حوار مع ميكائيل جوزيف ماركس: الدراسات القرآنيّة في الاستشراق الألماني الجديد


فئة :  حوارات

حوار مع ميكائيل جوزيف ماركس: الدراسات القرآنيّة في الاستشراق الألماني الجديد

كان لنا ـ على هامش الورشة الأكاديميّة التي نظّمها قسم دراسات الموروث الدينيّ بمؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث بعنوان: "القرآن: التاريخ والخطاب والدراسات" (10 سبتمبر 2013) ـ حوار مع الباحث الألماني ميكائيل جوزيف ماركس Michael Joseph Marx مداره على واقع الدراسات القرآنيّة وآفاقها، سواء في مجال الاستشراق المعاصر أو في المجال العربيّ والإسلاميّ اليوم، مع العلم أنّ ضيفنا في هذا الحوار قدّم في الورشة المذكورة مداخلة تحت عنوان: "جمع النصوص المتعلّقة بالقرآن الكريم"


بسّام الجمل: الأستاذ الدكتور ميكائيل ماركس مرحبا بك في هذا اللقاء الذي نريد من خلاله أن نطرح عليك جملة من الأسئلة التي تهمّ الدراسات القرآنيّة، ولكن في البداية لو تفضلّت بتقديم نفسك إلى قرّائك.

ميكائيل ماركس: ولدت سنة 1971 ودرستُ الاستشراق والدراسات العربيّة وفقه اللغة واللغات السامية في جامعات برلين وبون وباريس وطهران. ومنذ سنة 2003 عملت بقسم الدراسات العربيّة بجامعة برلين الحرّة. ثمّ تحملّت منذ 2007 مسؤوليّة إدارة مشروع "الموسوعة القرآنيّةCorpus Coranicum " في أكاديميّة العلوم بدرانبورغ.

بسّام الجمل: ما هو الهدف أو الأهداف المرجوّة من إنجاز المشروع الذي أشرت إليه للتوّ؟ وما الذي تحقّق منه إلى حدّ الآن؟

ميكائيل ماركس: يتضمّن هذا المشروع ثلاثة أقسام كبرى؛ أوّلها: توثيق المصاحف والقراءات؛ وثانيها: تفحّص النصوص المتعلّقة بمحيط زمن المتن القرآنيّ؛ وثالثها: هو نوع من شرح أدبيّ يشتغل بالخصوص على سؤال التسلسل الزمنيّ للمتن القرآنيّ. والملاحظ أنّ عملنا هذا يعوّل كثيرا على الوسائل المعلوماتيّة المتاحة اليوم، إذ قمنا بتسجيل وتوثيق أقدم المصاحف القرآنيّة من العالم العربيّ ومن عدّة معاهد أروبيّة موجودة في لندن وباريس واسطنبول والمغرب وروسيا. ثمّ وضعنا تلك المصاحف على القاعدة المعلوماتيّة، حتى نتمكّن من المقارنة بينها، وعندئذ نتعّرف على تاريخ المتن القرآنيّ وعلى تطوّره خلال القرنين الأوّل والثاني للهجرة. وبعد ذلك عمدنا إلى نقل Transcription المصاحف من الخطّ الحجازيّ إلى الخطّ النسخيّ لكي نستطيع أن نقارن، بطريقة واضحة، البيانات والنصوص.

والحقّ أنّه صادفتنا، ههنا، عدّة مشاكل متّصلة بتواريخ المصاحف. ونحن الآن نجهّز عدّة عمليات لضبط تواريخ المصاحف تعويلا على تقنيّة الكربون 14 أي C14المستخدمة في العلوم التطبيقيّة، ونقوم مع زملائنا في برلين بتحليل الحبر في المصاحف، إذ تُوجد بعض المصاحف الحجازيّة تحتوي على دوائر باللون الأحمر. ونظنّ أنّ تلك الدوائر أُضيفت إلى تلك المصاحف بعد كتابتها في مدّة تقدّر بمائة سنّة وأحيانا بمائتيْ سنة. وكلّ ذلك يساعدنا على فهم كيفيّة تطوّر المتن القرآنيّ في الأمصار. ونحن لنا اليوم فقط، وللأسف، مصاحف من الشام (دمشق) والقاهرة، وتنقصنا بيانات عن وضع المصاحف في العراق (خاصة في البصرة والكوفة) نظرا إلى الوضع السياسيّ اليوم في العراق. ولا ننسى ما قام به المغول قبل ذلك بقرون من إتلاف المكتبات. وحسب معلوماتي، لا توجد اليوم مصاحف قديمة تعود إلى الفترة الإسلاميّة الأولى في كلّ من إيران والعراق. أمّا في حقل القراءات، فإنّنا نجمع بين التفاسير وكتب معاني القرآن (للفرّاء والأخفش الأوسط) وكتب المفسّرين الأوائل، مثل مجاهد بن جبر ومقاتل بن سليمان وكتب قراءات القرآن. وهذا العمل يمكّننا من إنجاز جدول مقارني حول هذه العلوم الإسلاميّة في فترة زمنيّة محدّدة. وفي تقديري، أنّ المعلومات المتوفّرة اليوم عن المصاحف القرآنيّة كثيرة جدّا، ولكن لا نستطيع إعادة بناء الأصل الأصيل للقرآن، ولكنّ ذلك لم يمنعنا من إنجاز نوع من توثيق البيانات عن التسلسل الكتابيّ والتسلسل اللغويّ لآيات المصحف. وحتّى لا يبقى كلامي هذا نظريّا مجرّدا، فإنّي أسوق المثال التالي المتعلّق بمختلف قراءات الآية 19 من سورة مريم 19؛ ففي مصحف القاهرة (1924) نقرأ الصيغة التالية "قال إنّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاما زكيّا". ونجد رسما مغايرا للآية ذاتها في عدّة مصاحف أخرى منها:

- مصحف دمشقيّ (محفوظ بالمتحف البريطانيّ): "لِيَهَبَ" أو "لِنَهَبَ".

- مصحف من أوائل القرن الأوّل للهجرة في برلين : "لِأَهَبَ" ...

ونقارن ذلك كلّه بما قاله الزجّاج في كتابه "معاني القرآن"، حيث نجد الصيغة التالية: "لِنَهَبَ". بينما عند ابن مجاهد في تفسيره استُعْمِلت صيغة : "لِأَهَبَ". ثمّ نعثر عند ابن خالويه القراءة المنسوبة إلى ابن مسعود، وهي : "أَمَرَنِي أَنْ أَهَبَ"، وهو ما يعني إضافة كلمتين إلى الآية : ("أَمَرَنِي + أَنْ). فهذا التوثيق يتيح لي فرصة فهم تطوّر صيغ القراءات. والرأيُ عندي أنّه لم يوجد أي تفسير قرآنيّ بدون قراءات. وحتّى مقاتل بن سليمان (تـ 150هـ/767م) فإنّه يذكر في تفسيره حوالي 25 قراءة مختلفة، ومن قبله ذكر مجاهد بن جبر (تـ 104هـ/722م) ستّ قراءات مختلفة. ومثل هذه الملاحظات، تحتاج إلى دراسات معمّقة ودقيقة، بل إنّنا نملك اليوم صورا على فيلم "أقفا" (AGFA) لمصحف كامل لا نعرف اليوم مكان وجوده. وكان الفضل في تصويره للمستشرق الألماني أوتو برتزل Otto Pretzel(تـ 1941)، وهو خليفة برجستراسر Bergstrasser (تـ 1933) في الدراسات العربيّة بمونيخ، وهو قد زار مدينة مكناس المغربيّة سنة 1934 وصوّر المصحف كاملا (باستثناء 3 أو 4 صفحات). ولربّما يوجد قسم في هذا المخطوط محفوظ اليوم بالكويت، ولربّما يُوجد قسم آخر منه في قصر جلالة الملك بمراكش. وأذكر أنّه منذ حوالي خمس سنوات، بِيعَتْ ثلاث صفحات في هذا المخطوط في بيت مزاد بلندن. ونحن بالمناسبة، ندعو الباحثين العرب والمسلمين إلى دراسة تراثهم الكتابيّ المتعلّق بنصّ المصحف.

بسّام الجمل: هل تعتقد أنّ ذلك يتطلّب تكوين جيل من الباحثين لهم معرفة بأنواع الخطوط وبطرق تحقيق المخطوطات والمعارف اللازمة بالبحث الفيلولوجي؟

ميكائيل ماركس: هذا سؤال جيّد ومهمّ، فأنا أرى أنّه على الدارس في هذا الموضوع معرفة تاريخ الرقوق وكيفيّة صنعها، ثمّ إنّ دراسة الموادّ Objets مهمّة في هذا الباب، إذ لدينا فرصة لمعرفة تطوّر النصّ القرآنيّ قبل أن تُدَوَّنَ في التفاسير المبكّرة. وهذا الوضع يختلف عن تاريخ الإنجيل؛ فهو قد دُوِّنَ في القرن الثالث أو الرابع بعد الميلاد؛ أي بعد أكثر من مائتيْ سنة بعد الأحداث الحاصلة أو التي يُفترض أنّها حصلت في التاريخ. إنّ أقدم نصّ قرآنيّ وُجد بعد حواليّ 30 أو ربّما 20 سنة بعد وفاة الرسول.

بسّام الجمل: هل هذا المصحف موجود اليوم؟

ميكائيل ماركس: نعم، هو موجود بصنعاء في اليمن، ونحن نقوم اليوم بإعادة الخط الأصليّ. وهذا المخطوط كان مطروسا (أو ممحُوًّا) ثمّ وُضعت عليه الكتابة من جديد. وعندما شرعنا في إعادة الخط الأصليّ، وجدنا تلك القراءات المنسوبة إلى ابن مسعود، والتي تُعتبر شاذّة عند علماء القرآن. ومن حسن الحظّ أنّ لدينا في الدراسات القرآنيّة الكثير من المعلومات المتّصلة بمواد القرآن، ولذلك ينبغي الاستفادة منها حسب ما يقتضيه المنهج المعتمد في المدرسة الألمانيّة، وهو منهج يفضّل الاشتغال على تلك المواد (أي الظاهر الماديّة)، ثمّ نناقش المعطيات المتوفّرة. كلّ ذلك يبيّن أنّ منهجنا في مشروع "الموسوعة القرآنيّة" هو توثيقيّ قائم على دراسة الوثائق الماديّة المتوفّرة فعلاً.

ولنا أن نلاحظ أيضا أنّه في مجال الدراسات القرآنيّة المبكّرة تُوجد عدّة قراءات أوردها سيبويه مثلا، وهي غير مُسندة إلى راوٍ معلوم، إذ نجد عبارة من نحو : "قراءة أهل البصرة" أو "قراءة أهل الكوفة" أو "قراءة أهل المدينة".

ولكن منذ أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث للهجرة، تطوّر علم القراءات في اتّجاه الحاجة إلى إسناد القراءات إلى أشخاص معيّنين بحثا عن المشروعيّة الدينيّة. ولذلك، حرص ابن جنّي (في القرن الرابع الهجريّ) على إسناد القراءات إلى أعلام معروفين، مثل: نافع وورش. وهذا المسار في تطوّر علم القراءات ينطبق على علوم إسلاميّة أخرى، مثل الفقه.

بسّام الجمل: هناك من يقول أنّه مع ابن مجاهد (تـ 324هـ/935م) فُرضت القراءات السبع وأعتُبر غيرها شاذا أو غير معترف بها.

ميكائيل ماركس: إنّ مصطلحات من قبيل : "المتواتر" أو "الشاذ" في القراءات القرآنيّة تُعَدُّ مصطلحات جديدة في عصر ابن مجاهد وابن جنّي. ولكن قبل ذلك كان المسلمون يقرؤون القرآن حسب التقليد السائد دون حاجة إلى وجود سلطة معرفيّة تشرّع قراءات معيّنة.

بسّام الجمل: ولكنّ الفكر الإسلاميّ، شأنه في ذلك شأن كلّ فكر دينيّ، يسمح بوجود خيارات واسعة في القراءات، ثمّ يفرض على التدريج قَوْنَنَة القراءات وتسطير الحدود بين ما هو مقبول منها، وما هو غير مقبول.

ميكائيل ماركس: ذلك صحيح، والمؤسف حقّا أنّنا لا نجد عند المسلمين اتّجاها نحو نقد نصّهم المقدّس. وقد لاحظت أنّ الرأي المسيطر في كلّ من مصر وسوريا وإيران والمغرب العربيّ هو ذلك الذي يعتقد أنّ النص القرآنيّ مسجّل بشكل واحد بدون أيّ اختلافات، وهذا طبعا غير صحيح، إذ في التراث الإسلامي شواهد عديدة حول القراءات، وهو ما يُمثّل في تقديري ضربا من النقد النصّي Critique textuel الذي احتفت به كتب التراث الإسلاميّ في موضوع القراءات. فالحسّ النقديّ موجود لدى الطبري مثلا، من دون أن يستخدم كلمة "نقد" حرفيّا، والدليل على ذلك إيراده لمختلف القراءات والتأويلات القرآنيّة ثمّ الترجيح بينها في أغلب الأحيان. وبإمكان الباحثين المسلمين اليوم الاستفادة من نقد الباحثين المسيحيين لنصوصهم المقدَّسة.

بسّام الجمل: كلّ ذلك يدعوني إلى أن أسألك عن مدى تعاون إدارة مشروع "الموسوعة القرآنيّة" مع الباحثين العرب والمسلمين المهتمّين بالدراسات القرآنيّة؟ وهل لديك مقترحات أو مسالك للتعاون مع الباحثين الشبّان خاصة؟

ميكائيل ماركس: نحن نمثّل اليوم قسما صغيرا ضمن هذا المشروع، ولدينا وسائل عمل محدودة. ولكن لحسن الحظّ لدينا إمكانيّة لشخصين أو ثلاثة أشخاص كلّ سنة بإمكانهم زيارة برلين في إطار منحة دراسة ما بعد الدكتوراه وذلك لمدّة سنة، وهم يجلسون معنا ودارت بيننا مناقشات مفيدة في الدراسات القرآنيّة. ففي أكتوبر 2013 استقبلنا باحثيْن اثنيْن من إيران وسوريا. والباحث التونسي نادر الحمّامي كان بيننا منذ حوالي السنتيْن، واشتركنا في عدّة مؤتمرات خارج ألمانيا وآخرها مؤتمر "القرآن : التاريخ والخطاب والدراسات" (سوسة التونسيّة/10 سبتمبر 2013) الذي نظّمته مؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث، كما حضرنا مؤتمرات أخرى في المغرب ومصر وإيران. ولكن، والحقّ يقال، لا يوجد إلى حدّ الآن تعاون دقيق وبصفة رسميّة مع جهات أكاديميّة أو مؤسّسات بحثيّة. ورغم ذلك، نستطيع أن نحقّق خطوات في اتّجاه التنسيق بين إدارة المشروع والباحثين العرب والمسلمين. فإذا كان هناك مثلا باحث من تونس يُريد أن يجهّز مخطوطا قرآنيّا من متحف رقّادة بالقيروان ويعمل على نشره، فإنّنا نُقدّم له كلّ الدعم المادي والمعنوي الذي يستحقّه.

بسّام الجمل: وماذا أنجزت إلى حدّ الآن بخصوص القسم الثاني من المشروع المتعلّق بمحيط القرآن؟

ميكائيل ماركس: يمكن أن نستفيد من دراسة النصوص المتعلّقة بمحيط القرآن من لغات غير العربيّة نعتبرها بمثابة الشواهد المساعدة على فهم محيط القرآن. ونحن نظّمنا مؤتمرا حول موضوع "القرآن في سياقه" The Qur’an in Context سنة 2004 ، وصدرت أعمال المؤتمر في كتاب سنة 2010 وكنت من بين المشرفين على نشره.

إنّ الأدب السرياني والنصوص العبريّة واليونانيّة والحبشيّة والنقوش في الجزيرة العربيّة شمالا وجنوبا وفي الشعر العربيّ القديم، كلّها مهمّة في مجال تفهّم القرآن في محيطه. وهنا للأسف مرّة أخرى، ليست لدينا الطاقة الكافية لنستفيد من المعلومات الموجودة في كتب التفسير. واعتقد أنّ الباحثين المسلمين المعاصرين هم أقدر منّا في هذا المجال. والرأي عندي أنّ موضوع وضع القرآن في محيطه يستحقّ مراجعة Révision. ففي الاستشراق الألمانيّ وغير الألمانيّ، هناك فكرة مسيطرة عليه مفادها أنّ المتن القرآنيّ أخذ عن أو تغذّى من نصوص مختلفة، وأظنّ أنّ هذه الأطروحة ضعيفة جدّا، إذ ينبغي علينا أن نفهم المتن القرآنيّ كنصّ مُخَاطَب. ونحن نرى في النصّ القرآنيّ الخطابَ موجَّها إلى أُناس بمكّة والمدينة؛ أي جماعة مُزامنة للنبيّ ولديها مفاهيم من أديان أخرى ما قبل الإسلام. كلّ ذلك يدعونا إلى المقارنة بين النصوص الموجودة، سواء في اليونانيّة أو العبريّة أو السريانيّة للبحث عن عناصر مشتركة بينها أو مختلفة. بعبارة أخرى، لا بدّ من مقارنة المتن القرآنيّ بشواهد من نفس المرحلة الزمانيّة والمنتمية إلى محيط القرآن، لنفهم ما هو الجديد في ذلك المتن (من نحو معرفة حقيقة البلاغة القرآنيّة)، وأستطيع أن أذكر هنا مثالا على ما أنا بصدده. فالمستشرق الأنكليزي كلار تيسدال(تـ 1928) (William St.Clair Tisdall) في كتابه : "أصول القرآن"The Origins of the Koranنبّه إلى أنّ في الإنجيل المنحول كلاما على طفولة المسيح وما كان يقوم به من صنع التماثيل من الطين، وهو كلام مُشار إليه في المتن القرآنيّ بشكل مختلف (الآية 49 من سورة آل عمران 3)، إذ تُشدّد هذه الآية على أنّ خلق عيسى للطير من الطين كان "بإذن الله". وهذه الإضافة القرآنيّة المختلفة تماما عن الرواية الواردة في الإنجيل المنحول عن طفولة المسيح تُدمّر النواة المسيحيّة الصلبة حول طبيعة المسيح (في العقائد المسيحيّة). وأظنّ شخصيّا أنّ صحابة النبيّ الذين استمعوا إلى الوحي المنزَّل عليه ربّما كانت لهم خلفيّة يهوديّة أو مسيحيّة أو وثنيّة عربيّة. ولكي نفهم التفاعل بين المتن القرآنيّ والمفاهيم أو أفق المستمعين وقتئذ، لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار النصوص المتروكة في التراث التفسيريّ الإسلاميّ.

بسّام الجمل: أخيرا ما هو تقييمك للورشة الأكاديميّة التي انعقدت حول "القرآن: التاريخ والخطاب والدراسات"؟

ميكائيل ماركس: لقد أتاحت لي هذه الورشة الفرصة، لأفهم كيف تُدار الحوارات والنقاشات العلميّة الراقيّة في تونس ما بعد الثورة، وإن كان هناك شعور لدى التونسيين بنوع من التشاؤم من الوضع السياسيّ الراهن، وربّما هناك من يتوجّس خيفة من قيام ثورة ثانية أو ثورة مضادّة. ومهما يكن من أمر، فإنّ لدى الباحثين العرب والمسلمين وتحديدا في تونس، روحا نقديّة منفتحة تجاه التراث الدينيّ والاستشراق الألمانيّ وغير الألمانيّ. ونحن كباحثين ألمان ينبغي علينا أن نعقد حوارا رصينا مع الباحثين العرب والمسلمين المتشبّعين بتلك الروح النقديّة المنفتحة، وأن نشتغل معا على المصادر الدينيّة مستفيدين من المكاسب التكنولوجيّة الجديدة. ونحن قد وضعنا على الإنترنيت حوالي 3000 صفحة تهمّ مشروع "الموسوعة القرآنيّة Corpus Coranicum، والدخول إلى الموقع المتضمّن لذلك الكمّ الكبير من الصفحات مُتاح مجّانا للباحثين، فضلا عن وضع حوالي 5000 صورة للمخطوطات القرآنيّة و4000 صفحة خاصة بالقراءات، ووضعنا أيضا 300 نصّ مترجم متّصلة بمحيط القرآن. والأمل معقود على تفعيل التعاون العلميّ المشترك وبشكل دائم ومستمرّ بيننا وبين الباحثين العرب والمسلمين.