحدًا ليكون كافرًا في جوهره. فلا يوجد شيءٌ اسمه الكفر والشرك لا يُمكن إزالته، ولا أحد خارج نطاق أهليته لدخول الجنة. خلقَ الله كل إنسان بفطرةٍ ليُحب الله ويُقرّ بوحدانيته، وغرض الله الحكيم في العقاب ليس الانتقام، بل التطهير (ص324-326). إن عذاب جهنم ليس في جوهره مسألة انتقام، بل تطهير. يكتب ابن القيّم: "فالبلاء والعقوبة قُدرته لإزالة أدواء لا تزول إلا بها، والنار هي الدواء الأكبر" (ص332). وفي موضعٍ آخر يقول:
"وقد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل داءٍ دواء يُناسبه، ودواء الضال يكون من أشق الأدوية. والطبيب الشفيق يكوي المريض بالنار كيًّا بَعدَ كيٍّ ليُخرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة" (ص326)([27]).
في نهاية المطاف، يُجادل ابن القيّم في كتابه الحادي بأنه لا فائدة ولا منفعة في العقاب الأبديّ لأحد. لن يكون ذلك منفعةً لله؛ لأنه مُنزه عن أي فائدةٍ من معاقبة البشر. على المستوى البشريّ، فالعقاب الأبديّ للأشقياء لا يزيد من نعيم أحباب الله، ولا ينفع من يُعانون منه. فالعقاب والتأديب لا يُمكن أن يكونا إلا وسيلةً لتحقيق غايةٍ لغاياتٍ أعظم (ص327).
على غرار ابن تيميَّة، يشرح ابن القيّم في كتابه الحادي أن الجنة نتاجٌ لازمٌ لرحمة الله، وكذلك جهنم نتاجٌ لغضب الله. وبما أننا نعلم أن رحمة الله ستغلب غضبه؛ فإن آثار رحمته ستغلب آثار غضبه (ص323-324، 333). علاوةً على ذلك، يُوضح ابن القيّم أن رضا الله ورحمته صفتان جوهريتان ليس لهما حدود؛ بينما غضب الله وسخطه ليسا جوهرييْن، وبالتالي، لا يلزم أن يستمرا إلى الأبد (ص327). في نهاية المطاف، لا يُوجد سببٌ وجيهٌ لعدم انتهاء شرورٍ مثل جهنم. يقول ابن القيّم: "وليس في الحِكمة الإلهيَّة إن الشرور تبقى دائمًا لا نهاية لها ولا انقطاع أبدًا؛ فتكون هي [الشرور] والخيرات في ذلك على حدٍ سواء" (ص341).
للمراجعة: لم يُصرّح ابن تيميَّة قطعًا في فناء النار بأن جهنم وعذابها زائلان. بيد أن هذا بلا شك هو عبء حُجته، وليس من قبيل الصدفة أن يَنسب إليه النقاد اللاحقون هذا الرأي. يُخالف ابن تيميَّة إجماع أهل السُّنَّة في شأن أبديَّة جهنم بالاستعانة باختلاف السلف. فهو يُفسّر أقوال الصحابة والروايات التفسيريَّة المُبكرة للنصوص القُرآنيَّة الرئيسة لدعم فناء جهنم، ويستخدم حُججًا كلاميَّة مُستمدة من رحمة الله وحكمته ليجعل نهاية جهنم حتميَّة. يستخدم ابن قيّم الجوزية التأويل السلفيّ نفسه، ويتبع تفسير ابن تيميَّة وحُججه عن كثبٍ في الحادي، مُسهبًا في شرحه لمعلمه. يتجلى هذا الإسهاب عندما يُطوّر ابن القيّم مُبرراته العلاجيَّة للنار وفنائها في نهاية المطاف. إن رحمة الله وحكمته تُدبّران كلّ شيءٍ لمصلحتهم أجمعين، والعقاب يتلاشى بعيدًا عن أفق ابن القيّم.
بيد أنه في نهاية مناقشته في الحادي، وبعد أن أوضح أنه انتهى من عرض حُجج كلا الجانبيْن في المسألة، يطرح ابن القيّم تساؤلًا حول موقفه هو نفسه. وردًّا على ذلك، يقتبس: )إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ( [هود: 107]، ويلاحظ أن هذا كان موقف عَلِيّ بن أبي طَالب، ابن عم النَّبِيّ مُحَمَّد وصهره. هذا التعليق الأخير مُوجزٌ لدرجة أنه من المفهوم أن أبراهاموف وآخرين لم يلتقطوا اللاأدريَّة التي يُعبِر عنها([28]). لكنه يمنعنا من الاستنتاج دون تحفظٍ من الحادي؛ أن ابن قيّم الجوزية يعتقد أن جهنم ستفنى. بالإضافة إلى ذلك، يُفصّل ابن القيّم هذه اللاأدريَّة بشأن مدة عذاب جهنم في نصٍّ آخر، وهو كتابه الشفاء.
اللاأدريَّة السلفيَّة في كتاب الشفاء
يُعدّ كتاب الشفاء لابن القيّم الجوزية مجلدًا ضخمًا في القَدر، والفاعليَّة البشريَّة، والعدل الإلهيّ. وعلى خُطى ابن تيميَّة، وضع ابن القيّم نظريةً في العدل الإلهيّ قائمةً على التفاؤل التي بموجبها يخلق الله كل شيءٍ على أفضل وجهٍ مُمكن لأغراضٍ حكيمةٍ. فالشر المحض غير موجود. والشر الموجود شرٌّ فقط بالنسبة إلى من يُعانون تحت وطأته، لكنه خيرٌ في مقصد الله الحكيم الشامل. في كتاب الشفاء، يتناول ابن القيّم العديد من مسائل الشرّ، إحداها جهنم الأبديَّة. وكما يطرح ابن القيّم التساؤل الآتي: "وأيّ حِكمة له في خلقه خلقًا يعذبهم بأنواع العذاب الدائم الذي لا ينقطع؟" (ص540، الباب 22، الوجه 36).
يُناقش جواب ابن القيّم في كتاب الشفاء بادئ ذي بدءٍ فطرة الإنسان، وكيف تتغلب رحمة الله غضبه، والأدلة النصيَّة على أن عذاب جهنم لا يدوم (ص544-557). ثم يتبع ذلك دحضٌ براهين أبديَّة جهنم (ص557-561) وسردًا للاختلافات بين الجنة والنار (ص561-564). إن التشابهات البنيوية لهذه المعالجة مع كتاب ابن القيّم الحادي ورسالة ابن تيميَّة فناء النار واضحة؛ لكن في كتاب الشفاء، يُعيد ابن القيّم ترتيب المادة إلى حدٍ ما ويكتب بحريَّةٍ أكبر. هذا يُشير إلى أن كتاب الشفاء أحدث من كتاب الحادي. بيد أنه لم يُبذل جهدٌ كافٍ في التسلسل الزمنيّ لنصوص ابن القيّم للتحقق من ذلك بشكلٍ مستقلٍ. لكن ما نعرفه هو أن كتاب الشفاء من بين مؤلفات ابن القيّم المُتأخرة([29]).
الحُجج الواردة في الشفاء هي حُجج الحادي، ولا حاجة إلى تكرارها هنا. بيد أن ابن القيّم في الشفاء يبحث عما يترتب بالضرورة على صفات الله بطريقةٍ أكثر حدةٍ وتعقيدًا. كما رأينا آنفًا، يرى ابن القيّم أن الرحمة والرضا من صفات الله الجوهريَّة؛ بينما الغضب والسخط ليسا كذلك. ومِن ثَم، فإن ما ينتج بالضرورة على غضب الله؛ أي جهنم، لا يدوم إلى الأبد. الآن، ماذا لو فُهم أن العقاب لا ينبع من صفة الغضب غير الجوهريَّة لدى الله، بل بالضرورة على عدله، وعزته، وحِكمته؟ أليس العذاب إذًا أبديًّا؛ لأنه ينبع من هذه الصفات الجوهريَّة لله؟ يرفض ابن القيّم هذا الاستنتاج؛ بل يجادل بأن هذه الصفات فاعلةٌ بشكلٍ كاملٍ حتى بعد بلوغ العذاب مقاصده. لا يعني ذلك أن صفات الله المُتمثلة في العدل، والعزة، والحِكمة لم تعد فاعلة عند انتهاء العذاب، بل إن عدل الله، وعزته، وحِكمته هي التي تُقرر متى يُمكن إنهاء العذاب على أفضل وجه. إن العذاب يقع كليًا ضمن نطاق هذه الصفات، والتي بدورها تقع ضمن نطاق رحمة الله. وهذا ما يقوله ابن القيّم:
"فإن قيل: فإنّ العذاب صادرٌ عن عزّته، وحكمته، وعدله، وهذه أسماء حسنى وصفاتُ كمالٍ؛ فيدوم ما صدر عنها بدوامها. قيل: لعَمرُ الله؛ إن العذاب صدر عن عزّةٍ، وحِكمة، وعدل، وانتهاؤه عند حصول المقصود منه يصدر عن عزّةٍ، وحِكمة، وعدلٍ([30])؛ فلم يَخرج العذاب ولا انقطاعه عن عزّته، وحكمته، وعدله؛ ولكن عند انتهائه؛ تكون عزّة ًمقرونةً برحمةٍ، وحِكمة مقرونةً بجودٍ، وإحسانٍ، وعفوٍـ وصفحٍ، فالعزّة والحِكمة لم تزولا ولم تنقصا؛ بل يصدر جميع ما خلقه ويخلقه، وأمر به ويأمر: عن عزّته وحكمته" (ص562).
وبصرف النظر عن هذا، فأبرز مادةٍ جديدةٍ في كتاب الشفاء تأتي في نهاية مناقشة ابن القيّم. يروي هنا لقاءه مع ابن تيميَّة الذي أثمر "مُصنفه المشهور"، فناء النار - وقد اقتُبِس هذا المقطع سابقًا - ثمّ يُقدّم وجهة نظره. كما رأينا، يختم ابن القيّم بحثه في كتاب الحادي بالاستشهاد بعَلِيّ بن أبي طَالب، تاركًا مسألةَ جهنم لإرادة الله بالمُختصر الشديد. في كتاب الشفاء، يجعل هذه اللاأدريَّة أكثر وضوحًا في سياق اقتباسه أقوالًا أخرى لعددٍ من السلف:
"وأنا في هذه المسألة على قول أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طَالب، رضي الله عنه، فإنه ذكر دخول أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ، ووصف ذلك أحسن صفة، ثم قال "ويفعل الله بعد ذلك في خلقه ما يشاء". وعلى مذهب عَبد الله بن عَباس، رضي الله عنهما، حيث يقول: "لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على الله في خلقه ولا يُنزلهم جنةً ولا نارًا"، وذكر ذلك في تفسير قوله: )قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ( [الأنعام: 128]. وعلى مذهب أبي سعيد الخدريّ، حيث يقول: "انتهى القرآن كله إلى هذه الآية: )إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ( [هود: 107]". وعلى مذهب قتادة، حيث يقول: "في قوله: )إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ(: الله أعلم بتبينه على ما وقعتْ". وعلى مذهب ابن زيد، حيث يقول: "أخبَرَنا الله بالذي يشاء لأهل الجنة، فقال: )عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( [هود: 108]، ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار". والقول بأن النار وعذابها دائمٌ بدوام الله خبرٌ عن الله عز وجل بما يفعله، فإن لم يكن مُطابقًا لخبره عن نفسه بذلك؛ وإلا كان قولًا عليه بغير علمٍ، والنصوص لا تُفْهِم ذلك، والله أعلم"(ص565).
في نهاية هذا المقطع من الشفاء، يُبطل ابن القيّم الحُجج الكلاميَّة لأبديَّة جهنم من أبديَّة الله؛ لأنها تفتقر إلى أي أساس في النصوص المُعتمدة. بيد أنه ليس لديه أيضًا نصٌ من القُرآن والحديث يُفيد قطعًا أن جهنم ستنقرض. ولنقتبس مرةً أخرى قول ابن زيد: "لم يُخبرنا [الله] بالذي يشاء لأهل النار". علاوةً على ذلك، فابن القيّم، باتّباعه ابن تيميَّة؛ لا يجد أي ٍإجماع بين السلف في هذه المسألة، وغنيٌّ عن القول أن إجماع السُّنَّة الكلاسيكيّ على أبديَّة جهنم لا يهمه.
ما يملكه ابن القيّم هو ثلاثة أمور. أولها: لديه رواياتٌ عن صحابة النَّبِيّ أمثال عُمر وأبي هريرة تُشير إلى أن كلهم سيخرجون من جهنم في نهاية المطاف. ثانيها: لديه روايات عن عَلِيّ وابن عَباس وغيرهما يتركون الأمر إلى مشيئة الله. أخيرًا، لديه حُججٌ كلاميَّةٌ قويَّةٌ نابعةٌ من رحمة الله وحكمته بأن جهنم ستفنى. كان بإمكان ابن القيّم استخدام حُججه الكلاميَّة لترجيح كفة الميزان لصالح روايات الصحابة على فناء جهنم؛ لكنه لم يفعل ذلك. بدلًا من ذلك، في الشفاء، كما في الحادي، يُنحي جانبًا حُججه الكلاميَّة ويتخذ موقفًا من الرواية اللاأدريَّة الواردة عن السلف: يجب ترك بقاء جهنم من فنائها لمشيئة الله التي لا تُدرك. بيد أنه يبدو أن ابن القيّم غير راضٍ تمامًا عن هذا الموقف. في عمل لاحق، يُرجّح كفة الميزان في الاتجاه الآخر.
السلفيَّة والعالميَّة الكلاميَّة في مُختصر الصواعق المُرسَلة
يُعدّ كتاب ابن القيّم، الصواعق المُرسَلة، عملًا كلاميًا موسّعًا كُتب بعد كتاب الحادي. كان مُحقق كتاب الصواعق، عَلِيّ بن مُحَمَّد الدخيل الله، هو من اكتشف الملاحظة على مخطوطة كتاب الحادي التي تُؤرّخه إلى سَنة 745هـ/1344–1345م التي ذُكرتْ آنفًا. وهكذا، يَخلص الدخيل الله إلى أن كتاب الصواعق لا بدّ أنه كُتب بعد كتاب الحادي وبعد ذلك التأريخ. بيد أن كتاب الصواعق ليس آخر أعمال ابن القيّم قبل وفاته سَنة 751هـ/1350م؛ إذ ورد ذكره بدوره في كتابيْن لاحقيْن([31]). بالإضافة إلى ذلك، يفترض جوزيف بيل (Joseph Bell) أن كتاب الصواعق قد كُتب بعد كتاب الشفاء([32]).
لا تحتوي النسخة المنشورة من كتاب الصواعق والمخطوطات التي بُنيت عليه إلا على النصف الأول من العمل. ولم يتمكن المُحقق الدخيل الله من العثور على أيّ مخطوطاتٍ تحتوي على النصف الأخير. وبما أن النصف الأول لا يُناقش مدة جهنم؛ فإننا نعلم فحسب أن ابن القيّم يُعالج هذه المسألة في كتاب الصواعق من خلال دراسة مُختصر الصواعق المُرسَلة، وهو اختصار لـكتاب الصواعق كاملًا بقلم معاصر ابن القيّم، مُحَمَّد بن الموصليّ (ت. 774هـ/1372م)([33]).
التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان بوسعنا الاعتماد على كتاب مُختصر الصواعق، وهو بحد ذاته عملٌ ضخم، لنقل فهمٍ كافٍ لنص ابن القيّم الأصليّ ومقصده؟ يُقارن مُحققا كلٍّ من الصواعق ومُختصر الصواعق الكتابيْن لتقييم طبيعة اختصار ابن الموصليّ للجزء المتبقي من الأول. من المفهوم أن يشعر الدخيل الله، بصفته مُحققًا لأربعة مجلداتٍ ضخمةٍ من الصواعق، بالقلق إزاء الكم الهائل من المواد الشيّقة التي حُذفتْ في مُختصر الصواعق، لكنه لا يتهم ابن الموصليّ بالمساس بالنص المُتبقي أو حُجة ابن القيّم الشاملة([34]). يلاحظ مُحقق مُختصر الصواعق، الحَسن بن عَبد الرحمن العلويّ، أن الموصليّ غالبًا ما يُسقط أو يجمع جوانب من حُجج ابن القيّم وأحيانًا يحذف أقسامًا بأكملها؛ لكنه نادرًا ما يُضيف ملاحظةً خاصةً به أو يُعيد ترتيب النص([35]). باختصار، لا يُمكننا أن نعرف على وجه التحديد كيف اختصر ابن الموصليّ المادة المُتعلقة بجهنم في الصواعق؛ لكن مع هذا التأهيل المُستحَق؛ يبدو أن مُختصر الصواعق يُوفر وصولًا موثوقًا به بدرجةٍ كافيةٍ إلى الخطوط الرئيسة لفِكر ابن القيّم بما يستحق الدراسة الجادة. ولأجل عدم التطويل؛ سأُشير من الآن فصاعدًا إلى كتاب مُختصر الصواعق بوصفه عملًا لابن القيّم.
يُناقِش ابن القيّم مدة جهنم في كتاب مُختصر الصواعق في النصف الأخير من بحثٍ مطوّلٍ حول مشكلة الشر (ص544-690، بعد الوجه 53 من "الطاغوت" الثاني). أسلوبه هنا أكثر سلاسةً مما هو عليه في كتابي الحادي أو الشفاء؛ فلم يعد يعتمد على رسالة فناء النار لابن تيميَّة في بناء حُجته. وهذا يُؤكد الدليل المذكور آنفًا على أن الصواعق أحدث من كتابي الحادي والشفاء.
يُوضح ابن القيّم أن غرض الله الحكيم من خلق إبليس وغيره من مروجي الشر هي تمييز الخير من الشر، ومنح المؤمنين منعةً لهم لكي يُجاهدون في سبيل الله. بيد أنه يُعترض على ذلك بأن هذا لا يعود بالنفع على إبليس وأتباعه، ولا الكافرين الذين قُدِّموا لأداء أدوارٍ مُجردةٍ في تدبير الله (ص625-631). يردّ ابن القيّم على هذا الاعتراض في اثنيْن وعشرين نقطةً. لا تتناول النقطتان الأوليتان (ص631-641) والأربع الأخيرة (ص686-690) مباشرةً مدة جهنم، ولا داعي لإطالة الحديث عنها. أما النقاط الست عشرة التالية، فتستعرض كامل نطاق الحُجج التي طُوّرت في الحادي والشفاء ضد أبديَّة جهنم وفنائها، لتُظهر أن الجميع سيستفيدون في نهاية المطاف من تدبير الله في الدنيا. لم يُصرّح ابن القيّم قطّ بدخول إبليس الجنة؛ لكن هذا ضمنيّ (ص642-685).
على نحوٍ عام، فإن حُجج ابن القيّم في مُختصر الصواعق تنتقل من الجانب الكلاميّ إلى الجانب النصيّ. يبدأ النقاش بالوجه الثالث المطوّل الذي يُؤكد أن رحمة الله تعم كل شيء (ص642-663). لم يُدحض الإجماع المزعوم على أبديَّة جهنم إلا في الوجه السابع عشر (ص680-681). وعلى طول الطريق، يستشهد ابن القيّم بأقوال السلف الصالح، ويُفسِّر النصوص القُرآنيَّة اللازمة. فيصف جهنم بأنها سوطٌ خلقه الله "يسوق بها عباده إلى رحمته وجنته" (ص664)، ويُوضح أن أسباب الشرور ومقاصدها تفنى، ولا يبقى إلا ما يُراد به وجه الله (ص ص670-671). في نهاية الوجه العاشر، يُلّخص ابن القيّم حُجته الكلاميَّة الأساسيَّة:
"فهذه الوجوه وغيرها تُبيّن أن الحِكمة والمصلحة في خلق النار تقتضي بقاءها ببقاء السبب والحِكمة التي خُلقت له، فإذا زال السبب وحصلت الحِكمة؛ عاد الأمر إلى السابقة الغالبة الواسعة" (ص671).
حُجةٌ جديدةٌ في مُختصر الصواعق لم أجدها في الحادي أو الشفاء تُبرز ظُلم مُعاقبة الكفر بجهنم الأبديَّة. يُؤكد ابن القيّم أن إخضاع المرء لعذابٍ أبديٍّ على كُفرٍ وشركٍ محدودي المدة يتعارض مع عدل الله ورحمته([36]). قد يُعترض بأن العذاب الأبديّ يليق بمن ينوي على الأقل الاستمرار في الكفر والشرك إلى الأبد. يردّ ابن القيّم أن هذا لا ينفع أحدًا؛ بل إنه واثقٌ من أن ألم العذاب سيُحقق النتيجة المرجوة: "ليس في الطبيعة الإنسانيَّة الإصرار على تلك الأسباب [الكفر] وإيثارها بعد طول التألم الشديد بها" (ص656-658، اقتباس من 658).
في مُختصر الصواعق، يذكر ابن القيّم أيضًا الخيار اللاأدريّ بشأن مدة العذاب الذي قدّمه بمثابة وجهة نظره الخاصة في الحادي والشفاء. بيد أنه هذه المرة يَبرز في بداية مناقشته، في نهاية الوجه الثالث حول رحمة الله. هنا، لا يُسلِّم ابن القيّم الأمر إلى إرادة الله، بل إنه يُوبخ أولئك الذين لا يتبعون حُججه الكلاميَّة والعقليَّة إلى استنتاجاتها المنطقيَّة، ويُقنع، بل ويتحدى، قارئه على الإيمان الجازم بأن كلّ عذابٍ سينتهي. تظل اللاأدريَّة خيارًا فقط لأولئك الذين يفتقدون إلى البصيرة:
"أن الذين قالوا: عذاب الكفار مصلحةٌ لهم ورحمةُ لهم حاموا حول هذا المعنى، ولم يقتحموا لُجته؛ وإلا فأي مصلحةٍ لهم في عذابٍ لا ينقطع، وهو دائمٌ بدوام الرب تعالى، فتأمل هذا الوجه حق التأمل وأعطه حقه من النظر، واجمع بين ذلك وبين معاني أسمائه وصفاته، وما دل عليه كلام الله وكلام رسوله، وما قاله الصحابة ومن بعدهم، ولا تُبادر إلى القول بلا عِلمٍ ولا إلى الإنكار، فإن أسفر لك صُبح الصواب؛ وإلا فردَ الحُكم إلى ما رده الله إليه بقوله: )إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ( [هود: 107]، وتمسك بقول عَلِيّ بن أبي طَالب رضي الله عنه، وقد ذكر دخول أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ، ووصف حالهم ثم قال: "ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء"" (ص663).
لتأكيد هذا التحدي: يدعو ابن القيّم قُرائه إلى الجمع بين الأدلة العقليَّة من أسماء الله وصفاته، وأدلة الوحي والسلف، والاعتبارات العقلانيَّة في النفع؛ ليستنتجوا أن العذاب زائلٌ لا محالة. ولا نفع نهائيٍّ إلا للكافرين في الخلاص الشامل. وأولئك الذين لم يُدركوا ذلك بَعدُ؛ فينصحهم ابن القيّم بتسليم الأمر لإرادة الله. من الجليّ أن ابن القيّم قد تجاوز هاجسه، وهو الآن يُؤمن بأن العذاب الأبديّ زائلٌ لا محالة، وأن جهنم زائلة. وبهذا، يُواصل في مُختصر الصواعق، عارضًا خمسة عشر وجهًا أخرى تدعم هذا الرأي.
الخاتمة
في تأملاته حول مدة جهنم، اعتمد ابن قيّم الجوزية على تفسيرٍ سلفيٍّ ومجموعةٍ من التفسيرات السلفيَّة من شيخه ابن تيميَّة. يرى كلا العالميْن أن التفسير يحول دون منح السُلطة لأي إجماع لاحق على الأجيال الثلاثة الأولى من المسلمين؛ إذ لا يُلزَم إلا إجماع السلف. وبما أن هذا الإجماع غير موجودٍ في شأن أبديَّة جهنم؛ فإجماع السُّنَّة في هذه المسألة موضع تساؤل. علاوةً على ذلك، تُشير بعض الروايات عن الصحابة إلى انتهاء عذاب جهنم؛ بينما تترك روايات أخرى الأمر لإرادة الله.
كما يتبنى ابن القيّم نظريَّة ابن تيميَّة في التفاؤل. ففي نهاية المطاف، كل شيءٍ خيرٌ بفضل حِكمة الله، ورحمته تعم الكل. جهنم دواءٌ عظيمٌ يُطهِر ويُصلح حتى الكافرين والمشركين. يُفصّل ابن القيّم هذه الحُجج بشكلٍ أكثر تفصيلًا من شيخه، لكنه يتردد في كتابيه الحادي والشفاء في تبنيها بشكلٍ قاطعٍ، بل يترك مسألة مدة جهنم لإرادة الله؛ مُتبعًا رواياتٍ مُختلفةٍ عن السلف تُعبّر عن اللاأدريَّة، تاركًا جانبًا بعض روايات الصحابة التي تُشير إلى انتهاء عذاب جهنم. في كتابه اللاحق مُختصر الصواعق المُرسَلة، يتخلى ابن القيّم عن تحفظه ويتبع الحُجة الكلاميَّة من رحمة الله إلى نتيجتها المنطقيَّة وهي أن عذاب جهنم سينتهي للجميع. إن غلبة رحمة الله ومنطق التعافي العلاجيّ يتفوقان تمامًا على منطق القصاص الكامن في عقيدة أبديَّة جهنم.
سواء أكان ابن القيّم اتخذ موقفًا لا أدريًّا بشأن مدة جهنم وعذاب الكافرين فيها أم دافع كلاميًّا عن عالميَّة إسلاميَّة بلا تحفظ، فإنه يعتمد على تأويله السلفيّ لتجاوز الإجماع الكلاسيكيّ الراسخ على أبديَّة جهنم. هذه خطوةٌ شجاعةٌ، خاصّةً وأن ابن القيّم يقف بوضوحٍ على كتفي ابن تيميَّة. لم يجد النهج السلفيّ للسُلطة الدينيَّة صدى يُذكر في المجتمع الإسلاميّ في عصر ابن القيّم ولعدة قرونٍ بعده. بيد أنه استُخدم على نطاقٍ واسع في العصر الحديث، وهو عصرٌ اتسم بالعقلانيَّة، وإزاحة السُلطة التقليديَّة، ورغبة المُتدينين في العودة إلى المصادر الأصليَّة للإيمان. بالنسبة إلى ابن القيّم الجوزية، وكذلك إلى السلفيين المعاصرين، يُقدِّم السلف مصدرًا بديلًا للسُلطة يُمكن من خلاله تقويض السُّنَّة الكلاسيكيَّة وداعميها. وكما نتعلم من تأملات ابن القيّم حول مدة جهنم، فإن هذا يُمكن أن يفتح آفاقًا مثيرة للاهتمام للتأمل الكلاميّ.
قائمة المصادر والمراجع:
أولًا: المصادر والمراجع باللغة العربيَّة:
- أحمد، سالم عَبد الرزاق، فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل، ط2، 8 مجلدات (بغداد: وزارة الأوقاف والشؤون الدينيَّة، 1982-1983م).
- أسماء مؤلفات ابن تيميَّة، تحقيق: صلاح الدين المنجد (دمشق: مطبعة المجمع العلميّ العربيّ، 1953م).
- الأشقر، عُمر سُليمان عَبد الله، الجنة والنار (القاهرة: دار السلام، 1426هـ/2005م [1406هـ/1986م]).
- ابن الأمير، مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير الصنعانيّ، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، تحقيق: مُحَمَّد ناصر الدين الألبانيّ (بيروت: المكتب الإسلاميّ، 1405هـ/1984م).الإيجيّ، عضد الدين عَبد الرحمن بن أحمد، كتاب المواقف (مع شرح الجُرجانيّ)، 3 مجلدات (بيروت: دار الجليل، 1417هـ/1997م).
- ابن تيميَّة، الرد على من قال بفناء الجنة والنار، تحقيق: مُحَمَّد بن عَبد الله السمهريّ (الرياض: دار البلنسيَّة، 1415هـ/1995م).
- الحربيّ، عَلِيّ بن عَلِيّ جابر، كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن قيّم الجوزيَّة (مكة: دار طيبة، 1410هـ/1990م).
- ابن حَزم، مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات {والاعتقادات}، الطبعة 13 (بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1402هـ/ 1982م).
- الحمويّ، ياقوت بن عَبد الله، كتاب معجم البلدان، 10 أجزاء (القاهرة: مطبعة السعادة، 1324هـ/ 1906م).
- الحميد، عَبد الكريم بن صالح، الإنكار على من لم يعتقد خلود وتأبيد الكفار في النار (بريدة، المملكة العربيَّة السعوديَّة: مركز النُجيديّ، 1422هـ/2001م).
- خان، مُحَمَّد محسن (ترجمة)، صحيح البخاريّ: العربيَّة-الإنجليزيَّة (المدينة المنورة: دار الفكر، دون تأريخ).
- الرازيّ، فخر الدين، التفسير الكبير للإمام الفخر الرازيّ (القاهرة: مطبعة البهيَّة المصريَّة، 1357هـ/1938م).
- "___"، مُحصّل أفكار المُتقدمين والمُتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين، تحقيق: طه عَبد الرؤوف سَعد (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهريَّة، دون تأريخ).
- ابن رُشيق المغربيّ، أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة، في كتاب الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيميَّة (661-728هـ) خلال سبعة قرون، تحقيق: مُحَمَّد عزير شمس وعَلِيّ بن مُحَمَّد عِمران (مكة: دار عالم الفوائد، 1420هـ/1999~2000م).
- السُّبكيّ، أبو الحَسن عَلِيّ تقيّ الدين، الاعتبار ببقاء الجنة والنار، تحقيق: طه الدسوقيّ حُبيشيّ (القاهرة: مطبعة الفجر الجديد، 1987م).
- صديق، عَبد الحميد صديق، صحيح مسلم (الرياض: دار النشر الإسلاميَّة العالميَّة، بدون تأريخ).
- الصفديّ، صلاح الدين خليل بن أيبك، أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق: عَلِيّ أبو زيد وآخرون، 6 مجلدات. (بيروت: دار الفكر المُعاصر، 1418هـ/1998م).
- "___"، كتاب الوافي بالوفيات، المجلد السابع، تحقيق: إحسان عَباس (فيسبادن: فرانز شتاينر، 1969).
- العميد، سيف الدين، أبكار الأفكار في أصول الدين، تحقيق: أحمد مُحَمَّد المهديّ، 5 مجلدات. (القاهرة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميَّة، 1425-1423هـ/2002-2004م).
- القُرطبيّ، شمس الدين أبو عَبد الله مُحَمَّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج، التذكرة {بأحوال} الموتى وأمور الآخرة (صيدا/بيروت: المكتبة العصريَّة، 1426هـ/2005م).
- ابن قيّم الجوزيَّة، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، تحقيق: طه عَبد الرؤوف سَعد (القاهرة: دار إحياء الكتب العربيَّة، دون تأريخ).
- "___"، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتأويل، تحقيق: السيد مُحَمَّد السيد وسَعد محمود (القاهرة: دار الحديث، 1414هـ/1994م).
- "___"، كتاب الصواعق المرسلة على الجهميَّة والمُعطلة، تحقيق: عَلِيّ بن مُحَمَّد الداخل الله، 4 مجلدات، ط1 (الرياض: دار العاصمة، 1408هـ/1987-1988م).
- "___"، مُختصر الصواعق المُرسلة على الجهميَّة والمُعطلة، اختصار مُحَمَّد بن الموصليّ، تحقيق: الحَسن بن عَبد الرحمن العلويّ (الرياض: مكتبة أضواء السلف، 1425هـ/2004م).
- الكتبيّ، مُحَمَّد بن شاكر، فوات الوفيات والذيل عليها، تحقيق: إحسان عَباس (بيروت: دار صادر، 1973م)؟
- ابن كثير، أبو الفداء، البداية والنهاية، المجلد الرابع عشر. (بيروت: مكتبة المعارف، 1966م).
- عَبد الهاديّ، مُحَمَّد بن أحمد، العقود الدريَّة من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيميَّة (بيروت: دار الكتب العلميَّة، دون تأريخ).
- المناعيّ، عائشة بنت يُوسف المناعيّ، "عقيدة فناء النار بين ابن عربيّّ وابن تيميَّة وابن القيّم"، مجلة مركز بحوث السُّنَّة والسِّيرة (جامعة قطر) 11 (2004م): ص85-141.
- النويريّ، شهاب الدين أحمد بن عَبد الوهاب النويريّ، نهاية الأرب في فنون الأدب، المجلد الثالث والثلاثين، تحقيق: مصطفى حجازي (القاهرة: مطبعة دار الكتب المصريَّة، 1997م).
ثانيًا: المصادر والمراجع باللغات الأجنبيَّة:
- Joseph Norment Bell, Love Theory in Later Ḥanbalite Islam (Albany, NY: State University of New York Press, 1979).
- Caterina Bori, Ibn Taymiyya: una vita esemplare Analisi delle fonti classiche della sua biografia, Supplemento N. 1., Rivista Degli Studi Orientali, Vol. 76 (Pisa/Roma: Istituti Editoriali e Poligrafici Internazionali, 2003).
- Earl Edgar Elder, trans., A Commentary on the Creed of Islam: Sa‘d al-Dīn al-Taftāzānī on the Creed of Najm al-Dīn al-Nasafī (New York: Columbia University Press, 1950).
- Jane Idleman Smith and Yvonne Yazbeck Haddad, The Islamic Understanding of Death and Resurrection (Albany, NY: State University of New York Press, 1981).
- Jon Hoover, Ibn Taymiyya's Theodicy of Perpetual Optimism (Leiden: Brill, 2007)
- Mohammad Hashim Kamali, Principles of Islamic Jurisprudence, Revised ed. (Cambridge, UK: The Islamic Texts Society, 1991).
- Khalil's, “Muslim Scholarly Discussions on Salvation and the Fate of ‘Others’” (Ph.D. diss., University of Michigan, 2007).
- Henri Laoust, Essai sur les doctrines sociales et politiques de Taḳī-d-Dīn Aḥmad b. Taimīya, canoniste ḥanbalite néà Ḥarrān en 661/1262, mort à Damas en 728/1328 (Cairo: Imprimerie de l’institut français d’archéologie orientale, 1939).
- Abdul Hakim I. al-Matroudi, The Ḥanbalī School of Law and Ibn Taymiyyah: Conflict or Conciliation (London: Routledge, 2006).
- Moshe Perlmann, “Ibn Qayyim and the Devil,” in Studi Orientalistici in onore di Giorgio Levi della Vida, vol. 2 (Rome: Istituto per l’oriente, 1956).
- Ṣoubḥī el-Ṣāleḥ, La Vie future selon le Coran (Paris: J. Vrin, 1971).
- Gino Schallenbergh, “The Diseases of the Heart: A Spiritual Pathology by Ibn Qayyim al-Ğawzīya,” in Egypt and Syria in the Fatimid, Ayyubid and Mamluk Eras: Proceedings of the 6th, 7th and 8th International Colloquium organized at the Katholieke Universiteit Leuven in May 1997, 1998 and 1999, ed. U. Vermeulen and J. Van Steenbergen (Leuven: Peeters, 2001).
- Fuat Sezgin, Geschichte des arabischen Schrifttums (Leiden: Brill, 1967–).
- W. Montgomery Watt, trans., Islamic Creeds: A Selection (Edinburgh, UK: Edinburgh University Press, 1994).
- Bernard G. Weiss, The Search for God's Law: Islamic Jurisprudence in the Writings of Sayf al-Dīn al-Āmidī (Salt Lake City, UT: University of Utah Press, 1992).
([1]) انظر: ويليام مونتغومري واط، العقيدة الإسلاميَّة، W. Montgomery Watt, trans., Islamic Creeds: A Selection (Edinburgh, UK: Edinburgh University Press, 1994)، للاطلاع على هذه العقيدة في الأنساق السُّنِّيَّة: الطحاويّ (ت. 321هـ/933م) (ص53-54)، والغزّاليّ (ت. 505هـ/1111م) (ص78)، والنسفيّ (ت. 537هـ/1142م) (ص82)، والإيجيّ (ت. 756هـ/1355م) (ص88). انظر: إيرل إدغار إلدر، شرح سعد الدين التفتازانيّ على عقيدة نجم الدين النسفيّ، Earl Edgar Elder, trans., A Commentary on the Creed of Islam: Sa‘d al-Dīn al-Taftāzānī on the Creed of Najm al-Dīn al-Nasafī (New York: Columbia University Press, 1950), 104–115؛ للاطلاع على شرح التفتازانيّ (ت. 793هـ/1390م) لأساس هذه العقائد.
([2]) مُحَمَّد هاشم كماليّ، أصول الفقه الإسلاميّ، Mohammad Hashim Kamali, Principles of Islamic Jurisprudence, Revised ed. (Cambridge, UK: The Islamic Texts Society, 1991), 168ff.؛ وبرنارد ج. فايس، البحث عن شريعة الله: الفقه الإسلاميّ في كتابات سيف الدين العميد، Bernard G. Weiss, The Search for God's Law: Islamic Jurisprudence in the Writings of Sayf al-Dīn al-Āmidī (Salt Lake City, UT: University of Utah Press, 1992), 181ff., especially 210–211..
([3]) انظر، على سبيل المثال، ابن حَزم، مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات {والاعتقادات}، الطبعة 13 (بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1402هـ/ 1982م)، ص193؛ وسيف الدين العميد، أبكار الأفكار في أصول الدين، تحقيق: أحمد مُحَمَّد المهديّ، 5 مجلدات. (القاهرة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميَّة، 1425-1423هـ/2002-2004م)، 4/360؛ وفخر الدين الرازيّ، مُحصّل أفكار المُتقدمين والمُتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين، تحقيق: طه عَبد الرؤوف سَعد (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهريَّة، دون تأريخ)، ص237؛ وشمس الدين أبو عَبد الله مُحَمَّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج القُرطبيّ، التذكرة {بأحوال} الموتى وأمور الآخرة (صيدا/بيروت: المكتبة العصريَّة، 1426هـ/2005م)، 2/149؛ وعضد الدين عَبد الرحمن بن أحمد الإيجيّ، كتاب المواقف (مع شرح الجُرجانيّ)، 3 مجلدات (بيروت: دار الجليل، 1417هـ/1997م)، 3/397، وجاء فيه: "أجمع المسلمون على أن الكفار مُخلدون في النار أبدًا، لا ينقطع عذابهم".
([4]) فخر الدين الرازيّ، التفسير الكبير للإمام الفخر الرازيّ (القاهرة: مطبعة البهيَّة المصريَّة، 1357هـ/1938م)، 18: 63-67، في شرح سورة هود، الآية 107. بعد استعراض الأدلة النصيَّة والعقليَّة للقائلين "إن عذاب الكفار مُنقطع ولها نهاية"؛ يُقيّم الرازي حجج "الجمهور" الذين "اتفقوا على أن عذاب الكافر دائم" (ص63).
([5]) كما هو موضح، على سبيل المثال، في عَلِيّ بن عَلِيّ جابر الحربيّ، كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن قيّم الجوزية (مكة: دار طيبة، 1410هـ/1990م)، ص34-43؛ وعَبد الكريم بن صالح الحميد، الإنكار على من لم يعتقد خلود وتأبيد الكفار في النار (بريدة، المملكة العربيَّة السعوديَّة: مركز النُجيديّ، 1422هـ/2001م)، ص138، وغيرها؛ وعائشة بنت يُوسف المناعيّ، "عقيدة فناء النار بين ابن عربيّ وابن تيميَّة وابن القيّم"، مجلة مركز بحوث السُّنَّة والسِّيرة (جامعة قطر) 11 (2004م): ص85-141. أنا ممتنٌ لـغريغوري ليبتون (G. A. Lipton)؛ لأنه لفت انتباهي إلى الإشارة الأخيرة. يُحدد الحربيّ، كشف الأستار، ص49-52، أيضًا أربعة نصوصٍ في كتابات ابن القيّم تُؤكد، في تقديره، أبديَّة جهنم بشكلٍ لا لبس فيه. على الرغم من أنه لا يُمكن استبعاد هذه النصوص؛ فإنها قصيرةٌ جدًّا، ولا تتناول المسألة بتمعّن. أقوم بإعداد دراسةٍ مُستقلةٍ عن حُجج الحربيّ.
([6]) ابن قيّم الجوزية، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتأويل، تحقيق: السيد مُحَمَّد السيد وسَعد محمود (القاهرة: دار الحديث، 1414هـ/1994م). ستظهر إشارات إلى الشفاء في المتن.
([7]) فيما يتعلق بعبد بن حَميد؛ انظر: فؤاد سيزجين، تأريخ الأدب العربيّ، Fuat Sezgin, Geschichte des arabischen Schrifttums (Leiden: Brill, 1967–), 1/113. لم يذكر سيزجين أي مخطوطاتٍ موجودة لعبد بن حَميد.
([8]) ياقوت بن عَبد الله الحمويّ، كتاب معجم البلدان، 10 أجزاء (القاهرة: مطبعة السعادة، 1324هـ/ 1906م)، 6/99.
([9]) ابن قيّم الجوزية، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، تحقيق: طه عَبد الرؤوف سَعد (القاهرة: دار إحياء الكتب العربيَّة، دون تأريخ)، ص307–341، في الفصل 67
([10]) هذه المعلومات موجودة في فهرس مجموعة مخطوطات مكتبة الموصل للأوقاف العامة، جمع سالم عَبد الرزاق أحمد، فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل، ط2، 8 مجلدات (بغداد: وزارة الأوقاف والشؤون الدينيَّة، 1982-1983م)، 2/31 (م2/6). جرى الانتهاء من نسخ مخطوطة الحادي سَنة 1280هـ/1863-1864م.
([11]) مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير الصنعانيّ، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، تحقيق: مُحَمَّد ناصر الدين الألبانيّ (بيروت: المكتب الإسلاميّ، 1405هـ/1984م).
([12]) الحربيّ، كشف الأستار، ص ص77 – 78
([13]) بنيامين أبراهاموف، خلق الجنة والنار ومدتهما في الكلام الإسلاميّ، Binyamin Abrahamov, “The Creation and Duration of Paradise and Hell in Islamic Theology,” Der Islam 79 (2002): 87–102, especially 95ff. توصلت دراستان سابقتان إلى النتيجة ذاتها بشأن ابن القيّم. يعرض كتاب صبحي الصالح، الحياة المستقبليَّة بعد القُرآن، Ṣoubḥī el-Ṣāleḥ, La Vie future selon le Coran (Paris: J. Vrin, 1971), 56–60، حُجج ابن القيّم في كتابه الحادي، ويخلص إلى أنه يُؤكد فناء النار. ويستعرض كلٌ من جين إيدلمان سميث وإيفون يزبك حداد، في كتابهما الفهم الإسلاميّ للموت والبعث، Jane Idleman Smith and Yvonne Yazbeck Haddad, The Islamic Understanding of Death and Resurrection (Albany, NY: State University of New York Press, 1981)، حُجج ابن القيّم في كتابه الحادي بإيجازٍ، ويذكران بالمثل أنه يُفضّل "فناء النار في نهاية المطاف" (ص94). بيد أن سميث وحداد يستنتجان خطًأً أن هذه هي العقيدة السائد لدى الأمة الإسلاميَّة جمعاء (ص95، 220، هامش 98).
([14]) ابن تيميَّة، الرد على من قال بفناء الجنة والنار، تحقيق: مُحَمَّد بن عَبد الله السمهريّ (الرياض: دار البلنسيَّة، 1415هـ/1995م). يُناقش السمهريّ صحة العمل في الصفحات 12-16. أتقدم بالشكر لمُحَمَّد حَسن خليل على لفت انتباهي إلى هذا النص وإتاحته لي. يتناول كتاب خليل، مناقشات علماء المسلمين حول النجاة ومصير الآخرين، Khalil's, “Muslim Scholarly Discussions on Salvation and the Fate of ‘Others’” (Ph.D. diss., University of Michigan, 2007), 105–166، بعضًا من الموضوع نفسه الذي تتناوله هذه المقالة؛ لكن مع اختلافٍ في الاهتمامات والرؤى. في تأريخٍ سابق (1405هـ/1984م)، نشر مُحَمَّد ناصر الدين الألبانيّ جزءًا من فناء النار في مقدمة طبعته من الصنعانيّ، رفع الأستار، 9-14 (الموافق لطبعة السمهريّ، 52-57، 80-83)، مع صورٍ للمخطوطة المصدر في ص53-55
([15]) كاترينا بوري، ابن تيميَّة: حياة أنموذجيَّة لتحليل الخطوط الكلاسيكيَّة لسيرته الذاتيَّة، Caterina Bori, Ibn Taymiyya: una vita esemplare Analisi delle fonti classiche della sua biografia, Supplemento N. 1., Rivista Degli Studi Orientali, Vol. 76 (Pisa/Roma: Istituti Editoriali e Poligrafici Internazionali, 2003), 163. وأنا ممتن للمؤلِّفة لتنبيهي إلى هذه المناقشة.
([16]) ابن رُشيق المغربيّ، أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة، في كتاب الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيميَّة (661-728هـ) خلال سبعة قرون، تحقيق: مُحَمَّد عزير شمس وعَلِيّ بن مُحَمَّد عِمران (مكة: دار عالم الفوائد، 1420هـ/1999~2000م)، ص225. نُسبت قائمة أعمال ابن تيميَّة هذه سابقًا إلى ابن قيّم الجوزية، أسماء مؤلفات ابن تيميَّة، تحقيق: صلاح الدين المنجد (دمشق: مطبعة المجمع العلميّ العربيّ، 1953م). يجادل شمس وعِمران، الجامع، ص8-13، بشكلٍ مُقنعٍ بأن هذا الإسناد غير صحيح؛ وقد جرى تلخيص حُججهما بإيجاز في كتاب جون هوفر، نظرية العدل الإلهيّ عند ابن تيميَّة، Jon Hoover, Ibn Taymiyya's Theodicy of Perpetual Optimism (Leiden: Brill, 2007), 6–7 n. 14. القائمة التي حققها المنجد لا تتضمن الملاحظات المقتبسة من ابن رُشيق هنا. بيد أن القوائم التي حققها المنجد، ص12، وشمس وعمران، الجامع، ص225، تذكر كلهما أن ابن تيميَّة كتب تفسيرًا للاستثناء في الآية، )خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ( [هود: {107}]. تُقدم القائمة في الجامع هذا التفسير وفناء النار على التوالي بوصفهما عمليْن مُنفصليْن.
([17]) صلاح الدين خليل بن أيبك الصفديّ، أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق: عَلِيّ أبو زيد وآخرون، 6 مجلدات. (بيروت: دار الفكر المُعاصر، 1418هـ/1998م)، 1/242، في مدخل ترجمة أحمد بن عَبد الحليم (ابن تيميَّة)، أيضًا في الجامع، ص294. كما ورد ذكر فناء النار في قوائم أخرى لأعمال ابن تيميَّة: مُحَمَّد بن أحمد بن عَبد الهاديّ، العقود الدريَّة من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيميَّة (بيروت: دار الكتب العلميَّة، دون تأريخ)، ص67؛ والصفديّ، كتاب الوافي بالوفيات، المجلد السابع، تحقيق: إحسان عَباس (فيسبادن: فرانز شتاينر، 1969)، ص26، في الجامع، ص317؛ ومُحَمَّد بن شاكر الكتبيّ، فوات الوفيات والذيل عليها، تحقيق: إحسان عَباس (بيروت: دار صادر، 1973م)، 1/78، في الجامع، ص331. بالإضافة إلى ذلك، الصفديّ، كتاب الوافي، والكتبيّ، تتضمن قيام تقيّ الدين السُّبكيّ دحض رسالة ابن تيميَّة. وفقًا لبوري، ابن تيميَّة، Bori, Ibn Taymiyya, 163 n. 130؛ فإن الكتبيّ ينسخ عن الصفديّ.
([18]) اختلف المؤرخان المعاصران ابن كثير والنويريّ في تأريخ هذا الحدث؛ إذ ذكرا التاسع والتاسع عشر من شهر جمادى الآخرة، على التوالي. انظر: أبو الفداء ابن كثير، البداية والنهاية، المجلد الرابع عشر. (بيروت: مكتبة المعارف، 1966م)، 14/134؛ وشهاب الدين أحمد بن عَبد الوهاب النويريّ، نهاية الأرب في فنون الأدب، المجلد الثالث والثلاثين، تحقيق: مصطفى حجازي (القاهرة: مطبعة دار الكتب المصريَّة، 1997م)، ص265، وكذلك في الجامع، ص131
([19]) هكذا يقول الرازي، التفسير، 18/66
([20]) عَبد الحكيم إبراهيم المطروديّ، المذهب الحنبليّ وابن تيميَّة: الصراع أم التوفيق، Abdul Hakim I. al-Matroudi, The Ḥanbalī School of Law and Ibn Taymiyyah: Conflict or Conciliation (London: Routledge, 2006), 57–59, 186–87؛ وهنري لاوست، مقال حول مذاهب تقي الدين أحمد ابن تيميَّة الاجتماعيَّة والسياسة: فقيه حنبليّ ولد في حران سَنة 661هـ/1262م، تُوفي في دمشق سَنة 728هـ/1328م، Henri Laoust, Essai sur les doctrines sociales et politiques de Taḳī-d-Dīn Aḥmad b. Taimīya, canoniste ḥanbalite néà Ḥarrān en 661/1262, mort à Damas en 728/1328 (Cairo: Imprimerie de l’institut français d’archéologie orientale, 1939), 239–242.
([21]) أبو الحَسن عَلِيّ تقيّ الدين السُّبكيّ، الاعتبار ببقاء الجنة والنار، تحقيق: طه الدسوقيّ حُبيشيّ (القاهرة: مطبعة الفجر الجديد، 1987م). لم يذكر السُّبكيّ ابن تيميَّة بالاسم في هذا النص؛ ذكر فقط أن صادف مؤلَّف لأحد المعاصرين (ص56). يذهب المُحقق حُبيشي في ملاحظاته أن السُّبكيّ يردّ على حادي ابن القيّم. هذا ممكن زمنيًا. وكما ذكر أعلاه، هناك أدلةٌ على أن الحادي يعود إلى 745هـ/1344~1345م، أي قبل شهر ذي الحجة 748هـ/1348م بكثير، وهو التأريخ الذي يُخبرنا فيه السُّبكيّ أنه ألّف نصه (ص90). بيد أن الأرجح أن السُبكيّ يردّ مباشرةً على رسالة ابن تيميَّة السابقة فناء النار؛ فمعظم ما ينقله السُبكيّ عن خصمه الجدليّ مُستقى مُباشرةً من رسالة ابن تيميَّة، بما في ذلك نصٌٌ لم يقتبسه ابن القيّم في الحادي. لم يُضف السُبكيّ، فوق ذلك، أيّ شيءٍ من الحادي لم يرد ذكره في فناء النار لابن تيميَّة. لكن يبقى من المُحتمل أن يدحض السُبكيّ فناء النار للطعن في استخدام ابن القيّم له.
([22]) عُمر سُليمان عَبد الله الأشقر، الجنة والنار (القاهرة: دار السلام، 1426هـ/2005م [1406هـ/1986م])، 39
([23]) الأشقر، الجنة، ص ص43-44
([24]) البخاريّ، حديث رقم 6998، كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: )بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ! فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ( (أرقام الحديث هي تلك المستخدمة في http://www.al-islam.com)، النسخة الإنجليزيَّة في مُحَمَّد محسن خان (ترجمة)، صحيح البخاريّ: العربيَّة-الإنجليزيَّة (المدينة المنورة: دار الفكر، دون تأريخ)، 9/482 (رقم 642).
([25]) مسلم، حديث رقم 4941، كتاب التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى، النسخة الإنجليزيَّة في عَبد الحميد صديق، صحيح مسلم (الرياض: دار النشر الإسلاميَّة العالميَّة، بدون تأريخ)، 4/1437
([26]) هوفر، نظريَّة العدل الإلهيّ ابن تيميَّة، Hoover, Ibn Taymiyya's Theodicy, especially 26–29, 70–102, 190–195
([27]) موشيه بيرلمان، ابن القيّم والشيطان، Moshe Perlmann, “Ibn Qayyim and the Devil,” in Studi Orientalistici in onore di Giorgio Levi della Vida, vol. 2 (Rome: Istituto per l’oriente, 1956), 330–337، ليس بذي أهميَّةٍ مُباشرةٍ للدراسة الحاليَّة؛ لكن المقالة تُقدم دليلًا على النظرة العلاجيَّة لابن القيّم. وانظر في هذا الصدد: جينو شالينبرغ، أمراض القلب: علم الأمراض الروحيَّة لابن القيّم الجوزية، Gino Schallenbergh, “The Diseases of the Heart: A Spiritual Pathology by Ibn Qayyim al-Ğawzīya,” in Egypt and Syria in the Fatimid, Ayyubid and Mamluk Eras: Proceedings of the 6th, 7th and 8th International Colloquium organized at the Katholieke Universiteit Leuven in May 1997, 1998 and 1999, ed. U. Vermeulen and J. Van Steenbergen (Leuven: Peeters, 2001), 421–428.
([28]) يُشير الصالح، الحياة المستقبليَّة، El-Ṣāleḥ, La Vie future, 60، إلى تعليق ابن القيّم اللاأدريّ؛ لكنه لا يزال يُؤكد على فناء النار.
([29]) جوزيف نورمنت بيل، نظريَّة المحبة في الإسلام الحنبليّ المتأخر، Joseph Norment Bell, Love Theory in Later Ḥanbalite Islam (Albany, NY: State University of New York Press, 1979), 96, 102.
([30]) عربيَّة هذه الجملة في طبعة الشفاء دار الحديث (القاهرة، 1994م) غير منتظمة، وقد جرى تعديلها بالرجوع إلى طبعة دار الكتب العلميَّة (بيروت، بدون تأريخ)، ص433
([31]) ابن قيّم الجوزية، كتاب الصواعق المرسلة على الجهميَّة والمُعطلة، تحقيق: عَلِيّ بن مُحَمَّد الداخل الله، 4 مجلدات، ط1 (الرياض: دار العاصمة، 1408هـ/1987-1988م). انظر ص ص 82-83 للتعرف على تأريخ الداخل الله لهذا العمل. ذُكرت كلمة الحادي بعنوانها البديل صفة الجنة في الصفحة 1332. أما الكتابان اللاحقان اللذان يذكران الصواعق فهما مدارج السالكين وإغاثة اللهفان لابن القيّم. وهما مطبوعان بعدة طبعاتٍ مُختلفةٍ.
([32]) بيل، نظريَّة المحبة، Bell, Love Theory, 96 and 242 n. 34.
([33]) ابن قيّم الجوزية، مُختصر الصواعق المُرسلة على الجهميَّة والمُعطلة، اختصار مُحَمَّد بن الموصليّ، تحقيق: الحَسن بن عَبد الرحمن العلويّ (الرياض: مكتبة أضواء السلف، 1425هـ/2004م)، ملف pdf، تأريخ الزيارة: يوليو (تموز) 2007م على http://www.archive.org/details/muktsr_swaik_mursla. هذه الطبعة للعلويّ مبنيَّة على عددٍ من المخطوطات، بعضها قديم جدًا، وهو أفضل من طبعة السيد إبراهيم (القاهرة: دار الحديث، 1414هـ/1994م)، التي اطلعتُ عليها أيضًا. انظر: مقدمة العلويّ (ص30-35، 60-63) لنسب هذا الاختصار إلى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبد الكريم، المعروف بابن الموصليّ.
([34]) انظر: مقدمة الدخيل الله في الصواعق، ص117-125
([35]) انظر: مقدمة العلويّ في المختصر، ص74-77
([36]) وفقًا للرازيّ، التفسير، 18/63؛ فإن ظلم معاقبة المعصيَّة ذات الأجل المحدود بالنار الأبديَّة هو أحد اعتباريْن عقلانييْن يَستشهد بهما من يُفسرون سورة هود: 107 على أن عذاب الكفار سينتهي. أما الاعتبار الآخر، فهو أن العذاب الأبديّ لا ينفع أحدًا، وهو ما استخدمه أيضًا ابن القيّم فيما يلي وفي كتابي الحادي والشفاء.