حوار مع المترجم والناقد شكير نصر الدين في: قضايا الترجمة وأحوال النقد


فئة :  حوارات

حوار مع المترجم والناقد شكير نصر الدين في: قضايا الترجمة وأحوال النقد

حوار مع المترجم والناقد شكير نصر الدين في:

قضايا الترجمة وأحوال النقد

تقديم:

تشكل الترجمة رافداً أساسياً من روافد الأدب والفكر الإنساني عموماً. والواقع أن هذا الرافد أثار ويثير من الإشكالات والقضايا ما يستلزم التأمل وتمعين التفكير، بغاية الاهتداء إلى الصورة الحقة لنموذج الترجمة المتغيا والمطلوب.

على أننا في هذا الحوار مع المترجم والناقد المغربي شكير نصر الدين، ومن خلال تجربته العميقة والنص الموصوف والموضوع، نسعى إلى استجلاء واقع الترجمة، والممارسة النقدية التي يحرص من خلالها على دراسة بعض الظواهر الأدبية ومقاربة النصوص نثراً وشعراً.

وتحق الإشارة هنا إلى أن ما يتفرد به الأستاذ شكير نصر الدين، التزامه بتقديم التراث الأدبي والنقدي للناقد الروسي "ميخائيل باختين"، حيث ترجم له من الكتب: "جمالية الإبداع اللفظي" (دار دال/سوريا) وتصدر طبعة ثانية له عن (دار رؤية /مصر)، ثم "الفرويدية" عن نفس الدار المصرية، و"أعمال فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية" (دار الجمل/بيروت ألمانيا)، إلى جانب ترجمات أخرى لنا أن نذكر منها: "أليس في بلاد العجائب" لـ"لويس كارول" (المركز الثقافي العربي/بيروت الدار البيضاء) و"فتاة من ورق" لـ "غيوم ميسو" عن الدار نفسها، ثم كتاب "القراءة"، وهو ترجمة موقعة برفقة الكاتب والمترجم المغربي محمد آيت لعميم، وهي لـ "فانسان جوف" وصدرت بمراكش، ثم "النقد الأدبي" لـ "جورج روجي" وصادر عن "دار التكوين" بدمشق/سوريا.

الحوار:

صدوق نورالدين: هل يمكن تحديد مفهوم دقيق للترجمة...وبالتالي، ما الفرق بين الترجمة والتعريب؟

شكير نصر الدين: لا يسع المرء أن يقدم تحديداً جامعاً مانعاً للترجمة، باعتبارها من المفاهيم الإشكالية التي أثارت الكثير من الجدل عبر التاريخ، محلياً وعالمياً، لكن مع ذلك، هناك اتجاه غالب اليوم إلى اعتبارها تواصل عبر لغتين لكل منهما مميزاتها وامتدادها التاريخي والفكري والثقافي. الترجمة وفق هذا المنظور وساطة لغوية تراعي السياقات المتشعبة الخاصة بكل من اللغة المنقول منها وتلك المنقول إليها. مما يعني اعتبار اللغتين في اختلافهما وائتلافهما في وقت معا. ولعل ذلك قد يقودنا إلى الفرق بين التعريب والترجمة، وهو فرق منهجي، إذ ليس هناك حدود جازمة بين كل من الفنين؛ قد يبدو التعريب من منظور الاشتغال اللساني الصرف تعصباً لنقاء اللغة المستهدفة، العربية في حالتنا، بحثاً عن اللفظ الخارج من صلب العربية للتعبير عما تم إنتاجه في ثقافة وفكر وعلوم مغايرة ؛ أي نقل المفردة النواة وكأن هناك معنى جوهرياً في اللفظ، وبالتالي فإن هاجس وحدة اللغة العربية وانسجامها الداخلي (تركيباً وصرفاً ودلالة) والخوف عليها من ذلك الدخيل غالباً ما أدى إلى الكثير من المضحكات، إن مثل هذه النظرة الضيقة لفن التعريب لا يمكن أن يدافع عنها المرء، إذا كان المسعى من التعريب هو خلق المثيل، في حين أنه يخلق وَهْم المثيل. ما يهمني في التعريب هو التقريب، لا التغريب، والتغريب غير مستحب في الترجمة أيضاً، ومن هنا ما يبرر ما ألمحت إليه آنفاً من أن ليس هناك حدود جازمة بين التعريب والترجمة، إذ ينبغي النظر إليهما فيما يصل بينهما؛ أي أن يستلهم المترجم دقة وصرامة المعرِّب دون الانغلاق على مكون المفردة، وإنما الانفتاح على سياقاتها التداولية المتشعبة، لا الانحصار في وهم نقاء وصفاء العربية، وإنما اعتبار التداخل بين اللغتين، بصفة كل منهما حمَّالة لفكر إنساني وليس لوثوقية متعصبة (وهم القطر أو الوطن أو الأمة). ما يجب هو إعمال التكامل بين التعريب والترجمة.

صدوق نورالدين: لقد وازيت بين ترجمة الإبداعي متمثلاً في جنس الرواية، والفكري مجسداً في العلوم الإنسانية... ترى أين يكمن الفرق؟ بمعنى آخر، أين تجد ذاتك أكثر؟

شكير نصر الدين: بالتأكيد هناك فرق من زاوية الانتماء الأجناسي، لكن مرة أخرى أحب النظر إلى المسألة من زاوية الوصل لا الفصل. والجامع بين ترجمة الرواية مثلا والبحث الفكري هو وضع القارئ الذي يؤول السياقات اللغوية والفكرية والثقافية. المترجم قارئ موسوعي بامتياز. إذا كان فهمنا للرواية يصدر عن اعتبارها جنساً أدبياً منفتحاً غير مكتمل، قابل للتعبير عن مختلف الخطابات، فإن مترجم الرواية لا يسعه التعامل معها بصفتها جسد لغوي صرف. عملياً، يصادف المترجم الصعوبات نفسها التي تنتصب أمامه في ترجمة كتاب فكري معين، تضاف إليها الصعوبات المحيطة باللغة المجازية، الاستعارية وانزياحاتها الخاصة بجنس الرواية. عملياً، أثناء ترجمة الرواية يجد المترجم كلام الفيلسوف وكلام المؤرخ، المؤرخ وكلام السياسي، وكلام عالم اللاهوت، إلخ، كما أن مترجم عمل نقدي قد يجد في هذا الأخير مقتبسات من رواية أو قصة، أو من نص شعري.

شخصيًا كل ترجمة هي عندي مغامرة، لها مخاطرها الممتعة، أدخل غمار ترجمة الرواية أو العمل الفكري المحض بالاستعداد النفسي عينه. لكن في حالة الرواية دائماً أتوقع المفاجئات؛ لأن الرواية كما أسلفت جنس منفتح، على العلوم والمباحث والثقافات المتنوعة، وعلى سبيل المثال، يكفي أن تدخل شخصية روائية إلى مطعم أو متجر لبيع الورود أو مصنع، وما على المترجم حينما سوى الاستعداد لمواجهة ذخائر متشاكلة من الأطعمة والمذاقات والعطور والألبسة والآلات. ومن هنا استلزام الموسوعية، على أن الدقة مطلوبة في المجالين معاً. أما عن أيهما الأقرب إلى القلب، فإني أعتقد بكل صدق أني أجد متعة في المجالين معا، ما يشبه الانخطاف، إذ بالنظر إلى الكتب التي صدرت لي أو هي قيد الطبع هناك ما يشبه التوازن، وإن كنت قد دأبت منذ ثمانينيات القرن الماضي على نشر الدراسات الفكرية، من نقد أدبي وفلسفة عموماً، فقد تخللتها بعض النصوص الأدبية، مثل ترجمتي لفصول من رواية نتالي ساروت، "طفولة" التي لاقت استحسان القراء حينما نشرت في حلقات ذات رمضان من سنوات التسعينيات. أظن أن ممارستي للنقد الأدبي كان لها هذا الدور في خلق التوازن لدي؛ وبالتالي التصدي للجنسين معا يبدو لي منسجماً مع تصوري النظري والجمالي للأعمال، باعتبارها في تكاملها، لا في انغلاقها.

صدوق نورالدين: يمكن القول إنك أوليت آثار "ميخائيل باختين" اهتماماً كبيراً، حيث أقدمت على ترجمة أهم مؤلفاته...ما العوامل التي دفعتك لذلك؟ وهل الحاجة إلى تصورات "باختين" عن الكتابة واللغة قائمة، وإلى اليوم؟

شكير نصر الدين: بالفعل لدي اهتمام بأعمال المفكر الروسي الكبير ميخائيل باختين منذ ما يقارب الثلاثة عقود، أولا بصفتي قارئا ثم مترجما، إذ كنت قد نشرت ترجمة دراستين من كتاب "جمالية الإبداع اللفظي" بداية التسعينيات، ومن ذلك الأوان وأنا أشتغل على هذا الكتاب الذي كان جاهزاً للنشر سنة 1997، ولم يكتب له ذلك إلا سنة 2011 بفضل دار دال للنشر والتوزيع (سوريا)، وهو بالمناسبة كتاب يضم أعمال المفكر الروسي التي تمتد على مدى أكثر من خمسة عقود (1920، 1974)، لقد حرصت على نشر هذا الكتاب؛ لأني وجدت فيه ما يصحح النظرة الاختزالية والتبسيطية التي هيمنت على الدرس النقدي العربي بخصوص هذا المفكر، حيث إن السائد في التمثلات والتطبيقات النقدية العربية لنصوص باختين هو الاختزال والاجتزاء، إذ يتم اختصار أطروحاته الفكرية والنظرية في أطر مرجعية ومدارس نقدية هو أرحب منها ولا تتسع لمفكر أسس نظره على تكامل المعارف وتداخل تخومها. وهكذا يتم حصره مثلاً، إلى جانب خانات أخرى في «سوسيولوجيا الأدب » أو في «الأيديولوجيا الماركسية » أو غيرها، بل إن هنالك من يعدد وجوه باختين الكثيرة، حيث يتم ذكر باختين الأيديولوجي والسيميائي وفيلسوف اللغة وعالم الثقافة، أو يتم الاكتفاء بالحديث عن البوليفونية أو الحوارية والظفر منهما بالقشور دون أدنى جهد لتأصيل التصورات والمفاهيم. وترجمتنا تلك كانت تسعى إلى تصحيح تلك الصورة المشوهة، بل والمغلوطة عن مفكر كان المبدأ الأساسي في رؤيته لكل الظواهر هو مبدأ الوصل أو التمفصل، مما يتيح قراءة جديدة للمنجز الباختيني واعتبار المفكر وفكره بالنظر إلى كل تلك الوجوه المذكورة في اتصالها وليس في انفصالها، إذ كيف يعقل حصر مفكر اللااكتمال والانفتاح والحوارية داخل خانات تحد وتقصي. فكر ينبني على التلاحم لا التنافر، تلاحم الفهم والمعرفة الإدراكية والتبادل اللفظي. الحوار والمونولوغ، المتكلم والمخاطب، الهوية والتعدد، الكوني والمحلي، التلفظ والملفوظ.

على أن المتلقي العربي للأسف فيما يخص باختين اكتفى منه بما راج في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ولم يعمل على الإفادة منه مثلما يفعل البحث الأكاديمي الفرنسي، وأضرب لذلك مثال الباحث المجدد المعروف جان ميشال آدم الذي لا يتوقف عن الاستناد إلى منجز باختين، وإلى "جمالية الإبداع اللفظي" على وجه الخصوص في تدعيم مشروعه النظري، الذي يتمحور حول اللسانيات النصية وتحليل الخطاب، كما في كتابه "أجناس المحكيات. سردية النصوص وأجناسيتها" (2011) على سبيل المثال لا الحصر. وللقارئ أن يضع الدراسات المتضمنة في ترجمتنا "جمالية الإبداع اللفظي" في سياقها التاريخي ليتبين بعد اطلاعه عليها، كم كان باختين رائداً وسباقًا في العديد من المباحث المتخصصة والوقوف عند الراهنية المستمرة لفكر هذا الباحث ومقدار الحاجة الملحة في الفضاء الثقافي العربي إلى الأخذ من معينه الذي لا ينضب؛ وإيمانا مني بالحاجة الملحة إلى الإفادة من هذا المفكر الموسوعي عمدت إلى ترجمة كتابه "أعمال فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية في العصر الوسيط وإبان عصر النهضة"، ثم كتابه "الفرويدية"، وهما معا قيد الطبع؛وإذا كانت مكتبات العالم تضم بين رفوفها ترجمات عديدة لمؤلَّفه عن رابليه بلغات مختلفة، فإن المكتبة العربية والحقل النقدي العربي ظلا ينهلان مما جادت به تلك المكتبات في صورة مقتبسات من هنا أو هنا، مع ما يحمله ذلك الفعل من اختزال بل وتعسف. ولهذا السبب أصبح من الضروري الاعتماد على ترجمة عربية كاملة لهذا المرجع الذي ما للناقد من محيد عنه. أما كتابه "الفرويدية"، فإنه سوف يظهر للقارئ العربي أن "ميشال أونفري" الذي تصدى لسيغموند فرويد في كتابه "أفول صنم، الأكاذيب الفرويدية"، (2010) كان له سلف سبقه إلى إظهار تهافت الفرويدية، سنة 1927، ولعل في ذلك دليل آخر على نبوغ المفكر الروسي الذي كان وما يزال سباقا إلى العديد من المقاربات النظرية الرصينة.

صدوق نورالدين: هنالك آثار أدبية وفكرية عالمية ترجمت أكثر من مرة، فهل تجد مبرراً مقنعاً لذلك؟

شكير نصر الدين: قد تتم إعادة ترجمة الكتاب الواحد لسببين: أولهما يتصل بجودة الترجمة، إذ حينما يكون النص المترجم معيباً، فإن إعادة الترجمة ضرورية حينها، والعيب قد يتصل بالكم أو بالكيف، أو بهما معا، حيث هناك من الترجمات التي تحافظ على العنوان الأصلي للنص في حين أنها لا تضم سوى جزء منه، وهناك من المترجمين من يعمل المقص حاذفاً ما عجز عن ترجمته أو ممارساً رقابة ما عما لا يتفق وأهواءه؛ وثانيهما قد نجد تبريراً له في المسافة الزمنية بين إنتاج النص وتلقيه، وإن كنت لا أتفق كثيراً مع هذا المسوغ. صحيح أن للتاريخ فعله في تغير التلقي، لكن إذا كانت الترجمة الأولى جيدة لا أجد مبررًا مقنعًا لإعادة الترجمة، اللهم لأسباب تتعلق بالناشرين وذوي الحقوق وغيرها من الذرائع التي لا تدخل في صميم عمل المترجم.

صدوق نورالدين: أنت تكتب على السواء النقد الأدبي...فكيف ترى واقع النقد الأدبي العربي اليوم؟

شكير نصر الدين: بعد فترة الانبهار بالنقود الغربية، الشكلانية والبنيوية عموماً، الذي عمَّر لما يفوق ثلاثة عقود، يبدو أن النقد الأدبي العربي قد تخلص من سطوة شبكات القراءة الجاهزة التي كانت تجعل من مقاربة النص ذريعة لاستعراض وإسقاط مفاهيم وتصورات نظرية أو فنية وجمالية. بعد أن هدأت هذه الفورة، وأصبح الاهتمام بالنص فيما يميزه نوعياً وأجناسياً وموضوعاتيا، نشهد اليوم انبهاراً بموجة أخرى من النقد، ألا هو النقد الثقافي، أو الذي يستند إلى مرجعية العلوم الاجتماعية والفلسفية. وكأننا استبدلنا مقولات الشكلانية والبنيوية وجمالية التلقي بالنقد الثقافي القديم الجديد؛ وكأننا لا نمتلك ما يكفي من الجرأة للقيام بعملية الوصل، وصل في الزمنية الكبرى؛ أي النقد العربي المتعارف عليه بالقديم، استلهام منجزات تراثنا النقدي العربي القديم الطموحة، وليس تكرارها، ولعل المسعى الجسور للناقد العراقي عبد الله إبراهيم يسير في هذا الاتجاه، ربط الماضي بالحاضر، قد لا يصيب في كل استنتاجاته، لكن له بالتأكيد أجر الباحث المغامر الذي لا يستكين إلى الجاهز؛ أو في الزمنية الصغرى، وأقصد بذلك الوصل بين المنجز النقدي في عصرنا الحالي عند عبد الفتاح كيليطو ومحمد مفتاح، وسعيد يقطين مثلا وأبحاث عبد الكبير الخطيبي، ومحمد جسوس وعبد الله حمودي وطه عبد الرحمان، على سبيل المثال لا الحصر، في الحالة المغربية التي قد نقيس عليها ما يعيشه النقد العربي عموماً. والحاصل أن النقد عندنا نقود جُزُر منفصلة، كل يشتغل في مجاله، ولا ينظر إلى ما يستجد في المباحث الأخرى، وبالتالي فإن النظر النقدي يقصر عن الرؤية إلى العمل الأدبي بصفته أولا وقبل كل شيء أثر لنشاط لفظي إنساني رهين سياقات اجتماعية، اقتصادية، وسياسية. لا أعرف إن كانت الشروط الموضوعية لمثل هذا المشروع المنفتح قد نضجت بعد، لكن ألا يجدر بنا أن نعمل في اتجاه تكامل المعارف التي ستكون ثمارها على الأقل من بيئتنا، وليس الاستمرار في التعيش على ما ينتجه الغرب، كلما لفَظَ منهجاً هرعنا إليه نقتات من فتاته؟ هذا لا يعني الانغلاق، لكن ألم نجرب ما جادت به علينا المكتبات والجامعات الغربية؟ لِمَ لا نستلهم السيرورة الابستملوجية لتطور تلك النقود والنظريات الغربية وتمازجها ونشتغل على منجزاتنا، بما لها وعليها.

صدوق نورالدين: هل ثمة من آفاق مستقبلية للترجمة في العالم العربي؟ وما مشاريعك القادمة؟

شكير نصر الدين: ظاهرياً يبدو وكأن هناك صحوة يعرفها مجال الترجمة عربيا، وهي نابعة من استشعار تخلفنا عن باقي العالم، والأمر لا يعدو كونه تعبير عن حاجة ملحة إلى جسر الهوة الشاسعة بيننا وبين الآخر، لكن الحقيقة أن واقع الترجمة عربيًا لا يختلف عما يعرفه ترويج المؤلف المكتوب بالعربية أصلا؛ لأن تدارك التخلف في هذا المجال أخذ شكل التصدي الكمي ولم يعر مقياس الجودة أي بال. الكثير من الترجمات، وهي بالمناسبة لا تغطي كل أجناس وأنواع المؤلفات (علوم إنسانية، علوم حقة، فنون، وغيرها) هي تغيير في اتجاه كتابة الحروف، من اليسار إلى اليمين، لا أكثر، كما أن المؤسسات التي تعني أصلاً بالترجمة (المعاهد والمدارس) تخرج أفواجاً من المترجمين لكن قلة منهم هي التي تعمل في المجال. أما البقية، فهم موظفون مثل كل الموظفين في القطاعات الأخرى. صحيح أن بعض المؤسسات المدعومة من قبل جهات رسمية أو خاصة تعمل على تدارك التأخر الحاصل، لكن ذلك الأمر صاحبه تهافت غير ذوي الخبرة، مما نتج عنه إفساد لقيمة النص المنقول أكثر من تقديمه للقارئ العربي في صورة مقبولة. إن هذا التهافت قد يطول؛ ذلك أن الإغراءات المالية تجعل من بعض المترجمين سامحهم الله يسيئون بصنيعهم ذاك إلى صورة العمل الترجمي، فضلاً عن الإساءة إلى النص الأصلي ودار النشر. هناك بالطبع معاهد تعنى بالترجمة وتقدم أعمالاً رصينة لكنها تظل حبيسة رفوف خزاناتها، وإن خرجت إلى فضاء التلقي، فتنقصها جودة الورق مثلا، أو جمالية الغلاف، إذ كما هو معروف الكتاب هو قبل كل شيء سلعة، وبالتالي فإن ترجمات هذه المعاهد الأكاديمية لا تخلف أثراً في سوق الكتب المترجمة. وفيما يخص الآفاق، فالبقاء للجودة وللحرفية، والدقة العلمية، "أما الزبد فيذهب جفاء".

وفيما يتعلق بمشاريعي القادمة، أنا أشتغل الآن على رواية من روايات جلبير سينويه، وعلى المدى القريب ترجمة كتاب فلسفي آخر للمفكر الروسي ميخائيل باختين. وبصفة عامة المزاوجة بين ترجمة الإبداع والنقد الأدبي والفلسفة.