شباب الإنترنت وبروز المشاركة السياسية الافتراضية


فئة :  مقالات

شباب الإنترنت وبروز المشاركة السياسية الافتراضية

شباب الإنترنت وبروز المشاركة السياسية الافتراضية

 

سامية بوعبيد

ملخص:

يطرح هذا البحث مسألة العلاقة بين التكنولوجيا الحديثة، والأشكال الجديدة للالتزام عن بعد، ونهدف من خلال هذه الدراسة، إلى إبراز أهمية هذه الوسائل في نزع لامبالاة الشباب عن الشأن السياسي الذي أُخرج من طوره النخبوي البيروقراطي الضيق إلى مجال شاسع ومتعدد الفاعلين، خاصة فئة الشباب التي تبدو أكثر اهتماما بالتكنولوجيا الحديثة ومختلف تطبيقاتها. إن المشاركة السياسية الافتراضية لم تنشأ فجأة، بل مرت بمراحل عديدة وفي كل مرحلة من مراحلها عبرت عن الفرد الفاعل المتحرر بشتى الأساليب والأشكال المختلفة للاندماج عن بعد. لقد تحرر الحوار الافتراضي بتفعيل تقنية التفاعل، والتي تعتبر رجعا لصدى المتقبل الذي لم يعد مجرد متلق سلبي، بل أصبح متقبلا فاعلا يحاور ويعبر ويبدي رأيه بكل حرية حول ما ينشر افتراضيا. مكنت حرية التفاعل والحوار إضافة إلى مرونة هذه الوسائل وما يتوفر فيها من تقنيات نشر ومشاركة إلى ابتداع أشكال عديدة في التعبير وأساليب مختلفة في الكتابة. لكن هذا الفضاء وإن بدا حرّا قد تشوبه بعض السلوكيات التي تتعارض وحرية التعبير، حيث شهد هذا الفضاء أساليب عديدة في الصنصرة والحجب لتقييد النضالية الافتراضية من طرف المشرفين على الفضاء الافتراضي والمتحكمين في قوانين اشتغال هذه الوسائل.

1/ التقديم:

إن التّدوين الافتراضي باعتباره ظاهرة معاصرة، يمكن أن يفسر لنا في بعض جوانبه ما يعتبره البعض أزمة مشاركة في المجتمعات الحديثة، فهذه الأزمة غالبا ما وقع تفسيرها على أساس أنّها علامة على أزمة عامة في المجال السّياسي، ولكن إذا أخذنا بمفهوم المشاركة السياسيّة كما بلوره "مايرون واينر" الذي يرى أن المشاركة السّياسية هي كل فعل إرادي يهدف إلى تجاوز أزمة من الأزمات ... وتكون غاية الفعل هي التأثير في الشؤون العامة وخيارات التسيير السياسي على كل الأصعدة من المحلية إلى الوطنية. قد يمكن تفسير ما يحدث لا على أساس أنه تعبير عن رفض للالتزام السياسي، وإنما يعبّر عن إرادة إنتاج أشكال جديدة من المشاركة السّياسيّة بسبب أزمة الأشكال والأساليب التقليدية في النضال وعلى وجه الخصوص الأحزاب والنقابات أو ما يسميه "جاك أيون "بالأشكال النّضالية" الكاملة" وبروز أشكال نضاليّة جديدة يسمّيها بالنّضاليّة "عن بعد" DISTANCIER[1]. لقد ساهم التفاعل من خلال الإنترنت " في إعادة تشكيل الهويات وتجديد نظم الروابط الاجتماعية وبعيدا عن السقوط في تحديد تكنولوجي دقيق للمواقع الاجتماعية، فإنه من المهم معرفة الدور المهم الذي يقوم به الويب الاجتماعي ... في تأسيس منطق تواصلي جديد ... الذي يبني صيغا جديدة للاندماج الاجتماعي. إن التّعلق بالإنترنت يعود إلى فاعليتها في فتح فضاء للالتقاء والتّفاعل وتبادل الأفكار والنّقاشات، ولكن يعود أيضا إلى مطالب واحتجاجات اجتماعيّة التي تفضّل إقامة تواصل حواري ...يتبلور من خلال تفاعل اجتماعي متعدد الأشكال[2] وهذا لا تحقّقه إلا أشكال التواصل الرقمي التي توفر إمكانات جد متنوّعة مثل المواقع الاجتماعيّة (فليسبوك، تويتر ...) والمواقع المهنية ومواقع تحميل الصور.

2/ الإشكالية:

ساهم التطور التكنولوجي في إيجاد فضاء منفتحا للخوض في الشأن السياسي بكل حرية، ما جعل الأفراد يتحررون من المؤسسة الصارمة بقوانينها المكبلة للحريات، فأنشأوا حسابات على مختلف المواقع الاجتماعية الإلكترونية، وأطلقوا العنان للخوض في مواضيع الشأن العام وإبداء الرأي فيها بكل الطرائق التعبيرية شكلا ومضمونا.

* كيف تطوّرت طرائق الالتزام بالشأن العام في ظل التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال، وكيف استفادت فئة الشباب من هذه التطورات وطوعتها لتتجاوز أشكال وأساليب المشاركة السياسيّة التقليدية، نحو مشاركة افتراضية تشاركية ديمقراطية حرة بها تم المرور من النضاليّة التقليديّة إلى النّضاليّة عن بعد؟

* ماهي أهم الأشكال والأساليب المعتمدة في التدوين الافتراضي؟

* ماهي أهم الصعوبات التي تواجه الناشط الافتراضي؟

3/ أهداف البحث:

يهدف البحث إلى الكشف عن الطرائق الجديدة للاندماج في الشأن العام ومختلف الأشكال والأساليب التعبيرية المعتمدة فيها، والتي تعبّر عن الفرد الفاعل من خلال تفاعلاته المختلفة وطرائقه في الفعل والمبادرة الحرة.

4/ الفرضيات:

ساهم التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال في تحرير إرادة الشباب وشجّعهم على تناول الشأن العام بكل حرية.

5/ منهج الدراسة:

اعتمدنا المنهج الوصفي واستعنا بتقنية ملاحظة بعض الصفحات الافتراضية.

6/ المفاهيم:

أ- المشاركة السياسية الافتراضية:

هي مشاركة سياسية عبر المجال العام الافتراضي، وهو مجال ديمقراطي يضمن لكل رواده إمكانية الحوار، والنقاش، والتفاعل المفتوح، غير محدد بوقت أو مكان أو جنس، فيتمكن الأفراد المشاركون في الحوار من معرفة وجهات النظر المختلفة.

يجمع الفضاء الافتراضي الأفراد المهمّشين، والذين لم تمكنهم امتيازاتهم من المشاركة في المجال العام الواقعي، وفُتح لهم الفضاء السيبراني للتفاعل ولا تشترط في ذلك إلاّ القدرة على استعمال تقنيات التكنولوجيا الرقمية وتوفر أدواتها التكنولوجية المتمثلة في الحاسوب أو الهواتف الذكية وحساب إلكتروني على الشبكة. ومن ثم يبحر في هذا الفضاء بكل حرية، ويكتب كل المضامين التي يريد، ويناقش كل المسائل خاصة منها تلك التي كانت حكرا على نخب معينة، إضافة إلى قدرة هذه المواقع على جعل الفرد رقيبا على قرارات الحكومة وكيفية تطبيقها بتمكينه من تطبيق الحوكمة المفتوحة على هذه المواقع، فكم من قرار حكومي استبدل، عندما هاجمته فرق الرقابة الافتراضية بقوة الحجة والدليل على عدم فاعليته، وفي هذا الإطار نستطيع إدراج العديد من مؤسسات المجتمع المدني التي أسست مواقع على شبكة الإنترنت لمراقبة أداء الحكومات والعمليات الانتخابية الكبرى (انأ يقظ /منظمة عتيد...).

ليس بمقدور أحد اليوم، في ظل سيرورة تاريخيَّة جديدة، تقديم تحليل مقنع وبرامج عمليَّة لأنظمتنا الاجتماعيَّة المتقدمة تقنياً وصناعياً. لكنَّ يورغن هابرماس ينتمي إلى ثلة من المثقفين السياسيين الذين بفضل تفكيرهم المنفتح على المجال العمومي، وإن لم يتفق المرء مع مواقفهم التي قد ترافقها ثغرات وأشكال تهميش وتناقضات، فإنَّهم يشجعون على التفكير الشَّخصي ويخلقون حوافز للاستمرار فيه"[3].

ب- الإنترنت:

مصطلح الإنترنت هو ترجمة للكلمة الإنجليزية internet، وهي اختصار لكلمتين interconnected وnetwords؛ تعود نشأة الإنترنت إلى زمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي سابقا والولايات المتحدة الأمريكية التي أسّست "وكالة مشروع الأبحاث المتطورة" كرد على مركبة "سوتينيك السوفياتية التي أطلقت في الفضاء عام 1957 وقد تلاها خوف أمريكي من إمكانية تدمير شبكة الحاسوب الأمريكية والنيل من محتوياتها المعلوماتية لو نفذ الاتحاد السوفيتي ضربة نووية ضدّها، فجاء الردّ سنة 1969متمثّلا في "تطوير شبكة "الأربنات "من خلال تطوير بروتوكولات اتصال التي سمحت بالربط بين الشبكات المختلفة، لتشكيل شبكة واحدة مترابطة"[4] تابعة لمراكز بحث في الجامعة الأمريكية. ويعتبر ذلك إنجازا؛ لأنه يحمي المعلومات من الإتلاف، حتى وإن تم ّالهجوم على مركز من تلك المراكز؛ لأنه أوجد نظاما لا مركزيا للمعلومة.

أفرزت الإنترنت ظهور الإعـلام التفاعلـي وبروز مجتمع المعلومات Information Society، نتيجة التزاوج بين تكنولوجيا الاتصالات الفضائية ذات القدرة الفائقة على تجاوز حدود الزمان والمكان، وتكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية القادرة على تخزين البيانات مهما كانت كثيرة وبطرق سهلة.

ج- الشّباب:

رغم عدم وجود تعريف دولي موحد للفئة العمرية للشباب، فإنّ الأمم المتحدة تعرف الشباب بأنهم الفئة العمرية التي تتراوح بين سن 15 و24 سنة، وهي عادة الفترة التي يقضيها أغلب الشباب ما بين المؤسسات التربوية الثانوية والجامعية وتعرف هذه الفترة بفترة التجارب والمغامرات والاكتشافات التي يقوم بها الفرد من أجل اكتشاف العالم المحيط به وصقل الذات. وتُبرز عديد الإحصائيات انجذاب هذه الفئة بالوسائل الإلكترونية بغاية التسلية واللعب والتحصيل المعرفي والتواصل مع الآخر. أضافت الإنترنت بعدا مهما على قدرة الشاب على توسيع معارفه وتخزينها وترتيبها وإنتاج المعلومات وبثها والتعامل معها في الحال، ومكنته من التفاعل والمشاركة في كتابة المحتوى والتعبير عن شتى الموضوعات التي تشغله.[5]

7/ التحول في شكل المشاركة السياسية في تونس:

إنّ التّحولات الاجتماعيّة والسّياسيّة التي تمر بها منطقة حوض المتوسط؛ ومن بينها تونس ارتبطت ارتباطا وثيقا بتطوّر تكنولوجيا التواصل وما أفرزته من وسائل إعلام دقيقة، إذ تميز الإعلام الجديد بخصائص تقنية تشهد على التّقدم العلمي في هذا المجال. ولا يمكن النّظر إلى هذا الإعلام الجديد، باعتباره مجرّد تطوّر تقني، بل هو جزء من التّفاعلات الاجتماعيّة الجارية على أكثر من صعيد، مصحوبا بأدوات وأساليب جديدة لفهم رموز الواقع المعاصر ومعالجته. هذا الواقع الذي اختلط فيه المجال العام بالمجال الخاص، والواقعي بالافتراضي، والمجتمع المدني بالمجتمع المتعدد الثّقافات، والدولة بالفرد.

لم يكن التّحوّل في شكل المشاركة السّياسية الافتراضية يسيرا في تونس، بل مرّ بفترتيْن مختلفتيْن من حيث شكل المشاركة، وعدد المهتمّين. امتدّت الفترة الأولى من سنة 2005 إلى نهاية سنة 2010، وهي مرحلة بدايات المشاركة السّياسيّة الافتراضيّة، اتّسمت هذه المرحلة بظهور عدّة مدونات أغلبها اعتمدت أسماء مستعارة للتخفّي من عيون الرقابة. وكمثال على تلك المدوّنات نذكر مدونة الراحلة لينا بن مهنى "بنيّة تونسية" ومدوّنة "تونس أخرى ممكنة" لـ"سفيان الشورابي" ومدونة نقاش تونس (DEBATunisie) "التي اتخذت من الرسوم الكاريكاتورية وسيلة للتعبير ومدوّنة "من بلد القيظ" ومدونة "أجنحة ماغون" وغيرها من المدوّنات التّي انشغلت بالشّأن العامّ، وخصّصت له الحيّز الكبير من تدويناتها. وقد تعرّض أغلب أصحابها لمضايقات عديدة، لثنيهم عن تناول مواضيع الشّأن العامّ. اتّسمت تلك المرحلة بمطاردة هؤلاء النّشطاء والتضييق عليهم وتتبعهم عدليا، وفيهم من قضى في سجون القمع، وفيهم من تعرّضت مواقعهم وحساباتهم الإلكترونيّة إلى الصنصرة والحجب. ونظرا للملاحقة المستمرّة، وكذلك لحداثة التّجربة النّضاليّة عن بعد، فإنّ عدد النشطاء في الشأن العام الافتراضي كان متواضعا - رغم المساهمة الكبيرة لتلك المواقع في التغيير السياسي في تونس سنة 2011 - مقارنة بإحصائيّات اليوم التّي قاربت حوالي 7 ملايين مشتركا سنة 2018 في صفحات التّواصل الاجتماعي فيسبوك دون اعتبار المواقع الأخرى.

في مرحلة ما بعد يناير 2011 تحّرر الفضاء الافتراضي، ولا يفوتنا في هذا المجال الحديث عن مكسبين طوّرا المشاركة السّياسيّة الافتراضيّة في تونس بعد التّحوّلات السّياسيّة التّي عاشتها البلاد إثر الاحتجاجات الشعبيّة التّي احتدّت أواخر سنة 2010 وهما: التطوّر التقني المطّرد في مجال الاتّصال، وبروز الشّبكات الاجتماعيّة الافتراضيّة من ناحية، وضعف الرقابة على هذه المواقع مقارنة بما كانت عليه قبل هذه التحوّلات السّياسيّة من ناحية أخرى. هذان العاملان أخرجا المشاركة السّياسيّة من مجالها التّقليديّ المحدود، إلى المجال الافتراضيّ الشّاسع، فتغيّرت طرائق اندماج الفرد في الشّأن العام وسُخّرت له كل الآليات والوسائط التّعبيريّة ففتحت أبواب الإنترنت على مصراعيها منذ أن حصل التّغيير في هرم السّلطة وتراجعت ظاهرة ما يسمى بـ"عمار404"، والتّي تدلّ على سياسات الحجب والقرصنة، ونقصت الملاحقات والتتبّعات الأمنية للنشطاء الافتراضيين مما ضاعف عدد المهتمّين بالشّأن العامّ، وتحرّر الفعل السّياسيّ الافتراضيّ.

إن التّحول من النّضالية "الكاملة "في الزّمن الماضي إلى النّضالية "عن بعد "في الزّمن الحاضر هو تحول من نضالية تتميز بشدّة الالتزام إلى نضاليّة تتنوّع فيها طرائق الالتزام بالشّأن العام؛ ففي النّضاليّة التقليديّة أو النّضاليةً "الكاملة "كما يسمّيها "جاك ايون" يشتد التزام الفرد بالمؤسسة الحزبيّة أو النقابيّة التي ينتمي لها. وتقتضي "النّضالية الكاملة" احترام النّظام العام للمنظّمة والارتباط الشديد بها. مما جعل جاك ايون يشبّه "النضالية الكاملة" بـ"الطابع البريدي الملتصق بالظرف. إنّ الفرد في هذا النموذج من النضالية يكون تابعا ومرتبطا ارتباطا كليّا بالمجموعة التي ينتمي إليها.... إلى درجة جعلته يسمي هذا النوع من الالتزام "بالالتزام المحايث: engagement timbre"[6]. في النضالية "الكاملة" نجد أن الأحزاب والنقابات الكبرى موجهة من طرف أقليّة من الزعماء المحترفين، الذين يسعون إلى التّحدث باسم القاعدة المناضلة، فيظهر التناقض لدى التّنظيمات الجماهيريّة بين قيَمهم الديمقراطية، وبين نخبوية عملهم.

أما النضاليّة "عن بعد"، فتتميز بتنوع في طرائق الالتزام؛ فكل يختار الطريقة والنسق المناسبين له في المجموعة التي ينخرط فيها الفرد بكل حذر، خوفا من وباء الهيكلية والبني البيروقراطية المتسلسلة التي تمثل تهديدا لذاتيته وحريته؛ لأن في النّضالية الافتراضية هناك تأكيد على قيمة الفرد، هذا الفرد المتحرر وغير تابع للآخر وقد أطلق عليه "جاك ايون" اسم الالتزام المتحرر" أو "engagement post-it". هذا التأكيد على الفرد لا يعني تصاعد الأنانية والتخلّي عن الشأن العام، فقد بين "جاك ايون" في كتابه "الالتزام في مجتمع الأفراد"، "أن الالتزام بالشأن العام لم يمت".[7]

إن تصاعد ظاهرة التدوين بقدر ارتباطه بأزمة الأشكال التقليديّة والتطوّر العلمي، فإنه يرتبط أيضا بتغيّر في مفاهيم عديدة كالمواطنة، والنّضالية، والفر دانية. فانبثاق المنظومة التفاعليّة الإلكترونية يعني نهاية الجمهور وولادة الذات الجماعيّة الناشطة، والتحوّل من النّضالية إلى الالتزام، وهذا هو الحل البديل لمجتمع كان يجسّد التّلقي السّاكن غير الفاعل.

في كتابه "نهاية النّضالية"، أعرض جاك ايون عن فكرة المواطن المجرّد، واهتم بما يمكن أن نسمّيه المواطنة التجريبيّة، وهي مواطنة تكون فيها قيمة الذّات هي مركز التحرّكات المعاصرة من طرف "الفرد المهدد دوما بالتهميش"[8]، وإذا كان المجال السّياسي هو الإطار الحاضن لأي تنوع جريء ومتواصل داخل المجتمع، فإن "المواطنة هي حق الأفراد الأحرار والمتساويين لإبراز هذه التعددية"[9]. ولعل فعل التدوين هو الشكل الجديد الذي يعتمده الفرد اليوم للانخراط في الشأن العام، فلم تعد المؤسسات التقليديّة هي الحاضنة الأساسيّة للمشاركة السياسيّة، بل تم تجاوز هذه الأساليب التقليديّة في المشاركة وتم ابتداع أشكال اندماج جديدة في الشأن.

8/ أشكال المشاركة السياسية الافتراضية وبروز قيمة الفرد:

لا تتطلب النضالية الافتراضية شهادات علمية في الاختصاص، ولا تراخيص قانونية لممارسة هذا النشاط، بل تشترط على المواطن توفر وسائل اتصالية اٍلكترونية تتمثل في حاسوب / هاتف جوال / كاميرا رقمية / مسجل صوتي، ومع تطور تكنولوجيا الاتصال أصبحت الهواتف الذكية تقوم بكل هذه الأدوار، فيصبح الناشط هو من يلتقط الصور، ويسجل الأحداث التي قد يتعذّر على المؤسسات الإعلامية التقليدية الوصول إليها، ثم يقوم بنشر تلك الأخبار أو الوقائع والصور ووجهات نظره على حسابه عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة. "هذه الصيغ الإلكترونية الجديدة في نشر الأخبار أصبح بإمكانها أن توفر الفرصة لأي شخص أن يكتب وينشر على شبكة الإنترنت[10]. وتشير هذه الأشكال المستحدثة من ممارسة الصحافة وتبادل الأخبار إلى تبلور ميلاد صحافة بديلة ضمن سياقات تشكّل مشهدا اتصاليّا جديدا، تجعل هذه الصحافة من شبكة الإنترنت فضاء للنشر والتعبير، وتمارس فيه الديمقراطية التشاركية وتناقش فيه مواضيع الشأن العام. ولتشجيع صحافة المواطنة، تم فتح عدة مواقع للتحاور والتفاعل أمام المواطن واعتبرت نفسها صوتا له.

هناك عدة مواقع حثت على إعلام المواطن ومنها الموقع الفرنسي "السّاحة العمومية" place-publique.fr وموقع كوري يعتمد على قاعدة "المواطن المخبر"، وهو موقع ohmynews. رغم اختلاف التسميات، فان الهدف من إنشاء هذه المواقع واحد، وهو خلق المواطن المراسل، وهو مواطن متطوّع يجمع الأخبار ويرسلها عبر هذه المواقع التي تقوم بمراجعتها، من أجل ألا تداول إلا الأخبار التي تتميز بالدقة والصدق وتُحدث سبقا معلوماتيا. وهناك مواقع أخرى تهتم بصحافة المواطن، لكنها ذات صبغة فردية ونستطيع أن نسميها "الصحفي المواطن" مثلما هو الحال في صفحات الفيسبوك والمدونات الشخصية.

شجعت شبكات التواصل الاجتماعي social media وتسمى كذلك الشبكات الاجتماعية ومواقع التشبيك، لظهور صحافة المواطن وتتكفّل بها مجموعة من الأفراد يمثّلون جمهورا لهذه الوسائل، لا نستطيع حصر عددهم ولا جنسهم أو سماتهم أو مكان تواجدهم؛ لأنها وسائل منفتحة على كل العالم، وعلى كل الأفراد توفرت له شروط تكنولوجيا الاتصال، فتجاوز جمهور هذه الشبكات الافتراضية، الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية التقليدية وانفتح على العالم أجمع. ولهذه الوسائل عناصر ضرورية تقوم عليها مثلها مثل وسائل الاتصال الأخرى، وهي: المرسل / الرسالة / المتقبل للرسالة / أثر الرسالة (الفعل)/التغذية العكسية (ردة الفعل).

تقوم هذه الوسائل بإعلاء الحالات الفردية individuality، والتخصيص customization، وتستعمل بغرض التواصل بين الأفراد والتفاعل حول المنشورات، وإقامة علاقات، وبناء جماعات افتراضية. ويستطيع الفرد إنشاء صفحة على هذه المواقع، فينشر فيها صورته وسيرته ومعلومات خاصة عنه ويعبر فيها بكل حرية عن طريق كتابة نصوص ومقالات، ونشر الصور وتسجيلات الفيديو، ومن أشهر هذه المواقع نذكر ماي سبيس space my فيسبوك facebook، وتويتر twitter، وقوقل بليس google plus.

مع التّطور الدّقيق لوسائل التّواصل، تمّ تجاوز الحدود الضّيقّة للمكان والزّمان، وتم إنشاء مجموعات اصطناعية مترابطة ومتشابكة، أكبر مما كانت عليه في ظل الحدود الطبيعية، وأصبحت الأنشطة الاجتماعية والسّياسية تتركّز على الكمّ الهائل من التدفّقات المعلوماتيّة. وأصبح عيش الإنسان في مكان وزمان محليين يكاد ينتهي. مع دينامية أصبح معها الزمان والمكان مفتوحين، فتأسست بمقتضى ذلك ثقافة المجتمع الشبكي في زمان ومكان لا محدودين أدى لظهور "حقبة ثقافية جديدة أساسها التّواصل والتّشابك اللّذان يجعلان كل واحد يساهم في تغيير الآخر"[11] فأصبح كل فرد يبحث عن سبل للتعايش في شكل ثقافة توافقية لا تعترف بالقواعد الجامدة. فتغيّرت الأعراف المعمول بها في عملية التواصل، حيث تمّ التّخلّي عن صرامة التّخاطب باللّغة الرّسمية في الحوارات، وتمّ الرّجوع بقوة للأسلوب الشفهي في التخاطب عبر شبكات التّواصل الاجتماعي عن طريق آلية التّفاعل، فتنشأ في أغلب الأوقات حوارات بين المتفاعلين حول بعض التدوينات أو التعليقات عليها، والتّي تستفزّ القارئ وتثيره، فيتكوّن حوار بين المتفاعلين "يجعل محتوى المنشور أقرب ما يكون لنمط محادثة ممّا يترتّب على ذلك من تطوير في الأفكار أو المعلومات المتداولة"[12] فالحوار على مواقع التّواصل الافتراضي هو نوع من التّكلّم يقوم على اختيار فئات متعددة من العمادات الشكلية للتواصل (لغة، حركة، إيماء...)،

إن التّواصل على هذه الصفحات يجعل الأنظمة السيميائية تقف في مستوى واحد أثناء إرسال الدلالات، مثلما هو الحال في الحوارات الشفاهية، ولا يوجد تمييز لأحد الأنظمة على حساب أخرى، فقد نشاهد أثناء خطاب ما على الصفحة إرسالية مع حركة مع إيماء، وفي خطاب آخر يمكن أن تأتي الحركة لتعوّض الكلمة. إن السّلوك الموازي للكلام له أهميته في استكمال الدورة التّواصليّة أثناء التّفاعل الحواريّ على هذه الصفحات، ولنا في ذلك أمثلة عديدة من التفاعلات التي قد تكون في شكل حركة أو إيماء أو كلمة أو تجمع كل هذه المكونات في جملة واحدة، حتى تخاله واقفا أمامك ويخاطبك خطابا شفهيا. وتستطيع التطلّع إلى حالته النفسية وتقاسيم وجهه من خلال هذه الأنظمة السيميائية المعتمدة التّي كوّنت الحوار أو التفاعل.

تتنوّع أساليب كتابة المناشير أو التدوينات على هذه الصفحات فقد نجد الأسلوب المباشر أو غير المباشر القائم على التّلميح والتّوريّة، وقد نجد أساليب الترغيب والترهيب وغيرها، كما يمكن الاعتماد على الرموز التعبيرية، وكل قراءة لهذه التدوينات لا تتمّ خارج سياقاتها وكل تحليل وتأويل يجب أن يعتمد وسائل لا تهمل الخصائص التعبيرية في هذه المواقع. فعملية تحليل البيانات الواردة على صفحات التواصل الاجتماعي لا تخلو من الصعوبة بالنظر إلى هذا الكم الهائل من المنشورات اللا متناهية خاصة عندما يكون الاهتمام بصفحات نشيطة في متابعة الشأن العام وكبيرة من حيث الانتشار باعتماد عدد المعجبين، وعدد المتابعين، وتتابع باستمرار الأحداث السياسية المهمة. يتدفق التدوين تبعا لذلك، على طول الأربع والعشرين ساعة دون انقطاع، ويكسّر حرمة بعض الأوقات التي كانت تعتبر أوقاتا للنوم والراحة فأصبحت مع التكنولوجيا الجديدة أوقاتا للإلهام والتّدوين والنّشر؛ فالمدينة الافتراضية هي "مدينة لا تنام" على حد قول ميشال جينكنسون M Jenkinson. خاصة بعد أن أصبحت الإنترنت بشكل عام جزءا من الحياة اليومية للأفراد والجماعات الاٍفتراضية بأنماطها المختلفة، وأصبح التدوين والتفاعل مع ما يكتب افتراضيا هو أسلوب حياة لاكتساح التكنولوجيا لحياتنا اليومية قد يجد فيه البعض ترفا وقد يجد فيه الآخر واجبا، خاصة لما يكون موضوع التدوين متعلّقا بالشأن العام وإشكالاته المختلفة، فيصل مدى التفاعل على التدوينة الواحدة إلى آلاف التفاعلات ما بين المعجبين والمعلقين والناشرين. وكمثال على نشاط الصفحات المهتمة بالشأن العام وكثرة التفاعلات مع تدويناتها، أورد هذا المثال من الصفحة Political Gags MaDe In Tunisia

حيث فاقت التفاعلات حول التدوينة 5 آلاف تفاعل ما بين إعجاب ونشر وتعليق هذا نص التدوينة بتقنية لقطة الشاشة:

صورة من صفحة "نوادر السياسة في تونس" على الرابط التالي[13].

9/ مكتسبات النضالية الافتراضية:

أ- تعدّد الوسائط التّعبيريّة:

وفرت التكنولوجيا الجديدة عدة وسائط تعبيرية يستعملها المستخدم في حواراته وتفاعلاته وعند صناعة المعلومة على الفضاء الافتراضي، وهي عبارة عن مجموعة آليات للحوار والتفاعل ألافتراضي فيها المكتوب والمسموع، وفيها التسجيلات المرئية، وكذلك الصورة بأنواعها. ويستطيع المستخدم اعتماد نوع واحد من هذه التطبيقات أو أكثر في المنشور الواحد من المناشير العديدة التّي ترد على هذه المواقع في كل لحظة، حيث إن تعدد الوسائط التعبيرية مكن من بروز ظاهرة الاختصاص في شكل التدوين، حيث خيرت بعض الصفحات الظهور بطرائق تدوينية تبرز فرادة لدى المشرفين عليها. ولعل أبرز صفحة نقاش تونس http: //www.debatunisie.com التي تخصصت في التدوين باعتماد الرسوم الكاريكاتورية الساخرة من الأوضاع السياسية.

ب- مرونة التّدوين على هذه الصفحات:

يختصّ محتوى الإعلام الجديد بالمرونة التي تمكّن صاحب المقال، سواء أكان صاحب الصفحة، أو متفاعلا، من تغيير منشوره أو تفاعله متى شاء، إمّا بتغيير الفكرة أو تعديلها أو حذفها وإخفائها كلّيا ممّا يخلق إشكالية لدى المستخدم عند إعادة الرجوع للمحتوى الأصلي للتدوينة أو عند تطبيق بعض الاختبارات.

فعملية تغيير محتوى المنشور الافتراضي بما في ذلك اسم الصفحة وصور الجدار والبروفايل متاح في كل لحظة، وهذا مثال من صفحة مسكينة تونس بطريقة لقطة الشاشة Capture d’écran

صورة الجدار والبروفيل في شهر أبريل 2018 صورة الجدار والبروفيل في شهر نوفمبر2018:

صور من صفحة "مسكينة تونس"[14]

ج- كثافة النشر:

يختصّ الإعلام الاجتماعي بتدفّق البيانات اللاّ متناهية التّي ترد على تطبيقات مختلفة، وقد نجد عدة وسائط معلوماتية في النصّ الواحد، وهو ما يعبر عنه بالتّناص "فنجد النصوص المكتوبة ومواد سمعيّة وبصريّة هذا بالإضافة إلى الإحالة إلى روابط مختلفة، وتشكّل الروابط جزءا أصيلا في هذه الشبكة، ولعلّ ما يميز هذه المواقع هو طابعها الاجتماعي التفاعلي، فإذا كان الإعلام التقليدي يورد المعلومة، فاٍنّ هذه المواقع تعطي المعلومة، وتترك مجالا لتفاعل المتابعين باختلاف وجهات نظرهم ومذاهبهم الفكريّة.

تتنوّع مصادر المحتوى المنشور على هذه الصفحات، فقد تكون إسهامات شخصية من إنتاج صاحب الصفحة، وقد تكون مقتبسة من الإعلام التقليدي، أو من أي مصدر آخر. ويتضمن المحتوى المدروس نمطين وهما شكل التدوينة والتفاعل معها، ويكون التفاعل، إمّا بالنشر أو التعليق أو الإعجاب، أوقد يختصر المتفاعل على نوع واحد من التّفاعل. وقد تقودنا دراسة المحتوى المنشور إلى تفسير سلوك المتفاعلين إزاء موضوع ما، والخروج بمؤشرات عن توجّهاتهم؛ لأنّ كلّ منشور يرتبط بسياقات اجتماعية وثقافية وسياسية معينة، ولا يمكن التفاعل معها خارج سياقاتها.

10/ حدود النضالية الافتراضية:

أ- سياسة الحجب والقرصنة:

تقوم بعض الدول بما فيها تونس، حسب تقارير منظمة مراسلون بلا حدود، بالرّقابة على الإنترنت؛ وذلك بالتّحكم في نشر بعض المعلومات. وكذلك في الوصول إلى أخرى "وتعتمد تقنية الفلترة باستخدام جدار ناري أو بروكسي، من خلال إجبار كل مستخدمي الإنترنت إلى العبور عبر الفلترة قبل الوصول إلى بقية الشبكة"[15]. فمن أكثر المخاوف التي تراود الناشط الافتراضي عند النشر عبر مواقع في الإنترنت هي ظاهرة الرقابة وما ينتج عنها من صنصرة وحجب للمواقع، ويعتبر موقع فيسبوك من أكثر المواقع المستهدفة. إلى جانب الصنصرة والحجب، نجد كذلك ظاهرة القرصنة. إن الحجب والصنصرة والقرصنة هي ظواهر معروفة وموجودة منذ نشأة الإنترنت وتتواتر خاصة عندما تكون هذه المواقع مختصّة في الشّأن السّياسيّ، ومن أمثلة الحجب، نشير إلى أنّه تم حجب صفحة "فخار يكسر بعضو2". ولم يشفع لهذه الصفحة العدد الهائل من المتابعين (قرابة المليون متابع.)، أمام مقصّ الرقابة الذي قام بحجبها. والتدوينة التالية من صفحة "فخار يكسر بعضو3" توثق ما كنّا نقوله حول حجب تلك الصفحة، فاضطر صاحبها لفتح صفحة أخرى بنفس الاسم وما الأعداد 1و2و3 إلا شاهدا على عملية الصنصرة؛ ففي كل مرة تتعرض الصفحة للحجب يقوم بفتح صفحة أخرى مع إضافة العدد الذي يمثل ترتيبها 1أو 2أو3 ..:

منشور من صفحة "فخار يكسر بعضه3" وقد حذفت هذه الصفحة لاحقا.

قد يكون الحجب كليا وقد أستعملنا في السابق عبارة "قتل" الموقع مهما كان مدونة أو صفحة فيسبوك أو غيرها؛ أي إخفاء الموقع من الشبكة نهائيا، فلا يستطيع المتصفح فتحه والاطلاع على ما ينشر فيه؛ أي يقوم المصنصر بحجب الصفحة كليا فتأتيك عبارة not found عندما تقوم بالبحث عنها، وقد يكون الحجب جزئيا عندما تحجب بعض التدوينات من هذه المواقع، والمتسبب الوحيد في الحجب هي الرقابة التي تحجب كل ما تراه يتعارض مع سياسة السّلطة الحاكمة، وقد كانت هذه الظاهرة تقلق خاصة المعارضين السياسيين الذين تأذوا منها نفسيا وجسديا، حيث كانت السلطات لا تكتفي بالحجب فقط، بل كانت تلاحقهم أمنيا وتعتقلهم في السجون ولعل المدون "زهير اليحياوي" أكبر دليل على النشطاء السياسيين الافتراضيين الذي اشتهر بمعارضته للنظام الحاكم قبل سنة 2011، والذي اشتكى عديد المرات من التتبعات والمضايقات الأمنية والاعتقالات بسبب مواقفه وتوجهاته السياسية وأفكاره، وقد وصل به الأمر إلى الموت في سجون النظام السابق قبل 2011. وهذا مثال على حجب مدونة تونس أخرى ممكنة للمدون سفيان الشورابي خلال تغطيته لأحداث بدايات الثّورة في تونس[16]:

بالإضافة إلى الحجب والصنصرة، نجد ظاهرة قرصنة المواقع على الإنترنت، وتعني أن تبقى الصفحة باسم صاحبها، لكن لا يستطيع التحكم فيها، حيث يقوم المقرصن باستبدال كلمة العبور، ويقوم بالتّدوين والنّشر بدل صاحب الصفحة. وتعتمد هذه التقنية للتأليب على صاحب الصفحة بنشر تدوينات تتعارض مع قناعاته ومع ما كان ينتظره المتلقي من صفحته، أو يتم استغلال الصفحات بعد افتكاكها من أصحابها لأغراض إشهارية أو تجارية أو غيرها. قد يتم استرجاع الصفحة المصنصرة وقد لا يتم ذلك.

يقوم بالقرصنة من لهم دراية كبيرة بتكنولوجيات التواصل الدقيقة خاصة من فئة الشباب لأسباب وأغراض شخصية مع صاحب الموقع. وتعتبر القرصنة جريمة في حكم القانون، وتصل عقوبة القرصنة إلى حدّ السّجن.

ب- انعدام نظام الأرشفة على بعض المواقع كصفحات الفيسبوك:

إنّ عدم وجود نظام لأرشفة تدوينات الفيسبوك مثلا يعرّض المستخدم لعدّة صعوبات، عندما يريد العودة لتدوينات معينة في فترة زمنية مضت عليها مدة من الزمن. ولتفادي هذه الصعوبة قد يلجأ المطلع على تلك التدوينات لتسجيلها lenregistrement لكن بالتسجيل لا نستطيع أن نجاري التعديلات التّي طرأت على التدوين والتفاعلات حولها، إن كانت هناك تعديلات وكذلك لا نستطيع التعرّف إن كان هناك تفاعل إضافيّ مع التدوينة أم لا، لذلك كنا نسجّل رابط التدوينة كي نعود إليها، عندما يستوجب الأمر ذلك، ويبقى التسجيل تقنية ثمينة يعتمدها الباحث كي يحمي مادة بحثه من التّلف.

ج- الخداع الإلكتروني:

إلى جانب وجود بيانات ذات دلالات غير دقيقة، فمثلما لا يعكس عدد المشاهدات التّي يقدّمها موقع يوتيوب YouTube معلومات دقيقة عن كثافة المشاهدة لمقاطع الفيديو المنشورة عليه، فإنّنا نورد نفس الملاحظة بالنسبة إلى عدد المعجبين بصفحة ما على الفيسبوك، فعدد الٍإعجابات قد لا تعكس مدى تردّدهم ومتابعتهم للصفحة. لذلك لا نستطيع اعتماد عدد المعجبين والمتابعين بصفة آلية إلا بعد اختبار درجة المتابعة من خلال التعليق والنشر، خاصة بعد ظهور جوانب تجارية وترويجية تتيح إمكانية شراء المتابعين والمعجبين للحسابات الإلكترونية على تلك المواقع. كما أن المحتوى يتّسم بحالة تجدد وتغيّر شبه مستمرة، سواء كانت بالإضافة والتطوير أو بالحذف والاختفاء. الأمر الذي يضع إشكالية أمام المستخدم عند الرغبة في تطبيق اختبارات الصدق والثبات.

11/ الخاتمة:

أصبحنا مع التكنولوجيا التواصلية الحديثة، نتحدث عن عقلانية تواصليّة استفادت من الاكتشافات الدقيقة في مجال التواصل وتدعمت بقيم الحداثة ومبادئ الفردانية. وتمت مراجعة العلاقة ما بين الفكر والذات من ناحية والعلاقة بين الذوات من ناحية أخرى، فأصبحنا نتحدث عن تواصل وتذاوت أعيد فيه الاعتبار للّغة، لا من حيث هي تركيبة جامدة لمجموعة قواعد نحوية وصرفية ولغوية، بل بما هي تداولية تولي للسياق المكاني والزماني القيمة المثلى في فعل التواصل وتحقيق تفاعل حقيقي بين المتحاورين.

تعزز هذا التواصل ببروز الفضاء العام الافتراضي الذي غيّر مفهوم التواصل والتقارب بين الشعوب، وأفرز علاقات جديدة بين أبناء المجتمع الإنساني، وتعددت وظائفه الاجتماعية، لتصبح وسيلة من وسائل النضال السلمي الحضاري القادر على محاربة الديكتاتورية، والمساهمة في التغيير السياسي ونشر مبادئ الديمقراطية وتعزيز قيم الفردانية بسلاح الكلمة الحرة والتعبير البليغ. لقد طورت هذه الوسائل طرائق المشاركة في الشأن العام، وساهمت في تحرير الفرد من العزلة السياسية والنأي به بعيدا عنها، وزجت به في فضاء عام لا محدود، تشاركي، ديمقراطي، يتم فيه تناول الشأن العام وتدارس مستجداته بكل حرية.

 

المراجع:

* Ion Jacques, S’engager dans une société d’individus, Paris, Armand Colin, coll, «I’individu et société», 2002

* castells Manuel, L’ère de linformation, 2vols vol, 1: la socétè en réseau, (Paris: Fayard 1998)

* Njjar Sihem, le cyberactivisme au maghreb et dans le monde arabe, Karthala, 2013, Paris.

[1] Jacques Ion, S’engager dans une société d’individus, Paris, Armand Colin, coll, «I’individu et société», 2002, p56

[2] Sihem Njjar, le cyberactivisme au maghreb et dans le monde arabe, Karthala, 2013, (Paris), p17.

[3] رشيد العلوي، "هابرماس بعيون أوسكار نيغت، الفضاء- العمومي- المعارض- نقد- أطروحة- هابرماس"، مؤمنون بلا حدود، أكتوبر2014. على الرابط التالي: https: //bit.ly/2VUW4E9، تاريخ الدخول 9/12/2020

[4] ويكيبيديا الموسوعة الحرة: تاريخ الانترنت على الرابط التالي: https: //bit.ly/2ZNUaIx تاريخ الدخول: 25/02/2020

[5] Kelsey Beninger, Alexandra Fry, Natalie Jago, Hayley Lepps, Laura Nass and Hannah Silvester. (2014). Research Using Social Media, p15

[6] Antoine Doré, 2012, « Jacques Ion, S'engager dans une société d'individus », Lectures [En ligne], Les comptes rendus, mis en ligne le 12 novembre 2012, consulté le 14 septembre 2013. URL: http: //lectures.revues.org/9794

[7] Jacques Ion S’engager dans une société d’individus, OPCIT, p56

[8] JAQUES ION, S’engager dans une société d’individus, OPCIT, p 124

[9] JAQUES ION, S’engager dans une société d’individus, IBID, P189

[10] جمال الزرن، "تساؤلات عن الإعلام الجديد والإنترنت، العرب وثورة المعلومات" (العرب وثورة المعلومات)، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، (بيروت لبنان)، 2005

[11] Manuel castells, L’ère de linformation, 2vols vol, 1: la socétè en réseau, (Paris: Fayard 1998).

[12] مها عبد المجيد. "الإشكاليات المنهجية في دراسة تطبيقات الإعلام الاجتماعي" مؤتمر "وسائل التواصل الاجتماعي: التطبيقات والإشكالات المنهجية"، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – كلية الإعلام والاتصال، المملكة العربية السعودية، الرياض، 10-11 مارس 2015

[13] منشور من صفحة "نوادرالسياسية في تونس" بعنوان الصبع لي ماشي للنهضة والنداء القص أولى بيه، على الرابط التالي: https: //bit.ly/37KVzS0 تاريخ الدخول: 5ماي 2018

[14] جدار صفحة "مسكينة تونس" على الرابط التالي: https: //bit.ly/2JqKA8t. تاريخ الدخول 25 أفريل 2018.

[15] ويكيبيديا الموسوعة الحرة: الرقابة على الأنترنت على الرابط التالي: 2019: https: //bit.ly/2TLCMAo. تاريخ الدخول 14 فبراير.

[16] منشور من مدونة "تونس أخرى ممكنة" لسفيان الشورابي توثق حجب بعض المناشير على الرابط التالي: https: //bit.ly/36K4Zgb