حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية


فئة :  مقالات

حكم المشاركة في الوزارة  والمجالس النيابية

هذا عنوان كتابين صدرا في الأردن تعبيرا عن الجدل الذي دار في وسط صفوف جماعة الإخوان المسلمين بسبب مشاركة الجماعة في الانتخابات النيابية التي جرت في العام 1989، ثم ولفترة وجيزة في الحكومة بخمسة وزراء، الكتاب الأول من تأليف محمد أبو فارس، ويقول بحرمة المشاركة في الوزارة، والثاني من تأليف عمر الأشقر، ويرى أن الأصل في المشاركة حرام، ولكنها تجوز وفق تقديرات وترجيحات قيادة الجماعة!

وبالطبع، فإن التفكير بجواز المشاركة أو حرمتها، واستفتاء علماء الدين في المسألة أمر يثير الاستغراب وربما الصدمة، ويوضح الانفصال العميق الذي تعيشه الجماعة عن سياق الأمة وتاريخها، ويؤكد الشعور تجاه الأمة والدول والمجتمعات والحكومات القائمة بالاختلاف، وأن قيم المشاركة والانتماء للدولة والأوطان والعمل الوطني تبدو هجينة مرفوضة، وأنها ليست سوى وسيلة لمصالح طائفية وجماعاتية، وهذا أخطر ما يمكن أن تقع فيه جماعة من الأمة، وسواء كانت الفتوى بالإجازة أو التحريم، فإنها تصدر عن هذا الوعي أو العقل الباطن للجماعة، الاعتقاد بالاختلاف عن عموم المسلمين، وأن لهم فقه خاص، ذلك أن الاستفتاء والتحريم والتحليل في هذا السياق يخص الجماعة وأعضاءها وليس موجها إلى المسلمين... ويا لها من كارثة تحتاج إلى مواصلة التوقف والنظر.

سأعرض في هذه المقالة كتاب عمر الأشقر "حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية"، وسأعود لاحقا إلى كتاب أبي فارس الذي يحمل العنوان نفسه، وأواصل السؤال والنظر في المسألة التي طرحتها في مقالات سابقة عن المشاركة مع الأمة بمحتوى خوارجي وبوسائل وأوعية لا تصلح للمشاركة السياسية...

يقول الأشقر: إن عملية إدخال المسلمين جميعا أو أغلبيتهم ضمن الحركات الإسلامية المعاصرة تبدو أمرا بعيد المنال، وقد استبعدته هذه الحركات من مجالها، حين قبلت لنفسها أن تكون مضطرة، أن تكون مجموعات جزئية من المسلمين، وهي بهذا الوضع أصبحت أشبه بالأحزاب السياسية المعاصرة منها بالدعوة الإسلامية الأولى التي كانت تضم كل المسلمين، ومنهج الأحزاب السياسية المعاصرة يقوم على أساس أساليب معينة تصل الأحزاب من خلالها إلى السلطة السياسية.

وهذه الأساليب، إما أن تكون عن طريق اللعبة الديمقراطية، أو تكون عن طريق الانقلاب العسكري، أو عن طريق الثورة الشعبية المسلحة.

فالحركات الإسلامية المعاصرة من حيث أرادت أو لم ترد، باعتبارها مجموعات حزئية من المسلمين وضعت نفسها في الطريق الحزبي الذي تسلكه الأحزاب المعاصرة، إذا ما شاءت لنفسها الوصول إلى الحكم". (22)

ويفترض الأشقر أن الأوضاع القائمة غير إسلامية، وأنه جرى إقصاء الإسلام عن مجال الحكم والدولة بإلغاء الخلافة الإسلامية... فإذا استطاع المسلمون التغلب على هذه المصيبة بإعادة الإسلام إلى الحكم والدولة، استطاعوا أن يحل أكثر مشكلاتهم". (24 – 25)

يبدو واضحا إذن، أن الأشقر يفكر ويفتي من تصوره للإخوان المسلمين وليس للأمة الإسلامية، وتفهم بالضرورة أن الجواز والمنع الذي يفتي به هو للإخوان المسلمين وليس لعموم المسلمين، ويقول: "الأصل عدم جواز المشاركة في الوزارة التي تحكم بشريعة غير شريعة الله". (29)

ويسوق أدلة على ذلك، من قبيل النصوص الحاكمة على من يحكم بغير ما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق " ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الكافرون" (المائدة 44) "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" (المائدة 45) "ومن لم يحكم بما أنزل الله "فأولئك هم الفاسقون" (المائدة 46) وقوله تعالى: "إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه" (يوسف 40) "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" (النساء 65)

والمشاركة يراها الأشقر في الحكم غير الإسلامي (يعتبر الحكومات والدول العربية والإسلامية القائمة اليوم غير إسلامية) فيها مفاسد عظيمة، فالذين لا يحكمون شرع الله يحادون الله في أمره وينازعونه في حكمه، وتوقع المشاركة المسلم في تناقض كبير، وطاعة الحكام فيما يشرعونه مخالفين أمر الله تعني اتخاذ المطيع لهم أربابا من دون الله كما قال الحق في شأن أهل الكتاب: "اتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما امروا الا ليعبدوا إلها واحدا" (التوبة 31)، وقد بين الرسول لعدي بن حاتم أن معنى هذا الاتخاذ هو طاعتهم في تحليلهم ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، ويدلس الحاكم باستيزار المسلمين الصالحين على السذج والعوام، ويمررون من خلالهم القوانين الجائرة الظالمة، وفي المشاركة في الحكم ركون إلى الذين ظلموا خلافا لقوله تعالى: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" (هود 113)، وقد يكون في المشاركة في الحكم إطالة لعمر هذه النمط من الحكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله في بعض الأحيان". (29 – 33)

هل المقصود بالفتوى هنا هو كل مسلم؟ أم الأخ المسلم؟ أم المتدين؟ فإذا كان جميع الوزراء أو أغلبهم مسلمين، فأيهم المقصود بالتحريم؟

ويستدل على نحو يوضح الفكر والشعور الخوارجي بجواز المشاركة "وجواز المشاركة هو استثناء من الأصل استدلا بمشاركة يوسف عليه السلام في الوزارة، وموقف النجاشي، والمصلحة" (34) "فقد شارك يوسف في الحكم في مجتمع مشرك لا يقوم الحكم فيه على قواعد الإسلام" (40) علما بأن القول: "إن الحكم إلا لله" وردت على لسان يوسف نفسه! والنجاشي المسلم كان يقوم على نظام يحكم بغير شرع الله. (66)

ويمكن أن تكون للمشاركة بعض المصالح (92)، فتكون المشاركة جائزة على أساسها، مثل درء المفاسد والمؤامرات وتأكيد قدرة العاملين بالإسلام على إدارة نظامهم، وإعادة الثقة بالإسلام، وزيادة خبرة العاملين بالإسلام، وتحصيل الفرص المتاحة لغيرهم في التعليم والتدريب، وإيجاد مجموعة من أصحاب الجاه عند الناس، والاستفادة من هيبة السلطة لخدمة هذا الدين، وتفويت الفرصة على البديل للعاملين بالإسلام من الشيوعيين والصليبيين. (92 – 94)

إنه جواز بالمشاركة يشبه حال المسلمين في أوروبا وأمريكا والفلبين وغيرها من الدول غير الإسلامية، ما الفرق لدى الأشقر بين البرازيل مثلا والمغرب؟

ويرجح الأشقر جواز المشاركة في المجالس النيابية (116)، ولكنه وعلى أساس المصلحة يقدم خلاصة مختلفة عن سياق الأدلة والفهم العام، باعتبار أنظمة الحكم والمجتمعات غير إسلامية؛ فالمشاركة مسألة تقدره القيادة كما هو شأن الأحزاب السياسية إسلامية كانت أو غير إسلامية (118) وأن مسألة الاشتراك في الوزارة والمجالس النيابية هي من الأمور الاجتهادية التي يسع العلماء وأهل الرأي الاختلاف فيها. (119)

والعجيب، أنها مقولات يستشهد بها المعتدلون في الإخوان المسلمين، ويطرحونها مستدلين على اعتدالهم وعلى أنهم لا يحرمون المشاركة! وربما يكون ذلك صحيحا نسبيا، عندما تقرأ كتاب محمد أبي فارس، ويا لها من حالة صعبة أوقعنا فيها الإخوان المسلمون، عندما جعلوا الفكر الخوارجي متقبلا وعمليا، وحولوه إلى محرك للانتخابات النيابية والمشاركة السياسية!!