عيشة قنديشة: وهم الحكاية وحقيقة التاريخ


فئة :  مقالات

عيشة قنديشة:  وهم الحكاية وحقيقة التاريخ

عيشة قنديشة:

وهم الحكاية وحقيقة التاريخ

يزخر المخيال الشّعبي في الثقافة المغربية بكثير من الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية التي توارثها الآباء عن الأجداد، فكوّنت تراثا شعبيا آمن به الكثيرون الذين غالبا ما يستحضرونه في حواراتهم اليومية؛ ولاسيما ما تعلق ببعض الشخصيات التي كان لها حضور قوي في الذاكرة الشعبية المغربية، وذلك لما تحتوي عليه من تصورات خرافية ظلت عالقة في أذهان النّاس سنين عددا، وزاد الحكاؤون من إضفاء ألوان خرافية عليها، ما جعل المتلقي يتخيل هذه الشخصية أو تلك كما قدمها الحكواتي، وهو أمر فتح الباب أمام المؤرخين كذلك للبحث في أصول هذه الشخصيات، وهم يتلمّسون من خلال وقائع وأحداث أو حتى من ظلال التاريخ صورة حقيقية تجعل منها رمزا تاريخيا. يقول سعيد يقطين: "تعتبر الشخصية أهم مكونات العمل الحكائي، لأنها تمثل العنصر الحيوي الذي يضطلع بمختلف الأفعال التي تترابط وتتكامل في مجرى الحكي. لذلك، لا غرو أن نجدها تحظى بالأهمية القصوى لدى المهتمين والمشتغلين بالأنواع الحكائية المختلفة، ولم يشذ دارسو السيرة الشعبية العربية عن هذه القاعدة. لقد جعلوا البحث في الشخصية محور انشغالهم ومحط عنايتهم. غير أن اهتمامهم الأساس انصب على البعد المرجعي التاريخي للشخصية، فراحوا يبحثون في عمق الصلات التي تجمع السير بالشخصيات التاريخية التي يزخر بها التاريخ العربي، محاولين إبراز التحولات التي طرأت على هذه الشخصيات، وهي تنتقل إلى العمل الحكائي. لقد تجشموا عناء البحث في التاريخ مقارنين ومستنتجين وعاملين على تنحية مختلف الترسبات الحكائية أو الحكائية التي تراكمت بفعل العملية الخيالية الإبداعية بغية الوصول إلى الملامح "الحقيقية" والصافية للشخصية كما هي في التاريخ".[1]

وتعدّ عيشة قنديشة، واحدة من الشخصيات الأسطورية/ الخرافية التي تحضر بقوة في المخيال الشعبي المغربي؛ فهي شخصية كما تصوّرها الرّواة جنّية تظهر في هيئة امرأة بارعة الجمال، ولكن تمشي بقدمين يشبهان حوافر الجمال، وأنها غالبا ما تخرج في الليل وتختفي في النهار، وغالبا ما تعيش في المستنقعات والغابات، ويضيف الرواة أن هذه الجنّية كلّما ظهرت لرجل أخذت عقله واستمالته إلى وكرها كي تمارس معه الجنس، ثم تقتله وتشرب من دمه. وأن لا شيء يقهرها ويردعها سوى النار، فقد ظهرت لبعض الرجال، وهم في طريقهم إلى قريتهم، وكادت أن توقع بهم إلا أن أحدهم لاحظ حوافرها، وأدرك أنها الجنية المدعوة: "عيشة قنديشة"، وللتخلص من شرّها، بادروا إلى إشعال النار، حتى تتراجع عنهم وتبتعد عن طريقهم. وفي رواية أخرى، تذكر بعض العجائز المغربيات، أن هذه الجنّية هي في الأصل امرأة فقدت زوجها، لكنها لم تحترم أيّام العدة التي تلتزم بها الأرامل بعد فقدان أزواجهن، فمسخت وتحوّلت إلى بغلة تظهر ليلا، وهي تجرّ كومة من السلاسل الثقيلة، ومقرها المقابر. وانطلاقا من هذه التصورات والروايات نتساءل:

هل عيشة قنديشة شخصية خيالية، من صنع خيال الرواة، أم هي شخصية حقيقية؟ وإذا كانت حقيقية فمن أين أتت وأين كانت تعيش؟ وما أصولها؟

تحضر سيرة "عيشة قنديشة" الشهيرة في التراث الشعبي المغربي بقوة، واختلف الرواة في تحديد هويتها؛ فمنهم من أشار إلى أنها عاشت في القـرن الخامس عشـر الميلادي، يعود أصلها إلى منطقة أزمور، ويقال إنها قاومت الاحتلال البرتغالي وصدّت هجوماته، حتى ظنوا أنها جنية، لأنهم لم يتمكنوا من القبض عليها، وكان أسلوبها هو استدراج الجنود وجذبهم بجمالها، حتى تتمكن منهم ثم ـتجهز عليهم، وتذكر بعض الروايات أنها تعرضت لصدمة بعد أن أعدموا زوجها وأفراد أسرتها، فأصيبت بالجنون وهربت إلى الأماكن الرطبة في الغابات، وكانت كلما صادفت رجلا هاجمته بحيلها وأساليبها.[2]

وتذكر روايات أخرى، أن عيشة قنديشة هي امرأة تنحدر من الأندلس، من عائلة موريسكية نبيلة طُردت من هناك، أسماها البرتغاليون "عائشة الكونتيسة"؛ أي الأميرة عائشة (contessa)، وقد تعاونت مع الجيش المغربي آنذاك لمحاربة البرتغاليين الذين قتلوا وشردوا أهلها؛ فأظهرت براعة وشجاعة في القتال حتى ظن البعض وعلى رأسهم البرتغاليون أنها ليست بشراً، وإنما جنية. وقد حققت عايشة قنديشة لنفسها هيبة ومجداً لدى المقاومين والمجاهدين، وعامة المغاربة عندما حاربت الاحتلال بكل شجاعة وذكاء. ويُروى أنها كانت - أحياناً - تتخذ في مقاومتها مذهباً غريباً، حيث كانت تقوم بإغراء جنود الحاميات الصليبية وتجرهم إلى الوديان والمستنقعات حيث تذبحهم، الشيء الذي أرعب جنود الاحتلال.

لقد أخذت هذه الشخصية التي تراوح وجودها بين الخرافة والتاريخ، أسماء مختلفة باختلاف المناطق التي تتحدث عنها، فهي اسم يذكر في غرب الجزائر، وفي المغرب، ب عائشة قنديشة، وعائشة السودانية، وعائشة لكناوية، ولالة عايشة، وعائشة كونتيسا، وهي أسماء تشي باختلاف الرواة في تحديد أصولها المتعددة؛ فهي أمازيغية وبرتغالية وسودانية...[3]

وأمام هذا التعدد في الروايات لتحديد وضبط هوية عايشة قنديشة، عنيت الدراسات المهتمة بالتراث الشعبي المغربي بالبحث في أصل قصتها؛ ومنها ما قام به عالم الاجتماع المغربي ذو الأصول الفرنسية بول باسكون، وجون مازيل، والباحث الفلندي وستر مارك.

فقد ذهب الباحث الفرنسي جون مازيل، إلى أن مدينة مراكش هي المدينة الوحيدة التي تختزن المعتقدات الحية، ولذلك ليس بالأمر الغريب أن تكون عيشة قنديشة عنصرا مركزيا في خرافات هذه المدينة[4]، فقد عني رواة جامع الفنا بسرد قصص عن حياتها، وعن تحولاتها وضحاياها، وعن وضعيتها العائلية. كما ذكر جورج لباساد، أن عيشة قنديشة هي أخت سيدي علي بن حمدوش. أما فانسون كرابانزانو، فذكر أنها تزوجت من جني اسمه حمو كيو، وليس حمو الأحمر الجني الذي كان يقطن المجازر، ويسمى بابا حمو.[5]

وذكر الباحث الفرنسي بول باسكون (1958/1932)، أن عشية قنديشة، كبيرة الجنيات، كانت تسكن في الأماكن الرطبة، وهي واحدة من الجن النادرين في المغرب الذي أضفى عليهم اسم علم وشخصية محدَّدة، حتى وإن كانت مزدوجة. إنها، بالنسبة إلى بعض الناس، شابة حامية تغوي عشاقها وتسحرهم ثم تلتهمهم مثلما تصنع فَويفَر (Vouivre) الشامبانية أو مرغانا البروتونية، كما أنها، بالنسبة إلى البعض الآخر، ساحرة شمطاء حسودة تلتذ بالفصل بين الأزواج.

وذهب الأنثروبولوجي الفنلندي ويستر مارك الذي درس أسطورة عيشة قنديشة بعمق إلى أن البحث في هذا الأمر، إنما يتعلق باستمرار لمعتقدات تعبدية قديمة، حيث ربط بين عيشة قنديشة و“عشتار”[6] آلهة الحب القديمة التي حظيت بقدسية كبيرة عند شعوب البحر الأبيض المتوسط وبلاد الرافدين من القرطاجيين والفينيقيين والكنعانيين، حيث كانوا يقيمون على شرفها طقوساً مقدسة، ثم انتقلت هذه الطقوس إلى الاعتقاد ب“عيشة قنديشة” التي تسكن العيون والأنهار والبحار والمناطق الرّطبة بشكل عام.

ويجدر التنبيه إلى أن مثل هذه الآراء جاءت مسبوقة برأي يختلف تماما عما ذكره هؤلاء الباحثون؛ وهو رأي يعود إلى القاضي السملالي (1959/1877) الذي ذكر في كتابه "الإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات من الأعلام" أن "عيشة قنديشة" كانت وليّة صالحة ومتصوّفة عاشت في فترة سيدي محمد بن عبد الرحمان المتوفَّى سنة 1873 م، والذي كان يزورها للتبرك بدعواتها، وعايشت مجموعة من الأولياء كسيدي الزوين المشهور، وكانت تغزل الشتب وتعمله حبالاً تخاط به البرادع وتقتات من ذلك، وكانت تقول زجلاً تشير فيه إلى الغلاء وانحباس المطر وذهاب الأخيار وظهور الأشرار، توفيت عيشة قنديشة ودفنت بمقبرة باب أغمات في مراكش.[7]

وتذكر بعض الوقائع التاريخية أن عيشة كانت مسافرة حين هاجم الجيش البرتغالي قريتها "أزمور" في المغرب عام1558، وأبادوا كل سكانها بما فيهم عائلتها وزوجها، فقررت الانتقام بسلاحها الوحيد، وهو جمالها الأخاذ.

وإذا ما وضعنا جميع الآراء المذكورة في ميزان التأمل والتدبر، لوجدنا أن آراء الباحثين الغربيين فيها بعضا من التحامل على شخصية عيشة قنديشة، حيث كادوا يتفقون جميعا على أنها ضرب من الخيال والأسطورة، فسوقوها جنية تظهر وتختفي ليلا، بخلاف ذلك، يقدمها القاض السملالي كشخصية ورعة متزهّدة في حياتها، وهو رأي فيه من الحقيقة التاريخية ما يعارض التصورات الخيالية..

إن التعدد في الأسماء التي لقبت بها عائشة (مولات الواد - السوادانية - الكونتيسة)، هو تعدّد يدل على أن ثمة عائشات وليس عائشة واحدة، وما يعزز هذا الرأي هو الاختلاف في الروايات، حيث تناول الباحثون عائشة بالدرس من حيث كونها تقيم في الأماكن الرطبة والمستنقعات، وهو رأي يستند عليه بول باسكون، وإذا ما أمعنا النظر في هذا الرأي، فإنه يقودنا إلى استنتاج مفاده:

- أن عائشة التي كانت تقيم في الأماكن الرطبة من وديان ومستنقعات، هي تلك المرأة التي قاومت الاحتلال البرتغالي بشراسة، ولم يتمكن جنوده من القبض عليها، فسوّقوا لها صورة الجنية التي تستدرج الرجال بجمالها الباهر، وتقودهم إلى أماكن مجهولة كي تجهز عليهم، ومن ثمة علِق هذا التصوير في مخيال الناس. واعتمد عليه الرّواة في تصويرهم لعائشة قنديشة، وهم يصفونها بعائشة مولات الواد أو مولات المرجة.

أما عائشة السّودانية، فهي تلك المرأة التي أقامت في مراكش، وهو رأي للقاضي السملالي، فيقودنا إلى أن:

- عائشة السّودانية، سميت بهذا اللقب لأنها كانت تقيم في جنوب المغرب الذي عرف عبر التاريخ بانفتاحه على الطرق الصحراوية التجارية نحو إفريقيا، وقد عرفت هذه المرأة بورعها وزهدها وتقواها كما وصفها القاضي السملالي. فظلت تحمل لقب عائشة السودانية. وتذكر بعض الوقائع التاريخية، أن "الشيخ علي بن حمدوش[8]، لما عزم الزواج أحضر له أحد أتباعه، الذي كان في زيارة لبلاد إفريقيا، فتاة من هناك أعجبته أخلاقها، وعندما حضر بها إلى المغرب الأقصى، فوجئ بخبر وفاة الشيخ، وهو أعزب، وبقيت العروس تبكي على قبره حتى حصلت لها البركة، وصارت-بحسب معتقداتهم- رمزا للفتيات طالبات الزواج". وهذه الفتاة هي عائشة السودانية.

بخلاف ذلك، يرتبط لقب عائشة الكونتيسة، بالمرأة ذات الأصول الموريسكية؛ فعائشة الكونتيسة،

هي امرأة أندلسية من عائلة موريسكية نبيلة، قدمت إلى المغرب بعد طرد عائلتها من هناك، وكان البرتغاليون يلقبونها بـ (Contessa Aïcha)؛ أي (الأميرة عائشة). وقد ربط بعض المؤرخين اسمها باسم المرأة الحرة أو عائشة الحرة، وإن كان البعض منهم يربط اسم المرأة الحرة بفاطمة[9] وليس عائشة، يقول عبد الله عنان: "وتحتل شخصية عائشة الحرة في حوادث سقوط غرناطة مكانة بارزة. وليس ثمة في تاريخ تلك الفترة الأخيرة من المأساة الأندلسية شخصية تثير من الإعجاب والاحترام، ومن الأسى والشجن، قدر ما يثير ذكر هذه الأميرة النبيلة الساحرة، التي تذكرنا خلالها البديعة، ومواقفها الباهرة، وشجاعتها المثلى إبان الخطوب المدلهمة، بما تقرأه في أساطير البطولة القديمة من روائع السير والمواقف".[10]

وتشير مرويات تاريخية أخرى، أن عائشة سيدة حرة، حكمت شفشاون بشمال المغرب خلال القرن السادس عشر، وهي ابنة أمير شفشاون علي بن موسى بن راشد وشقيقة وزير وزوجة حاكم تطوان محمد المنظري، ثم زوجة السلطان أحمد الوطاسي فيما بعد.

غادرت عائشة رحاب الرفاهية بالقصر السلطاني إلى ساحة المعارك لمواجهة القوات الأجنبية التي كانت تترصد بلادها. وكانت في الصفوف الأمامية لمواجهة العدو، وتمكنت من قتل أصلب محاربي الجيش البرتغالي، مما دفعهم إلى وصفها بالسيدة الحديدية، وعائشة الكنديسة تشريفا لها ومقرّين بصلابتها وبسالتها وشجاعتها، خلافا للقب الذي أسندته إليها الحكاية الشعبية، وهو لقب يرتبط بالخوف والرعب، لقب "عائشة قنديشة". ويذكر أن عائشة كنديسة شاركت في معركة واد المخازن عام 1578م، والتي كان النصر فيها عظيما، لكن لا أحد استطاع أن يعثر عليها بين جثث الشهداء[11].

ويبقى من الصعب أن نجزم أن عائشة قنديشة هي شخصية حقيقية دوّن التاريخ بطولاتها تجاه الاحتلال الأجنبي، بل ومن الصعب كذلك الإيمان بما رواه عنها الرواة، أو ما دونته المصادر الأجنبية التي تحدثت عن أفعالها غير الطبيعية، والتي تنتمي إلى أفعال الجن والشياطين بعيدا عن العقل، وهو ما يختلف عما تناولته كتب التاريخ التي أكدت أن السيدة الحرة أو عائشة الكونتيسة أبانت عن دور المرأة البطولي؛ فخرجت بسلطتها من دائرة الأسطورة والحكاية، لتثبت موقعها داخل التاريخ كشخصية تصنع البطولات، وهي تدافع عن كرامتها وحريتها، يقول محمد عبد الله عنان: "والواقع أن حياة السلطانة "الحرة"، تبدو لنا خلال الحوادث والخطوب كأنها صفحة من القصص المشجى، أكثر مما تبدو كصفحة من التاريخ الحق، وهذا اللون القصصي لا يرجع فقط إلى كونها أميرة أو امرأة، تشترك في تدبير الملك وتدبير الشؤون والحوادث، ولكن يرجع بالأخص إلى شخصيتها القوية، وإلى سمو روحها ورفيه مثلها، وإلى جانبها الجريء يواجه كل خطر، ويسمو فوق كل خطب ومصاب. والرواية القشتالية ذاتها-وهي تسميها عائشة حسبما قدمنا، لا تضن عليها بالتنويه والتقدير، وهي التي تسبغ على شخصيتها وحياتها كثيرا من هذا اللون القصصي المشجى".[12]

يضعنا هذا القول أمام متواليتين رسم فيهما صاحبه صورة عائشة؛ الأولى هي صفحة من القصص، والثانية هي شخصية تاريخية، وهما متواليتان حاول الباحث من خلالهما توصيف الشخصية التي تتكئ عليها عائشة، كشخصية محورية،

نستشف إذن، أن شخصية عائشة قنديشة، هي سيرة شعبية مطابقة للوقائع التاريخية التي ظهرت فيها، والتي غلفها الرواة بما يتماشى مع تصوراتهم حتى بلغتنا سيرة عائشة قنديشة في صورة الجنية التي تقتل وتلتهم وتتوارى في المستنقعات، ما جعل الباحثين يكثفون جهودهم للكشف عن البعد التاريخي المطابق لشخصيتها، فلا مشاحة "أن للسير الشعبية أبعادا واقعية وسياقا تاريخيا محددين، لكن التركيز عليها وحدها، علاوة على كونه يجعلنا نختزل السيرة الشعبية في مطابقة بسيطة للواقع وللتاريخ، من خلال الذهاب إلى أنها جاءت "لتعبر عن..." أو "تدل على..."، ...يجعلنا من جهة، نحرف أبصارنا عن أبعادها التعبيرية والشكلية وطرائقها السردية. ومن جهة ثانية، يجعل بحثنا في مادتها الحكائية قاصرا عن الإمساك بمختلف تجلياتها البنيوية، وأبعادها المختلفة والمتعددة...".[13]

تلك هي حكاية السيدة التي كانت تخفق لها القلوب داخل وخارج البلاد وأخطأتها الروايات المتواترة، وبدل الكونتيسة عائشة، أصبحت عيشة قنديشة، فتحولت من سيدة شجاعة إلى مجرد سيدة مرعبة بحوافر جمال أو ماعز تتصيد طرائدها من البشر لإشباع رغباتها.

ووفق ما تقدم، فإن متخيّل الحكي الواقعي، يظل داخل النصوص المروية قابلا للتماثل والتوازي مع ما يمكن تسميته بالواقع الممكن على أساس احتمالي، إذ نتلقى متنا حكائيا يتوازى مع واقع محتمل، انطلاقا من واقع يكون مجال تحكم خالص لرؤى العقل وتقديراته، فيما يشتغل الحكي اللاواقعي في النصوص المروية على أساس لا احتمالي، وهو ما يضع المتلقي أمام بنية لا احتمالية تشد انتباهه في كثير من المفاجآت العجيبة والغريبة، كما هو الشأن في سيرة عيشة قنديشة[14].

 

المراجع المعتمدة:

1- سعيد يقطين، قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1997

2- محمد عبد الله عنان، نهاية الأندلس وتاريخ العرب المنتصرين، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1966

3- القاضي العباس بن إبراهيم السملالي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، راجعه عبد الوهاب بن منصور، مؤرخ المملكة، المطبعة الملكية، الرباط، الجزء التاسع، الطبعة الثانية، 1413-1993

4- بول باسكون، الأساطير والمعتقدات بالمغرب (الكنوز المطمورة، التمائم، اللعنة والبركة، مقال ترجمه مصطفى المسناوي، المجلة المغربية للاقتصاد والاجتماع، ( BESM)، العدد 165-166، 1986

5- Vincent Crapanzano: The Hamadsha. A Study in Moroccan Ethnopsychiatry. University of California Press, Berkeley/ Los Angeles/London 1973

6- Samira Douider, « Deux mythes féminins du Maghreb: la Kahina et Aïcha Kandicha », Recherches & Travaux [En ligne], 81 | 2012, mis en ligne le 30 juin 2014, consulté le 14 janvier 2020. URL: http://journals.openedition.org/recherchestravaux/547

7- Abderrazzak EL QAROUNI. Culture: Aïcha Kandicha, représentations et croyances populaires. http://www.lopinion.ma/def.asp?codelangue=23&id_info=33965&date_ar=2013-7-30

[1]- سعيد يقطين، قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1997، ص 87

[2]- Samira Douider, « Deux mythes féminins du Maghreb: la Kahina et Aïcha Kandicha », Recherches & Travaux [En ligne], 81 | 2012, mis en ligne le 30 juin 2014, consulté le 14 janvier 2020. URL: http://journals.openedition.org/recherchestravaux/547

[3]- Samira Douider, « Deux mythes féminins du Maghreb: la Kahina et Aïcha Kandicha », Recherches & Travaux [En ligne], 81 | 2012, mis en ligne le 30 juin 2014, consulté le 14 janvier 2020. URL: http://journals.openedition.org/recherchestravaux/547

[4]- Abderrazzak EL QAROUNI. Culture: Aïcha Kandicha, représentations et croyances populaires. http://www.lopinion.ma/def.asp?codelangue=23&id_info=33965&date_ar=2013-7-30

[5] -Vincent Crapanzano: The Hamadsha. A Study in Moroccan Ethnopsychiatry. University of California Press, Berkeley/ Los Angeles/London 1973

[6]- http://www.2521project.org/ar/3699-2/

ينظر كتاب:

Edward wester Mark: Ritual and Belief in Morocco. Macmillan and Co, London 1926

[7]- القاضي العباس بن إبراهيم السملالي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، راجعه عبد الوهاب بن منصور، مؤرخ المملكة، المطبعة الملكية، الرباط، الجزء التاسع، الطبعة الثانية، 1413-1993، ص

[8]- يوجد ضريح سيدي علي بن حمدوش بمنطقة تبعد عن ولاية مكناس- تافيلالت بـ حوالي 15 كلمترا تقريبا، وتوجد بالقرب من الضريح، شجرة تذبح بجانبها الذبائح وتقدم كقربان، وهي ترمى على جنبات الضريح، لنيل البركة، وتصحبها في الغالب بخور وحناء وحليب. وحسب المعتقدات، فزيارة هذا الضريح لا يمكن أن تكتمل إلاّ بالمرور عبر أربع مراحل؛ أولاها أخذ الطبق إلى ضريح سيدي أحمد الدغوغي، ثم مرحلة النزول إلى الحفرة، حيث توجد هناك لالة عيشة الحمدوشية، لتقدم إليها القرابين وإشعال الشموع، ومنها إلى زيارة قبة سيدي علي بن حمدوش، وتأتي أخيراً مرحلة العوم داخل بيوت، يعتقد الزائرون أن مياهها تنبع من سبع عيون تسمى عين لالة عيشة.

[9]- محمد عبد الله عنان، نهاية الأندلس وتاريخ العرب المنتصرين، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1966، ص 196

[10]- المرجع نفسه، ص 197،

[11]- سميرة عثماني، كونتيسة حولها التراث الشعبي إلى جنية بشعة، جريدة المساء، يوم 06- يوليو- 2012

[12]- محمد عبد الله عنان، نهاية الأندلس، ص198

[13]- سعيد يقطين، قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1997، ص ص 9-10

[14]- عبد السلام شرماط، الصراع بين الإيمان والوثنية في السيرة الشعبية الإسلامية، موقع مؤسسة مؤمنون بلاحدود للدراسات والأبحاث،

https://mominoun.com/pdf1/2015-01/54c9d16e9ddc4711243051.pdf