المفكّرون العرب ونظرية داروين


فئة :  أبحاث عامة

المفكّرون العرب ونظرية داروين

الملخص:

اهتمت هذه المقالة، التي جاءت تحت عنوان "قراءة في تناول بعض المفكرين العرب لنظرية داروين التطورية" بالخوض في بعض التداعيات، التي خلفتها نظرية داروين التطورية، في نفوس العرب ونفوس بعض مفكريهم، وذلك انطلاقا من قراءة فاحصة ومتأنية لكتاب "نظرية التطور في الفكر العربي الحديث" لصاحبته زينب عبد الرحمن المنشور سنة 2017 من طرف مصر العربية للنشر والتوزيع بالقاهرة. وإذا كانت هذه المقالة قد حاولت في البداية ربط الماضي العربي، في تجلياته وتعبيراته التراثية القروسطية أو الحديثة، بالحاضر، فإنها ركزت بالخصوص على الجانب المعرفي الإبستيمولوجي، الذي خاض فيه بعض المفكرين العرب، من خلال الإحاطة به، والاهتمام بنظرية التطور التي صاغها شارل داروين (1809-1882) في القرن التاسع عشر.

وهكذا حظيت أفكار داروين عن التطور والصراع من أجل البقاء باهتمام خاص في المجتمع العربي، حيث أصبحت في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين موضع نقاشات بين أتباعها وخصومها من المثقفين والكُتّاب العرب، ومن أهم المفكرين والكُتّاب العرب الذين تأثروا بتلك النظرية: شبلي شميل (1850-1917) وإسماعيل مظهر (1891-1963). فلم تكن نظرية التطور بالنسبة إليهما نظرية بيولوجية فحسب؛ بل نظرا إليها كآلية منهجية حاولا من خلالها أن يعالجا قضايا الواقع العربي، وسعيا عن طريقها إلى القيام بالثورة، ضد الفكر القديم الموروث والثقافة السائدة، وعلى النظام العلمي والديني والسياسي والاجتماعي السائد في مجتمعهما. وإلى جانب هذا الاهتمام بنظرية داروين، فقد رفضها كذلك بعض المفكرين من خلال ادعائهم بأنها تخالف ركنا من أركان الدين، وقد مثل هذا التيار جمال الدين الأفغاني.

بعد ذلك، تناولت هذه المقالة بالدرس والتحليل تداعيات نظرية دارون التطورية على مستوى الفكر والثقافة والمجتمع والسياسة والفلسفة، وهل أفضت هذه التداعيات إلى إنتاج معنى جديد لنظرة الإنسان لذاته وللآخر، ولعلاقته بمحيطه؟

إن شارل داروين عندما صاغ نظريته في التطور في كتاب "أصل الأنواع"، فإنه كان يقصد المحيط الطبيعي الذي تخضع قوانينه إلى الحتمية والضرورة، موظفا في ذلك الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح كآليتين منهجيتين لتفسير المعطيات البيولوجية التي عاينها في رحلته. لكن عندما يتم نقل هذه الحتمية والضرورة إلى الكائن البشري وتطبيقهما في العلوم الإنسانية، فإن الانتخاب الطبيعي يصبح انتخابا صناعيا، والصراع من أجل البقاء أو البقاء للأصلح يزكي الفوارق الطبقية والمجتمعية، وهو ما اصطلح على تسميته بالداروينية الاجتماعية، وبالتالي كان طبيعيا أن تقود النظرية التطورية، عند انتقالها من العلم إلى الإيديولوجيا، إلى الأوجينيا، وإلى العنصرية، والاستعمار، والعبودية، والتطهير العرقي، والحروب، الشيء الذي دفع الضمير العالمي، في نهاية النصف الأول من القرن العشرين، إلى إعادة النظر في كل ذلك، واعتباره تعسفا مورس على تاريخ الأفكار والإيديولوجيات، ومن ثمة إعادة الاعتبار للقيم الكونية التي أنتجها عصر الأنوار، كقيم الديمقراطية، والليبرالية، والحرية، والعقلانية، والتسامح، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة؛ وهي نفس القيم التي مازالت تؤثث الخطاب الفكري والسياسي الكوني حتى وقتنا الحاضر. وهو ما ربطته المقالة بالتطور المستمر للفكر الأوروبي، ومواكبته لمستجدات ومقتضيات العصر.

أما تداعيات نظرية التطور في المشرق العربي، فيمكن القول إنها أثارت ضجة كبيرة، ليس عند العلماء فحسب، بل والمفكرين أيضا. وانقسم المفكرون في تناولهم لها إلى ثلاث فئات: فئة آمنت بالنظرية وتولت الترويج لها والدفاع عنها بطابعها المادي ويرأسها شبلي شميل، وفئة رأت فيها كفرا وإلحادا فاستنكرتها ورفضتها ويرأسها الأفغاني، وفئة منهم لم تر أي تناقض بين هذه النظرية والدين وحاولت التوفيق بينهما ويرأسها إسماعيل مظهر.

وداخل هذه المواقف الثلاثة، حاولت المقالة ليس، توضيح غياب بلورة فكرية، سواء على مستوى الإبداع والتأصيل النظري، أو على مستوى إنتاج وخلق شروط ومستلزمات التطور المجتمعي فحسب، بل كذلك رصد محاولات ارتكزت في غالبيتها على التأرجح بين، استعارة أطروحات ومفاهيم الإنتاج الفكري والعلمي الغربي، واستعادة مقاربات وآليات الموروث العربي الإسلامي القروسطي، أو التوفيق بينهما. كما حاولت (أي المقالة) الوقوف كذلك، من الناحية الإبستيمولوجية، عند بواعث ودواعي الهيمنة الضمنية أو الصريحة للفكر التراثي، اليقيني. ومن ثمة عند توظيف مفهوم البقاء للأصلح على مستوى الأفكار المشروط والمقترن عند داروين بالتطور، فإنه من الممكن القول، إن أسبقية المنظومة التراثية اللاهوتية، وجعلها فوق الفاعلية البشرية وسريانها في الثقافة العربية الإسلامية، لمدة تجاوزت خمسة عشر قرنا، كان من المفروض باعتبارها الأصلح، أن تفضي إلى التقدم والتطور، لكن العكس هو ما نشاهد اليوم، اعتبارا للتخلف التاريخي، والحضاري، والتدهور الاقتصادي، والاجتماعي، التي تعيشه المجتمعات العربية؛ وهو ما يعني، ضرورة مراجعة أفكارنا وطبيعتها بالاحتكام للفكر النقدي.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا