العرف والشرع بالمغرب تكامل أم تعارض: نماذج منتقاة


فئة :  مقالات

العرف والشرع بالمغرب تكامل أم تعارض:  نماذج منتقاة

العرف والشرع بالمغرب تكامل أم تعارض:

نماذج منتقاة

ملخص:

يعد العرف العمود الفقري في البنية القانونية للمجتمع الأمازيغي، وأحد أبعاده الروحية التي ساهمت في تكوين شخصيته، فعلى ضوئه ينظم المجتمع حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، باعتباره قانونا وضعيا يتكيف مع دينامية المجتمع. في حين يعد الشرع ما شرع الله تعالى لعباده من الأحكام، التي جاء بها نبي من الأنبياء، فهي وضع إلهي، وليست اجتهادا إنسانيا. وبناء على ما سبق، تطرح إشكالية العرف والشرع، تساؤلا كبيرا فيما يتعلق بالعلاقة التي تربط بينهما، هل هي علاقة تكامل أم تعارض، بمعنى هل يمكن تدبير الحياة العامة وفق العرف بعيدا عن الشرع، أم أن تدبير الحياة يتطلب حضور المعطيين، أم إن القواعد الشرعية لا يمكن أن تستوعب العرف كمنظومة وضعية قابلة للتغير مع تغير المجتمع.

مقدمة:

راكم الموضوع الذي اخترنا مقاربته الكثير من الأبحاث المتباعدة في الزمان والمكان، واستفز العديد من الدارسين وخاصة الأجانب؛ فمنهم من رافقته متعة البحث والتنقيب، ومنهم من صاحبه القلق الفكري والتوتر والمساءلة وكل واحد من هؤلاء الباحثين يمنّي النفس للوصول إلى تفكيك ومقاربة موضوع العرف، الذي طرح كركيزة أساسية في بنية القبائل الأمازيغية، الشيء الذي استدعى الاهتمام بمعرفته معرفة مستفيضة وعميقة، خاصة وأن المغرب يزخر بترسانة عرفية ضاربة في عمق التاريخ مما يدل على عراقة الحضارة المغربية وغنى ثقافته بمختلف مكوناتها وروافدها.

أثار موضوع العرف الكثير من الباحثين في شتى التخصصات، سواء في مجال السوسيولوجيا أو التاريخ أو القانون، ولعل تناسل الدراسات في هذا الموضوع يمكن أن يكون من جملة المؤشرات الدالة التي تضفي عليه أهمية خاصة، ويمكن أن نذكر في هذا الصدد العديد من الدراسات، ونخص بالذكر:

(Aspinion, 1946), (Marcy, 1949)، (Bousquet, 1956)، (Bornac, 1920)، (Bruno, 1918)، (Denat, 1935)، (Hart, 1966)، (Milliot, 1922)، (Nehlil, 1915)، (Surdon, 1928).......ومما يجعل هذا الموضوع مثيرا للجدل أيضا أنه، رغم وجود الشرع وتمدده وتأثيراته الواسعة لم يؤثر في مضمون المادة القانونية التي تخص العرف الأمازيغي الذي تعايش مع جميع الديانات السماوية.

فرضية الدراسة:

تؤطر الدراسة فرضيتان أساسيتان:

تعتبر الفرضية الأولى العرف والشرع متكاملين، يتداخل بعضهما في بعض، وتستدل على ذلك بعدم قدرة الشرع على الإجابة عن الأسئلة التي تتطلبها تقلبات الحياة الاجتماعية والسياسية لمجتمع ديناميكي باستمرار، مما يقتضي وجود العرف كبنية قانونية تزاوج بين الشرع والحياة، ولهذا يعد العرف بديلا محليا للشرع، وليس نقيضا له.

أما الفرضية الثانية، فتعتبر بنية العرف وقواعده تتناقض مبدئيا مع الشريعة، ومن هذا المنطلق يمكن أن نتصور وجود عالمين متعارضين: عالم العرف وعالم الشرع، وهو المنحى الذي سلكه البحث الاستعماري الذي قسم المجتمع المغربي إلى عدة ثنائيات، من ضمنها ثنائية الشرع/ العرف.

أهداف الدراسة:

تهدف هذه الورقة إلى دراسة العلاقة بين العرف والشرع، وبيان آليات اشتغالهما. وقد حاولنا تسليط الضوء على بعض الأعراف؛ وذلك باستقراء بعض النصوص المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، واستعمال منهج المقارنة كتقنية معرفية قصد الوقوف على التقاطعات الممكنة بين العرف والشرع وتعارضهما، إلا أن ذلك لن يتأتى إلا باستحضار الفروع المعرفية الأخرى بما فيها السوسيولوجيا...، مما يفيد أن موضوع الدراسة لا يقتصر على علم معين دون الاستعانة ببعض العلوم الأخرى في إطار تكسير الحدود بين العلوم.

إشكالية الدراسة:

ما الذي يبرر لجوء المجتمع الأمازيغي إلى تبني العرف؟ هل استطاع الشرع أن يدمج ويستوعب ويصهر قواعد المجتمع الأمازيغي ضمن ترسانته القانونية، أم إن العرف ظل محافظا على خصوصياته المحلية، رغم تمدد الشرع وتأثيراته الواسعة؟ وذلك ما سنحاول مقاربته في هذه الورقة.

ساد تصور مغرب ينقسم إلى بلاد العرف وبلاد الشرع، فبعض الباحثين يلحون على هذا التقسيم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تحديد مضمون المصطلحين، وخاصة العرف، ولهذا ظل المفهوم يطرح إشكالا عويصا يستدعي القيام بدراسة قادرة على توضيح المفهوم وعلاقته بالشرع.

-         مفهوم العرف:

يعتبر موضوع العرف من الموضوعات التي استأثرت باهتمام مختلف الباحثين الذين حاولوا رصد الموضوع ومختلف التحولات التي عرفها، خاصة وأن العرف تعايش مع جميع الديانات السماوية: إسلامية ويهودية ومسيحية، ولم يؤثر هذا التعايش في مضمون المادة القانونية التي تخص الأعراف الأمازيغية، وهو ما يفرض علينا توضيح المفهوم.

-         العرف لغة واصطلاحا:

يطلق لفظ العرف لغة على الشيء المعروف المألوف المستحسن[1]، وعرف في الاصطلاح بتعاريف عدة، منها: ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول[2].

العرف يقابله في اللغة الأمازيغية مصطلح إزرف جمع ئزرفن ومعناه القانون[3]، وهو ما اتفق عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم واستقر من جيل إلى جيل، وللعرف قوة القانون[4]. وعليه تستند الجماعة لضبط الحياة الداخلية والخارجية للقبيلة، كما أنه يعدّ المحور الأساسي لتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين أفراد المجتمع الأمازيغي؛ إذ يشكل حسب الباحث أحمد أرحموش قاعدة قانونية لها إلزامية خاصة بعد تداولها كمادة اتفاق بين مجموعة من الناس[5]. وقد عرفه روبير أسبينيون بأنه القانون الذي يؤطر المجتمع بناء على قواعد عرفية تحدد سلوك هذا المجتمع[6]. وهذا ما جعل الأسماء المعبرة عن العرف تتنوع وفقا لتنوع المناطق الأمازيغية؛ إذ يجد الباحث أمامه ترسانة مصطلحية ومفهومية للمسمى الواحد ومعلوم أن مسألة التحديد المفاهيمي الدقيق، تعد من أولى خطوات البحث العلمي الرصين في مجال البحث الإنساني والاجتماعي على وجه التخصيص، غير أن هذا المسلك العلمي بما يتوخاه من موضوعية وضبط منهجي لا يخلو من مثبطات تعوق في أحيان كثيرة تداول المفهوم بشكل سليم. وضمن هذه الترسانة التي نتحدث عنها نجد: اللوح، أزرف، العرف، أبريذ، أغاراس... وكلها مصطلحات تطلق على مجموع القواعد القانونية....، ويفسر أزرف بكونه الطريق "أبريذ" الذي قد يحتمل الفرضية تبعا لمقولة "أندو سابريذ أو أندو سأزرف"؛ أي لنقصد القضاء أو لنذهب للمثول أمام القضاة[7]. وقد أثبت رونيسيوRenisio هذه الفرضية المحتملة، حيث يورد في مؤلفه كلمة أزرف جمع إزرفان بمعنى الطريق لدى صنهاجة الأطلس الصغير[8]. كما يعرف بتعقيدين[9] عند القبائل الأمازيغية الممتدة من الأطلس الكبير إلى سجلماسة، وفي البوادي الناطقة بالعربية يستعمل مصطلح العرف والديوان والشروط.

إذا كانت الأسماء المعبرة عن العرف تختلف من مكان لآخر، فقواعد العرف هي الأخرى تختلف من دوار إلى آخر، كما أنه يتطور مع الزمن بفضل مراجعة القواعد التي تعتبر المورد الأساسي للعرف، وهذا مبدأ معترف به في سائر القوانين السماوية الوضعية، وكل قانون لا يراعي في مواده الأساسية وقواعده الكلية اعتبار الحوادث وجزئيات القضايا والظروف المحيطة بها قانون جامد لا يصلح للتطبيق في مختلف الأزمنة والعصور.

-         الشريعة لغة واصطلاحا:

الشريعة لغة:

الشريعة مشتقة من الفعل الثلاثي شرع[10]، وهي تطلق على العديد من المعاني، فقد تعني منحدر الماء، وهي في كلام العرب، مشرعة الماء، وهي مورد الشارية التي يشرعها الناس، فيشربون منها ويستقون، وربما شرعوها دوابهم حتى تشرعها وتشرب منها[11]، ومما أورده ابن منظور في دلالتها اللغوية أيضا قوله: "والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء عدا لا انقطاع له، ويكون ظاهرا معينا لا يسقى بالرشاء..."[12].

والشريعة بالمعنى الاصطلاحي هي ما شرع الله تعالى لعباده من الأحكام، التي جاء بها نبي من الأنبياء، فهي وضع إلهي، وليست اجتهادا إنسانيا، وهي ثابت، وليست متغيرا[13]. ويراد بها جملة القواعد والقوانين التي تحدد طريقة عبادة الإله من خلال نصوص شفهية أو مكتوبة، ومن خلال ممارسات عملية يقصد بها التدريب العملي على هذه الكيفية ممن وكل إليه أمر إنشاء الدين أو إبلاغه[14]. ودل عليه قوله تعالى: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون"[15].

وبالنظر إلى الدلالة اللغوية والاصطلاحية الواردة في تعريف المفهومين، يظهر جليا أن الشرع هو ما نزل من عند الله وليس من وضع الناس، بينما العرف هو من نتاج البشر. يعبر عن ثقافة قانونية مطابقة لمستوى تطور المجتمع الذي أنشأه، كما أن مبادئ الشرع لا تتغير ولا يمكن تحريفها أو تبديلها. في حين أن العرف يتغير بتغير الحياة الاجتماعية والاقتصادية للقبائل، وبذلك يندرج في إطار ما يسمى بالقوانين الوضعية.

-         ما يميز العرف الأمازيغي

تصنف الأعراف في الثقافة العربية في خانة الجهل (المهدي بن عيسى الوزاني في مؤلفه المعيار الجديد، ومحمد المشرفي في مؤلفه الحلل البهية في ملوك الدولة العلوية)، وهناك من دعا إلى نبذها، مقابل ذلك تزخر الثقافة الأمازيغية بأعراف تتسم بالعدالة، وفي هذا الصدد يشير الباحث أسكان الحسين إلى أن ما يميز روح وفلسفة أزرف الأمازيغي والنظم الاجتماعية التي أفرزته هي قيم الحرية واحترام كرامة الإنسان[16]، كما يتميز بخاصية يكاد ينفرد بها إلى جانب القانون البريطاني، والتي تتمثل في كون جميع قواعده تجد منبعها ومصدرها في الأعراف والتقاليد، الشيء الذي جعله أكثر ارتباطا بالإنسان؛ إذ نادرا ما نصادف نصوص "أزرف" مدونة، الشيء الذي جعلها تتصف بصبغة المرونة والتشعب تبعا للحيز الزمكاني الذي تطبق فيه، بيد أن فلسفة أزرف وروح مبادئه قارة وموحدة في العمق في جميع أقطار الوطن الأمازيغي الكبير[17].

-         بعض أوجه التكامل بين العرف والشرع:

إذا كان الفرنسيون قد أثبتوا أن الأمازيغ بصفة عامة يرفضون العمل بالشرع، فنحن لا يجب أن نفسر العرف، باعتباره نظاما قانونيا متعارضا مع الشرع كما لجأ إلى ذلك تفسير البحث الاستعماري الذي قسم المجتمع المغربي إلى ثنائيات: السيبة/المخزن، العرب/البربر، السهل/الجبل، العرف/ الشرع. بقدر ما هو تقنين لحياة اجتماعية وسياسية خاصة وللتمييز الذي يسم هياكله، لذلك يستمد العرف على الرغم من تأثره في بعض الأحيان بالشرع، عناصره الضرورية من التعبير عن الحياة الاجتماعية والسياسية لهذه القبائل[18].

إن عدم قدرة الشرع على الإجابة عن الأسئلة التي تتطلبها تقلبات الحياة الاجتماعية والسياسية لمجتمع مجند باستمرار، تقتضي وجود العرف؛ أي بنية قانونية تأخذ من الشرع ما يتلاءم وتلك الحياة تارة، وتكمل ما سكت عنه الشرع تارة، وبهذا يكون الاختلاف بين الشرع والعرف اختلافا لا تخترقه قطيعة بقدر ما يكمل بعضهم الآخر. وقد يجد ذلك سنده في القرآن الكريم في الآية: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"[19].

فالعرف الأمازيغي في هذه الحالة يقوم بعملية النفي، باعتباره أحد العقوبات التي لا تتنافى مع مضمون النص القرآني، "ومعلوم أن النفي يعتبر من أقسى العقوبات التي يمكن أن تنزل بالفرد في المجتمع الإثني، لأنه يجتث الفرد من بيئته الاجتماعية والثقافية ويحرمه من مكانته الاجتماعية السابقة التي كونها لنفسه ضمن عشيرته، بل ويمكن أن يصير غريبا وذليلا لدى المجموعة المستقبلة له ويصعب عليه الاندماج فيها بسهولة"[20]، غير أن هذا الحكم يعبر في الآن نفسه عن قيم التسامح ونبذ العنف وكل أشكال التعذيب، ومن هنا تبرز عبقرية الإنسان الأمازيغي وكذا منظومته الفكرية والإنسانية التي قال عنها أحمد عصيد: "... في الوقت الذي كان فيه الفلاسفة ومثقفو النخب ينظرون للعلمانية عبر العصور، كانت الجماعات والقبائل تنظم نفسها وفق أعرافها وقوانينها التي تبتكرها باجتهادها العقلي رغم وجود الأديان، وهذا ما فعله أجدادنا المغاربة الأمازيغ على مر القرون"[21]، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن العرف يعبر عن إرادة الجماعة في تسوية الخلافات وتقنين الوقائع بوسائل قانونية من أجل المحافظة على التوازن والسلم الداخلي والخارجي في شتى المجالات، سواء تعلق الأمر بضمان الحقوق وحفظ الأمن في الطرق وفي الأسواق وفي سكنى اليهود، وضبط شؤون المخازن الجماعية "إكودار"، أو ضبط نظام مياه السواقي والعيون ونظام "أكدال"، ونظام نوبة رعاية البقر "تايسا" ونظام التعاون "تيوزي"... من هنا يمكن القول إن العرف ليس سوى نتاج موضوعي وتاريخي للقبائل الأمازيغية، ينقل من جيل إلى آخر، وعبر امتداد السنين، بالتقليد الشفوي، الشيء الذي جعله أكثر ارتباطا بالإنسان؛ إذ نادرا ما نصادف نصوص "أزرف" مدونة، الشيء الذي جعلها تتصف بصبغة المرونة، مما يتيح لها القدرة على حل المشاكل مهما بلغت صعوباتها وخطورتها؛ لأنها تتكيف بسهولة مع مختلف الحالات التي يمر بها تطور الإنسان السيكولوجي والاجتماعي؛ لأنها ليست ذات أصل إلهي. والمثال الذي ذكره روبير أسبينيون في إطار حديثه عن أعراف زيان يبين هذا الأمر؛ إذ يقول: "منذ أربعين سنة على وجه التقريب، كان الرجل الذي تنتزع منه امرأته من قبل الغير، يتسلم أربعين بقرة كجبر عن الضرر، وذات يوم، أعلن القائد الأمازيغي موحى وحمو، وهو يعمل على تسوية قضية خيانة زوجية، كل من لقي امرأته في حالة تلبس بالخيانة، لا يسعه إلا أن يقتل عاشقها، هكذا تتحقق العدالة. هذه القاعدة العرفية عدلت أيضا في أيامنا هذه: على العاشق أن يدفع لزوج المرأة التي ضبطت متلبسة، مائة ريال نقدا كجبر الضرر، وأن يقضي عقوبة حبسية تحدد في ستة أشهر"[22]. وهذا ما يعني أن العرف يعبر عن بنية اجتماعية وسياسية تتغير باستمرار؛ وذلك من أجل الحفاظ على كينونة المجتمع الأمازيغي واستمراريته.

أما علاقة الشرع بالعرف، فهناك توافق بينهما في أغلب النوازل مثل الحالة التي أشرنا إليها سابقا(حالة النفي)، بل أكثر من ذلك نجد مساجد القبائل الأمازيغية مليئة بطلبة القرآن، خياما ومداشر، ويجتمع الناس في مساجدهم، يستفتون فقهاءهم في ديانتهم وعبادتهم في وضوء واغتسال وصلاة وزكاة وصيام....، دون أن يؤثر ذلك على تدبير الحياة اليومية للقبائل الأمازيغية، وهذا ما يوضح أن هناك فصلا بين ما هو روحي يعاد به إلى الإمام في المسجد وما هو خاص بتدبير الشؤون الأرضية التي يتم تسويتها بقوانين وضعية تضعها الجماعة، وهي قوانين عرفية تسير بها، وليس من حق رجل دين أن يخوض في الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتوله مجلس جماعي منتخب؛ إذ يمنع الإمام من عضويته. ويتجلى هذا التأثير أيضا في شيوع الكلمات العربية وسط الألفاظ والمصطلحات الأمازيغية، فقبائل زيان مثلا التي كانت تجهل العربية تستعمل عادة الكلمة العربية "عرف" عوض "أزرف"[23]. وهذا التأثر لا يشمل استعمال المصطلحات فحسب، وإنما يتعدى ذلك ليشمل العناصر التشريعية نفسها، حيث نجد للشرع أثرا في الأحوال الشخصية كالبسملة والحمدلة والحوقلة، وباسم الشرع تصبح المرأة الأمازيغية طالبة للطلاق بقولها: "أنا بالله والشرع"، وحق الشفاعة الذي يضمن للبائع ولأقربائه الحق في استرجاع ما بيع[24]. وهذا العرف لا يسمح للأجنبي بامتلاك أرض من أراضي القبيلة المعروضة للبيع، إلا بعد تنازل كل أفراد هذه الأخيرة عن حقهم في شرائها، بل إنه يعطي لهؤلاء الحق في الاسترجاع حتى بعد أن يتم شراؤها من طرف الأجنبي[25]. ولهذا الاعتبار لا يجب أن ينظر إلى العرف أنه نقيض للشرع بقدر ما هو تكييف محلي له، يعبر عن بنية اجتماعية وسياسية مختلفة، عليها أن تندمج داخل المجتمع الشمولي من جهة، وعليها أن تحافظ على تلاحمها ووحدتها من جهة أخرى[26]. وقد ساير هذا الطرح مجموعة من الباحثين ومنهم أبو الحسن الذي اعتبر العرف مظهر تستقي منه المحاكم الشرعية نفسية المتقاضين لديها وتبني أحكامها المصدرة باسم الشريعة لا باسم العرف[27].

نستنتج مما سبق، أن العرف "أزرف" لم يكن متعارضا مع الشرع ببلاد الأمازيغ، فالعرف يعتبر مصدرا من مصادر القانون في كل المجتمعات البشرية، وكان في مراحل سابقة من تطور هذه المجتمعات يحتكر لوحده تنظيم العلاقات الاجتماعية، ثم اقتسم هذا الدور فيما بعد مع القواعد الأخلاقية والدينية، ثم في مرحلة لاحقة مع القوانين الوضعية[28].

-         بعض أوجه التعارض بين العرف والشرع:

لا بأس أن نبدأ هذا المحور بمقولة الملازم الفرنسي هوئو Huot "هناك شيء يتمسك به الأمازيغ أكثر من غيره، إنه تنظيمهم الاجتماعي وعاداتهم الخاصة، ومن ثم تتمثل السياسة الأمازيغية الحقيقية في احترام هذا التنظيم وهذه التقاليد، والعمل على انسجامها مع الإصلاحات الإدارية والسياسية التي علينا إدخالها في البلاد"[29]. الملازم ثاني هوئوHuot 9 فبراير 1922 [30]. ترى هل تم احترام هذا النظام من طرف العرب؟ وماهي حدود التأثير العربي على بنية هذا النظام؟.

لقد ساهم الدخول التشريعي الإسلامي إلى المغرب في إحداث تغيرات في بنية المجتمع التقليدي وترسانته القانونية. ويرجع هذا الاختلاف إلى اختلاف المرجعيات التي تؤطرهما، ومما لا شك فيه أن موضوع مثل هذا سيكون متعدد التخصصات، وهو ما يمثل قيمة مضافة لورقتنا، حيث تتكامل الأنثروبولوجيا مع التاريخ والسوسيولوجيا؛ بمعنى أن الموضوع يحمل مقاربات متعددة. إذن المعالجة ستتم وفق دراسة العرف كبنية ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية، وتقتضي مقاربة هذا الموضوع أن نتعرف على جانب من الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع الأمازيغي.

إن السؤال الثقافي في المجتمع الأمازيغي يجد قيمته في قدرة هذا المعطى على كشف جانب من المرتكزات الرمزية غير المادية للإنسان الأمازيغي، ولن يتم استيعاب الخطاب الأمازيغي الذي يقوم على مفردات عدة، ومنها العرف، إلا بفهم الثقافة، فالثقافة حسب الباحث الأنثربولوجي تايلور Tylor هي "ذلك المركب المشتمل على المعارف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والتقاليد والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع"[31]. في حين يشير مفهوم الثقافة لدى مالك بن نبي أنها: "مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم الاجتماعية التي يلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته"[32]. يتضمن مفهوم الثقافة إذن كل الجوانب الفكرية والمادية للنشاط الإنساني، بل وتحدد نمط الحياة لمجتمع ما واختلافه مع مجتمعات أخرى.

ينبني المجتمع الأمازيغي أيضا على نظام اجتماعي يكفل التآزر والتعاون بين مستويات المجتمع، يدبر بمؤسسات (الجماعت، أمغار) تحافظ على الالتحام القبلي. وكانت الوحدة الإدارية والسياسية في أغلب الأوقات متمثلة في القبيلة، والقبيلة بذاتها عكس الفرق المكونة لها تكون تنظيما تتجلى قوته خصوصا في الظروف غير العادية (أوقات الاضطرابات والحروب) لهذه الأسباب كان النظام الإداري المغربي القديم ميالا إلى اللامركزية عكس النظام الإسلامي المعتمد على المركزية (السلطنة، الإمارة...)، لذا نجد أنه حتى في الأوقات التي سادت فيه دول مركزية في تاريخ المغرب (المرابطين والموحدين) كانت للقبائل حريتها واستقلاليتها[33]. فالمجتمع الأمازيغي الذي تشكل فيه القبيلة وحدة سياسية واجتماعية وثقافية هي التي تشرع العرف، لذلك فله صبغة تقديسية قلما نجد من يتجرأ على معارضته داخل القبيلة، لذلك نجد أن الكل يخضع له عن قناعة واقتناع[34]. الأمر الذي جعل مؤسسات التدبير بالمجتمع الأمازيغي تختلف عن النظام الإداري الإسلامي. ففي المجتمع الأمازيغي تسهر الجماعة المنحدرة من القبيلة على تنفيذ القانون الذي تتم صياغته بعناية من طرف أعضاء الجماعة وفقهاء القبيلة الذين يسهرون على أن تكون الصياغة منسجمة روحا وشكلا مع الاتجاه الروحي العام للمجتمع[35].

انطلاقا من مقاربة هذه البنى، يتضح أن قواعد إنتاج القوانين تختلف وفق أشكال الضبط والتنظيم الخاصة بكل مجتمع.

إذا كان التوافق بين العرف والشرع في بعض القضايا، فهناك تعارض في قضايا أخرى، ومنها مثلا:

-         القصاص:

"يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"[36]. والحكم في هذه الآية ينص على المساواة في القصاص؛ أي أن يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول. ويمنع الولي من الاقتصاص؛ إذ بين ذلك فقال: "الحر بالحر" أي الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى والعبد بالعبد، إلا أن العرف في عملية القصاص يؤاخذ أقارب المتهم بذنب اقترفه، "فما أن ترتكب جريمة قتل عمدا أو خطأ، يصبح أقارب الميت أي أسرته ودواره "إيندليبن" المجرم وذويه؛ بمعنى أنهم دائنوهم في الدم، ولهم حق وواجب الثأر لقتيلهم بقتل نفس من الدوار الخصم"[37]؛ بمعنى "أن مسؤولية القتل لا تقتصر على مرتكبها بل تمتد إلى أقاربه، أي إلى كل رجال دواره الذين لم يتبرؤوا من أفعاله قبل الجريمة (إيبراذيكس) أمام الملأ وبشكل حازم. أما بعد الجريمة، فإن هؤلاء الأقارب لا يستطيعون الإفلات شخصيا من تبعات قرابتهم إلا بدفع قدر من المال لأسرة الميت يحددها العرف ويطلق عليها "تيبريت""[38]؛ بمعنى أن العقاب يمتد إلى شخص لم يرتكب الجرم المستوجب لذلك. وفيما يتعلق بالدية، فقد يرفض أهل الضحية التعويض المادي، وبالأخص حين يكون هؤلاء أصحاب نفوذ، وسيسعون أساسا إلى تطبيق قانون القصاص[39]. ولدينا مثال بقبيلة إمحزان بزيان، فهي لا تتسلم أي تعويض مقابل فرد من أفراد عائلتها المقتول، بل تنتقم دائما لنفسها من الجاني[40].

-         تعدد الزوجات:

يقبل العرف تعدد الزوجات ولا يحدد العدد حسب ما تقتضيه قوانين الشريعة؛ إذ لا يسمح بالزواج بأكثر من أربع نساء شرعيات، لقوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"[41]. يسمح العرف لكل رجل مقتدر أن يتخذ كل ما يرغبه من الإماء، إلى جانب نسائه الشرعيات، وينال الأطفال المزدادون من الإماء نفس الحقوق. كما تنظر المرأة الأمازيغية بعين الرضا لمسألة تعدد الزوجات؛ إذ تجد في الأمر مساعدة ثمينة في إنجاز الأشغال المنزلية[42].

-         السرقة:

تنص الشريعة الإسلامية عن قطع يد السارق؛ وذلك بعد أن تتحقق فيه شروط وجوب الحد، وتكتمل أركان السرقة، ولا توجد شبهة في فعله، قال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم"[43]. في حين أن العرف يقضي بإعادة السارق المعترف بالجريمة المسروقات إلى أهلها[44]. وعدم الأخذ بالعقوبات المهينة للإنسان في إطار احترام كرامة وحرية الشخص.

-         الخيانة الزوجية:

إذا حصلت زنا، وثبت ذلك بالدليل والبينة عند الحاكم المسلم، فإنه يقيم عليه الحد، وهو جلد مائة للزاني البكر وتغريبه من بلده عاما، وأما الزاني المحصن (الذي سبق له وطء زوجته في زواج صحيح، فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، ويستوي في هذا الحد الرجل والمرأة)، قال تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"[45]. أما فيما يتعلق بالعقوبات في العرف، فالزوج له حق قتل زوجته وعاشقها إذا فاجأهما وهما متلبسين بالجريمة، ولكنه يعتبر بعد إقدامه على هذا الأمر قاتلا، وعليه أن يفر ليحول دون أن يناله القصاص، ويتعرض لنفس التبعات والنتائج التي تصاحب حالات القتل الأخرى بما فيها الدية، لكن في حالة وجود أطفال لدى القاتل، لا يلزمه الأداء عن قتل زوجته الخائنة. كما للزوج الحق في تشويه جسد زوجته المقترفة جرم الخيانة، بشرط ألا تؤدي هذه التشويهات إلى الموت[46].

تبين هذه الاعتبارات السالفة الذكر غلبة حق الزوج على زوجته؛ وذلك لكون القبائل الأمازيغية تعتبر الخيانة جرما ينال من شرف الرجل وأقربائه.

-         الاغتصاب:

الاغتصاب هو الجماع القسري للرجل مع امرأة ليست زوجته أو جارية دون موافقتها. وينص العرف في حالة الاغتصاب وغياب الشهود أداء اليمين؛ أي على الفاعل المفترض أن يحلف عشر مرات تأكيدا لإنكاره. وفي حالة إثبات الاغتصاب يقوم المتهم بجبر الضرر، بزواجه من الضحية. وإذا رفض الزواج بها، عليه منح تعويض لوالدي الضحية، تتناسب ومستواهم ووضعهم الاجتماعي[47]. في حين أن الشرع يعاقب المغتصب الذكر بعقوبة الحد-الرجم (إذا كان متزوجا) أو الجلد (إذا كان غير متزوج)، كما يحصل على الزنا العادي. ولا توجد عقوبة لضحية الاغتصاب، والأمثلة هي نفس أدلة الزنا من القرآن والسنة.

إن ما يمكن استخلاصه هذه المسألة، هو أن الاغتصاب في العرف لا يشكل جرما مثل الخيانة الزوجية، فالتقاليد تحترم بشكل خاص فيما يتعلق بشرف النساء المتزوجات.

-         إرث الإناث

يقر العرف بمنع الإناث من الإرث واقتصار إرث العقار على الأبناء الذكور؛ وذلك لأسباب مرتبطة بطبيعة النظام القانوني للملكية العقارية، فالعرف يقضي بعدم تفويت العقار للأجنبي وبما أن الإناث قد يتزوجن خارج إطار العائلة الموسعة، فتوريثهن سيؤدي إلى تحويل جزء من أموال العائلة إلى عائلة أجنبية[48]. إذا كان العرف قد منع الإناث من الإرث، فالشرع أعطى للمرأة نصيبها من الإرث، لقوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف"[49]. وهكذا أعطى الشرع للمرأة الحق في الميراث، بعد أن منعها العرف، إلا أن موقف المنع ليس موقفا عنصريا أو تمييزيا ضد الإناث ولكن ظروف المجتمع القروي ونظامه الاقتصادي والاجتماعي المغلق هو الذي برر الاعتماد عليه[50]، كاستراتيجية مهمة للحفاظ على البنية التحتية اللازمة التي تضمن الالتحام القبلي.

يتضح مما سبق، أن الغالب في أعراف الأمازيغيين تطبيق العقوبات المالية على مختلف الجرائم. أما الحدود التي تطبق على البدن والمنصوص عليها في أحكام الشرع الإسلامي، فلا تطبق لأسباب دافع عنها العديد من فقهاء المغرب، على اعتبار أن العقوبة بالمال في الظروف التي تضعف فيه قوة وهيبة الدولة أو تنعدم تماما تصبح محل ضرورة وفعلها عام المصلحة وتركها عام المفسدة[51]. وهذا ما لم يستسغه دعاة الشرع، بل منهم من أدرج هذه الأعراف في خانة الجهل وجب نبذها، وقد ساهم هذا الهجوم في اندثار العديد من المؤسسات الأمازيغية، إلا أن مؤسسة العرف مكثت راسخة عند قبائل عدة، والتي ساهمت إلى جانب اللغة في الحفاظ على الأصالة الفريدة للأمازيغ كشعب ذي خصوصيات مختلفة[52]. وفي هذا الصدد يرى جورج مارسي Georges Marcy أن القوانين العرفية الأمازيغية الموجودة بمنطقة وسط المغرب لم تتأثر بالقوانين الأوروبية ولا بالقوانين الشرقية كالشريعة المحمدية[53].

ولذلك، استمر العمل بالعرف في ضبط الشؤون المحلية، والذي ظل سدا منيعا أمام التيارات الغازية، إلى بداية عهد الحماية الفرنسية التي أحدثت تغييرات عدة في العرف، حيث اعتبرت فرنسا أن العرف الأمازيغي تعتريه عيوب خطيرة تحتاج إلى الإصلاح، ومنذ ذلك الوقت أعلنت حملة منكرة على القانون الأمازيغي؛ إذ وصفته بالهمجي والمتأخر، بل وأعلنت أنه قانون مصبوغ بروح التشريعات البدائية الأولية empreint de l’esprit des législations primitives. وبهذا ألغت فرنسا أهم الأعراف الأمازيغية التي تنص على عدم جواز تفويت الأراضي القبلية للأجانب، سواء كانت خاصة أو جماعية[54].

وحسب الكثير من الباحثين، فإن اهتمام فرنسا بالأعراف وإعطائها مكانة مركزية في الأبحاث والدراسات، والعناية التي حظيت بها في التنظيم والبنيان القانوني، لم يكن اتجاه المحافظة عليها لكن في اتجاه إحلال القوانين الفرنسية محلها. وتعتبر الدراسة التي قدمها الضابط الفرنسي بورناك Bornac سنة 1919، والتي كانت موسومة بعنوان "بعض المعلومات حول القانون العرفي البربري لسكان فكيك" من أبرز الدراسات التي تطرق فيها إلى قوانين المجتمع الأمازيغي، ومنها: قانون قصر زناتة، قانون قصر أوداغير[55]، والقانون المشترك ما بين قصر زناتة وقصر أوداغير. وبعد دراسات متنوعة للعرف الأمازيغي (ذلك أن المرحلة الاستعمارية استطاعت أن تنتج فيضا من الدراسات المتخصصة حول العرف)، تبين للإدارة الاستعمارية قوة العرف مما شكل صعوبة سبر أغوار المجتمع المغربي وتفكيكه، وهكذا سنجد مؤسسة الحماية في المغرب عملت على تغيير بعض الأعراف التي شكلت حاجزا أمامها للسيطرة على السكان وتدبير المجال. ويمكن أن نستحضر في هذا السياق الأعراف المتعلقة بالأرض، والتي تنص في بنودها على عدم جواز تفويت الأراضي القبلية للأجانب، إلا بعد تنازل كل أفراد القبيلة عن حقهم في شرائها، بل إنه يعطي لهؤلاء الحق في استرجاعها حتى بعد أن يتم شراؤها من طرف الأجنبي، ولم يكن هذا العرف ليرضي الفرنسيين طبعا، الأمر الذي دفعهم إلى إلغاء قانون عدم تفويت أراضي القبيلة للأجانب بواسطة الظهائر المؤسسة لسياستها، والتي نصت على "أن كل ملك سجل بالمحافظة يرتفع نظر القاضي الإسلامي عنه فلا يحكم فيه ولا يكتب فيه رسم رهن ولا بيع ولا غير ذلك وإنما نظره إلى المحاكم الفرنسية"[56]. كما قرروا سنة 1927م حصر ممارسة حق الشفعة في أبوي البائع دون أن يتمتعا بحق إلغاء البيع بعد انتهاء عملية التسجيل العقاري[57]. وبالتالي، تكون فرنسا بفضل هذه التشريعات قد ضمنت للأوروبيين حق امتلاك الأراضي بشكل تعسفي إسهاما في تطوير مشروعها الاستعماري.

خلاصة:

شكل العرف ظاهرة قانونية أطرت المجتمعات الأمازيغية منذ قرون، إذ كان له دور مهم في الحياة التشريعية، باعتباره دعامة أساسية للتشريع. ومن إيجابياته أيضا، أنه يتغير بتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية ليواكب التطورات، مما جعله يتكيف مع مختلف الحالات التي يمر منها الإنسان، وخاصة الحالات الاجتماعية المتسمة بالتعقيد والتشابك. وربما هذا ما جعل علاقة الشرع بالعرف تتأرجح بين التكامل والتنافر، ففي بعض الحالات يحصل التوافق بين قواعد عرفية وأحكام شرعية، ويصبح الخلاف شبه منعدم ويطلق على ذلك بالعرف المقبول، ولكن هناك قواعد تخالف أحكام الشريعة مما يجعلها في حالة تعارض ويطلق عليها العرف الفاسد.

 

*- الإحالات العربية:

السور القرآنية:

-        سورة الجاثية، الآية 18

-        سورة المائدة، الآية 33.

-        سورة البقرة، الآية 178

-        سورة النساء، الآية 3

-        سورة المائدة، الآية 38

-        سورة النساء، الآية 11

الكتب:

  1. ابن منظور محمد أبو الفضل، لسان العرب (القاهرة: دار المعارف، د.ت).
  2. احساين عبد الحميد، أصول سياسة فرنسا البربرية إلى غاية سنة 1930، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1986-1987.
  3. أسبينيون روبير، أعراف قبائل زيان، ترجمة محمد أوراغ (الرباط: منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، د.ت).
  4. أسكان الحسين، الدولة والمجتمع في العصر الموحدي 558-668ه/1125-1270م (الرباط: منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2009).
  5. بورقية رحمة، الدولة والسلطة والمجتمع، دراسة في التابث والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب (بيروت: دار الطليعة، 1991).
  6. الجيدي عمر بن عبد الكريم، العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومها لدى علماء المغرب (المحمدية: مطبعة فضالة، 1982).
  7. رشيد الحسين، العلاقات الاجتماعية في المجال الأمازيغي بين العرف والقانون (مطابع إمبريال، 2004).
  8. السعدي إسحاق بن عبد الله، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2018).
  9. شفيق محمد، المعجم العربي الأمازيغي (المغرب: منشورات أكاديمية المملكة المغربية، 1996).
  10. عمارة محمد، الشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية (دار الشروق، 2003).
  11. كنون سعيد، الجبل الأمازيغي آيت أومالو وبلاد زيان، ترجمة محمد بوكبوط (المغرب: منشورات الزمن، 2014).
  12. مالك بن نبي، شروط النهضة، ترجمة عبد الصبور شاهين وعمر كامل مسقاوي (سوريا: دار الفكر، 1986).
  13. مختار أحمد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة (القاهرة: عالم الكتب، 2008).

*- المقالات:

  1. أبو الحسن، "البربر بين الشريعة والعرف"، مجلة المنعطف، العدد 5 (1992)، صص، 45-51
  2. أرحموش أحمد، "العرف والقانون كرافد من روافد الثقافة الأمازيغية-نموذج ألواح جزولة"، في: الثقافة الأمازيغية بين التقليد والحداثة (الرباط: منشورات جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، 1996).
  3. أسكان الحسين، "العلاقة بين أزرف والشرع خلال العصر الوسيط"، في: القانون والمجتمع بالمغرب (الرباط: منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2005).
  4. بلوش عبد الرحمان، "قراءة في أزرف الأمازيغي"، في: كتاب الثقافة الأمازيغية بين التقليد والحداثة (الرباط: منشورات جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، 1996)، صص، 224-231.
  5. بوراس عبد القادر، "اتحادية قبائل آيت عطا والعرف القبلي"، في: الأعراف بالبادية المغربية (منشورات مجموعة البحث في تاريخ البوادي المغربية، 2004)، صص، 49-64.
  6. حنداين محمد، "العرف والمجتمع السوسي (قراءة في عرف إحدى قبائل سوس1189م/1775م)"، في: الأعراف بالبادية المغربية (منشورات مجموعة البحث في تاريخ البوادي المغربية، 2004)، صص، 9-19.
  7. عصيد أحمد، "قدر العلمانية: حوارات حول العلمانية"، الأحداث المغربية (2005).

*- الإحالات الفرنسية:

  1. Aspinion Robert. Contribution à l’étude du droit coutumier berbères marocain, (coutume les tribus zayanes). (éditions Moynier, 2éme éditions, 1946)
  2. George Marcy, Le droit coutumier Zemmour, (Paris, librairie Larose, 1949).
  3. George Surdon, Institutions et coutumes des Berbères du Maghreb: Leçons de droit coutumier berbères, (deuxième éditions, Tanger, 1938).
  4. Renisio, Etude sur les dialectes berbères des Beni Iznassen du Rif et des Senhaja de Srhair.
  5. Tylor Edward Burnet, La civilisation primitive, traduit Madame Pauline Brunet, tome premier (Librairie Schleicher, Alfred Cortes, deuxième édition, 1920).
  6. Bornac, «quelquesrenseignements sur le droit coutumier berbère des habitants de Figuig», Revue Algérienne Tunisienne et Marocaine (1920).
  7. Nehlil, "L’Azref des tribus et Qsour berbères du Haut- Guir", Archives Berbères (1915), pp, 77- 89

[1]- عمر بن عبد الكريم الجيدي، العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومها لدى علماء المغرب (المحمدية: مطبعة فضالة، 1982)، 29

[2]- المرجع نفسه، ص، 31

[3]- محمد شفيق، المعجم العربي الأمازيغي (المغرب: منشورات أكاديمية المملكة المغربية، 1996)، 95

[4]- أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة (القاهرة: عالم الكتب، 2008)، 1486

[5]- أحمد أرحموش، "العرف والقانون كرافد من روافد الثقافة الأمازيغية-نموذج ألواح جزولة"، في: الثقافة الأمازيغية بين التقليد والحداثة (الرباط: منشورات جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، 1996)، 235

[6]- Robert Aspinion, Contribution à l’étude du droit coutumier berbères marocain,(coutume les tribus zayanes), (éditions Moynier, 2éme éditions, 1946), p, 13

[7]SurdonGeorge, Institutions et coutumes des Berbères du Maghreb: Leçons de droit coutumier berbères, (deuxième éditions, Tanger, 1938), p, 185

[8] - Renisio, Etude sur les dialectes berbères des Beni Iznassen du Rif et des Senhaja de Srhair, 32

[9]- تيعقيدين مصطلح ومفهوم شائع التداول من طرف القبائل الأمازيغية في الجنوب الشرقي المغربي، وتعني تسطير القواعد التقليدية الموروثة عن الأجداد، كما يعني اتفاق وميثاق بين المجموعات القبلية لخدمة الصالح العام. وتطلق أيضا على المدونة التي تجمع الأحكام والأعراف. أنظر، عبد القادر بوراس، "اتحادية قبائل آيت عطا والعرف القبلي"، في: الأعراف بالبادية المغربية (منشورات مجموعة البحث في تاريخ البوادي المغربية، 2004)، 58-59

[10]- إسحاق بن عبد الله السعدي، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2018)، 303.

[11]- محمد أبو الفضل ابن منظور، لسان العرب (القاهرة: دار المعارف، د.ت)، 2264

[12]- نفسه.

[13]- محمد عمارة، الشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية (دار الشروق، 2003)، 11

[14]- إسحاق بن عبد الله السعدي، ص، 304

[15]- سورة الجاثية، الآية 18

[16]- الحسين أسكان، "العلاقة بين أزرف والشرع خلال العصر الوسيط"، في: القانون والمجتمع بالمغرب (الرباط: منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2005)، 27

[17]- عبد الرحمان بلوش، "قراءة في أزرف الأمازيغي"، في: كتاب الثقافة الأمازيغية بين التقليد والحداثة (الرباط: جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، 1996)، 224

[18]- رحمة بورقية، الدولة والسلطة والمجتمع، دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب (بيروت، دار الطليعة، 1991)، 81

[19]- سورة المائدة، الآية 33

[20]- الحسين أسكان، الدولة والمجتمع في العصر الموحدي 558-668ه/1125-1270م (الرباط: منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2009)، 264

[21]- أحمد عصيد، "قدر العلمانية: حوارات حول العلمانية"، الأحداث المغربية (2005)، 86

[22]- روبير أسبينيون، أعراف قبائل زيان، ترجمة محمد أوراغ (الرباط: منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مطبعة المعارف الجديدة، د.ت)، 23-24

[23]- المرجع نفسه، ص، 9

[24]- رحمة بورقية، م.س، ص، 82

[25]- عبد الحميد احساين، أصول سياسة فرنسا البربرية إلى غاية سنة 1930، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس، الموسم الجامعي 1986-1987، ص، 214

[26]- رحمة بورقية، م.س، ص، 82

[27]- أبو الحسن، "البربر بين الشريعة والعرف"، مجلة المنعطف، العدد 5 (1992)، 46

[28]- الحسين رشيد، العلاقات الاجتماعية في المجال الأمازيغي بين العرف والقانون (مطابع إمبريال، 2004)، 8

[29]- سعيد كنون، الجبل الأمازيغي آيت أومالو وبلاد زيان، ترجمة محمد بوكبوط (المغرب: منشورات الزمن، مطبعة بني ازناسن، 2014)، 27

[30]- نفسه.

[31]- Edward Burnet Tylor، La ncivilisation primitive، traduit Madame Pauline Brunet، (Librairie Schleicher، Alfred Cortes، deuxième édition, 1920), p, 20

[32]- مالك بن نبي، شروط النهضة، ترجمة عبد الصبور شاهين وعمر كامل مسقاوي (سوريا: دار الفكر، 1986)، 83.

[33]- الحسين رشيد، م.س، ص، 9

[34]- محمد حنداين، "العرف والمجتمع السوسي (قراءة في عرف إحدى قبائل سوس1189م/1775م)"، في: الأعراف بالبادية المغربية (منشورات مجموعة البحث في تاريخ البوادي المغربية، 2004)، 10

[35]- المرجع نفسه، ص، 10

[36]- سورة البقرة، الآية 178

[37]- سعيد كنون، م.س، ص، 78

[38]- المرجع نفسه، 77-78

[39]- روبير أسبينيون، م.س، ص، 51

[40]- المرجع نفسه، ص، 56

[41]- سورة النساء، الآية 3

[42]- روبير أسبينيون، م.س، ص، 79

[43]- سورة المائدة، الآية 38.

[44]- روبير أسبينيون، م.س، ص، 70

[45]- سورة النور، الآية 2

[46]- روبير أسبينيون، م.س، ص، 58

[47]- المرجع نفسه، ص، 60.

[48]- الحسين رشيد، م.س، ص، 31

[49]- سورة النساء، الآية 11.

[50]- الحسين رشيد، م.س، ص، 32

[51]- المرجع نفسه، ص، 39

[52]- Nehlil, "L’Azref des tribus et Qsour berbères du Haut- Guir", ArchivesBerbères, volume 1, (1915), p, 77.

[53]-Marcy George، Le droit coutumier Zemmour، (Paris: librairie Larose, 1949), p, 230

[54]- الحسين رشيد، م.س، ص، 25.

[55]- Bornac,«quelques renseignement sur le droit coutumier berbère des habitants de Figuig», RevueAlgérienne Tunisienne et Marocaine, (1920), p, 79

[56]- الحسين رشيد، م.س، ص، 25

[57]- عبد الحميد احساين، م.س، ص، 214